دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع (المجموعة الثانية)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 ذو القعدة 1442هـ/7-07-2021م, 11:19 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي المجلس الثامن: مجلس مذاكرة القسم الأول من أصول التفسير البياني

القسم الأول من مقرر أصول التفسير البياني

اختر تطبيقين من كلّ درس وأدّها:

تطبيقات الدرس الثاني:
اختر ثلاث المفردات من المفردات التالية وبيّن معانيها وما يصحّ أن تفسّر به في الآيات المذكورة:
1: معنى البلاء في قول الله تعالى: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}
2. معنى التكوير في قول الله تعالى: {إذا الشمس كوّرت}
3: معنى "الغاسق" في قول الله تعالى: {ومن شرّ غاسق إذا وقب}
4: معنى النحر في قول الله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر}
5: معنى العصر في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر}




تطبيقات الدرس الثالث:
بيّن المراد بالمفردات التاليات:
(1) المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}
(2) الباقيات الصالحات
(3) ناشئة الليل
(4) الحبل في قول الله تعالى: {إلا بحبل من الله وحبل من الناس}
(5) السيما في قول الله تعالى: {سيماههم في وجوههم}



تطبيقات الدرس الرابع:
بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}
(2) سبيلاً في قول الله تعالى: {فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً}
(3) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}
(4) مرجع الضمير في "به" في قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)}




تطبيقات الدرس الخامس:
استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
1: "مزيد" في قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}
2: "مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}
3. دلالات صيغ الأفعال في قول الله تعالى: { فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49)}
4: دلالات الجمل الاسمية في قول الله تعالى: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون (75) قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون (76)}
5. دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}
6. دلالة صيغة الجمع في قول الله تعالى: { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ}
7. دلالة زيادة المبنى في قول الله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)}



توصية:

يوصَى دارسو هذه الدورة بالاستكثار من التمرن على تطبيق ما درسوه من الدلالات على آيات كثيرة، وأن لا يكتفوا بالتطبيقات المذكورة في المجلس؛ فكثرة المران ترسّخ المعرفة، وتصقل المهارة، وتعين الدارس على توسيع مداركه وتقويم دراسته.




تعليمات:
- ننصح بقراءة موضوع " معايير الإجابة الوافية " ، والحرص على تحقيقها في أجوبتكم لأسئلة المجلس.
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- يسمح بتكرار الأسئلة بعد التغطية الشاملة لجميع الأسئلة.
- يمنع منعًا باتّا نسخ الأجوبة من مواضع الدروس ولصقها لأن الغرض تدريب الطالب على التعبير عن الجواب بأسلوبه، ولا بأس أن يستعين ببعض الجُمَل والعبارات التي في الدرس لكن من غير أن يكون اعتماده على مجرد النسخ واللصق.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الإثنين القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.

تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 4 ذو الحجة 1442هـ/13-07-2021م, 07:23 PM
إنشاد راجح إنشاد راجح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 732
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس القسم الأول من مقرر أصول التفسير البياني

اختر تطبيقين من كلّ درس وأدّها:

تطبيقات الدرس الثاني:
1:معنى النحر في قول الله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر}
* ورد في معنى النحر لغة معنيان صحيحان:
- المعنى الأول: النحر بمعنى الذبح.
- المعنى الثاني: أول الشيء.

* فأما المعنى الأول وهو النحر بمعنى الطعن في المنحر أو الذبح.
- فمنه قولهم:
نحر البعير، أي: أصاب نحره، والمنحر موضع النحر، والنحر موضع القلادة، وهو الصدر.
- ومنه أيضا تناحر الناس ويراد به التعبير عن شدة القتال، ويراد به أيضا في سياقات أخرى شدة الحرص على الشيء، مثل: تناحرَ السفهاء على الدنيا.
- ويوم النحر: عاشر ذي الحجة يوم الأضحى لأن البدن تنحر فيه.

* أما المعنى الثاني: أول الشيء.
- فيقال: نحر النهار: أوله، وجاء في الحديث:
(أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر الظهيرة..)، ونحور الشهور: أوائلها.
- ولعل هذا القول مأخوذ من معنى النحر وهو الصدر، فصدر النهار هو أوله، ويُعبر عن أعلى مقدم كل شيء وأوله بالصدر، قال الفيروزآبادي:
(الصدر: الجارحة. ثم استعير لمقدمّ الشيء). ا.هــ

* ومعنى (النحر) في قول الله تعالى: (فصل لربك وانحر): ورد فيه أقوال:
- القول الأول: انحر البدن.

- قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن، وقتادة ومحمد بن كب القرظي والضحاك والربيع، وعطاء الخراساني وغيرهم. رواه ابن جرير، وقاله الفراء، والزجاج، وابن كثير.

- القول الثاني:وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى تحت النّحر.
- مروي عن علي بن أبي طالب، وعن الشعبي مثله، رواه ابن جرير، وقال ابن كثير أنه لا يصح.
- وقال الزجاج: (
اجعل يمينك على شمالك إذا وقفت في الصلاة، وضمهما إلى صدرك.) ا.هــ.

- القول الثالث: ارفع اليدين عند افتتاح الصلاة ( عند النحر).
- مروي عن أبي جعفر الباقر.

- القول الرابع: استقبل القبلة بنحرك.
- وهذا تأول من بعض أهل العربية كما قال ابن جرير.
- وهذا القول رواه أبو منصور الأزهري، وابن جرير، وذكرا ما أنشده بعض بني أسد:
أبا حَكَمٍ هَلْ أنْتَ عَمُّ مُجَالِدٍ ... وَسَيِّدُ أهْلِ الأبْطَحِ المُتَنَاحِرِ
أي: ينحر بعضهم بعضا.

- فالقول الأول هو الذي عليه المفسرون، وما سواه فلا يعول عليه وإن كان له تعلق بالمعنى اللغوي ويدور حوله، لكنه لا يناسب السياق، ورجح ابن جرير الأول، والمعنى: اجعل صلاتك كلها خالصة لله،
وكذلك نحرك اجعله خالصا لله وحده- وكان العرب يذبحون للأصنام والأوثان-، وحجة ابن جرير أن الله عز وجل أكرم النبي صلى الله عليه وسلم بالكوثر وبنعم وعطايا تستوجب الشكر، ولا أبلغ من الإخلاص في عبادة الله شكرا له عز وجل.

المراجع:
- معاني القرآن للفراء (ت:207 هـ)
- تفسير ابن جرير (ت:310 هـ)
- معاني القرآن للزجاج (ت: 311 هــ)
- تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري (ت:370 هــ)
- لسان العرب لابن منظور (ت:711 هــ)
- تفسير ابن كثير (ت:774 هــ)
- بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي (ت:817 هــ)

2: معنى العصر في قول الله تعالى: {والعصر* إن الإنسان لفي خسر}
* ورد في معنى العصر لغة، ثلاثة معانٍ صحيحة:
- المعنى الأول فهو: دهر وحين.
- والمعنى الثاني: ضغط الشيء حتى يتحلب.
- والمعنى الثالث: تعلق بشي وامتساك به.

* فأما المعنى الأول: فقد ورد عند العرب وله شواهد، قال امرؤ القيس:
أَلَا انْعِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالِي ... وَهَلْ يَنْعِمَنْ مَنْ كَانَ فِي الْعُصُرِ الْخَالِي
- والعُصُرُ كالعَصرِ، بمعنى الدهر.

- قال الخليل: والعصران: الليل والنهار، وقال:
وَلَنْ يَلْبَثَ الْعَصْرَانِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ... إِذَا اخْتَلَفَا أَنْ يُدْرِكَا مَا تَيَمَّمَا
- وقيل هو من باب تغليب أحدهما كما يقال للشمس والقمر: القمران، ويقال لأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- : العمران.

-قيل وصلاة العصر سميت بذلك لأنها تُعصَرُ، أي تؤخر عن الظهر، وجاء في الحديث عن فضالة بن عبد الله الليثي: (علَّمنا رسولُ اللهِ ﷺ فكان فيما علَّمنا قال: (حافِظوا على الصَّلواتِ وحافِظوا على العصرَيْنِ)
قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ وما العصرانِ؟ قال
: (صلاةٌ قبْلَ طُلوعِ الشَّمسِ وصلاةٌ قبْلَ غُروبِها)، أخرجه ابن حبان في صحيحه.* وأما المعنى الثاني: وهو من العصارة، قال ابن السكيت: تقول العرب: (لا أفعله ما دام الزيت يعصر).
وهو دال على الامتناع عن فعل الشيء أبدا.
- وقول الله تعالى:
(وأنزلنا من المعصرات) جاء في المعصرات أقوال، منها أنها: السحاب، وقيل: الرياح، فالسحاب تعتصر المطر، أو أنها تأتي بالإعصار، والرياح تعصر السحاب فينزل منه المطر.
- وقول الله تعالى:
(إني أراني أعصر خمرا)،من عصر العنب.
وهما محمولان على المعنى الثاني.

-وقول الله تعالى:
(ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون)، أي يعصرون الزيت من الزيتون.
ويدل على الغيث والرخاء الذي يأتي بعد القحط والجدب.
-قال السمين الحلبي:
(وقيل: معناه ينجون من الجذب ويعتصمون بالخصب)، فيكون معنى العصر هنا-والله أعلم- محمول على المعنى الثالث، أي أنهم يأتيهم الغيث فيتمسكون بالخصب والرخاء، كأنهم يلجأون إليه بعد
ما أصابهم من الشدة والجدب)، ولكن حمله على المعنى الثاني أظهر والله تعالى أعلم.

* وأما المعنى الثالث: وهو التعلق بالشيء، يقال العصر: الملجأ، اعتصر بالمكان، أي تعلق به ولجأ إليه.
قال أبو داود:
مِسَحٍّ لَا يُوَارِي الْعَيْ ... رَ مِنْهُ عَصَرُ اللَّهْبِ
- أما المراد بالعصر في قول الله تعالى:{والعصر* إن الإنسان لفي خسر}:
قال ابن عاشور: (وللعصر معان يتعين أن يكون المراد منها لا يعدو أن يكون حالة دالة على صفة من صفات الأفعال الربانية، يتعين إما بإضافته إلى ما يقدر، أو بالقرينة، أو بالعهد، وأيا ما كان المراد منه هنا
فإن القسم به باعتبار أنه زمن يذكر بعظيم قدرة الله تعالى في خلق العالم وأحواله، وبأمور عظيمة مباركة مثل الصلاة المخصوصة أو عصر معين مبارك).
ا.هــ.
- فالعصر هنا الدهر، وتعريفه للعهد الذهني، يعني: كل عصر، واختلفت عبارات مفسري السلف وكلها داخلة تحت مسمى الدهر، فقال بعضهم:

- ساعة من ساعات النهار
- رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة به.
- ورواه ابن جرير عن علي عن أبي صالح عن معاوية عن علي عن ابن عباس به.

- العشي
- رواه ابن جرير وعبد الرزاق من طريق معمر عن الحسن به.

- واشتهر إطلاق العصر على وقت معين، وهو ما بين الظهر والمغرب، فهو وقت اصفرار الشمس إلى مبدا العشي.
قال الحارث بن حلزة
:
آنَسَتْ نَبْأةً وأفْزَعَها القَنَّ اصُ عَصْرًا وقَدْ دَنا الإمْساءُ

- قال ابن عاشور: (وفي ذلك الوقت يتهيأ الناس للانقطاع عن أعمالهم في النهار كالقيام على حقولهم وجناتهم، وتجاراتهم في أسواقهم، فيذكر بحكمة نظام المجتمع الإنساني وما ألهم الله في غريزته من دأب على عمل ونظام لابتدائه وانقطاعه. وفيه يتحفز الناس للإقبال على بيوتهم لمبيتهم والتأنس بأهليهم وأولادهم. وهو من النعمة أو من النعيم، وفيه إيماء إلى التذكير بمثل الحياة حين تدنو آجال الناس بعد مضي أطوار الشباب والاكتهال والهرم).

- وأما القسم بالدهر فذلك لاشتماله على الأعاجيب والعبر. كما قال الفراء.
-وهو كالقسم بالضحى وبالليل والنهار والفجر، حيث يحصل التغير في الكون.
والسياق يرجح هذا المعنى، فالخاسر من أفنى عمره وأضاع أيامه ولياليه فيما لا ينفعه في الدار الآخرة، فجاء القسم بالدهر تعظيما له وللدلالة على أهمية اغتنامه وإعماره بالصالحات.
المراجع:
- تفسير ابن جرير (ت:310 هــ)
- مقاييس اللغة، لابن فارس (395 هــ)
- عمدة الحفاظ، للسمين الحلبي ( ت: 756 هــ)
- بصائر ذوي التمييز، للفيروزآبادي (ت:817 هــ)
- التحرير والتنوير لابن عاشور: (ت:1393 هــ)


تطبيقات الدرس الثالث:
بيّن المراد بالمفردات التاليات:
1: المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}

- جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس المسكينُ الَّذي ترُدُّه التَّمرةُ والتَّمرتانِ والأُكلةُ والأُكلتانِ ولكنَّ المسكينَ الَّذي ليس له ما يستغني به
ولا يُعلَمُ بحاجتِه فيُتصدَّقَ عليه فذلك المحروم)
رواه ابن حبان في صحيحه على شرط البخاري.

- وقد اختلفت عبارات السلف في التعبير عن المراد بالمحروم على أقوال كما روى ابن جرير:
الأول: المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم، الذي ليس له أحد يعطف عليه أو يعطيه شيئا.
- مروي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وأبي قلابة و نافع وعطاء.

الثاني: هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئا.
- مروي عن قتادة والزهري.
الثالث: هو الذي لا سهم له في الغنيمة.
- مروي عن الحسن بن محمد وإبراهيم النخعي.

الرابع: هو الذي لا ينمى له مال.
- مروي عن عكرمة.

الخامس: هو الذي قد ذهب ثمره وزرعه.
- مروي عن ابن زيد وزيد بن أسلم.
قال ابن جرير: (والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حُرم الرزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممن حرمه الله ذلك، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة،
ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعمّ، كما قال جلّ ثناؤه:
(وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)) ا.هــ.
-قال ابن منظور:
(والمحارف: الذي لا يصيب خيرا من وجه توجه له، والمصدر الحراف. والحرف: الحرمان).
(وقيل
: المحارف، بفتح الراء، هو المحروم المحدود الذي إذا طلب فلا يرزق أو يكون لا يسعى في الكسب.) ا.هـ.

-قال الأزهري في التهذيب: (ويقال للمحروم الذي قتر عليه رزقه محارف). ا.هــ.
- وروى أيضا عن الشافعي أنه قال:
(كل من استغنى بكسبه فليس له أن يسأل الصدقة، وإذا كان لا يبلغ كسبه ما يقيمه وعياله، فهو الذي ذكره المفسرون أنه المحروم المحارف الذي يحترف بيديه،
قد حرم سهمه من الغنيمة لا يغزو مع المسلمين، فبقي محروما يعطى من الصدقة ما يسد حرمانه)
ا.هـ.

- فكل ما ذكر يرجع إلى معنى واحد وإن تنوعت العبارات.

المراجع:
- تفسير ابن جرير الطبري (ت:310 هـ)
- تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري (ت:370 هـ)
- معجم لسان العرب لابن منظور: (711 هـ)


2:ناشئة الليل
- ورد في لغة العرب لفظ نشأ، وله معان:
الأول: نشأ أي ارتفع الشيء وسما.
- ويقال نشأ السحاب: ارتفع، ونشأ الليل: ارتفع، ويقال لأحداث الناس: نشأ، لأنهم ارتفعوا عن حد الصبا.
- ويقال بلغة الحبشة: نشأ، والمعنى قام من الليل. مروي عن ابن عباس، وأبي ميسرة. رواه ابن جرير.

الثاني: خلق، أنشأه الله: خلقه.
ومنه قول الله تعالى: ( وأن عليه النشأة الأخرى)، أي: البعثة.

وجاء في المراد ب(ناشئة الليل) أقوال، رواها ابن جرير عن عدد من السلف:
* القول الأول: الليل كله ناشئة، فمتى قام الرجل من الليل فهو ناشئة.
- (الليل كله ناشئة)
قاله ابن عباس، وعن ابن الزبير مثله، وبنحوه عن عكرمة والضحاك.
-
(إذا قمت الليل فهو ناشئة) مروي عن مجاهد.
-
(إذا قام الرجل من الليل فهو ناشئة الليل) مروي عن ابن أبي نجيح.

* القول الثاني: وفيه تخصيص فقيل ما بعد العشاء الآخرة هو ناشئة.
- (كل شيء بعد العشاء فهو ناشئة) وهو رواية أخرى عن مجاهد، وبمثله روي عن قتادة، وبنحوه عن أبي مجلز وأبي الرجاء.

- قال ابن جرير :
(ساعات الليل، وكل ساعة من ساعات الليل ناشئة من الليل).
- وجاء في مقاييس اللغة لابن فارس:
(ناشئة الليل: يراد بها القيام والانتصاب للصلاة).
- قال ابن عاشور:
((ناشئة): وصف من النشء وهو الحدوث. وقد جرى هذا الوصف هنا على غير موصوف، وأضيف إلى الليل إضافة على معنى في مثل (مكر الليل)، وجعل من أقوم القيل،
فعلم أن فيه قولا وقد سبقه الأمر بقيام الليل وترتيل القرآن، فتعين أن موصوفه المحذوف هو صلاة، أي: الصلاة الناشئة في الليل، فإن الصلاة تشتمل على أفعال وأقوال وهي قيام)
ا.هــ.

- وذهب ابن عاشور إلى بيان وصف الصلاة بالناشئة بتوجيه لطيف، فقال:
(ووصف الصلاة بالناشئة لأنها أنشأها المصلي فنشأت بعد هدأة الليل فأشبهت السحابة التي تتنشأ من الأفق بعد صحو،
وإذا كانت الصلاة بعد نوم فمعنى النشء فيها أقوى).
ا.هــ.

- قال: (وإيثار لفظ (ناشئة) في هذه الآية دون غيره من نحو: قيام، أو تهجد، لأجل ما يحتمله من هذه المعاني ليأخذ الناس فيه بالاجتهاد) ا.هــ.
- ولصاحب تهذيب اللغة فائدة، قال أبو منصور: (ناشئة الليل قيام الليل، مصدر جاء على فاعلة، وهو بمعنى النشء، مثل العافية بمعنى العفو. والعاقبة بمعنى العقب، والخاتمة بمعنى الختم) ا.هـ.

المراجع:
- تفسير ابن جرير الطبري (ت:310 هـ)
- تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري (ت:370 هــ)
- مقاييس اللغة لابن فارس (ت: 395 هـ)
- معجم لسان العرب لابن منظور: (711 هـ)
- التحرير والتنوير لابن عاشور (ت:1393 هــ)


تطبيقات الدرس الرابع:
بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:

1: سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}
قبل بيان إعراب (سبيل) لابد من الوقوف على أمرين:
* أولا القراءات الواردة في الآية:
-قال ابن مجاهد: (اختلفوا- أي:القراء- في الياء والتاء والرفع والنصب، من قوله (ولتستبين سبيل المجرمين).)ا.هـ.
- فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم (ولتستبين) بالياء (سبيل) رفعا
- وقرأ نافع (ولتستبين) بالتاء (سبيل) نصبا
- وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي ( وليستبين) بالياء (سبيل) رفعا.

* ثانيا نوع لفظة (سبيل) من حيث التأنيث والتذكير:
- لفظة السبيل محتملة للتأنيث والتذكير، ففي الحجاز تؤنث فيقولون: هذه السبيل، وعند تميم وأهل نجد تُذكّر، فيقولون: هذا السبيل.

* إعراب لفظة (سبيل) ودلالة الإعراب على معنى الآية:
أولا: رفع لفظة (سبيل):
- فإن (سبيل) تعرب فاعلا، والمعنى: ولتستبين هذه السبيل، فإذا استبانت السبيل، فقد بانت واتضحت وظهرت.
- وعلى قراءة من قراء: (وليستبين سبيلُ المجرمين)، فيكون نفس المعنى، ولفظة (سبيل) هنا على التذكير.

ثانيا: نصب لفظة (سبيل):
- فإن (سبيل) تعرب مفعولا به، والمعنى: ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين، فيتضح لك طريقهم ونهجهم.

المراجع:
- السبعة في القراءات لابن مجاهد (ت:324 هــ)
-تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري ( 370 هــ)
-المحرر الوجيز لابن عطية ( ت:546 هـ)

2: مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}

* على القاعدة فإن الضمير يعود على أقرب مذكور، فيكون مرجع هاء الضمير في (جعلناه) إلى الإيمان، لكن عبارات المفسرين كانت بين قولين: إما أنه يعود إلى القرآن، ولعل الذي رجحه السياق، أو يعود إلى القرآن والإيمان معا.

* قال أبو السعود، قال: (ولكن جعلناه) أي: الروح الذي أوحيناه إليك) ا.هـ.
* وروى ابن جرير عن محمد عن أحمد عن اسباط عن السدي عنه قال: يعني القرآن.
وبه قال مكي بن أبي طالب، وابن عطية.

* ومن المفسرين من قال أنه يرجع إلى القرآن والإيمان معا.
- قال الفراء: ( وقوله: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ، وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً): يعني التنزيل- القرآن-، وقال بعضهم: أراد القرآن والإيمان)، وجاز أن يقول جعلناه لاثنين لأن الفعل في كثرة أسمائه يضبطه الفعل،
ألا ترى أنك تقول : إقبالك وإدبارك يغمني، وهما اثنان فهذا من ذلك)
ا.هــ

* قال الزجاج: (ولم يقل: (جعلناهما) لأن المعنى: ( ولكن جعلنا الكتاب نورا) وهو دليل على الإيمان).

* قال ابن جرير: فوحد الهاء، وقد ذكر قبل الكتاب والإيمان، لأنه قصد به الخبر عن الكتاب.
ونقل كلام الفراء.
فائدة: قال ابن جرير: ( إقبالك وإدبارك يعجبني)، فكأنه لم يستحسن لفظة (يغمني) التي ذكرها الفراء- والله أعلم- !

* وقال أبو حيان الأندلسي: (يحتمل أن يعود إلى قوله (روحا) وإلى (الكتاب)، وإلى الإيمان)، وهو أقرب مذكور.
وقيل: يعود إلى الكتاب والإيمان معا؛ لأن مقصدهما واحد، فهو نظير:
(والله ورسوله أحق أن يرضوه)).

* واختار ابن عاشور أنه يرجع إلى القرآن، والتقدير: وجعلنا الكتاب نورا.
وله عبارة حسنة تعلل اختيار قول بعض المفسرين بأنه الكتاب والإيمان، قال ابن عاشور في معنى الآية:
(ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ثم هديناك بالكتاب ابتداء وعرفناك به الإيمان وهديت به الناس..) ا.هـ.
فالقولان بينهما تلازم لتضمن القرآن أصل الإيمان.


المراجع:
- معاني القرآن للفراء (ت: 207 هـ)
- تفسير ابن جرير الطبري (ت:310 هــ)
- معاني القرآن للزجاج (ت:311 هــ)
- تفسير مكي بن أبي طالب (ت: 437 هـ)
- تفسير ابن عطية (ت:546 هـ)
- البحر المحيط لأبي حيان (ت: 745 هـ)
- تفسير ابن عاشور: ( ت: 1393 هـ)

تطبيقات الدرس الخامس:
استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:

1:
"مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}

- يُحتمل أن يُراد به المصدر، ويُحتمل أن يراد به المكان الذي ينزل فيه، كما قيل:
أَإِن ذَكَّرَتك الدارُ مَنْزَلَها جُمْلُ ... بَكيْتَ، فدَمْعُ العَيْنِ مُنْحَدِر سَجْلُ؟
* وهما معنيان صحيحان تحتملها الصيغة الصرفية للمفردة، فعلى الأول يكون المعنى: أنزلنا إنزالا مباركا، وعلى الثاني يكون المعنى: أنزلنا مكانا مباركا.
* والمعنيان متلازمان، فالإنزال المبارك الطيب يقتضي أن يكون في مكان مبارك.

* وقرأ الجمهور بضم الميم وفتح الزاي، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بفتح الميم وبكسر الزاي.
- وقراءة الجمهور تحتمل المعنيين، أما قراءة عاصم فتعني: موضع النزول. ذكره أبو منصور الأزهري في معاني القراءات.

المراجع :
- معاني القراءات لأبي منصور الأزهري ( 370 هــ)
- تفسير أبي السعود (ت: 892 هــ)
- تفسير ابن عاشور (ت1393 هــ)


2:دلالة زيادة المبنى في قول الله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)}

* ورد في الآية فعلان:
- (
يستكبرون) وأصله من الكبر، والاستكبار الامتناع عن قبول الحق.
- (يستحسرون) وأصله من الحسر، وهو كشف الشيء عن الشيء، ويستعمل للدلالة على التعب والكلّ، والاستحسار: التعب.

* وجاءا الفعلان: استكبر، استحسر، بزيادة الألف والسين والتاء عن الأصل، للدلالة على المبالغة في الوصف.
- وهما على وزن (استفعل)، ومن معاني ما جاء على هذا الوزن: التحول من حال إلى حال، وهو الأقرب هنا والله أعلم.

* وللعلماء توجيه جيد لاستعمال هذه الصيغة هنا:
* قال الفيروزآبادي: (والاستكبار على وجهين: أَحدهما: أَن يتحرَّى الإِنسان ويطلب أَن يكون كبيرًا، وذلك متى كان على ما يجب، وفى المكان الَّذى يجب، وفى الوقت الَّذى يجب فمحمود. والثانى: أَن يتشبَّع فيُظهر من نفسه ما ليس له) ا.هــ.
- والثاني هو المقصود في الآية، فنفى عنهم الاستكبار وهو التجرد من العبودية والخضوع والذل لله، والخروج من وصوفات المخلوق.

* قال الزمخشري: (الاستحسار مبالغة في الحسور، فكان الأبلغ في وصفهم أن ينفى عنهم أدنى الحسور). ا.هـ.
* وقال أبو السعود: (ولا يستحسرون) ولا يكلون ولا يعبون. وصيغة الاستفعال المنبئة عن المبالغة في الحسور للتنبيه على أن عباداتهم بثقلها ودوامها حقيقة بأن يستحسر منها ومع ذلك لا يستحسرون. "لا" لإفادة نفي المبالغة في الحسور مع ثبوت أصله في الجملة). ا.هــ.

قال ابن عاشور:
(لا يصدر منهم الاستحسار الذي هو التعب الشديد الذي يقتضيه عملهم العظيم، أي لا يقع منهم ما لو قام بعملهم غيرهم لاستحسر ثقل ذلك العمل، فعبر بالاستحسار هنا الذي هو الحسور القوي؛ لأنه المناسب للعمل الشديد، ونفيه من قبيل نفي المقيد بقيد خرج مخرج الغالب في أمثاله. فلا يفهم من نفي الحسور القوي أنهم قد يحسرون حسورا ضعيفا. وهذا المعنى قد يعبر عنه أهل المعاني بأن المبالغة في النفي لا في المنفي) ا.هــ.

المراجع:
- الكشاف للزمخشري (ت:583 هـ)
- لسان العرب لابن منظور (ت:711 هــ)
- بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي (817 هـ)
- تفسير أبي السعود (ت: 982 هــ)
- التحرير والتنوير لابن عاشور (ت:1393 هــ)

الحمد لله رب العالمين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 ذو الحجة 1442هـ/17-07-2021م, 12:18 AM
آسية أحمد آسية أحمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 420
افتراضي

تطبيقات الدرس الثاني:
اختر ثلاث المفردات من المفردات التالية وبيّن معانيها وما يصحّ أن تفسّر به في الآيات المذكورة:
1: معنى البلاء في قول الله تعالى: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}:

البلاء في لغة العرب، يستعمل في عدة أوجه من المعاني، فالأصل أنه الاختبار والامتحان، وقد يستعمل الخير، كما يستعمل في الشر ، وقد جمع ذلك في قوله تعالى: ﴿وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون﴾ أي اختبرناهم، وفي قوله: ﴿ونبلوكم بالشر والخير فتنة﴾
وقد فسّر المفسرون من الصحابة والتابعين وتابعيهم معنى بلاء في هذه الآية بعامّة هذه المعاني، وهي معانٍ صحيحة تحتملها الآية:
فالمعنى الأول: أنها نعمة، وهو تفسير ابن عباس،و مجاهد، وابن جريج، وأبو العالية وأبو مالك، والسدي وغيرهم. أخرجه ابن جرير الطبري.
فالبلاء يأتي بمعنى الخير، ومنه قوله تعالى: ﴿وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا﴾،
ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم ... وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
معناه أعطاهما خير العطاء
قال أبو عبيدة في مجاز القرآن: يقال: له عندي بلاء عظيم، أي: نعمة ويد.
ويروى عن الأحنف أنه قال: ”البلاء، ثم الثناء“، ذكره الزجاج في معاني القرآن

المعنى الثاني: العذاب، والنقمة ذكره مكي بن أبي طالب في العمدة في غريب القرآن، والقرطبي.
والبلاء يستعمل في الخير والشر وأكثر استعماله في الشر.
قال ابن عاشور في حقيقة استعمال البلاء:
حقيقته بلاء الثوب بفتح الباء مع المد وبكسرها مع القصر وهو تخلقه وترهله ولما كان الاختبار يوجب الضجر والتعب سمي بلاء كأنه يخلق النفس، ثم شاع في اختبار الشر لأنه أكثر إعناتا للنفس، وأشهر استعماله إذا أطلق أن يكون للشر فإذا أرادوا به الخير احتاجوا إلى قرينة أو تصريح كقول زهير:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم ∗∗∗ وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو

و قال الزمخشري:
والبلاء المحنة إن أشير بذلكم إلى صنيع فرعون. والنعمة إن أشير به إلى الإنجاء.

المعنى الثالث: اختبار وامتحان، ذكره القرطبي.
وهذا المعنى هو أصل استعماله في اللغة.
ومن ذلك قول الشاعر:
بليت وفقدان الحبيب بلية ... وكم من كريم يبتلى ثم يصبر

فهذه المفردة دلت بمعانيها على مراد الآية من غير تعارض، فالله تعالى امتحن بني اسرائيل بالخير بإنجائهم من فرعون والشر باستباحة فرعون لهم.

2. معنى التكوير في قول الله تعالى: {إذا الشمس كوّرت}
التكوير مفردة تحتمل معادة عدة عند العرب، فهي دالة على الدور والتجمع،
ولذا فسر التكوير عند المفسرين بمعان متعددة فقيل:
1-ذهب ضوءها، وأظلمت، وذهبت، وهو قول أبو العالية، وابن عباس، ، ومجاهد، وقتادة، أخرجه الطبري.
2- أي رمي بها، ونكست، وهو قول أبي صالح، و الربيع بن خثيم, أخرجه الطبري.
ومن معاني التكوير عند العرب الرمي يقال طعنه طعنه فكوره، إذا ألقاه مجتمعا.
3- أنها تكور مثل تكوير العمامة، فتلف وتمحى، قاله أبو عبيدة.
والعرب يقولون كورت العمامة إذا لففتها على جهة الاستدارة.
4- غورت، وهيَ بالفارِسِيَّةِ، كور تكور. وهو قول سعيد أخرجه الطبري.
ويجمع لفظة التكوير كل تلك المعاني.
- قال الرازي: (وفي التكوير وجهان: أحدهما: التلفيف على جهة الاستدارة كتكوير العمامة، وفي الحديث: ”«نعوذ بالله من الحور بعد الكور» “ أي من التشتت بعد الألفة. والطي واللف والكور والتكوير واحد، وسميت كارة القصار كارة لأنه يجمع ثيابه في ثوب واحد، ثم إن الشيء الذي يلف لا شك أنه يصير مختفيا عن الأعين، فعبر عن إزالة النور عن جرم الشمس وتصييرها غائبة عن الأعين بالتكوير، فلهذا قال بعضهم: كورت أي طمست، وقال آخرون: انكسفت، وقال الحسن: محي ضوؤها، وقال المفضل بن سلمة: كورت أي ذهب ضوؤها، كأنها استترت في كارة. الوجه الثاني: في التكوير يقال: كورت الحائط ودهورته إذا طرحته حتى يسقط، قال الأصمعي: يقال طعنه فكوره إذا صرعه، فقوله: ﴿إذا الشمس كورت﴾، أي ألقيت ورميت عن الفلك)
- ويقول الطبري: (والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: ﴿كُوِّرَتْ﴾ كما قال الله جل ثناؤه، والتكوير في كلام العرب جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لفها على الرأس، وكتكوير الكارة، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض، ولفها، وكذلك قوله: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ إنما معناه: جمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فَرُمِي بها، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوءها فعلى التأويل الذي تأوّلناه وبيَّناه لكلا القولين اللَّذين ذكرت عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا كُوِّرت ورُمي بها، ذهب ضوءها).


تطبيقات الدرس الثالث:
بيّن المراد بالمفردات التاليات:
(1) المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}

للمفسرين في المراد بالمحروم خمسة أقوال لا تعارض بينها :
1- هو المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم.وهو قول ابن عباس، ومجاهد، والضحاك وابن المسيب، وعطاء، وإبراهيم، ونافع. أخرجه الطبري.
2- الذي لا سهم له في الغنيمة، وهو قول علي، وإبراهيم، أخرجه الطبري.
وأخرج الطبري عن الحسن بن محمد، إن رسول الله ﷺ بعث سرية، فغنموا، فجاء قوم يشهدون الغنيمة، فنزلت هذه الآية: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) .
3- هو الذي لا ينمي له مال، وهو قول عكرمة، أخرجه الطبري.
4- الذي قد اجتيح ماله. قد ذهب ثمره وزرعه وهو قول زيد بن أسلم، وابن زيد، أخرجه الطبري
واستدلوا على ذلك بأن الله تعالى قال: ﴿أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه ... ﴾ حتى قوله ﴿محرومون﴾ وبقول أصحاب الجنة: ﴿إنا لضالون بل نحن محرومون﴾، وقوله تعالى: ﴿لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون﴾ .
وأخرج ابن جرير، من طريق عاصم، عن أبي قلابة، قال: جاء سيل باليمامة، فذهب بمال رجل، فقال رجل من أصحاب النبي ﷺ: هذا المحروم.
5- هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئاً، وهو قول قتادة، والزهري.
وأخرج الطبري من طريق معمر عن الزهري، أن النبي ﷺ قال: "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان والأكلة والأكلتان، قالوا فمن المسكين يا رسول الله؟ قال: الذي لا يجد غنى، ولا يعلم بحاجته فيتصدق عليه فذلك المحروم"
- قال الطبري : والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حرم الرزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممن حرمه الله ذلك، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة، ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعم، كما قال جل ثناؤه ﴿وفي أموالهم حق للسائل والمحروم﴾، وقول الطبري أجمع الأقوال.

(2) الباقيات الصالحات
للمفسرين في المراد بالباقيات الصالحات أربعة أقوال:

1- الصلوات الخمس، وهو قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، عمرو بن شرحبيل، إبراهيم، أخرجه الطبري.
2- العمل بطاعة الله عز وجل، وجميع الأعمال الصالحة، وهو قول ابن عباس، وابن زيد، أخرجه الطبري.
قال ابن عباس: (هي ذكر الله قول لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، وتبارك الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأستغفر الله، وصلى الله على رسول الله والصيام والصلاة والحج والصدقة والعتق والجهاد والصلة، وجميع أعمال الحسنات، وهن الباقيات الصالحات، التي تبقى لأهلها في الجنة ما دامت السماوات والأرض) أخرجه الطبري.
3- الكلم الطيب، وهو قول ابن عباس، أخرجه الطبري.
4- هو قول سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وهو قول ابن عباس، وعثمان بن عفان، وابن عمر، مجاهد وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، سعيد بن المسيب، ومحمد بن كعب القرظي،الحسن وقتادة، أخرجه الطبري وهذا القول قريب مما قبله.
- ومما يدل لهذا القول ما أخرجه ابن جرير عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، من الباقيات الصالحات".
وعن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله ﷺ قال: "استكثروا من الباقيات الصالحات، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: الملة، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: "التكبير والتهليل والتسبيح، والحمد، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
- واختار الطبري القول الثاني لأنه يجمع جميع الأقوال، قال الطبري: (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: هن جميع أعمال الخير، كالذي روي عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، لأن ذلك كله من الصالحات التي تبقى لصاحبها في الآخرة، وعليها يجازى ويثاب، وإن الله عز ذكره لم يخصص من قوله ﴿والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا﴾ بعضا دون بعض في كتاب، ولا بخبر عن رسول الله ﷺ.
فإن ظن ظان أن ذلك مخصوص بالخبر الذي رويناه عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، فإن ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن الخبر عن رسول الله ﷺ إنما ورد بأن قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هن من الباقيات الصالحات، ولم يقل: هن جميع الباقيات الصالحات، ولا كل الباقيات الصالحات، وجائز أن تكون هذه باقيات صالحات، وغيرها من أعمال البر أيضا باقيات صالحات) .
- وقال الشنقيطي في أضواء البيان: (التحقيق أن ”الباقيات الصالحات“ لفظ عام، يشمل الصلوات الخمس، والكلمات الخمس المذكورة، وغير ذلك من الأعمال التي ترضي الله تعالى: لأنها باقية لصاحبها غير زائلة. ولا فانية كزينة الحياة الدنيا، ولأنها أيضا صالحة لوقوعها على الوجه الذي يرضي الله تعالى)

تطبيقات الدرس الرابع:
بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}

تعددت أوجه القراءات في قوله (لتستبين) فقرأت بثلاث أوجه:
القراءة الأولى: قرأت (تستبين) بالتاء ونصب ( سبيلَ)، وهي قراءة أهل المدينة.
ووجهها أن"تستبين"، خطاب للنبي ﷺ، كأن معناه عندهم: ولتستبين، أنت يا محمد، سبيل المجرمين، وهو قول ابن زيد، أخرجه الطبري.
والثانية: ﴿ولتستبين﴾ بالتاء ﴿سبيل المجرمين﴾ برفع"السبيل"، وهي قراءة بعض المكيين وبعض البصريين،
والمعنى: ولتتضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين. وأُنِّث سبيل. ذكره الطبري.
والثالثة : قرأت (ليستبين) بالياء، ورفع (سبيل)، على أن الفعل للسبيل، وهي بنفس المعنى السابق، لكن بتذكير السبيل والأخرى بالتأنيث وهما لغتان مشهورتان.
- و المعنيين متلازمين، فالله تعالى يفصل الآيات حتى يظهر لنا سبيل المجرمين المخالفين للرسل، فيستبين للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون سبيلهم.

(3) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}
اختلف المفسرون في مرجع الضمير في قوله تعالى: ﴿ولكن جعلناه﴾ على خمسة أقوال:
1- أنه يعود على القرآن، وهو قول السدي، أخرجه ابن جرير
2- أنه يعود على الإيمان فهوهو أقرب مذكور، ذكره ابوحيان
3- أنه يعود على الإيمان والكتاب، معاً ولكن وحّد الهاء لأن أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل، كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني، فيوحدهما وهما اثنان، ذكره ابن جرير، وقال ابوحيان: لأن مقصدهما واحد، فهو نظير: ﴿والله ورسوله أحق أن يرضوه﴾
4- وقيل يعود على الوحي، ذكره القرطبي
5- وقيل عائد على الروح، قاله ابن القيم، وأبو السعود.
- قال ابن القيم:
والصحيح أنه يعود على الروح، في قوله: ﴿روحا من أمرنا﴾، فأخبر تعالى أنه جعل أمره روحا ونورا وهدى، ولهذا ترى صاحب اتباع الأمر والسنة قد كسي من الروح والنور وما يتبعهما من الحلاوة والمهابة والجلالة والقبول ما قد حرمه غيره، كما قال الحسن: (إن المؤمن من رزق حلاوة ومهابة) إغاثة اللهفان
- والمعاني كلها صحيحة تكون صحيحة إن عاد الضمير على الإيمان أو الكتاب أو الوحي أو الروح فجميعها متلازم، وهي نور وهدى.

تطبيقات الدرس الخامس:
استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:

1: "مزيد" في قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}
مزيد مصدر ميمي من الزيادة مثل مجيد وحميد، ويجوز أن يكون اسم مفعول من زاد، ذكره ابن عاشور وغيره.
وقال الطبري: (يقول: وعندنا لهم على ما أعطيناهم من هذه الكرامة التي وصف جل ثناؤه صفتها مزيد يزيدهم إياه. وقيل: إن ذلك المزيد: النظر إلي الله جل ثناؤه).

2: "مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}
يُحتمل أن يُراد به المصدر، أو اسم المفعول، ويُحتمل أيراد به المكان الذي ينزل فيه
وكلها معانٍ صحيحة تحتملها هذه الصيغة الصرفية للمفردة،
وقد اختلف القراء في قراءة (منزلا)، فقرأه الجمهور : ﴿ مُنزَلا ﴾ بضم الميم وفتح الزاي،
بمعنى: أنزلني إنزالا مباركاً فيراد به المصدر، أو يراد به اسم مفعول من (أنزله) على حذف المجرور، أي: منزلا فيه.والمعنيان متلازمان.
وقرأه عاصم ﴿مَنزِلاً﴾ بفتح الميم وكسر الزاي، أي المكان الذي ينزِل فيه، وقيل المكان هو السفينة أو الأرض بعد نزوله من السفينة، فالمعنى (أنزلني مكانا مباركاً) ويحتمل جميع ما يحتمله معنى المنزل من الأمكنة أو حال النزول. ذكره ابن عاشور.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 صفر 1443هـ/3-10-2021م, 09:07 PM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إنشاد راجح مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس القسم الأول من مقرر أصول التفسير البياني

اختر تطبيقين من كلّ درس وأدّها:

تطبيقات الدرس الثاني:
1:معنى النحر في قول الله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر}
* ورد في معنى النحر لغة معنيان صحيحان:
- المعنى الأول: النحر بمعنى الذبح.
- المعنى الثاني: أول الشيء.

* فأما المعنى الأول وهو النحر بمعنى الطعن في المنحر أو الذبح.
- فمنه قولهم:
نحر البعير، أي: أصاب نحره، والمنحر موضع النحر، والنحر موضع القلادة، وهو الصدر.
- ومنه أيضا تناحر الناس ويراد به التعبير عن شدة القتال، ويراد به أيضا في سياقات أخرى شدة الحرص على الشيء، مثل: تناحرَ السفهاء على الدنيا.
- ويوم النحر: عاشر ذي الحجة يوم الأضحى لأن البدن تنحر فيه.

* أما المعنى الثاني: أول الشيء.
- فيقال: نحر النهار: أوله، وجاء في الحديث:
(أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر الظهيرة..)، ونحور الشهور: أوائلها.
- ولعل هذا القول مأخوذ من معنى النحر وهو الصدر، فصدر النهار هو أوله، ويُعبر عن أعلى مقدم كل شيء وأوله بالصدر، قال الفيروزآبادي:
(الصدر: الجارحة. ثم استعير لمقدمّ الشيء). ا.هــ

* ومعنى (النحر) في قول الله تعالى: (فصل لربك وانحر): ورد فيه أقوال:
- القول الأول: انحر البدن.

- قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن، وقتادة ومحمد بن كب القرظي والضحاك والربيع، وعطاء الخراساني وغيرهم. رواه ابن جرير، وقاله الفراء، والزجاج، وابن كثير.

- القول الثاني:وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى تحت النّحر.
- مروي عن علي بن أبي طالب، وعن الشعبي مثله، رواه ابن جرير، وقال ابن كثير أنه لا يصح.
- وقال الزجاج: (
اجعل يمينك على شمالك إذا وقفت في الصلاة، وضمهما إلى صدرك.) ا.هــ.

- القول الثالث: ارفع اليدين عند افتتاح الصلاة ( عند النحر).
- مروي عن أبي جعفر الباقر.

- القول الرابع: استقبل القبلة بنحرك.
- وهذا تأول من بعض أهل العربية كما قال ابن جرير.
- وهذا القول رواه أبو منصور الأزهري، وابن جرير، وذكرا ما أنشده بعض بني أسد:
أبا حَكَمٍ هَلْ أنْتَ عَمُّ مُجَالِدٍ ... وَسَيِّدُ أهْلِ الأبْطَحِ المُتَنَاحِرِ
أي: ينحر بعضهم بعضا.

- فالقول الأول هو الذي عليه المفسرون، وما سواه فلا يعول عليه وإن كان له تعلق بالمعنى اللغوي ويدور حوله، لكنه لا يناسب السياق، ورجح ابن جرير الأول، والمعنى: اجعل صلاتك كلها خالصة لله،
وكذلك نحرك اجعله خالصا لله وحده- وكان العرب يذبحون للأصنام والأوثان-، وحجة ابن جرير أن الله عز وجل أكرم النبي صلى الله عليه وسلم بالكوثر وبنعم وعطايا تستوجب الشكر، ولا أبلغ من الإخلاص في عبادة الله شكرا له عز وجل.
قال الشيخ عبد العزيز الداخل حفظه الله: الصواب أنّ الأقوال المأثورة التي تصحّ لغة ولا تخالف نصاً ولا إجماعاً وتوافق دلالة النصوص الأخرى أنها مقبولة في التفسير
المراجع:
- معاني القرآن للفراء (ت:207 هـ)
- تفسير ابن جرير (ت:310 هـ)
- معاني القرآن للزجاج (ت: 311 هــ)
- تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري (ت:370 هــ)
- لسان العرب لابن منظور (ت:711 هــ)
- تفسير ابن كثير (ت:774 هــ)
- بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي (ت:817 هــ)

2: معنى العصر في قول الله تعالى: {والعصر* إن الإنسان لفي خسر}
* ورد في معنى العصر لغة، ثلاثة معانٍ صحيحة:
- المعنى الأول فهو: دهر وحين.
- والمعنى الثاني: ضغط الشيء حتى يتحلب.
- والمعنى الثالث: تعلق بشي وامتساك به.

* فأما المعنى الأول: فقد ورد عند العرب وله شواهد، قال امرؤ القيس:
أَلَا انْعِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالِي ... وَهَلْ يَنْعِمَنْ مَنْ كَانَ فِي الْعُصُرِ الْخَالِي
- والعُصُرُ كالعَصرِ، بمعنى الدهر.

- قال الخليل: والعصران: الليل والنهار، وقال:
وَلَنْ يَلْبَثَ الْعَصْرَانِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ... إِذَا اخْتَلَفَا أَنْ يُدْرِكَا مَا تَيَمَّمَا
- وقيل هو من باب تغليب أحدهما كما يقال للشمس والقمر: القمران، ويقال لأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- : العمران.

-قيل وصلاة العصر سميت بذلك لأنها تُعصَرُ، أي تؤخر عن الظهر، وجاء في الحديث عن فضالة بن عبد الله الليثي: (علَّمنا رسولُ اللهِ ﷺ فكان فيما علَّمنا قال: (حافِظوا على الصَّلواتِ وحافِظوا على العصرَيْنِ)
قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ وما العصرانِ؟ قال
: (صلاةٌ قبْلَ طُلوعِ الشَّمسِ وصلاةٌ قبْلَ غُروبِها)، أخرجه ابن حبان في صحيحه.* وأما المعنى الثاني: وهو من العصارة، قال ابن السكيت: تقول العرب: (لا أفعله ما دام الزيت يعصر).
وهو دال على الامتناع عن فعل الشيء أبدا.
- وقول الله تعالى:
(وأنزلنا من المعصرات) جاء في المعصرات أقوال، منها أنها: السحاب، وقيل: الرياح، فالسحاب تعتصر المطر، أو أنها تأتي بالإعصار، والرياح تعصر السحاب فينزل منه المطر.
- وقول الله تعالى:
(إني أراني أعصر خمرا)،من عصر العنب.
وهما محمولان على المعنى الثاني.

-وقول الله تعالى:
(ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون)، أي يعصرون الزيت من الزيتون.
ويدل على الغيث والرخاء الذي يأتي بعد القحط والجدب.
-قال السمين الحلبي:
(وقيل: معناه ينجون من الجذب ويعتصمون بالخصب)، فيكون معنى العصر هنا-والله أعلم- محمول على المعنى الثالث، أي أنهم يأتيهم الغيث فيتمسكون بالخصب والرخاء، كأنهم يلجأون إليه بعد
ما أصابهم من الشدة والجدب)، ولكن حمله على المعنى الثاني أظهر والله تعالى أعلم.

* وأما المعنى الثالث: وهو التعلق بالشيء، يقال العصر: الملجأ، اعتصر بالمكان، أي تعلق به ولجأ إليه.
قال أبو داود:
مِسَحٍّ لَا يُوَارِي الْعَيْ ... رَ مِنْهُ عَصَرُ اللَّهْبِ
- أما المراد بالعصر في قول الله تعالى:{والعصر* إن الإنسان لفي خسر}:
قال ابن عاشور: (وللعصر معان يتعين أن يكون المراد منها لا يعدو أن يكون حالة دالة على صفة من صفات الأفعال الربانية، يتعين إما بإضافته إلى ما يقدر، أو بالقرينة، أو بالعهد، وأيا ما كان المراد منه هنا
فإن القسم به باعتبار أنه زمن يذكر بعظيم قدرة الله تعالى في خلق العالم وأحواله، وبأمور عظيمة مباركة مثل الصلاة المخصوصة أو عصر معين مبارك).
ا.هــ.
- فالعصر هنا الدهر، وتعريفه للعهد الذهني، يعني: كل عصر، واختلفت عبارات مفسري السلف وكلها داخلة تحت مسمى الدهر، فقال بعضهم:

- ساعة من ساعات النهار
- رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة به.
- ورواه ابن جرير عن علي عن أبي صالح عن معاوية عن علي عن ابن عباس به.

- العشي
- رواه ابن جرير وعبد الرزاق من طريق معمر عن الحسن به.

- واشتهر إطلاق العصر على وقت معين، وهو ما بين الظهر والمغرب، فهو وقت اصفرار الشمس إلى مبدا العشي.
قال الحارث بن حلزة
:
آنَسَتْ نَبْأةً وأفْزَعَها القَنَّ اصُ عَصْرًا وقَدْ دَنا الإمْساءُ

- قال ابن عاشور: (وفي ذلك الوقت يتهيأ الناس للانقطاع عن أعمالهم في النهار كالقيام على حقولهم وجناتهم، وتجاراتهم في أسواقهم، فيذكر بحكمة نظام المجتمع الإنساني وما ألهم الله في غريزته من دأب على عمل ونظام لابتدائه وانقطاعه. وفيه يتحفز الناس للإقبال على بيوتهم لمبيتهم والتأنس بأهليهم وأولادهم. وهو من النعمة أو من النعيم، وفيه إيماء إلى التذكير بمثل الحياة حين تدنو آجال الناس بعد مضي أطوار الشباب والاكتهال والهرم).

- وأما القسم بالدهر فذلك لاشتماله على الأعاجيب والعبر. كما قال الفراء.
-وهو كالقسم بالضحى وبالليل والنهار والفجر، حيث يحصل التغير في الكون.
والسياق يرجح هذا المعنى، فالخاسر من أفنى عمره وأضاع أيامه ولياليه فيما لا ينفعه في الدار الآخرة، فجاء القسم بالدهر تعظيما له وللدلالة على أهمية اغتنامه وإعماره بالصالحات.
لو نقلت ترجيح الطبري في المسألة
المراجع:
- تفسير ابن جرير (ت:310 هــ)
- مقاييس اللغة، لابن فارس (395 هــ)
- عمدة الحفاظ، للسمين الحلبي ( ت: 756 هــ)
- بصائر ذوي التمييز، للفيروزآبادي (ت:817 هــ)
- التحرير والتنوير لابن عاشور: (ت:1393 هــ)


تطبيقات الدرس الثالث:
بيّن المراد بالمفردات التاليات:
1: المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}

- جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس المسكينُ الَّذي ترُدُّه التَّمرةُ والتَّمرتانِ والأُكلةُ والأُكلتانِ ولكنَّ المسكينَ الَّذي ليس له ما يستغني به
ولا يُعلَمُ بحاجتِه فيُتصدَّقَ عليه فذلك المحروم)
رواه ابن حبان في صحيحه على شرط البخاري.

- وقد اختلفت عبارات السلف في التعبير عن المراد بالمحروم على أقوال كما روى ابن جرير:
الأول: المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم، الذي ليس له أحد يعطف عليه أو يعطيه شيئا.
- مروي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وأبي قلابة و نافع وعطاء.

الثاني: هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئا.
- مروي عن قتادة والزهري.
الثالث: هو الذي لا سهم له في الغنيمة.
- مروي عن الحسن بن محمد وإبراهيم النخعي.

الرابع: هو الذي لا ينمى له مال.
- مروي عن عكرمة.

الخامس: هو الذي قد ذهب ثمره وزرعه.
- مروي عن ابن زيد وزيد بن أسلم.
قال ابن جرير: (والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حُرم الرزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممن حرمه الله ذلك، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة،
ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعمّ، كما قال جلّ ثناؤه:
(وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)) ا.هــ.
-قال ابن منظور:
(والمحارف: الذي لا يصيب خيرا من وجه توجه له، والمصدر الحراف. والحرف: الحرمان).
(وقيل
: المحارف، بفتح الراء، هو المحروم المحدود الذي إذا طلب فلا يرزق أو يكون لا يسعى في الكسب.) ا.هـ.

-قال الأزهري في التهذيب: (ويقال للمحروم الذي قتر عليه رزقه محارف). ا.هــ.
- وروى أيضا عن الشافعي أنه قال:
(كل من استغنى بكسبه فليس له أن يسأل الصدقة، وإذا كان لا يبلغ كسبه ما يقيمه وعياله، فهو الذي ذكره المفسرون أنه المحروم المحارف الذي يحترف بيديه،
قد حرم سهمه من الغنيمة لا يغزو مع المسلمين، فبقي محروما يعطى من الصدقة ما يسد حرمانه)
ا.هـ.

- فكل ما ذكر يرجع إلى معنى واحد وإن تنوعت العبارات.

المراجع:
- تفسير ابن جرير الطبري (ت:310 هـ)
- تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري (ت:370 هـ)
- معجم لسان العرب لابن منظور: (711 هـ)


2:ناشئة الليل
- ورد في لغة العرب لفظ نشأ، وله معان:
الأول: نشأ أي ارتفع الشيء وسما.
- ويقال نشأ السحاب: ارتفع، ونشأ الليل: ارتفع، ويقال لأحداث الناس: نشأ، لأنهم ارتفعوا عن حد الصبا.
- ويقال بلغة الحبشة: نشأ، والمعنى قام من الليل. مروي عن ابن عباس، وأبي ميسرة. رواه ابن جرير.

الثاني: خلق، أنشأه الله: خلقه.
ومنه قول الله تعالى: ( وأن عليه النشأة الأخرى)، أي: البعثة.

وجاء في المراد ب(ناشئة الليل) أقوال، رواها ابن جرير عن عدد من السلف:
* القول الأول: الليل كله ناشئة، فمتى قام الرجل من الليل فهو ناشئة.
- (الليل كله ناشئة)
قاله ابن عباس، وعن ابن الزبير مثله، وبنحوه عن عكرمة والضحاك.
-
(إذا قمت الليل فهو ناشئة) مروي عن مجاهد.
-
(إذا قام الرجل من الليل فهو ناشئة الليل) مروي عن ابن أبي نجيح.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:(وأما العبد فيطلق عليه الإنشاء باعتبار آخر وهو شروعه في الفعل وابتداؤه له يقول أنشأ يحدثنا وأنشأ السير فهو منشأ لذلك)
* القول الثاني: وفيه تخصيص فقيل ما بعد العشاء الآخرة هو ناشئة.
- (كل شيء بعد العشاء فهو ناشئة) وهو رواية أخرى عن مجاهد، وبمثله روي عن قتادة، وبنحوه عن أبي مجلز وأبي الرجاء.

- قال ابن جرير :
(ساعات الليل، وكل ساعة من ساعات الليل ناشئة من الليل).
- وجاء في مقاييس اللغة لابن فارس:
(ناشئة الليل: يراد بها القيام والانتصاب للصلاة).
- قال ابن عاشور:
((ناشئة): وصف من النشء وهو الحدوث. وقد جرى هذا الوصف هنا على غير موصوف، وأضيف إلى الليل إضافة على معنى في مثل (مكر الليل)، وجعل من أقوم القيل،
فعلم أن فيه قولا وقد سبقه الأمر بقيام الليل وترتيل القرآن، فتعين أن موصوفه المحذوف هو صلاة، أي: الصلاة الناشئة في الليل، فإن الصلاة تشتمل على أفعال وأقوال وهي قيام)
ا.هــ.

- وذهب ابن عاشور إلى بيان وصف الصلاة بالناشئة بتوجيه لطيف، فقال:
(ووصف الصلاة بالناشئة لأنها أنشأها المصلي فنشأت بعد هدأة الليل فأشبهت السحابة التي تتنشأ من الأفق بعد صحو،
وإذا كانت الصلاة بعد نوم فمعنى النشء فيها أقوى).
ا.هــ.

- قال: (وإيثار لفظ (ناشئة) في هذه الآية دون غيره من نحو: قيام، أو تهجد، لأجل ما يحتمله من هذه المعاني ليأخذ الناس فيه بالاجتهاد) ا.هــ.
- ولصاحب تهذيب اللغة فائدة، قال أبو منصور: (ناشئة الليل قيام الليل، مصدر جاء على فاعلة، وهو بمعنى النشء، مثل العافية بمعنى العفو. والعاقبة بمعنى العقب، والخاتمة بمعنى الختم) ا.هـ.
المراجع:
- تفسير ابن جرير الطبري (ت:310 هـ)
- تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري (ت:370 هــ)
- مقاييس اللغة لابن فارس (ت: 395 هـ)
- معجم لسان العرب لابن منظور: (711 هـ)
- التحرير والتنوير لابن عاشور (ت:1393 هــ)


تطبيقات الدرس الرابع:
بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:

1: سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}
قبل بيان إعراب (سبيل) لابد من الوقوف على أمرين:
* أولا القراءات الواردة في الآية:
-قال ابن مجاهد: (اختلفوا- أي:القراء- في الياء والتاء والرفع والنصب، من قوله (ولتستبين سبيل المجرمين).)ا.هـ.
- فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم (ولتستبين) بالياء (سبيل) رفعا
- وقرأ نافع (ولتستبين) بالتاء (سبيل) نصبا
- وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي ( وليستبين) بالياء (سبيل) رفعا.

* ثانيا نوع لفظة (سبيل) من حيث التأنيث والتذكير:
- لفظة السبيل محتملة للتأنيث والتذكير، ففي الحجاز تؤنث فيقولون: هذه السبيل، وعند تميم وأهل نجد تُذكّر، فيقولون: هذا السبيل.

* إعراب لفظة (سبيل) ودلالة الإعراب على معنى الآية:
أولا: رفع لفظة (سبيل):
- فإن (سبيل) تعرب فاعلا، والمعنى: ولتستبين هذه السبيل، فإذا استبانت السبيل، فقد بانت واتضحت وظهرت.
- وعلى قراءة من قراء: (وليستبين سبيلُ المجرمين)، فيكون نفس المعنى، ولفظة (سبيل) هنا على التذكير.

ثانيا: نصب لفظة (سبيل):
- فإن (سبيل) تعرب مفعولا به، والمعنى: ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين، فيتضح لك طريقهم ونهجهم.

المراجع:
- السبعة في القراءات لابن مجاهد (ت:324 هــ)
-تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري ( 370 هــ)
-المحرر الوجيز لابن عطية ( ت:546 هـ)

2: مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}

* على القاعدة فإن الضمير يعود على أقرب مذكور، فيكون مرجع هاء الضمير في (جعلناه) إلى الإيمان، لكن عبارات المفسرين كانت بين قولين: إما أنه يعود إلى القرآن، ولعل الذي رجحه السياق، أو يعود إلى القرآن والإيمان معا.

* قال أبو السعود، قال: (ولكن جعلناه) أي: الروح الذي أوحيناه إليك) ا.هـ.
* وروى ابن جرير عن محمد عن أحمد عن اسباط عن السدي عنه قال: يعني القرآن.
وبه قال مكي بن أبي طالب، وابن عطية.

* ومن المفسرين من قال أنه يرجع إلى القرآن والإيمان معا.
- قال الفراء: ( وقوله: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ، وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً): يعني التنزيل- القرآن-، وقال بعضهم: أراد القرآن والإيمان)، وجاز أن يقول جعلناه لاثنين لأن الفعل في كثرة أسمائه يضبطه الفعل،
ألا ترى أنك تقول : إقبالك وإدبارك يغمني، وهما اثنان فهذا من ذلك)
ا.هــ

* قال الزجاج: (ولم يقل: (جعلناهما) لأن المعنى: ( ولكن جعلنا الكتاب نورا) وهو دليل على الإيمان).

* قال ابن جرير: فوحد الهاء، وقد ذكر قبل الكتاب والإيمان، لأنه قصد به الخبر عن الكتاب.
ونقل كلام الفراء.
فائدة: قال ابن جرير: ( إقبالك وإدبارك يعجبني)، فكأنه لم يستحسن لفظة (يغمني) التي ذكرها الفراء- والله أعلم- !

* وقال أبو حيان الأندلسي: (يحتمل أن يعود إلى قوله (روحا) وإلى (الكتاب)، وإلى الإيمان)، وهو أقرب مذكور.
وقيل: يعود إلى الكتاب والإيمان معا؛ لأن مقصدهما واحد، فهو نظير:
(والله ورسوله أحق أن يرضوه)).

* واختار ابن عاشور أنه يرجع إلى القرآن، والتقدير: وجعلنا الكتاب نورا.
وله عبارة حسنة تعلل اختيار قول بعض المفسرين بأنه الكتاب والإيمان، قال ابن عاشور في معنى الآية:
(ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ثم هديناك بالكتاب ابتداء وعرفناك به الإيمان وهديت به الناس..) ا.هـ.
فالقولان بينهما تلازم لتضمن القرآن أصل الإيمان.


المراجع:
- معاني القرآن للفراء (ت: 207 هـ)
- تفسير ابن جرير الطبري (ت:310 هــ)
- معاني القرآن للزجاج (ت:311 هــ)
- تفسير مكي بن أبي طالب (ت: 437 هـ)
- تفسير ابن عطية (ت:546 هـ)
- البحر المحيط لأبي حيان (ت: 745 هـ)
- تفسير ابن عاشور: ( ت: 1393 هـ)

تطبيقات الدرس الخامس:
استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:

1:
"مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}

- يُحتمل أن يُراد به المصدر، ويُحتمل أن يراد به المكان الذي ينزل فيه، كما قيل:
أَإِن ذَكَّرَتك الدارُ مَنْزَلَها جُمْلُ ... بَكيْتَ، فدَمْعُ العَيْنِ مُنْحَدِر سَجْلُ؟
* وهما معنيان صحيحان تحتملها الصيغة الصرفية للمفردة، فعلى الأول يكون المعنى: أنزلنا إنزالا مباركا، وعلى الثاني يكون المعنى: أنزلنا مكانا مباركا.
* والمعنيان متلازمان، فالإنزال المبارك الطيب يقتضي أن يكون في مكان مبارك.

* وقرأ الجمهور بضم الميم وفتح الزاي، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بفتح الميم وبكسر الزاي.
- وقراءة الجمهور تحتمل المعنيين، أما قراءة عاصم فتعني: موضع النزول. ذكره أبو منصور الأزهري في معاني القراءات.

المراجع :
- معاني القراءات لأبي منصور الأزهري ( 370 هــ)
- تفسير أبي السعود (ت: 892 هــ)
- تفسير ابن عاشور (ت1393 هــ)


2:دلالة زيادة المبنى في قول الله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)}

* ورد في الآية فعلان:
- (
يستكبرون) وأصله من الكبر، والاستكبار الامتناع عن قبول الحق.
- (يستحسرون) وأصله من الحسر، وهو كشف الشيء عن الشيء، ويستعمل للدلالة على التعب والكلّ، والاستحسار: التعب.

* وجاءا الفعلان: استكبر، استحسر، بزيادة الألف والسين والتاء عن الأصل، للدلالة على المبالغة في الوصف.
- وهما على وزن (استفعل)، ومن معاني ما جاء على هذا الوزن: التحول من حال إلى حال، وهو الأقرب هنا والله أعلم.

* وللعلماء توجيه جيد لاستعمال هذه الصيغة هنا:
* قال الفيروزآبادي: (والاستكبار على وجهين: أَحدهما: أَن يتحرَّى الإِنسان ويطلب أَن يكون كبيرًا، وذلك متى كان على ما يجب، وفى المكان الَّذى يجب، وفى الوقت الَّذى يجب فمحمود. والثانى: أَن يتشبَّع فيُظهر من نفسه ما ليس له) ا.هــ.
- والثاني هو المقصود في الآية، فنفى عنهم الاستكبار وهو التجرد من العبودية والخضوع والذل لله، والخروج من وصوفات المخلوق.

* قال الزمخشري: (الاستحسار مبالغة في الحسور، فكان الأبلغ في وصفهم أن ينفى عنهم أدنى الحسور). ا.هـ.
* وقال أبو السعود: (ولا يستحسرون) ولا يكلون ولا يعبون. وصيغة الاستفعال المنبئة عن المبالغة في الحسور للتنبيه على أن عباداتهم بثقلها ودوامها حقيقة بأن يستحسر منها ومع ذلك لا يستحسرون. "لا" لإفادة نفي المبالغة في الحسور مع ثبوت أصله في الجملة). ا.هــ.

قال ابن عاشور:
(لا يصدر منهم الاستحسار الذي هو التعب الشديد الذي يقتضيه عملهم العظيم، أي لا يقع منهم ما لو قام بعملهم غيرهم لاستحسر ثقل ذلك العمل، فعبر بالاستحسار هنا الذي هو الحسور القوي؛ لأنه المناسب للعمل الشديد، ونفيه من قبيل نفي المقيد بقيد خرج مخرج الغالب في أمثاله. فلا يفهم من نفي الحسور القوي أنهم قد يحسرون حسورا ضعيفا. وهذا المعنى قد يعبر عنه أهل المعاني بأن المبالغة في النفي لا في المنفي) ا.هــ.

المراجع:
- الكشاف للزمخشري (ت:583 هـ)
- لسان العرب لابن منظور (ت:711 هــ)
- بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي (817 هـ)
- تفسير أبي السعود (ت: 982 هــ)
- التحرير والتنوير لابن عاشور (ت:1393 هــ)

الحمد لله رب العالمين
أحسنت نفع الله بك
أ


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27 صفر 1443هـ/4-10-2021م, 03:07 PM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آسية أحمد مشاهدة المشاركة
تطبيقات الدرس الثاني:
اختر ثلاث المفردات من المفردات التالية وبيّن معانيها وما يصحّ أن تفسّر به في الآيات المذكورة:
1: معنى البلاء في قول الله تعالى: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}:

البلاء في لغة العرب، يستعمل في عدة أوجه من المعاني، فالأصل أنه الاختبار والامتحان، وقد يستعمل الخير، كما يستعمل في الشر ، وقد جمع ذلك في قوله تعالى: ﴿وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون﴾ أي اختبرناهم، وفي قوله: ﴿ونبلوكم بالشر والخير فتنة﴾
وفقك الله: نأت بأقوال أهل اللغة للاستدلال على ما ذكرناه
وقد فسّر المفسرون من الصحابة والتابعين وتابعيهم معنى بلاء في هذه الآية بعامّة هذه المعاني، وهي معانٍ صحيحة تحتملها الآية:
فالمعنى الأول: أنها نعمة، وهو تفسير ابن عباس،و مجاهد، وابن جريج، وأبو العالية وأبو مالك، والسدي وغيرهم. أخرجه ابن جرير الطبري.
فالبلاء يأتي بمعنى الخير، ومنه قوله تعالى: ﴿وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا﴾،
ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم ... وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
معناه أعطاهما خير العطاء
قال أبو عبيدة في مجاز القرآن: يقال: له عندي بلاء عظيم، أي: نعمة ويد.
ويروى عن الأحنف أنه قال: ”البلاء، ثم الثناء“، ذكره الزجاج في معاني القرآن

المعنى الثاني: العذاب، والنقمة ذكره مكي بن أبي طالب في العمدة في غريب القرآن، والقرطبي.
والبلاء يستعمل في الخير والشر وأكثر استعماله في الشر.
قال ابن عاشور في حقيقة استعمال البلاء:
حقيقته بلاء الثوب بفتح الباء مع المد وبكسرها مع القصر وهو تخلقه وترهله ولما كان الاختبار يوجب الضجر والتعب سمي بلاء كأنه يخلق النفس، ثم شاع في اختبار الشر لأنه أكثر إعناتا للنفس، وأشهر استعماله إذا أطلق أن يكون للشر فإذا أرادوا به الخير احتاجوا إلى قرينة أو تصريح كقول زهير:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم ∗∗∗ وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو

و قال الزمخشري:
والبلاء المحنة إن أشير بذلكم إلى صنيع فرعون. والنعمة إن أشير به إلى الإنجاء.

المعنى الثالث: اختبار وامتحان، ذكره القرطبي.
وهذا المعنى هو أصل استعماله في اللغة.
ومن ذلك قول الشاعر:
بليت وفقدان الحبيب بلية ... وكم من كريم يبتلى ثم يصبر

فهذه المفردة دلت بمعانيها على مراد الآية من غير تعارض، فالله تعالى امتحن بني اسرائيل بالخير بإنجائهم من فرعون والشر باستباحة فرعون لهم.

2. معنى التكوير في قول الله تعالى: {إذا الشمس كوّرت}
التكوير مفردة تحتمل معادة عدة عند العرب، فهي دالة على الدور والتجمع،
ولذا فسر التكوير عند المفسرين بمعان متعددة فقيل:
1-ذهب ضوءها، وأظلمت، وذهبت، وهو قول أبو العالية، وابن عباس، ، ومجاهد، وقتادة، أخرجه الطبري.
2- أي رمي بها، ونكست، وهو قول أبي صالح، و الربيع بن خثيم, أخرجه الطبري.
ومن معاني التكوير عند العرب الرمي يقال طعنه طعنه فكوره، إذا ألقاه مجتمعا.
3- أنها تكور مثل تكوير العمامة، فتلف وتمحى، قاله أبو عبيدة.
والعرب يقولون كورت العمامة إذا لففتها على جهة الاستدارة.
4- غورت، وهيَ بالفارِسِيَّةِ، كور تكور. وهو قول سعيد أخرجه الطبري.
ويجمع لفظة التكوير كل تلك المعاني.
- قال الرازي: (وفي التكوير وجهان: أحدهما: التلفيف على جهة الاستدارة كتكوير العمامة، وفي الحديث: ”«نعوذ بالله من الحور بعد الكور» “ أي من التشتت بعد الألفة. والطي واللف والكور والتكوير واحد، وسميت كارة القصار كارة لأنه يجمع ثيابه في ثوب واحد، ثم إن الشيء الذي يلف لا شك أنه يصير مختفيا عن الأعين، فعبر عن إزالة النور عن جرم الشمس وتصييرها غائبة عن الأعين بالتكوير، فلهذا قال بعضهم: كورت أي طمست،
وقال آخرون: انكسفت، وقال الحسن: محي ضوؤها، وقال المفضل بن سلمة: كورت أي ذهب ضوؤها، كأنها استترت في كارة. الوجه الثاني: في التكوير يقال: كورت الحائط ودهورته إذا طرحته حتى يسقط، قال الأصمعي: يقال طعنه فكوره إذا صرعه، فقوله: ﴿إذا الشمس كورت﴾، أي ألقيت ورميت عن الفلك)
- ويقول الطبري: (والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: ﴿كُوِّرَتْ﴾ كما قال الله جل ثناؤه، والتكوير في كلام العرب جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لفها على الرأس، وكتكوير الكارة، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض، ولفها، وكذلك قوله: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ إنما معناه: جمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فَرُمِي بها، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوءها فعلى التأويل الذي تأوّلناه وبيَّناه لكلا القولين اللَّذين ذكرت عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا كُوِّرت ورُمي بها، ذهب ضوءها).

نجرص بداية علة بيان معنى المفردة اللغوي

تطبيقات الدرس الثالث:
بيّن المراد بالمفردات التاليات:
(1) المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}

للمفسرين في المراد بالمحروم خمسة أقوال لا تعارض بينها :
1- هو المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم.وهو قول ابن عباس، ومجاهد، والضحاك وابن المسيب، وعطاء، وإبراهيم، ونافع. أخرجه الطبري.
2- الذي لا سهم له في الغنيمة، وهو قول علي، وإبراهيم، أخرجه الطبري.
وأخرج الطبري عن الحسن بن محمد، إن رسول الله ﷺ بعث سرية، فغنموا، فجاء قوم يشهدون الغنيمة، فنزلت هذه الآية: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) .
3- هو الذي لا ينمي له مال، وهو قول عكرمة، أخرجه الطبري.
4- الذي قد اجتيح ماله. قد ذهب ثمره وزرعه وهو قول زيد بن أسلم، وابن زيد، أخرجه الطبري
واستدلوا على ذلك بأن الله تعالى قال: ﴿أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه ... ﴾ حتى قوله ﴿محرومون﴾ وبقول أصحاب الجنة: ﴿إنا لضالون بل نحن محرومون﴾، وقوله تعالى: ﴿لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون﴾ .
وأخرج ابن جرير، من طريق عاصم، عن أبي قلابة، قال: جاء سيل باليمامة، فذهب بمال رجل، فقال رجل من أصحاب النبي ﷺ: هذا المحروم.
5- هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئاً، وهو قول قتادة، والزهري.
وأخرج الطبري من طريق معمر عن الزهري، أن النبي ﷺ قال: "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان والأكلة والأكلتان، قالوا فمن المسكين يا رسول الله؟ قال: الذي لا يجد غنى، ولا يعلم بحاجته فيتصدق عليه فذلك المحروم"
- قال الطبري : والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حرم الرزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممن حرمه الله ذلك، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة، ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعم، كما قال جل ثناؤه ﴿وفي أموالهم حق للسائل والمحروم﴾، وقول الطبري أجمع الأقوال.

(2) الباقيات الصالحات
للمفسرين في المراد بالباقيات الصالحات أربعة أقوال:

1- الصلوات الخمس، وهو قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، عمرو بن شرحبيل، إبراهيم، أخرجه الطبري.
2- العمل بطاعة الله عز وجل، وجميع الأعمال الصالحة، وهو قول ابن عباس، وابن زيد، أخرجه الطبري.
قال ابن عباس: (هي ذكر الله قول لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، وتبارك الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأستغفر الله، وصلى الله على رسول الله والصيام والصلاة والحج والصدقة والعتق والجهاد والصلة، وجميع أعمال الحسنات، وهن الباقيات الصالحات، التي تبقى لأهلها في الجنة ما دامت السماوات والأرض) أخرجه الطبري.
3- الكلم الطيب، وهو قول ابن عباس، أخرجه الطبري.
4- هو قول سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وهو قول ابن عباس، وعثمان بن عفان، وابن عمر، مجاهد وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، سعيد بن المسيب، ومحمد بن كعب القرظي،الحسن وقتادة، أخرجه الطبري وهذا القول قريب مما قبله.
- ومما يدل لهذا القول ما أخرجه ابن جرير عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، من الباقيات الصالحات".
وعن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله ﷺ قال: "استكثروا من الباقيات الصالحات، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: الملة، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: "التكبير والتهليل والتسبيح، والحمد، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
- واختار الطبري القول الثاني لأنه يجمع جميع الأقوال، قال الطبري: (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: هن جميع أعمال الخير، كالذي روي عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، لأن ذلك كله من الصالحات التي تبقى لصاحبها في الآخرة، وعليها يجازى ويثاب، وإن الله عز ذكره لم يخصص من قوله ﴿والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا﴾ بعضا دون بعض في كتاب، ولا بخبر عن رسول الله ﷺ.
فإن ظن ظان أن ذلك مخصوص بالخبر الذي رويناه عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، فإن ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن الخبر عن رسول الله ﷺ إنما ورد بأن قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هن من الباقيات الصالحات، ولم يقل: هن جميع الباقيات الصالحات، ولا كل الباقيات الصالحات، وجائز أن تكون هذه باقيات صالحات، وغيرها من أعمال البر أيضا باقيات صالحات) .
- وقال الشنقيطي في أضواء البيان: (التحقيق أن ”الباقيات الصالحات“ لفظ عام، يشمل الصلوات الخمس، والكلمات الخمس المذكورة، وغير ذلك من الأعمال التي ترضي الله تعالى: لأنها باقية لصاحبها غير زائلة. ولا فانية كزينة الحياة الدنيا، ولأنها أيضا صالحة لوقوعها على الوجه الذي يرضي الله تعالى)

أرجو الاهتمام ببيان العلاقة والمناسبة بين التفسير اللغوي وما جاء عن المفسرين, أي توجبه أقوالهم.

تطبيقات الدرس الرابع:
بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}

تعددت أوجه القراءات في قوله (لتستبين) فقرأت بثلاث أوجه:
القراءة الأولى: قرأت (تستبين) بالتاء ونصب ( سبيلَ)، وهي قراءة أهل المدينة.
ووجهها أن"تستبين"، خطاب للنبي ﷺ، كأن معناه عندهم: ولتستبين، أنت يا محمد، سبيل المجرمين، وهو قول ابن زيد، أخرجه الطبري.
والثانية: ﴿ولتستبين﴾ بالتاء ﴿سبيل المجرمين﴾ برفع"السبيل"، وهي قراءة بعض المكيين وبعض البصريين،
والمعنى: ولتتضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين. وأُنِّث سبيل. ذكره الطبري.
والثالثة : قرأت (ليستبين) بالياء، ورفع (سبيل)، على أن الفعل للسبيل، وهي بنفس المعنى السابق، لكن بتذكير السبيل والأخرى بالتأنيث وهما لغتان مشهورتان.
- و المعنيين متلازمين، فالله تعالى يفصل الآيات حتى يظهر لنا سبيل المجرمين المخالفين للرسل، فيستبين للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون سبيلهم.

نبين أسماء القراء

(3) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}
اختلف المفسرون في مرجع الضمير في قوله تعالى: ﴿ولكن جعلناه﴾ على خمسة أقوال:
1- أنه يعود على القرآن، وهو قول السدي، أخرجه ابن جرير
2- أنه يعود على الإيمان فهوهو أقرب مذكور، ذكره ابوحيان
3- أنه يعود على الإيمان والكتاب، معاً ولكن وحّد الهاء لأن أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل، كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني، فيوحدهما وهما اثنان، ذكره ابن جرير، وقال ابوحيان: لأن مقصدهما واحد، فهو نظير: ﴿والله ورسوله أحق أن يرضوه﴾
4- وقيل يعود على الوحي، ذكره القرطبي
5- وقيل عائد على الروح، قاله ابن القيم، وأبو السعود.
- قال ابن القيم:
والصحيح أنه يعود على الروح، في قوله: ﴿روحا من أمرنا﴾، فأخبر تعالى أنه جعل أمره روحا ونورا وهدى، ولهذا ترى صاحب اتباع الأمر والسنة قد كسي من الروح والنور وما يتبعهما من الحلاوة والمهابة والجلالة والقبول ما قد حرمه غيره، كما قال الحسن: (إن المؤمن من رزق حلاوة ومهابة) إغاثة اللهفان
- والمعاني كلها صحيحة تكون صحيحة إن عاد الضمير على الإيمان أو الكتاب أو الوحي أو الروح فجميعها متلازم، وهي نور وهدى.

تطبيقات الدرس الخامس:
استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:

1: "مزيد" في قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}
مزيد مصدر ميمي من الزيادة مثل مجيد وحميد، ويجوز أن يكون اسم مفعول من زاد، ذكره ابن عاشور وغيره.

قال ابن عاشور :وقَرَأ الجُمْهُورُ (مُنْزَلًا) بِضَمِّ المِيمِ وفَتْحِ الزّايِ وهو اسْمُ مَفْعُولٍ مِن (أنْزَلَهُ) عَلى حَذْفِ المَجْرُورِ، أيْ: مُنْزَلًا فِيهِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، أيْ: إنْزالًا مُبارَكًا. والمَعْنَيانِ مُتَلازِمانِ. وقَرَأهُ أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ بِفَتْحِ المِيمِ وكَسْرِ الزّايِ، وهو اسْمٌ لِمَكانِ النُّزُولِ.

وقال الطبري: (يقول: وعندنا لهم على ما أعطيناهم من هذه الكرامة التي وصف جل ثناؤه صفتها مزيد يزيدهم إياه. وقيل: إن ذلك المزيد: النظر إلي الله جل ثناؤه).
كلام الطبري في المراد بالمزيد

2: "مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}
يُحتمل أن يُراد به المصدر، أو اسم المفعول، ويُحتمل أيراد به المكان الذي ينزل فيه
وكلها معانٍ صحيحة تحتملها هذه الصيغة الصرفية للمفردة،
وقد اختلف القراء في قراءة (منزلا)، فقرأه الجمهور : ﴿ مُنزَلا ﴾ بضم الميم وفتح الزاي،
بمعنى: أنزلني إنزالا مباركاً فيراد به المصدر، أو يراد به اسم مفعول من (أنزله) على حذف المجرور، أي: منزلا فيه.والمعنيان متلازمان.
وقرأه عاصم ﴿مَنزِلاً﴾ بفتح الميم وكسر الزاي، أي المكان الذي ينزِل فيه، وقيل المكان هو السفينة أو الأرض بعد نزوله من السفينة، فالمعنى (أنزلني مكانا مباركاً) ويحتمل جميع ما يحتمله معنى المنزل من الأمكنة أو حال النزول. ذكره ابن عاشور.
أحسنت نفع الله بك
ج+
وفقك الله: لعلك تراجعين الملاحظات

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25 ربيع الأول 1443هـ/31-10-2021م, 01:44 PM
محمد العبد اللطيف محمد العبد اللطيف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Nov 2017
المشاركات: 564
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
المجلس الثامن : القسم الأول من مقرر أصول التفسير البياني


تطبيقات الدرس الثاني

1- معنى البلاء في قول الله تعالى: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}

ورد في معنى البلاء قولان:
الأول: النعمة وهذا قول ابن عباس والسدي ومجاهد وابن جريج وذكره ابن جرير وهو قول ابو قتيبة وأبو مالك وذكره ابن الجوزي وابن كثير وذكره الزجّاج وقال "يعني: في النجاة من آل فرعون. والبلاءُ ههنا النعمة، يروي عن
الأحنف أنه قال: البلاءُ ثم الثناءُ، أي الأنعام ثُمَّ الشكرُ.
قال زهير:
جزى اللَّهَ بالِإحْسَان مَا فعَلا بِنَا. . . وأبلاهما خير البلاءِ الذي يبلو
وقال الله عزَّ وجلَّ: (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا)".

الثاني: النقمة وهو قول السدي عن أشياخه وذكره ابن الجوزي وذكره ابن كثير ونسبه الى القرطبي الذي نسبه الجمهور، قال ابن كثير "وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {وَفِي ذَلِكُمْ ‌بَلاءٌ} إِشَارَةٌ إِلَى مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ مِنْ ذَبْحِ الْأَبْنَاءِ وَاسْتِحْيَاءِ النِّسَاءِ؛ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَلَفْظُهُ بَعْدَمَا حَكَى الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْإِشَارَةُ إِلَى الذَّبْحِ وَنَحْوِهِ، وَالْبَلَاءُ هَاهُنَا فِي الشَّرِّ، وَالْمَعْنَى فِي الذَّبْحِ مَكْرُوهٌ وَامْتِحَانٌ" وذكره ابن عطية فقال "وقال قوم: الإشارة ب ذلِكُمْ إلى التنجية من بني إسرائيل، فيكون الْبَلاءُ على هذا في الخير، أي وفي تنجيتكم نعمة من الله عليكم. وقال جمهور الناس: الإشارة إلى الذبح ونحوه، والْبَلاءُ هنا في الشر، والمعنى وفي الذبح مكروه وامتحان"

ومعنى البلاء في اللغة جاء على معان أولها إخلاق الشيء والثاني نوع من الاختبار ،يحمل عليه الإخبار كما جاء في مقاييس اللغة:
"(بَلَوِيٌّ) الْبَاءُ وَاللَّامُ وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ، أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا إِخْلَاقُ الشَّيْءِ، وَالثَّانِي نَوْعٌ مِنَ الِاخْتِبَارِ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ أَيْضًا.

فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ الْخَلِيلُ: بَلِيَ يَبْلَى فَهُوَ بَالٍ. وَالْبِلَى مَصْدَرُهُ. وَإِذَا فُتِحَ فَهُوَ الْبَلَاءُ، وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ لُغَةٌ. وَأَنْشَدَ:
وَالْمَرْءَ يُبْلِيهِ بَلَاءَ السِّرْبَالْ ... مَرُّ اللَّيَالِي وَاخْتِلَافُ الْأَحْوَالْ
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَقَوْلُهُمْ بُلِيَ الْإِنْسَانُ وَابْتُلِيَ، وَهَذَا مِنَ الِامْتِحَانِ، وَهُوَ الِاخْتِبَارُ. وَقَالَ:
بُلِيتُ وَفُِقْدَانُ الْحَبِيبِ بَلِيَّةٌ ... وَكَمْ مِنْ كِرِيمٍ يُبْتَلَى ثُمَّ يَصْبِرُ
وَيَكُونُ الْبَلَاءُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَاللَّهُ تَعَالَى يُبْلِي الْعَبْدَ بَلَاءً حَسَنًا وَبَلَاءً سَيِّئًا، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا ; لِأَنَّ بِذَلِكَ يُخْتَبَرُ فِي صَبْرِهِ وَشُكْرِهِ"
قال ابن جرير " وأصل"البلاء" في كلام العرب - الاختبار والامتحان، ثم يستعمل في الخير والشر. لأن الامتحان والاختبار قد يكون بالخير كما يكون بالشر، كما قال ربنا جل ثناؤه: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف: 168] ، يقول: اختبرناهم، وكما قال جل ذكره: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: 35] . ثم تسمي العرب الخير"بلاء" والشر"بلاء". غير أن الأكثر في الشر أن يقال:"بلوته أبلوه بلاء"، وفي الخير:"أبليته أبليه إبلاء وبلاء"، ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم ... وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
فجمع بين اللغتين، لأنه أراد: فأنعم الله عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده."
وعلى هذا يمكن حمل معنى البلاء في الاية على المعنيين المذكورين في كتب التفسير والله أعلم.

2- معنى التكوير في قول الله تعالى: {إذا الشمس كوّرت}

ورد في معنى التكوير أربعة أقوال:
الاول:: أظلمت، رواه الوالبي عن ابن عباس، وكذلك قال الفراء: ذهب ضوؤها، وهذا قول قتادة، ومقاتل وذكره ابن الجوزي

الثاني: ذَهَبَتْ، رواه عطية عن ابن عباس، وكذلك قال مجاهد: اضمحلَّتْ وذكره ابن الجوزي

الثالث: غُوِّرَتْ، روي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وابن الأنباري، وهذا من قول الناس بالفارسيّة: كور بكرد وذكره ابن الجوزي

الرابع: أنها تكوّر مثل العمامة، فتلفُّ وتمحى، قاله أبو عبيد. قال الزجاج: ومعنى «‌كُوِّرت» جمع ضوؤها، ولُفَّتْ كما تلفّ العمامة. يقال: ‌كَوَّرْتُ العمامة على رأسي أُكوِّرُها: إذا لَفَفْتَها. قال المفسرون: تُجمع الشمس بعضُها إلى بعض، ثم تُلَفُّ و،ذكره ابن الجوزي

و معنى التكوير في لغة العرب الدور والتجمع كما ورد في مقاييس اللغة
«‌‌(كَوَرَ) الْكَافُ وَالْوَاوُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى دَوْرٍ وَتَجَمُّعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَوْرُ: الدَّوْرُ. يُقَالُ كَارَ يَكُورُ، إِذَا دَارَ. وَكَوْرُ الْعِمَامَةِ: دَوْرُهَا. وَالْكُورَةُ: الصُّقْعُ، لِأَنَّهُ يَدُورُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ قُرًى. وَيُقَالُ طَعَنَهُ فَكَوَّرَهُ، إِذَا أَلْقَاهُ مُجْتَمِعًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا الشَّمْسُ ‌كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] كَأَنَّهَا جُمِعَتْ جَمْعًا، وَالْكُورُ: الرَّحْلُ; لِأَنَّهُ يَدُورُ بِغَارِبِ الْبَعِيرِ; وَالْجَمْعُ أَكْوَارٌ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: " الْحَوْرُ بَعْدَ الْكَوْرِ "، فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ: " الْحَوْرُ بَعْدَ الْكَوْنِ "، وَمَعْنَاهُ حَارَ، أَيْ رَجَعَ وَنَقَصَ بَعْدَمَا كَانَ. وَمَنْ قَالَ بِالرَّاءِ فَلَيْسَ يَبْعُدُ، أَيْ كَانَ أَمْرُهُ مُتَجَمِّعًا، ثُمَّ حَارَ وَنَقَصَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} [الزمر: 5] أَيْ يُدِيرُ هَذَا عَلَى ذَاكَ، وَيُدِيرُ ذَاكَ عَلَى هَذَا. كَمَا جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: زِيدَ فِي هَذَا مِنْ ذَلِكَ، وَفِي ذَاكَ [مِنْ هَذَا] . وَالْكَوْرُ: قِطْعَةٌ مِنَ الْإِبِلِ كَأَنَّهَا خَمْسُونَ وَمِائَةٌ. وَلَيْسَ قِيَاسُهُ بَعِيدًا، لِأَنَّهَا إِذَا اجْتَمَعَتِ اسْتَدَارَتْ فِي مَبْرَكِهَا. وَكُوَّارَةُ النَّحْلِ مَعْرُوفَةٌ».

قال الطبري "والصواب من القول في ذلك عندنا: أن يقال: (‌كُوِّرَتْ) كما قال الله جل ثناؤه، والتكوير في كلام العرب: جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لفها على الرأس، وكتكوير الكارة، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض، ولفها، وكذلك قوله: (إِذَا الشَّمْسُ ‌كُوِّرَتْ) إنما معناه: جمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فَرُمِي بها، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوءها فعلى التأويل الذي تأوّلناه وبيَّناه لكلا القولين اللَّذين ذكرت عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا ‌كُوِّرت ورُمي بها، ذهب ضوءها".

وعلى هذا يتبين أن القولين الأول والرابع لهما وجه صحيح من اللغة .

3- معنى النحر في قول الله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر}

ورد في معنى النحر في الآية أقوال:
الاول: اذْبَحْ يَوْمَ النَّحْرِ، وهو قول ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ عَطاءٌ، ومُجاهِدٌ، والجُمْهُورُ وذكره ابن الجوزي

الثّانِي: وضْعُ اليَمِينِ عَلى الشمال في الصَّلاةِ وهو قول علي رضي الله عنه والشعبي وذكره ابن جرير

الثّالِثُ: رَفْعُ اليَدَيْنِ بِالتَّكْبِيرِ إلى النَّحْرِ، قالَهُ أبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وذكره ابن جرير وابن الجوزي

الرّابِعُ: أنَّ المَعْنى: صَلِّ لِلَّهِ، وانْحَرْ لِلَّهِ، فَإنَّ ناسًا يُصَلُّونَ لِغَيْرِهِ، ويَنْحَرُونَ لِغَيْرِهِ وهو قول محمد بن كعب القرضي وذكره ابن جرير وذكره ابن الجوزي

الخامس: أنزلت هذه الآية يوم الحديبية، حين حصر النبيّ ﷺ وأصحابه، وصُدّوا عن البيت، فأمره الله أن يصلي، وينحر البُدن، وينصرف وهو قول سعيد ابن جبير وذكره ابن جرير

السادس: معنى ذلك: فصل وادع ربك وسله وهو قول الضّحاك وذكره ابن جرير

السابع: أنَّهُ اسْتِقْبالُ القِبْلَةِ بِالنَّحْرِ، حَكاهُ الفَرّاءُ وذكره ابن الجوزي وذكزه ابن جرير ونسبه الى بعض أهل العربية.

ومعنى النحر في اللغة هو النحر للإنسان وغيره ومنه الفعل نحرت البعير وتأتي بمعنى التقابل كما ذكر ابن جرير "وكان بعض أهل العربية يتأوّل قوله: ﴿وَانْحَرْ﴾ واستقبل القبلة بنحرك. وذُكر أنه سمع بعض العرب يقول: منازلهم تتناحر: أي هذا بنحر هذا: أي قبالته. وذكر أن بعض بني أسد أنشده:
أبا حَكَمٍ هَلْ أنْتَ عَمُّ مُجَالِدٍ ... وَسَيِّدُ أهْلِ الأبْطَحِ المُتَنَاحِرِ
أي ينحر بعضه بعضا. "
وجاء في مقاييس اللغة
(نَحَرَ) النُّونُ وَالْحَاءُ وَالرَّاءُ. كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَفَرَّعُ مِنْهَا كَلِمَاتُ الْبَابِ. هِيَ النَّحْرُ لِلْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ نُحُورٌ. وَالنَّحْرُ: الْبَزْلُ فِي النَّحْرِ. وَنَحَرْتُ الْبَعِيرَ نَحْرًا. وَالنَّاحِرَانِ: عِرْقَانِ فِي صَدْرِ الْفَرَسِ. وَدَائِرَةُ النَّاحِرِ تَكُونُ فِي الْجِرَانِ إِلَى أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ. وَانْتَحَرُوا عَلَى الشَّيْءِ: تَشَاحُّوا عَلَيْهِ حِرْصًا، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُرِيدُ نَحْرَ صَاحِبِهِ. وَيُقَالُ: النَّحِيرَةُ: آخِرُ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ، لِأَنَّهُ يَنْحَرُ الَّذِي يَدْخُلُ، وَأَظُنُّ مَعْنَى يَنْحَرُهُ يَلِي نَحْرَهُ. وَالْعَالِمُ بِالشَّيْءِ الْمُجَرِّبِ نِحْرِيرٌ، وَهُوَ إِنْ كَانَ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْحَرُ الْعِلْمَ نَحْرًا، كَقَوْلِكَ: قَتَلْتُ هَذَا الشَّيْءَ عِلْمًا.

وعلى هذا تكون الأقوال المذكورة عاليه لها وجه صحيح من اللغة على أن بعضها أقرب إلى المعنى المراد في الآية من بعض كما ذكر ذلك ابن جرير الطبري وابن كثير.

تطبيقات الدرس الثالث

4- معنى المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}.

ورد في المراد بالمحروم في هذه الآية ومثلها في سورة الذاريات أقوال:

الأول: المحارَف وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد وابرهيم النخعي ونافع وذكره ابن جرير (ورد في اللسان: المحارف: الذي لا يصيب خيرا من وجه توجه له. وقال الشافعي: المحروم المحارف: الذي يحترف بيديه، قد حرم سهمه من الغنيمة، لا يغزو مع المسلمين، فبقي محرومًا، وما يعطي من الصدقة ما يسد حرمانه.).

الثاني : الذي لا سهم له في الغنيمة وهو قول علي رضي الله عنه وإبراهيم النخعي والحسن بن محمد بن الحنفية وذكره ابن جرير واورد اثرا عن الحسن بن محمد من طرق :"أن قوما في زمان النبيّ ﷺ أصابوا غنيمة، فجاء قوم بعد، فنزلت: ﴿فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ ".

الثالث: الذي لا ينمي له مال وهو قول عكرمة وذكره ابن جرير

الرابع: الذي قد اُجتيح ماله وهو قول ابن زيد وذكره ابن جرير

الخامس: المتعفف وهو قول قتادة وذكره ابن جرير وقال ابن عاشور

والمَحْرُومُ: الفَقِيرُ الَّذِي لا يُعْطى الصَّدَقَةَ لِظَنِّ النّاسِ أنَّهُ غَيْرُ مُحْتاجٍ مِن تَعَفُّفِهِ عَنْ إظْهارِ الفَقْرِ، وهو الصِّنْفُ الَّذِي قالَ اللَّهُ تَعالى في شَأْنِهِمْ يَحْسَبُهُمُ الجاهِلُ أغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ وقالَ النَّبِيءُ ﷺ: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ واللُّقْمَتانِ والأكْلَةُ والأكْلَتانِ ولَكِنَّ المِسْكِينَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى ويَسْتَحْيِي ولا يَسْألُ النّاسَ إلْحافًا»

ومعنى المحروم في اللغة يرجع الى المنع كما ورد في مقاييس اللغة
"(حَرَمَ) الْحَاءُ وَالرَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمَنْعُ وَالتَّشْدِيدُ. فَالْحَرَامُ: ضِدُّ الْحَلَالِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الأنبياء: 95] . وَقُرِئَتْ: وَحِرْمٌ. وَسَوْطٌ مُحَرَّمٌ، إِذَا لَمْ يُلَيَّنْ بَعْدُ. قَالَ الْأَعْشَى:
تُحَاذِرُ كَفِّي وَالْقَطِيعَ الْمُحَرَّمَا"

ومن هذا يظهر أن الأقوال السابق ذكرها يشملها هذا المعنى كما قال ابن جرير
"والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حُرم الرزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممن حرمه الله ذلك، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة، ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعمّ، كما قال جلّ ثناؤه ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾" .

5- المراد بالسيما في قول الله تعالى: {سيماههم في وجوههم}

السيما في اللغة هي العلامة كما ورد في مقاييس اللغة
"(سَوُمَ) السِّينُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الشَّيْءِ. يُقَالُ سُمْتُ الشَّيْءَ، أَسُومُهُ سَوْمًا. وَمِنْهُ السَّوْمُ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ. وَمِنَ الْبَابِ سَامَتِ الرَّاعِيَةُ تَسُومُ، وَأَسَمْتُهَا أَنَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: 10] ، أَيْ تَرْعُونَ. وَيُقَالُ سَوَّمْتُ فُلَانًا فِي مَالِي تَسْوِيمًا، إِذَا حَكَّمْتَهُ فِي مَالِكَ. وَسَوَّمْتُ غُلَامِي: خَلَّيْتُهُ وَمَا يُرِيدُ. وَالْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ: الْمُرْسَلَةُ وَعَلَيْهَا رُكْبَانُهَا. وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدٌ. وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ السُّومَةُ، وَهِيَ الْعَلَامَةُ تُجْعَلُ فِي الشَّيْءِ. وَالسِّيمَا مَقْصُورٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] . فَإِذَا مَدُّوهُ قَالُوا السِّيمَاءُ. "
واختلف المفسرون في المراد بها في هذه الآية وهل هي في الدنيا أو الاخرة على أقوال:
في الدنيا:
الأول: السمت الحسن وقال بعضهم الخشوع والتواضع وقال بعضهم السحنة واثر السجود وهو قول ابن عباس ومجاهد وذكره ابن جرير

الثاني: ندى الطهور وثرى الأرض وهو قول سعيد بن جبير وعكرمة وذكره ابن جرير

الثالث: السهوم وهو الصفرة من أثر سهر الليل وهو قول الحسن البصري وسعيد بن جبير و شّمر بن عطية وذكره ابن جربر ابن الجوزي

في الآخرة:
الاول: علامة يجعلها الله في وجوه المؤمنين يُعرفون بها لما كان من سجودهم له في الدنيا وقال بعضهم هو مواضع السجود من وجوههم يكون أشد وجههم بياضا وقال بعضهم النور يوم القيامة وهو قول ابن عباس و خالد الحنفي وعطية ومقاتل بن حيان والحسن وذكره ابن جرير.

الثاني : إنهم يبعثون غراً محجلين من أثر الطهور وهو قول الزّجْاج وذكره ابن الجوزي.

وعلى هذا يكون لجميع الأقوال المذكورة لها وجه صحيح من اللغة وهو اختيار ابن جرير..

تطبيقات الدرس الرابع

6- دلالة الإعراب في ( سبيل) في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}

ورد في إعراب (سبيل) في الآية وجهان:
الأول. النصب على أن "تستبين" خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو قول ابن زيد وذكره ابن جرير و قال الزٌجُاج "فَإنْ قالَ قائِلٌ: أفَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ مُسْتَبِينًا سَبِيلَ المُجْرِمِينَ؟ فالجَوابُ في هَذا أنَّ جَمِيعَ ما يُخاطَبُ بِهِ المُؤْمِنُونَ يُخاطَبُ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَكَأنَّهُ قالَ: ”وَلِتَسْتَبِينُوا سَبِيلَ المُجْرِمِينَ“، أيْ: لِتَزْدادُوا اسْتِبانَةً لَها".

الثاني: الرفع على أن القصد للسبيل فيكون المعنى اي ولتتضح لك وللمؤمنين طريقُ المجرمين وهو اختيار ابن جرير.

7-دلالة الإعراب في (سبيلاً ) في قول الله تعالى: {فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً}

ورد في إعراب (سبيلا) وجهان مبنيان على تفسير البغي المراد في قوله تعالى (تبغوا) :
الأول:. أنه مفعول به وذلك على تفسير «تبغوا» بمعنى الطلب من قولهم بغيته أي طلبته و "عليهن" متعلقان بمحذوف حال، لأنه كان في الأصل صفة ل «سبيلا» وتقدم عليه وذكره محي الدين درويش في إعراب القرآن.

الثاني: منصوب على إسقاط الخافض على أن تفسير «تبغوا» من البغي أي الظلم، مثل قوله: {فبغى عَلَيْهِمْ} والمعنى: فلا تبغوا عليهن، فيكون الفعل لازما وذكره السمين الحلبي فى الدر المصون.

تطبيقات الدرس الخامس

8. دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}

ورد في قراءة (بالغ) في الآية أربعة أوجه :
الاول: ﴿إنَّ اللَّهَ بالِغُ أمْرِهِ﴾ على قراءة حفص من غير تنوين بالغ ونصب أمره على الاضافة فتكون الجملة تعليل لما تقدم من قوله {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} و "إن " وإسمها وبالغ خبرها.

الثاني: ﴿إنَّ اللَّهَ بالِغَُ أمْرِهِ﴾ بتنوين ضم بالغ اسم فاعل وأمره مفعول به منصوب وهي قراءة الاكثرين إي يبلغ ما يريرده عز وجل.

الثالث : ”إنّ الله بالِغٌ أمْرَهُ“ «بالِغٌ» بِالرَّفْعِ مُنَوَّنًا «أمْرُهُ» بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ فاعِلُ - بالِغٌ -الخَبَرُ - لِأنَّ- أوْ مُبْتَدَأٌ، وبالِغٌ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لَهُ، والجُمْلَةُ خَبَرُ إنَّ وهي قراءة ابْنُ أبِي عَبْلَةَ في رِوايَةٍ وداوُدُ بْنُ أبِي هِنْدٍ وعِصْمَةُ عَنْ أبِي عَمْرٍو والمعنى أيْ نافِذٌ أمْرُهُ عَزَّ وجَلَّ،

الرابع: (بالِغًا أمْرَهُ) وهي قراءة المفضل وهو عَلى أنَّ قَوْلَهُ: (قَدْ جَعَلَ) خَبَرُ (إنَّ)، و(بالِغًا) حالٌ وهو تخريج الزمخشري و تقديرُه: إن اللَّهَ قد جعل لكلِّ شيءٍ قَدْراً بالغاً أمْرُه. والثاني: أَنْ يكونَ على لغةِ مَنْ ينْصِبُ الاسمَ والخبرَ بها.

9. دلالة صيغة الجمع في قول الله تعالى: { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ}

ورد في قرادة {لفتيانه} وجهان:

الاول: ”لِفِتْيَتِهِ“ بِوَزْنِ فِعْلَةٍ جَمْعُ تَكْسِيرِ فَتًى مِثْلِ أخٍ وإخْوَةٍ وهي قراءة الجمهور وهي صيغة جمع قلة وقد يستعمل ويقصد به الكثرة كما ورد عن ابن عاشور في التحرير والتنوير حيث قال "وكلاهما يستعمل في الاخر".

الثاني: (لِفِتْيانِهِ) بِوَزْنِ إخْوانٍ وهي قراءةأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ، وخَلَفٌ وهي صيغة جمع كثرة

قال الالوسي ".ورُجِّحَتِ القِراءَةُ الأُولى(لفتيانه) بِأنَّها أوْفَقُ بِقَوْلِهِ: ﴿اجْعَلُوا بِضاعَتَهم في رِحالِهِمْ﴾ فَإنَّ الرِّحالَ فِيهِ جَمْعُ كَثْرَةٍ ومُقابَلَةُ الجَمْعِ بِالجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسامَ الآحادِ عَلى الآحادِ فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ في مُقابَلَةِ صِيغَةِ جَمْعِ الكَثْرَةِ".

والله أعلم

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14 شعبان 1443هـ/17-03-2022م, 02:24 PM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد العبد اللطيف مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
المجلس الثامن : القسم الأول من مقرر أصول التفسير البياني


تطبيقات الدرس الثاني

1- معنى البلاء في قول الله تعالى: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}

ورد في معنى البلاء قولان:
الأول: النعمة وهذا قول ابن عباس والسدي ومجاهد وابن جريج وذكره ابن جرير وهو قول ابو قتيبة وأبو مالك وذكره ابن الجوزي وابن كثير وذكره الزجّاج وقال "يعني: في النجاة من آل فرعون. والبلاءُ ههنا النعمة، يروي عن
الأحنف أنه قال: البلاءُ ثم الثناءُ، أي الأنعام ثُمَّ الشكرُ.
قال زهير:
جزى اللَّهَ بالِإحْسَان مَا فعَلا بِنَا. . . وأبلاهما خير البلاءِ الذي يبلو
وقال الله عزَّ وجلَّ: (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا)".

الثاني: النقمة وهو قول السدي عن أشياخه وذكره ابن الجوزي وذكره ابن كثير ونسبه الى القرطبي الذي نسبه الجمهور، قال ابن كثير "وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {وَفِي ذَلِكُمْ ‌بَلاءٌ} إِشَارَةٌ إِلَى مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ مِنْ ذَبْحِ الْأَبْنَاءِ وَاسْتِحْيَاءِ النِّسَاءِ؛ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَلَفْظُهُ بَعْدَمَا حَكَى الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْإِشَارَةُ إِلَى الذَّبْحِ وَنَحْوِهِ، وَالْبَلَاءُ هَاهُنَا فِي الشَّرِّ، وَالْمَعْنَى فِي الذَّبْحِ مَكْرُوهٌ وَامْتِحَانٌ" وذكره ابن عطية فقال "وقال قوم: الإشارة ب ذلِكُمْ إلى التنجية من بني إسرائيل، فيكون الْبَلاءُ على هذا في الخير، أي وفي تنجيتكم نعمة من الله عليكم. وقال جمهور الناس: الإشارة إلى الذبح ونحوه، والْبَلاءُ هنا في الشر، والمعنى وفي الذبح مكروه وامتحان"

ومعنى البلاء في اللغة جاء على معان أولها إخلاق الشيء والثاني نوع من الاختبار ،يحمل عليه الإخبار كما جاء في مقاييس اللغة:
"(بَلَوِيٌّ) الْبَاءُ وَاللَّامُ وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ، أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا إِخْلَاقُ الشَّيْءِ، وَالثَّانِي نَوْعٌ مِنَ الِاخْتِبَارِ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ أَيْضًا.

قد ذكره القرطبي فقال:(أي وفي فعلهم ذلك بكم بلاء أي امتحان واختبار و بلاء نعمة)

فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ الْخَلِيلُ: بَلِيَ يَبْلَى فَهُوَ بَالٍ. وَالْبِلَى مَصْدَرُهُ. وَإِذَا فُتِحَ فَهُوَ الْبَلَاءُ، وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ لُغَةٌ. وَأَنْشَدَ:
وَالْمَرْءَ يُبْلِيهِ بَلَاءَ السِّرْبَالْ ... مَرُّ اللَّيَالِي وَاخْتِلَافُ الْأَحْوَالْ
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَقَوْلُهُمْ بُلِيَ الْإِنْسَانُ وَابْتُلِيَ، وَهَذَا مِنَ الِامْتِحَانِ، وَهُوَ الِاخْتِبَارُ. وَقَالَ:
بُلِيتُ وَفُِقْدَانُ الْحَبِيبِ بَلِيَّةٌ ... وَكَمْ مِنْ كِرِيمٍ يُبْتَلَى ثُمَّ يَصْبِرُ
وَيَكُونُ الْبَلَاءُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَاللَّهُ تَعَالَى يُبْلِي الْعَبْدَ بَلَاءً حَسَنًا وَبَلَاءً سَيِّئًا، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا ; لِأَنَّ بِذَلِكَ يُخْتَبَرُ فِي صَبْرِهِ وَشُكْرِهِ"
قال ابن جرير " وأصل"البلاء" في كلام العرب - الاختبار والامتحان، ثم يستعمل في الخير والشر. لأن الامتحان والاختبار قد يكون بالخير كما يكون بالشر، كما قال ربنا جل ثناؤه: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف: 168] ، يقول: اختبرناهم، وكما قال جل ذكره: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: 35] . ثم تسمي العرب الخير"بلاء" والشر"بلاء". غير أن الأكثر في الشر أن يقال:"بلوته أبلوه بلاء"، وفي الخير:"أبليته أبليه إبلاء وبلاء"، ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم ... وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
فجمع بين اللغتين، لأنه أراد: فأنعم الله عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده."
وعلى هذا يمكن حمل معنى البلاء في الاية على المعنيين المذكورين في كتب التفسير والله أعلم.

2- معنى التكوير في قول الله تعالى: {إذا الشمس كوّرت}

ورد في معنى التكوير أربعة أقوال:
الاول:: أظلمت، رواه الوالبي عن ابن عباس، وكذلك قال الفراء: ذهب ضوؤها، وهذا قول قتادة، ومقاتل وذكره ابن الجوزي

الثاني: ذَهَبَتْ، رواه عطية عن ابن عباس، وكذلك قال مجاهد: اضمحلَّتْ وذكره ابن الجوزي

الثالث: غُوِّرَتْ، روي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وابن الأنباري، وهذا من قول الناس بالفارسيّة: كور بكرد وذكره ابن الجوزي

الرابع: أنها تكوّر مثل العمامة، فتلفُّ وتمحى، قاله أبو عبيد. قال الزجاج: ومعنى «‌كُوِّرت» جمع ضوؤها، ولُفَّتْ كما تلفّ العمامة. يقال: ‌كَوَّرْتُ العمامة على رأسي أُكوِّرُها: إذا لَفَفْتَها. قال المفسرون: تُجمع الشمس بعضُها إلى بعض، ثم تُلَفُّ و،ذكره ابن الجوزي

و معنى التكوير في لغة العرب الدور والتجمع كما ورد في مقاييس اللغة
«‌‌(كَوَرَ) الْكَافُ وَالْوَاوُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى دَوْرٍ وَتَجَمُّعٍ. مِنْ ذَلِكَ الْكَوْرُ: الدَّوْرُ. يُقَالُ كَارَ يَكُورُ، إِذَا دَارَ. وَكَوْرُ الْعِمَامَةِ: دَوْرُهَا. وَالْكُورَةُ: الصُّقْعُ، لِأَنَّهُ يَدُورُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ قُرًى. وَيُقَالُ طَعَنَهُ فَكَوَّرَهُ، إِذَا أَلْقَاهُ مُجْتَمِعًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا الشَّمْسُ ‌كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] كَأَنَّهَا جُمِعَتْ جَمْعًا، وَالْكُورُ: الرَّحْلُ; لِأَنَّهُ يَدُورُ بِغَارِبِ الْبَعِيرِ; وَالْجَمْعُ أَكْوَارٌ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: " الْحَوْرُ بَعْدَ الْكَوْرِ "، فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ: " الْحَوْرُ بَعْدَ الْكَوْنِ "، وَمَعْنَاهُ حَارَ، أَيْ رَجَعَ وَنَقَصَ بَعْدَمَا كَانَ. وَمَنْ قَالَ بِالرَّاءِ فَلَيْسَ يَبْعُدُ، أَيْ كَانَ أَمْرُهُ مُتَجَمِّعًا، ثُمَّ حَارَ وَنَقَصَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} [الزمر: 5] أَيْ يُدِيرُ هَذَا عَلَى ذَاكَ، وَيُدِيرُ ذَاكَ عَلَى هَذَا. كَمَا جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: زِيدَ فِي هَذَا مِنْ ذَلِكَ، وَفِي ذَاكَ [مِنْ هَذَا] . وَالْكَوْرُ: قِطْعَةٌ مِنَ الْإِبِلِ كَأَنَّهَا خَمْسُونَ وَمِائَةٌ. وَلَيْسَ قِيَاسُهُ بَعِيدًا، لِأَنَّهَا إِذَا اجْتَمَعَتِ اسْتَدَارَتْ فِي مَبْرَكِهَا. وَكُوَّارَةُ النَّحْلِ مَعْرُوفَةٌ».

قال الطبري "والصواب من القول في ذلك عندنا: أن يقال: (‌كُوِّرَتْ) كما قال الله جل ثناؤه، والتكوير في كلام العرب: جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لفها على الرأس، وكتكوير الكارة، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض، ولفها، وكذلك قوله: (إِذَا الشَّمْسُ ‌كُوِّرَتْ) إنما معناه: جمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فَرُمِي بها، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوءها فعلى التأويل الذي تأوّلناه وبيَّناه لكلا القولين اللَّذين ذكرت عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا ‌كُوِّرت ورُمي بها، ذهب ضوءها".

وعلى هذا يتبين أن القولين الأول والرابع لهما وجه صحيح من اللغة .

يمكن الجمع بين جميع الأقوال بلا تضاد بينها

3- معنى النحر في قول الله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر}

ورد في معنى النحر في الآية أقوال:
الاول: اذْبَحْ يَوْمَ النَّحْرِ، وهو قول ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ عَطاءٌ، ومُجاهِدٌ، والجُمْهُورُ وذكره ابن الجوزي

الثّانِي: وضْعُ اليَمِينِ عَلى الشمال في الصَّلاةِ وهو قول علي رضي الله عنه والشعبي وذكره ابن جرير

الثّالِثُ: رَفْعُ اليَدَيْنِ بِالتَّكْبِيرِ إلى النَّحْرِ، قالَهُ أبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وذكره ابن جرير وابن الجوزي

الرّابِعُ: أنَّ المَعْنى: صَلِّ لِلَّهِ، وانْحَرْ لِلَّهِ، فَإنَّ ناسًا يُصَلُّونَ لِغَيْرِهِ، ويَنْحَرُونَ لِغَيْرِهِ وهو قول محمد بن كعب القرضي وذكره ابن جرير وذكره ابن الجوزي

الخامس: أنزلت هذه الآية يوم الحديبية، حين حصر النبيّ ﷺ وأصحابه، وصُدّوا عن البيت، فأمره الله أن يصلي، وينحر البُدن، وينصرف وهو قول سعيد ابن جبير وذكره ابن جرير

السادس: معنى ذلك: فصل وادع ربك وسله وهو قول الضّحاك وذكره ابن جرير

السابع: أنَّهُ اسْتِقْبالُ القِبْلَةِ بِالنَّحْرِ، حَكاهُ الفَرّاءُ وذكره ابن الجوزي وذكزه ابن جرير ونسبه الى بعض أهل العربية.

ومعنى النحر في اللغة هو النحر للإنسان وغيره ومنه الفعل نحرت البعير وتأتي بمعنى التقابل كما ذكر ابن جرير "وكان بعض أهل العربية يتأوّل قوله: ﴿وَانْحَرْ﴾ واستقبل القبلة بنحرك. وذُكر أنه سمع بعض العرب يقول: منازلهم تتناحر: أي هذا بنحر هذا: أي قبالته. وذكر أن بعض بني أسد أنشده:
أبا حَكَمٍ هَلْ أنْتَ عَمُّ مُجَالِدٍ ... وَسَيِّدُ أهْلِ الأبْطَحِ المُتَنَاحِرِ
أي ينحر بعضه بعضا. "
وجاء في مقاييس اللغة
(نَحَرَ) النُّونُ وَالْحَاءُ وَالرَّاءُ. كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَفَرَّعُ مِنْهَا كَلِمَاتُ الْبَابِ. هِيَ النَّحْرُ لِلْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ نُحُورٌ. وَالنَّحْرُ: الْبَزْلُ فِي النَّحْرِ. وَنَحَرْتُ الْبَعِيرَ نَحْرًا. وَالنَّاحِرَانِ: عِرْقَانِ فِي صَدْرِ الْفَرَسِ. وَدَائِرَةُ النَّاحِرِ تَكُونُ فِي الْجِرَانِ إِلَى أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ. وَانْتَحَرُوا عَلَى الشَّيْءِ: تَشَاحُّوا عَلَيْهِ حِرْصًا، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُرِيدُ نَحْرَ صَاحِبِهِ. وَيُقَالُ: النَّحِيرَةُ: آخِرُ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ، لِأَنَّهُ يَنْحَرُ الَّذِي يَدْخُلُ، وَأَظُنُّ مَعْنَى يَنْحَرُهُ يَلِي نَحْرَهُ. وَالْعَالِمُ بِالشَّيْءِ الْمُجَرِّبِ نِحْرِيرٌ، وَهُوَ إِنْ كَانَ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْحَرُ الْعِلْمَ نَحْرًا، كَقَوْلِكَ: قَتَلْتُ هَذَا الشَّيْءَ عِلْمًا.

وعلى هذا تكون الأقوال المذكورة عاليه لها وجه صحيح من اللغة على أن بعضها أقرب إلى المعنى المراد في الآية من بعض كما ذكر ذلك ابن جرير الطبري وابن كثير.

المطلوب في هذا التطبيق بيان المعنى اللغوي أولا, ثم الكلام عن أقوال المفسرين.
وقد أكثرت النسخ خاصة من زاد المسير.


تطبيقات الدرس الثالث

4- معنى المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}.

ورد في المراد بالمحروم في هذه الآية ومثلها في سورة الذاريات أقوال:

الأول: المحارَف وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد وابرهيم النخعي ونافع وذكره ابن جرير (ورد في اللسان: المحارف: الذي لا يصيب خيرا من وجه توجه له. وقال الشافعي: المحروم المحارف: الذي يحترف بيديه، قد حرم سهمه من الغنيمة، لا يغزو مع المسلمين، فبقي محرومًا، وما يعطي من الصدقة ما يسد حرمانه.).

الثاني : الذي لا سهم له في الغنيمة وهو قول علي رضي الله عنه وإبراهيم النخعي والحسن بن محمد بن الحنفية وذكره ابن جرير واورد اثرا عن الحسن بن محمد من طرق :"أن قوما في زمان النبيّ ﷺ أصابوا غنيمة، فجاء قوم بعد، فنزلت: ﴿فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ ".

الثالث: الذي لا ينمي له مال وهو قول عكرمة وذكره ابن جرير

الرابع: الذي قد اُجتيح ماله وهو قول ابن زيد وذكره ابن جرير

الخامس: المتعفف وهو قول قتادة وذكره ابن جرير وقال ابن عاشور

والمَحْرُومُ: الفَقِيرُ الَّذِي لا يُعْطى الصَّدَقَةَ لِظَنِّ النّاسِ أنَّهُ غَيْرُ مُحْتاجٍ مِن تَعَفُّفِهِ عَنْ إظْهارِ الفَقْرِ، وهو الصِّنْفُ الَّذِي قالَ اللَّهُ تَعالى في شَأْنِهِمْ يَحْسَبُهُمُ الجاهِلُ أغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ وقالَ النَّبِيءُ ﷺ: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ واللُّقْمَتانِ والأكْلَةُ والأكْلَتانِ ولَكِنَّ المِسْكِينَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى ويَسْتَحْيِي ولا يَسْألُ النّاسَ إلْحافًا»

ومعنى المحروم في اللغة يرجع الى المنع كما ورد في مقاييس اللغة
"(حَرَمَ) الْحَاءُ وَالرَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمَنْعُ وَالتَّشْدِيدُ. فَالْحَرَامُ: ضِدُّ الْحَلَالِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الأنبياء: 95] . وَقُرِئَتْ: وَحِرْمٌ. وَسَوْطٌ مُحَرَّمٌ، إِذَا لَمْ يُلَيَّنْ بَعْدُ. قَالَ الْأَعْشَى:
تُحَاذِرُ كَفِّي وَالْقَطِيعَ الْمُحَرَّمَا"

ومن هذا يظهر أن الأقوال السابق ذكرها يشملها هذا المعنى كما قال ابن جرير
"والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حُرم الرزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممن حرمه الله ذلك، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة، ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعمّ، كما قال جلّ ثناؤه ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾" .

والمعنى الجامع لهذه الأقوال أنه الذي لا مال له لحرمان أصابه، فهو اسم جنس فيمن عسرت مطالبه

5- المراد بالسيما في قول الله تعالى: {سيماههم في وجوههم}

السيما في اللغة هي العلامة كما ورد في مقاييس اللغة
"(سَوُمَ) السِّينُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الشَّيْءِ. يُقَالُ سُمْتُ الشَّيْءَ، أَسُومُهُ سَوْمًا. وَمِنْهُ السَّوْمُ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ. وَمِنَ الْبَابِ سَامَتِ الرَّاعِيَةُ تَسُومُ، وَأَسَمْتُهَا أَنَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: 10] ، أَيْ تَرْعُونَ. وَيُقَالُ سَوَّمْتُ فُلَانًا فِي مَالِي تَسْوِيمًا، إِذَا حَكَّمْتَهُ فِي مَالِكَ. وَسَوَّمْتُ غُلَامِي: خَلَّيْتُهُ وَمَا يُرِيدُ. وَالْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ: الْمُرْسَلَةُ وَعَلَيْهَا رُكْبَانُهَا. وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدٌ. وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ السُّومَةُ، وَهِيَ الْعَلَامَةُ تُجْعَلُ فِي الشَّيْءِ. وَالسِّيمَا مَقْصُورٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] . فَإِذَا مَدُّوهُ قَالُوا السِّيمَاءُ. "
واختلف المفسرون في المراد بها في هذه الآية وهل هي في الدنيا أو الاخرة على أقوال:
في الدنيا:
الأول: السمت الحسن وقال بعضهم الخشوع والتواضع وقال بعضهم السحنة واثر السجود وهو قول ابن عباس ومجاهد وذكره ابن جرير

الثاني: ندى الطهور وثرى الأرض وهو قول سعيد بن جبير وعكرمة وذكره ابن جرير

الثالث: السهوم وهو الصفرة من أثر سهر الليل وهو قول الحسن البصري وسعيد بن جبير و شّمر بن عطية وذكره ابن جربر ابن الجوزي

في الآخرة:
الاول: علامة يجعلها الله في وجوه المؤمنين يُعرفون بها لما كان من سجودهم له في الدنيا وقال بعضهم هو مواضع السجود من وجوههم يكون أشد وجههم بياضا وقال بعضهم النور يوم القيامة وهو قول ابن عباس و خالد الحنفي وعطية ومقاتل بن حيان والحسن وذكره ابن جرير.

الثاني : إنهم يبعثون غراً محجلين من أثر الطهور وهو قول الزّجْاج وذكره ابن الجوزي.

وعلى هذا يكون لجميع الأقوال المذكورة لها وجه صحيح من اللغة وهو اختيار ابن جرير..

جمعك بين الأقوال وتوجيهها؛ مجمل يحتاج إلى بيان وتفصيل.

تطبيقات الدرس الرابع

6- دلالة الإعراب في ( سبيل) في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}

ورد في إعراب (سبيل) في الآية وجهان:
الأول. النصب على أن "تستبين" خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو قول ابن زيد وذكره ابن جرير و قال الزٌجُاج "فَإنْ قالَ قائِلٌ: أفَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ مُسْتَبِينًا سَبِيلَ المُجْرِمِينَ؟ فالجَوابُ في هَذا أنَّ جَمِيعَ ما يُخاطَبُ بِهِ المُؤْمِنُونَ يُخاطَبُ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَكَأنَّهُ قالَ: ”وَلِتَسْتَبِينُوا سَبِيلَ المُجْرِمِينَ“، أيْ: لِتَزْدادُوا اسْتِبانَةً لَها".

الثاني: الرفع على أن القصد للسبيل فيكون المعنى اي ولتتضح لك وللمؤمنين طريقُ المجرمين وهو اختيار ابن جرير.

لم تنسب القراءات للقراء

7-دلالة الإعراب في (سبيلاً ) في قول الله تعالى: {فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً}

ورد في إعراب (سبيلا) وجهان مبنيان على تفسير البغي المراد في قوله تعالى (تبغوا) :
الأول:. أنه مفعول به وذلك على تفسير «تبغوا» بمعنى الطلب من قولهم بغيته أي طلبته و "عليهن" متعلقان بمحذوف حال، لأنه كان في الأصل صفة ل «سبيلا» وتقدم عليه وذكره محي الدين درويش في إعراب القرآن.

الثاني: منصوب على إسقاط الخافض على أن تفسير «تبغوا» من البغي أي الظلم، مثل قوله: {فبغى عَلَيْهِمْ} والمعنى: فلا تبغوا عليهن، فيكون الفعل لازما وذكره السمين الحلبي فى الدر المصون.

تطبيقات الدرس الخامس

8. دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}

ورد في قراءة (بالغ) في الآية أربعة أوجه :
الاول: ﴿إنَّ اللَّهَ بالِغُ أمْرِهِ﴾ على قراءة حفص من غير تنوين بالغ ونصب أمره على الاضافة فتكون الجملة تعليل لما تقدم من قوله {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} و "إن " وإسمها وبالغ خبرها.

الثاني: ﴿إنَّ اللَّهَ بالِغَُ أمْرِهِ﴾ بتنوين ضم بالغ اسم فاعل وأمره مفعول به منصوب وهي قراءة الاكثرين إي يبلغ ما يريرده عز وجل.

الثالث : ”إنّ الله بالِغٌ أمْرَهُ“ «بالِغٌ» بِالرَّفْعِ مُنَوَّنًا «أمْرُهُ» بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ فاعِلُ - بالِغٌ -الخَبَرُ - لِأنَّ- أوْ مُبْتَدَأٌ، وبالِغٌ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لَهُ، والجُمْلَةُ خَبَرُ إنَّ وهي قراءة ابْنُ أبِي عَبْلَةَ في رِوايَةٍ وداوُدُ بْنُ أبِي هِنْدٍ وعِصْمَةُ عَنْ أبِي عَمْرٍو والمعنى أيْ نافِذٌ أمْرُهُ عَزَّ وجَلَّ،

الرابع: (بالِغًا أمْرَهُ) وهي قراءة المفضل وهو عَلى أنَّ قَوْلَهُ: (قَدْ جَعَلَ) خَبَرُ (إنَّ)، و(بالِغًا) حالٌ وهو تخريج الزمخشري و تقديرُه: إن اللَّهَ قد جعل لكلِّ شيءٍ قَدْراً بالغاً أمْرُه. والثاني: أَنْ يكونَ على لغةِ مَنْ ينْصِبُ الاسمَ والخبرَ بها.

السؤال عن دلالة اسم الفاعل, وقد دل اسم الفاعل (بالغ) على الثبوت والاستمرار واللزوم

9. دلالة صيغة الجمع في قول الله تعالى: { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ}

ورد في قرادة {لفتيانه} وجهان:

الاول: ”لِفِتْيَتِهِ“ بِوَزْنِ فِعْلَةٍ جَمْعُ تَكْسِيرِ فَتًى مِثْلِ أخٍ وإخْوَةٍ وهي قراءة الجمهور وهي صيغة جمع قلة وقد يستعمل ويقصد به الكثرة كما ورد عن ابن عاشور في التحرير والتنوير حيث قال "وكلاهما يستعمل في الاخر".

الثاني: (لِفِتْيانِهِ) بِوَزْنِ إخْوانٍ وهي قراءةأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ، وخَلَفٌ وهي صيغة جمع كثرة

قال الالوسي ".ورُجِّحَتِ القِراءَةُ الأُولى(لفتيانه) بِأنَّها أوْفَقُ بِقَوْلِهِ: ﴿اجْعَلُوا بِضاعَتَهم في رِحالِهِمْ﴾ فَإنَّ الرِّحالَ فِيهِ جَمْعُ كَثْرَةٍ ومُقابَلَةُ الجَمْعِ بِالجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسامَ الآحادِ عَلى الآحادِ فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ في مُقابَلَةِ صِيغَةِ جَمْعِ الكَثْرَةِ".

المطلوب دلالة صيغة الجمع, ولم تتكلم عن هذا,
ف(فتيان) على وزن فِعلان وجاء وفي قراءة سبعية: (فتيته) على وزن (فِعلة) وهو من جموع القلة للدلالة على قلة عددهمو فنذكرها ثم نذكر دلالتها.

والله أعلم
نفع الله بك
حاول عدم الاعتماد على النسخ المجرد دون الكلام بأسلوبك الخاص.
كما عليك أن ترجع إلى قراءة دروس الدورة حتى يتضح لك المراد من الأسئلة.
د+

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثامن

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:14 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir