دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 محرم 1430هـ/6-01-2009م, 04:47 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب صلاة الجمعة (15/21) [استحباب الغسل للجمعة والإنصات للخطيب]


وعن أبي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((مَنِ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّيَ مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)). رواهُ مسلِمٌ.


  #2  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 08:33 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


18/431 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنِ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ الإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَفَضْلُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَن اغْتَسَلَ)؛ أَيْ: لِلْجُمُعَةِ؛ لِحَدِيثِ: ((إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ))، أَوْ مُطْلَقاً، (ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ)؛ أَي: الْمَوْضِعَ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ، كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ: (فَصَلَّى) مِن النَّوَافِلِ (مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ الإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَفَضْلُ)؛ أَيْ: زِيَادَةُ، (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فِيهِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لا بُدَّ فِي إحْرَازِهِ لِمَا ذُكِرَ مِن الأَجْرِ مِن الاغْتِسَالِ، إلاَّ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ((مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ)).
وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيَانُ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَأَنَّهُ لا بُدَّ مِن النَّافِلَةِ حَسْبَمَا يُمْكِنُهُ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهَا بِحَدٍّ، فَيَتِمُّ لَهُ هَذَا الأَجْرُ وَلَو اقْتَصَرَ عَلَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَقَوْلُهُ: (أَنْصَتَ) مِن الإِنْصَاتِ، وَهُوَ السُّكُوتُ، وَهُوَ غَيْرُ الاسْتِمَاعِ؛ إذْ هُوَ الإِصْغَاءُ لِسَمَاعِ الشَّيْءِ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}، وَتَقَدَّمَ الْكَلامُ: هَل الإِنْصَاتُ يَجِبُ أَوْ لا؟
وَفِيهِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَن الْكَلامِ إنَّمَا هُوَ حَالَ الْخُطْبَةِ لا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، وَلَوْ قَبْلَ الصَّلاةِ؛ فَإِنَّهُ لا نَهْيَ عَنْهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ " حَتَّى "، وَقَوْلُهُ: ((غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ))؛ أَيْ: مَا بَيْنَ صَلاتِهَا وَخُطْبَتِهَا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِن الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ، حَتَّى يَكُونَ سَبْعَةُ أَيَّامٍ بِلا زِيَادَةٍ وَلا نُقْصَانٍ؛ أَيْ: غُفِرَتْ لَهُ الْخَطَايَا الْكَائِنَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا.
(وَفَضْلُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ): وَغُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مَعَ السَّبْعِ، حَتَّى تَكُونَ عَشَرَةً. وَهَل الْمَغْفُورُ الصَّغَائِرُ والْكَبَائِرُ؟ الْجُمْهُورُ عَلَى الصَّغَائِرِ، وَأَنَّ الْكَبَائِرَ لا يَغْفِرُهَا إلاَّ التَّوْبَةُ.


  #3  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 08:33 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


377 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنِ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ، حَتَّى يَفْرُغَ الإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ ـ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَفَضْلُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
مَنْ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ: اسْمُ شَرْطٍ جَازِمٌ يَجْزِمُ فِعْلَيْنِ، الأَوَّلُ: فِعْلُ الشَّرْطِ، وَهُوَ (اغْتَسَلَ)، وَالثَّانِي: جَوَابُهُ، وَهُوَ (غُفِرَ).
مَا قُدِّرَ لَهُ: بِالبِنَاءِ للمجهولِ مِنَ التَّقْدِيرِ؛أَيْ: فَصَلَّى حَسَبَ مَا وَفَّقَهُ اللَّهُ، وَقَدَّرَهُ لَهُ.
أَنْصَتَ: يُنْصِتُ إِنْصَاتاً، بِمَعْنَى: اسْتَمَعَ وَهُوَ سَاكِتٌ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1 - أَنَّ مَنِ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ وَقْتَ انْتِظَارِ الخَطِيبِ، ثُمَّ أَنْصَتَ لِلْخُطْبَةِ، حَتَّى يَفْرُغَ الخَطِيبُ مِنْهَا، ثُمَّ صَلَّى مَعَهُ صَلاةَ الْجُمُعَةِ ـ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ مِنْ هَذِهِ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَزِيَادَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ.
2 - الغُفْرَانُ المَذْكُورُ مُرَتَّبٌ عَلَى هَذِهِ الأَعْمَالِ الحميدةِ لصلاةِ الْجُمُعَةِ: اغْتِسَالٍ لَهَا، فَذِهَابٍ إِلَى مَسْجِدِهِ، فصلاةِ مَا تَيَسَّرَ فِي مَكَانِهَا، فَإِنْصَاتٍ للخَطِيبِ، فَصَلاةِ الْجُمُعَةِ، فَحُصُولُ الغُفْرَانِ مُرَتَّبٌ عَلَى هَذَا كُلِّهِ.
3 - اسْتِحْبَابُ الغُسْلِ للجمعةِ، وَتَقَدَّمَ الْخِلافُ فِي وُجُوبِهِ، والصحيحُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، إِلاَّ فِي حَقِّ مَنْ فيهِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ يُؤْذِي بِهَا الْمُصَلِّينَ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الغُسْلُ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ علماءُ الْمُسْلِمِينَ ـ قديماً وَحَدِيثاً ـ عَلَى أَنَّ غُسْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ؛لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَنِ اغْتَسَلَ، فَالغُسْلُ أَفْضَلُ)). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (496) ، وَلَيْسَ شَرْطاً إِجْمَاعاً، وَأَوْجَبَهُ الشَّيْخُ عَلَى مَنْ لَهُ عَرَقٌ، أَوْ رِيحٌ.
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: وُجُوبُهُ أَقْوَى مِنْ وُجُوبِ الوِتْرِ.
وَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ صَحَّحَ الصَّلاةَ بِدُونِهِ.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَاجِبٌ)) مَحْمُولٌ عَلَى تَأَكُّدِ الاستحبابِ، وَهُوَ آكَدُ الأَغْسَالِ المُسْتَحَبَّةِ مُطْلَقاً، وَأَحَادِيثُهُ مُسْتَفِيضَةٌ، وَالغُسْلُ عَنْ جِمَاعٍ أَفْضَلُ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((غَسِّلْ وَاغْتَسِلْ)).
4 - اسْتِحْبَابُ شَغْلِ وَقْتِ انتظارِ الخطيبِ بالصلاةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لَيْسَتْ سُنَّةً رَاتِبَةً لِلْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ نَفْلٌ مُطْلَقٌ.
5 - وُجُوبُ الإنصاتِ للخَطِيبِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا، وَمَنْ لَغَا فَلا جُمُعَةَ لَهُ)).
6 - أَنَّ الإنصاتَ الواجبَ هُوَ وَقْتَ الْخُطْبَةِ فَقَطْ، لا قَبْلَهَا وَلا بَعْدَهَا، فَإِنَّ لَفْظَ (حَتَّى) للغايةِ، وَلا يُدْخِلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا.
7 - فَضْلُ هَذَا الْعَمَلِ الَّذِي يُسَبِّبُ غُفْرَانَ الذنوبِ، وَتَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ.
8 - الْمُرَادُ هُنَا بِالسَّيِّئَاتِ الَّتِي تُكَفَّرُ فِي هَذَا الْعَمَلِ: صَغَائِرُ الذنوبِ، أَمَّا كبائرُ الذنوبِ فَلا يُكَفِّرُهَا إِلاَّ التوبةُ النَّصُوحُ، وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي وَرَدَتْ أَنَّهَا تُكَفِّرُ الذنوبَ، كَصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ، والجمعةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ، والْحَجِّ المبرورِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَتَتْ بِهِ النصوصُ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
فَوَائِدُ:
الفائدةُ الأُولَى: المشهورُ منْ مَذْهَبِ الحنابلةِ: الكَرَاهَةُ فِي الإيثارِ بِالْقُرْبِ من الْمَكَانِ الفاضلِ، لا قَبُولِ الإيثارِ.
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: لا يُكْرَهُ؛ فَقَدْ طَلَبَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْمُغِيرَةِ أَنْ يُبَشِّرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامِ وَفْدِ ثَقِيفٍ، وَقَدْ آثَرَتْ عَائِشَةُ عُمَرَ بِدَفْنِهِ فِي بَيْتِهَا، بجوارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا سَأَلَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ أَنْ يُؤْثِرَهُ فِي مَقَامِهِ فِي الصفِّ الأَوَّلِ ـ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ السُّؤَالُ، وَلا ذَلِكَ البَذْلُ.
الفائدةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، مِنْ تَقْدِيمِ مَفَارِشَ وَنَحْوِهَا إِلَى الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلاتِهِمْ، فَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، بَلْ مُحَرَّمٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَلْ تَصِحُّ الصَّلاةُ فِي ذَلِكَ المفروشِ؟ فِيهِ قَوْلانِ للعلماءِ؛ لأَنَّهُ غَصَبَ بُقْعَةً فِي الْمَسْجِدِ.
الفائدةُ الثَّالِثَةُ: الْحَدِيثُ يُشِيرُ إِلَى مَسْأَلَةٍ هَامَّةٍ، افْتَرَقَ فِيهَا طَائِفَتَانِ ضَالَّتَانِ، وَهَدَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهَا الفرقةَ الناجيةَ: أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
الطَّائِفَةُ الأُولَى: هِيَ ((الْقَدَرِيَّةُ))، وَهُمْ نُفَاةُ الْقَدَرِ، فَقَدْ نَفَوُا الْقَدَرَ منْ عُمُومِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، زَاعِمِينَ أَنَّ إِثْبَاتَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى يُبْطِلُ مَسْؤُولِيَّةَ الْعَبْدِ عَنْ فِعْلِهِ، وَيَلْغِي التَّكَالِيفَ الَّتِي حُمِّلَ بِهَا، وَأُنِيطَتْ بِهِ، وَيُخَصِّصُونَ النصوصَ الدَّالَّةَ عَلَى عمومِ الْخَلْقِ وَالْمَشِيئَةِ بِمَا عَدَا أَفْعَالَ الْعِبَادِ، وَأَثْبَتُوا أَنَّ الْعَبْدَ خَالِقٌ فِعْلَهُ بِقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَبِهَذَا أَثْبَتُوا خَالِقَيْنِ، فَاسْتَحَقُّوا أَنْ يُسَمَّوْا مَجُوسَ هَذِهِ الأُمَّةِ؛ لأَنَّ المجوسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَخْلُقُ الشَّرَّ، وَأَنَّ خَالِقَ الْخَيْرِ هُوَ اللَّهُ.
الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ: ((الجَبْرِيَّةُ)) وهؤلاءِ غَلَوْا فِي إثباتِ الْقَدَرِ، حَتَّى أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ للعبدِ فِعْلٌ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا الأفعالُ تُسْنَدُ إِلَيْهِ مَجَازاً، فَيُقَالُ: صَلَّى، وَصَامَ، وَزَنَى، وَسَرَقَ، مَجَازاً لا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ كالريشةِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ.
وَهَذَا ـ فِي زَعْمِهِمْ ـ تحقيقُ أَنَّهُ لا مُقَدِّرَ فِي الْحَقِيقَةِ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، وَأَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا تُنْسَبُ إِلَيْهِمْ أَفْعَالُهُمْ عَلَى سَبِيلِ المجازِ.
وهؤلاءِ اتَّهَمُوا رَبَّهُمْ بالظُّلْمِ؛ لأَنَّهُ يُعَذِّبُ النَّاسَ عَلَى أفعالٍ وَأَعْمَالٍ لا تُنْسَبُ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ تَقَعْ بِإِرَادَتِهِمْ وَلا قُدْرَتِهِمْ، وَإِنَّمَا هِيَ بِفِعْلِ مَنْ عَذَّبَهُمْ، وَاتَّهَمُوا رَبَّهُم، بِأَنَّهُ كَلَّفَ عِبَادَهُ بأعمالٍ لا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهَا، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَعْمَالٍ لا يَسْتَطِيعُونَ الامتناعَ مِنْهَا، فَهُمْ مُجْبَرُونَ عَلَيْهَا.
وَاتَّهَمُوا رَبَّهُم بالعَبَثِ فِي تكليفِ عِبَادِهِ بِمَا لا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ.
وَعَطَّلُوا أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى وَنَوَاهِيَهُ؛ لأَنَّهَا وُجِّهَتْ إِلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى القِيَامِ بِهَا، وَلا عَنِ الامتناعِ مِنْهَا.
وَهَدَى اللَّهُ تَعَالَى الفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ: أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ إِلَى الْحَقِّ، فِيمَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ هَاتَانِ الطَّائِفَتَانِ الضَّالَّتَانِ.
فَقَرَّرُوا أَنَّهُ لا مُنَافَاةَ بَيْنَ عمومِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لِجَمِيعِ الأَشْيَاءِ، وَبَيْنَ كَوْنِ الْعَبْدِ هُوَ فَاعِلَ فِعْلِهِ، حَقِيقَةً لا مَجَازاً.
فَقَالُوا: إِنَّ الْعَبْدَ هُوَ المُصَلِّي وَالصَّائِمُ، وَهُوَ الزَّانِي وَالسَّارِقُ حَقِيقَةً، فأيُّ عَمَلٍـ خَيْرٌ أَوْ شَرٌّ ـ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ بِإِرَادَتِهِ، وَاخْتِيَارِهِ إِيَّاهُ، فَهُوَ غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَى الْفِعْلِ أَو التَّرْكِ، فَإِنَّهُ لَوْ شَاءَ فَعَلَ، وَلَوْ شَاءَ تَرَكَ، وَبِهَذَا فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ للجَزَاءِ عَلَى مَا قَدَّمَ، مِنْ فِعْلٍ طَيِّبٍ أَوْ سَيِّئٍ.
وَإِنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ ثَابِتَةٌ شَرْعاً وَحِسًّا وَعَقْلاً.
ومع إثباتِ ذَلِكَ للإنسانِ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَ قُدْرَتَهُمْ، وَإِرَادَتَهُمْ، وَمَشِيئَتَهُمُ الَّتِي بِهَا يُرِيدُونَ وَيَفْعَلُونَ، وَأَعْطَاهُم هَذِهِ الإرادةَ والاختيارَ، فَهُوَ الْخَالِقُ لِجَمِيعِ الأسبابِ الَّتِي وَقَعَتْ بِهَا أَعْمَالُهُمْ.
وَبِهَذَا الْقَوْلِ الوَسَطِ السليمِ الْحَكِيمِ تَجْتَمِعُ النصوصُ النَّقْلِيَّةُ، وَالْبَرَاهِينُ العَقْلِيَّةُ.
أَوَّلاً: قَالَ تَعَالَى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29، 28].
وَجَاءَ فِي (الْبُخَارِيِّ) (4945) مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ)). كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنِ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى)).
فَهَذِهِ أفعالٌ مُسْنَدَةٌ حَقِيقَةً إِلَى الْعَبْدِ، فَهُوَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ بِقُدْرَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، فَقَوْلُهُ: (صَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ) هَذَا تَقْدِيرُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتُهُ فِي فِعْلِ عَبْدِهِ، فالْحَدِيثُ أَثْبَتَ فِعْلَ الْعَبْدِ المَرْبُوطَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ وَتَدْبِيرِهِ وَإِرَادَتِهِ.
ثانياً: الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ، فَإِنَّ الْعَمَلَ يُنْسَبُ إِلَى فَاعِلِهِ حَقِيقَةً، أَمَّا المجازُ فَلا يُعْدَلُ إِلَيْهِ إِلاَّ إِذَا لَمْ تُمْكِنِ الْحَقِيقَةُ، وَهُنَا مُمْكِنَةٌ وَصَالِحَةٌ.
ثالثاً: الْعَقْلُ، فَإِنَّهُ لا يُعْرَفُ مَصْدَرٌ للفعلِ إِلاَّ مِمَّنْ وَقَعَ مِنْهُ الْفِعْلُ.
رابعاً: الحِسُّ، وَمِنَ الحِسِّ المشاهدةُ، فَإِنَّنَا نَرَى أَنَّ الأفعالَ تَصْدُرُ من المَخْلُوقِينَ، وَتُنْسَبُ إِلَيْهِمْ، وَيَعْتَرِفُونَ بِوُقُوعِهَا، وَيَعْتَرِفُونَ بِمَسْؤُولِيَّتِهَا.
خَامِساً: يُوجَدُ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ بِأَنَّ كُلَّ مَا صَدَرَ من الإِنْسَانِ منْ عَمَلٍ فَهُوَ صَادِرٌ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَهَذَا الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ لا يُمْكِنُ دَفْعُهُ، وَلا تَصَوُّرُ سِوَاهُ، وَاللَّهُ الْهَادِي إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, صلاة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir