دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الرسالة التدمرية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #4  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 05:59 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التوضيحات الأثرية للشيخ: فخر الدين بن الزبير المحسِّي


دِينُ الرسُلِ هو الإسلامُ
قولُه: ( وهذا الدِّينُ هو دِينُ الإسلامِ الذي لا يَقْبَلُ اللهُ دِينًا غيرَه، لا من الأوَّلِينَ،ولا من الآخِرِينَ؛فإنَّ جميعَ الأنبياءِ على دِينِ الإسلامِ، قالَ اللهُ تعالى عن نوحٍ: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ } – إلى قولِه – { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.

وقالَ عن إبراهيمَ: { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إَبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ }– إلى قولِه– { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } - إلى قولِه– { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ} وقالَ عن موسى{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} وقالَ في حَوَارِيِّي المسيحِ: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمنَّا* وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} وقالَ فيمَن تَقَدَّمَ من الأنبياءِ: { يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} وقالَ عن بِلْقِيسَ:إنها قالَتْ: { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

التوضيحُ

بيَّنَ شيخُ الإسلامِ هنا أنَّ هذا الدِّينَ الذي اتَّفَقَتْ عليه الرُّسُلُ هو دِينُ الإسلامِ،ثم ذَكَرَ الأدلَّةَ على ذلك وهي واضحةٌ وصريحةٌ.
معنى الإسلامِ الذي اتَّفَقَتْ عليه الرُّسُلُ
قولُه:( فالإسلامُ يَتَضَمَّنُ الاستسلامَ للهِ وَحْدَه، فمَن اسْتَسْلَمَ له ولغيرِه كان مُشْرِكًا، ومَن لم يَسْتَسْلِمْ له كان مُسْتَكْبِرًا عن عِبادتِه، والْمُشرِكُ به والْمُستكبِرُ عن عِبادتِه كافِرٌ،والاستسلامُ له وَحْدَه يَتَضَمَّنُ عِبادتَه وَحْدَه، وطاعتَه وَحْدَه؛ فهذا دِينُ الإسلامِ الذي لا يَقْبَلُ اللهُ غيرَه، وذلك إنما يكونُ بأن يُطاعَ في كلِّ وقتٍ، بفِعْلِ ما أَمَرَ به في ذلك الوقتِ، فإذا أَمَرَ في أوَّلِ الأمْرِ باستقبالِ الصخرةِ، ثم أَمَرَنَا ثانيًا باستقبالِ الكعبةِ كان كلٌّ من الْفِعْلَيْنِ حينَ أَمَرَ به داخلاً في الإسلامِ، فالدِّينُهو الطاعةُ والعِبادةُ له في الفِعْلَيْنِ، وإنما تَنَوُّعُ بعضِ صُوَرِ الفِعْلِ، وهو وِجهةُ المصلِّي،فكذلك الرُّسُلُ وإن تَنَوَّعَتْ الشِّرْعَةُ والمِنهاجُ والوِجهةُ، والْمَنْسَكُ فإنَّ ذلك لا يَمْنَعُ أن يكونَ الدِّينُ واحدًا،كما لم يَمْنَعْ ذلك في شريعةِ الرسولِ الواحدِ).

التوضيحُ

بعدَ أن بَيَّنَ شيخُ الإسلامِ اتِّفاقَ الأنبياءِ في دِينِ الإسلامِ أَرادَ أن يُوَضِّحَ هذا الإسلامَ الذي اتَّفَقَتْ عليه الرسُلُ فإنه قد يَتساءلُ البعضُ قائلاً:
كيف نقولُ إنهم اتَّفَقوا على الإسلامِ مع اختلافِهم في الكُتُبِ والشرائِعِ؟

وللجوابِ عن هذا السؤالِ نَتَكلَّمُ عن مسألتين:

الأُولى: معنى هذا الإسلامِ.

الثانيةُ: وجهُ كونِ دِينِ الأنبياءِ واحدًا مع اختلافِ شرائعِهم.

أوَّلاً: معنى الإسلامِ
قالَ شيخُ الإسلامِ: " فالإسلامُ يَتَضَمَّنُ الاستسلامَ للهِ وَحْدَه" وهذه عِبارةٌ جامعةٌ لمفهومِ الإسلامِ تَشْمَلُ أمْرَيْنِ عظيمينِ هما:
عِبادةُ اللهِ وهي الاستسلامُ والتَّذَلُّلُ والخضوعُ والانقيادُ له.
إفرادُه بهذه العِبادةِ، فمَن لم يُفْرِدْه بالعِبادةِ كان مُشْرِكًا. ومَن استَكْبَرَ عن عِبادتِه ولم يَسْتَسْلِمْ له كان كافرًا مُتَكَبِّرًا، وقد جَمَعَ اللهُ بينَهما بقولِه: { اعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا }، وتَوَعَّدَ مَن اسْتَكْبَرَ عن عِبادتِه بقولِه: { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} كما ذَمَّ مَن عَبَدَ اللهَ وعَبَدَ غيرَه بقولِه: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ } فمَن أَخَلَّ بأَحَدِ الأمرين كان كافرًا؛لأنَّ الْمُشْرِكَ والْمُسْتَكْبِرَ من الكافرين، وهذا كما سيأتي هو مفهومُ الإسلامِ العامُّ الذي جاءتْ به الرُّسُلُ.
ثانيًا: وجهُ كونِ دِينِ الأنبياءِ واحدًا

تَبَيَّنَ أنَّ الإسلامَ هو الاستسلامُ والطاعةُ والعِبادةُ للهِ،ثم إفرادُه بهذه العِبادةِ، وإنما تكونُ العِبادةُ صحيحةً مقَبُولةً إذا وافَقَتْ ما أَمَرَ اللهُ به، فإذا أَمَرَ اللهُ تعالى باستقبالِ الصخرةِ أي: بيتِ المقدِسِ-كان امتثالُ هذا الأمْرِ هو المطلوبَ، ثم إذا أَمَرَ باستقبالِ الكعبةِ كان امتثالُ الأمْرِ الثاني هو المطلوبَ، ومع ذلك لم يَخْرُجِ الفِعلانِ عن دِينِ الإسلامِ؛لأنَّ كلَّ فِعْلٍ وافَقَ الأمْرَ في ذلك الوقتِ، فإذا كان هذا التنَوُّعُ حاصلاً في شريعةِ الرسولِ الواحدِ فكذلك إذا تَنَوَّعَت الشِّرْعَةُ والْمِنهاجُ والْمَنْسَكُ-أي:العِبادةُ- بينَ الرُّسُلِ، لم يَمْنَعْ ذلك أن يكونَ دينُهم واحدًا،كما لم يَمْنَعْهُ في شِرعةِ الرسولِ الواحدِ.

لذلك قالَ تعالى: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } قالَ ابنُ عبَّاسٍ وغيرُه: ( سُنَّةً وسَبيلاً ) وقالَ تعالى: { لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} فهذا دليلٌ على الاختلافِ في بعضِ الأحكامِ،فيُجْمَعُ مع ما يَدُلُّ على أنَّ دينَهم واحدٌ بما سَبَقَ.
من دِينِ الرسُلِ وجوبُ الإيمانِ بجميعِ الرُّسُلِ

قولُه: ( واللهُ تعالى جَعَلَ من دِينِ الرُّسُلِ: أنَّ أوَّلَهُمْ يُبَشِّرُ بآخِرِهم ويُؤْمِنُ به، وآخِرُهم يُصَدِّقُ بأَوَّلِهِمْ ويُؤْمِنُ به، قالَ اللهُ تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ * قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِيقَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ}.
قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: " لم يَبْعَث اللهُ نبيًّا إلا أَخذَ عليه ميثاقًا: لئن بُعِثَ محمَّدٌ،وهو حيٌّ،ليُؤْمِنَنَّ به وليَنْصُرَنَّهُ، وأَمَرَه أن يَأخُذَ الْمِيثاقَ على أُمَّتِه لئن بُعِثَ محمَّدٌ وهم أحياءٌ ليُؤْمِنُنَّ به وليَنْصُرُنَّه ".
قالَ تعالى: { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ * فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ * لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } ).

التوضيحُ

جَعَلَ اللهُ تعالى من دِينِ الرسُلِ أن يُبَشِّرَ أوَّلُهُم بآخِرِهم ويُؤْمِنَ به،وأن يُصَدِّقَ آخِرُهم بأَوَّلِهم ويُؤْمِنَ به، فدليلُ تبشيرِ أوَّلِهِم بآخِرِهم وإيمانِهم به ما يَلِي:
قولُه تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ * قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} قالَ الإمامُ القُرطبيُّ: ( أَخذَ اللهُ مِيثاقَ الأوَّلِ من الأنبياءِ أن يُؤْمِنَ بما جاءَ به الآخِرُ) والإصْرُ هو العَهْدُ. قالَ ابنُ عبَّاسٍ في تفسيرِ الآيةِ:( لم يَبْعَث اللهُ نَبِيًّا إِلاَّ أَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثاقَ لَئِنْ بُعِثَ محمَّدٌ،وهو حَيٌّ،ليُؤمِنَنَّ به وليَنْصُرَنَّه،وأَمَرَه أن يَأخُذَ الْمِيثاقَ على أمَّتِه لَئِنْ بُعثَ محمَّدٌ، وهم أحياءٌ، ليُؤْمِنُنَّ به ويَنْصُرُنَّهُ".

وقولُه:{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ } ودليلُ تصديقِ آخِرِهم بأوَّلِهم وإيمانِهم بهم قولُه تعالى: { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ * فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } قالَ ابنُ عبَّاسٍ ومجاهِدٌ وغيرُه: ( مُهَيْمِنًا) أي:شاهِدًا،ومنه قولُ حسَّانَ:

إنَّ الكتابَ مُهَيْمِنٌ لنبيِّنَا = والحقُّ يَعرِفُه ذَوُو الألبابِ

وقيلَ:( مُهَيْمِنًا ) أي قاضيًا، وقيلَ:رقيبًا حافِظًا، وقيلَ:حاكِمًا.وقيلَ:أمِينًا، قالَ الإمامُ ابنُ كثيرٍ:" وهذه الأقوالُ كلُّها متقارِبَةُ المعنى؛فإنَّ اسمَ الْمُهَيْمِنِ يَتَضَمَّنُ هذا كلَّهُ،فهو أمينٌ وشاهِدٌ وحاكِمٌ على كلِّ كتابٍ قَبْلَه " وقد اجْتَمَعَ التصديقُ بالأوَّلِ والتبشيرُ بالآخِرِ في قولِه تعالى: { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ }.
تَلازُمُ الإيمانِ بالرُّسُلِ
قولُه: ( وجَعَلَ الإيمانَ بهم مُتلازِمًا، وكَفَّرَ مَن قالَ: إنه آمَنَ ببعضٍ وكَفَرَ ببعضٍ، قالَ اللهُ تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاًأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا } وقالَ تعالى: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } وقد قالَ لنا: { قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا* وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } فأُمِرْنَا أن نقولَ:آمَنَّا بهذا كلِّه،ونحن له مُسلمونَ ).


التوضيحُ

أَثْبَتَ شيخُ الإسلامِ أنَّ مِن دِينِ الرسُلِ الإيمانَ بجميعِ الرسُلِ،ويُبَيِّنُ هنا تَلازُمَ الإيمانِ بالرسُلِ،فمَن آمَنَ ببعضِ الرسُلِ وَجَبَ عليه الإيمانُ بجميعِهم،ومَن كَفَرَ ببعضِهم يُعْتَبَرُ كافرًا بجميعِهم،وأَدِلَّةُ ذلك ما يَلِي:
قولُه تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا }.
قولُه: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }.
قولُه: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ.. } الآيةُ ).
مَن بَلَغَتْهُ رِسالَةُ محمَّدٍ ولم يُقِرَّ بها فهو كافِرٌ.
قولُه: ( فمَنْ بَلَغَتْهُ رسالةُ محمَّدٍ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يُقِرَّ بما جاءَ به لم يكنْ مُسْلِمًا بل يكونُ كافرًا،وإن زَعَمَ أنه مُسْلِمٌ أو مُؤمِنٌ كما ذَكَروا أنه لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } قالَت اليهودُ والنَّصَارى:فنحن مسلمون؟.

فأَنْزَلَ اللهُ { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} فقالوا:لا نَحُجُّ، فقالَ تعالى: { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} فإنَّ الاستسلامَ للهِ لا يَتِمُّ إلا بالإقرارِ لِمَا له على عِبادِه من حِجِّ البيتِ، كما قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( بُنِيَ الْإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقَامُ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانِ وَحِجُّ الْبَيْتِ ) ولهذا لَمَّا وَقَفَ النبيُّ بعَرَفَةَ أَنْزَلَ اللهُ تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِينًا } ).

التوضيحُ

بما أنَّ دِينَ الأنبياءِ يُوجِبُ الإيمانَ بجميعِ الأنبياءِ فمَن بَلَغَتْهُ رسالةُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،ولم يُؤْمِنُ بها،كان كافرًا،وإن زَعَمَ أنه يُؤْمِنُ بِمَنْ سَبَقَ من الأنبياءِ كاليهودِ والنَّصَارى؛لأنَّ كُفْرَهم بالنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقْضٌ لإيمانِهم ببقيَّةِ الأنبياءِ،كما قالَ تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}وقد بيَّنَّا أنَّ الإسلامَ عِبادةُ اللهِ بما شَرَعَ مَنْسوخًا، لذلك لَمَّا نَزَلَت هذه الآيةُ قالَت اليهودُ والنَّصَارَى: فنحن مسلمونَ، فأَنْزَلَ اللهُ تعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} فقالوا: لا نَحُجُّ، فأَنْزَلَ اللهُ قولَه: { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.

فالإسلامُ بعدَ بَعْثَةِ النبيِّ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَصِحُّ إلا بالإقرارِ بما جاءَ به،ومن ذلك الحِجُّ؛لقولِه صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بُنِيَ الْإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقَامُ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَحِجُّ الْبَيْتِ) ولذلك قالَ تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَه وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ} فلم يَقْبَلْ منهم زَعْمَهم بأنهم مؤمنون بما أُنْزِلَ عليهم، وهذا الإسلامُ هو الإسلامُ الخاصُّ الذي لا يُقْبَلُ غيرُه بعدَ إرسالِ النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ،وهو المقصودُ بقولِه تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِينًا} فقد نَزَلَتْ بعَرَفَةَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ.

وقد قالَ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؛يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ،ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ).

الإسلامُ عامٌّ وخاصٌّ
قولُه: ( وقد تَنَازَعَ الناسُ فيمَن تَقَدَّمَ من أُمَّةِ موسى وعيسى: هل هم مسلمون أم لا؟
وهو نِزاعٌ لَفْظِيٌّ، فإنَّ الإسلامَ الخاصَّ الذي بَعَثَ اللهُ به محمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَالْمُتَضَمِّنَ لشريعةِ القرآنِ،ليس عليه إلا أُمَّةُ محمَّدٍ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،والإسلامُ اليومَ عندَ الإطلاقِ يَتناولُ هذا، وأمَّا الإسلامُ العامُّ الْمُتناوِلُ لكلِّ شريعةٍ بَعَثَ اللهُ بها نبيَّهُفإنه يَتناوَلُ إسلامَ كلِّ أُمَّةٍ مُتَّبِعَةٍ لنبيٍّ من الأنبياءِ).

التوضيحُ

من خلالِ ما سَبَقَ يَتَّضِحُ أنَّ للإسلامِ إطلاقَيْنِ:إطلاقًا عامًّا وإطلاقًا خاصًّا. فالإسلامُ العامُّ هو: الاستسلامُ للهِ وَحْدَه فهذا يَصْدُقُ على كلِّ أمَّةٍ مُتَّبِعَةٍ لنبيٍّ من الأنبياءِ. والإسلامُ الخاصُّ هو: ما بَعَثَ اللهُ به نَبِيَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو شريعةُ القرآنِ، فلا يُقْبَلُ بعدَ النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ إلا الدينُ الذي جاءَ به كما سَبَقَ.
وهذا يَرفَعُ النزاعَ الواقعَ فيمن تَقَدَّمَ من أُمَّةِ مُوسى وعيسى. هل هم مسلمون أم لا؟
فالجوابُ: إنهم مسلمون بالإطلاقِ العامِّ كما في قولِه تعالى: { وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُمْ مُسْلِمِينَ } وقولِه في خَبَرِ عيسى: { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.

وأمَّا الإسلامُ الخاصُّ فليس إلا لأمَّةِ محمَّدٍ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وهو المقصودُ عندَ الإطلاقِ، كما في حديثِ جبريلَ،وفيه:(الْإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ).
فبذلك يكونُ النِّزاعُ لفْظِيًّا فمَن قالَ إنَّ تلك الأُمَمَ مسلمون.أرادَ الإسلامَ العامَّ، ومَن قالَ:إنهم غيرُ مسلمينَ.أَرادَ الإسلامَ الخاصَّ.

فائدةٌ:

ذَكَرَ شيخُ الإسلامِ موسى وعيسى،ولم يَذْكُرْ غيرَهما مع أنَّ بينَهما أنبياءَ،كداودَ وسُليمانَ، ولعلَّ سببَ ذلك أنَّ جميعَ الأنبياءِ بينَ موسى وعيسى كانوا مُتَعَبِّدِينَ بشريعةِ موسى،وهي التوراةُ، كما قالَ تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ } قالَ الإمامُ القُرْطُبيُّ: (ومعنى أَسْلَمُوا: صَدَّقُوا بالتوارةِ من لَدُنْ موسى إلى زمانِ عيسى- عليهما السلامُ- وبينَهما ألْفُ نبيٍّ، ويقالُ:أربعةُ آلافٍ، ويقالُ:أكثرُ من ذلك.كانوا يَحْكُمون بما في التوراةِ) ا.هـ

 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مبنى, الإسلام

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir