دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > الأدب > بانت سعاد

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 11:24 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي (تابع ) شرح جمال الدين محمد بن هشام الأنصاري

قالَ:

4- شُجَّتْ بذي شَبَمٍ من ماءِ مَحْنِيَةٍ = صافٍ بأَبْطَحَ أَضْحَى وَهْوَ مَشمولُ
قولُه: " شُجَّتْ " الشَّجُّ: الكسرُ والشَّقُّ، ومنه: شُجَّ رأسُه، وشَجَّجَها، للمُبالَغَةِ، أَنْشَدَ سِيبويهِ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( البحر الوافر )

وكنتَ أَذَلَّ مِن وَتَدٍ بِقَاعٍ = يُشَجِّجُ رأسَه بالفِهْرِ وَاجِي
الفِهْرُ: حَجَرٌ يَملأُ الكَفَّ، ويَجوزُ تأنيثُه، والوَاجِي مُخَفَّفٌ مِن الوَاجِئِ بالْهَمْزِ، وهو داقُّ الوَتَدِ، ويُقالُ: شَجَّت السفينةُ البَحْرَ والناقةُ الْمَفَازَةَ، قالَ :
" تَشُجُّ بِيَ العَوْجاءُ كلَّ تَنُوفَةٍ "
ومُضارِعُهُنَّ يَشُجُّ بالضمِّ على القياسِ وبالكسْرِ، والمفعولُ: مَشجوجٌ على القِياسِ، وشَجيجٌ، كذَبيحٍ وطَريحٍ.
ويُقالُ في الْخَمْرِ إذا خُلِطَ بها الماءُ: مُزِجَتْ، وهو عامٌّ في كلِّ مَزْجٍ، فإن أُريدَ أنَّ الْمِزاجَ رَقَّقَها قيلَ: شُعْشِعَتْ، وهو مِن قولِهم: ظِلٌّ شُعْشَاعٌ. إذا كان رَقيقًا لا كَثيفًا ورَجُلٌ شُعْشَاعٌ، إذا كان نَحيفًا فإن أُريدَ أنَّ الماءَ كَسَرَ سَوْرَتَها قيلَ: شُجَّتْ، وهو مَجازٌ. وإن أُريدَ المبالَغَةُ في ذلك قيلَ: قُتِلَتْ، وهو مَجازٌ أيضًا ، قالَ اللهُ تعالى : { إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا } وقالَ عمرُو بنُ كُلثومٍ ( البحر الوافر ).

ألا هُبِّي بِصَحْنِكِ فاصْبَحِينَا = ولا تُبْقِي خُمورَ الأَنْدَرِينَا
مُشَعْشَعَةً كأنَّ الْحُصَّ فيها = إذا ما الماءُ خالَطَها سَخِينَا

ومعنى هُبِّي: قُومِي مِن نَوْمِكِ، والصَّحْنُ: القَدَحُ الصغيرُ. واصْبَحِينَا، بفَتْحِ الباءِ، أي: اسْقِينَا بالغَداةِ، والأَنْدَرِينَ بالدالِ المهمَلَةِ: موْضِعٌ بالشامِ، ويُقالُ في الرَّفْعِ: أَنْدَرُونَ، وقيلَ: إنها اسمُ الموْضِعِ أَنْدَرَ، ولكنه نُسِبَ إليه أَهْلُه، فقالَ: الأَنْدَرِيينَ، ثم حَذَفَ يَاءَيِ النَّسَبِ للتخفيفِ، كما في قولِه تعالى: { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ } وقولِ الشاعرِ:
" وما عِلْمِي بِسِحْرِ الْبَابِلِينَا"
والمعنى: لا تُبْقِيها لغيرِنا وتَسْقِينَا سِواهَا، و " مُشَعْشَعَةً " حالٌ، أو بَدَلٌ مِن " خُمورَ " أو مفعولٌ لـ "اصْبَحِينَا"، ويَجوزُ رَفْعُها بتقديرِ هي، " والْحُصُّ " مُهْمَلُ الحرفينِ مَضمومُ الأَوَّلِ: الوَرْسُ، وقيلَ: الزَّعْفرانُ. و " سَخِينَا " إمَّا اسمٌ مَنصوبٌ على الحالِ مِن الماءِ وهو قولُ أبي عمرٍو الشيبانيِّ، قالَ: كانوا يُسَخِّنُونَ لها الماءَ في الشتاءِ وإمَّا فِعْلٌ وفاعلٌ، والجملةُ جوابٌ لإذا، أي: أنها إذا مُزِجَتْ أَحْدَثَتْ فينا السخاءَ قبلَ أن نَشْرَبَها، وهذا أَبْلَغُ مِن قولِ عَنترةَ ( البحر الكامل ) :

وإذا شَرِبْتُ فإنَّنِي مُسْتَهْلِكٌ = مالِي، وعِرْضِي وافرٌ لم يُكْلَمِ
وإذا صَحَوْتُ فما أُقَصِّرُ عن نَدًى = وكما عَلِمْتِ شَمَائِلِي وتَكَرُّمِي

وقولُ عَنترةَ أَعْدَلُ وأَحْسَنُ، والعِرْضُ: الْحَسَبُ، والكَلْمُ: الْجُرْحُ، وهو هنا مَجازٌ وتَمثيلٌ, وفي البيتِ الثاني احتراسٌ مِن اعتراضٍ يَرِدُ على بيتِ أبي عمرٍو؛ إذ ظاهِرُه أنه لولا الْخَمْرُ لم يكنْ فيهم سَخاءٌ، والشمائِلُ: جَمْعُ شِمالٍ بكَسْرِ الشينِ، وهي الْخُلُقُ، قالَ عبدُ يَغوثَ الحارثيُّ: ( البحر الطويل )
أَلَمْ تَعْلَمِي أنَّ الْمَلامَةَ نَفْعُها قَليلٌ ومَا لَوْمِي أخي مِن شِمَالِيَا
وأَحْسَنُ من بَيْتَيْ عَنترةَ قولُ امرئِ القيسِ : ( البحر الطويل).
وتُعْرَفُ فيه مِن أبيه شَمَائِلًا = ومِن خالِه ومِن يَزيدَ ومِن حُجَرْ
سَماحَةُ ذا وبِرُّ ذا ووَفاءُ ذا = ونائلُ ذا إذا صَحَا وإذا سَكِرْ

وإنما قُدِّمَ هذا البيتُ على بيتِ عَنترةَ؛ لأنه جَمَعَ هذه الأشياءَ في بيتٍ واحدٍ، وقالَ حَسَّانُ رَضِيَ اللهُ عنه: ( البحر الكامل )

إنَّ التي ناوَلْتَنِي فرَدَدْتُها = قُتِلَتْ هَواكَ فهَاتِها لم تُقْتَلِ
كِلتاهما حَلَبُ العصيرِ فعَاطِنِي = بزُجاجةٍ أَرخاهُما للمِفْصَلِ

ولهذا الشعْرِ حِكايةٌ حَسَنَةٌ، أَوْرَدَها الإمامُ أبو السَّعاداتِ هِبَةُ اللهِ ابنُ الشَّجَرِيِّ، في الجزءِ الثاني مِن " أَمَالِيهِ " قالَ: اجْتَمَعَ قومٌ على شَرابٍ فغَنَّى أحدُهم بهذينِ البيتينِ، فقالَ بعضُ الحاضرينَ: كيف قالَ: " إنَّ التي نَاوَلْتَنِي فَرَدَدْتُها". ثم قالَ: " كِلتاهُما" فجَعَلَها لاثنتينِ، فلم يَدْرِ الحاضرونَ، فحَلِفَ أحدُهم بالطلاقِ ثلاثًا إنْ باتَ ولم يَسْأَل القاضيَ عُبيدَ اللهِ بنَ الْحُسينِ عن ذلك. قال: فسُقِطَ في أَيْدِيهِم، ثم أَجْمَعُوا على قَصْدِ القاضِي، فيَمَّمُوهُ يَتَخَطَّوْنُ إليه الأحياءَ فصَادَفُوه في مَسْجِدٍ يُصَلِّي بينَ العِشاءَيْنِ، ولَمَّاَ أَحَسَّ بهم، أَوْجَزَ، ثم أَقْبَلَ عليهم، قالَ: ما حاجَتُكُم؟ فتَقَدَّمَ أَحْسَنُهم نَفْثَةً، فقالَ: نحنُ ـ أَعَزَّ اللهُ القاضيَ ـ قومٌ نَزَعْنا إليك مِن طريقِ البَصرةِ في حاجةٍ مُهِمَّةٍ، فيها بعضُ الشيءِ، فإن أَذِنْتَ لنا، قُلْنَا. فقالَ: قلْ. فذَكَرَ له البيتينِ والسؤالَ، فقالَ: أمَّا قولُه: إنَّ التي نَاوَلْتَنِي، فإنه يَعْنِي " الْخَمرةَ "، وأمَّا معنى قولِه: " قُتِلَتْ " فمعناه: مُزِجَتْ بالماءِ، وأمَّا قولُه: " كِلتاهُمَا حَلَبُ العصيرِ" فإنه يَعْنِي به الخمْرَ والماءَ، فالخمْرُ عصيرُ العِنَبِ والماءُ عَصيرُ السَّحابِ، قالَ اللهُ تعالى: { وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا } انْصَرِفوا إذا شِئْتُمْ.
وقالَ ابنُ الشَّجَرِيِّ: ويَمْنَعُ مِن هذا التأويلِ ثلاثةُ أشياءَ:
أحدُهما: أنَّ " كِلْتَا " للمؤَنَّثَتَيْنِ، والماءَ مُذَكَّرٌ، والتذكيرُ يَغْلِبُ على التأنيثِ، كقولِ الفَرَزْدَقِ:
لنا قَمَرَاها والنجومُ الطوالِعُ
والثاني: أنه قالَ: " أَرْخَاهُما"، و " أَفْعَلُ " يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ، والماءُ لا إِرخاءَ فيه للمِفْصَلِ.
والثالثُ: أنه قالَ: فالْخَمْرُ عَصيرُ العِنَبِ، وحَسَّانُ يَقولُ: حَلَبُ العصيرِ، والْحَلَبُ هو الْخَمْرُ، فيَلزَمُ على قولِه إضافةُ الشيءِ إلى نفسِه، وإنما الجوابُ أنَّ المرادَ كِلتَا الممزوجةِ والصرْفِ حَلَبُ العِنَبِ، فنَاوِلْنِي أَشَدَّهما إِرخاءً وهي الصِّرْفُ التي طَلَبَها منه في قولِه: " فهَاتِها لم تُقْتَل " . انتهى كلامُه.
وها هنا فَوائدُ تَتَعَلَّقُ بالبيتينِ:
إحداها: أنَّ قولَه: " قُتِلَتْ " جُملةٌ مُعْتَرِضَةٌ، ونَظيرُه في الاعتراضِ بالدعاءِ ـ إلا أنه دُعاءٌ بخبرٍ ـ قولُه : ( البحر السريع )
إنَّ الثمانينَ وقد بُلِّغْتَها = قد أَحْوَجَتْ سَمْعِي إلى تُرْجُمَانِ

وقولُ الْخَنساءِ : ( البحر الْمُنْسَرِح )
إنَّ سُلَيْمَى واللهُ يَكْلَؤُها = ضَنَّتْ بشيءٍ ما كان يَرْزَؤُها

وقولُ بعضِهم: إنَّ قولَه: " قُتِلَتْ " التفاتٌ. مَردودٌ؛ لأنَّ شَرْطَه اتِّحادُ مَدلولِ الضميرينِ كقولِه تعالى: { حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ }.
الثانيةُ: أنَّ التاءَ مِن " هَاتِها " مَكسورةٌ، كما أنَّ الطاءَ مِن عاطِنِي كذلك؛ لأنهما أَمرانِ مِن هاتِي يُهَاتِي مُهَاتَاةً، وعاطَى يُعاطِي مُعاطاةً، وقولُ بعضِهم: إنه اسمُ فِعْلٍ ، مَردودٌ بأمرينِ: تَصَرُّفُه، واتِّصالُ ضمائِرِ الرفْعِ البارِزَةِ به، نحوَ: { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ } وقولِ امرئِ القَيْسِ: ( البحر الطويل).
إذا قُلْتُ هاتِي نَاوِلِينِي تَمَايَلَتْ = علَيَّ هَضيمُ الكَشْحِ رَيَّا الْمُخَلْخَلِ
الثالثةُ: أنَّ الْحَلَبَ " فَعَلٌ " بمعنى " مَفعولٍ " كالقَبَضِ، والْخَبَطِ، والعَصيرُ " فَعيلٌ " بمعنى " مفعولٍ " كالكَحيلِ والدَّهِينِ.
الرابعةُ: أنَّ الْمِفْصَلَ ـ بكسْرِ الميمِ وفَتْحِ الصادِ ـ اللسانُ؛ لأنه آلةٌ تُفْصَلُ بها الأمورُ، و " مِفْعَلٌ " مِن أوزانِه أسماءُ الآلاتِ، كالْمِفْتَحِ، والْمِخْيَطِ، والْمَفْصِلُ ـ بفتْحِ الميمِ وكسْرِ الصادِ:
مكانُ انفصالِ بعضِ الأعضاءِ مِن بعضٍ؛ لأنَّ اسمَ المكانِ مِن فَعَلَ يَفْعِلُ على مَفْعِلٍ، كالْمَجْلِسِ والْمَضْرِبِ، والمعنيان صَحيحانِ في بيتِ حَسَّانَ، فيَجوزُ قِراءتُه بالوَجهينِ.
الخامسةُ: أنَّ " أَرْخَى " اسمُ تَفضيلٍ مَبْنِيٌّ مِن أَرْخَى، وبِناءُ أَفعلَ التفضيلِ مِن أَفعلَ مَسموعٌ عندَ قومٍ، مَقيسٌ عندَ آخرينَ، وفَصَّلَ بعضُهم، فقالَ: إن كانت هَمْزَتُه للنَّقْلِ، كأَعْطَى، مَسموعٌ، أو لغيرِ النقْلِ: كأَظْلَمَ الليلُ، فمَقيسٌ، ومِن الوارِدِ مِن ذلك قولُهم: ما أَعطاهُ للدَّرَاهِمِ، وأَوْلَاهُ للمعروفِ، وقولُه تعالى: { ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ } فإنهما مِن " أَقْسَطَ " إذا عَدَلَ، ومِن " أَقامَ "، قالَ اللهُ تعالى: { وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ }.
وفي مَحَلِّ الْجُملةِ مِن قولِه : " شُجَّتْ " وَجهانِ :
أحدُهما: النصْبُ على الحالِ مِن الراحِ، فإن قُلتَ: كيف وَقَعَ الماضي حالًا مع تَجَرُّدِه مِن الواوِ، وقد قُلتَ: إنما يَلْزَمُ ذلك إذا كان الماضي مُثْبَتًا ولا ضَميرَ منه كقولِ: ( البحر الطويل ).

وجَالَدْتَهُمْ حتى اتَّقَوْكَ بكَبْشِهِمْ = وقد حانَ مِن شَمْسِ النهارِ غُروبُ
ويَمتنعانِ إن كان الماضِي في المعنى شَرْطًا، نحوَ لأَضْرِبَنَّهَ ذَهَبَ أو مَكَثَ، أو وَقَعَ بعدَ " إلا " نحوَ: ما تَكَلَّمَ إلا قالَ خَيْرًا، وتَجِبُ الواوُ، وتَمْتَنِعُ قد، إذا نُفِيَ الفعلُ، ولم يَكُنْ ضَميرًا، نحوَ: جاءَ زيدٌ وما طَلَعَت الشمسُ، ويَجوزُ الواوُ وتَمْتَنِعُ قد إذا نُفِيَ الفعلُ ووُجِدَ الضميرُ، نحوَ: جاءَ زيدٌ وما دَرَى كيف جاءَ، أو كان الفعلُ ليس نحوَ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ } وقولِ الراجِزِ: ( بحرُ الرجَزِ )
إذا جَرَى في كَفِّهِ الرِّشَاءُ = جَرَى القَليبُ ليس فيه ماءُ

ويَجوزُ فيما عَدَا ذلك أن يَأْتِيَ بهما، أو يَتْرُكَهما، وأن يَقْتَصِرَ على الواوِ، وأن يَقْتَصِرَ على قد.
فالأَوَّلُ كقولِه تعالى : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ } والثاني كقولِه: { أَوْ جَاؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } ولهذا قَرأَ الْحَسَنُ: " حَصِرَةً صُدُورُهُمْ " ومنه: { هِذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا } { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا } وقولُ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: "شُجَّتْ".
والثالثُ: كقولِه تعالى: { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ } { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } .
والرابعُ: كقولِ الشاعرِ ( البحر الطويل ) :

وَقَفْتُ برَبْعِ الدارِ قد غَيَّرَ الْبِلَى = مَعارِفَها والسارِياتُ الْهَواطِلُ
ولا يَحتاجُ في الوجهِ الثاني والوجهِ الثالثِ إلى أن يُضْمِرَ " قد "، خِلافًا للمُبَرَّدِ، والفارسيِّ، والفَرَّاءِ، وأَكثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
والوجهُ الثاني: الرَّفْعُ علَى أنه صِفةٌ للراحِ؛ لأنَّ تَعريفَها تَعريفُ الْجِنْسِ، كما أُجيزَ ذلك في قولِ: ( البحر الكامل )
ولقدْ أَمُرُّ على اللئيمِ يَسُبُّنِي = فمضَيْتُ ثَمَّتَ قُلْتُ ما يَعْنِينِي
وقولُه: " بِذِي " أي: بِمَاءٍ ذِي. وفيه دَليلٌ على ما قَدَّمْنَاهُ مِن أنَّ شَرْطَ حَذْفِ الموصوفِ فَهْمُ مَعناهُ لا كونُ الصفةِ مُخْتَصَّةً بجِنْسِه كما يقولُ ابنُ عُصفورٍ وغيرُه.
وقولُه: " شَبَمٍ " هو بفَتْحِ الشينِ الْمُعْجَمَةِ والباءِ الْمُوَحَّدَةِ: البَرْدُ الشديدُ، يُقالُ: غَداةٌ ذاتُ شَبَمٍ، وقد شَبِمَ الماءُ وغيرُه، وخَصِرَ، بمعنى: اشْتَدَّ بَرْدُه، وخَرِصَ الرجُلُ، بمعنى: اشْتَدَّ بَرْدُه مع الجوعِ، والفِعلانِ بالخاءِ الْمُعْجَمَةِ، والراءِ والصادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، والأفعالُ الثلاثةُ على فَعِلَ بالكسْرِ، يَفْعَلُ، بالفَتْحِ، ومَصْدَرُهُنَّ على الفَعَلِ بفَتحتينِ، ووَصْفُهُنَّ بزِنَةِ الماضِي، وقالَ أبو الطَّيِّبِ: " وَاحَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبُه شَبِمُ "
وقالَ الْمَعَرِّيُّ: ( البحر البسيط ).

لو اخْتَصَرْتُمْ مِن الإحسانِ زُرْتُكُمُ = والعَذْبُ يَهْجُرُ للإفراطِ في الْخَصَرِ
وعن أبي عَمْرِو بنِ العلاءِ: الشَّبِمُ مِن الناسِ: الْمَقرورُ الجامِعُ. وفي ثُبوتِ هذا عن مِثْلِ هذا الإمامِ بُعدٌ، وإن كان الناقلُ عنه الجوهريَّ؛ لأنَّ فِعْلَ هذا الوَصْفِ لا يَقتضِي ذلك، ولا يَخْتَصُّ بالحيوانِ.
وقولُه: " مِن ماءِ " : صِفةٌ ثانيةٌ لماءٍ المحذوفِ، أو حالٌ منه، وإن كان نَكِرَةً لاختصاصِه بالوَصْفِ بِذِي، أو حالٌ مِن ضميرِ " ذِي " العائدِ منه علَى الموصوفِ، وهذا أَحْسَنُ؛ فإنه حُمِلَ على الأَخَصِّ الأقرَبِ، ولهذا كان ضَعيفًا جَزْمُ الزَّمخشريِّ في ( مُصَدِّقًا ) مِن قِراءةِ بعضِهم { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقًا } بأنه حالٌ مِن النَّكِرَةِ، والوجهُ الأوَّلُ أَحْسَنُ الثلاثةِ لتَوَسُّطِ هذا الظرْفِ بينَ صِفتينِ، وهما " ذي شَبَمٍ " و " صافٍ ".
فإن قُلْتَ: قُدِّرَ قولُه " صافٍ " حالًا، وإنَّ المنقوصَ سُكِّنَ حالةَ النصْبِ للضرورةِ، فانْحَذَفَت الياءُ للساكنينِ كقولِه: ( قَيْسِ بنِ الملَوَّحِ ) ( البحر الطويل ) :
ولو أنَّ وَاشٍ باليَمامةِ دَارُهُ = ودَارِي بأَعْلَى حَضْرَمَوْتَ اهْتَدَى لِيَا
وقولِ الفَرزْدَقِ يَهجُو هِشامَ بنَ عبدِ الْمَلِكِ: ( البحر الطويل ) :
يُقَلِّبُ رأسًا لم تكنْ رأسَ سَيِّدٍ = وعينًا له حَولاءَ بادٍ عُيُوبُها

وحينئذٍ فيَتَرَجَّحُ الظرْفُ لِمُجاوَرَةِ الحالِ.
قلتُ: لا يَحْسُنُ الحمْلُ على خِلافِ الظاهِرِ، مع عَدَمِ الحاجةِ إليه، ثم مُناسَبَةُ الْمُتَقَدِّمِ أَوْلَى مِن مُناسَبَةِ الْمُتَأَخِّرِ.
وأَصْلُ الماءِ : " مَوَهَ " فقُلِبَت فاؤُه أَلِفًا على القِياسِ، وأُبْدِلَت هاؤُه هَمزةً على غيرِ القِياسِ، وَحَصَلَ بذلك توالِي إعلالَيْنِ، وجَمْعُه في القِلَّةِ " أَمواهٌ " بالهاءِ على الأَصْلِ ورُبَّمَا أَبْدَلُوها فيه، قالَ: ( بحرُ الرجَزِ ) :
وبَلْدَةٍ قالِصَةٍ أَمْوَاؤُهَا = ماصِحَةٌ رَأْدُ الضُّحَى أَفْيَاؤُهَا
القالِصَةُ: الْمُرْتَفِعَةُ، والْمَاصِحَةُ: الذاهِبَةُ، ورَأْدُ الضُّحَى: ارتفاعُها.
وجَمْعُه على الأَصْلِ في الكَثرةِ " مِياهٌ " بالهاءِ لا غيرُ، وإنما قُلِبَت عينُه ياءً للكَسرةِ قَبْلَها والألِفِ بعدَها، كدارٍ ودِيارٍ، وإنما صَحَّتْ في " طِوالٍ " لصِحَّتِها في " طَويلٍ " وإنما أُعِلَّتْ في " سِيَاطٍ " مع سَلامَتِها في " سَوْطٍ "؛ لأنَّ السكونَ عندَهم كالإعلالِ.
والنِّسْبَةُ إلى " الماءِ " مَائِيٌّ بالْهَمْزِ، ومَاوِيٌّ، وكَكِسَائِيٍّ، وكِسَاوِيٍّ.
وقولُه: " مَحْنِيَةٍ " مَفْعِلَةٍ مِن حَنَوْتُ، وجَمْعُها: مَحانٍ، وأَصْلُها مَحْنُوَّةٌ، وهي عِبارةٌ عما انْعَطَفَ مِن الوَادِي؛ لأنَّ مَاءَها يكونُ أَصْفَى وأَرَقَّ، وإنما قُلِبَت الواوُ ياءً لتَطَرُّفِها في التقديرِ بعدَ كَسْرَةٍ، وقولُ التِّبريزيِّ: لوُقوعِها رابعةً بعدَ كَسرةٍ: فيه زِيادةُ ما ليس بشَرْطٍ، وهو كونُها رابعةً، ويَرُدُّه وُجوبُ القَلْبِ في قَوِيٍّ، ورَضِيٍّ، وشَجِيَّةٍ؛ فإنهنَّ مِن الرِّضوانِ، والقُوَّةِ، والشَّجْوَةِ، ونَقَصَ ما هو شَرْطٌ، وهو التصرُّفُ إمَّا تَقديرًا، كما في شَجِيَّةٍ ومَحْنِيَّةٍ، أو لفظًا: كما في قَوِيٍّ، ورَضِيٍّ، وقد اجْتَمَعَ النوعانِ في قولِه مَحْنِيَةٍ.
وقولُه: " صافٍ " إذ هو مِن الصَّفْوِ، ومِثلُه، داعٍ، وغَازٍ، وكذلك حادٍ، سواءٌ أكانَ اسمَ فاعلٍ مِن حَدَا يَحْدُو، أو اسمَ العَدَدِ، إلا أنَّ في هذا قَلبينِ: قَلْبَ الْمَكانِ، وقَلْبَ الإبدالِ؛ وذلك لأنه مِن الوَحدةِ، فأَصْلُه: واحدٌ، ثم أُخِّرَتْ فاؤُه، فصارَ حادٍ وَزْنُهُ عالِفٌ.
وقولُه: " بأَبْطَحَ " : صِفةٌ، أو حالٌ، والأَبْطَحُ: مَسيلٌ فيه دِقاقُ الْحَصَا، وجَمْعُ بِطاحٍ على غيرِ القِياسِ، وأَباطِحَ على القِياسِ؛ لأنه قد صارَ اسمًا، فالْتَحَقَ بأَفْكَلَ وأَفَاكِلَ، وأحمدَ وأَحامِدَ، قالَ ( البحر الوافر ) :

وكائنٌ بالأباطِحِ مِن صَديقٍ = يَرانِي لو أَصَبْتُ هو الْمُصَابَا
وإنما خَفَضَ " أَبْطَحَ " بالفَتْحِ؛ لأنه لا يَنْصَرِفُ للوَصْفِ الْمُتَأَصِّلِ والوَزْنِ الغالِبِ، ومنهم مَن يَصْرِفُه اعتدادًا بعارِضِ الاسْمِيَّةِ، والوجهان في أَخواتِه، كأَجْرَعَ، وأَبْرَقَ، وأَدْهَمَ للقَيْدِ، والأَجودُ مَنْعُ الصرْفِ في الجميعِ.
وقولُه: " أَضْحَى "
إمَّا تامَّةٌ بمعنى: دَخَلَ في وَقْتِ الضُّحَى، فالجملةُ بعدَه حالٌ، والواوُ الداخلةُ عليها واوُ الابتداءِ، ويُقَدِّرُها سِيبويهِ بإِذْ.
وإمَّا ناقِصَةٌ، بمعنى: ثُبوتِ الخبَرِ للمُخْبَرِ عنه في هذا الوَقْتِ، فالجملةُ بعدَها خَبَرٌ، والواوُ زائدةٌ، ووَجْهُ دخولِها تَشبيهُ الجملةِ الْخَبريَّةِ بالجملةِ الحالِيَّةِ، وهذا الوَجْهُ إنما يُجيزُه أبو الْحَسَنِ والكوفِيُّونَ، وتَابَعَهم ابنُ مالِكٍ وزَعَمَ أنَّ ذلك يَكْثُرُ بِشَرْطَيْنِ: كونِ عاملِ الخبَرِ كان، أو ليس، وكونِ الْخَبَرِ مُوجِبًا بإلا، كقولِه: ( البحر البسيط ).
ما كان مِن بَشَرٍ إلا وميتَتُهُ = مَحتومةٌ لكنِ الآجالُ تَخْتَلِفُ
وقولُه: ( البحر الخفيف ):

ليس شيءٌ إلا وفيه إذا ما = قَابَلَتْهُ عينُ اللبيبِ اعتبارُ
ويَقِلُّ في غيرِ ذلك، كقولِه: ( البحر الطويل )
وكانوا أُناسًا يَنْفَحُونَ فأَصْبَحُوا = وأكثرُ ما يُعطُونَكَ النَّظَرُ الشَّزْرُ

وعلى هذا قولُ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه: أَضْحَى
" وهو مَشمولٌ " : الذي ضَرَبَتْهُ رِيحُ الشِّمالِ حَتَّى بَرَدَ، ويُقالُ منه: غَديرٌ مَشمولٌ، ومنه قِيلَ للخَمْرِ: مَشمولةٌ، إذا كانت بارِدةَ الطَّعْمِ، قالَ: ( البحر السريع )
تقولُ يا شيخُ أَمَا تَسْتَحِي = مِن شُرْبِكَ الرَّاحَ على الكِبَرْ

فقلتُ لو بَاكَرْتِ مَشمولةً = صَفْرَا، كلونِ الفَرَسِ الأَشْقَرْ
رُحْتِ وفي رِجْلَيْكِ، ما فيهما = وقد بَدَا هَنْكِ مِن الْمِئْزَرْ

وفي البيتِ الأوَّلِ شاهدٌ على أنه يُقالُ: اسْتَحَى يَسْتَحِي، كاستَبَى يَسْتَبِي، وقد قرأَ يَعقوبُ وابنُ مُحَيْصِنٍ: { إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا } بياءٍ واحدةٍ، ورُوِيَتْ عن ابنِ كثيرٍ أيضًا، وهي لغةُ تَميمٍ، والأصْلُ بيَاءَيْنِ، فنُقِلَتْ حَركةُ العينِ إلى الفاءِ، فالْتَقَى ساكنانِ، فقِيلَ: حُذِفَتِ اللامُ، فالوَزْنُ يَسْتَفْعِ.
وفي البيتِ الثاني شاهِدٌ على قَصْرِ الممدودِ القياسيِّ لأَجْلِ الضرورةِ، وفيه رَدٌّ على الفَرَّاءِ إذ زَعَمَ أنه لا يُقْصَرُ للضرورةِ إلا ما مَأْخَذُهُ السماعُ دونَ القِياسِ.
وفي الثالثِ شاهدٌ على جَوازِ تَسكينِ المرفوعِ الصحيحِ لأَجْلِ الضرورةِ، وعلى جَوازِ النَّقْصِ في " الْهَن " وهي أَفْصَحُ فيه مِن التَّمَامِ، ويُرْوَى " وقد بَدَا ذاكَ " فلا شَاهِدَ فيه.
ويُسَمَّى الْخَمْرُ أيضًا شَمولًا، فقالَ القَتْبيُّ: لأنها تَشتمِلُ على عَقْلِ صاحبِها، وقالَ غيرُه: لأنَّ لها عَصْفَةً كعَصْفَةِ الريحِ الشِّمالِ.
وأَفْضَلُ مِياهِ الْمَطَرِ باعتبارِ المكانِ ما كان بأَبْطَحَ بِمَحْنِيةٍ، وباعتبارِ الزمانِ ما دَخَلَ في زَمَنِ الضُّحَى، وباعتبارِ الصفاتِ القائمةِ به ما كان صافيًا شَبَمًا، وباعتبارِ ما يَطْرَأُ عليه ما هَبَّتْ عليه رِيحُ الشِّمالِ، وقد اشْتَمَلَ البيتُ على ذلك كلِّه، قالَ:

5- تَنْفِي الرياحُ القَذَى عنه وأَفْرَطَهُ = مِن صَوْبِ ساريةٍ بِيضٌ يَعَالِيلُ
قولُه: " تَنْفِي " مُضارِعُ نَفَاهُ، إذا طَرَدَه، ويُقالُ أَيضًا: نَفَى يَنْفِي، بمعنى: انْطَرَدَ يَنْطَرِدُ، يَتَعَدَّى، ولا يَتَعَدَّى، ومِن تَعَدِّيهِ قولُه تعالى: { أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ } ومِن قُصُورِه قولُ +القُطَّامِيِّ ـ بضَمِّ القافِ ـ:
فأَصْبَحَ جَارَاكُم قَتِيلًا ونَافِيًا
أي: مُنْتَفِيًا.
وقولُه: " الرياحُ" : جَمْعُ رِيحٍ، والياءُ فيهما بَدَلٌ عن واوٍ , وإنما قُلِبَتْ في الْمُفْرَدِ ؛ لسُكونِها بعدَ كَسرةٍ، كما في " مِيزانٍ " و " مِيقاتٍ " وفي الْجَمْعِ لِمَا تَقَدَّمَ في " مِياهٍ " و " دِيارٍ " و " سِياطٍ " مِن مَجيءِ الكَسرةِ قَبْلَها والألِفِ بعدَها، واعتلالِها في الْمُفْرَدِ، أو سكونِها فيه، ومِن ثَمَّ صَحَّتْ في " أرواحٍ " لانتفاءِ الشرْطِ الأَوَّلِ، وفي " كُوزَةٍ " جَمْعِ " كُوزٍ " لانتفاءِ الثاني. وفي " طِوالٍ " لانتفاءِ الثالثِ، وأمَّا قولُه: ( البحر الطويل )

تَبَيَّنَ لي أنَّ القَمَاءَةَ ذِلَّةٌ = وأنَّ أَعِزَّاءَ الرِّجالِ طِيَالُهَا
فنادِرٌ.

وفي العَرَبِ مَن يَقولُ: " أَرياحٌ " كَراهيةَ الاشتباهِ بجَمْعِ رَوْحٍ، كما قالَ الجميعُ: " أَعيادٌ " كَراهيةَ الاشتباهِ بجَمْعِ " عَوْدٍ " وقولُ الحريرِيِّ: إنَّ الأرياحَ في جَمْعِ رِيحٍ لَحْنٌ. مَردودٌ، وقولُ الجوهريِّ: الريحُ واحدةُ الرياحِ والأرياحِ، وقد يُجْمَعُ على " أرواحٍ " يَقتضِي أنَّ الأرياحَ هو الكثيرُ وليس كذلك، وإنما الكثيرُ " أرواحٌ " ومنه قولُ مَيْسُونَ بنتِ بَحْدَلٍ الكلبيَّةِ ـ بالحاءِ المهمَلَةِ ـ وهي زَوجُ مُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه وأمُّ ابنِه يَزيدَ ( البحر الوافر )

لَبيتٌ تَخْفِقُ الأرواحُ فيهِ = أَحَبُّ إليَّ مِن قَصْرٍ مُنِيفِ
ولُبْسُ عَباءَةٍ وتَقَرَّ عَيْنِي = أَحَبُّ إِلَيَّ مِن لُبْسِ الشُّفُوفِ

وهذا البيتُ شاهدٌ على نَصْبِ الْمُضارِعِ، بأنْ مُضْمَرَةٍ لعَطْفِه على اسمٍ متَقَدِّمٍ، وحَرَّفَ أكثرُهم أَوَّلَه، فأَنْشَدَه: لَلُبْسُ، وإنما هو بالواوِ عَطْفًا على قَوْلِها: لبيتٌ. وما بعدَه.
وقولُه: " الْقَذَى " هو بالذالِ الْمُعْجَمَةِ: ما يَسْقُطُ في العينِ والشرابِ، والواحدةُ: " قَذَاةٌ ".
ويُقالُ: قَذِيَت العينُ بالكسْرِ تَقْذَى بالفتْحِ: إذا سَقَطَ فيهما الْقَذَى.
وقَذَتْ بالفَتْحِ تَقْذِي بالكَسْرِ: إذا رَمَتْ بالْقَذَى، وأَقْذَيْتُها: إذا جَعَلْتَ فيها الْقَذَى.
وقَذَّيْتُها مُشَدَّدًا إذا نَزَعْتَ عنها الْقَذَى، كما قالوا: جَلَّدَ البعيرَ وقَرَّدَهُ: إذا نَزَعَ عنه جِلْدَه وقُرادَهُ.
وفي الْجُملةِ مِن قولِهِ: " تَنْفِي الرياحُ الْقَذَى عنه " بَحثانِ :
أحدُهما: بالنِّسبةِ إلى الإعرابِ، وهي باعتبارِه مُحْتَمِلَةٌ لثلاثةِ أَوْجُهٍ:
أحدُها: أن يكونَ خبرًا ثانيًا لأَضْحَى على أن تكونَ ناقِصَةً.
والثاني: أن يكونَ حالًا، فإن كانت أَضْحَى تامَّةً، فذو الحالِ فاعِلُها، أو مفعولُ " مَشْمُولُ " المستَتِرُ فيه، وهي على الثاني مِن الحالِ الْمُتَدَاخِلَةِ، وعلى الأوَّلِ مِن الْمُتَرَادِفَةِ، وإن كانتْ ناقصةً، فذو الحالِ ضميرُ " مَشمولُ " أو ضَميرُ " أَضْحَى " إنْ قُلْنَا: إنَّ الأَفعالَ الناقصةَ تَدُلُّ على الحدَثِ , وهو الصحيحُ.
والثالثُ: أن تكونَ مُسْتَأْنَفَةً.
البحثُ الثاني: بالنِّسبةِ إلى الْمَعْنَى، وهي باعتبارِه مُحْتَمِلَةٌ لثلاثةِ أَوْجُهٍ أيضًا:
أحدُها: أن يكونَ تَعليلًا لقولِه: " صافٍ "
والثاني: أن يكونَ تَوكيدًا له، وتَتْمِيمًا.
والثالثُ: أن يكونَ احتراسًا؛ وذلك لأنَّ الماءَ الصافِيَ قد يَعْرِضُ له أن يَعْلُوَهُ شيءٌ مِن الأقذارِ، ويكونَ بحيثُ لو أُزِيلَ عنه، لظَهَرَ صفاؤُه، وأنه لا كُدُورَةَ فيه، فَنَفَى أن يكونَ هذا الماءُ مِن هذا القَبيلِ.
قولُه: " وأَفْرَطَهُ ": يُستعمَلُ " أَفْرَطَ " على وَجهينِ:
مُتَعَدِّيًا بِفِي، ومعناه: الزيادةُ في الشيءِ، ومُجاوَزَةُ الحدِّ فيه.
ومُتَعَدِّيًا بنَفْسِه، وله ثلاثةُ مَعانٍ: أحدُها: تَرْكُ الشيءِ ونِسيانُه.
والثاني: تَقديمُه وتَعجيلُه.
والثالثُ: مَلْؤُه , بفَتْحِ الْمِيمِ.
وقولُه تعالى: { وَأَنَّهُمْ مُفْرِطُونَ } يُقرأُ بسُكونِ الفاءِ مع كَسْرِ الراءِ، على أنه مِن الْمُتَعَدِّي بِفِي، أي: مُفْرِطُونَ في المعاصي، ومع فَتْحِها على أنه مِن الْمُتَعَدِّي بنفسِه، ومعناه: إمَّا مَتْرُوكُونَ في النارِ، أو مَنْسِيُّونَ، أو مُقَدَّمُونَ إليها مُعَجَّلُونَ.
وقولُ العَرَبِ: غَديرٌ مُفْرَطٌ . بسُكونِ الفاءِ وفتحِ الراءِ مِن الثالثِ، أي: مَملوءٌ، ومنه هذا البيتُ كما سَيَأْتِي.
ويُقالُ مِن هذه الْمَادَّةِ: فَرَطْتُ القومَ. بالتخفيفِ والفتْحِ، أَفْرُطُهم بالضَّمِّ، فأنا فَرَطُهم بفَتْحَتَيْنِ وفارِطُهم، بمعنى: سَبَقْتُهُم إلى الماءِ , وفي الحديثِ: ((أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ)) ولا يُثَنَّى الفَرَطُ، ولا يُجْمَع، بخِلافِ الفارِطِ؛ فإنه يُطابِقُ مَن قُصِدَ به، قالَ: ( البحر البسيط )

فاستَعْجَلُونَا وكَانوا مِن صَحَابَتِنا = كما تَعَجَّلَ فَرَّاطٌ لوَرَّادِ
ويُقالُ: فَرَّطَ بالأمْرِ بالتشديدِ، بمعنى: قَصَّرَ فيه، ومنه قولُه تعالى: { يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ } وقُرِئَ: { إِنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ } براءٍ مَشدودةٍ مَكسورةٍ، أي: مُقَصِّرُونَ.
قولُه: " مِن صَوْبِ ": للصَّوْبِ أربعةُ مَعانٍ:
أحدُها: الْمَطَرُ كقولِ: ( البحر الكامل ).
فَسَقَى دِيارَكَ غيرَ مُفْسِدِهَا = صَوْبُ الربيعِ ودَيْمَةٌ تَهْمِي
وانتصابُ " غيرَ " على الحالِ للفاعِلِ الْمُؤَخَّرِ، وفيه احتراسٌ مِمَّا أُورِدَ على مَن قالَ: ( البحر الطويل ).
ألا يا اسْلَمِي يا دارَ مَيَّ على البِلَى = ولا زالَ مُنْهَلًّا بِجَرْعَائِكِ القَطْرُ

إذ قيلَ: إنه أَرادَ الدُّعاءَ لها، فدَعَا عليها بالْخَرَابِ.
والجوابُ: أنه احْتَرَسَ أوَّلًا بقولِه: " اسْلَمِي " وأنَّ زالَ وأخواتِها إنما تَقْتَضِي ثُبوتَ الخبَرِ للاسمِ على جارِي العادَةِ في مِثْلِه، كقولِنا: ما زالَ زيدٌ يُصَلِّي؛ فإنَّ معناه: أنه قد تَأَتَّى منه فِعْلُ الصلاةِ , لم يَتْرُكْها في أوقاتِها، لا أنه مُذْ خُلِقَ لم يَزَلْ يُصَلِّي ليلًا ونهارًا لا يَفْتُرُ.
والثاني: أن يكونَ مَصْدَرًا لصابَ يَصوبُ بمعنى : نَزَلَ.
والثالثُ: أن يكونَ مَصْدَرًا لصابَ بمعنى قَصَدَ، كقولِ رَجُلٍ من عَبدِ القَيْسِ يَمْدَحُ النُّعمانَ بنَ الْمُنْذِرِ ( البحر الطويل ):

تَعالَيْتَ أنْ تُعْزَى إلى الإنسِ جُملةً = وللإنسِ مَن يَعْزُوكَ فهو كَذوبُ
فلَسْتَ لإِنْسِيٍّ ولكن لِمَلَاءكٍ = تَنَزَّلُ مِن جَوِّ السماءِ يَصُوبُ

أي: يَقْصِدُ إلى الأرضِ، هذا هو الصوابُ في تفسيرِه، وهو قولُ أبي مُحَمَّدِ بنِ السَّيِّدِ ، وأمَّا قولُ الجوهريِّ، والأعلَمِ، واللخْمِيِّ، والواحديِّ، وغيرِهم أنَّ مَعناه : تَنَزَّلُ، فيَلْزَمُ منه التَّكرارُ، والأكثَرُ أن يُقالَ: أصابَ بالهمزةِ، ومنه قولُه تعالى: { تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصابَ } أي: تَجْرِي لَيِّنَةً سَريعةً حيث أَرادَ، قالَه ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ونَقَلَ الزَّجَّاجُ إجماعَ أهلِ اللغةِ والتفسيرِ عليه. قالَ: ومنه قولُهم للمُجيبِ: أَصَبْتَ، أي: قَصَدْتَ الجوابَ، فلم تُخْطِئْهُ . انتهى.
ولا أَدْرِي مِن أينَ اسْتُفِيدَ مَعْنَى قولِه: لم تُخْطِئْه، وإنما الظاهِرُ أنه مِن قولِهم: أَصَبْتُ الشيءَ، إذا وَجَدْتَه، وأنَّ الأَصْلَ: أَصَبْتُ الجوابَ.
وعلى التفسيرينِ فهذا الفِعْلُ قد هَجَرَ مَفعولَه، كما في قولِهم: بَنَى على امرأتِه، أي: قُبَّةً، وأَفَاضُوا مِن عَرَفَاتٍ أي: رَوَاحِلَهم؛ لأنه مُستعارٌ مِن إِفاضةِ الماءِ، وهو صَبُّهُ بكَثرَةٍ، ونَظيرُه في المعنى قولُه :
وسَالَتْ بأَعناقِ الْمَطِيِّ الأباطِحُ
ويُحْكَى أنَّ رَجلينِ قَصَدَا رُؤبةَ بنَ العَجَّاجِ يَسألانِه عن معنى: " أَصابَ " في الآيةِ، فصَادَفَاهُ في الطريقِ، فقالَ لهما: أينَ تُصيبانِ، فرَجَعَا، ولم يَسْأَلَاهُ.
والرابعُ: أن يكونَ بمعنى الصوابِ , كقولِ أَوْسِ بنِ غَلفاءَ ( البحر الوافر ):

ألا قالتْ أُمامةُ يومَ غُولٍ = تَقَطَّعَ بابنِ غَلفاءَ الْحِبَالُ
ذَرِينِي إنما خَطَئِي وصَوْبِي = علَيَّ وإنما أهْلَكْتُ مالُ


أي: وإنَّ الذي أَهْلَكْتُه مالِي لا مالُ غَيْرِي، فحَذَفَ ياءَ الإضافةِ مَنْسِيَّةً، فظَهَرَ إعرافُ ما قَبْلَها , قالَه أبو عمرٍو، وخالَفَه بعضُهم وقالَ: إنما أرادَ: أنَّ الذي أَهْلَكْتُه مالٌ لا عِرْضٌ.
والمرادُ في بيتِ كعبٍ المعنى الأَوَّلُ، وهو مُحْتَمَلٌ لأنْ يكونَ مَنقولًا مِن المعنى الثاني أو الثالثِ.
وجَزَمَ عبدُ اللطيفِ بأنَّ " الصَّوْبَ " في البيتِ مَصدَرٌ، وأنَّ الاسمَ الْمَخفوضَ بإضافتِه في مَوْضِعِ رَفْعٍ على الفاعلِيَّةِ، وليس بشيءٍ، بل هو اسمٌ للمَطَرِ، ولا مَحَلَّ للاسمِ بعدَه، بل هو كزيدٍ في غُلامِ زيدٍ.
قولُه: " ساريةٍ " هي السَّحابَةُ تَأْتِي ليلًا، وهي في الأَصْلِ صِفَةٌ، ثم غَلَبَتْ عليها الاسْمِيَّةُ، وفِعْلُها : سَرَتْ تَسْرِي، ومَصْدَرُه السُّرَى، وهو سَيْرُ الليلِ خاصَّةً، والتأويبُ: سَيْرُ النهارِ خاصَّةً , والإِسْئَادُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَصدَرُ أَسْأَدَتِ الإبِلُ: إذا سارَتْ ليلًا ونَهارًا، والْحِجازِيُّونَ يَقولون: أَسْرَى بالألِفِ، وقد اجْتَمَعَت اللغتانِ في قولِ حَسَّانَ: ( البحر الكامل )
حَيِّ العَشِيَّةَ رَبَّةَ الْخِدْرِ = أَسْرَتْ إِلَيَّ ولم تَكُنْ تَسْرِي
الروايةُ بفَتْحِ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ، وقُرِئَ بهما في السبْعِ { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ } { أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي } واتُّفِقَ على الْحِجازِيَّةِ في { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا } وإنما ذَكَرَ الليلَ مَعَ اختصاصِ الإسراءِ به، ليُشارَ بتَنكيرِه الدالِّ على التقليلِ والتبعيضِ إلى أنه قَطَعَ به عليه الصلاةُ والسلامُ مَسافةَ أربعينَ ليلةً في بعضِ ليلةٍ، ويُؤَيِّدُه قِراءةُ ابنِ مَسعودٍ وحُذَيْفَةَ، رَضِيَ اللهُ عنهما: " مِنَ اللَّيْلِ " وإنما جازَ في هذه القراءةِ تَعَدِّي " أَسْرَى " بِمَنْ مَرَّتَيْنِ؛ لأنَّ الأُولَى تَبعيضِيَّةٌ، والثانيةَ لابتداءِ الغايةِ.
وتَأْتِي السارِيَةُ بِمَعنى الأُسْطُوَانَةِ
ويُرْوَى " غاديةٍ " بَدَلَ " سارِيَةٍ " وهي السَّحابةُ تأتي بالغَداةِ، وهي أيضًا مِن الصفاتِ الغالِبَةِ عليها الاسْمِيَّةُ، وفِعْلُها: غَدَتْ تَغْدُو.
وقولُه: " بِيضٌ ". فاعلٌ بأَفْرَطَهُ، وهو جَمْعُ أبيضَ أو بَيضاءَ على ما يأتي في تَفسيرِ الْمُرادِ به، وعليهما فأَصْلُه فُعلٌ بضَمِّ الفاءِ، ثم كُسِرَتْ لتَسْلَمَ الياءُ مِن الانقلابِ.
وأمَّا قولُه: " يَعالِيلُ " صِفةٌ لبِيضٌ , ووَزْنُه " يَفَاعِيلُ"؛ لأنه من الْعَلَلِ وهو الشُّرْبُ الثاني، ومُفْرَدُه " يَعلولٌ " قالوا: ثوبٌ يَعلولٌ: إذا عُلَّ بالصِّبْغِ، أي: أُعيدَ عليه مَرَّةً بعدَ أُخْرَى.
واختُلِفَ بالْمُرادِ بالبِيضِ اليَعاليلِ:
فقالَ أبو السَّمْحِ: الْجِبَالُ الْمُرْتَفِعَةُ. والاشتقاقُ لا يُساعِدُه على تفسيرِ اليَعاليلِ بالْمُرْتَفِعَةِ.
وقالَ أبو عَمْرٍو: البِيضُ: السَّحابُ، واليَعاليلُ: التي تَجيءُ مَرَّةً بعدَ أُخْرَى، ولا وَاحِدَ لها كالأبابيلِ، وتابَعَه على تَفسيرِ البِيضِ بالسَّحابِ التِّبْرِيزيُّ، وعبدُ اللطيفِ، وابنُ الأنباريِّ. وغيرُهم، وهو مَردودٌ ؛ لاقتضائِه أنَّ السَّحابةَ السارِيَةَ أَمَدَّت السَّحَائِبَ البِيضَ التي مَلَأَت الأَبْطَحَ، وليس هذا مُرادَ الْمُتَكَلِّمِ، ولا هو الواقِعَ.
وقيلَ : هي الغَدَوَاتُ. وهو بَعيدٌ؛ لأنها ليس في العُرْفِ أنها تُوصَفُ بالبَياضِ , ولا أنها تَمُدُّ الأَبَاطِحَ.
والذي يَظْهَرُ أنها الْجِبالُ الْمُفْرِطَةُ البَياضِ، وأنَّ المعنى : ومَلَأَ هذا الأَبْطَحَ مِن ماءِ سَحابةٍ آتِيَةٍ بالليلِ ماءُ جِبالٍ شَديدةِ البَياضِ ؛ وذلك لأنَّ ماءَ السَّحابةِ يَتَحَصَّلُ أوَّلًا في الْجِبالِ، ثم يَنْصَبُّ منها عندَ اجتماعِه وكَثرَتِه إلى الأَبْطَحِ، وفي هذا الكلامِ تأكيدٌ لوَصْفِ الماءِ بالْبَرْدِ والصفاءِ.
وجَوَّزَ التِّبريزيُّ أن يكونَ " أَفْرَطَهُ " بمعنى تَرَكَه، أي: تَرَكَ ماءُ الْمَطَرِ في هذا الأَبْطَحِ سَحائبَ بيضٍ. قال: ومِن ثَمَّ سُمِّيَ الغَديرُ غَديرًا؛ لأنَّ الْمَسيلَ غَادَرَه، أي: تَرَكَه. يُقالُ: أَفْرَطْتَ القومَ إذا تَرَكْتَهُم وَراءَكَ، ومنه الحديثُ: ((أَنَا فَرَطُكُم عَلَى الْحَوْضِ)) وقولُه تعالى: { وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } أي: مُؤَخَّرُونَ. انتهَى.
ويَلزَمُ ما قَدَّمْنَا من أنَّ بعضَ السَّحابِ يُسْتَمَدُّ مِن بعضٍ، وأيضًا فلم يَثْبُتْ مَجيءُ " أَفْرَطَهُ " بمعنى تَرَكَه في مَوْضِعٍ، بل جاءَ بمعنى سَبَقَه، وكلُّ مَن سَبَقْتَه فقد خَلَّفْتَه وَراءَك، وليس هذا مِمَّا نحن فيه، وقد تَقَدَّمَ القولُ في تفسيرِ ذلك مُشْبَعًا .

 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
البردة, شرح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:59 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir