11/463 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ سَبْعٌ فِي الأُولَى وَخَمْسٌ فِي الآخِرَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَن الْبُخَارِيِّ تَصْحِيحَهُ.
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ): هُوَ أَبُو إبْرَاهِيمَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، سَمِعَ أَبَاهُ وَابْنَ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُساً، وَرَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَلَمْ يُخَرِّج الشَّيْخَانِ حَدِيثَهُ، وَضَمِيرُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ إنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَبَاهُ شُعَيْباً رَوَى عَنْ جَدِّهِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَذَا، فَيَكُونُ مُرْسَلاً؛ لأَنَّ جَدَّهُ مُحَمَّداً لَمْ يُدْرِك النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ الَّذِي فِي أَبِيهِ عَائِداً إلَى شُعَيْبٍ، وَالضَّمِيرُ فِي جَدِّهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَيُرَادُ أَنَّ شُعَيْباً رَوَى عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ، فَشُعَيْبٌ لَمْ يُدْرِكْ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ؛ فَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَمْ يُخَرِّجَا حَدِيثَهُ.
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: قَدْ ثَبَتَ سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَد احْتَجَّ بِهِ أَرْبَابُ السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
(عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ)؛ أَيْ: فِي صَلاةِ عِيدِ الْفِطْرِ، (سَبْعٌ فِي الأُولَى)؛ أَيْ: فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، (وَخَمْسٌ فِي الأَخِيرَةِ)؛ أَي: الرَّكْعَةِ الأُخْرَى، (وَالْقِرَاءَةُ) الْحَمْدُ وَسُورَةٌ (بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَن الْبُخَارِيِّ تَصْحِيحَهُ). وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَصَحَّحَاهُ، وَقَدْ رَوَوْهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَسَعْدٍ الْقُرَظِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَكَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْكُلُّ فِيهِ ضُعَفَاءُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفاً، وقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا صَارُوا إلَى الأَخْذِ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ.
قُلْتُ: وَقدْ رَوَى الْعُقَيْلِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ يُرْوَى فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
هَذَا وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الأُولَى مِنْ رَكْعَتَيِ الْعِيدِ سَبْعاً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا بِتَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ، وَأَنَّهَا مِنْ غَيْرِهَا، وَالأَوْضَحُ أَنَّهَا مِنْ دُونِهَا، وَفِيهَا خِلافٌ.
وَقَالَ فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ: إنَّ تَكْبِيرَةَ الافْتِتَاحِ مِنْهَا، إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ. وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْساً، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِن الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَخَالَفَ آخَرُونَ فَقَالُوا: خَمْسٌ فِي الأُولَى، وَأَرْبَعٌ فِي الثَّانِيَةِ. وَقِيلَ: ثَلاثٌ فِي الأُولَى، وَثَلاثٌ فِي الثَّانِيَةِ. وَقِيلَ: سِتٌّ فِي الأُولَى، وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ.
قُلْتُ: وَالأَقْرَبُ الْعَمَلُ بِحَدِيثِ الْبَابِ؛ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ طُرُقِهِ وَاهِيَةً؛ فَإِنَّهُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضاً؛ وَلأَنَّ مَا عَدَاهُ مِن الأَقْوَالِ لَيْسَ فِيهَا سُنَّةٌ يُعْمَلُ بِهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ، وَذَهَبَ الْهَادِي إلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ قَبْلَهَا فِيهِمَا، وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي (الْبَحْرِ) بِمَا لا يَتِمُّ دَلِيلاً. وَذَهَبَ الْبَاقِرُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ التَّكْبِيرَ فِي الأُولَى، وَيُؤَخِّرُهُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِيُوَالِيَ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: إنَّهُ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَن الْبُخَارِيِّ تَصْحِيحَهُ، وَقَالَ فِي (تَلْخِيصِ الْحَبِيرِ): إنَّهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ: إنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، فَلا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ نَقَلَهُ عَن التِّرْمِذِيِّ؛ فَإِنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمْ يُخَرِّجْ فِي سُنَنِهِ رِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَصْلاً، بَلْ أَخْرَجَ رِوَايَةَ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
وَقَالَ: حَدِيثُ جَدِّ كَثِيرٍ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَذْكُرْ عَن الْبُخَارِيِّ شَيْئاً.
وَقَدْ وَقَعَ لِلْبَيْهَقِيِّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى هَذَا الْوَهْمُ بِعَيْنِهِ، إلاَّ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لِحَدِيثِ كَثِيرٍ، فَقَالَ: قَالَ أَبُو عِيسَى: سَأَلْتُ مُحَمَّداً؛ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ، عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ أَصَحُّ مِنْهُ، قَالَ: وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ صَحِيحٌ أَيْضاً، انْتَهَى كَلامُ الْبَيْهَقِيِّ.
وَلَمْ نَجِدْ فِي التِّرْمِذِيِّ شَيْئاً مِمَّا ذَكَرَهُ، وَقَدْ نَبَّهَ فِي تَنْقِيحِ الأَنْظَارِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَقَالَ: وَالْعَجَبُ أَنَّ ابْنَ النَّحْوِيِّ ذَكَرَ فِي خُلاصَتِهِ عَن الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّداً عَنْهُ.. إلَخْ، وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَلَّدَ فِي النَّقْلِ عَن التِّرْمِذِيِّ عَن الْبُخَارِيِّ الْحَافِظَ الْبَيْهَقِيَّ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَنْسُبْ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إلاَّ إلَى أَبِي دَاوُدَ.
وَالأَوْلَى الْعَمَلُ بِحَدِيثِ عَمْرٍو؛ لِمَا عَرَفْتَ، وَأَنَّهُ أَشْفَى شَيْءٍ فِي الْبَابِ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ سَكْتَةً لَطِيفَةً، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ ذِكْرٌ مُعَيَّنٌ بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ الْخَلاَّلُ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ قَدْرَ كَلِمَتَيْنِ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ، وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ ضَعِيفٌ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ مَعَ تَحَرِّيهِ لِلاتِّبَاعِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ.