دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > البحوث التفسيرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 شعبان 1435هـ/1-06-2014م, 03:38 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي بحث في تفسير قول الله تعالى: {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين}

بسم الله الرحمن الرحيم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 شعبان 1435هـ/4-06-2014م, 12:58 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

عناصر البحث
القراءات
1: القراءات في قوله تعالى: {الحمدُلله}
2: أثر اختلاف القراءات على المعنى في قوله تعالى: {الحمدُلله}
3: القراءات في قوله تعالى: {مالك يوم الدين}
4: أثر اختلاف القراءات على المعنى في قوله تعالى: {مالك يوم الدين}
5: الترجيح بين قراءة مالك وملك في قوله تعالى: {مالك يوم الدين}

المسائل التفسيرية
1: ما ورد في فضل قول العبد (الحمدلله)
2: معنى قوله تعالى: {الحمدُلله}
3: الفرق بين الحمد والشكر
4: فائدة إدخال الألف واللام في (الحمدُلله)
5: معنى اسم الله تعالى: (الله)
6: معنى قوله تعالى: {ربّ}
7: اشتقاق لفظ العالم
8: المراد بـــ {العالمين} في الآية.
9: معنى قوله تعالى: {الرحمن الرحيم}
10: وجه التكرير في قوله: {الرحمن الرحيم} وهما اسمان مشتقان من الرحمة.
11: تكرر {الرحمن الرحيم} في الفاتحة حجة لمن ذهب إلى أن البسملة ليست بآية منها.
12: معنى قوله تعالى: {مالك يوم الدين}
13: سبب تخصيص الملك بيوم الدين.
14: معنى قوله تعالى: {الدّين}

المسائل العقدية
1: الرد على من قال بالمجاز في الأسماء والصفات مخالفا لمعتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته

المسائل البلاغية
1: قوله تعالى: {الحمدلله ربّ العالمين} [ضمّنه تعالى أمر عباده أن يثنوا به عليه]

الإعراب
1: إعراب (الحمد) من قوله تعالى: {الحمدُلله}
2: أثر اختلاف إعراب (الحمد) على المعنى
3: إعراب {لله}
4: إعراب {رب}
5: إعراب {العالمين}
6: إعراب {مالك يوم الدين}

المسائل النحوية

المسائل الصرفية
1: أصل واشتقاق اسم (الله)
2: اشتقاق {الرحمن الرحيم}
3: اشتقاق {مالك}
4: اشتقاق {يوم}

مسائل في أصول التفسير

سنن وآداب


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 شعبان 1435هـ/4-06-2014م, 01:13 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

المرحلة الأولى
تصنيف أقوال العلماء في تفسير قول الله تعالى: {الحمدلله ربّ العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدّين}

القراءات

1: القراءات في قوله تعالى: {الحمدلله}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله تعالى: {الحمد للّه...} اجتمع القرّاء على رفع الحمد .). [معاني القرآن: 1 /3-4]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (تتابعت قراءة القرّاء وعلماء الأمّة على رفع الحمد من: {الحمد للّه ربّ العالمين} دون نصبها، الّذي يؤدّي إلى الدّلالة على أنّ معنى تاليه كذلك: أحمد اللّه حمدًا. ولو قرأ قارئٌ ذلك بالنّصب، لكان عندي محيلاً معناه ومستحقًّا العقوبة على قراءته إيّاه كذلك إذا تعمّد قراءته كذلك وهو عالمٌ بخطئه وفساد تأويله.). [جامع البيان: 1/ 135-147]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (الحمد رفع بالابتداء، وقوله: {للّه}: إخبار عن الحمد، والاختيار في الكلام: الرفع، فأمّا القرآن فلا يقرأ فيه :{الحمد} إلا بالرفع، لأن السّنة تتبع في القرآن، ولا يلتفت فيه إلى غير الرّواية الصحيحة التي قد قرأ بها القراء المشهورون بالضبط والثّقة، والرفع القراءة، ويجوز في الكلام أن تقول " الحمد " تريد: أحمد الله الحمد، فاستغنيت عن ذكر " أحمد "؛ لأن حال الحمد يجب أن يكون عليها الخلق، إلا أنّ الرفع أحسن وأبلغ في الثناء على الله عزّ وجلّ، وقد روي عن قوم من العرب: " الحمدَ للّه "و" الحمدِ للّه "، وهذه لغة من لا يلتفت إليه، ولا يتشاغل بالرواية عنه. وإنما تشاغلنا نحن برواية هذا الحرف لنحذّر الناس من أن يستعملوه، أو يظن جاهل أنه يجوز في كتاب الله عزّ وجلّ، أو في كلام، ولم يأت لهذا نظير في كلام العرب، ولا وجه له.). [معاني القرآن: 1 /45-46]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ): (وأجمع السبعة وجمهور الناس على رفع الدال من «الحمد لله».
وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة بن العجاج «الحمد لله» بفتح الدال وهذا على إضمار فعل.
وروي عن الحسن بن أبي الحسن وزيد بن علي: «الحمد لله»، بكسر الدال على إتباع الأول الثاني.
وروي عن ابن أبي عبلة: «الحمد لله»، بضم الدال واللام، على اتباع الثاني والأول.). [المحرر الوجيز: 1 /71-74]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (القرّاء السّبعة على ضمّ الدّال من قوله: {الحمد لله} وهو مبتدأٌ وخبرٌ. وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة بن العجّاج أنّهما قالا "الحمد لله" بالنّصب وهو على إضمار فعلٍ، وقرأ ابن أبي عبلة: "الحمد لله" بضمّ الدّال واللّام إتباعًا للثّاني الأوّل وله شواهد لكنّه شاذٌّ، وعن الحسن وزيد بن عليٍّ: "الحمد لله" بكسر الدّالّ إتباعًا للأوّل الثّاني).[تفسير ابن كثير: 1 /127-133]

2: أثر اختلاف القراءات على المعنى في قوله تعالى {الحمدلله}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (تتابعت قراءة القرّاء وعلماء الأمّة على رفع الحمد من: {الحمد للّه ربّ العالمين} دون نصبها، الّذي يؤدّي إلى الدّلالة على أنّ معنى تاليه كذلك: أحمد اللّه حمدًا. ولو قرأ قارئٌ ذلك بالنّصب، لكان عندي محيلاً معناه ومستحقًّا العقوبة على قراءته إيّاه كذلك إذا تعمّد قراءته كذلك وهو عالمٌ بخطئه وفساد تأويله.). [جامع البيان: 1/ 135-147]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (الرفع أحسن وأبلغ في الثناء على الله عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 1 /45-46]


3: القراءات في قوله تعالى: {مالك يوم الدين}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({مالك يوم الدّين}، وقرأها قوم: {ملك}). [معاني القرآن: 1 /10]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (نا هشيمٌ، قال: نا مخبر، عن الزّهريّ، عن سالمٍ، عن أبيه : أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكرٍ، وعمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا يقرأون: {مالك يوم الدين}.
- نا هشيمٌ، عن الحجّاج، عن عبد الرّحمن بن الأسود، عن أبيه : أنّه سمع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقرأ كذلك). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 515-521]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (نا هشيمٌ، قال: نا خالدٌ، عن أبي قلابة : أنّ أبيّ بن كعبٍ كان يقرأ: {مالك يوم الدّين}). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 523]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (نا مروان بن معاوية، قال: نا الأعمش، عن إبراهيم، قال: كان عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه يقرأ: {مالك يوم الدّين}، وكان علقمة والأسود يقرآن: {مالك يوم الدّين}). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 523]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن يحيى بن وثّاب أنّه كان يقرأ: {مالك يوم الدّين}). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 524]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( القرّاء مختلفون في تلاوة (ملك يوم الدّين)، فبعضهم يتلوه: (ملك يوم الدّين) وبعضهم يتلوه: {مالك يوم الدّين} وبعضهم يتلوه: (مالك يوم الدّين) بنصب الكاف.). [جامع البيان: 1/ 149-159]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقرئ: {ملك يوم الدّين}، {ومالك يوم الدّين}). [معاني القرآن: 1/ 46-48]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تعالى: {ملك يوم الدين}، ويقرأ: {مالك يوم الدين}.). [معاني القرآن: 1/ 61-63]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف القراء في قوله تعالى: {ملك يوم الدين}.
فقرأ عاصم والكسائي «مالك يوم الدين».
قال الفارسي: «وكذلك قرأها قتادة والأعمش».
قال مكي: «وروى الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها كذلك بالألف، وكذلك قرأها أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وطلحة، والزبير، رضي الله عنهم».
وقرأ بقية السبعة «ملك يوم الدين»، وأبو عمرو منهم يسكن اللام فيقرأ «ملك يوم الدين». هذه رواية عبد الوارث عنه.
وروي عن نافع إشباع الكسرة من الكاف في ملك فيقرأ «ملكي» وهي لغة للعرب ذكرها المهدوي.
وقرأ أبو حيوة «ملك» بفتح الكاف وكسر اللام.
وقرأ ابن السميفع، وعمر بن عبد العزيز، والأعمش، وأبو صالح السمان، وأبو عبد الملك الشامي «مالك» بفتح الكاف. وهذان على النداء ليكون ذلك توطئة لقوله إيّاك.
ورد الطبري على هذا وقال: «إن معنى السورة: قولوا الحمد لله، وعلى ذلك يجيء إيّاك واهدنا».
وذكر أيضا أن من فصيح كلام العرب الخروج من الغيبة إلى الخطاب، وبالعكس، كقول أبي كبير الهذلي:

يا ويح نفسي كان جلدة خالد ....... وبياض وجهك للتراب الأعفر
وكما قال لبيد:
قامت تشكّى إليّ النفس مجهشة ....... وقد حملتك سبعا بعد سبعينا

وكقول الله تعالى: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} [يونس: 22].
وقرأ يحيى بن يعمر والحسن بن أبي الحسن، وعلي بن أبي طالب «ملك يوم الدين» على أنه فعل ماض.
وقرأ أبو هريرة «مليك» بالياء وكسر الكاف.
قال أبو علي: ولم يمل أحد من القراء ألف «مالك»، وذلك جائز، إلا أنه لا يقرأ بما يجوز، إلا أن يأتي بذلك أثر مستفيض.). [المحرر الوجيز: 1/ 74-82]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): ({مالك يوم الدّين}
قرأ بعض القرّاء: (ملك يوم الدّين) وقرأ آخرون: (مالك). وكلاهما صحيحٌ متواترٌ في السّبع.
[ويقال: مليكٌ أيضًا، وأشبع نافعٌ كسرة الكاف فقرأ: "ملكي يوم الدّين" وقد رجّح كلًّا من القراءتين مرجّحون من حيث المعنى، وكلاهما صحيحةٌ حسنةٌ، ورجّح الزّمخشريّ ملك؛ لأنّها قراءة أهل الحرمين ولقوله: {لمن الملك اليوم} وقوله: {قوله الحقّ وله الملك} وحكي عن أبي حنيفة أنّه قرأ "ملك يوم الدّين" على أنّه فعلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ، وهذا شاذٌّ غريبٌ جدًّا]. وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئًا غريبًا حيث قال: حدّثنا أبو عبد الرّحمن الأذرميّ، حدّثنا عبد الوهّاب عن عديّ بن الفضل، عن أبي المطرّف، عن ابن شهابٍ: أنّه بلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبا بكرٍ وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرءون: {مالك يوم الدّين} وأوّل من أحدث "ملك" مروان. قلت: مروان عنده علمٌ بصحّة ما قرأه، لم يطّلع عليه ابن شهابٍ، واللّه أعلم.
وقد روي من طرقٍ متعدّدةٍ أوردها ابن مردويه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقرؤها: {مالك يوم الدّين}).[تفسير ابن كثير: 1/ 133-134]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (وعن عبد اللّه -يعني ابن مسعودٍ- أنّه قرأ على رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: {مالك يوم الدّين} -بالألف-، {غير المغضوب عليهم} خفضٍ، رواه الطّبرانيّ، وفيه الفيّاض بن غزوان وهو ضعيفٌ، وجماعةٌ لم أعرفهم). [مجمع الزوائد: 6 /311]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ملك يوم الدين} وفي قراءة: {مالك يوم الدين}
-أخرج الترمذي، وابن أبي الدنيا، وابن الأنباري كلاهما في كتاب المصاحف عن أم سلمة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {مالك يوم الدين} بغير ألف.
-وأخرج ابن الأنباري عن أنس قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل {مالك يوم الدين} بغير ألف».
-وأخرج أحمد في الزهد والترمذي، وابن أبي داود، وابن الأنباري عن أنس: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرؤون {مالك يوم الدين} بالألف .
-وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي داود في المصاحف من طريق سالم عن أبيه: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرؤون {مالك يوم الدين} .
-وأخرج وكيع في تفسيره، وعبد بن حميد وأبو داود وابنه "في المصاحف" عن الزهري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يقرؤونها {مالك يوم الدين}وأول من قرأها (ملك يوم الدين) بغير ألف مروان.
-وأخرج ابن أبي داود والخطيب من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب والبراء بن عازب قالا: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر {مالك يوم الدين}».
-وأخرج ابن أبي داود عن ابن شهاب، أنه بلغه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد كانوا يقرؤون {مالك يوم الدين}، قال ابن شهاب: وأول من أحدث (ملك) مروان.
-وأخرج ابن أبي داود، وابن الأنباري عن الزهري، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {مالك يوم الدين} وأبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير، وابن مسعود ومعاذ بن جبل.
-وأخرج ابن أبي داود، وابن الأنباري عن أنس قال: «صليت خلف النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي كلهم كان يقرأ (ملك يوم الدين)».
-وأخرج ابن أبي داود، وابن أبي مليكة عن بعص أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {مالك يوم الدين}.
-وأخرج ابن أبي داود، وابن الأنباري والدارقطني في الأفراد، وابن جميع في معجمه عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ (ملك يوم الدين).
-وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {مالك يوم الدين}.
-وأخرج الطبراني في معجمه الكبير عن ابن مسعود، أنه قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {مالك يوم الدين} بالألف {غير المغضوب عليهم} خفض.
-وأخرج وكيع والفريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر من طرق عن عمر بن الخطاب، أنه كان يقرأ {مالك يوم الدين} بالألف.
-وأخرج وكيع وسعيد بن منصور عن أبي قلابة أن أبي بن كعب كان يقرأ {مالك يوم الدين}.
-وأخرج وكيع والفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي داود عن أبي هريرة أنه كان يقرؤها {مالك يوم الدين} بالألف.
-وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبيدة أن عبد الله قرأها {مالك يوم الدين}.). [الدر المنثور: 1 /67-73]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (-وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضعه في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله، ثم قال: «إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن أبان زمنه عنكم وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم ثم قال: {الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين} لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزل قوة وبلاغا إلى حين»، قال أبو داود: «حديث غريب إسناده جيد»، أهل المدينة يقرؤون (ملك يوم الدين) وهذا الحديث حجة لهم). [الدر المنثور: 1 /67-73]


4: أثر اختلاف القراءات في معنى قوله تعالى: {مالك يوم الدين}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): (إلا أن "الملك" اسم ليس بمشتق من فعل نحو قولك: "ملك وملوك"، وأما "المالك" فهو الفاعل كما تقول: "ملك فهو مالكٌ" مثل "قهر فهو قاهر"). [معاني القرآن: 1 /10]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ولا خلاف بين جميع أهل المعرفة بلغات العرب، أنّ الملك من الملك مشتقٌّ، وأنّ المالك من الملك مأخوذٌ. فتأويل قراءة من قرأ ذلك: (ملك يوم الدّين) أنّ للّه الملك يوم الدّين خالصًا دون جميع خلقه الّذين كانوا قبل ذلك في الدّنيا ملوكًا جبابرةً ينازعونه الملك ويدافعونه الانفراد بالكبرياء والعظمة والسّلطان والجبريّة. فأيقنوا بلقاء اللّه يوم الدّين أنّهم الصّغرة الأذلّة، وأنّ له من دونهم ودون غيرهم الملك والكبرياء والعزّة والبهاء، كما قال جلّ ذكره وتقدّست أسماؤه في تنزيله: {يوم هم بارزون لا يخفى على اللّه منهم شيءٌ لمن الملك اليوم للّه الواحد القهّار} فأخبر تعالى، أنّه المنفرد يومئذٍ بالملك دون ملوك الدّنيا الّذين صاروا يوم الدّين من ملكهم إلى ذلّةٍ وصغارٍ، ومن دنياهم في المعاد إلى خسارٍ.
وأمّا تأويل قراءة من قرأ: {مالك يوم الدّين} فما حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: «{مالك يوم الدّين} يقول: لا يملك أحدٌ في ذلك اليوم معه حكمًا كملكهم في الدّنيا». ثمّ قال: «{لا يتكلّمون إلاّ من أذن له الرّحمن وقال صوابًا}» وقال: «{وخشعت الأصوات للرّحمن}»، وقال: «{ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى}».). [جامع البيان: 1/ 149-159]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ومن قرأ: { مالك يوم الدّين}، فعلى قوله :{لمن الملك اليوم} وهو بمنزلة من المالك اليوم.

ومن قرأ: {ملك يوم الدّين}، فعلى معنى " ذو المملكة " في يوم الدين، وقيل : إنها قراءة النبي صلى الله عليه وسلم .).[معاني القرآن: 1/ 46-48]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَلِك}: معناه : السلطان الباقي في ملكه، {مَالِكِ}: القادر الحاكم بما يرى).[العمدة في غريب القرآن: 67-68]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قال أبو بكر: والاختيار عندي «ملك يوم الدين» لأن «الملك» و «الملك» يجمعهما معنى واحد وهو الشد والرّبط، كما قالوا: ملكت العجين، أي: شددته إلى غير ذلك من الأمثلة، والملك أفخم وأدخل في المدح، والآية إنما نزلت بالثناء والمدح لله سبحانه، فالمعنى أنه ملك الملوك في ذلك اليوم، لا ملك لغيره.
قال: والوجه لمن قرأ «مالك» أن يقول: إن المعنى أن الله تعالى يملك ذلك اليوم أن يأتي به كما يملك سائر الأيام لكن خصّصه بالذكر لعظمه في جمعه وحوادثه. ). [المحرر الوجيز: 1/ 74-82]


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (ومالك مأخوذٌ من الملك، كما قال: {إنّا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون} [مريم: 40] وقال: {قل أعوذ بربّ النّاس * ملك النّاس} [النّاس: 1، 2] وملكٌ: مأخوذٌ من الملك كما قال تعالى: {لمن الملك اليوم للّه الواحد القهّار} [غافر: 16] وقال: {قوله الحقّ وله الملك} [الأنعام: 73] وقال: {الملك يومئذٍ الحقّ للرّحمن وكان يومًا على الكافرين عسيرًا} [الفرقان: 26].).[تفسير ابن كثير: 1/ 133-134]


5: الترجيح بين قراءة مالك وملك في قوله تعالى: {مالك يوم الدين}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( وأولى التّأويلين بالآية وأصحّ القراءتين في التّلاوة عندي التّأويل الأوّل وقراءة من قرأ ملك بمعنى الملك؛ لأنّ في الإقرار له بالانفراد بالملك إيجابًا لانفراده بالملك وفضيلة زيادة الملك على المالك، إذ كان معلومًا أنّ لا ملك إلاّ وهو مالكٌ، وقد يكون المالك لا ملكًا.
وبعد: فإنّ اللّه جلّ ذكره قد أخبر عباده في الآية الّتي قبل قوله: {مالك يوم الدّين} أنّه مالك جميع العالمين وسيّدهم، ومصلحهم والنّاظر لهم، والرّحيم بهم في الدّنيا والآخرة؛ بقوله: {الحمد للّه ربّ العالمين}، {الرّحمن الرّحيم}. فإذ كان جلّ ذكره قد أنبأهم عن ملكه إيّاهم كذلك بقوله: {ربّ العالمين} فأولى الصّفات من صفاته جلّ ذكره، أن يتبع ذلك ما لم يحوه قوله: {ربّ العالمين * الرّحمن الرّحيم} مع قرب ما بين الآيتين من المواصلة والمجاورة، إذ كانت حكمته الحكمة الّتي لا تشبهها حكمةٌ. وكان في إعادة وصفه جلّ ذكره بأنّه مالك يوم الدّين إعادة ما قد مضى من وصفه به في قوله: {ربّ العالمين} مع تقارب الآيتين وتجاور الصّفتين. وكان في إعادة ذلك تكرار ألفاظٍ مختلفةٍ بمعانٍ متّفقةٍ، لا تفيد سامع ما كرّر منه فائدةً به إليها حاجةٌ. والّذي لم يحوه من صفاته جلّ ذكره ما قبل قوله: {مالك يوم الدّين} المعنى الّذي في قوله: ملك يوم الدّين، وهو وصفه بأنّه الملك.
فبيّن إذًا أنّ أولى القراءتين بالصّواب وأحقّ التّأويلين بالكتاب: قراءة من قرأه: (ملك يوم الدّين)، بمعنى إخلاص الملك له يوم الدّين، دون قراءة من قرأ: {مالك يوم الدّين} بمعنى: أنّه يملك الحكم بينهم وفصل القضاء متفرّدًا به دون سائر خلقه.). [جامع البيان: 1/ 149-159]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (واختار أبو حاتم: مالك، قال: وهو أجمع من ملك؛ لأنك تقول: أن الله مالك الناس، ومالك الطير، ومالك الريح، ومالك كل شيء من الأشياء، ونوع من الأنواع، ولا يقال: الله ملك الطير، ولا ملك الريح، ونحو ذلك، وإنما يحسن ملك الناس وحدهم.
وخالفه في ذلك جلة أهل اللغة، منهم: أبو عبيد، وأبو العباس محمد بن يزيد، واحتجوا بقوله تعالى: {لمن الملك اليوم}، والمُلْكُ: مصدر المَلِكِ، ومصدر المَالِكِ: مِلْكٌ بالكسر، وهذا احتجاج حسن.
وأيضاً، فإن حجة أبي حاتم لا تلزم؛ لأنه إنما لم يستعمل ملك الطير والرياح؛ لأنه ليس فيه معنى مدح.). [معاني القرآن: 1/ 61-63]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واحتج من قرأ «ملك» بأن لفظة «ملك» أعم من لفظة «مالك»، إذ كل ملك مالك وليس كل مالك ملكا. والملك الذي يدبر المالك في ملكه حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك. وتتابع المفسرون على سرد هذه الحجة وهي عندي غير لازمة، لأنهم أخذوا اللفظتين مطلقتين لا بنسبة إلى ما هو المملوك وفيه الملك. فأما إذا كانت نسبة الملك هي نسبة المالك فالمالك أبلغ، مثال ذلك أن نقدر مدينة آهلة عظيمة ثم نقدر لها رجلا يملكها أجمع أو رجلا هو ملكها فقط إنما يملك التدبير والاحكام، فلا شك أن المالك أبلغ تصرفا وأعظم، إذ إليه إجراء قوانين الشرع فيها، كما لكل أحد في ملكه، ثم عنده زيادة التملك، وملك الله تعالى ليوم الدين هو على هذا الحد، فهو مالكه وملكه، والقراءتان حسنتان.
وحكى أبو علي في حجة من قرأ «مالك يوم الدين» أن أول من قرأ «ملك يوم الدين» مروان بن الحكم وأنه قد يدخل في المالك ما لا يدخل في الملك فيقال مالك الدنانير، والدراهم، والطير، والبهائم، ولا يقال ملكها، ومالك في صفة الله تعالى يعم ملك أعيان الأشياء وملك الحكم فيها، وقد قال الله تعالى: {قل اللّهمّ مالك الملك} [آل عمران: 26].
قال أبو بكر: «الأخبار الواردة تبطل أن أول من قرأ «ملك يوم الدين» مروان بن الحكم بل القراءة بذلك أوسع ولعل قائل ذلك أراد أنه أول من قرأ في ذلك العصر أو البلد ونحوه».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما قرؤوا «ملك يوم الدين» بغير ألف، وفيه أيضا أنهم قرؤوا «مالك يوم الدين» بألف.
قال أبو بكر: والاختيار عندي «ملك يوم الدين» لأن «الملك» و «الملك» يجمعهما معنى واحد وهو الشد والرّبط، كما قالوا: ملكت العجين، أي: شددته إلى غير ذلك من الأمثلة، والملك أفخم وأدخل في المدح، والآية إنما نزلت بالثناء والمدح لله سبحانه، فالمعنى أنه ملك الملوك في ذلك اليوم، لا ملك لغيره.
قال: والوجه لمن قرأ «مالك» أن يقول: إن المعنى أن الله تعالى يملك ذلك اليوم أن يأتي به كما يملك سائر الأيام لكن خصّصه بالذكر لعظمه في جمعه وحوادثه.
قال أبو الحسن الأخفش: «يقال «ملك» بين الملك، بضم الميم، ومالك بين «الملك» و «الملك» بفتح الميم وكسرها، وزعموا أن ضم الميم لغة في هذا المعنى، وروى بعض البغداديين لي في هذا الوادي «ملك» و «ملك» و «ملك» بمعنى واحد».
قال أبو علي: «حكى أبو بكر بن السراج عن بعض من اختار القراءة ب «ملك» أن الله سبحانه قد وصف نفسه بأنه مالك كل شيء بقوله {رب العالمين} فلا فائدة في قراءة من قرأ مالك لأنها تكرير».
قال أبو علي ولا حجة في هذا، لأن في التنزيل أشياء على هذه الصورة، تقدم العام ثم ذكر الخاص، كقوله تعالى: {هو اللّه الخالق البارئ المصوّر} [الحشر: 24] فـ{الخالق} يعم وذكر {المصوّر} لما في ذلك من التنبيه على الصنعة ووجوه الحكمة،....
قال القاضي أبو محمد عبد الحق: وأيضا: فإن الرب يتصرف في كلام العرب بمعنى الملك كقوله: (ومن قبل ربتني فضعت ربوب) وغير ذلك من الشواهد، فتنعكس الحجة على من قرأ «مالك يوم الدين».). [المحرر الوجيز: 1/ 74-82]


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): ( وكلاهما صحيحٌ متواترٌ في السّبع.
[ويقال: مليكٌ أيضًا، وأشبع نافعٌ كسرة الكاف فقرأ: "ملكي يوم الدّين" وقد رجّح كلًّا من القراءتين مرجّحون من حيث المعنى، وكلاهما صحيحةٌ حسنةٌ، ورجّح الزّمخشريّ ملك؛ لأنّها قراءة أهل الحرمين ولقوله: {لمن الملك اليوم} وقوله: {قوله الحقّ وله الملك}.). [تفسير ابن كثير: 1/ 133-134]


المسائل التفسيرية

1: ماورد في فضل قول العبد (الحمدلله)
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو معمرٍ القطيعيّ، حدّثنا حفصٌ، عن حجّاجٍ، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، قال: قال عمر: «قد علمنا سبحان اللّه، ولا إله إلّا اللّه، فما الحمد للّه؟» فقال عليٌّ:«كلمةٌ رضيها اللّه لنفسه».
ورواه غير أبي معمر، عن حفصٍ، فقال: قال عمر لعلي، وأصحابه عنده: «لا إله إلّا اللّه، وسبحان اللّه، واللّه أكبر، قد عرفناها، فما الحمد للّه؟» قال عليٌّ: «كلمةٌ أحبّها [اللّه] لنفسه، ورضيها لنفسه، وأحبّ أن تقال».
وقال عليّ بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، قال: قال ابن عبّاسٍ: «الحمد للّه كلمة الشّكر، وإذا قال العبد: الحمد للّه، قال: شكرني عبدي». رواه ابن أبي حاتمٍ.
وروى -أيضًا-هو وابن جريرٍ، من حديث بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: أنّه قال: «الحمد للّه هو الشّكر للّه والاستخذاء له، والإقرار له بنعمه وهدايته وابتدائه وغير ذلك».
وقال كعب الأحبار: «الحمد للّه ثناء اللّه». وقال الضّحّاك: «الحمد للّه رداء الرّحمن». وقد ورد الحديث بنحو ذلك.
قال ابن جريرٍ: حدّثني سعيد بن عمرٍو السّكوني، حدّثنا بقيّة بن الوليد، حدّثني عيسى بن إبراهيم، عن موسى بن أبي حبيبٍ، عن الحكم بن عميرٍ، وكانت له صحبةٌ قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا قلت: الحمد للّه ربّ العالمين، فقد شكرت اللّه، فزادك».
وقد روى الإمام أحمد بن حنبلٍ: حدّثنا روحٌ، حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، عن الأسود بن سريعٍ، قال: قلت: يا رسول اللّه، ألا أنشدك محامد حمدت بها ربّي، تبارك وتعالى؟ فقال: «أما إنّ ربّك يحبّ الحمد».
ورواه النّسائيّ، عن عليّ بن حجرٍ، عن ابن عليّة، عن يونس بن عبيدٍ، عن الحسن، عن الأسود بن سريعٍ، به.
وروى التّرمذيّ، والنّسائيّ وابن ماجه، من حديث موسى بن إبراهيم بن كثيرٍ، عن طلحة بن خراشٍ، عن جابر بن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أفضل الذّكر لا إله إلّا اللّه، وأفضل الدّعاء الحمد للّه». وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ.
وروى ابن ماجه عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما أنعم اللّه على عبدٍ نعمةً فقال: الحمد للّه إلّا كان الّذي أعطى أفضل ممّا أخذ».

وقال القرطبيّ في تفسيره، وفي نوادر الأصول عن أنسٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم قال: «لو أنّ الدّنيا بحذافيرها في يد رجلٍ من أمّتي ثمّ قال: الحمد للّه، لكان الحمد للّه أفضل من ذلك». قال القرطبيّ وغيره: أي لكان إلهامه الحمد للّه أكبر نعمةً عليه من نعم الدّنيا؛ لأنّ ثواب الحمد لا يفنى ونعيم الدّنيا لا يبقى،...
وحكى القرطبيّ عن طائفةٍ أنّهم قالوا: قول العبد: الحمد للّه ربّ العالمين، أفضل من قول: لا إله إلّا اللّه؛ لاشتمال الحمد للّه ربّ العالمين على التّوحيد مع الحمد، وقال آخرون: لا إله إلّا اللّه أفضل لأنّها الفصل بين الإيمان والكفر، وعليها يقاتل النّاس حتّى يقولوا: لا إله إلّا اللّه كما ثبت في الحديث المتّفق عليه وفي الحديث الآخر في السّنن: «أفضل ما قلت أنا والنّبيّون من قبلي: لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له». وقد تقدّم عن جابرٍ مرفوعًا: «أفضل الذّكر لا إله إلّا اللّه، وأفضل الدّعاء الحمد للّه». وحسّنه التّرمذيّ..). [تفسير ابن كثير: 1 /127-133]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى:{الحمد لله رب العالمين}.

-أخرج عبد الرزاق في المصنف والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والخطابي في الغريب والبيهقي في الأدب والديلمي في مسند الفردوس والثعلبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ {الحمد} رأس الشكر فما شكر الله عبد لا يحمده.
-وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن النواس بن سمعان قال: سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«لئن ردها الله لأشكرن ربي»فوقعت في حي من أحياء العرب فيهم امرأة مسلمة فوقع في خلدها أن تهرب عليها، فرأت من القوم غفلة فقعدت عليها ثم حركتها فصبحت بها المدينة، فلما رآها المسلمون فرحوا بها ومشوا بمجئها حتى أتوا رسول الله فلما رآها قال:«{الحمد لله}»فانتظروا هل يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم صوما أو صلاة، فظنوا أنه نسي، فقالوا: يا رسول الله قد كنت قلت: «لئن ردها الله لأشكرن ربي»، قال:«ألم أقل{الحمد لله}».
-وأخرج ابن جرير والحاكم في تاريخ نيسابور والديلمي بسند ضعيف عن الحكم بن عمير وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا قلت{الحمد لله رب العالمين}فقد شكرت الله فزادك».
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال: «{الحمد لله} كلمة الشكر إذا قال العبد: {الحمد لله} قال الله: [شكرني عبدي]».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «{الحمد} هو الشكر والاستحذاء لله والإقرار بنعمه وهدايته وابتدائه، وغير ذلك».
-وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال عمر: «قد علمنا سبحان الله ولا إله إلا الله فما الحمد؟» قال علي: «كلمة رضيها الله لنفسه وأحب أن تقال».
-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن كعب قال: «{الحمد لله} ثناء على الله».
-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: «{الحمد} رداء الرحمن».
-وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن الجبائي قال: «الصلاة شكر والصيام شكر وكل خير تفعله لله شكر وأفضل الشكر {الحمد}».
-وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء{الحمد لله}».
-وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند صحيح عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبده نعمة فقال: {الحمد لله} إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذه».
-وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد ينعم عليه بنعمة إلا كان {الحمد} أفضل منها».
-وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في الشعب عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة يحمد الله عليها إلا كان حمد الله أعظم منها كائنة ما كانت».
-وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن الدنيا كلها بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال {الحمد لله} لكان الحمد أفضل من ذلك».
-وأخرج أحمد ومسلم والنسائي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان و{الحمد لله} تملأ الميزان وسبحان الله تملآن -أو تملأ- مابين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها».
-وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وحسنه، وابن مردويه عن رجل من بني سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبحان الله نصف الميزان والحمد لله تملأ الميزان والله أكبر يملأ مابين السماء والأرض والطهور نصف الميزان والصوم نصف الصبر».
-وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التسبيح نصف الميزان والحمد لله تملؤه ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه».
-وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن الأسود بن سريع التميمي قال قلت: يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى؟ قال: «أما أن ربك يحب الحمد».
-وأخرج ابن جرير عن الأسود بن سريع أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيء أحب إليه الحمد من الله ولذلك أثنى على نفسه فقال {الحمد لله}».
-وأخرج البيهقي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «التأني من الله والعجلة من الشيطان وما شيء أكثر معاذير من الله وما شيء أحب إلى الله من الحمد».
-وأخرج ابن شاهين في السنة والديلمي من طريق أبان عن أنس قال: قال رسول الله: «التوحيد ثمن الجنة و{الحمد لله} ثمن كل قطعة ويتقاسمون الجنة بأعمالهم».
-وأخرج الخطيب في تالي التلخيص من طريق ثابت عن أنس مرفوعا: «التوحيد ثمن الجنة والحمد وفاء شكر كل نعمة».
......
وأخرج البيهقي، عن علي، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية من أهله فقال: «اللهم لك علي إن رددتهم سالمين أن أشكرك حق شكرك»، فما لبثوا أن جاؤا سالمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{الحمد لله} على سابغ نعم الله»، فقلت: يا رسول الله ألم تقل: «إن ردهم الله أن أشكره حق شكره؟» فقال: «أو لم أفعل».
-وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر، وابن مردويه والبيهقي من طريق سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا من الأنصار وقال: «إن سلمهم الله وأغنهم فإن لله علي في ذلك شكرا»، فلم يلبثوا أن غنموا وسلموا فقال بعض أصحابه: سمعناك تقول: «إن سلمهم الله وأغنهم فإن لله علي في ذلك شكرا» قال: «قد فعلت، قلت: اللهم شكرا ولك الفضل المن فضلا».
-وأخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي عن جعفر بن محمد قال: فقد أبي بغلته فقال: «لئن ردها الله علي لأحمدنه بمحامد يرضاها» فما لبث أن أتى بها بسرجها ولجامها فركبها فلما استوى عليها رفع رأسه إلى السماء فقال:{الحمد لله}لم يزد عليها، فقيل له في ذلك، فقال: «وهل تركت شيئا أو أبقيت شيئا؟ جعلت الحمد كله لله عز وجل».
-وأخرج البيهقي من طريق منصور بن إبراهيم قال: «يقال: إن {الحمد لله} أكثر الكلام تضعيفا».
-وأخرج أبو الشيخ والبيهقي عن محمد بن حرب قال: قال سفيان الثوري: «{الحمد لله} ذكر وشكر وليس شيء يكون ذكرا وشكرا غيره».
-وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «إن العبد إذا قال: سبحان الله فهي صلاة الخلائق وإذا قال {الحمد لله} فهي كلمة الشكر التي لم يشكر عبد قط حتى يقولها وإذا قال لا إله إلا الله فهي كلمة الإخلاص التي لم يقبل الله من عبد قط عملا حتى يقولها وإذا قال: الله أكبر ملأ مابين السماء والأرض وإذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله قال الله: أسلم واستسلم».). [الدر المنثور: 1 /54-66]

2: معنى قوله تعالى: {الحمد لله}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (معنى {الحمد للّه} الشّكر خالصًا للّه جلّ ثناؤه دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كلّ ما برأ من خلقه، بما أنعم على عباده من النّعم الّتي لا يحصيها العدد ولا يحيط بعددها غيره أحدٌ، ...
وبما ذكرنا من تأويل قول ربّنا جلّ ذكره وتقدّست أسماؤه: {الحمد للّه} جاء الخبر عن ابن عبّاسٍ وغيره.
- حدّثنا محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال جبريل لمحمّدٍ: قل يا محمّد: الحمد للّه» قال ابن عبّاسٍ: «الحمد للّه: هو الشّكر للّه، والاستخذاء للّه، والإقرار بنعمته وهدايته وابتدائه»، وغير ذلك.
- وحدّثني سعيد بن عمرٍو السّكونيّ، قال: حدّثنا بقيّة بن الوليد، قال: حدّثني عيسى بن إبراهيم، عن موسى بن أبي حبيبٍ، عن الحكم بن عميرٍ، وكانت له صحبةٌ قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا قلت الحمد للّه ربّ العالمين، فقد شكرت اللّه فزادك».
قال: وقد قيل إنّ قول القائل: {الحمد للّه} ثناءٌ على اللّه بأسمائه وصفاته الحسنى، وقوله: الشّكر للّه ثناءٌ عليه بنعمه وأياديه.
وقد روي عن كعب الأحبار أنّه قال: «الحمد للّه ثناءٌ اللّه ولم يبيّن في الرّواية عنه من أيّ معنيي الثّناء اللّذين ذكرنا ذلك».
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى الصّدفيّ، قال: أنبأنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عمر بن محمّدٍ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، قال: أخبرني السّلوليّ، عن كعبٍ قال: «من قال: الحمد للّه فذلك ثناءٌ على اللّه».
- وحدّثني عليّ بن الحسن الخرّاز، قال: حدّثنا مسلم بن عبد الرّحمن الجرميّ، قال: حدّثنا محمّد بن مصعبٍ القرقسانيّ، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن الأسود بن سريعٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ليس شيءٌ أحبّ إليه الحمد من اللّه تعالى، ولذلك أثنى على نفسه فقال: الحمد للّه».[جامع البيان: 1/ 135-147]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الحمد للّه ربّ العالمين (2)}: معنى الحمد : الشّكر والثناء على الله تعالى.). [معاني القرآن: 1 /45-46]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله عزّ وجلّ:{الحمد لله}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو معمرٍ المنقريّ ثنا عبد الوارث، ثنا عليّ بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران قال: قال ابن عبّاسٍ: «الحمد للّه كلمة الشّكر، وإذا قال العبد: الحمد للّه، قال: [شكرني عبدي]».
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء -يعني أبا كريبٍ- ثنا عثمان بن سعيدٍ -يعني الزّيّات- ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «الحمد للّه هو الشّكر للّه، الاستجداء للّه، والإقرار له بنعمه وابتدائه وغير ذلك».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهبٌ ثنا سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه عن السّلوليّ عن كعبٍ قال: «الحمد للّه ثناءٌ على اللّه».
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الرّحيم الفارسيّ، ثنا بزيعٌ أبو حازمٍ، عن يحيى بن عبد الرّحمن- يعني أبا بسطامٍ- عن الضّحّاك قال: «الحمد رداء الرّحمن».
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو معمرٍ القطيعيّ ثنا حفصٌ عن حجّاجٍ، عن ابن أبي مليكة عن ابن عبّاسٍ، قال: قال عمر: «قد علمنا سبحان اللّه، ولا إله إلا اللّه، فما الحمد للّه؟» فقال عليٌّ: «كلمةٌ رضيها اللّه لنفسه». قال أبو محمّدٍ: كذا رواه أبو معمرٍ القطيعيّ، عن حفصٍ.
- وحدّثنا به الأشجّ فقال: ثنا حفصٌ. وخالفه فيه، فقال فيه: قال عمر لعليٍّ رضي اللّه عنهما وأصحابه عنده: «لا إله إلا اللّه، والحمد للّه، واللّه أكبر، قد عرفناها، فما سبحان اللّه؟» فقال عليٌّ: «كلمةٌ أحبّها لنفسه، ورضيها لنفسه، وأحبّ أن تقال».). [تفسير القرآن العظيم: 1 /26-28]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْحَمْدُ}: الشكر.). [العمدة في غريب القرآن: 67]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ): (الحمد معناه الثناء الكامل.). [المحرر الوجيز: 1 /71-74]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (قال أبو جعفر بن جريرٍ: معنى {الحمد للّه} الشّكر للّه خالصًا دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كلّ ما برأ من خلقه، بما أنعم على عباده من النّعم الّتي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحدٌ، ... [وقال ابن جريرٍ: {الحمد للّه} ثناءٌ أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنّه قال: قولوا: {الحمد للّه}].). [تفسير ابن كثير: 1 /127-133]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (ذكر أقوال السّلف في الحمد
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو معمرٍ القطيعيّ، حدّثنا حفصٌ، عن حجّاجٍ، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، قال: قال عمر: «قد علمنا سبحان اللّه، ولا إله إلّا اللّه، فما الحمد للّه؟» فقال عليٌّ:«كلمةٌ رضيها اللّه لنفسه».
ورواه غير أبي معمر، عن حفصٍ، فقال: قال عمر لعلي، وأصحابه عنده: «لا إله إلّا اللّه، وسبحان اللّه، واللّه أكبر، قد عرفناها، فما الحمد للّه؟» قال عليٌّ: «كلمةٌ أحبّها [اللّه] لنفسه، ورضيها لنفسه، وأحبّ أن تقال».
وقال عليّ بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، قال: قال ابن عبّاسٍ: «الحمد للّه كلمة الشّكر، وإذا قال العبد: الحمد للّه، قال: شكرني عبدي». رواه ابن أبي حاتمٍ.
وروى -أيضًا-هو وابن جريرٍ، من حديث بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: أنّه قال: «الحمد للّه هو الشّكر للّه والاستخذاء له، والإقرار له بنعمه وهدايته وابتدائه وغير ذلك».
وقال كعب الأحبار: «الحمد للّه ثناء اللّه». وقال الضّحّاك: «الحمد للّه رداء الرّحمن». وقد ورد الحديث بنحو ذلك.
قال ابن جريرٍ: حدّثني سعيد بن عمرٍو السّكوني، حدّثنا بقيّة بن الوليد، حدّثني عيسى بن إبراهيم، عن موسى بن أبي حبيبٍ، عن الحكم بن عميرٍ، وكانت له صحبةٌ قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا قلت: الحمد للّه ربّ العالمين، فقد شكرت اللّه، فزادك».
وقد روى الإمام أحمد بن حنبلٍ: حدّثنا روحٌ، حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، عن الأسود بن سريعٍ، قال: قلت: يا رسول اللّه، ألا أنشدك محامد حمدت بها ربّي، تبارك وتعالى؟ فقال: «أما إنّ ربّك يحبّ الحمد».
ورواه النّسائيّ، عن عليّ بن حجرٍ، عن ابن عليّة، عن يونس بن عبيدٍ، عن الحسن، عن الأسود بن سريعٍ، به.
وروى التّرمذيّ، والنّسائيّ وابن ماجه، من حديث موسى بن إبراهيم بن كثيرٍ، عن طلحة بن خراشٍ، عن جابر بن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أفضل الذّكر لا إله إلّا اللّه، وأفضل الدّعاء الحمد للّه». وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ.
وروى ابن ماجه عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما أنعم اللّه على عبدٍ نعمةً فقال: الحمد للّه إلّا كان الّذي أعطى أفضل ممّا أخذ».

وقال القرطبيّ في تفسيره، وفي نوادر الأصول عن أنسٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم قال: «لو أنّ الدّنيا بحذافيرها في يد رجلٍ من أمّتي ثمّ قال: الحمد للّه، لكان الحمد للّه أفضل من ذلك». قال القرطبيّ وغيره: أي لكان إلهامه الحمد للّه أكبر نعمةً عليه من نعم الدّنيا؛ لأنّ ثواب الحمد لا يفنى ونعيم الدّنيا لا يبقى،...). [تفسير ابن كثير: 1 /127-133]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى:{الحمد لله رب العالمين}.
-أخرج عبد الرزاق في المصنف والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والخطابي في الغريب والبيهقي في الأدب والديلمي في مسند الفردوس والثعلبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ {الحمد} رأس الشكر فما شكر الله عبد لا يحمده.
-وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن النواس بن سمعان قال: سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«لئن ردها الله لأشكرن ربي»فوقعت في حي من أحياء العرب فيهم امرأة مسلمة فوقع في خلدها أن تهرب عليها، فرأت من القوم غفلة فقعدت عليها ثم حركتها فصبحت بها المدينة، فلما رآها المسلمون فرحوا بها ومشوا بمجئها حتى أتوا رسول الله فلما رآها قال:«{الحمد لله}»فانتظروا هل يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم صوما أو صلاة، فظنوا أنه نسي، فقالوا: يا رسول الله قد كنت قلت: «لئن ردها الله لأشكرن ربي»، قال:«ألم أقل{الحمد لله}».
-وأخرج ابن جرير والحاكم في تاريخ نيسابور والديلمي بسند ضعيف عن الحكم بن عمير وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا قلت{الحمد لله رب العالمين}فقد شكرت الله فزادك».
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال: «{الحمد لله} كلمة الشكر إذا قال العبد: {الحمد لله} قال الله: [شكرني عبدي]».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «{الحمد} هو الشكر والاستحذاء لله والإقرار بنعمه وهدايته وابتدائه، وغير ذلك».
-وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال عمر: «قد علمنا سبحان الله ولا إله إلا الله فما الحمد؟» قال علي: «كلمة رضيها الله لنفسه وأحب أن تقال».
-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن كعب قال: «{الحمد لله} ثناء على الله».
-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: «{الحمد} رداء الرحمن».
-وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن الجبائي قال: «الصلاة شكر والصيام شكر وكل خير تفعله لله شكر وأفضل الشكر {الحمد}».
-وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء{الحمد لله}».
-وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند صحيح عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبده نعمة فقال: {الحمد لله} إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذه».
-وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد ينعم عليه بنعمة إلا كان {الحمد} أفضل منها».
-وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في الشعب عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة يحمد الله عليها إلا كان حمد الله أعظم منها كائنة ما كانت».
-وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن الدنيا كلها بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال {الحمد لله} لكان الحمد أفضل من ذلك».
-وأخرج أحمد ومسلم والنسائي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان و{الحمد لله} تملأ الميزان وسبحان الله تملآن -أو تملأ- مابين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها».
-وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وحسنه، وابن مردويه عن رجل من بني سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبحان الله نصف الميزان والحمد لله تملأ الميزان والله أكبر يملأ مابين السماء والأرض والطهور نصف الميزان والصوم نصف الصبر».
-وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التسبيح نصف الميزان والحمد لله تملؤه ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه».
-وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن الأسود بن سريع التميمي قال قلت: يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى؟ قال: «أما أن ربك يحب الحمد».
-وأخرج ابن جرير عن الأسود بن سريع أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيء أحب إليه الحمد من الله ولذلك أثنى على نفسه فقال {الحمد لله}».
-وأخرج البيهقي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «التأني من الله والعجلة من الشيطان وما شيء أكثر معاذير من الله وما شيء أحب إلى الله من الحمد».
-وأخرج ابن شاهين في السنة والديلمي من طريق أبان عن أنس قال: قال رسول الله: «التوحيد ثمن الجنة و{الحمد لله} ثمن كل قطعة ويتقاسمون الجنة بأعمالهم».
-وأخرج الخطيب في تالي التلخيص من طريق ثابت عن أنس مرفوعا: «التوحيد ثمن الجنة والحمد وفاء شكر كل نعمة».
......
وأخرج البيهقي، عن علي، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية من أهله فقال: «اللهم لك علي إن رددتهم سالمين أن أشكرك حق شكرك»، فما لبثوا أن جاؤا سالمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{الحمد لله} على سابغ نعم الله»، فقلت: يا رسول الله ألم تقل: «إن ردهم الله أن أشكره حق شكره؟» فقال: «أو لم أفعل».
-وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر، وابن مردويه والبيهقي من طريق سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا من الأنصار وقال: «إن سلمهم الله وأغنهم فإن لله علي في ذلك شكرا»، فلم يلبثوا أن غنموا وسلموا فقال بعض أصحابه: سمعناك تقول: «إن سلمهم الله وأغنهم فإن لله علي في ذلك شكرا» قال: «قد فعلت، قلت: اللهم شكرا ولك الفضل المن فضلا».
-وأخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي عن جعفر بن محمد قال: فقد أبي بغلته فقال: «لئن ردها الله علي لأحمدنه بمحامد يرضاها» فما لبث أن أتى بها بسرجها ولجامها فركبها فلما استوى عليها رفع رأسه إلى السماء فقال:{الحمد لله}لم يزد عليها، فقيل له في ذلك، فقال: «وهل تركت شيئا أو أبقيت شيئا؟ جعلت الحمد كله لله عز وجل».
-وأخرج البيهقي من طريق منصور بن إبراهيم قال: «يقال: إن {الحمد لله} أكثر الكلام تضعيفا».
-وأخرج أبو الشيخ والبيهقي عن محمد بن حرب قال: قال سفيان الثوري: «{الحمد لله} ذكر وشكر وليس شيء يكون ذكرا وشكرا غيره».
-وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «إن العبد إذا قال: سبحان الله فهي صلاة الخلائق وإذا قال {الحمد لله} فهي كلمة الشكر التي لم يشكر عبد قط حتى يقولها وإذا قال لا إله إلا الله فهي كلمة الإخلاص التي لم يقبل الله من عبد قط عملا حتى يقولها وإذا قال: الله أكبر ملأ مابين السماء والأرض وإذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله قال الله: أسلم واستسلم».). [الدر المنثور: 1 /54-66]


3: الفرق بين الحمد والشكر
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ولا تمانع بين أهل المعرفة بلغات العرب من الحكم لقول القائل: الحمد للّه شكرًا بالصّحّة. فقد تبيّن إذ كان ذلك عند جميعهم صحيحًا، أنّ الحمد للّه قد ينطق به في موضع الشّكر، وأنّ الشّكر قد يوضع موضع الحمد). [جامع البيان: 1/ 135-147]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تعالى: {الحمد لله} الفرق بين الحمد والشكر: أن الحمد أعم؛ لأنه يقع على الثناء، وعلى التحميد، وعلى الشكر، والجزاء .
والشكر مخصوص بما يكون مكافأة لمن أولاك معروفاً، فصار الحمد أثبت في الآية؛ لأنه يزيد على الشكر.). [معاني القرآن: 1/ 57-62]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ): (وهو أعم من الشكر، لأن الشكر إنما يكون على فعل جميل يسدى إلى الشاكر، وشكره حمد ما، والحمد المجرد هو ثناء بصفات المحمود من غير أن يسدي شيئا، فالحامد من الناس قسمان: الشاكر والمثني بالصفات.
وذهب الطبري إلى أن الحمد والشكر بمعنى واحد، وذلك غير مرضي.
وحكي عن بعض الناس أنه قال: «الشكر ثناء على الله بأفعاله وأنعامه، والحمد ثناء بأوصافه».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا أصح معنى من أنهما بمعنى واحد. واستدل الطبري على أنهما بمعنى بصحة قولك الحمد لله شكرا. وهو في الحقيقة دليل على خلاف ما ذهب إليه. لأن قولك شكرا إنما خصصت به الحمد أنه على نعمة من النعم.). [المحرر الوجيز: 1 /71-74]


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): ([وقال ابن جريرٍ: {الحمد للّه} ثناءٌ أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنّه قال: قولوا: {الحمد للّه}].
قال: وقد قيل: إنّ قول القائل: الحمد للّه، "ثناءٌ عليه بأسمائه وصفاته الحسنى، وقوله: الشّكر للّه ثناءٌ عليه بنعمه وأياديه، ثمّ شرع في ردّ ذلك بما حاصله أنّ جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلًّا من الحمد والشّكر مكان الآخر.
[وقد نقل السّلميّ هذا المذهب أنّهما سواءٌ عن جعفرٍ الصّادق وابن عطاءٍ من الصّوفيّة. وقال ابن عبّاسٍ: {الحمد للّه} كلمة كلّ شاكرٍ، وقد استدلّ القرطبيّ لابن جريرٍ بصحّة قول القائل: {الحمد للّه} شكرًا].
وهذا الّذي ادّعاه ابن جريرٍ فيه نظرٌ؛ لأنّه اشتهر عند كثيرٍ من العلماء من المتأخّرين أنّ الحمد هو الثّناء بالقول على المحمود بصفاته اللّازمة والمتعدّية، والشّكر لا يكون إلّا على المتعدّية، ويكون بالجنان واللّسان والأركان، كما قال الشّاعر:

أفادتكم النّعماء منّي ثلاثةً ....... يدي ولساني والضّمير المحجّبا

ولكنّهم اختلفوا: أيّهما أعمّ، الحمد أو الشّكر؟ على قولين، والتّحقيق أنّ بينهما عمومًا وخصوصًا، فالحمد أعمّ من الشّكر من حيث ما يقعان عليه؛ لأنّه يكون على الصّفات اللّازمة والمتعدّية، تقول: حمدته لفروسيّته وحمدته لكرمه. وهو أخصّ لأنّه لا يكون إلّا بالقول، والشّكر أعمّ من حيث ما يقعان عليه، لأنّه يكون بالقول والعمل والنّيّة، كما تقدّم، وهو أخصّ لأنّه لا يكون إلّا على الصّفات المتعدّية، لا يقال: شكرته لفروسيّته، وتقول: شكرته على كرمه وإحسانه إليّ. هذا حاصل ما حرّره بعض المتأخّرين، واللّه أعلم.


وقال أبو نصرٍ إسماعيل بن حمّاد الجوهريّ: ... والحمد أعمّ من الشّكر. وقال في الشّكر: هو الثّناء على المحسن بما أولاكه من المعروف، يقال: شكرته، وشكرت له. وباللّام أفصح.). [تفسير ابن كثير: 1 /127-133]


4: فائدة إدخال الألف واللام في (الحمدلله)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وسئل أبو العباس عن {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ما معناه؛ وقد يقال للرجل الحمد؟ فقال: «كل الحمد لله، وكل حمد ذكر للأدميين فهو جزء منه، أي كل ذلك لله»). [مجالس ثعلب: 86]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (فإن قال لنا قائلٌ: وما وجه إدخال الألف واللاّم في الحمد؟ وهلاّ قيل: حمدًا للّه ربّ العالمين.
قيل: إنّ لدخول الألف واللاّم في الحمد معنًى لا يؤدّيه قول القائل حمدًا لله، بإسقاط الألف واللاّم؛ وذلك أنّ دخولهما في الحمد منبئٌّ عن أنّ معناه: جميع المحامد والشّكر الكامل للّه. ولو أسقطتا منه لما دلّ إلاّ على أن حمد قائل ذلك للّه، دون المحامد كلّها.).[جامع البيان: 1/ 135-147]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ): ( والألف واللام فيه لاستغراق الجنس من المحامد .). [المحرر الوجيز: 1 /71-74]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (والألف واللّام في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه للّه تعالى كما جاء في الحديث: «اللّهمّ لك الحمد كلّه، ولك الملك كلّه، وبيدك الخير كلّه، وإليك يرجع الأمر كلّه» الحديث.). [تفسير ابن كثير: 1 /127-133]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (-وأخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي عن جعفر بن محمد قال: فقد أبي بغلته فقال: «لئن ردها الله علي لأحمدنه بمحامد يرضاها» فما لبث أن أتى بها بسرجها ولجامها فركبها فلما استوى عليها رفع رأسه إلى السماء فقال:{الحمد لله}لم يزد عليها، فقيل له في ذلك، فقال: «وهل تركت شيئا أو أبقيت شيئا؟ جعلت الحمد كله لله عز وجل». ). [الدر المنثور: 1 /54-66]

5: معنى اسم الله تعالى:{الله}.
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :( وأمّا تأويل قول اللّه: اللّه، فإنّه على معنى ما روي لنا عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: «هو الّذي يألهه كلّ شيءٍ، ويعبده كلّ خلقٍ». وذلك أنّ أبا كريبٍ حدّثنا قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «اللّه ذو الألوهيّة والمعبوديّة على خلقه أجمعين». [جامع البيان: 1/ 111-134]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({اللّه} علمٌ على الرّبّ تبارك وتعالى، يقال: إنّه الاسم الأعظم؛ لأنّه يوصف بجميع الصّفات، كما قال تعالى: {هو اللّه الّذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشّهادة هو الرّحمن الرّحيم * هو اللّه الّذي لا إله إلا هو الملك القدّوس السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر سبحان اللّه عمّا يشركون * هو اللّه الخالق البارئ المصوّر له الأسماء الحسنى يسبّح له ما في السّماوات والأرض وهو العزيز الحكيم}[الحشر: 22 -24]، فأجرى الأسماء الباقية كلها صفات له، ...
وهو اسمٌ لم يسمّ به غيره تبارك وتعالى.). [تفسير ابن كثير: 1/ 116-127]

6: معنى قوله تعالى: {رب}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :(وأمّا تأويل قوله {ربّ}، فإنّ الرّبّ في كلام العرب منصرّفٌ على معانٍ: فالسّيّد المطاع فيهم يدعى ربًّا، ومن ذلك قول لبيد بن ربيعة:
وأهلكن يومًا ربّ كندة وابنه.......وربّ معدٍّ بين خبتٍ وعرعر
يعني بربّ كندة: سيّد كندة. ومنه قول نابغة بني ذبيان:
تخبّ إلى النّعمان حتّى تناله.......فدًى لك من ربٍّ طريفي وتالدي
والرّجل المصلح للشّيء يدعى ربًّا. ومنه قول الفرزدق بن غالبٍ:
كانوا كسالئةٍ حمقاء إذ حقنت.......سلاءها في أديمٍ غير مربوب
يعني بذلك: في أديمٍ غير مصلحٍ. ومن ذلك قيل: إنّ فلانًا يربّ صنيعته عند فلانٍ، إذا كان يحاول إصلاحها وإدامتها. ومن ذلك قول علقمة بن عبدة:
فكنت امرأً أفضت إليك ربابتي.......وقبلك ربّتني فضعت ربوب
يعني بقوله: (أفضت إليك) أي: وصلت إليك ربابتي، فصرت أنت الّذي تربّ أمري فتصلحه لمّا خرجت من ربابة غيرك من الملوك الّذين كانوا قبلك عليّ، فضيّعوا أمري وتركوا تفقّده. وهم الرّبوب واحدهم ربٌّ؛ والمالك للشّيء يدعى ربّه.
وقد يتصرّف أيضًا معنى الرّبّ في وجوه غير ذلك، غير أنّها تعود إلى بعض هذه الوجوه الثّلاثة.
فربّنا جلّ ثناؤه السّيّد الّذي لا شبه له، ولا مثل في مثل سؤدّده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الّذي له الخلق والأمر.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله جلّ ثناؤه {ربّ العالمين} جاءت الرّواية عن ابن عبّاسٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال جبريل لمحمّدٍ: يا محمّد، قل{الحمد للّه ربّ العالمين}» قال ابن عبّاسٍ: «يقول: قل: الحمد للّه الّذي له الخلق كلّه، السّموات كلّهنّ ومن فيهنّ، والأرضون كلّهنّ ومن فيهنّ وما بينهنّ، ممّا يعلم وممّا لا يعلم. يقول: اعلم يا محمّد أنّ ربّك هذا لا يشبهه شيءٌ». [جامع البيان: 1/ 135-147]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {رب العالمين}، قال أهل اللغة: الرب: المالك، وأنشدوا:
وهو الرب والشهيد على يو.......م الحيارين والبلاء بلاء
[معاني القرآن: 1/ 57-62]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :(والرب في اللغة: المعبود، والسيد المالك، والقائم بالأمور المصلح لما يفسد منها، والملك، - تأتي اللفظة لهذه المعاني-.
... وهذه الاستعمالات قد تتداخل، فالرب على الإطلاق الذي هو رب الأرباب على كل جهة هو الله تعالى.). [المحرر الوجيز: 1 /71-74]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): ({ربّ العالمين} والرّبّ هو: المالك المتصرّف، ويطلق في اللّغة على السّيّد، وعلى المتصرّف للإصلاح، وكلّ ذلك صحيحٌ في حقّ اللّه تعالى.). [تفسير ابن كثير: 1 /127-133]

7: معنى قوله تعالى: {العالمين}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ربّ العالمين}: أي: المخلوقين، قال لبيد بن ربيعة:
ما إن رأيت ولا سمعـ....... ـت بمثلهم في العالمينا
وواحدهم عالم، وقال العجّاج:
فخندفٌ هامة هذا العالم

). [مجاز القرآن: 1/ 22]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({العالمين}: الخلق، واحدهم عالم). [غرائب القرآن وتفسيره: 61]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( و(العالمون): أصناف الخلق الرّوحانيّين، وهم الإنس والجن والملائكة، كلّ صنف منهم عالم). [تفسير غريب القرآن: 38]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :( والعالمون جمع عالمٍ، والعالم جمعٌ لا واحد له من لفظه، كالأنام والرّهط والجيش ونحو ذلك من الأسماء الّتي هي موضوعاتٌ على جماعٍ لا واحد له من لفظه.
والعالم اسمٌ لأصناف الأمم، وكلّ صنفٍ منها عالمٌ، وأهل كلّ قرنٍ من كلّ صنفٍ منها عالم ذلك القرن وذلك الزّمان، فالإنس عالمٌ وكلّ أهل زمانٍ منهم عالم ذلك الزّمان. والجنّ عالمٌ، وكذلك سائر أجناس الخلق، كلّ جنسٍ منها عالم زمانه. ولذلك جمع فقيل: عالمون، وواحده جمعٌ لكون عالم كلّ زمانٍ من ذلك عالم ذلك الزّمان. ومن ذلك قول العجّاج:
فخندفٌ هامة هذا العالم
فجعلهم عالم زمانه.
وهذا القول الّذي قلناه قول ابن عبّاسٍ وسعيد بن جبيرٍ، وهو معنى قول عامّة المفسّرين.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{الحمد للّه ربّ العالمين}الحمد للّه الّذي له الخلق كلّه، السّموات والأرضون ومن فيهنّ وما بينهنّ، ممّا يعلم ومثل لا يعلم».
- وحدّثني محمّد بن سنانٍ القزّاز، قال حدّثنا أبو عاصمٍ، عن شبيبٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{ربّ العالمين}: الجنّ والإنس».
- وحدّثني عليّ بن الحسن، قال: حدّثنا مسلم بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا محمد بن مصعبٌ، عن قيس بن الرّبيع، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه جلّ وعزّ: {ربّ العالمين} قال: «ربّ الجنّ والإنس».
- وحدّثنا أحمد بن إسحاق بن عيسى الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا قيسٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {ربّ العالمين} قال: «الجنّ والإنس».
- وحدّثني أحمد بن عبد الرّحيم البرقيّ، قال: حدّثني ابن أبي مريم، عن ابن لهيعة، عن عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {ربّ العالمين} قال: «ابن آدم، والجنّ والإنس كلّ أمّةٍ منهم عالمٌ على حدته».
- وحدّثني محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهدٍ: {الحمد للّه ربّ العالمين} قال: «الإنس والجنّ».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ: بمثله.
- وحدّثنا بشر بن معاذٍ العقديّ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة: {ربّ العالمين} قال: «كلّ صنفٍ: عالمٌ».
- وحدّثني أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن أبي جعفرٍ، عن ربيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، في قوله: {ربّ العالمين} قال: «الإنس عالمٌ، والجنّ عالمٌ، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالمٍ، أو أربعة عشر ألف عالمٍ -وهو يشكّ- من الملائكة على الأرض، وللأرض أربع زوايا، في كلّ زاويةٍ ثلاثة آلاف عالمٍ وخمسمائة عالمٍ، خلقهم لعبادته» .
- حدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {ربّ العالمين} قال: «الجنّ والإنس»).[جامع البيان: 1/ 135-147]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {العالمين}: معناه كل ما خلق اللّه، كما قال: {وهو ربّ كل شيء}، وهو جمع عالم، تقول: هؤلاء عالمون، ورأيت عالمين، ولا واحد لعالم من لفظه لأن عالماً جمع لأشياء مختلفة، وأن جعل " عالم "، لواحد منها صار جمعاً لأشياء متفقة.). [معاني القرآن: 1 /45-46]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الوجه الأول:
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلا -يعني- أبا كريب- ثنا عثمان ابن سعيدٍ -يعني الزّيّات- ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: «ثمّ قال جبريل عليه السّلام: قال: {الحمد للّه ربّ العالمين}، قال: يا محمّد، له الخلق كلّه، السّماوات كلّهنّ ومن فيهنّ، والأرضون كلّهنّ ومن فيهنّ، وما بينهنّ ممّا يعلم وممّا لا يعلم».
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية: ربّ العالمين. قال: «الإنس عالمٌ، والجنّ عالمٌ، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالمٍ، أو أربعة عشر ألف عالمٍ، من الملائكة على الأرض. والأرض أربع زوايا، ففي كلّ زاويةٍ ثلاثة آلاف عالمٍ، وخمسمائة عالمٍ خلقهم لعبادته».
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا الوليد بن مسلمٍ، ثنا الفرات بن الوليد، عن معتب بن سميٍّ، عن تبيعٍ، في قوله: {ربّ العالمين}، قال: «العالمين ألف أمّةٍ، فستّمائةٍ في البحر، وأربعمائةٍ في البرّ».
- حدّثنا عليّ بن حربٍ الموصليّ، ثنا زيد بن الحباب عن حسين بن واقدٍ عن مطرٍ الورّاق، عن قتادة في قول اللّه: {ربّ العالمين} قال: «ما وصف من خلقه».
الوجه الثّالث:
أن العالمين: الجنّ والإنس. فقط.
- حدّثنا، أبي، ثنا أبو غسّان مالك بن إسماعيل، ثنا قيسٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ربّ العالمين} قال: «الجنّ والإنس» -وروي عن عليّ بن أبي طالبٍ بإسنادٍ لا يعتمد عليه مثله- وروي عن مجاهدٍ مثله). [تفسير القرآن العظيم: 1 /26-28]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وروى عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {رب العالمين} قال: «الجن والإنس» .
وروى الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: الجن عالم، والإنسان عالم، وسوى ذلك للأرض أربع زوايا، في كل زاوية ألف وخمس مائة عالم، خلقهم الله لعبادته .
وقال أبو عبيدة : {رب العالمين}أي: المخلوقين.
وأنشد العجاج:
فخندف هامة هذا العالم
والقول الأول: أجل هذه الأقوال، وأعرفها في اللغة؛ لأن هذا الجمع إنما هو جمع ما يعقل خاصة، و(عالم) مشتق من العلامة .
وقال الخليل: العلم والعلامة والمعلم: ما دل على شيء، فالعالم دال على أن له خالقاً مدبراً). [معاني القرآن: 1/ 57-62]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْعَالَمِينَ}: الخلق). [العمدة في غريب القرآن: 67]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والعالمين: جمع عالم، وهو كل موجود سوى الله تعالى، يقال لجملته عالم، ولأجزائه من الإنس والجن وغير ذلك عالم، وبحسب ذلك يجمع على العالمين، ومن حيث عالم الزمان متبدل في زمان آخر حسن جمعها، ولفظة العالم جمع لا واحد له من لفظه وهو مأخوذ من العلم والعلامة لأنه يدل على موجده، كذا قال الزجاج). [المحرر الوجيز: 1 /71-74]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (والعالمين: جمع عالمٍ، [وهو كلّ موجودٍ سوى اللّه عزّ وجلّ]، والعالم جمعٌ لا واحد له من لفظه، والعوالم أصناف المخلوقات [في السّماوات والأرض] في البرّ والبحر، وكلّ قرنٍ منها وجيلٍ يسمّى عالمًا أيضًا.
قال بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضحاك، عن ابن عبّاسٍ: {الحمد للّه ربّ العالمين} الحمد للّه الّذي له الخلق كلّه، السّماوات والأرضون، ومن فيهنّ وما بينهنّ، ممّا نعلم، وما لا نعلم.
وفي رواية سعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «ربّ الجنّ والإنس». وكذلك قال سعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٌ وابن جريجٍ، وروي عن عليٍّ [نحوه]. وقال ابن أبي حاتمٍ: بإسنادٍ لا يعتمد عليه.
واستدلّ القرطبيّ لهذا القول بقوله: {ليكون للعالمين نذيرًا} [الفرقان: 1] وهم الجنّ والإنس. وقال الفرّاء وأبو عبيدة: العالم عبارةٌ عمّا يعقل وهم الإنس والجنّ والملائكة والشّياطين ولا يقال للبهائم: عالمٌ، وعن زيد بن أسلم وأبي عمرو بن العلاء كلّ ما له روحٌ يرتزق. وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة مروان بن محمّد بن مروان بن الحكم -وهو آخر خلفاء بني أميّة ويعرف بالجعد ويلقّب بالحمار- أنّه قال: خلق اللّه سبعة عشر ألف عالمٍ أهل السّماوات وأهل الأرض عالمٌ واحدٌ وسائر ذلك لا يعلمه إلّا اللّه، عزّ وجلّ.
وقال قتادة: ربّ العالمين، كلّ صنفٍ عالمٌ. وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله تعالى {ربّ العالمين} قال: «الإنس عالمٌ، والجنّ عالمٌ، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالمٍ، أو أربعة عشر ألف عالمٍ، هو يشكّ، من الملائكة على الأرض، وللأرض أربع زوايا، في كلّ زاويةٍ ثلاثة آلاف عالمٍ، وخمسمائة عالمٍ، خلقهم [اللّه] لعبادته». رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ.
[وهذا كلامٌ غريبٌ يحتاج مثله إلى دليلٍ صحيحٍ].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا هشام بن خالدٍ، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا الفرات، يعني ابن الوليد، عن معتّب بن سميٍّ، عن تبيع، يعني الحميريّ، في قوله: {ربّ العالمين} قال: «العالمين ألف أمّةٍ فستّمائةٍ في البحر، وأربعمائةٍ في البرّ».
[وحكي مثله عن سعيد بن المسيّب].
وقد روي نحو هذا مرفوعًا كما قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن عليّ بن المثنّى في مسنده: حدّثنا محمّد بن المثنّى، حدّثنا عبيد بن واقدٍ القيسيّ، أبو عبّادٍ، حدّثني محمّد بن عيسى بن كيسان، حدّثنا محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللّه، قال: قلّ الجراد في سنةٍ من سني عمر الّتي ولي فيها فسأل عنه، فلم يخبر بشيءٍ، فاغتمّ لذلك، فأرسل راكبًا يضرب إلى اليمن، وآخر إلى الشّام، وآخر إلى العراق، يسأل: هل رئي من الجراد شيءٌ أم لا؟ قال: فأتاه الرّاكب الّذي من قبل اليمن بقبضةٍ من جرادٍ، فألقاها بين يديه، فلمّا رآها كبّر، ثمّ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «خلق اللّه ألف أمّةٍ، ستّمائةٍ في البحر وأربعمائةٍ في البرّ، فأوّل شيءٍ يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلك تتابعت مثل النّظام إذا قطع سلكه». محمّد بن عيسى هذا -وهو الهلاليّ-ضعيفٌ.
وحكى البغويّ عن سعيد بن المسيّب أنّه قال: «للّه ألف عالم؛ ستّمائةٍ في البحر وأربعمائةٍ في البرّ»،

وقال وهب بن منبّهٍ: «للّه ثمانية عشر ألف عالم؛ الدّنيا عالمٌ منها».
وقال مقاتلٌ: «العوالم ثمانون ألفًا».
وقال كعب الأحبار: «لا يعلم عدد العوالم إلّا اللّه عزّ وجلّ». نقله كلّه البغويّ،
وحكى القرطبيّ عن أبي سعيدٍ الخدريّ أنّه قال: «إنّ للّه أربعين ألف عالمٍ؛ الدّنيا من شرقها إلى مغربها عالمٌ واحدٌ منها»، وقال الزّجّاج: العالم كلّ ما خلق اللّه في الدّنيا والآخرة. قال القرطبيّ: وهذا هو الصّحيح أنّه شاملٌ لكلّ العالمين؛ كقوله: {قال فرعون وما ربّ العالمين * قال ربّ السّماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين} والعالم مشتقٌّ من العلامة (قلت): لأنّه علمٌ دالٌّ على وجود خالقه وصانعه ووحدانيّته كما قال ابن المعتزّ:


فيا عجبًا كيف يعصى الإله ...... أم كيف يجحده الجاحد
وفي كلّ شيءٍ له آيةً ...... تدلّ على أنّه واحد
). [تفسير ابن كثير: 1 /127-133]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (
-أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله {رب العالمين} قال: «الجن والإنس».
-وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {رب العالمين} قال: «الجن والإنس».
-وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير مثله.
-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {رب العالمين} قال: «إله الخلق كله، السموات كلهن ومن فيهن والأرضون كلهن ومن فيهن ومن بينهن مما يعلم ومما لا يعلم».
-وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو يعلى في مسنده، وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب في التاريخ بسند ضعيف، عن جابر بن عبد الله قال: قل الجراد في سنة من سني عمر التي ولي فيها فسأل عنه فلم يخبر بشيء فاغتم لذلك فأرسل راكبا يضرب إلى كداء وآخر إلى الشام وآخر إلى العراق يسأل هل رؤي من الجراد شيء أو لا فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد فألقاها بين يديه، فلما رآها كبر ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «خلق الله ألف أمة ستمائة في البحر وأربعمائة في البر فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد فإذا أهلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه».
-وأخرج ابن جريج عن قتادة في قوله {رب العالمين} قال: «كل صنف عالم».
-وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن تتبع الجهري قال: «العالمون ألف أمة، فستمائة في البحر وأربعمائة في البر».
-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {رب العالمين} قال: «الإنس عالم والجن عالم وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالم من الملائكة وللأرض أربع زوايا في كل زاوية ثلاثة آلاف عالم وخمسمائة عالم خلقهم لعبادته».
-وأخرج الثعلبي من طريق شهر بن حوشب عن أبي كعب قال: «العالمون الملائكة وهم ثمانون ثمانية عشر ألف ملك منهم أربعمائة أو خمسمائة ملك بالمشرق ومثلها بالمغرب ومثلها بالكتف الثالث من الدنيا ومثلها بالكتف الرابع من الدنيا مع كل ملك من الأعوان ما لا يعلم عددهم إلا الله».
-وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية عن وهب قال: «إن لله عز وجل ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا منها عالم واحد»). [الدر المنثور: 1 /54-66]

8: معنى قوله تعالى: {الرحمن الرحيم}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({الرّحمن الرّحيم} [الفاتحة: 1] : اسمان من الرّحمة، الرّحيم والرّاحم بمعنًى واحدٍ، كالعليم والعالم). [صحيح البخاري: 6 /17]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الرّحمان الرّحيم اسمان من الرّحمة: الرّحيم والرّاحم بمعنى واحدٍ كالعليم والعالم.
قوله: (من الرّحمة) أي: مشتقان من الرّحمة، وهي في اللّغة: الحنو والعطف ...
وعن ابن عبّاس: «الرّحمن الرّحيم إسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر»، فالرحمن الرّقيق والرحيم العاطف على خلقه بالرزق،
وقيل: الرّحمن لجميع الخلق، والرحيم للمؤمنين،
وقيل: رحمن الدّنيا ورحيم الآخرة،
وعن ابن المبارك: «الرّحمن إذا سئل أعطى، والرحيم إذا لم يسأل يغضب»،
وعن المبرد: الرّحمن عبراني والرحيم عربيّ. قلت: في العبراني بالخاء المعجمة.
قوله: (الرّحيم والراحم بمعنى واحد) ، فيه نظر، لأن الرّحيم إن كان صيغة مبالغة فيزيد معناه على معنى الراحم، وإن كان صفة مشبهة فيدل على الثّبوت، بخلاف الراحم فإنّه يدل على الحدوث، وأجيب بأن ما قاله بالنّظر إلى أصل المعنى دون الزّيادة). [عمدة القاري: 18 /79]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( أمّا الرّحمن، فهو فعلان، من رحم، والرّحيم فعيلٌ منه.). جامع البيان: 1/ 111-134]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الرّحمن الرّحيم}
هذه الصفات للّه عزّ وجلّ، معناه فيما ذكر أبو عبيدة: ذو الرحمة، ولا يجوز أن يقال " الرحمن " إلّا للّه، وإنما كان ذلك لأن بناء (فعلان) من أبنية ما يبالغ في وصفه، ألا ترى أنك إذا قلت (غضبان)، فمعناه: الممتلئ غضباً، فـ"رحمن" الّذي وسعت رحمته كل شىء، فلا يجوز أن يقال لغير الله: "رحمن".). [معاني القرآن: 1/ 39-44]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (-حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء- يعني أبا كريبٍ- الهمدانيّ، ثنا عثمان بن سعيدٍ- يعني الزّيّات- الكوفيّ ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قال: «أوّل ما نزل جبريل على محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال له جبريل: قل يا محمّد: بسم اللّه. يقول: اقرأ بذكر ربّك وقم واقعد بذكره بسم اللّه الرّحمن»، قال: «يقول: الرّحمن: الفعلان من الرّحمة، وهو من كلام العرب».
...
- حدّثنا ابن طاهرٍ ثنا محمّد بن العلاء -يعني أبا كريبٍ الهمداني-، ثنا عثمان بن سعيدٍ -يعني الزّيّات-، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: «أوّل ما نزل جبريل على النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال له جبريل: قل: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، يقول: الرّحيم: الرّقيق الرّفيق لمن أحبّ أن يرحمه، البعيد الشّديد على من أحبّ أن يعنّف عليه العذاب».
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا زيد بن الحباب حدّثني، أبو الأشهب عن الحسن، قال:«الرّحمن اسمٌ لا يستطيع النّاس أن ينتحلوه، تسمّى به تبارك وتعالى»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 25-26]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا زيد بن الحباب، عن عنبسة قاضي الرّيّ، عن مطرّفٍ، عن سعد بن إسحاق، عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-: «يقول اللّه: [قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي، فإذا قال: {الحمد للّه ربّ العالمين}، قال: [مدحني عبدي]، وإذا قال: {الرّحمن الرّحيم} قال: [أثنى عليّ عبدي]».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الرّحمن العرزميّ، ثنا أبي، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: {الرّحمن الرّحيم} قال: «الرّحمن بجميع خلقه، والرّحيم بالمؤمنين خاصّةً».
الوجه الثّالث:
- حدّثت عن كثير بن شهابٍ، عن الحكم بن هشامٍ، حدّثني خالد بن صفوان التّميميّ في قوله: {الرّحمن الرّحيم} قال: «هما رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر».
الوجه الرّابع:
- أخبرنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا زيد بن الحباب، حدّثني أبو الأشهب، عن الحسن قال: «الرّحمن اسمٌ لا يستطيع النّاس أن ينتحلوه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 28]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والرحمن صفة مبالغة من الرحمة، ومعناها أنه انتهى إلى غاية الرحمة كما يدل على الانتهاء سكران وغضبان، وهي صفة تختص بالله ولا تطلق على البشر، وهي أبلغ من فعيل، وفعيل أبلغ من فاعل، لأن راحما يقال لمن رحم ولو مرة واحدة، ورحيما يقال لمن كثر منه ذلك، والرحمن النهاية في الرحمة.
وقال بعض الناس: «الرحمن الرحيم» بمعنى واحد، كالندمان والنديم، وزعم أنهما من فعل واحد، ولكن أحدهما أبلغ من الآخر.
وأما المفسرون فعبروا عن «الرحمن الرحيم» بعبارات، فمنها أن العرزمي قال: «معناه: الرحمن بجميع خلقه في الأمطار، ونعم الحواس، والنعم العامة، الرحيم بالمؤمنين في الهداية لهم، واللطف بهم».
ومنها أن أبا سعيد الخدري وابن مسعود رويا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة».
وقال أبو علي الفارسي: الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى، والرحيم إنما هو في جهة المؤمنين، كما قال تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيماً}[الأحزاب: 43] وهذه كلها أقوال تتعاضد.
وقال عطاء الخراساني: «كان الرحمن فلما اختزل وسمي به مسيلمة الكذاب قال الله -سبحانه- لنفسه: «الرحمن الرحيم» فهذا الاقتران بين الصفتين ليس لأحد إلا لله تعالى» وهذا قول ضعيف، لأن {بسم الله الرحمن الرحيم} كان قبل أن ينجم أمر مسيلمة. وأيضا فتسمي مسيلمة بهذا لم يكن مما تأصل وثبت.
وقال قوم: إن العرب كانت لا تعرف لفظة الرحمن، ولا كانت في لغتها، واستدلوا على ذلك بقول العرب: {وما الرحمن؟ أنسجد لما تأمرنا} وهذا القول ضعيف، وإنما وقفت العرب على تعيين الإله الذي أمروا بالسجود له، لا على نفس اللفظة.). [المحرر الوجيز: 1 /59-68]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الرّحمن الرّحيم} اسمان مشتقّان من الرّحمة على وجه المبالغة، ورحمن أشدّ مبالغةً من رحيمٍ، وفي كلام ابن جريرٍ ما يفهم حكاية الاتّفاق على هذا، وفي تفسير بعض السّلف ما يدلّ على ذلك، كما تقدّم في الأثر، عن عيسى عليه السّلام، أنّه قال: «والرّحمن رحمن الدّنيا والآخرة، والرّحيم رحيم الآخرة».
وقد زعم بعضهم أنّه غير مشتقٍّ إذ لو كان كذلك لاتّصل بذكر المرحوم وقد قال: {وكان بالمؤمنين رحيمًا}[الأحزاب: 43]
وحكى ابن الأنباريّ في الزّاهر عن المبرّد: أنّ الرّحمن اسمٌ عبرانيٌّ ليس بعربيٍّ، وقال أبو إسحاق الزّجّاج في معاني القرآن: وقال أحمد بن يحيى: الرّحيم عربيٌّ، والرّحمن عبرانيٌّ، فلهذا جمع بينهما. قال أبو إسحاق: وهذا القول مرغوبٌ عنه. وقال القرطبيّ: والدّليل على أنّه مشتقٌّ ما خرّجه التّرمذيّ وصحّحه عن عبد الرّحمن بن عوفٍ، أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «قال اللّه تعالى: [أنا الرّحمن خلقت الرّحم وشققت لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته]». قال: وهذا نصٌّ في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشّقاق.
قال: وإنكار العرب لاسم الرّحمن لجهلهم باللّه وبما وجب له، قال القرطبيّ: هما بمعنًى واحدٍ كندمان ونديمٍ قاله أبو عبيدٍ، وقيل: ليس بناء فعلان كفعيلٍ، فإنّ فعلان لا يقع إلّا على مبالغة الفعل نحو قولك: رجلٌ غضبان، وفعيلٌ قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول، قال أبو عليٍّ الفارسيّ: الرّحمن: اسمٌ عامٌّ في جميع أنواع الرّحمة يختصّ به اللّه تعالى، والرّحيم إنّما هو من جهة المؤمنين، قال اللّه تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيمًا}[الأحزاب: 43]، وقال ابن عبّاسٍ: «هما اسمان رقيقان، أحدهما أرقّ من الآخر»، أي أكثر رحمةً، ثمّ حكي عن الخطّابيّ وغيره: أنّهم استشكلوا هذه الصّفة، وقالوا: لعلّه أرفق كما جاء في الحديث: «إنّ اللّه رفيقٌ يحبّ الرّفق في الأمر كلّه وإنّه يعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف». وقال ابن المبارك: «الرّحمن إذا سئل أعطى، والرّحيم إذا لمّ يسأل يغضب»، وهذا كما جاء في الحديث الّذي رواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث أبي صالحٍ الفارسيّ الخوزيّ عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من لم يسأل اللّه يغضب عليه»، وقال بعض الشّعراء:
لا تطلبنّ بنيّ آدم حاجةً ....... وسل الّذي أبوابه لا تغلق
اللّه يغضب إن تركت سؤاله ....... وبنيّ آدم حين يسأل يغضب
قال ابن جريرٍ: حدّثنا السّريّ بن يحيى التّميميّ، حدّثنا عثمان بن زفر، سمعت العرزميّ يقول: الرّحمن الرّحيم، قال: «الرّحمن لجميع الخلق»، الرّحيم، قال: «بالمؤمنين».
قالوا: ولهذا قال: {ثمّ استوى على العرش الرّحمن}[الفرقان: 59] وقال: {الرّحمن على العرش استوى}[طه: 5] فذكر الاستواء باسمه الرّحمن ليعمّ جميع خلقه برحمته، وقال: {وكان بالمؤمنين رحيمًا}[الأحزاب: 43] فخصّهم باسمه الرّحيم، قالوا: فدلّ على أنّ الرّحمن أشدّ مبالغةً في الرّحمة لعمومها في الدّارين لجميع خلقه، والرّحيم خاصّةٌ بالمؤمنين، لكن جاء في الدّعاء المأثور: «رحمن الدّنيا والآخرة ورحيمهما».
واسمه تعالى الرّحمن خاصٌّ به لم يسم به غيره، كما قال تعالى: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}، وقال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرّحمن آلهةً يعبدون}.
ولمّا تجهرم مسيلمة الكذّاب وتسمّى برحمن اليمامة كساه اللّه جلباب الكذب وشهر به؛ فلا يقال إلّا مسيلمة الكذّاب، فصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر، وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب.
وقد زعم بعضهم أنّ الرّحيم أشدّ مبالغةً من الرّحمن؛ لأنّه أكّد به، والتّأكيد لا يكون إلّا أقوى من المؤكّد، والجواب أنّ هذا ليس من باب التّوكيد، وإنّما هو من باب النّعت [بعد النّعت] ولا يلزم فيه ما ذكروه، ...
وأمّا الرّحيم فإنّه تعالى وصف به غيره حيث قال: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ}[التّوبة: 128]، كما وصف غيره بذلك من أسمائه في قوله: {إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا}[الإنسان: 2].
والحاصل: أنّ من أسمائه تعالى ما يسمّى به غيره، ومنها ما لا يسمّى به غيره، كاسم اللّه والرّحمن والخالق والرّزّاق ونحو ذلك؛ فلهذا بدأ باسم اللّه، ووصفه بالرّحمن؛ لأنّه أخصّ وأعرف من الرّحيم؛ لأنّ التّسمية أوّلًا إنّما تكون بأشرف الأسماء، فلهذا ابتدأ بالأخصّ فالأخصّ.
...
وقد زعم بعضهم أنّ العرب لا تعرف الرّحمن، حتّى ردّ اللّه عليهم ذلك بقوله: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}
...
والظّاهر أنّ إنكارهم هذا إنّما هو جحود وعنادٌ وتعنّتٌ في كفرهم؛ فإنّه قد وجد في أشعارهم في الجاهليّة تسمية اللّه تعالى بالرّحمن، قال ابن جريرٍ -وقد أنشد لبعض الجاهليّة الجهّال-:
ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ...... ألا قضب الرحمن ربى يمينها
وقال سلامة بن جندب الطّهويّ:
عجلتم علينا عجلتينا عليكم ...... وما يشأ الرّحمن يعقد ويطلق
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، حدّثنا بشر بن عمارة، حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «الرّحمن: الفعلان من الرّحمة، وهو من كلام العرب»، وقال: «{الرّحمن الرّحيم}[الفاتحة: 3]الرّقيق الرّفيق بمن أحبّ أن يرحمه، والبعيد الشّديد على من أحبّ أن يعنّف عليه، وكذلك أسماؤه كلّها».
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا حمّاد بن مسعدة، عن عوفٍ، عن الحسن، قال: «الرّحمن اسمٌ ممنوعٌ».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ [بن] يحيى بن سعيدٍ القطّان، حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثني أبو الأشهب، عن الحسن، قال: «الرّحمن: اسمٌ لا يستطيع النّاس أن ينتحلوه، تسمّى به تبارك وتعالى».).[تفسير ابن كثير: 1/ 116-127]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (
- وأخرج ابن جرير، وابن عدي في الكامل، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق والثعلبي بسند ضعيف جدا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن عيسى بن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه فقال له المعلم: اكتب {بسم الله الرحمن الرحيم} قال له عيسى: وما باسم الله؟ قال المعلم: لا أدري، فقال له عيسى: الباء بهاء الله والسين سناؤه والميم مملكته والله إله الآلهة والرحمن رحمان الدنيا والآخرة والرحيم رحيم الآخرة».
- وأخرج ابن أبي حاتم من طريق جويبر عن الضحاك، مثل قوله.
- وأخرج ابن جريج، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «أول ما نزل جبريل على محمد قال له جبريل: {بسم الله} يا محمد، يقول: اقرأ بذكر الله، والله ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين، والرحمن الفعلان من الرحمة، والرحيم الرفيق الرقيق بمن أحب أن يرحمه والبعيد الشديد على من أحب أن يضعف عليه العذاب».
.....
- وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: «{الرحمن} اسم ممنوع».
- وأخرج ابن أبي حاتم قال: «{الرحيم}اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: «{الرحمن}لجميع الخلق و{الرحيم}بالمؤمنين خاصة».
- وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: «{الرحمن} وهو الرفيق {الرحيم} وهو العاطف على خلقه بالرزق وهما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر».
- وأخرج ابن جرير عن عطاء الخراساني قال: «كان الرحمن فلما اختزل الرحمن من اسمه كان{الرحمن الرحيم}».
- وأخرج البزار والحاكم والبيهقي في الدلائل بسند ضعيف عن عائشة قالت: «قال لي أبي: ألا أعلمك دعاء علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، قال: وكان عيسى يعلمه للحواريين، لو كان عليك مثل أحد ذهبا لقضاه الله عنك، قلت: بلى، قال: قولي:«اللهم فارج الهم كاشف الغم -ولفظ البزار:وكاشف الكرب- مجيب دعوة المضطرين رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها أنت ترحمني رحمة تغنني بها عمن سواك».
- وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الكلمات ويعلمهن:«اللهم فارج الهم وكاشف الكرب ومجيب المضطرين ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمها أنت ترحمني فارحمني رحمة تغنني بها عمن سواك».
- وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الكلمات ويعلمهن:«اللهم فارج الهم وكاشف الكرب ومجيب المضطرين ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمها ارحمني اليوم رحمة تغنني بها عن رحمة من سواك».[الدر المنثور: 1/ 28-54]

9: وجه التكرير في قوله:{الرحمن الرحيم} وهما اسمان مشتقان من الرحمة
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (فإن قال قائلٌ: فإذا كان الرّحمن والرّحيم اسمين مشتقّين من الرّحمة، فما وجه تكرير ذلك وأحدهما مؤدٍّ عن معنى الآخر؟
قيل له: ليس الأمر في ذلك كما ظننت، بل لكلّ كلمةٍ منهما معنًى لا تؤدّي الأخرى منهما عنها.
فإن قال: وما المعنى الّذي انفردت به كلّ واحدةٍ منهما، فصارت إحداهما غير مؤدّيةٍ المعنى عن الأخرى؟
قيل: أمّا من جهة العربيّة، فلا تمانع بين أهل المعرفة بلغات العرب أنّ قول القائل الرّحمن عن أبنية الأسماء من فعل يفعل أشدّ عدولاً من قوله الرّحيم. ولا خلاف مع ذلك بينهم أنّ كلّ اسمٍ كان له أصلٌ في فعل ويفعل، ثمّ كان عن أصله من فعل يفعل أشدّ عدولاً، أنّ الموصوف به مفضّلٌ على الموصوف بالاسم المبنيّ على أصله من فعل يفعل إذا كانت التّسمية به مدحًا أو ذمًّا. فهذا ما في قول القائل: (الرّحمن) من زيادة المعنى على قوله: (الرّحيم) في اللّغة.
وأمّا من جهة الأثر والخبر، ففيه بين أهل التّأويل اختلافٌ؛
- فحدّثني السّريّ بن يحيى التّميميّ، قال: حدّثنا عثمان بن زفرٍ، قال: سمعت العرزميّ، يقول: «{الرّحمن الرّحيم}»، قال: «الرّحمن بجميع الخلق». {الرّحيم} قال: «بالمؤمنين».
- وحدّثنا إسماعيل بن الفضل، قال: حدّثنا إبراهيم بن العلاء، قال: حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي مليكة، عمّن حدّثه عن ابن مسعودٍ، ومسعر بن كدامٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ -يعني الخدريّ- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ عيسى ابن مريم قال: الرّحمن: رحمن الآخرة والدّنيا، والرّحيم: رحيم الآخرة».
فهذان الخبران قد أنبآ عن فرق ما بين تسمية اللّه جلّ ثناؤه باسمه الّذي هو رحمنٌ، وتسميته باسمه الّذي هو رحيمٌ. واختلاف معنيى الكلمتين، وإن اختلفا في معنى ذلك الفرق، فدلّ أحدهما على أنّ ذلك في الدّنيا، ودلّ الآخر على أنّه في الآخرة.
فإن قال: فأيّ هذين التّأويلين أولى عندك بالصّحّة؟
قيل: لجميعهما عندنا في الصّحّة مخرجٌ، فلا وجه لقول قائلٍ: أيّهما أولى بالصّحّة.
وذلك أنّ المعنى الّذي في تسمية اللّه بالرّحمن، دون الّذي في تسميته بالرّحيم؛ هو أنّه بالتّسمية بالرّحمن موصوفٌ بعموم الرّحمة جميع خلقه، وأنّه بالتّسمية بالرّحيم موصوفٌ بخصوص الرّحمة بعض خلقه، إمّا في كلّ الأحوال، وإمّا في بعض الأحوال. فلا شكّ إذا كان ذلك كذلك، أنّ ذلك الخصوص الّذي في وصفه بالرّحيم لا يستحيل عن معناه في الدّنيا كان ذلك أو في الآخرة، أو فيهما جميعًا.
....
- وأمّا القول الآخر في تأويله، فهو ما حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «الرّحمن الفعلان من الرّحمة»، وهو من كلام العرب قال: «{الرّحمن الرّحيم}: الرّقيق الرّفيق بمن أحبّ أن يرحمه، والبعيد الشّديد على من أحبّ أن يعنّف عليه». وكذلك أسماؤه كلّها.
وهذا التّأويل من ابن عبّاسٍ، يدلّ على أنّ الّذي به ربّنا رحمن هو الّذي به رحيمٌ، وإن كان لقوله: الرّحمن من المعنى ما ليس لقوله: الرّحيم؛ لأنّه جعل معنى الرّحمن بمعنى الرّقيق على من رقّ عليه، ومعنى الرّحيم بمعنى الرّقيق بمن رفق به.
والقول الّذي روّيناه في تأويل ذلك عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وذكرناه عن العرزميّ، أشبه بتأويله من هذا القول الّذي روينا عن ابن عبّاس؛ وإن كان هذا القول موافقًا معناه معنى ذلك، في أنّ للرّحمن من المعنى ما ليس للرّحيم، وأنّ للرّحيم تأويلاً غير تأويل الرّحمن.
- والقول الثّالث في تأويل ذلك، ما حدّثني به، عمران بن بكّارٍ الكلاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن صالحٍ، قال: حدّثنا أبو الأزهر نصر بن عمرٍو اللّخميّ من أهل فلسطين، قال: سمعت عطاءً الخراسانيّ، يقول: «كان الرّحمن، فلمّا اختزل الرّحمن من اسمه كان الرّحمن الرّحيم».
والّذي أراد إن شاء اللّه عطاءٌ بقوله هذا: أنّ الرّحمن كان من أسماء اللّه الّتي لا يتسمّى بها أحدٌ من خلقه، فلمّا تسمّى به الكذّاب مسيلمة وهو اختزاله إيّاه، يعني اقتطاعه من أسمائه لنفسه أخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّ اسمه الرّحيم الرّحيم، ليفصل بذلك لعباده اسمه من اسم من قد تسمّى بأسمائه، إذ كان لا يسمّى أحدٌ الرّحمن الرّحيم فيجمع له هذان الاسمان غيره جلّ ذكره؛ وإنّما يتسمّى بعض خلقه إمّا رحيمًا، أو يتسمّى رحمنٌ، فأمّا رحمنٌ رحيمٌ، فلم يجتمعا قطّ لأحدٍ سواه، ولا يجمعان لأحدٍ غيره. فكأنّ معنى قول عطاءٍ هذا: أنّ اللّه جلّ ثناؤه إنّما فصل بتكرير الرّحيم على الرّحمن بين اسمه واسم غيره من خلقه، اختلف معناهما أو اتّفقا.
والّذي قال عطاءٌ من ذلك غير فاسد المعنى، بل جائزٌ أن يكون جلّ ثناؤه خصّ نفسه بالتّسمية بهما معًا مجتمعين إبانةً لها من خلقه، ليعرف عباده بذكرهما مجموعين أنّه المقصود بذكرهما دون من سواه من خلقه، مع ما في تأويل كلّ واحدٍ منهما من المعنى الّذي ليس في الآخر منهما.
....
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن مسعدة، عن عوفٍ، عن الحسن، قال: «الرّحمن اسمٌ ممنوعٌ».). [جامع البيان: 1/ 111-134]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ويسأل عن التكرير في قوله عز وجل: {الرحمن الرحيم}
فروي عن ابن عباس أنه قال:«{الرحمن الرحيم} اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، فالرحمن: الرقيق، والرحيم: العاطف على خلقه بالرزق».
قال محمد بن كعب القرظي: «الرحمن بخلقه، الرحيم بعباده فيما ابتدأهم به من كرامته وحجته».
وقال عطاء الخراساني: «كان الرحمن، فلما اختزل الرحمن من أسمائه صار: الرحمن الرحيم».
وقال العرزمي: «الرحمن بجميع الخلق، الرحيم بالمؤمنين».
وقال أبو عبيدة: «هما من الرحمة، كقولهم: ندمان ونديم».
وقال قطرب: «يجوز أن يكون جمع بينهما للتوكيد».
وهذا قول حسن، وفي التوكيد أعظم الفائدة، وهو كثير في كلام العرب يستغني عن الاستشهاد والفائدة، في ذلك ما قاله محمد بن يزيد: «أنه تفضل بعد تفضل، وإنعام بعد إنعام، وتقوية لمطامع الداعين، ووعد لا يخيب آمله».
وقول العرزمي أيضا حسن؛ لأن (فعلان) فيه معنى المبالغة، فكأنه -والله أعلم- الرحمن بجميع خلقه، ولهذا لم يقع إلا لله تعالى؛ لأن معناه: الذي وسعت رحمته كل شيء، ولهذا قدم قبل الرحيم .
وصار الرحيم أولى من الراحم؛ لأن الرحيم إلزام في المدح؛ لأنه يدل على أن الرحمة لازمة له غير مفارقة، والراحم يقع لمن رحم مرة واحدة.
وقال أحمد بن يحيى: «الرحيم عربي، والرحمن عبراني، فلهذا جمع بينهما». وهذا القول مرغوب عنه.). [معاني القرآن: 1/ 50-56]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): ({فإن قيل: فإذا كان الرّحمن أشدّ مبالغةً؛ فهلّا اكتفي به عن الرّحيم؟
فقد روي عن عطاءٍ الخراسانيّ ما معناه: أنّه لمّا تسمّى غيره تعالى بالرّحمن، جيء بلفظ الرّحيم ليقطع التّوهّم بذلك، فإنّه لا يوصف بالرّحمن الرّحيم إلّا اللّه تعالى. كذا رواه ابن جريرٍ عن عطاءٍ. ووجّهه بذلك، واللّه أعلم.). [تفسير ابن كثير: 1/ 116-127]

10: تكرر {الرحمن الرحيم} في الفاتحة حجة لمن ذهب إلى أن البسملة ليست بآية منها
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ذلك لنا حجّةٌ على خطأ دعوى من ادّعى أنّ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من فاتحة الكتاب آيةٌ، إذ لو كان ذلك كذلك لكان ذلك إعادة آيةٍ بمعنًى واحدٍ ولفظٍ واحدٍ مرّتين من غير فصلٍ يفصل بينهما. ...
فإن قال: فإنّ {الحمد للّه ربّ العالمين} فاصلٌ بين ذلك.
قيل: قد أنكر ذلك جماعةٌ من أهل التّأويل، وقالوا: إنّ ذلك من المؤخّر الّذي معناه التّقديم، وإنّما هو: الحمد للّه الرّحمن الرّحيم ربّ العالمين ملك يوم الدّين.). [جامع البيان: 1 /147-149]


11: معنى قوله تعالى: {مالك يوم الدين}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: {مالك يوم الدين} قال: «يوم يدين الله العباد بأعمالهم»). [تفسير عبد الرزاق: 1 /37]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {مالك يوم الدّين}
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري، ثنا سفيان عن العلاء، عن أبيه أو غيره، عن أبي هريرة، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «قال اللّه تعالى: [كتبت الصّلاة بيني وبين عبدي]، فإذا قال العبد: {مالك يوم الدّين} قال: [فوّض عبدي وأثنى عليّ]».
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء -يعني أبا كريبٍ-، ثنا عثمان بن سعيدٍ الزّيّات، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{مالك يوم الدّين} يقول: لا يملك أحدٌ في ذلك اليوم معه حكمًا كملكهم في الدّنيا».). [تفسير القرآن العظيم: 1 /29]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (وقال الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: «{مالك يوم الدّين} يقول: لا يملك أحدٌ في ذلك اليوم معه حكمًا، كملكهم في الدّنيا». قال: «ويوم الدّين يوم الحساب للخلائق، وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيرًا فخيرٌ وإنّ شرًّا فشرٌّ، إلّا من عفا عنه». وكذلك قال غيره من الصّحابة والتّابعين والسّلف، وهو ظاهرٌ.
وحكى ابن جريرٍ عن بعضهم أنّه ذهب إلى تفسير {مالك يوم الدّين} أنّه القادر على إقامته، ثمّ شرع يضعفه.
والظّاهر أنّه لا منافاة بين هذا القول وما تقدّم، وأنّ كلًّا من القائلين بهذا وبما قبله يعترف بصحّة القول الآخر، ولا ينكره، ولكنّ السّياق أدلّ على المعنى الأوّل من هذا، كما قال: {الملك يومئذٍ الحقّ للرّحمن} [الفرقان: 26] والقول الثّاني يشبه قوله: {ويوم يقول كن فيكون}، [الأنعام: 73] واللّه أعلم.). [تفسير ابن كثير: 1/ 133-134]


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {مالك يوم الدين}: «يقول: لا يملك أحد معه في ذلك اليوم حكما كملكهم في الدنيا»، وفي قوله {يوم الدين} قال: «يوم حساب الخلائق وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم، إن خيرا فخير وإن شرا فشر إلا من عفا عنه».
-وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة في قوله {مالك يوم الدين} قال: «يوم يدين الله العباد بأعمالهم».). [الدر المنثور: 1 /67-73]

12: سبب تخصيص الملك بيوم الدين
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وإنما خصّ يوم الدّين، واللّه عزّ وجلّ يملك كل شيء؛ لأنه اليوم الذي يضطر فيه المخلوقون إلى أن يعرفوا أن الأمر كلّه للّه، ألا تراه يقول: {لمن الملك اليوم} وقوله: {يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً}، فهو اليوم الذي لا يملك فيه أحد لنفسه لا لغيره نفعاً ولا ضراً.). [معاني القرآن: 1/ 46-48]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء -يعني أبا كريبٍ-، ثنا عثمان بن سعيدٍ الزّيّات، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{مالك يوم الدّين} يقول: لا يملك أحدٌ في ذلك اليوم معه حكمًا كملكهم في الدّنيا».). [تفسير القرآن العظيم: 1 /29]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (فإن قيل: لم خصت القيامة بهذا؟ فالجواب: أن يوم القيامة: يوم يضطر فيه الخلائق إلى أن يعرفوا أن الأمر كله لله تعالى،
قيل: خصه؛ لأن في الدنيا ملوكاً وجبارين، ويوم القيامة يرجع الأمر كله إلى الله تعالى). [معاني القرآن: 1/ 61-63]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قال أبو بكر: والوجه لمن قرأ «مالك» أن يقول: إن المعنى أن الله تعالى يملك ذلك اليوم أن يأتي به كما يملك سائر الأيام لكن خصّصه بالذكر لعظمه في جمعه وحوادثه. ). [المحرر الوجيز: 1/ 74-82]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (وتخصيص الملك بيوم الدّين لا ينفيه عمّا عداه، لأنّه قد تقدّم الإخبار بأنّه ربّ العالمين، وذلك عامٌّ في الدّنيا والآخرة، وإنّما أضيف إلى يوم الدّين لأنّه لا يدّعي أحدٌ هنالك شيئًا، ولا يتكلّم أحدٌ إلّا بإذنه، كما قال: {يوم يقوم الرّوح والملائكة صفًّا لا يتكلّمون إلا من أذن له الرّحمن وقال صوابًا} [النّبأ: 38] وقال تعالى: {وخشعت الأصوات للرّحمن فلا تسمع إلا همسًا} [طه: 108]، وقال: {يوم يأت لا تكلّم نفسٌ إلا بإذنه فمنهم شقيٌّ وسعيدٌ} [هودٍ: 105].
وقال الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: «{مالك يوم الدّين} يقول: لا يملك أحدٌ في ذلك اليوم معه حكمًا، كملكهم في الدّنيا». ). [تفسير ابن كثير: 1/ 133-134]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {مالك يوم الدين}: «يقول: لا يملك أحد معه في ذلك اليوم حكما كملكهم في الدنيا».). [الدر المنثور: 1 /67-73]

13: معنى قوله تعالى: {الدين}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الدّين}: الحساب والجزاء، يقال في المثل: (كما تدين تدان)، وقال ابن نفيل:
واعلم وأيقن أنّ ملكك زائل.......واعلم بأنّ كما تدين تدان
).[مجاز القرآن: 1/ 22-24]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الدين: الحساب، ومنه: {مالك يوم الدين}). [الغريب المصنف: 3/ 1008]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
فمر على نحره والذراع.......ولم يك ذاك له الفعل دِينَا
والدين: العادة، والدين: الطاعة، والدين: الجزاء، والدين: الحساب، والدين: الملة، والدين: الخلق). [شرح ديوان كعب بن زهير: 110]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({يوم الدين}: يوم الجزاء من ذلك قولهم: (كما تدين تدان) ).[غريب القرآن وتفسيره: 61]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و{يوم الدّين}: يوم القيامة، سمّى بذلك؛ لأنه يوم الجزاء والحساب، ومنه يقال: "دنته بما صنع" أي : جازيته، ويقال في مثل: «كما تدين تدان» يراد : كما تصنع يصنع بك، وكما تجازي تجازى). [تفسير غريب القرآن: 38]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الدّين} الدّين: الجزاء. ومنه قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} أي: يوم الجزاء والقصاص. ومنه يقال: "دنته بما صنع" أي: جزيته بما صنع. و(كما تدين تدان).
والدّين: الملك والسّلطان. ومنه قول الشاعر:

لئن حللت بجوٍّ في بني أسد.......في دين عمرو وحالت دوننا فدك
أي: في سلطانه. ويقال من هذا: "دنت القوم أدينهم" أي: قهرتهم وأذللتهم، "فدانوا" أي: ذلّوا وخضعوا. و"الدّين لله" إنما هو من هذا. ومنه قول القطاميّ:

كانت نوار تدينك الأديانا
أي: تذلّك. ومنه قول الله تعالى: {وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} [التوبة: 29]، أي: لا يطيعونه.
والدّين: الحساب، من قوله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة: 36]. ومنه قوله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} [النور: 25]، أي: حسابهم). [تأويل مشكل القرآن: 453-454]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (والدّين: الجزاء في الخير والشّرّ، "كما تدين تدان"، وقال مجاهدٌ: {بالدّين} [الانفطار: 9] : «بالحساب»، {مدينين}[الواقعة: 86] : «محاسبين» ). [صحيح البخاري: 6/ 17]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: (الدّين: الجزاء في الخير والشّرّ " كما تدين تدان")، هو كلام أبي عبيدة ، أيضًا قال: «الدّين : الحساب والجزاء، يقال في المثل: كما تدين تدان». انتهى ،
وقد ورد هذا في حديثٍ مرفوعٍ أخرجه عبد الرّزّاق عن معمرٍ، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بهذا وهو مرسلٌ رجاله ثقاتٌ ورواه عبد الرّزّاق بهذا الإسناد أيضًا، عن أبي قلابة، عن أبي الدّرداء موقوفًا وأبو قلابة لم يدرك أبا الدّرداء وله شاهدٌ موصولٌ من حديث ابن عمر أخرجه بن عديّ وضعّفه.
...
والأثر الأوّل جاء موقوفًا عن ناسٍ من الصّحابة أخرجه الحاكم من طريق السّديّ، عن مرّة الهمداني، عن ابن مسعودٍ وناسٍ من الصّحابة في قوله تعالى: {مالك يوم الدّين} قال: «هو يوم الحساب ويوم الجزاء».
وللدّين معان أخرى منها: العادة والعمل والحكم والحال والخلق والطّاعة والقهر والملّة والشّريعة والورع والسّياسة وشواهد ذلك يطول ذكرها). [فتح الباري: 8/ 156]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (والدّين: الجزاء في الخير والشّرّ،"كما تدين تدان" ، وقال مجاهدٌ: «{بالدّين}: بالحساب {مدينين}: محاسبين»).
أشار به إلى تفسير الدّين في قوله: {مالك يوم الدّين} وهو كلام أبي عبيدة حيث قال: «الدّين: الجزاء والحساب، يقال في المثل: كما تدين تجازي، أي: كما تفعل تجازى به»، وروي هذا حديثا مرسلا، رواه عبد الرّزّاق، عن معمر، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن النّبي صلى الله عليه وسلم، وروي أيضا بهذا الإسناد عن أبي، قلابة عن أبي الدّرداء، موقوفا، وأبو قلابة: عبد الله بن زيد لم يدرك أبا الدّرداء.
...
والدّين يأتي لمعان كثيرة: العادة، والعمل، الحكم، والحال، والحق والطّاعة، والقهر، والملّة، والشريعة، والورع، والسياسة.). [عمدة القاري: 18 /80]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (والدين: الجزاء في الخير والشر) وسقطت الواو لأبي ذر، وهذا رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- وهو مرسل رجاله ثقات. ورواه عبد الرزاق بهذا الإسناد أيضًا عن أبي قلابة، عن أبي الدرداء موقوفًا، وأبو قلابة لم يدرك أبا الدرداء، لكن له شاهد موصول من حديث ابن عمر أخرجه ابن عدي وضعفه.
وفي المثل: كما تدين تدان، الكاف في موضع نصب نعتًا لمصدر محذوف أي: تدين دينًا مثل دينك. وهذا من كلام أبي عبيدة أيضًا كسابقه وهو حديث مرفوع أخرجه ابن عدي في الكامل بسند ضعيف من حديث ابن عمر مرفوعًا، وله شاهد من مرسل أبي قلابة قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «البر لا يبلى والإثم لا ينسى، والديان لا يموت، فكن كما شئت كما تدين تدان». رواه عبد الرزاق في مصنفه. وأخرجه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات من طريقه، ومعناه: كما تعمل تجازى، وفي الزهد للإمام أحمد، عن مالك بن دينار موقوفًا مكتوب في التوراة: «كما تدين تدان وكما تزرع تحصد».). [إرشاد الساري: 7/4]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقال المفسرون في قوله عز وجل: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}. قالوا: يوم الجزاء والحساب، ومن أمثال العرب: "كما تدين تدان"، وأنشد أبو عبيدة:
واعلم وأيقن أن ملكك زائلٌ.......واعلم بأن كما تدين تدان
وللدين مواضع منها ما ذكرنا، ومنها: الطاعة، ودين الإسلام من ذلك يقال: فلان في دين فلانٍ، أي: لم يكونوا في دين ملك، وقال زهيرٌ:
لئن حللت بجو في بني أسدٍ.......في دين عمرو وحالت بيننا فدك

فهذا يريد: في طاعة عمرو بن هند، والدين: العادة، يقال: ما زال هذا ديني ودأبي وعادتي وديدني وإجرياي، قال المثقب العبدي:

تقول إذا درأت لها وضيني.......أهذا دينه أبدًا وديني
أكل الدهر حل وارتحالٌ.......أما تبقي علي وما تقيني
).[الكامل: 1/ 425-427]

قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (قال: و{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أي: يوم الجزاء). [مجالس ثعلب: 276]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( والدّين في هذا الموضع بتأويل الحساب والمجازاة بالأعمال، كما قال كعب بن جعيلٍ:
إذا ما رمونا رميناهم.......ودنّاهم مثل ما يقرضونا
وكما قال الآخر:
واعلم وأيقن أنّ ملكك زائلٌ.......واعلم بأنّك ما تدين تدان
يعني ما تجزي تجازى.
ومن ذلك قول اللّه جلّ ثناؤه: {كلاّ بل تكذّبون بالدّين} يعني: بالجزاء، {وإنّ عليكم لحافظين} يحصون ما تعملون من الأعمال. وقوله تعالى: {فلولا إن كنتم غير مدينين} يعني: غير مجزيّين بأعمالكم ولا محاسبين.
وللدّين معانٍ في كلام العرب غير معنى الحساب والجزاء سنذكرها في أماكنها إن شاء اللّه.
وبما قلنا في تأويل قوله: {يوم الدّين} جاءت الآثار عن السّلف من المفسّرين، مع تصحيح الشّواهد لتأويلهم الّذي تأوّلوه في ذلك.
- حدّثنا أبو كريبٍ محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: {يوم الدّين} قال: «يوم حساب الخلائق هو يوم القيامة، يدينهم بأعمالهم، إن خيرًا فخيرٌ وإنّ شرًّا فشرٌّ، إلاّ من عفا عنه، فالأمر أمره». ثمّ قال: «{ألا له الخلق والأمر}».
- وحدّثني موسى بن هارون الهمدانيّ، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ القنّاد، قال: حدّثنا أسباط بن نصرٍ الهمدانيّ، عن إسماعيل بن عبد الرّحمن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «{مالك يوم الدّين}: هو يوم الحساب».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {مالك يوم الدّين} قال: «يوم يدين اللّه العباد بأعمالهم».
- وحدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {مالك يوم الدّين} قال: «يوم يدان النّاس بالحساب»). [جامع البيان: 1/ 149-159]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يوم الدّين}: الدين في اللغة: الجزاء، يقال: "كما تدين تدان"، المعنى : كما تعمل تعطى وتجازى، قال الشاعر:
واعلم وأيقن أن ملكك زائل.......واعلم بأن كما تدين تدان
أي : تجازى بما تعمل، والدّين أيضاً في اللغة: العادة، تقول العرب: "ما زال ذلك ديني"، أي: عادتي.
قال الشاعر:
تقول إذا درأت لها وضيني.......أهذا دينه أبدا وديني
). [معاني القرآن: 1/ 46-48]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {يوم الدّين}
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ به، عن ابن عبّاسٍ في قوله: { يوم الدّين} قال: «الدّين يوم حساب الخلائق، وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيرًا فخيرٌ، وإن شر شرا إلا من عفا عنه».
- حدّثنا أبي، ثنا محمود بن غيلان، ثنا سفيان بن عيينة، عن حميدٍ الأعرج في قول اللّه {مالك يوم الدّين} قال: «يوم الجزاء»). [تفسير القرآن العظيم: 1 /29]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (-وحدثنا محمد بن جعفر بن محمد، عن أبي داود بن الأنباري، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا عمرو بن أسباط عند السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي مالك، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن أبي مسعود، وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {مالك يوم الدين}: «يوم الدين: هو يوم الحساب».
وقال مجاهد: "الدين: الجزاء" والمعنيان واحد؛ لأن يوم القيامة: يوم الحساب، ويوم الجزاء.
والدين في غير هذه: الطاعة، والدين أيضاً: العادة، كما قال:
أهذا دينه أبداً وديني
والمعاني متقاربة؛ لأنه إذا أطاع: فقد دان. والعادة تجري مجرى الدين، و"فلان في دين فلان" أي: في سلطانه وطاعته.).[معاني القرآن: 1/ 61-63]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (تفسير قوله تعالى: {غير مدينين} [الواقعة: 86] ومعنى الدين.
وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري، رحمه الله، في قوله تعالى: {فلولا إن كنتم غير مدينين} [الواقعة: 86] معناه غير مجزّيين، قال: وأنشدنا:
ولم يبق سوى العدوا.......ن دناهم كما دانوا
أي: جازيناهم كما جازوا، ومن ذلك قوله جل وعز: {مالك يوم الدّين}، قال قتادة: «معناه: مالك يومٍ يدان فيه العباد أي: يجازون بأعمالهم»،
ويكون الدين أيضًا الحساب قال ابن عباس: «معنى قوله {مالك يوم الدّين} أي: يوم الحساب»،
ويكون الدّين أيضًا السّلطان، قال زهير:

لئن حللت بجوٍّ في بني أسدٍ.......في دين عمروٍ وحالت بيننا فدك
معناه في سلطان،
ويكون الدّين أيضًا الطاعة، من ذلك قوله جل وعز: {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} [يوسف: 76] معناه في طاعة الملك.
ويكون الدّين أيضًا العبودية والذّل، وجاء في الحديث: «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت» فمعناه: استعبد نفسه وأذلّها لله عز وجل، قال الأعشى:

هو دان الرّباب إذ كرهوا.......الدين دراكًا بغزوةٍ وصيال
ثم دانت بعد الرّباب وكانت.......كعذابٍ عقوبة الأقوال
يعني أنه أذلهمّ فذلّوا، وقال القطامي:
رمت المقاتل من فؤادك بعدما.......كانت نوار تدينك الأديانا
معناه تستعبدك بحبها،
ويكون الدين أيضًا الملة، كقولك: نحن على دين إبراهيم، ويكون العادة، قال المثقب العبدي:

تقول إذا درأت لها وضينا.......أهذا دينه أبدًا وديني
أكلّ الدهر حلٌّ وارتحالٌ.......أما يبقى على وما يقيني
ويكون الدين أيضًا الحال، قال النضر بن شميل: سألت أعرابيًا عن شيء، فقال: لو لقيتني دينٍ غير هذه لأخبرتك، وروى أبو عبيدة قول امرئ القيس:

كدينك من أم الحويرث قبلها.......وجارتها أمّ الرباب بمأسل
أي: كعادتك.
والعرب تقول: ما زال هذا دينه ودأبه وديدنه وديدانه وديدبونه أي: عادته). [الأمالي: 2/ 295] (م)
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو أحمد محمّد بن إسحاق الصّفّار العدل، ثنا أحمد بن نصرٍ، ثنا عمرو بن طلحة القنّاد، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن إسماعيل بن عبد الرّحمن السّدّيّ، عن مرّة الهمدانيّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، وعن أناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: {مالك يوم الدّين} قال: «هو يوم الحساب» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه). [المستدرك: 2 /284]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يوم الدين}: يوم الجزاء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 21]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَوْمِ الدِّينِ}: يوم الجزاء). [العمدة في غريب القرآن: 67-68]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والدين لفظ يجيء في كلام العرب على أنحاء، منها الملة. قال الله تعالى: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} [آل عمران: 19] إلى كثير من الشواهد في هذا المعنى، وسمي حظ الرجل منها في أقواله وأعماله واعتقاداته دينا، فيقال فلان حسن الدين، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه في قميص عمر الذي رآه يجره: قيل: فما أولته يا رسول الله؟ قال: «الدين» وقال علي بن أبي طالب: «محبة العلماء دين يدان به». ومن أنحاء اللفظة الدين بمعنى العادة. فمنه قول العرب في الريح: «عادت هيف لأديانها».
ومنه قول امرئ القيس:

كدينك من أمّ الحويرث قبلها ....... ... ... ... ...
ومنه قول الشاعر: [المثقب العبدي]:
... ... ... .... ....... أهذا دينه أبدا وديني

إلى غير ذلك من الشواهد، يقال دين ودينة أي عادة، ومن أنحاء اللفظة: الدين سيرة الملك وملكته، ومنه قول زهير:
لئن حللت بجوّ في بني أسد ....... في دين عمرو وحالت بيننا فدك
أراد في موضع طاعة عمرو وسيرته، وهذه الأنحاء الثلاثة لا يفسر بها قوله ملك يوم الدين. ومن أنحاء اللفظة الدين الجزاء، فمن ذلك قول الفند الزماني: [شهل بن شيبان]
ولم يبق سوى العدوا ....... ن دنّاهم كما دانوا
أي جازيناهم. ومنه قول كعب بن جعيل:
إذا ما رمونا رميناهم ....... ودناهم مثل ما يقرضونا
ومنه قول الآخر:
واعلم يقينا أنّ ملكك زائل ....... واعلم بأنّ كما تدين تدان
وهذا النحو من المعنى هو الذي يصلح لتفسير قوله تعالى: {ملك يوم الدين} أي: يوم الجزاء على الأعمال والحساب بها، كذلك قال ابن عباس، وابن مسعود، وابن جريج، وقتادة وغيرهم.
قال أبو علي: يدل على ذلك قوله تعالى: {اليوم تجزى كلّ نفسٍ بما كسبت} [غافر: 17]، و{اليوم تجزون ما كنتم تعملون} [الجاثية: 28]. وحكى أهل اللغة: دنته بفعله دينا بفتح الدال ودينا بكسرها جزيته، وقيل الدين المصدر والدين بكسر الاسم.
وقال مجاهد: «ملك يوم الدين أي: يوم الحساب، مدينين: محاسبين» وهذا عندي يرجع إلى معنى الجزاء. ومن أنحاء اللفظة الدين الذل، والمدين العبد، والمدينة الأمة، ومنه قول الأخطل:
ربت وربا في حجرها ابن مدينة ....... تراه على مسحاته يتركّل
أي ابن أمة، وقيل بل أراد ابن مدينة من المدن، الميم أصيلة، ونسبه إليها كما يقال ابن ماء وغيره.
وهذا البيت في صفة كرمة فأراد أن أهل المدن أعلم بفلاحة الكرم من أهل بادية العرب. ومن أنحاء اللفظة الدين السياسة، والديان السائس، ومنه قول ذي الأصبع الحدثان بن الحارث:
لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب ....... يوما ولا أنت دياني فتخزوني
ومن أنحاء اللفظة الدين الحال.
قال النضر بن شميل: «سألت أعرابيا عن شيء فقال لي لو لقيتني على دين غير هذه لأخبرتك».
ومن أنحاء اللفظة الدين الداء، عن اللحياني وأنشد:
ما دين قلبك من سلمى وقد دينا
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: أما هذا الشاهد فقد يتأول على غير هذا النحو، فلم يبق إلا قول اللحياني). [المحرر الوجيز: 1/ 74-82]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (والدّين الجزاء والحساب؛ كما قال تعالى: {يومئذٍ يوفّيهم اللّه دينهم الحقّ}، وقال: {أئنّا لمدينون} أي: مجزيّون محاسبون، وفي الحديث: «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت» أي: حاسب نفسه لنفسه؛ كما قال عمر رضي اللّه عنه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتأهّبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم: {يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافيةٌ}»). [تفسير ابن كثير: 1/ 133-134]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (-وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود وأناس من الصحابة في قوله {مالك يوم الدين} قال: «هو يوم الحساب».). [الدر المنثور: 1 /67-73]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 شعبان 1435هـ/4-06-2014م, 01:16 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

مسائل عقدية
...
1: الرد على من قال بالمجاز في الأسماء والصفات مخالفا لمعتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({الرّحمن} مجازه: ذو الرحمة، و{الرّحيم} مجازه : الراحم، وقد يقدّرون اللفظين من لفظ واحد، والمعنى واحد، وذلك لاتّساع الكلام عندهم ). [مجاز القرآن: 1/ 20-22]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقد زعم أيضًا بعض من ضعفت معرفته بتأويل أهل التّأويل، وقلّت روايته لأقوال السّلف من أهل التّفسير، أنّ الرّحمن مجازه ذو الرّحمة، والرّحيم مجازه الرّاحم.ثمّ قال: قد يقدّرون اللّفظين من لفظٍ والمعنى واحدٌ، وذلك لاتّساع الكلام عندهم.
...
ولا شكّ أنّ ذا الرّحمة هو الّذي قد ثبت أنّ له الرّحمة وصحّ أنّها له صفةٌ، وأنّ الرّاحم هو الموصوف بأنّه سيرحم، أو قد رحم فانقضى ذلك منه، أو هو فيه. ولا دلالة فيه حينئذٍ أنّ الرّحمة له صفةٌ، كالدّلالة على أنّها له صفةٌ إذا وصفه بأنّه ذو الرّحمة. فأين معنى الرّحمن الرّحيم على تأويله من معنى الكلمتين يأتيان مقدّرتين من لفظٍ واحدٍ باختلاف الألفاظ واتّفاق المعاني؟ ولكنّ القول إذا كان غير أصلٍ معتمدٍ عليه كان واضحًا عواره.). [جامع البيان: 1/ 111-134]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (الرّحمان الرّحيم اسمان من الرّحمة: الرّحيم والرّاحم بمعنى واحدٍ كالعليم والعالم.
قوله: (من الرّحمة) أي: مشتقان من الرّحمة، وهي في اللّغة: الحنو والعطف، وفي حق الله تعالى مجاز عن إنعامه على عباده.). [عمدة القاري: 18 /79]

...
المسائل البلاغية



قوله تعالى: {الحمدلله ربّ العالمين} [ضمّنه تعالى أمر عباده أن يثنوا به عليه]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :(فإن قال لنا قائلٌ: وما معنى قوله: الحمد للّه؟ أحمد اللّه نفسه جلّ ثناؤه فأثنى عليها، ثمّ علّمناه لنقول ذلك كما قال ووصف به نفسه؟ فإن كان ذلك كذلك، فما وجه قوله تعالى ذكره إذًا: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} وهو عزّ ذكره معبودٌ لا عابدٌ؟ أم ذلك من قيل جبريل أو محمّدٍ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقد بطل أن يكون ذلك للّه كلامًا.
قيل: بل ذلك كلّه كلام اللّه جلّ ثناؤه؛ ولكنّه جلّ ذكره حمد نفسه وأثنى عليها بما هو له أهلٌ، ثمّ علّم ذلك عباده وفرض عليهم تلاوته، اختبارًا منه لهم وابتلاءً، فقال لهم: قولوا: الحمد للّه ربّ العالمين وقولوا: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين؛ فقوله: {إيّاك نعبد} ممّا علّمهم جلّ ذكره أن يقولوه ويدينوا له بمعناه. وذلك موصولٌ بقوله {الحمد للّه ربّ العالمين} وكأنّه قال: قولوا هذا وهذا.
فإن قال: وأين قوله: قولوا فيكون تأويل ذلك ما ادّعيت؟
قيل: قد دللنا فيما مضى على أنّ العرب من شأنها إذا عرفت مكان الكلمة ولم تشكّ أنّ سامعها يعرف بما أظهرت من منطقها ما حذفت حذف ما كفى منه الظّاهر من منطقها، ولا سيّما إن كانت تلك الكلمة الّتي حذفت قولاً أو بتأويل قولٍ، كما قال الشّاعر:
وأعلم أنّني سأكون رمسًا.......إذا سار النّواعج لا يسير.
فقال السّائلون لمن حفرتم.......فقال المخبرون لهم وزير
قال أبو جعفرٍ: يريد بذلك: فقال المخبرون لهم: الميّت وزيرٌ، فأسقط الميّت، إذ كان قد أتى من الكلام بما يدلّ على ذلك.). [جامع البيان: 1/ 135-147]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ): (قال الطبري: الحمد للّه ثناء أثنى به على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا به عليه، فكأنه قال: «قولوا الحمد لله» وعلى هذا يجيء «قولوا إياك» قال: وهذا من حذف العرب ما يدل ظاهر الكلام عليه، كما قال الشاعر:
وأعلم أنني سأكون رمسا ....... إذا سار النواعج لا يسير
فقال السائلون لمن حفرتم ....... فقال القائلون لهم وزير

المعنى المحفور له وزير، فحذف لدلالة ظاهر الكلام عليه، وهذا كثير.). [المحرر الوجيز: 1 /71-74]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): ([وقال ابن جريرٍ: {الحمد للّه} ثناءٌ أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنّه قال: قولوا: {الحمد للّه}].). [تفسير ابن كثير: 1 /127-133]


...
الإعراب


1: إعراب (الحمد) من قوله تعالى: {الحمدُلله}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله تعالى: {الحمد للّه...}
اجتمع القرّاء على رفع الحمد، وأمّا أهل البدو فمنهم من يقول: "الحمدَ لِلّه"، ومنهم من يقول: "الحمدِ لِلّه "، ومنهم من يقول: "الحمدُ للّه" فيرفع الدال واللام.
فأما من نصب فإنه يقول: "الحمد" ليس باسم إنما هو مصدر؛ يجوز لقائله أن يقول: أحمد اللّه، فإذا صلح مكان المصدر (فعل أو يفعل) جاز فيه النصب؛ ...
وأما من خفض الدال من "الحمد"؛ فإنه قال: هذه كلمة كثرت على ألسن العرب حتى صارت كالاسم الواحد؛ فثقل عليهم أن يجتمع في اسم واحد من كلامهم ضمّةٌ بعدها كسرة، أو كسرةٌ بعدها ضمّة، ووجدوا الكسرتين قد تجتمعان في الاسم الواحد مثل "إبل" فكسروا الدال؛ ليكون على المثال من أسمائهم.
وأمّا الذين رفعوا الّلام؛ فإنهم أرادوا المثال الأكثر من أسماء العرب الذي يجتمع فيه الضمتان؛ مثل: الحلم والعقب.). [معاني القرآن: 1 /3-4]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): (وأما قوله: {الحمد للّه} فرفعه على الابتداء؛ وذلك أن كل اسم ابتدأته لم توقع عليه فعلاً من بعده فهو مرفوع، ...
وبعض العرب يقول: {الحمد للّه} فينصب على المصدر، وذلك أن أصل الكلام عنده على قوله "حمداً لله" يجعله بدلًا من اللفظ بالفعل، كأنه جعله مكان "أحمد"، ونصبه على "أحمد" حتى كأنه قال: "أحمد حمداً"، ثم أدخل الألف واللام على هذه.
وقد قال بعض العرب: {الحمد للّه} فكسره، وذلك أنه جعله بمنزلة الأسماء التي ليست بمتمكنة، وذلك أن الأسماء التي ليست بمتمكنة تحرّك أواخرها حركة واحدة لا تزول علتها نحو "حيث" ...
ومن الأسماء التي ليست بمتمكنة قال الله عز وجل: {إن هؤلاء ضيفي} و{ها أنتم أولاء تحبّونهم} مكسورة على كل حال، فشبهوا "الحمد"- وهو اسم متمكن- في هذه اللغة، بهذه الأسماء التي ليست بمتمكنة.). [معاني القرآن: 1/ 7-10]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن كانت هذه المصادر معارف فالوجه الرفع، ومعناه كمعنى المنصوب، ولكن يختار الرفع؛ لأنه كالمعرفة، وحق المعرفة الابتداء. وذلك قولك: الحمد لله رب العالمين ولعنة الله على الظالمين. والنصب يجوز. وإنما تنظر في هذه المصادر إلى معانيها؛ فإن كان الموضع بعدها أمراً أو دعاءً لم يكن إلا نصباً). [المقتضب: 3/ 221]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :(تتابعت قراءة القرّاء وعلماء الأمّة على رفع الحمد من: {الحمد للّه ربّ العالمين} دون نصبها.). [جامع البيان: 1/ 135-147]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( الحمد رفع بالابتداء، وقوله: {للّه}: إخبار عن الحمد، والاختيار في الكلام: الرفع، فأمّا القرآن فلا يقرأ فيه :{الحمد} إلا بالرفع، لأن السّنة تتبع في القرآن، ولا يلتفت فيه إلى غير الرّواية الصحيحة التي قد قرأ بها القراء المشهورون بالضبط والثّقة، والرفع القراءة، ويجوز في الكلام أن تقول " الحمد " تريد: أحمد الله الحمد، فاستغنيت عن ذكر " أحمد "؛ لأن حال الحمد يجب أن يكون عليها الخلق، إلا أنّ الرفع أحسن وأبلغ في الثناء على الله عزّ وجلّ، وقد روي عن قوم من العرب: " الحمدَ للّه "و" الحمدِ للّه "، وهذه لغة من لا يلتفت إليه، ولا يتشاغل بالرواية عنه. وإنما تشاغلنا نحن برواية هذا الحرف لنحذّر الناس من أن يستعملوه، أو يظن جاهل أنه يجوز في كتاب الله عزّ وجلّ، أو في كلام، ولم يأت لهذا نظير في كلام العرب، ولا وجه له.). [معاني القرآن: 1 /45-46]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ): (وأجمع السبعة وجمهور الناس على رفع الدال من «الحمد لله».
وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة بن العجاج «الحمد لله» بفتح الدال وهذا على إضمار فعل.
وروي عن الحسن بن أبي الحسن وزيد بن علي: «الحمد لله»، بكسر الدال على إتباع الأول الثاني.
وروي عن ابن أبي عبلة: «الحمد لله»، بضم الدال واللام، على اتباع الثاني والأول.). [المحرر الوجيز: 1 /71-74]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): ( القرّاء السّبعة على ضمّ الدّال من قوله: {الحمد لله} وهو مبتدأٌ وخبرٌ. وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة بن العجّاج أنّهما قالا "الحمد لله" بالنّصب وهو على إضمار فعلٍ، وقرأ ابن أبي عبلة: "الحمد لله" بضمّ الدّال واللّام إتباعًا للثّاني الأوّل وله شواهد لكنّه شاذٌّ، وعن الحسن وزيد بن عليٍّ: "الحمد لله" بكسر الدّالّ إتباعًا للأوّل الثّاني.). [تفسير ابن كثير: 1 /127-133]

2: أثر اختلاف إعراب (الحمد) في المعنى
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن كانت هذه المصادر معارف فالوجه الرفع، ومعناه كمعنى المنصوب .). [المقتضب: 3/ 221]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :(تتابعت قراءة القرّاء وعلماء الأمّة على رفع الحمد من: {الحمد للّه ربّ العالمين} دون نصبها، الّذي يؤدّي إلى الدّلالة على أنّ معنى تاليه كذلك: أحمد اللّه حمدًا. ولو قرأ قارئٌ ذلك بالنّصب، لكان عندي محيلاً معناه ومستحقًّا العقوبة على قراءته إيّاه كذلك إذا تعمّد قراءته كذلك وهو عالمٌ بخطئه وفساد تأويله.). [جامع البيان: 1/ 135-147]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (الرفع أحسن وأبلغ في الثناء على الله عزّ وجلّ.). [معاني القرآن: 1 /45-46]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ويقال: الحمد خبر، وسبيل الخبر أن يفيد، فما الفائدة في هذا ؟
والجواب عن هذا: أن سيبويه قال: إذا قال الرجل "الحمد لله" بالرفع؛ ففيه من المعنى مثل ما في قوله: "حمدت الله حمداً" إلا أن الذي يرفع الحمد يخبر أن الحمد منه ومن جميع الخلق لله تعالى، والذي ينصب الحمد يخبر أن الحمد منه وحده لله تعالى.
قال ابن كيسان: وهذا كلام حسن جدا ً، لأن قولك "الحمد لله" مخرجة في الإعراب مخرج قولك: "المال لزيد"، ومعناه أنك أخبرت به، وأنت تعتمد أن تكون حامدا ً، لا مخبرا ًبشيء، ففي إخبار المخبر بهذا: إقراراً منه بأن الله تعالى مستوجبه على خلقه، فهو أحمد من يحمده إذا أقر بأن الحمد له، فقد آل المعنى المرفوع إلى مثل المعنى المنصوب وزاد عليها بأن جعل الحمد الذي يكون عن فعله وفعل غيره لله تعالى .
وقال غير سيبويه: إنما يتكلم بهذا تعرضاً لعفو الله تعالى، ومغفرته، وتعظيماً له، وتمجيدا ً، فهو خلاف معنى الخبر، وفيه معنى السؤال.
وفي الحديث: «من شغل بذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين».
وقيل: إن مدحه نفسه جل وعز وثناءه عليه؛ ليعلم ذلك عباده، فالمعنى على هذا: "قولوا: الحمد لله".).
[معاني القرآن: 1/ 57-62]

3: إعراب {لله}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): (وقوله: {للّه} جر باللام، كما انجر قوله:{ربّ العالمين * الرحمن الرّحيم}؛ لأنه من صفة قوله: {للّه}.).[معاني القرآن: 1/ 7-10]

4: إعراب {رب}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ): (وقرأت طائفة «ربّ» بالنصب.
فقال بعضهم: «هو نصب على المدح».
وقال بعضهم: «هو على النداء، وعليه يجيء إيّاك».[المحرر الوجيز: 1 /71-74]


5: إعراب {العالمين}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): (وأما فتح نون {العالمين}؛ فإنها نون جماعة، وكذلك كل نون جماعة زائدة على حدّ التثنية فهي مفتوحة، وهي النون الزائدة التي لا تغيّر الاسم عما كان عليه ...
وجعلت الياء للنصب والجرّ نحو "العالمين" و"المتقين"، فنصبهما وجرهما سواء.). [معاني القرآن: 1/ 7-10]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ربّ العالمين}: قد فسرنا أنه لا يجوز في القرآن إلا {ربّ العالمين * الرحمن الرحيم} وإن كان الرفع والنصب جائزين في الكلام، ولا يتخير لكتاب الله عزّ وجلّ إلا اللفظ الأفضل الأجزل.). [معاني القرآن: 1 /45-46]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وخفضت هذه الصفات لأنها ثناء على اللّه -عزّ وجلّ-، فكان إعرابها إعراب اسمه، ولو قلت في غير القرآن: "بسم اللّه الكريم والكريم"، و"الحمد لله رب العالمين، ورب العالمين" جاز ذلك، فمن نصب (ربّ العالمين) فإنما ينصب: لأنّه ثناء على اللّه، كأنه لمّا قال: الحمد للّه استدل بهذا اللفظ أنه ذاكر اللّه، فقوله: ربّ العالمين كأنه قال : أذكر ربّ العالمين، وإذا قال: ربّ العالمين فهو على قولك: هو ربّ العالمين). [معاني القرآن: 1/ 39-44]


6: إعراب {مالك يوم الدين}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({مالك يوم الدّين} نصب على النّداء، وقد تحذف ياء النداء، مجازه: يا مالك يوم الدين، لأنه يخاطب شاهداً، ألا تراه يقول:{إيّاك نعبد}، فهذه حجة لمن نصب، ومن جره قال: هما كلامان ...
ومجاز من جرّ {مالك يوم الدّين}؛ أنه حدّث عن مخاطبة غائب، ثم رجع فخاطب شاهداً فقال: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين * اهدنا}، قال عنترة بن شدّاد العبسيّ:
شطّت مزار العاشقين فأصبحت......عسراً علىّ طلابك ابنة مخرم
). [مجاز القرآن: 1/ 22-24]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): (وأما قوله: {مالك يوم الدّين}، فإنه يجرّ لأنه من صفة "اللّه" عز وجل.
وقد قرأها قوم: {مالك} نصب على الدعاء، وذلك جائز، يجوز فيه النصب والجرّ،.). [معاني القرآن: 1 /10]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {مالك يوم الدّين (4)}
القراءة: الخفض على مجرى: الحمد للّه مالك يوم الدّين.
وإن نصب – في الكلام - على ما نصب عليه: رب العالمين والرحمن الرحيم، جاز في الكلام.
فأما في القراءة: فلا أستحسنه فيها، وقد يجوز أن تنصب {رب العالمين} و{مالك يوم الدّين} على النداء في الكلام كما تقول: الحمد للّه يا ربّ العالمين، ويا مالك يوم الدّين، كأنك بعد أن قلت: " الحمد لله "، قلت: لك الحمد يا ربّ العالمين، ويا مالك يوم الدين.).[معاني القرآن: 1/ 46-48]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والجر في «ملك» أو «مالك» على كلتا القراءتين هو على الصفة للاسم المجرور قبله، والصفات تجري على موصوفيها إذا لم تقطع عنهم لذم أو مدح، والإضافة إلى {يوم الدّين} في كلتا القراءتين من باب يا سارق الليلة أهل الدار، اتسع في الظرف فنصب نصب المفعول به، ثم وقعت الإضافة إليه على هذا الحد). [المحرر الوجيز: 1/ 74-82]
...
مسائل نحوية
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (فأما اسم اللّه عزّ وجلّ: فالألف فيه ألف وصل.). [معاني القرآن: 1/ 39-44]
...
المسائل الصرفية

1: أصل واشتقاق اسم (الله)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :(التّألّه التّفعّل من: أله يأله، وأنّ معنى أله إذا نطق به: عبد اللّه. وقد جاء منه مصدرٌ يدلّ على أنّ العرب قد نطقت منه بفعل يفعل بغير زيادةٍ.
- وذلك ما حدّثنا به، سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن نافع بن عمر، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه قرأ: (ويذرك وإلاهتك) قال: «عبادتك»، ويقال: إنّه كان يعبد ولا يعبد.
- وحدّثنا سفيان، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن محمّد بن عمرو بن الحسن، عن ابن عبّاسٍ: (ويذرك وإلاهتك) قال: «إنّما كان فرعون يعبد ولا يعبد». وكذلك كان ابن عباس يقرؤها ومجاهدٌ.
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: أخبرني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: (ويذرك وإلاهتك) قال: «وعبادتك».
ولا شكّ أنّ الإلاهة على ما فسّره ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ مصدرٌ من قول القائل أله اللّه فلانٌ إلاهةً، كما يقال: عبد اللّه فلانٌ عبادةً، وعبر الرّؤيا عبارةً. فقد بيّن قول ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ هذا أنّ أله: عبد، وأنّ الإلاهة مصدره. ...
فكذلك اللّه، أصله الإله، أسقطت الهمزة، الّتي هي فاء الاسم، فالتقت اللاّم الّتي هي عين الاسم، واللاّم الزّائدة الّتي دخلت مع الألف الزّائدة، وهي ساكنةٌ، فأدغمت في الأخرى الّتي هي عين الاسم، فصارتا في اللّفظ لامًا واحدةً مشدّدةً.). [جامع البيان: 1/ 111-134]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (قال الكسائي والفراء: معنى {بسم الله}: باسم الإله، وتركوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى في الثانية فصارت لاماً مشددة، كما قال جل عز وجل: {لكنا هو الله ربي}، ومعناه: لكن أنا هو الله ربي، كذلك قرأها الحسن.
ولسيبويه في هذا قولان:
أحدهما: أن الأصل "إله" ثم جيء بالألف واللام عوضاً من الهمزة، وكذلك "الناس" عنده، الأصل فيه: "أناس".
والقول الآخر: هو أيضًا قول أصحابه: إن الأصل "لاه" ثم دخلت عليه الألف واللام، وأنشدوا:
لاه ابن عمك لا فضلت في حسب.......عني ولا أنت دياني فتخزوني
.). [معاني القرآن: 1/ 50-56]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف الناس في اشتقاقه، فقالت فرقة من أهل العلم: «هو اسم مرتجل، لا اشتقاق له من فعل، وإنما هو اسم موضوع له تبارك وتعالى، والألف واللام لازمة له لا لتعريف ولا لغيره، بل هكذا وضع الاسم». وذهب كثير من أهل العلم إلى أنه مشتق من أله الرجل إذا عبد، وتأله إذا تنسك. ومن ذلك قول رؤبة بن العجاج:
لله در الغانيات المدّه ....... سبّحن واسترجعن من تألّهي
ومن ذلك قول الله تعالى: {ويذرك وآلهتك} [الأعراف: 127] على هذه القراءة فإن ابن عباس وغيره قال: «وعبادتك»، قالوا: فاسم الله مشتق من هذا الفعل، لأنه الذي يألهه كل خلق ويعبده، حكاه النقاش في صدر سورة آل عمران فإلاه فعال من هذا.
واختلف كيف تعلل (إله) حتى جاء (الله)، فقيل: حذفت الهمزة حذفا على غير قياس ودخلت الألف واللام للتعظيم على لاه، وقيل بل دخلتا على اله ثم نقلت حركة الهمزة إلى اللام فجاء اللاه ثم أدغمت اللام في اللام. وقيل إن أصل الكلمة لاه، وعليه دخلت الألف واللام، والأول أقوى.
وروي عن الخليل أن أصل إله ولاه وأن الهمزة مبدلة من واو كما هي في إشاح ووشاح وإسادة ووسادة، وقيل إن أصل الكلمة ولاه كما قال الخليل إلا أنها مأخوذة من وله الرجل إذا تحير، لأنه -تعالى- تتحير الألباب في حقائق صفاته، والفكر في المعرفة به، وحذفت الألف الأخيرة من «الله» لئلا يشكل بخط اللات، وقيل طرحت تخفيفا، وقيل هي لغة فاستعملت في الخط ومنها قول الشاعر ابن الأعرابي:
أقبل سيل جاء من أمر الله ....... يحرد حرد الجنّة المغلّة
.). [المحرر الوجيز: 1 /59-68]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وهو اسمٌ لم يسمّ به غيره تبارك وتعالى؛ ولهذا لا يعرف في كلام العرب له اشتقاقٌ من فعل ويفعل، فذهب من ذهب من النّحاة إلى أنّه اسمٌ جامدٌ لا اشتقاق له.
وقد نقل القرطبيّ عن جماعةٍ من العلماء منهم الشّافعيّ والخطّابيّ وإمام الحرمين والغزاليّ وغيرهم، وروي عن الخليل وسيبويه أنّ الألف واللّام فيه لازمةٌ. قال الخطّابيّ: ألا ترى أنّك تقول: يا اللّه، ولا تقول: يا الرّحمن، فلولا أنّه من أصل الكلمة لما جاز إدخال حرف النّداء على الألف واللّام.
وقيل: إنّه مشتقٌّ، واستدلّوا عليه بقول رؤبة بن العجّاج:
للّه درّ الغانيات المدّه ....... سبّحن واسترجعن من تألّهي
فقد صرّح الشّاعر بلفظ المصدر، وهو التّألّه، من أله يأله إلاهةً وتألّهًا، كما روي أنّ ابن عبّاسٍ قرأ: "ويذرك وإلاهتك" قال: «عبادتك»، أي: أنّه كان يعبد ولا يعبد، وكذا قال مجاهدٌ وغيره.
وقد استدلّ بعضهم على كونه مشتقًّا بقوله: {وهو اللّه في السّماوات وفي الأرض} [الأنعام: 3] أي: المعبود في السّماوات والأرض، كما قال: {وهو الّذي في السّماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ}[الزّخرف: 84]، ونقل سيبويه عن الخليل: أنّ أصله: إلاهٌ، مثل فعالٍ، فأدخلت الألف واللّام بدلًا من الهمزة، قال سيبويه: مثل النّاس، أصله: أناسٌ، وقيل: أصل الكلمة: لاه، فدخلت الألف واللّام للتّعظيم وهذا اختيار سيبويه. قال الشّاعر:
لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسبٍ ....... عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني
قال القرطبيّ: بالخاء المعجمة، أي: فتسوسني،
وقال الكسائيّ والفرّاء: أصله: الإله حذفوا الهمزة وأدغموا اللّام الأولى في الثّانية، كما قال: {لكنّا هو اللّه ربّي}[الكهف: 38] أي: لكنّ أنا، وقد قرأها كذلك الحسن، قال القرطبيّ: ثمّ قيل: هو مشتقٌّ من وله: إذا تحيّر، والوله ذهاب العقل؛ يقال: رجلٌ والهٌ، وامرأةٌ ولهى، وماءٌ مولهٌ: إذا أرسل في الصّحاري، فاللّه تعالى تتحيّر أولو الألباب والفكر في حقائق صفاته، فعلى هذا يكون أصله: ولّاه، فأبدلت الواو همزةً، كما قالوا في وشاحٍ: أشاح، ووسادةٍ: أسادةٌ، وقال فخر الدّين الرّازيّ: وقيل: إنّه مشتقٌّ من ألهت إلى فلانٍ، أي: سكنت إليه، فالعقول لا تسكن إلّا إلى ذكره، والأرواح لا تفرح إلّا بمعرفته؛ لأنّه الكامل على الإطلاق دون غيره قال اللّه تعالى: {ألا بذكر اللّه تطمئنّ القلوب}[الرّعد: 28] قال: وقيل: من لاه يلوه: إذا احتجب. وقيل: اشتقاقه من أله الفصيل، إذ ولع بأمّه، والمعنى: أنّ العباد مألوهون مولعون بالتّضرّع إليه في كلّ الأحوال، قال: وقيل: مشتقٌّ من أله الرّجل يأله: إذا فزع من أمرٍ نزل به فألّهه، أي: أجاره، فالمجير لجميع الخلائق من كلّ المضارّ هو اللّه سبحانه؛ لقوله تعالى:{وهو يجير ولا يجار عليه}[المؤمنون: 88]، وهو المنعم لقوله: {وما بكم من نعمةٍ فمن اللّه}[النّحل: 53] وهو المطعم لقوله: {وهو يطعم ولا يطعم}[الأنعام: 14] وهو الموجد لقوله: {قل كلٌّ من عند اللّه}[النّساء: 78].
وقد اختار فخر الدّين أنّه اسم علمٍ غير مشتقٍّ البتّة، قال: وهو قول الخليل وسيبويه وأكثر الأصوليّين والفقهاء،
ثمّ أخذ يستدلّ على ذلك بوجوهٍ:
منها: أنّه لو كان مشتقًّا لاشترك في معناه كثيرون،
ومنها: أنّ بقيّة الأسماء تذكر صفات له، فتقول: اللّه الرّحمن الرّحيم الملك القدّوس، فدلّ أنّه ليس بمشتقٍّ، قال: فأمّا قوله تعالى: {العزيز الحميد اللّه} [إبراهيم: 1، 2] على قراءة الجرّ فجعل ذلك من باب عطف البيان،
ومنها: قوله تعالى: {هل تعلم له سميًّا}[مريم: 65]، وفي الاستدلال بهذه على كون هذا الاسم جامدًا غير مشتقٍّ نظرٌ، واللّه أعلم.
وحكى فخر الدّين عن بعضهم أنّه ذهب إلى أنّ اسم اللّه تعالى عبرانيٌّ لا عربيٌّ، ثمّ ضعّفه، وهو حقيقٌ بالتّضعيف كما قال، ...
وأصل ذلك الإله، فحذفت الهمزة الّتي هي فاء الكلمة، فالتقت اللّام الّتي هي عينها مع اللّام الزّائدة في أوّلها للتّعريف فأدغمت إحداهما في الأخرى، فصارتا في اللّفظ لامًا واحدةً مشدّدةً، وفخّمت تعظيمًا، فقيل: اللّه.). [تفسير ابن كثير: 1/ 116-127]


2: اشتقاق {الرحمن الرحيم}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الرّحمن الرّحيم} اسمان مشتقّان من الرّحمة على وجه المبالغة، ...
وحكى ابن الأنباريّ في الزّاهر عن المبرّد: أنّ الرّحمن اسمٌ عبرانيٌّ ليس بعربيٍّ، وقال أبو إسحاق الزّجّاج في معاني القرآن: وقال أحمد بن يحيى: الرّحيم عربيٌّ، والرّحمن عبرانيٌّ، فلهذا جمع بينهما. قال أبو إسحاق: وهذا القول مرغوبٌ عنه. وقال القرطبيّ: والدّليل على أنّه مشتقٌّ ما خرّجه التّرمذيّ وصحّحه عن عبد الرّحمن بن عوفٍ، أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «قال اللّه تعالى: [أنا الرّحمن خلقت الرّحم وشققت لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته]». قال: وهذا نصٌّ في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشّقاق.). [تفسير ابن كثير: 1/ 116-127]

3: اشتقاق {مالك}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({مالك يوم الدّين}
وقرأها قوم: {ملك}، إلا أن "الملك" اسم ليس بمشتق من فعل نحو قولك: "ملك وملوك"، وأما "المالك" فهو الفاعل كما تقول: "ملك فهو مالكٌ" مثل "قهر فهو قاهر"). [معاني القرآن: 1 /10]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ولا خلاف بين جميع أهل المعرفة بلغات العرب، أنّ الملك من الملك مشتقٌّ، وأنّ المالك من الملك مأخوذٌ.).[جامع البيان: 1/ 149-159]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ( و«الملك» و«الملك» بضم الميم وكسرها وما تصرف منهما راجع كله إلى ملك بمعنى شد وضبط، ثم يختص كل تصريف من اللفظة بنوع من المعنى، يدلك على الأصل في ملك قول الشاعر قيس بن الخطيم:
ملكت بها كفّي فأنهرت فتقها
[المحرر الوجيز: 1/ 74-82]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قال أبو الحسن الأخفش: «يقال «ملك» بين الملك، بضم الميم، ومالك بين «الملك» و «الملك» بفتح الميم وكسرها، وزعموا أن ضم الميم لغة في هذا المعنى، وروى بعض البغداديين لي في هذا الوادي «ملك» و «ملك» و «ملك» بمعنى واحد».). [المحرر الوجيز: 1/ 74-82]




4: اشتقاق {يوم}
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (يقال: يوم وأيام؛ والأصل: أيوام؛ ولكن العرب إذا جمعت بين الياء والواو في كلمة واحدة، وسبق أحدهما بالسكون، قلبوا الواو ياء وأدغموا وشددوا.). [الأيام والليالي: 31] (م)

...
مسائل في أصول التفسير
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا سفيان، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ: {الحمد للّه ربّ العالمين} قال: «الجنّ والإنس» قال الحاكم: «ليعلم طالب هذا العلم أنّ تفسير الصّحابيّ الّذي شهد الوحي والتّنزيل عند الشّيخين حديثٌ مسندٌ»). [المستدرك: 2/ 283]


...
سنن وآداب

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (
-وأخرج أبو داود والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع».
-وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس قال: «إذا عطس أحدكم فقال {الحمد لله} قال الملك: رب العالمين، فإذا قال: رب العالمين، قال الملك: يرحمك الله».
-وأخرج البخاري في الأدب، وابن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب النبوي عن علي ابن أبي طالب قال: «من قال عند كل عطسة سمعها {الحمد لله رب العالمين} على كل حال ما كان، لم يجد وجع الضرس والأذن أبدا».
-وأخرج الحكيم الترمذي عن واثله بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بادر العاطس بالحمد لم يضره شيء من داء البطن».
-وأخرج الحكيم الترمذي عن موسى بن طلحة قال: «أوحى الله إلى سليمان: إن عطس عاطس من وراء سبعة أبحر فاذكرني».). [الدر المنثور: 1 /54-66]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 7 شعبان 1435هـ/5-06-2014م, 09:01 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الأحاديث والآثار الواردة في تفسير قول الله تعالى: {الحمدلله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين}


1: حفصٌ، عن حجّاجٍ، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، قال: قال عمر:«قد علمنا سبحان اللّه، ولا إله إلّا اللّه، فما الحمد للّه؟»فقال عليٌّ:«كلمةٌ رضيهااللّه لنفسه». رواه ابن أبي حاتم
2: عليّ بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، قال: قال ابن عبّاسٍ: «الحمد للّه كلمة الشّكر، وإذا قال العبد: الحمد للّه، قال: شكرني عبدي». رواه ابن أبي حاتمٍ، قال السيوطي: ( وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس)
3: أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: أنّه قال: «الحمد للّه هو الشّكر للّه والاستخذاء له، والإقرار له بنعمه وهدايته وابتدائه وغير ذلك». رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم
4: سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، قال: أخبرني السّلوليّ، عن كعبٍ قال: «من قال: الحمد للّه فذلك ثناء على اللّه». رواه ابن جرير واللفظ له، وابن أبي حاتم
5: بزيعٌ أبو حازمٍ، عن يحيى بن عبد الرّحمن- يعني أبا بسطامٍ- عن الضّحّاك قال: «الحمد رداء الرّحمن». رواه ابن أبي حاتم، وأورده السيوطي قال: (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الضحاك)
6: موسى بن أبي حبيب، عن الحكم بن عميرٍ، وكانت له صحبةٌ قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا قلت: الحمد للّه ربّ العالمين، فقد شكرت اللّه، فزادك». رواه ابن جرير، وأورده السيوطي وقال:(وأخرج ابن جرير والحاكم في تاريخ نيسابور والديلمي بسند ضعيف عن الحكم بن عمير).
7: قال ابن كثير: (وقد روى الإمام أحمد بن حنبلٍ: حدّثنا روحٌ، حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، عن الأسود بن سريعٍ، قال: قلت: يا رسول اللّه، ألا أنشدك محامد حمدت بها ربّي، تبارك وتعالى؟ فقال: «أما إنّ ربّكيحبّ الحمد». ورواه النّسائيّ، عن علي بن حجر ... )، وأورده السيوطي وقال: (وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن الأسود بن سريع التميمي )
8: قال ابن كثير: (وروى التّرمذيّ، والنّسائيّ وابن ماجه، من حديث موسى بن إبراهيم بن كثيرٍ، عن طلحة بن خراشٍ، عن جابر بن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أفضل الذّكر لا إله إلّا اللّه، وأفضل الدّعاء الحمد للّه». وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌوأورده السيوطي وقال: (وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان، عن جابر بن عبد الله )
9: قال ابن كثير:(وروى ابن ماجه عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما أنعم اللّه على عبدٍ نعمةً فقال: الحمد للّه إلّا كان الّذي أعطى أفضل ممّا أخذ».) وأورده السيوطي وقال:(وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند صحيح عن أنس)
10: قال السيوطي: (أخرج عبد الرزاق في المصنف والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والخطابي في الغريب والبيهقي في الأدب والديلمي في مسند الفردوس والثعلبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ {الحمد} رأس الشكر فما شكر الله عبد لا يحمده.)
11: قال السيوطي: (وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن النواس بن سمعان قال: سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«لئن ردها الله لأشكرن ربي»فوقعت في حي من أحياء العرب فيهم امرأة مسلمة فوقع في خلدها أن تهرب عليها، فرأت من القوم غفلة فقعدت عليها ثم حركتها فصبحت بها المدينة، فلما رآها المسلمون فرحوا بها ومشوا بمجئها حتى أتوا رسول الله فلما رآها قال:«{الحمد لله}»فانتظروا هل يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم صوما أو صلاة، فظنوا أنه نسي، فقالوا: يا رسول الله قد كنت قلت: «لئن ردها الله لأشكرن ربي»، قال:«ألم أقل{الحمد لله}».).
12: قال السيوطي: (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن الجبائي قال: «الصلاة شكر والصيام شكر وكل خير تفعله لله شكر وأفضل الشكر {الحمد}».)
13: قال السيوطي: ( وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد ينعم عليه بنعمة إلا كان {الحمد} أفضل منها».)
14: قال السيوطي: ( وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في الشعب عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة يحمد الله عليها إلا كان حمد الله أعظم منها كائنة ما كانت».)
15: قال ابن كثير: (قال القرطبيّ في تفسيره، وفي نوادر الأصول عن أنسٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم قال: «لو أنّ الدّنيا بحذافيرها في يد رجلٍ من أمّتي ثمّ قال: الحمد للّه، لكان الحمد للّه أفضل منذلك». )
16: قال السيوطي: ( وأخرج أحمد ومسلم والنسائي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان و{الحمد لله} تملأ الميزان وسبحان الله تملآن -أو تملأ- مابين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها».)
17: قال السيوطي: (وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وحسنه، وابن مردويه عن رجل من بني سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبحان الله نصف الميزان والحمد لله تملأ الميزان والله أكبر يملأ مابين السماء والأرض والطهور نصف الميزان والصوم نصف الصبر».)
18: قال السيوطي: ( وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التسبيح نصف الميزان والحمد لله تملؤه ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه».)
19: الحسن عن الأسود بن سريع أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيء أحب إليه الحمد من الله ولذلك أثنى على نفسه فقال {الحمد لله}».) رواه ابن جرير.
20:قال السيوطي: (وأخرج البيهقي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «التأني من الله والعجلة من الشيطان وما شيء أكثر معاذير من الله وما شيء أحب إلى الله من الحمد».)
21: قال السيوطي: (وأخرج ابن شاهين في السنة والديلمي من طريق أبان عن أنس قال: قال رسول الله: «التوحيد ثمن الجنة و{الحمد لله} ثمن كل قطعة ويتقاسمون الجنة بأعمالهم».)
22: قال السيوطي: (وأخرج الخطيب في تالي التلخيص من طريق ثابت عن أنس مرفوعا: «التوحيد ثمن الجنة والحمد وفاء شكر كل نعمة».)
23: قال السيوطي: (وأخرج البيهقي، عن علي، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية من أهله فقال: «اللهم لك علي إن رددتهم سالمين أن أشكرك حق شكرك»، فما لبثوا أن جاؤا سالمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{الحمد لله} على سابغ نعم الله»، فقلت: يا رسول الله ألم تقل: «إن ردهم الله أن أشكره حق شكره؟» فقال: «أو لم أفعل».)
24: قال السيوطي: (وأخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي عن جعفر بن محمد قال: فقد أبي بغلته فقال: «لئن ردها الله علي لأحمدنه بمحامد يرضاها» فما لبث أن أتى بها بسرجها ولجامها فركبها فلما استوى عليها رفع رأسه إلى السماء فقال:{الحمد لله}لم يزد عليها، فقيل له في ذلك، فقال: «وهل تركت شيئا أو أبقيت شيئا؟ جعلت الحمد كله لله عز وجل». )
25: قال السيوطي: ( وأخرج البيهقي من طريق منصور بن إبراهيم قال: «يقال: إن {الحمد لله} أكثر الكلام تضعيفا». )
26: قال السيوطي: ( وأخرج أبو الشيخ والبيهقي عن محمد بن حرب قال: قال سفيان الثوري: «{الحمد لله} ذكر وشكر وليس شيء يكون ذكرا وشكرا غيره».)
27: قال السيوطي: ( وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «إن العبد إذا قال: سبحان الله فهي صلاة الخلائق وإذا قال {الحمد لله} فهي كلمة الشكر التي لم يشكر عبد قط حتى يقولها وإذا قال لا إله إلا الله فهي كلمة الإخلاص التي لم يقبل الله من عبد قط عملا حتى يقولها وإذا قال: الله أكبر ملأ مابين السماء والأرض وإذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله قال الله: أسلم واستسلم».). )
28: أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال جبريل لمحمّدٍ: قل يا محمّد: الحمد للّه» رواه ابن جرير
29: أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «اللّه ذو الألوهيّة والمعبوديّة على خلقه أجمعين». رواه ابن جرير، وأورده السيوطي وقال: (وأخرج ابن جريج، وابن أبي حاتم عن ابن عباس).
30: أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: «ثمّ قال جبريل عليه السّلام: قال: {الحمد للّه ربّ العالمين}، قال: يا محمّد، له الخلق كلّه، السّماوات كلّهنّ ومن فيهنّ، والأرضون كلّهنّ ومن فيهنّ، وما بينهنّ ممّا يعلم وممّا لا يعلم». رواه ابن أبي حاتم واللفظ له، ورواه ابن جرير.
31: شبيبٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{ربّ العالمين}: الجنّ والإنس». رواه ابن جرير، وأورده السيوطي وقال: (أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وصححه من طرق عن ابن عباس)
32: قيسٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {ربّ العالمين} قال: «الجنّ والإنس». رواه ابن جرير.
33: ابن لهيعة، عن عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {ربّ العالمين} قال: «ابن آدم، والجنّ والإنس كلّ أمّةٍ منهم عالمٌ على حدته». رواه ابن جرير
34: مهران، عن سفيان، عن مجاهدٍ: {الحمد للّه ربّ العالمين} قال: «الإنس والجنّ». رواه ابن جرير ، وأورده السيوطي وقال: (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد)
35: يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة: {ربّ العالمين} قال: «كلّ صنفٍ: عالمٌ». رواه ابن جرير ،وأورده السيوطي وقال: ( وأخرج ابن جريج عن قتادة)
36: سنيد عن حجّاجٌ عن ابن جريجٍ، في قوله: {ربّ العالمين} قال: «الجنّ والإنس»). رواه ابن جرير
37: عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ربّ العالمين} قال: «الجنّ والإنس». رواه ابن أبي حاتم وقال: (وروي عن عليّ بن أبي طالبٍ بإسنادٍ لا يعتمد عليه مثله- وروي عن مجاهدٍ مثله).
38: أبو جعفرٍ الرازيّ، عن ربيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، في قوله: {ربّ العالمين} قال: «الإنس عالمٌ، والجنّ عالمٌ، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالمٍ، أو أربعة عشر ألف عالمٍ -وهو يشكّ- من الملائكة على الأرض، وللأرض أربع زوايا، في كلّ زاويةٍ ثلاثة آلاف عالمٍ وخمسمائة عالمٍ، خلقهم لعبادته» . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
39: الفرات بن الوليد، عن معتب بن سميٍّ، عن تبيعٍ -يعني الحميري (قاله ابن كثير)-، في قوله: {ربّ العالمين}، قال: «العالمين ألف أمّةٍ، فستّمائةٍ في البحر، وأربعمائةٍ في البرّ». رواه ابن أبي حاتم واللفظ له، قال ابن كثير: (حكاه البغوي عن سعيد بن المسيب) بلفظ قريب، وأورده السيوطي وقال: (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن تتبع الجهري) [هذا تصحيف]
40: حسين بن واقدٍ عن مطرٍ الورّاق، عن قتادة في قول اللّه: {ربّ العالمين} قال: «ما وصف من خلقه». رواه ابن أبي حاتم
41: قال ابن كثير: (وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة مروان بن محمّد بن مروان بن الحكم -وهو آخر خلفاء بني أميّة ويعرف بالجعد ويلقّب بالحمار- أنّه قال: خلق اللّه سبعة عشر ألف عالمٍ أهل السّماوات وأهل الأرض عالمٌ واحدٌ وسائر ذلك لا يعلمه إلّا اللّه، عزّ وجلّ).
42: قال ابن كثير: ( قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن عليّ بن المثنّى في مسنده: حدّثنا محمّد بن المثنّى، حدّثنا عبيد بن واقدٍ القيسيّ، أبو عبّادٍ، حدّثني محمّد بن عيسى بن كيسان، حدّثنا محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللّه، قال: قلّ الجراد في سنةٍ من سني عمر الّتي ولي فيها فسأل عنه، فلم يخبر بشيءٍ، فاغتمّ لذلك، فأرسل راكبًا يضرب إلى اليمن، وآخر إلى الشّام، وآخر إلى العراق، يسأل: هل رئي من الجراد شيءٌ أم لا؟ قال: فأتاه الرّاكب الّذي من قبل اليمن بقبضةٍ من جرادٍ، فألقاها بين يديه، فلمّا رآها كبّر، ثمّ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول:«خلق اللّه ألف أمّةٍ، ستّمائةٍ في البحر وأربعمائةٍ في البرّ، فأوّل شيءٍ يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلك تتابعت مثل النّظام إذا قطع سلكه». محمّد بن عيسى هذا -وهو الهلاليّ-ضعيفٌ.)، وأورده السيوطي وقال: ( وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو يعلى في مسنده، وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب في التاريخ بسند ضعيف، عن جابر بن عبد الله)
43: قال ابن كثير:(قال وهب بن منبّهٍ: «للّه ثمانية عشر ألف عالم؛ الدّنيا عالمٌ منها». نقله البغوي)، وأورده السيوطي وقال: (أخرج أبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية عن وهب)
44: قال ابن كثير: (قال مقاتلٌ: «العوالم ثمانون ألفًا». نقله البغوي.)
45: قال ابن كثير: (قال كعب الأحبار: «لا يعلم عدد العوالم إلّا اللّه عزّ وجلّ». نقله البغويّ.)
46: قال ابن كثير: (وحكى القرطبيّ عن أبي سعيدٍ الخدريّ أنّه قال: «إنّ للّه أربعين ألف عالمٍ؛ الدّنيا من شرقها إلى مغربها عالمٌ واحدٌ منها»)
47: قال السيوطي: (وأخرج الثعلبي من طريق شهر بن حوشب عن أبي كعب قال: «العالمون الملائكة وهم ثمانون ثمانية عشر ألف ملك منهم أربعمائة أو خمسمائة ملك بالمشرق ومثلها بالمغرب ومثلها بالكتف الثالث من الدنيا ومثلها بالكتف الرابع من الدنيا مع كل ملك من الأعوان ما لا يعلم عددهم إلا الله».)
48: أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: «أوّل ما نزل جبريل على النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال له جبريل: قل: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، يقول: الرّحيم: الرّقيق الرّفيق لمن أحبّ أن يرحمه، البعيد الشّديد على من أحبّ أن يعنّف عليه العذاب». رواه ابن أبي حاتم واللفظ له، وابن جرير
49: زيد بن الحباب حدّثني، أبو الأشهب عن الحسن، قال:«الرّحمن اسمٌ لا يستطيع النّاس أن ينتحلوه، تسمّى به تبارك وتعالى» رواه ابن أبي حاتم
50: مطرّفٍ، عن سعد بن إسحاق، عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-: «يقول اللّه: [قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي، فإذا قال: {الحمد للّه ربّ العالمين}، قال: [مدحني عبدي]، وإذا قال: {الرّحمن الرّحيم} قال: [أثنى عليّ عبدي]». رواه ابن أبي حاتم
51: السّريّ بن يحيى التّميميّ، قال: حدّثنا عثمان بن زفرٍ، قال: سمعت العرزميّ، يقول: «{الرّحمن الرّحيم}»، قال: «الرّحمن بجميع الخلق». {الرّحيم} قال: «بالمؤمنين». رواه ابن جرير
52: محمّد بن عبد الرّحمن العرزميّ، ثنا أبي، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: {الرّحمن الرّحيم} قال: «الرّحمن بجميع خلقه، والرّحيم بالمؤمنين خاصّةً». رواه ابن أبي حاتم.
53: حدّثت عن كثير بن شهابٍ، عن الحكم بن هشامٍ، حدّثني خالد بن صفوان التّميميّ في قوله: {الرّحمن الرّحيم} قال: «هما رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر». رواه ابن أبي حاتم
54: أبو روقٍ، عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قال: «أوّل ما نزل جبريل على محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال له جبريل: قل يا محمّد: بسم اللّه. يقول: اقرأ بذكر ربّك وقم واقعد بذكره بسم اللّه الرّحمن»، قال: «يقول: الرّحمن: الفعلان من الرّحمة». رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير.
55: حمّاد بن مسعدة، عن عوفٍ، عن الحسن، قال: «الرّحمن اسمٌ ممنوعٌ». رواه ابن جرير.
56: ابن مسعودٍ، ومسعر بن كدامٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ -يعني الخدريّ- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ عيسى ابن مريم قال: الرّحمن: رحمن الآخرة والدّنيا، والرّحيم: رحيم الآخرة». رواه ابن جرير، وأورده السيوطي وقال: (وأخرج ابن جرير، وابن عدي في الكامل، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق والثعلبي بسند ضعيف جدا عن أبي سعيد الخدري) وقال: وأخرج ابن أبي حاتم من طريق جويبر عن الضحاك، مثل قوله.
57: قال السيوطي: (وأخرج ابن أبي حاتم قال: «{الرحيم}اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه».)
58: قال السيوطي: ( وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: «{الرحمن} وهو الرفيق {الرحيم} وهو العاطف على خلقه بالرزق وهما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر».)
59: أبو الأزهر نصر بن عمرٍو اللّخميّ من أهل فلسطين، قال: سمعت عطاءً الخراسانيّ، يقول: «كان الرّحمن، فلمّا اختزل الرّحمن من اسمه كان الرّحمن الرّحيم». رواه ابن جرير
60: قال السيوطي: (وأخرج البزار والحاكم والبيهقي في الدلائل بسند ضعيف عن عائشة قالت: «قال لي أبي: ألا أعلمك دعاء علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، قال: وكان عيسى يعلمه للحواريين، لو كان عليك مثل أحد ذهبا لقضاه الله عنك، قلت: بلى، قال: قولي:«اللهم فارج الهم كاشف الغم -ولفظ البزار:وكاشف الكرب- مجيب دعوة المضطرين رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها أنت ترحمني رحمة تغنني بها عمن سواك».)
61: قال السيوطي: ( - وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الكلمات ويعلمهن:«اللهم فارج الهم وكاشف الكرب ومجيب المضطرين ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمها أنت ترحمني فارحمني رحمة تغنني بها عمن سواك».)
62: قال ابن كثير: (وقال ابن المبارك: «الرّحمن إذا سئل أعطى، والرّحيم إذا لمّ يسأل يغضب» )
63: معمر، عن قتادة في قوله: {مالك يوم الدين} قال: «يوم يدين الله العباد بأعمالهم» رواه عبدالرزاق، (قال السيوطي: وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة)
64: سفيان عن العلاء، عن أبيه أو غيره، عن أبي هريرة، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «قال اللّه تعالى: [كتبت الصّلاة بيني وبين عبدي]، فإذا قال العبد: {مالك يوم الدّين} قال: [فوّض عبدي وأثنى عليّ]». رواه ابن أبي حاتم.
65: أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{مالك يوم الدّين} يقول: لا يملك أحدٌ في ذلك اليوم معه حكمًا كملكهم في الدّنيا». رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
66: أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: {يوم الدّين} قال: «يوم حساب الخلائق هو يوم القيامة، يدينهم بأعمالهم، إن خيرًا فخيرٌ وإنّ شرًّا فشرٌّ، إلاّ من عفا عنه، فالأمر أمره». ثمّ قال: «{ألا له الخلق والأمر}». رواه ابن جرير واللفظ له، وابن أبي حاتم.
67: إسماعيل بن عبد الرّحمن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «{مالك يوم الدّين}: هو يوم الحساب». رواه ابن جرير، والنحاس، والحاكم وقال:(هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه)
68: سنيد عن حجّاجٌ عن ابن جريجٍ: {مالك يوم الدّين} قال: «يوم يدان النّاس بالحساب». رواه ابن جرير
69: محمود عن سفيان، عن حميدٍ الأعرج في قول اللّه {مالك يوم الدّين} قال: «يوم الجزاء» رواه ابن أبي حاتم


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 9 شعبان 1435هـ/7-06-2014م, 10:01 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

المسائل التفسيرية في قول الله تعالى: {الحمدلله ربّ العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين}

1: ما ورد في فضل قول العبد (الحمدلله)
{الحمدلله} هي كلمة الشكر والثناء على الله تعالى، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس وكعب.

فقول العبد (الحمدلله):
- هو شكره لله تعالى حقّ شكره، رواه البيهقي عن علي مرفوعا، وأورده السيوطي.
- هو إقراره لله تعالى بنعمه وهدايته وغير ذلك، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
- هو حمده لله تعالى بمحامد يرضاها، وذلك أنه جعل الحمد كلّه لله تعالى، رواه أبو نعيم والبيهقي عن جعفر بن محمد، وأورده السيوطي.
- هو قرنه بين توحيد الله تعالى وحمده، ذكره ابن كثير.
- هو أفضل الدعاء، رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن جابر بن عبدالله مرفوعا، وأورده ابن كثير والسيوطي، ورواه ابن حبان والبيهقي، وأورده السيوطي.
- هو ذكر وشكر، رواه أبو الشيخ والبيهقي عن سفيان الثوري كما ذكره السيوطي.
- والحمدلله تملأ الميزان، رواه أحمد ومسلم والنسائي عن أبي موسى الأشعري مرفوعا، ورواه سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وابن مردويه عن رجل من بني سليم مرفوعا، ورواه الترمذي عن ابن عمر مرفوعا، وأورده السيوطي.
قال ابن كثير: (وقال القرطبي في تفسيره وفي نوادر الأصول عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنّ الدّنيا بحذافيرها في يد رجلٍ من أمّتي ثمّ قال: الحمد للّه، لكان الحمد للّه أفضل من ذلك». قال القرطبيّ وغيره: أي لكان إلهامه الحمد للّه أكبر نعمةً عليه من نعم الدّنيا؛ لأنّ ثواب الحمد لا يفنى ونعيم الدّنيا لا يبقى)

2: معنى قوله تعالى: {الحمدُلله}
فيه قولان:

الأول: هو الشكر لله، وهذا اختيار ابن جرير الطبري ومكّي
الثاني: هو الثناء على الله تعالى، وهذا اختيار ابن عطية
وجمع بين القولين الزجاج وابن كثير، قال الزجاج: "معنى الحمد: الشكر والثناء على الله تعالى"

3: الفرق بين الحمد والشكر
فيه أربعة أقوال:

القول الأول: أنهما بمعنى واحد، وهذا اختيار ابن جرير الطبري، وقال فيه ابن عطية: ذلك غير مرضي، وقال ابن كثير: فيه نظر.
القول الثاني: أن الحمد أعم؛ قالوا: الحمد يقع على الثناء وعلى التحميد وعلى الشكر والجزاء، والشكر مخصوص بما يكون مكافأة لمن أولاك معروفا، وهذا اختيار النحاس وابن عطية.
القول الثالث: أن بينهما عموم وخصوص؛ فالحمد أعم من حيث أنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية، في حين أن الشكر لا يكون إلا على الصفات المتعدية.
والشكر أعمّ من حيث أنه يكون بالقول والعمل والنيّة، والحمد أخصّ لأنه لا يكون إلا بالقول، وهذا اختيار ابن كثير.
القول الرابع: أن الحمد ثناء على الله تعالى بأسمائه وصفاته، والشكر لله ثناء عليه بنعمه وأياديه، ذكره ابن جرير وابن عطيّة.

4: فائدة إدخال الألف واللام في (الحمدُلله)
فإن قيل: ما فائدة إدخال الألف واللام في (الحمدُلله)؟
قيل: لبيان أن جميع المحامد والشكر الكامل لله تعالى.
ولو أسقطنا الألف واللام لما دلّنا على هذا المعنى، ولاقتصر معناه على حمد قائل ذلك لله دون المحامد كلّها، وهذا حاصل قول أبو العباس أحمد -ثعلب- وابن عطية، وهو قول ابن جرير الطبري.

5: معنى اسم الله تعالى: (الله)
معناه:هو الذي يألهه كلّ شيء، ويعبده كلّ خلق، ذكره ابن جرير الطبري.
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «اللّه ذو الألوهيّة والمعبوديّة على خلقه أجمعين».

6: معنى قوله تعالى: {ربّ}
لغة: الربّ يتصرّف في كلام العرب على معان:
السيّد المطاع، والمالك للشيء، والرجل المصلح للشيء، ذكره ابن جرير الطبري والنحاس وابن عطية وابن كثير.
ثم قال ابن كثير: (وكل ذلك صحيح في حقّ الله تعالى)، وقال ابن عطية: (وهذه الاستعمالات قد تتداخل؛ فالرب على الإطلاق الذي هو رب الأرباب على كل جهة هو الله تعالى) ، وبمثل هذا المعنى قال ابن جرير الطبري.

7: اشتقاق لفظ العالم.
لغة: جمع عالم، وهو كل موجود سوى الله تعالى، وعالم جمع لا واحد له من لفظه، وهو مأخوذ من العلم والعلامة لأنه يدلّ على موجده، كما ذكر ذلك ابن جرير الطبري والزجاج والنحاس وابن عطية وابن كثير.

8: المراد بـــ {العالمين} في الآية.
واختلفوا في المراد بــــــ{العالمين} في الآية على أقوال:
القول الأول: قالوا: {العالمين} كل ما خلق الله في الدنيا والآخرة، فالعالمين: أي المخلوقين، وهذا اختيار أبوعبيدة وعبدالله اليزيدي وابن جرير الطبري والزجاج ومكّي وابن عطية وابن كثير.
وقال ابن كثير: (قال القرطبي: وهذا هو الصحيح؛ أنه شامل لكلّ العالمين لقوله: {قال فرعون وما ربّ العالمين . قال ربّ السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين})
القول الثاني: أنهم عبارة عمّا يعقل: وهم الإنس والجنّ والملائكة والشيطين، وهذا اختيار عبدالله الدينوري والنحاس.
القول الثالث: أنهم الجنّ والإنس فقط، ذكره ابن أبي حاتم، وقال ابن كثير: (واستدلّ القرطبي لهذا القول بقوله: {ليكون للعالمين نذيرا} وهم الإنس والجنّ)
القول الرابع: أنهم عبارة عن كلّ ما له روح يرتزق، ذكره ابن كثير عن زيد بن أسلم وأبي عمرو بن العلاء.

9: معنى قوله تعالى: {الرحمن الرحيم}
هما اسمان مشتقّان من الرحمة على وجه المبالغة، وهي في اللغة: بمعنى الحنوّ والعطف.
ورحمن أشدّ مبالغة من رحيم، ومعناه: أنه انتهى إلى غاية الرحمة، وهذا حاصل ما ذكره البخاري والعيني وابن جرير الطبري والزجاج وابن عطية وابن كثير.
وقال الزجاج: (هذه الصفات لله عزوجل، معناه فيما ذكر أبو عبيدة: ذو الرحمة، ولا يجوز أن يقال الرحمن إلا لله)
وقد روى ابن أبي حاتم من طريق زيد بن الحباب عن أبي الأشهب عن الحسن قال: :«الرّحمن اسمٌ لا يستطيع النّاس أن ينتحلوه، تسمّى به تبارك وتعالى»
ومما ورد في الأثر من التفريق بين معنيهما:
- قيل: هما بمعنى واحد، ولكن أحدهما أبلغ من الآخر، ذكره ابن عطية وهو اختيار القرطبي ذكر ذلك ابن كثير.
- وقيل: الرحمن بجميع خلقه، والرحيم بالمؤمنين، رواه ابن جرير عن العرزميّ، وابن أبي حاتم عن الضحاك.
- وقيل: الرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة، رواه ابن جرير من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا، ورواه ابن عديّ وابن مردويه وأبونعيم وابن عساكر كما ذكره السيوطي.
- وقيل: الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة التي يختصّ به الله تعالى، والرحيم إنما هو في جهة المؤمنين، ذكره ابن عطية.
وقال ابن عطية في جميع هذه الأقوال أنها تتعاضد.
- وقيل: كان الرحمن فلما اختزل وتسمّى به مسيلمة قال الله لنفسه: (الرحمن الرحيم)، رواه ابن جرير عن عطاء الخراسانيّ، وقال فيه ابن عطية: (وهذا ضعيف)
- وقيل: الرحمن عبرانيّ، والرحيم عربيّ، ذكره ابن كثير والنحاس وقال: (هذا القول مرغوب عنه).

10: وجه التكرير في قوله: {الرحمن الرحيم} وهما اسمان مشتقان من الرحمة.
فإن قيل: ما وجه التكرير في قوله تعالى: {الرحمن الرحيم} وهما اسمان مشتقان من الرحمة؟
قيل: لكلّ كلمة منهما معنًى لا تؤدّي الأخرى منهما عنها.
فمن جهة اللغة: الرحمن أشدّ مبالغة من الرحيم، فبناء (فعلان) من أبنية ما يبالغ في وصفه، وهي أبلغ من فعيل، وفعيل أبلغ من فاعل؛ لأن راحماً يقال لمن رحم ولو مرة واحدة، ورحيما يقال لمن كثر منه ذلك، والرحمن النهاية في الرحمة، فـــ "رحمن" الذي وسعت رحمته كلّ شيء، وهذا حاصل قول الزجاج وابن عطية وابن كثير.
وأما من جهة الأثر ففيه اختلاف:
- قيل: في تأويل كل واحد منهما من المعنى الذي ليس الآخر منهما:
فقالت طائفة: الرحمن بجميع الخلق، والرحيم بالمؤمنين، رواه ابن جرير عن العرزميّ، وابن أبي حاتم عن الضحّاك.
وقالت طائفة: الرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة، رواه ابن جرير من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا، ورواه ابن عديّ وابن مردويه وأبونعيم وابن عساكر كما ذكره السيوطي.
وذكر هذا القول ابن جرير والعيني وابن عطية وابن كثير.
- وقيل: أنه تعالى فصل بتكرير الرحيم على الرحمن بين اسمه واسم غيره من خلقه، ذكره ابن جرير والنحاس وابن عطية وابن كثير
- وقيل: جمع بينهما للتوكيد، وهو قول النحاس وقال: (هذا قول حسن) واستشهد له بقول محمد بن يزيد: (أنه تفضّل بعد تفضّل، وإنعام بعد إنعام، وتقوية لمطامع الدّاعين، ووعد لا يخيب آمله)
وردّ ابن كثير قول من قال: أن الرحيم أشدّ مبالغة من الرحمن لأنه أكّد به، وقال: (إنما هو من باب النعت بعد النعت)، وأنه تعالى إنما ابتدأ باسمه الرحمن لأنه أخصّ وأعرف من الرحيم.
- وقيل: الرحيم عربيّ، والرحمن عبرانيّ، ولهذا جمع بينهما، ذكره النحاس وقال: (وهذا القول مرغوب عنه)

11: تكرر {الرحمن الرحيم} في الفاتحة حجة لمن ذهب إلى أن البسملة ليست بآية منها.
ذهب لذلك ابن جرير الطبريّ وقال: (إذ لو كان كذلك -أي البسملة آية من الفاتحة- لكان ذلك إعادة آية بمعنى واحد ولفظٍ واحد مرتين).

12: معنى قوله تعالى: {مالك يوم الدين}
أي يوم القيامة يدين الله العباد بأعمالهم إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ، إلا من عفا عنه، فالأمر أمره، رواه عبدالرزاق عن قتادة، وابن جرير عن ابن عباس، ورواه عبد بن حميد عن قتادة كما ذكره السيوطي في الدرّ المنثور.

13: سبب تخصيص الملك بيوم الدين.
فإن قيل: ما سبب تخصيص الملك بيوم الدين، والله عز وجل يملك كلّ شيء؟
قيل: الجواب عن ذلك فيه ثلاثة أقوال:
الأول: أنه اليوم الذي يضطرّ فيه المخلوقون إلى أن يعرفوا أن الأمر كلّه لله تعالى، وهو قول الزجاج والنحاس.
الثاني: أنه اليوم الذي لا يملك فيه أحد لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًا، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه، وهذا القول يُفهم مما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس، وهو قول الزجاج والنحاس وابن كثير.
الثالث: خصّه بالذكر لعظمه في جمعه وحوادثه، ذكره ابن عطية

14: معنى قوله تعالى: {الدّين}
الدين في اللغة: الجزاء والحساب، ومن أمثال العرب: (كما تدين تُدان) أي كما تعمل تُعطى وتُجازى.
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {يوم الدين} قال: «الدّين يوم حساب الخلائق هو يوم القيامة، يدينهم بأعمالهم، إن خيرًا فخيرٌ وإنّ شرًّا فشرٌّ، إلاّ من عفا عنه».
فالدين في هذا الموضع بتأويل الحساب والمجازاة بالأعمال وهو يوم القيامة، وهذا قول عامّة المفسرين.
ويجئ الدين في لغة العرب على معان أخرى منها: الملة، العادة، سيرة الملك وملكته، وقال ابن عطية: وهذه الثلاث لا يفسّر بها قوله تعالى: {مالك يوم الدين}، ويجئ كذلك على معان: العمل، والحال، والخلق، والطاعة، والقهر، والشريعة، والطاعة، والورع، والسياسة، كما ذكر ذلك أبو سعيد السكري وعبد الله الدينوري وابن حجر والعيني والمبرّد والزجاج والنحاس وأبو علي القالي وابن عطية.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تجب, في


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:26 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir