دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > البلاغة > الجوهر المكنون

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 ذو القعدة 1429هـ/20-11-2008م, 05:09 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي خطبة الناظم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال العلامة: عبد الرحمن الأخضري رحمه الله:



الحَمْدُ لِلَّهِ الْبَدِيعِ الْهَادِي = إِلَى بَيَانِ مَهْيَعِ الرَّشَادِ
أَمَدَّ أَرْبَابَ النُّهَى وَرَسَمَا = شَمْسَ الْبَيَانِ فِي صُدُورِ الْعُلَمَا
فَأَبْصَرُوا مُعْجِزَةَ الْقُرْآنِ = وَاضِحَةً بِسَاطِعِ الْبُرْهَانِ
وَشَاهَدُوا مَطَالِعَ الأَنْوَارِ = وَمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَسْرَارِ
فَنَزَّهُوا الْقُلُوبَ فِي رِيَاضِهِ = وَأَوْرَدُوا الْفِكْرَ عَلَى حِيَاضِهِ
ثُمَّ صَلاةُ اللَّهِ مَا تَرَنَّمَا = حَادٍ يَسُوقُ الْعِيسَ فِي أَرْضِ الْحِمَى
عَلَى نَبِيِّنَا الْحَبِيبِ الْهَادِي = أَجَلِّ كُلِّ نَاطِقٍ بِالضَّادِ
مُحَمَّدٍ سَيِّدِ خَلْقِ اللَّهِ = الْعَرَبِيِّ الطَّاهِرِ الأَوَّاهِ
ثُمَّ عَلَى صَاحِبِهِ الصِّدِّيقِ = حَبِيبِهِ وَعُمَرَ الْفَارُوقِ
ثُمَّ أَبِي عَمْرٍو إِمَامِ الْعَابِدِينْ = وَسَطْوَةِ اللَّهِ إِمَامِ الزَّاهِدِينْ
ثُمَّ عَلَى بَقِيَّةِ الصَّحَابَهْ = ذَوِي التُّقَى وَالْفَضْلِ وَالإِنَابَهْ
وَالْمَجْدِ وَالْفُرْصَةِ وَالْبَرَاعَهْ = وَالْحَزْمِ وَالْنَجْدَةِ وَالْشَجَاعَهْ
مَا عَكَفَ الْقَلْبُ عَلَى الْقُرْآنِ = مُرْتَقِياً لِحَضْرَةِ الْعِرْفَانِ
هَذَا وَإِنَّ دُرَرَ الْبَيَانِ = وَغُرَرَ الْبَدِيعِ وَالْمَعَانِي
تَهْدِي إِلَى مَوَارِدٍ شَرِيفَهْ = وَنُبَذٍ بَدِيعَةٍ لَطِيفَهْ
مِنْ عِلْمِ أَسْرَارِ الْلِسَانِ الْعَرَبِي = وَدَرْكِ مَا خُصَّ بِهِ مِنْ عَجَبِ
لأَنَّهُ كَالرُّوحِ لِلإِعْرَابِ = وَهُوَ لِعِلْمِ النَّحْوِ كَاللُّبَابِ
وَقَدْ دَعَا بَعْضٌ مِنَ الطُّلاَّبِ = لِرَجَزٍ يَهْدِي إِلَى الصَّوَابِ
فَجِئْتُهُ بَرَجَزٍ مُفِيدِ = مُهَذَّبٍ مُنَقَّحٍ سَدِيدِ
مُلْتَقِطاً مِنْ دُرَرِ التَّلْخِيصِ = جَوَاهِراً بَدِيعَةَ التَّخْلِيصِ
سَلَكْتُ مَا أَبْدَى مِنَ التَّرْتِيبِ = وَمَا أَلَوْتُ الْجُهْدَ فِي التَّهْذِيبِ
سَمَّيْتُهُ بِالْجَوْهَرِ الْمَكْنُونِ = فِي صَدَفِ الثَّلاثَةِ الْفُنُونِ
وَاللَّهَ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ نَافِعَا = لِكُلِّ مَنْ يَقْرَؤُهُ وَرَافِعَا
وَأَنْ يَكُونَ فَاتِحاً لِلْبَابِ = لِجُمْلَةِ الإِخْوَانِ وَالأَصْحَابِ


  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 07:48 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حلية اللب المصون للشيخ: أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري


قال:
الحَمْدُ لِلَّهِ البـَدِيع الهَـادِي = إلى بيَـانِ مَهيَع الرشـاد
أقول: (الحمد) لغة هو: الثناء بالكلام على المحمود بجميل صفاته، واصطلاحا: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب إنعامه.
ومعنى (الشكر) لغة هو معنى الحمد اصطلاحا بإبدال لفظ الحامد بالشاكر، واصطلاحا: صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله.
وجملة الحمد مفيدة له ولو كانت خبرية لأن الإخبار بالثناء ثناء ولاختصاص جميع أفراده به تعالى، وإن أشير بأل إلى غير كل الأفراد لكون الحمد صفة ذات أو صفة فعل.
وقدم المسند إليه للأصل والبلاغة وعرّف بأل ليتأتى ما يصلح أن يراد بها.
وتحقيق الكلام على (الحمد) والشكر والمدح لغة واصطلاحا والنسبة بين أفراد الجميع في الرسالة المتقدمة.
و(البديع): المبدع للشيء على غير مثال فهو فعيل بمعنى فاعل ويطلق على الشيء المبدع فهو بمعنى مفعول وإطلاقه على الله تعالى صحيح بالمعنى الأوّل، مستحيل بالمعنى الثاني.
و(الهادي): يطلق على الدّال على الطريقة الموصلة إلى المطلوب، وعلى خالق الهداية في القلب وهو بالمعنى الأول مشترك بين الله وأنبيائه وأوليائه وكل داع إليه تعالى من خلقه، وهو المراد هنا، وبالمعنى الثاني خاص به تعالى.
و(البيان): الإيضاح.
و(المهيع) الطريق والرشاد الصواب.
وفي ذكر (البديع) و(بيان) براعة استهلال وهي أن يذكر المتكلم في أول كلامه ما يشعر بمقصوده كما يأتي في الفنّ الثالث.
قال:
أمدَّ أَرباَب النُّهَى ورَسمَا = شمَس البَيَان في صُدُورِ العُلَمَا
أقول:
(الإمداد): إعطاء المدد، وهو الزيادة في الخير.
و(الأرباب): جمع رب، والمراد به هنا الصاحب.
و(النهى) جمع نهية وهي العقل. والرسم هنا عبارة عن الإثبات والبيان المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير وإضافته لما قبله من قبيل لجين الماء ويحتمل تشبيه البيان بالنهار ففيه مكنية وتخييلية. ويحتمل استعارة الشمس لقواعد علم البيان فالاستعارة تحقيقية.
ومعنى كون البيان كالشمس أنه يظهر به غيره، وهو المعاني كما أن الشمس يظهر بها غيرها وإن كان الظهور الأول معنويا والثاني حسيا أي باعتبار المتعلق فيهما والرسم لمعنى البيان لا له.
والـ(صدور): جمع صدر مرادا به هنا القلب أي اللطيفة فهو مجاز بمرتبتين.
وأل في العلماء للكمال أي العاملين، وفيه تنبيه على أن العلم لا يستقر ولا يثبت إلا في قلب تخلى عن الرذائل لمصادفته قلباً خالياً فيتمكن؛ فإن الحكمة إذا لم تجد القلب كذلك فإنها ترجع من حيث أتت.
قال:

فأبصروا معجزة القُرْآنِ = واضحةً بساطعِ البرهانِ
أقول: (الفاء) تفريعيّة والمراد (بالإبصار) هنا القلبي أي النظر بعين البصيرة والمعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدّي فإضافته لما بعده بيانية إذ المراد به النظم المعجز وإن كان يطلق بالاشتراك اللفظي على الصفة القديمة أيضا فالإضافة قرينة معينة، وقوله (بساطع البرهان) من إضافة الصفة للموصوف أي البرهان الساطع أي الظاهر والبرهان العقلي قياس مركب من قضايا يقينية والمراد به هنا ما يعم النقلي، ولا شك أن كون القرآن من كلام الله تعالى الناشئ عن الإعجاز المفهوم من معجزة ثابت بالبراهين. أما الأول فكقولنا هذا الكلام معجز وكل معجز ليس من تأليف المخلوق فيكون من تأليف الخالق إذ لا واسطة.
وأما الثاني وإن ترتب على الأول فكقوله تعالى- {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن}- الآية.
قال:
وَشَاهَدُوا مَطَالعَ الأنوارِ = وما احتوتْ عليهِ منْ أسرارِ
أقول:
(شاهدوا) معطوف على أبصروا فهو من ثمرات رسم البيان أيضا والمراد بالمشاهدة بعين البصيرة والمطالع جمع مطلع وهو محل الطلوع والأنوار جمع نور وهو ما به ظهور الأشياء والمراد به هنا العلم لأنه به تظهر المعلومات والأسرار جمع سرّ وهو المعنى الخفي.
ومعنى البيت أنهم بواسطة إمعان النظر الناشئ عما رسم في قلوبهم شاهدوا معاني كلمات القرآن التي هي كمطالع الأنوار الحسية بجامع ما ينشأ عن كلّ من النور محسوسا في الثاني ومعقولا في الأول وشاهدوا ما اشتملت عليه تلك الأنوار أي العلوم من أسرار أي نكات خفية إذ خبايا القرآن وخفاياه تقف دون آخرها العقول بدليل وما يعلم تأويله إلا الله وإدراك بعضها إنما يكون بالتنوير جعلنا الله من أهله.
قال:

فنزَّهوا القلوبَ في رياضِه= وأورَدُوا الفِكْرَ على حِيَاضهِ
أقول: (الرياض) جمع روضة، والمضاف إليه ضمير القرآن على تقدير مضاف هو معاني ولما كانت النفوس الناطقة تنتعش باقتناص المعاني كما تنتعش بالأقوات الأشباح والمباني شبه معاني القرآن بالرياض بجامع تنزه النفس الناطقة بملابستها كتنزهه القالب الجسماني بالرياض المحسوسة فإضافة رياضه من قبيل لجين الماء مع مراعاة المضاف المتقدّم كإضافة حياض بعده لما بعده وإن كان المقصود نوعا من المتوسط بين المتضايفين.
و(الفكر) حركة النفس في المعقولات وحركتها في المحسوسات تخييل.
و(الحياض): جمع حوض وقعت واوه بعد كسرة قلبت ياء أي على معانيه التي هي كالحيض المحسوسة بجامع شفاء الصدر في كل منهما، ولا يخفى عليك تفريع هذا البيت على ما قبله.
قال:

ثم صـلاةُ اللهِ ما ترنمَّـا = حادٍ يسوقُ العيسَ في أرضِ الحِمَا
على نبيٍّنا الحبيبِ الهَادِي = أجلِّ كلِّ ناطقٍ بالضَّادِ
محمدٍ سيّدِ خلقِ اللهِ = العربيٍّ الطاهرِ الأوًّاهِ
أقول:
(الصلاة) لغة: العطف فإن أضيف إلى الله تعالى سمي رحمة أو إلى الملائكة سمي استغفارا أو إلى غيرهما سمي دعاء فهي مقولة على هذه المعاني بالاشتراك المعنوي.
و(الترنم) التغني.
و(العيس): الإبل، وحاديها: سائقها المغني لها ليحصل لها نشاط في السير.
و(الحمى) الممنوع من قربه والمراد به أرض الحجاز لمنع الكفار من الإقامة بها، والمقصود طلب تأبيد الصلاة بجملتها لا التأقيت.
و(النبي): إنسان أوحي إليه بشرع فإن أمر بتبليغه سمي رسولا أيضا وهو بالهمز من النبأ أي الخبر فيصح أن يكون بمعنى فاعل باعتبار أنه مخبِر بكسر الباء عن الله عز وجل أو بمعنى مفعول باعتبار أن جبريل أخبره عن الله تعالى، و(بالياء) من النبوة وهي الرفعة فيصح أن يكون بمعنى مفعول لأنه مرفوع الرتبة عن غيره أو فاعل لرفعه غيره إذ ما من مرفوع إلا وباب رفعته النبي-صلى الله عليه وسلم- والحبيب يصح أن يكون بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول والهادي المرشد غيره وأجل بمعنى أعظم وكل ناطق بالضاد أشار به لقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما روي عنه متكلما فيه بالوضع ((أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش)) ومقصوده الثناء على المصطفى- صلى الله عليه وسلم- بكمال فصاحته وفي بعض النسخ:
*على نبي اصطفاه الهادي* أجل.. إلخ .
و(محمد) علم على ذاته -صلى الله عليه وسلم- وسيد خلق الله أي أفضلهم وأشرفهم على الإطلاق بتفضيل من المولى سبحانه وتعالى بدليل ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) وأما ما ورد من الأحاديث الدالة على نهيه عن تفضيله على غيره من الأنبياء فأجابوا عنها بأجوبة منها أنه قال ذلك تواضعا منه-صلى الله عليه وسلم-والعربي نسبة إلى العرب والطاهر المنزه حسا ومعنى عن شائبة وصف مخلّ بشيء من كماله-صلى الله عليه وسلم- صغيرا كان أو كبيرا قبل النبوّة وبعدها عمدا أو سهوا والأوّاه كثير التأوّه من خشية الله تعالى وقد ورد أنه كان يسمع لصدره -صلى الله عليه وسلم- أزيز كأزيز المرجل أي غليان كغليان القدر لأن الخوف على قدر المعرفة وهو أعرف خلق الله تعالى بالله.
قال:

ثم على صاحبهِ الصِّدِّيقِ = حبيبهِ وعمرَ الفاروقِ
ثم أبي عمروٍ إمامِ العابدين = وسطوةِ اللهِ إمامِ الزاهدين
أقول : (صاحب) بمعنى صحابي وهو من اجتمع به-صلى الله عليه وسلم- مؤمنا به بعد نبوّته حال حياته اجتماعا متعارفا وأما قولهم ومات على ذلك فبيان لثمرة الصحبة إذ تحققها لا يتوقف على ذلك و(الصدّيق) لقب لسيدنا أبي بكر-رضى الله عنه- واسمه عبد الله وهو قرشي يلتقي مع النبي -صلى الله عله وسلم- في مرة بن كعب من كلامه -رضى الله عنه- أكيس الكيس التقى وأحمق الحمق الفجور وأصدق الصدق الأمانة وأكذب الكذب الخيانة وكانرضى الله عنه- يأخذ بطرف لسانه ويقول هذا الذي أوردني الموارد وكان يشمّ من فيه رائحة الكبد المشويِّ لشدّة خوفه -رضى الله عنه-( وعمر الفاروق) هو سيدنا عمر بن الخطاب-رضى الله عنه- لقب بالفاروق لفرقه بين الحق والباطل يجتمع نسبه مع النبي-صلى الله عليه وسلم- في كعب، من كلامه -رضي الله عنه-: (من خاف من الله لم يشف غيظه ومن اتقى الله لم يصنع ما يريد)، وكان يأخذ اللبنة من الأرض ويقول: "يا ليتني كنت هذه اللبنة، ليتني لم أخلق، ليت أمي لم تلدني، ليتني لم أك شيئاً، ليتني كنت نسيا منسيّاً"، وكان يحمل جراب الدقيق على ظهره للأرامل والأيتام فقال له بعضهم: دعني أحمله عنك، فقال: (ومن يحمل عني يوم القيامة ذنوبي؟!)-رضى الله عنه-.
و(أبو عمرو) المراد به سيدنا عثمان بن عفان-رضى الله عنه- يجتمع نسبه مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في عبد مناف، وكان -رضى الله عنه- شديد الحياء وكان يصوم النهار ويقوم الليل إلا هجعة من أوّله وكان يختم القرآن في ركعة واحدة كثيرا وكان إذا مرّ على المقبرة بكى حتى يبلّ لحيته -رضي الله عنه-.
و(سطوة الله إمام الزاهدين): المراد به سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه وعبّر عنه بالسطوة لشدّة بأسه على أهل الزيغ وبما بعده لشدّة إعراضه عن الدنيا وكان رضي الله عنه يقول: (الدنيا جيفة فمن أراد منها شيئاً فليصبر على مخالطة الكلاب) وكان يخاطب الدنيا ويقول: (يا دنيا غرّي بغيري فقد طلّقتك ثلاثا عمرك قصير ومجلسك حقير وخطرك كبير آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق)، وكان يقول: (ما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا وما فاتك منها فلا تأس عليه حزنا وليكن همك فيما بعد الموت) -رضي الله عنه-.
قال:

ثم على بقيةِ الصحابة = ذوِي التُّقَى والفضلِ والإنابة
والمجدِ والفُرصَةِ والبَراعة = والحزمِ والنجدةِ والشجاعة
ما عكفَ القلبُ على القرآنِ = مرتِقيًا لِحَضرةِ العِرْفَان
أقول: (التقى) من قولهم وقاه فاتقى والوقاية الحفظ والمتقي من يقي نفسه أي يحفظها عما يضرها في الآخرة وللتقوى مراتب الأولى التوقي عن العذاب الأبدي وهي حاصلة بعدم الشرك بالله تعالى والثانية التنزه عن كل مأثم فعلا أو تركا والثالثة التنزه عما يشغل السر من الأكوان عن الحق -سبحانه وتعالى- وهذا القسم مطلوب للمولى من عبيده بقوله اتقوا الله حق تقاته لأنه تعالى لا يقبل على القلب المشترك.
و(الفضل): الزيادة في الخير.
و(الإنابة): الرجوع إليه سبحانه وتعالى.
و(المجد): الكرم.
و(الفرصة): من قولهم فرصت الرجل وأفرصته إذا أعطيته فهي بمعنى العطية.
و(البراعة): من برع الرجل بالفتح والضم براعة إذا فاق أصحابه في العلم وغيره.
و(الحزم): ضبط الأمر بالاتفاق وحسن التدبير.
و(النجدة): الإعانة بسرعة وتطلق على الشجاعة فعطف ما بعدها على هذا عطف مرادف ومغاير على الأول.
و(الشجاعة): شدة القلب عند البأس.
و(العكوف) الإقامة والقرآن يطلق على الصفة القديمة وليس مرادا هنا وعلى النظم المعجز الدال على متعلق الصفة القديمة لا عليها نفسها على التحقيق خلافا لظاهر عبارات جمهور المتكلمين وهو المراد هنا وبين على والقرآن مضاف وهو معاني ومعنى الإقامة على المعاني الإقامة على التأمل فيها فإن ذلك هو العروة الوثقى في الوصول إلى حالة يقف دون أولها سليمو العقول وهو ما أشار إليها بقوله مرتقيا إلخ وليس مقصوده بما عكف التقييد بل المقصود هنا التأبيد.
قال:

هذا وإنَّ دُرَرَ البيانِ= وغُرَرَ البديعِ والمعانِي
تهدِي إلى مواردٍ شريفة = ونُبَذٍ بديعةٍ لطيفة
مِن علمِ أسرارِ اللِّسانِ العربي = ودَرْكِ ما خُصَّ بهِ من عجَبِ
لأنَّه كالروحِ للإعرابِ = وهْوَ لعِلمِ النحوِ كاللُّبابِ
أقول: لفظة (هذا) خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر هذا أو مبتدأ والخبر محذوف أي هذا كما ذكر وهو للانتقال من كلام إلى آخر، ويسمى الاقتضاب لعدم الملائمة بين المنتقل عنه والمنتقل إليه فإن كانت مناسبة سمي تخلصا كما يأتي الكلام على ذلك في فن البديع إن شاء الله تعالى.
والواو في (وإنَّ): واو الحال، و(درر البيان): أراد بها مسائل علم البيان المعنيّ به إدراك المسائل على سبيل الاستعارة المصرحة و(غرر البديع) والمعاني كذلك نظرا للأصل في معنى الغرة ويحتمل أن يكون المراد بالبيان وتالييه المسائل فالإضافة من قبيل لجين الماء وسيأتي تحقيق معنى العلم في أول الفن الأول و(تهدي) توصل والموارد جمع مورد مرادا به المعنى سمي بذلك لورود الأفكار عليه لتشتفي من ظمأ الجهل كالورد المحسوس الشافي من حرارة الكبد فالموراد استعارة مصرحة ونبذ جمع نبذة مرادا بها بعض المعنى.
و(بديعة) بمعنى حسنة ولطيفة دقيقة ومن تبعيضية وعلم اللسان العربي علم اللغة وأسراره دقائقه ودرك بمعنى إدراك معطوف على موارد وما واقعة على المعاني الدقيقة التي خص بها اللسان العربي ومن عجب بيان لها والعجب بمعنى العجيب أي ما يتعجب منه للطافته.
وقوله (لأنه) أي المذكور من البيان وتالييه.
ومراده بـ(الإعراب) المعرب، ولباب كل شيء خالصه، ومعنى كون هذه الفنون أي مؤداها كالروح للمعرب من الكلمات أنها موصلة إلى معرفة المزايا الزائدة على معاني الكلمات الأصلية التي هي من خواص التراكيب كالمطابقة لمقتضى الحال، وهذا هو محط نظر البلغاء فالكلمات المعربة المجردة عن هذه الخواص كالأشباح الخالية عن الأرواح فليست معتبرة بدونها كما أن الجسم لا يعتبر بدون الروح فالخواص للكلمات بمنزلة الأرواح للأشباح ففي كلامه الحكم على الشيء بحكم مؤداه ويحتمل أن يكون المراد بالإعراب العلم الباحث عنه وهو النحو فيكون الحكم على البيان وما معه لا على المؤدى ويكون المصنف قد جعل له منزلتين الأولى منزلة الروح من الجسم والثانية منزلة اللباب من القشر ومراده بهذه الأبيات مدح هذا الفن المتضمن مدح كتابه وهذا الفن جدير بذلك إذ لا تدرك دقائق التفسير وما اشتمل عليه من الاعتبارات اللطيفة إلا بواسطة مراعاة هذا الفن فهو من أعظم آلات العلوم الشرعية ولذلك كان الاشتغال به فرض كفاية.
واعلم أن تعريف كل علم يأتي في أوله، وموضوعه الكلمات العربية من الحيثيات الآتية، والواضع له الشيخ عبد القاهر، والاسم يأتي في آخر المقدمة، ومادته من أسرار العربية، وتقدم حكمه وستأتي مسائل كل، وفضيلته إدراك معجزة القرآن به، ونسبته تقدمت في قوله (لأنه كالروح.. الخ)، وفائدته تأتي عند قوله (وحافظ.. الخ).
قال:

وقد دعا بعض من الطلابِ = لرَجَزٍ يهدي إلى الصوابِ
فجئته برجَزٍ مفيدِ = مهذّبٍ منقَّحٍ سديدِ
ملتقِطا من دُررِ التلخيص = جواهرا بديعةَ التخليصِ
سلكتُ ما أبْدَى منَ الترتيبِ = وما ألوتَ الجهد في التهذيبِ
أقول: (دعا) بمعنى طلب، فاللام في قوله (لرجز) زائدة، والرجز نوع من الشعر أجزاؤه مستفعلن ستّ مرات تأتي دائرة المشتبه منفكا عن أوّلها من سببي مفاعيلن.
وهذه المنظومة وما أشبهها من مشطور الرجز وفي كونه عروضا أو ضربا أقوال تعلم من علم العروض.
و(الصواب) كلام طابق حكمه الواقع من غير اعتبار المطابقة من جانب بخصوصه بخلاف الحقّ فّإنه ما طابق الواقع باعتبار نسبة الواقع إليه وبخلاف الصدق فإنه ما طابق الواقع باعتبار نسبته إلى الواقع ويقابل الأول الخطأ والثاني الباطل والثالث الكذب.
و(رجز مفيد) يحتمل أنه مجاز عقلي مما بني الفعل فيه للفاعل وأسند إلى المفعول كعيشة راضية لأن الرجز مفاد لا مفيد ويحتمل أن يكون من باب الاستعارة بالكناية والتخييلية بأن جعل الإنسان المضمر المرموز إليه بمفيد أو التشبيه المضمر في النفس أو الرجز المدّعى أنه من أفراد الإنسان المشبه به استعارة بالكناية على المذاهب فيها وإثبات اللازم وهو مفيد استعارة تخييلية.
و(مهذب) أي مصفى من شائبة ما لا فائدة فيه. و(منقح) بعده بمعناه.
و(سديد) بمعنى أنه لا خلل فيه وأتى به لدفع توهم خلل في المعنى ناشئ عن الإيجاز الناشئ عن هذه الأوصاف المصرّح بها فيما بعد وفيه مدح لتأليفه ليقبل فيحصل به النفع، وهذه عادة المصنفين ولا بأس بذلك لصحة الغرض.
و(التلخيص) هو مختصر الخطيب القزويني للقسم الثالث من المفتاح للسكاكي. ودرره مسائله التي يشتمل عليها فالدرر أي الجواهر أو استعمالها استعارة تصريحية، ومن تبعيضية وجواهر معمول لملتقطا وبديعة التخليص حسنته.
ومعنى البيت أنه لم يأخذ جميع مسائل التلخيص وإنما أخذ بعضها وقوله : سلكت ما أبدى من الترتيب. يعني أنه رتب مؤلفه ترتيبا مثل ترتيب تلخيص المفتاح.
وقوله: (وما ألوت الجهد) أي ما منعته والجهد بالضم الطاقة والتهذيب التصفية.
قال:

سمّيته بالجوهرِ المكنونِ = في صدف الثّلاثة الفنونِ
واللهَ أرجوا أن يكونَ نافِعا = لكل من يقرؤه ورافِعا
وأن يكون فاتحا للبابِ = لجملةِ الإخوانِ والأصحابِ
أقول: ضمير سميته يرجع إلى المؤلف المفهوم من السياق وسمى يتعدّى لمفعولين تارة بنفسه وتارة للثاني بالباء كما هنا.
و(الجوهر.. إلى آخر البيت) هو اسم هذا الكتاب، والمكنون المستور والصدف وعاء الجوهر والثلاثة بدل مما قبله والفنون جمع فنّ وهو النوع من كلّ شيء والمراد هنا علم المعاني والبيان والبديع والرجاء الأمل وقدّم المعمول للاختصاص وقوله يقرؤه أي على غيره أو لغيره ورافعا له على غيره من أقرانه وقوله (للباب): أي باب الفهم للكتب المطولة في هذا العلم ولا يخفى ما فيه من التواضع حيث جعل كتابه وسيلة غير مقصود.
و(الإخوان): جمع أخ في الله لا من النسب، وجمعه من النسب إخوة.
و(الأصحاب): جمع صاحب ومقصوده تعميم النفع، وقد أخبرنا شيخنا سيدي عبد الله المغربي القصري عن أشياخه أن المصنف كان مجاب الدعوة، وقد شاهدنا ذلك نفعنا الله به.


  #3  
قديم 8 محرم 1430هـ/4-01-2009م, 08:20 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية المنياوي على حلية اللب المصون للشيخ: مخلوف بن محمد البدوي المنياوي

قال:

الحَمْدُ لِلَّهِ البـَدِيع الهَـادِي = إلى بيَـانِ مَهيَع الرشـاد

أقول: (الحمد) لغة هو: الثناء بالكلام على المحمود بجميل صفاته، واصطلاحا: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب إنعامه.
ومعنى (الشكر) لغة هو معنى الحمد اصطلاحا بإبدال لفظ الحامد بالشاكر، واصطلاحا: صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله.
وجملة الحمد مفيدة له ولو كانت خبرية لأن الإخبار بالثناء ثناء ولاختصاص جميع أفراده به تعالى، وإن أشير بأل إلى غير كل الأفراد لكون الحمد صفة ذات أو صفة فعل.
وقدم المسند إليه للأصل والبلاغة وعرّف بأل ليتأتى ما يصلح أن يراد بها.
وتحقيق الكلام على (الحمد) والشكر والمدح لغة واصطلاحا والنسبة بين أفراد الجميع في الرسالة المتقدمة.
و(البديع): المبدع للشيء على غير مثال فهو فعيل بمعنى فاعل ويطلق على الشيء المبدع فهو بمعنى مفعول وإطلاقه على الله تعالى صحيح بالمعنى الأوّل، مستحيل بالمعنى الثاني.
و(الهادي): يطلق على الدّال على الطريقة الموصلة إلى المطلوب، وعلى خالق الهداية في القلب وهو بالمعنى الأول مشترك بين الله وأنبيائه وأوليائه وكل داع إليه تعالى من خلقه، وهو المراد هنا، وبالمعنى الثاني خاص به تعالى.
و(البيان): الإيضاح.
و(المهيع) الطريق والرشاد الصواب.
وفي ذكر (البديع) و(بيان) براعة استهلال وهي أن يذكر المتكلم في أول كلامه ما يشعر بمقصوده كما يأتي في الفنّ الثالث.
قال:
أمدَّ أَرباَب النُّهَى ورَسمَا = شمَس البَيَان في صُدُورِ العُلَمَا

أقول:
(الإمداد): إعطاء المدد، وهو الزيادة في الخير.
و(الأرباب): جمع رب، والمراد به هنا الصاحب.
و(النهى) جمع نهية وهي العقل. والرسم هنا عبارة عن الإثبات والبيان المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير وإضافته لما قبله من قبيل لجين الماء ويحتمل تشبيه البيان بالنهار ففيه مكنية وتخييلية. ويحتمل استعارة الشمس لقواعد علم البيان فالاستعارة تحقيقية.
ومعنى كون البيان كالشمس أنه يظهر به غيره، وهو المعاني كما أن الشمس يظهر بها غيرها وإن كان الظهور الأول معنويا والثاني حسيا أي باعتبار المتعلق فيهما والرسم لمعنى البيان لا له.
والـ(صدور): جمع صدر مرادا به هنا القلب أي اللطيفة فهو مجاز بمرتبتين.
وأل في العلماء للكمال أي العاملين، وفيه تنبيه على أن العلم لا يستقر ولا يثبت إلا في قلب تخلى عن الرذائل لمصادفته قلباً خالياً فيتمكن؛ فإن الحكمة إذا لم تجد القلب كذلك فإنها ترجع من حيث أتت.
قال:

فأبصروا معجزة القُرْآنِ = واضحةً بساطعِ البرهانِ
أقول: (الفاء) تفريعيّة والمراد (بالإبصار) هنا القلبي أي النظر بعين البصيرة والمعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدّي فإضافته لما بعده بيانية إذ المراد به النظم المعجز وإن كان يطلق بالاشتراك اللفظي على الصفة القديمة أيضا فالإضافة قرينة معينة، وقوله (بساطع البرهان) من إضافة الصفة للموصوف أي البرهان الساطع أي الظاهر والبرهان العقلي قياس مركب من قضايا يقينية والمراد به هنا ما يعم النقلي، ولا شك أن كون القرآن من كلام الله تعالى الناشئ عن الإعجاز المفهوم من معجزة ثابت بالبراهين. أما الأول فكقولنا هذا الكلام معجز وكل معجز ليس من تأليف المخلوق فيكون من تأليف الخالق إذ لا واسطة.
وأما الثاني وإن ترتب على الأول فكقوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن..} الآية.
قال:
وَشَاهَدُوا مَطَالعَ الأنوارِ = وما احتوتْ عليهِ منْ أسرارِ

أقول:
(شاهدوا) معطوف على أبصروا فهو من ثمرات رسم البيان أيضا والمراد بالمشاهدة بعين البصيرة والمطالع جمع مطلع وهو محل الطلوع والأنوار جمع نور وهو ما به ظهور الأشياء والمراد به هنا العلم لأنه به تظهر المعلومات والأسرار جمع سرّ وهو المعنى الخفي.
ومعنى البيت أنهم بواسطة إمعان النظر الناشئ عما رسم في قلوبهم شاهدوا معاني كلمات القرآن التي هي كمطالع الأنوار الحسية بجامع ما ينشأ عن كلّ من النور محسوسا في الثاني ومعقولا في الأول وشاهدوا ما اشتملت عليه تلك الأنوار أي العلوم من أسرار أي نكات خفية إذ خبايا القرآن وخفاياه تقف دون آخرها العقول بدليل وما يعلم تأويله إلا الله وإدراك بعضها إنما يكون بالتنوير جعلنا الله من أهله.
قال:

فنزَّهوا القلوبَ في رياضِه = وأورَدُوا الفِكْرَ على حِيَاضهِ
أقول: (الرياض) جمع روضة، والمضاف إليه ضمير القرآن على تقدير مضاف هو معاني ولما كانت النفوس الناطقة تنتعش باقتناص المعاني كما تنتعش بالأقوات الأشباح والمباني شبه معاني القرآن بالرياض بجامع تنزه النفس الناطقة بملابستها كتنزهه القالب الجسماني بالرياض المحسوسة فإضافة رياضه من قبيل لجين الماء مع مراعاة المضاف المتقدّم كإضافة حياض بعده لما بعده وإن كان المقصود نوعا من المتوسط بين المتضايفين.
و(الفكر) حركة النفس في المعقولات وحركتها في المحسوسات تخييل.
و(الحياض): جمع حوض وقعت واوه بعد كسرة قلبت ياء أي على معانيه التي هي كالحيض المحسوسة بجامع شفاء الصدر في كل منهما، ولا يخفى عليك تفريع هذا البيت على ما قبله.
قال:

ثم صـلاةُ اللهِ ما ترنمَّـا = حادٍ يسوقُ العيسَ في أرضِ الحِمَا
على نبيٍّنا الحبيبِ الهَادِي = أجلِّ كلِّ ناطقٍ بالضَّادِ
محمدٍ سيّدِ خلقِ اللهِ = العربيٍّ الطاهرِ الأوًّاهِ
أقول:
(الصلاة) لغة: العطف فإن أضيف إلى الله تعالى سمي رحمة أو إلى الملائكة سمي استغفارا أو إلى غيرهما سمي دعاء فهي مقولة على هذه المعاني بالاشتراك المعنوي.
و(الترنم) التغني.
و(العيس): الإبل، وحاديها: سائقها المغني لها ليحصل لها نشاط في السير.
و(الحمى) الممنوع من قربه والمراد به أرض الحجاز لمنع الكفار من الإقامة بها، والمقصود طلب تأبيد الصلاة بجملتها لا التأقيت.
و(النبي): إنسان أوحي إليه بشرع فإن أمر بتبليغه سمي رسولا أيضا وهو بالهمز من النبأ أي الخبر فيصح أن يكون بمعنى فاعل باعتبار أنه مخبِر بكسر الباء عن الله عز وجل أو بمعنى مفعول باعتبار أن جبريل أخبره عن الله تعالى، و(بالياء) من النبوة وهي الرفعة فيصح أن يكون بمعنى مفعول لأنه مرفوع الرتبة عن غيره أو فاعل لرفعه غيره إذ ما من مرفوع إلا وباب رفعته النبي-صلى الله عليه وسلم- والحبيب يصح أن يكون بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول والهادي المرشد غيره وأجل بمعنى أعظم وكل ناطق بالضاد أشار به لقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما روي عنه متكلما فيه بالوضع ((أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش)) ومقصوده الثناء على المصطفى- صلى الله عليه وسلم- بكمال فصاحته وفي بعض النسخ:
على نبي اصطفاه الهادي * أجل.. إلخ .
و(محمد) علم على ذاته -صلى الله عليه وسلم- وسيد خلق الله أي أفضلهم وأشرفهم على الإطلاق بتفضيل من المولى سبحانه وتعالى بدليل ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) وأما ما ورد من الأحاديث الدالة على نهيه عن تفضيله على غيره من الأنبياء فأجابوا عنها بأجوبة منها أنه قال ذلك تواضعا منه-صلى الله عليه وسلم-والعربي نسبة إلى العرب والطاهر المنزه حسا ومعنى عن شائبة وصف مخلّ بشيء من كماله-صلى الله عليه وسلم- صغيرا كان أو كبيرا قبل النبوّة وبعدها عمدا أو سهوا والأوّاه كثير التأوّه من خشية الله تعالى وقد ورد أنه كان يسمع لصدره -صلى الله عليه وسلم- أزيز كأزيز المرجل أي غليان كغليان القدر لأن الخوف على قدر المعرفة وهو أعرف خلق الله تعالى بالله.
قال:

ثم على صاحبهِ الصِّدِّيقِ = حبيبهِ وعمرَ الفاروقِ
ثم أبي عمروٍ إمامِ العابدين = وسطوةِ اللهِ إمامِ الزاهدين
أقول: (صاحب) بمعنى صحابي وهو من اجتمع به-صلى الله عليه وسلم- مؤمنا به بعد نبوّته حال حياته اجتماعا متعارفا وأما قولهم ومات على ذلك فبيان لثمرة الصحبة إذ تحققها لا يتوقف على ذلك و(الصدّيق) لقب لسيدنا أبي بكر-رضى الله عنه- واسمه عبد الله وهو قرشي يلتقي مع النبي -صلى الله عله وسلم- في مرة بن كعب من كلامه -رضى الله عنه- أكيس الكيس التقى وأحمق الحمق الفجور وأصدق الصدق الأمانة وأكذب الكذب الخيانة وكانرضى الله عنه- يأخذ بطرف لسانه ويقول هذا الذي أوردني الموارد وكان يشمّ من فيه رائحة الكبد المشويِّ لشدّة خوفه -رضى الله عنه-( وعمر الفاروق) هو سيدنا عمر بن الخطاب-رضى الله عنه- لقب بالفاروق لفرقه بين الحق والباطل يجتمع نسبه مع النبي-صلى الله عليه وسلم- في كعب، من كلامه -رضي الله عنه-: (من خاف من الله لم يشف غيظه ومن اتقى الله لم يصنع ما يريد)، وكان يأخذ اللبنة من الأرض ويقول: "يا ليتني كنت هذه اللبنة، ليتني لم أخلق، ليت أمي لم تلدني، ليتني لم أك شيئاً، ليتني كنت نسيا منسيّاً"، وكان يحمل جراب الدقيق على ظهره للأرامل والأيتام فقال له بعضهم: دعني أحمله عنك، فقال: (ومن يحمل عني يوم القيامة ذنوبي؟!)-رضى الله عنه-.
و(أبو عمرو) المراد به سيدنا عثمان بن عفان-رضى الله عنه- يجتمع نسبه مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في عبد مناف، وكان -رضى الله عنه- شديد الحياء وكان يصوم النهار ويقوم الليل إلا هجعة من أوّله وكان يختم القرآن في ركعة واحدة كثيرا وكان إذا مرّ على المقبرة بكى حتى يبلّ لحيته -رضي الله عنه-.
و(سطوة الله إمام الزاهدين): المراد به سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه وعبّر عنه بالسطوة لشدّة بأسه على أهل الزيغ وبما بعده لشدّة إعراضه عن الدنيا وكان رضي الله عنه يقول: (الدنيا جيفة فمن أراد منها شيئاً فليصبر على مخالطة الكلاب) وكان يخاطب الدنيا ويقول: (يا دنيا غرّي بغيري فقد طلّقتك ثلاثا عمرك قصير ومجلسك حقير وخطرك كبير آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق)، وكان يقول: (ما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا وما فاتك منها فلا تأس عليه حزنا وليكن همك فيما بعد الموت) -رضي الله عنه-.
قال:

ثم على بقيةِ الصحابة = ذوِي التُّقَى والفضلِ والإنابة
والمجدِ والفُرصَةِ والبَراعة = والحزمِ والنجدةِ والشجاعة
ما عكفَ القلبُ على القرآنِ = مرتِقيًا لِحَضرةِ العِرْفَان
أقول: (التقى) من قولهم وقاه فاتقى والوقاية الحفظ والمتقي من يقي نفسه أي يحفظها عما يضرها في الآخرة وللتقوى مراتب الأولى التوقي عن العذاب الأبدي وهي حاصلة بعدم الشرك بالله تعالى والثانية التنزه عن كل مأثم فعلا أو تركا والثالثة التنزه عما يشغل السر من الأكوان عن الحق -سبحانه وتعالى- وهذا القسم مطلوب للمولى من عبيده بقوله اتقوا الله حق تقاته لأنه تعالى لا يقبل على القلب المشترك.
و(الفضل): الزيادة في الخير.
و(الإنابة): الرجوع إليه سبحانه وتعالى.
و(المجد): الكرم.
و(الفرصة): من قولهم فرصت الرجل وأفرصته إذا أعطيته فهي بمعنى العطية.
و(البراعة): من برع الرجل بالفتح والضم براعة إذا فاق أصحابه في العلم وغيره.
و(الحزم): ضبط الأمر بالاتفاق وحسن التدبير.
و(النجدة): الإعانة بسرعة وتطلق على الشجاعة فعطف ما بعدها على هذا عطف مرادف ومغاير على الأول.
و(الشجاعة): شدة القلب عند البأس.
و(العكوف) الإقامة والقرآن يطلق على الصفة القديمة وليس مرادا هنا وعلى النظم المعجز الدال على متعلق الصفة القديمة لا عليها نفسها على التحقيق خلافا لظاهر عبارات جمهور المتكلمين وهو المراد هنا وبين على والقرآن مضاف وهو معاني ومعنى الإقامة على المعاني الإقامة على التأمل فيها فإن ذلك هو العروة الوثقى في الوصول إلى حالة يقف دون أولها سليمو العقول وهو ما أشار إليها بقوله مرتقيا إلخ وليس مقصوده بما عكف التقييد بل المقصود هنا التأبيد.
قال:

هذا وإنَّ دُرَرَ البيانِ= وغُرَرَ البديعِ والمعانِي
تهدِي إلى مواردٍ شريفة = ونُبَذٍ بديعةٍ لطيفة
مِن علمِ أسرارِ اللِّسانِ العربي = ودَرْكِ ما خُصَّ بهِ من عجَبِ
لأنَّه كالروحِ للإعرابِ = وهْوَ لعِلمِ النحوِ كاللُّبابِ
أقول: لفظة (هذا) خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر هذا أو مبتدأ والخبر محذوف أي هذا كما ذكر وهو للانتقال من كلام إلى آخر، ويسمى الاقتضاب لعدم الملائمة بين المنتقل عنه والمنتقل إليه فإن كانت مناسبة سمي تخلصا كما يأتي الكلام على ذلك في فن البديع إن شاء الله تعالى.
والواو في (وإنَّ): واو الحال، و(درر البيان): أراد بها مسائل علم البيان المعنيّ به إدراك المسائل على سبيل الاستعارة المصرحة و(غرر البديع) والمعاني كذلك نظرا للأصل في معنى الغرة ويحتمل أن يكون المراد بالبيان وتالييه المسائل فالإضافة من قبيل لجين الماء وسيأتي تحقيق معنى العلم في أول الفن الأول و(تهدي) توصل والموارد جمع مورد مرادا به المعنى سمي بذلك لورود الأفكار عليه لتشتفي من ظمأ الجهل كالورد المحسوس الشافي من حرارة الكبد فالموراد استعارة مصرحة ونبذ جمع نبذة مرادا بها بعض المعنى.
و(بديعة) بمعنى حسنة ولطيفة دقيقة ومن تبعيضية وعلم اللسان العربي علم اللغة وأسراره دقائقه ودرك بمعنى إدراك معطوف على موارد وما واقعة على المعاني الدقيقة التي خص بها اللسان العربي ومن عجب بيان لها والعجب بمعنى العجيب أي ما يتعجب منه للطافته.
وقوله (لأنه) أي المذكور من البيان وتالييه.
ومراده بـ(الإعراب) المعرب، ولباب كل شيء خالصه، ومعنى كون هذه الفنون أي مؤداها كالروح للمعرب من الكلمات أنها موصلة إلى معرفة المزايا الزائدة على معاني الكلمات الأصلية التي هي من خواص التراكيب كالمطابقة لمقتضى الحال، وهذا هو محط نظر البلغاء فالكلمات المعربة المجردة عن هذه الخواص كالأشباح الخالية عن الأرواح فليست معتبرة بدونها كما أن الجسم لا يعتبر بدون الروح فالخواص للكلمات بمنزلة الأرواح للأشباح ففي كلامه الحكم على الشيء بحكم مؤداه ويحتمل أن يكون المراد بالإعراب العلم الباحث عنه وهو النحو فيكون الحكم على البيان وما معه لا على المؤدى ويكون المصنف قد جعل له منزلتين الأولى منزلة الروح من الجسم والثانية منزلة اللباب من القشر، ومراده بهذه الأبيات مدح هذا الفن المتضمن مدح كتابه وهذا الفن جدير بذلك إذ لا تدرك دقائق التفسير وما اشتمل عليه من الاعتبارات اللطيفة إلا بواسطة مراعاة هذا الفن فهو من أعظم آلات العلوم الشرعية ولذلك كان الاشتغال به فرض كفاية.
واعلم أن تعريف كل علم يأتي في أوله، وموضوعه الكلمات العربية من الحيثيات الآتية، والواضع له الشيخ عبد القاهر، والاسم يأتي في آخر المقدمة، ومادته من أسرار العربية، وتقدم حكمه وستأتي مسائل كل، وفضيلته إدراك معجزة القرآن به، ونسبته تقدمت في قوله (لأنه كالروح.. الخ)، وفائدته تأتي عند قوله (وحافظ.. الخ).
قال:

وقد دعا بعض من الطلابِ = لرَجَزٍ يهدي إلى الصوابِ
فجئته برجَزٍ مفيدِ = مهذّبٍ منقَّحٍ سديدِ
ملتقِطا من دُررِ التلخيص = جواهرا بديعةَ التخليصِ
سلكتُ ما أبْدَى منَ الترتيبِ = وما ألوتَ الجهد في التهذيبِ
أقول: (دعا) بمعنى طلب، فاللام في قوله (لرجز) زائدة، والرجز نوع من الشعر أجزاؤه مستفعلن ستّ مرات تأتي دائرة المشتبه منفكا عن أوّلها من سببي مفاعيلن.
وهذه المنظومة وما أشبهها من مشطور الرجز وفي كونه عروضا أو ضربا أقوال تعلم من علم العروض.
و(الصواب) كلام طابق حكمه الواقع من غير اعتبار المطابقة من جانب بخصوصه بخلاف الحقّ فّإنه ما طابق الواقع باعتبار نسبة الواقع إليه وبخلاف الصدق فإنه ما طابق الواقع باعتبار نسبته إلى الواقع ويقابل الأول الخطأ والثاني الباطل والثالث الكذب.
و(رجز مفيد) يحتمل أنه مجاز عقلي مما بني الفعل فيه للفاعل وأسند إلى المفعول كعيشة راضية لأن الرجز مفاد لا مفيد ويحتمل أن يكون من باب الاستعارة بالكناية والتخييلية بأن جعل الإنسان المضمر المرموز إليه بمفيد أو التشبيه المضمر في النفس أو الرجز المدّعى أنه من أفراد الإنسان المشبه به استعارة بالكناية على المذاهب فيها وإثبات اللازم وهو مفيد استعارة تخييلية.
و(مهذب) أي مصفى من شائبة ما لا فائدة فيه. و(منقح) بعده بمعناه.
و(سديد) بمعنى أنه لا خلل فيه وأتى به لدفع توهم خلل في المعنى ناشئ عن الإيجاز الناشئ عن هذه الأوصاف المصرّح بها فيما بعد وفيه مدح لتأليفه ليقبل فيحصل به النفع، وهذه عادة المصنفين ولا بأس بذلك لصحة الغرض.
و(التلخيص) هو مختصر الخطيب القزويني للقسم الثالث من المفتاح للسكاكي. ودرره مسائله التي يشتمل عليها فالدرر أي الجواهر أو استعمالها استعارة تصريحية، ومن تبعيضية وجواهر معمول لملتقطا وبديعة التخليص حسنته.
ومعنى البيت أنه لم يأخذ جميع مسائل التلخيص وإنما أخذ بعضها وقوله : سلكت ما أبدى من الترتيب. يعني أنه رتب مؤلفه ترتيبا مثل ترتيب تلخيص المفتاح.
وقوله: (وما ألوت الجهد) أي ما منعته والجهد بالضم الطاقة والتهذيب التصفية.
قال:

سمّيته بالجوهرِ المكنونِ = في صدف الثّلاثة الفنونِ
واللهَ أرجوا أن يكونَ نافِعا = لكل من يقرؤه ورافِعا
وأن يكون فاتحا للبابِ = لجملةِ الإخوانِ والأصحابِ
أقول: ضمير سميته يرجع إلى المؤلف المفهوم من السياق وسمى يتعدّى لمفعولين تارة بنفسه وتارة للثاني بالباء كما هنا.
و(الجوهر.. إلى آخر البيت) هو اسم هذا الكتاب، والمكنون المستور والصدف وعاء الجوهر والثلاثة بدل مما قبله والفنون جمع فنّ وهو النوع من كلّ شيء والمراد هنا علم المعاني والبيان والبديع والرجاء الأمل وقدّم المعمول للاختصاص وقوله يقرؤه أي على غيره أو لغيره ورافعا له على غيره من أقرانه وقوله (للباب): أي باب الفهم للكتب المطولة في هذا العلم ولا يخفى ما فيه من التواضع حيث جعل كتابه وسيلة غير مقصود.
و(الإخوان): جمع أخ في الله لا من النسب، وجمعه من النسب إخوة.
و(الأصحاب): جمع صاحب ومقصوده تعميم النفع، وقد أخبرنا شيخنا سيدي عبد الله المغربي القصري عن أشياخه أن المصنف كان مجاب الدعوة، وقد شاهدنا ذلك نفعنا الله به.



قوله: (بالكلام) آثره على اللسان ليدخل الحمد القديم، ثم هذا القيد كقوله بجميل صفاته لبيان الواقع كما يعلم مما مر.
قوله: (على المحمود) أي: لأجل جميل اختياري حقيقة، أو حكما كذات الله وصفاته، لكون الذات منشأ للاختياري، وملازمة الصفات لها، فالذات حكمي بلا واسطة والصفات بها.
قوله: (لفظ الحامد) أي: المعلوم من التعميم في إنعامه بحذف المتعلق.
قوله: (ولو كانت خبرية) أي: معنى، كما أنها لذلك لفظا، أي: هذا إذا كانت إنشائية، معنى لاعتبار إنشائيتها، بل ولو كانت خبرية معنى لاعتبار خبريتها.
قوله: (والاختصاص) عطف على ضمير له، وقوله (وإن أشير.. إلخ) ما قبل المبالغة، الإشارة إلى الكل بجعل أل للاستغراق، وقوله (إلى غير كل الأفراد)، يريد بأن جعلت للجنس لا للعهد، وإنما أفادت مع الإشارة المذكورة؛ لأن اختصاص الجنس يستلزم اختصاص جميع أفراده، وقوله (لكون.. إلخ)، علة للاختصاص المذكور، أي: وإنما اختص جميع أفراد الحمد به تعالى لكون.. إلخ،
وقوله (صفة ذات.. إلخ) الأول: القديم والثاني: الحادث، أي: وكل من الصفتين مختص به تعالى، فما لا يخرج عنهما مختص به.
قوله: (والبلاغة) أي: المطابقة لما يقتضيه مقام الحمد من تقديم ما يدل عليه.
قوله: (ما يصلح أن يراد) أي: من فرد مخصوص فتكون للعهد، أو كل فرد فتكون للاستغراق.. إلخ.
قوله: (بين أفراد) المناسب حذف أفراد.
قوله: (وهو المراد هنا) والمعنى الدال على بيان طريق الرشاد في كتابه وعلى لسان نبيه، وانظر ما وجه تخصيصه بالإرادة، وما المانع من إرادة الثاني. والمعنى حينئذ الذي خلق في القلوب هداية إلى ما تدرك به طريق رشادها.
قوله: (الإيضاح) ويصح أن يراد به الظهور مع حذف مضاف أي دليل ظهور، وإليه أشار ع ق حيث قال (إلى بيان)؛ أي: الأدلة التي بها بيان أي ظهور مهيع.
قوله: (والمهيع الطريق) وهي ههنا الإسلام.
قوله: (وفي ذكر.. إلخ) البراعة مصدر برع الرجل إذا فاق أقرانه، والاستهلال أول صياح المولود، ثم استعمل في أول كل شيء، فمفاد براعة الاستهلال بحسب اللغة تفوق الابتداء، أي: كونه فائقا، ثم سمي به في الاصطلاح ما هو سبب التفوق، وهو ما ذكره الشارح. وأقول: لا يخفى ما في الإشارة باسم الله تعالى إلى الفن المعلوم، فإن العظيم لا يرضى أن يشار باسمه إلى حقير، ومع هذا قد فاته الإشارة للمعاني، وذكر البديع مع البيان يمنع كونه أشار للبيان الشامل للمعاني، لأن الإشارة على وفق الإطلاق، وإطلاق البيان على ما يشمل المعاني إنما يكون مع إدراج البديع في معناه، فالإشارة لا تكون إلا مع الإدراج، ولو قال:
أحمد من قد ألبس المعاني = ثوب بيانها بديع الشان
لوفى بالجميع مع السلامة.
قوله: (أمد أرباب النهى) أي: أوجد لهم المدد الذي هو التوفيق للمدارك وقوة النظر في إدراكها ع ق.
قوله: (وهو) أي: المدد من حيث هو، والمراد هنا ما علمت.
قوله: (باعتبار المتعلق) أي: إن حسية الظهور ومعنويته باعتبار متعلقه، وهو المحسوس والمعقول.
قوله: (والرسم لمعنى.. إلخ) استئناف بياني، جواب عما يقال، إن البيان بمعنى المنطق الفصيح لا يرسم في القلب.
قوله: (فهو مجاز بمرتبتين) لأن معناه الحقيقي محل القلب، بمعنى اللحمة، وهو محل اللطيفة، فالعلاقة المحلية بواسطة محلية سابقة.
قوله: (وفيه) أي: البيت؛ وقوله ننبيه إلخ حيث أفاد بالاقتصار في مقام البيان، وكون أل للعهد أن رسم البيان ليس إلا في صدور العلماء الذين تخلت قلوبهم عن الرذائل.
قوله: (معجزة) في الإعجاز براعة استهلال، إذ يشير إلى أن المطلوب مما يتعلق به إذ هو يتحقق بالبلاغة، التي هي مقصود الفن، أفاده ع ق ومثلها في قول المصنف الآتي أجل.. إلخ ،كما سيأتي عنه.
قوله: (الفاء تفريعية) المناسب للترتيب كما في ع ق، ويمكن أنه أراده بالتفريع، وكذا يقال في قوله الآتي (طولا يخفى عليك تفريع.. إلخ).
قوله: (بالتحدي) التحدي دعوى الرسالة مع طلب المعارضة، بأن يطلب من المرسل إليهم أن يأتوا بمثل ما أتى، وعلى هذا فهذه المادة لا تسند لغير الرسل؛ أفاده شيخنا.
قوله: (فإضافته.. إلخ) لا وجه للفاء، فالمناسب الواو، وضمير إضافته للمعجزة، وذكره باعتبار ما ذكر.
قوله: (إذ المراد.. إلخ) لأنه المتبادر من لفظ القرآن كما أشار إليه بقوله (وإن كان.. إلخ).
قوله: (فالإضافة.. إلخ) هذا لا يتفرع على ما قبله فلا وجه للفاء.
قوله: (قرينة معينة) أي: لهذا المراد أقول ما المانع من إدارة الصفة القديمة، وتكون الإضافة على معنى اللام لملابسة بين المتضايفين، أي: أبصروا المعجزة الملابسة للمعنى القديم، وهي اللفظ الدال عليه، وحينئذ فكيف يدعى التعيين.
قوله: (ولا شك.. إلخ) يفيد كلامه أن المصنف استعمل لفظ المعجزة في لازمه، وأن المقصود أنهم علموا ما يلزم المعجزة، وهو كونه من كلام الله، وليس كذلك بل المقصود أنهم علموا علما يقينا بالبرهان الواضح المعجزي من حيث إعجازها، كما يفيده ع ق قال أي: أدركوا تلك المعجزة حال كونها واضحة، لا يعتريها لبس في إعجازها الخلق عن معارضتها في أسلوبها وبلاغتها اهـ، وقوله لا يعتريها لبس أي: على المدركين بحيث صار علمهم بالإعجاز يقينيا، حينئذ فالدليل العقلي الذي ذكره الشارح لم ينتج المقصود لبنائه على ما قاله، فالمناسب أن يقول ولا شك أن إعجاز القرآن ثابت بالبرهانين: أما الأول: فهو أن القرآن مشتمل على تقرير التوحيد وأدلة الغيب، وغير ذلك مما ليس في طاقة البشر وكل ما هو كذلك فهو معجزة، ينتج القرآن معجزة. وأما الثاني:.. إلخ.
قوله: (وإن ترتب على الأول) إنما يكون الترتيب ظاهرا لو ساق الأول كما قلنا، ووجه الترتب أن هذا الدليل في ذاته دعوى تحتاج إلى إثبات بالعقل، فثبوتها مترتب على الدليل العقلي، ويحتمل على بعد أن يقال أن الشارح لها أراد الاستدلال على كون القرآن من كلام الله، جعل الآية دليلا عليه باعتبار لازمها، إذ هي تدل على ثبوت كونه معجزة، ويلزمه كونه من كلام الله، وهي باعتبار دلالتها على هذا اللازم دعوى في ذاتها، بقطع النظر عن قائلها تحتاج إلى إثبات بالعقل، فثبوتها مترتب على الدليل العقلي.
قوله: (مطالع الأنوار) حمل الشارح فيما يأتي المطالع على المعاني، لأنها ينشأ عنها بتأملها أنوار، بمعنى علوم؛ وهو أولى من حمل ع ق لها على الألفاظ، معللا بأن الأنوار تبدو منها لمتأملها، لأن التأمل فيها إنما هو بواسطة تأمل معانيها، فالبدو في الحقيقة من المعاني.
قوله: (وما احتوت) رجع الشارح ضميره إلى الأنوار، وع ق إلى المطالع، وهو أولى لأن اشتمال الأنوار على الأسرار، بمعنى النكت الخفية إنما هو باعتبار تعلقها بها، واشتمال المطالع عليها من اشتمال الدال على المدلول، على حمل ع ق للمطالع أو الكل على الجزء على حمل الشارح لها، وكلاهما أقوى من اشتمال الأنوار.
قوله: (فهو من ثمرات.. إلخ) أي: بواسطة كما سيفيده.
قوله: (والمراد به هنا العلم) أي: الإدراك، بدليل قوله (لأن به.. إلخ).
قوله: (إذ خبايا.. إلخ) الظاهر أنه تعليل لما تضمنه قوله (وشاهدوا ما اشتملت.. إلخ)، من دعوى اشتمال تلك الأنوار على أسرار.
قوله: (بدليل وما يعلم.. إلخ) ضمير تأويله يرجع لما تشابه وهذا دليل على أن في القرآن خبايا، لا على أنها تقف.. إلخ ،كما هو واضح.
قوله: (وإدراك.. إلخ) الظاهر أن هذا تنبيه على محصل ما أفاده المصنف، بقوله "أمد.. إلخ"، ومراده تنوير القلوب بتصفيتها من الكدر.
قوله: (فنزهوا) الفاء للترتيب والسببية، وهو متسبب عما قبله بواسطة كما يفيده ع ق قال فنزهوا، أي: فبسبب أنهم أدركوا بتأييد الله تعالى شيئا من محاسن القرآن وعلومه، تتبعوا تلك المحاسن بملازمة التأمل فيها، فنزهوا أي: متعوا اهـ.
قوله: (رياضه) الروضة ما اشتمل من الأرض على غرس نافع.
قوله: (وأوردوا) الإيراد الإحضار، وهو للفكر بواسطة إيراد النفس، وفي الكلام حذف أي وأخذت نفوسهم من حياضه تأمل.
قوله: (حياضه) الحوض ما يملأ بالماء من مكان واسع يعد للشرب ع ق.
قوله: (النفوس الناطقة) أي: اللطيفات الربانية المتفكرة، وقوله تنتعش أي: تنجبر، وقوله باقتناص أي: اصطياد والمراد به هنا حوزها.
قوله: (بالأقوات) المناسب إبداله بالرياض ليترتب جواب لما على ما قبله، اللهم إلا أن يقال إن المراد الأقوات حقيقة أو حكما، فتدخل الرياض، فإن مزاولتها يحصل بها انتعاش كما يحصل بالقوت الحقيقي تأمل.
قوله: (بجامع نزهة النفس.. إلخ) الأوضح بجامع النزهة بكل، فالنفس تتنزه بملابسة المعاني كتنزه القالب.. إلخ.
قوله: (فإضافة رياض.. إلخ) تفريع على قوله، والمضاف إليه ضمير القرآن إلى هنا.
قوله: (مع مراعاة.. إلخ) إذ هو المشبه.
قوله: (كإضافة حياض) التشبيه تام.
قوله: (وإن كان المقصود.. إلخ) أي: أن المقصود بالمتوسط نوع منه، إذ معاني القرآن لا طاقة للبشر على استقصائها حتى يتنزه في جميعها؛ ويورد عليه هذا مراده فيما يظهر، وقد يقال إن التنزه في شيء لا يقتضي استقصاءه، وكذا الإيراد عليه فإنه يقال تنزهت في مصر وأوردت دابتي على البحر من غير إرادة بعض فيهما، وحينئذ فلا حاجة إلى إرادة البعض هنا استنادا لما ذكر تأمل وجملة، وإن كان.. إلخ، حال من المضاف في قوله مع مراعاة المضاف المتقدم أو من كإضافة، وفي كلامه الحذف من الثاني لدلالة الأول أو العكس.
قوله: (ثم صلاة الله) لم يذكر السلام جريا على عدم كراهة إفراد أحدهما عن الآخر، بل إذا صلى في مجلس وسلم في مجلس، ولو بعد مدة طويلة كان آتيا بالمطلوب، وهذا هو المختار عندي وفاقا للحافظ ابن حجر وغيره، والآية لا تدل على طلب قرنهما، لأن الواو لا تقتضي ذلك اهـ صبان على الأشموني.
قوله: (ما ترنما.. إلخ) إنما أبدا الصلاة بما ذكر، لأن سوق الإبل في أرض الحمى، لا ينقطع من الحجيج حتى ينقطع الإسلام، ولا ينقطع الإسلام إلى قيام الساعة، لما ورد أن طائفة من الأمة لا يزالون ظاهرين على الحق، حتى يأتي أمر الله أي الساعة؛ فكأنه يقول نطلب من الله أن يصلي عليه إلى آخر الدهر أي: أبدا ع ق.
قوله: (بالضاد) خصت بالذكر لأنها أصعب الحروف خروجا على غير العرب، بحيث لا يفصح بها في الغالب كما هي إلا العرب، فإذا كان أفصح العرب فغيرهم أحرى، وفي التركيب إشارة إلى أن المطلوب مما يتعلق بالنطق والفصاحة فهو من براعة الاستهلال ع ق.
قوله: (استغفار) بل مطلق الدعاء؛ وقد ورد أن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه تقول اللهم اغفر له، الله ارحمه أمير على الجوهرة، أي: فتبيين الصلاة بما ذكر يدل على أنها لا تختص بالاستغفار بالنسبة للملك.
قوله: (فهي مقولة.. إلخ) أي: محمولة؛ وهذا ما اختاره ابن هشام في مغنيه، واعترض على ما ذكره غيره من أنها من المشترك اللفظي.
قوله: (المنع.. إلخ) علة لصحة إرادتها بالحمى.
قوله: (بجملتها) متعلق بطلب.
قوله: (إنسان) لم يصرح بالذكورية اكتفاء بتذكير الضمير، أو بناء على أن الأنثى إنسانة.
قوله: (ما من مرفوع) أي رفعة معتدا بها.
قوله: (باب رفعته) أي: منشؤها أطلق عليه باب للتوصل بكل إلى المقصود.
قوله: (بيد أني) أي: غير أني، وهذا من تأكيد المدح بما يشبه ضده.
قوله: (بدليل) أي: وشرفه عليهم ثابت بدليل.. إلخ، ثم هذا الدليل لا ينتج المدعي إلا بضميمة خارجية، وهي أن من أولاد آدم من هو أفضل من باقي الخلق، إذ النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الأفضل، فهو أفضل من غيره بالأولى.
قوله: (نسبة إلى العرب) وهم أفضل أجيال الناس، وذلك مما يؤكد الشرف والمدح، وأنه كان صلى الله عليه وسلم هو الذي يتشرف به ع ق.
قوله: (المنزه.. إلخ) بيان للطاهر في ذاته، فيكون قوله "وهو.. إلخ" لإفادة دخوله تحت مفهوم الطاهر الصحيح للإطلاق.
قوله: (من كماله صلى الله.. إلخ) المناسب، وهو صلى الله عليه وسلم كذلك صغيرا.. إلخ.
قوله: (من اجتمع.. إلخ) ولا يشترط التمييز، فيدخل من حنكه بالتمر من الصبيان، والمجنون المحكوم بإسلامه فيما يظهر، والنائم فلا يشترط قصد الشخص الاجتماع، ولا معرفة أحدهما الآخر، نعم الأظهر فيما إذا كانا نائمين عدمها، وإن كان صلى الله عليه وسلم لا ينام قلبه، لأن الاجتماع المعلوم من وظائف العين اهـ أمير على الجوهرة، وقوله من وظائف العين، أي: أنه لا يكون إلا عند يقظتها وإن من أحد المجتمعين.
قوله: (بعد نبوته) هذا أحد قولين، وعليه يخرج ورقة بن نوفل وبعضهم أطلق اهـ منه.
قوله: (اجتماع متعارفا) إن أراد بالتعارف الظهور بين الناس، فاشتراطه ممنوع؛ لأدائه إلى إخراج عيسى والخضر، بل ولا يشترط الطول لمزيد تأثير النبوة، وإن أراد به كون الاجتماع على وجه الأرض، فالمشهور اشتراطه قال الأمير ولعله اصطلاح، وإلا فالسماء لا تنقص عن الأرض في مثل هذا اه،ـ وعليه فالاجتماع في السماء مؤد إلى ثواب الصحبة دون التسمية بصحابي.
قوله: (أكيس الكيس.. إلخ) الكيس وفور العقل وقوته. والمعنى: أحسن آثار الكيس التقي، أي: التقوى، وقوله "وأحمق الحمق.. إلخ"، الحمق قلة العقل. والمعنى: وأقبح آثار الحمق الفجور فكل من أكيس وأحمق مجاز مرسل تبعي لعلاقة اللزوم.
قوله: (أوردني الموارد) أي: موارد الزلل وما لا يوصل إلى نيل تمام المقصود في الآخرة.
قوله: (الفاروق) مقتضى كلام الشارح وغيره أن هذه الصيغة مراد منها اسم الفاعل ولينظر.
قوله: (لم يشف غيظه) كأن المعنى أنه يصير مغتاظا من نفسه لعده عليها السيئات.
قوله: (لم يصنع ما يريد) أي: لاستقامته بمخالفة نفسه.
قوله: (نسيا منسيا) نص ابن مالك في لاميته على أن النسي مراد منه المفعول حيث قال:
واستغنوا بنحو نجا
والنسي عن وزن مفعول وما عملا، وحينئذ فما بعده تأكيد لفظي.
قوله: (إلا هجعة) أي: نومة والمراد هنا نومة يسيرة ليناسب مقام المدح تأمل.
قوله: (غرى) أي: إخداعي، وضمنه معنى العبي فعداه بالباء، وفي نسخة غيري فلا تضمين.
قوله: (حزنا) مصدر من معنى تأس.
قوله: (مرتقيا) حال من القلب، وهي قيد في عكف لبيان الواقع، إذ العاكف على القرآن لا يتنوع إلى مرتق إلى الحضرة المذكورة وغيره؛ إذ هو أنجح مبلغ لحضرة معرفة الله، عن ما ينبغي فالمراد بحضرة العرفان ما ذكر، والإضافة بيانية.
قوله: (من الأكوان) جمع كون المراد هنا الموجود.
قوله: (لأنه تعالى لا يقبل.. إلخ) تعليل لمحذوف بعد قوله "مطلوب.. إلخ"، أي: ولا يحصل إقباله تعالى على قلب عبده إلا به لأنه.. إلخ.
قوله: (على متعلق.. إلخ) أي: من أمر ونهي وغيرهما.
قوله: (لا عليها نفسها) أي: وضعا فلا ينافي أنه يدل عليها دلالة عقلية التزامية كما قاله الأمير مبسوطا، وحينئذ فلا يخالف ما للشارح ما مر لنا من أن اللفظ دال على المعنى القديم.
قوله: (فإن ذلك) أي: ما ذكر من الإقامة على التأمل في معاني القرآن، وهذا تعليل لإرادة الإقامة المذكورة.
قوله: (العروة) هي أخت الزر، وقوله الوثقى أي: المحكمة جدا.
قوله: (دون أولها) فآخرها أولى.
قوله: (وغرر البديع) الغرر جمع غرة وهي بياض في وجه الفرس، والموارد جمع مورد موضع الورود، والنبذ جمع نبذة وهي عرفا ما ينبذ أمام المهدي إليه مما يرغب فيه، كالمسك وشبهه من ع ق وسيذكر الشارح المراد هنا بالثلاثة.
قوله: (الأمر) أي: المبدوء به فأل للعهد الخارجي، والمقصود الانتقال الآتي، ثم الأحسن من الاحتمال وما بعده كون هذا مفعولا لمحذوف.
قوله: (كما ذكر) أي: كما ذكره الغير في حصول البركة به، مثلا لا كما ذكرته لئلا يتحد المشبه والمشبه به.
قوله: (وهو) أي: لفظ هذا.
قوله: (ويسمى الاقتضاب) أي: الاقتطاع لكلام آخر، وهو هنا شبيه بالتخلص.
قوله: (لعدم) علة للتسمية.
قوله: (فإن كانت) أي: ثبتت أو الخبر محذوف.
قوله: (ولو الحال) لا يخفى شدة بعده جدا والقريب كونها للاستئناف لاسيما؛ والمقصود الانتقال من مقام إلى آخر.
قوله: (المعني به) كأنه أتى بهذه للتخلص من إضافة الشيء إلى نفسه، المترتبة على جعل العلم عبارة عن المسائل تأمل.
قوله: (على سبيل.. إلخ) راجع لأراد.
قوله: (نظرا للأصل) حال من فاعل الفعل المحذوف الدال عليه قوله كذلكـ، أي: أراد بها المسائل نظرا.. إلخ، أي: ناظرا له حال الإرادة، وملاحظا علاقة بينه وبين المراد، وهي اشتهار حسن كل وكان يغني عنه قوله كذلك لدخول قوله على سبيل.. إلخ، تحته.
قوله: (مرادا به المعنى) مبني على ما سيأتي له في قول المصنف من علم.. إلخ، لا على ما سننقله عن ع ق.
قوله: (لتشتفي) مجاز عقلي من إسناد ما للشيء الذي هو النفس إلى متعلقه بكسر اللام.
قوله: (بمعنى حسنة) المناسب بمعنى: عديمة مثال سابق كما علم مما مر.
قوله: (متعلق بمورد) أي: مرتبط به، إذ هو متعلق بمحذوف.
قوله: (ومن تبعيضية) جعلها ع ق بيانية للموارد والنبذ، قال يعني أن تلك اللطائف هي علم الأسرار المودعة في لسان العرب، أي: في لغة بلغائهم، وجعل درك معطوفا على علم، وهو في تفسير، والشارح مع قوله بالتبعيض أفاد بقوله "وعلم اللسان.. إلخ"، أن في الكلام تقديما وتأخيرا، وأن الأصل من أسرار علم، وأن المراد بالعلم في المصنف فن اللغة لا المعنى المصدري، فتكون اللطائف حينئذ بعض أسرار علم اللغة، ويكون المعنى أن الفنون الثلاثة تهدي إلى لطائف ومعان هي بعض دقائق علم اللغة، وهو ممنوع، إذ هي إنما تهدي إلى إدراك دقائق تراكيب البلغاء كما سيفيده هنا، لأنها تبحث عنها لا إلى دقائق العلم الباحث عن معاني المفردات العربية.
قوله: (معطوف على موارد) المناسب ما سلكه ع ق، وقد تقدم، وعليه يكون مؤدى الشطرين واحدا؛ والمقصود زيادة المدح للسان العربي المؤدية إلى زيادته، فيما يؤدي لمعرفة أسراره وما سلكه الشارح وإن اقتضى التغاير، لكنه يؤدي إلى ما علمته.
قوله: (أي مؤداها) أي: ما تؤدي إليه من الأسرار؛ وكلامه هنا يفيد أن الفنون بمعنى مؤداها موصلة إلى معرفة المزايا المذكورة، مع أن المزايا هي المؤدى كما سيفيده هنا، فهو يفيد أن الشيء موصل لنفسه وأيضا يخالف قوله الآتي: ففي كلامه الحكم.. إلخ، إذ ليس في كلامه حينئذ الحكم على الشيء بحكم مؤداه، بل الحكم على الشيء مرادا منه مؤداه، فالمناسب حذف قوله أي مؤداها.
قوله: (إنها موصلة.. إلخ) أما فن المعاني فيوصل لسر ما وجد في التراكيب من تعريف المسند إليه، مثلا بالعلمية وبالموصولية وتنكيره وغير ذلك، مما يؤدي سره لمطابقة مقتضى الحال، وأما فن البيان فيبين الحقيقة والمجاز اللذين بهما تحصل المطابقة لمقتضى الحال، كما تحصل بالأسرار المذكورة، وأما فن البديع فلبيان ما يزيد حسن البلاغة التي هي المطابقة المذكورة فألحق بالأولين.
قوله: (كالمطابقة) يفيد أن المطابقة من الخواص، وليس كذلك بل هي تؤدي إليها الخواص، فالمناسب المؤدية إلى المطابقة.. إلخ.
قوله: (وهذا) أي: ما ذكر من خواص التراكيب، ولو قال كما قلنا لناسب ترجيع الإشارة إلى ما ذكر من المطابقة.
قوله: (فالكلمة المعربة.. إلخ) المناسب فالكلام المعرب المجرد.. إلخ، لأنه هو الذي يعتبر فيه الخواص، فيوصف بالمطابقة لمقتضى الحال التي هي البلاغة، وأما الكلمة، فلكونها لا توصف بالبلاغة، لا تعتبر الخواص بالنسبة لها، وكذا يقال في قوله "فالخواص للكلمة" ثم رأيت في بعض النسخ الكلمات في الموضعين، وعليه فلا درك.
قوله: (على الشيء) أي: ما ذكر من الفنون الثلاثة، وقوله بحكم مؤداه؛ أي: الأسرار كما علمت.
قوله: (ويحتمل أن يكون المراد بالإعراب.. إلخ) ووجه كونها كالروح له، أنك إذا عرفت من النحو جواز الحذف والتقديم والتأخير والتعريف والتنكير، وغير ذلك تعرف بفن المعاني، أسرار هذه الأشياء، وفن البيان يعرف به الحقيقة، والمجاز ليطابق بهما مقتضى الحال، كما يطابق بالأسرار المذكورة، فألحق مقتضاه بمقتضى فن المعاني وفن البديع، لبيان ما يزيد به حسن البلاغة، التي هي مطابقة مقتضى الحال بتلك الأسرار، فألحق بها، فجاز بهذه المناسبة أن ينسب لها أنها لبيان أسرار النحو ولبابه، حيث ثبت ذلك لواحد وناسب مقتضاه مقتضى الاثنين الباقيين من ع ق ،وقوله "فألحق" أي: ما يزيد حسن البلاغة وقوله "بها" أي: بالأسرار وقوله "لها" أي: للفنون الثلاثة.
قوله: (فيكون الحكم.. إلخ) لما علمت من أن هذه الفنون نفسها كالروح لعلم النحو؛ لأن مقتضاه إن خلا عن مقتضاها لم تظهر له الفائدة كل الظهور ،كما أن الروح للبدن كذلك.
قوله: (ويكون المصنف.. إلخ) فمؤدى الشطرين واحد، والمقصود التحريض على تعاطي هذا الفن، وزيادة مدحه أفاده ع ق.
قوله: (الحيثيات الآتية) أي: في التعاريف.
قوله: (وفضلته إدراك.. إلخ) المناسب فوقائه على غيره من حيث إدراك.. إلخ، إذ نفس الإدراك المذكور من فائدته.
قوله: (فجئته) يتبادر منه أنه نظمه قبل الخطبة، ويحتمل أنه عبر بالماضي للتفاؤل، قاله بعض الشراح.
قوله: (ملتقطا) بالكسر حال من فاعل جئت، وبالفتح حال من رجز المتخصص بالوصف، أي: ملتقطا معناه أفاده ع ق، فجواهر مفعول على الأول، وحال مترادفة على الثاني.
قوله: (تأتي دائرة.. إلخ) مثل ما للشارح في شيخ الإسلام، والتي بعدها فيه هي المسماة بالمجتلب، والذي في شرح الصبان على منظومته عكس ما ذكر، والاختلاف في تسمية، فلا درك على أحد.
قوله: (عن أولها) هو الوتد المجموع الذي بدئ به الهزج، وقوله "من سببي" أي: مبدوء من سببي.
قوله: (من مشطور الرجز) فيكون البيت على مستفعلن ثلاثا، وعليه فكل بيتين معتبران شعرا مستقلا مزدوجا، وهذا لا يتعين بل يصح جعلها من كامله، فكل بيت حينئذ شعر مستقل، فعلى كل لا يسمى مثل هذه المنظومة قصيدة، لأنهم لا يلتزمون بناء قوافيها على حرف واحد ولا على حركة واحدة، ولو جعل المجموع قصيدة لزم وجود الأكفاء والإقواء والإصراف في القصيدة الواحدة، وتلك عيوب يجب اجتنابها، وهم لا يعدون ذلك في الأراجيز عيبا، ولا نجد لذلك نكيرا من العلماء؛ كذا في الدماميني على الخزرجية صبان على الأشموني.
قوله: (وفي كونه) أي: آخره، وقوله أقوال أصحها أنه ضرب، وعروض معا.
قوله: (والصواب كلام.. إلخ) فالثلاثة متحدة بالاعتبار، وكذا يقال في أضدادها هذا، والذي في عبد الحكيم أن الحق والباطل في الاعتقادات، والصواب والخطأ في الأعمال، ومعلوم أن الصدق والكذب في الأقوال، وحينئذ فالثلاثة متغايرة بالذات، وكذا أضدادها؛ فلعل ما للشارح معنى عرفي، فإنه كثيرا ما يجعل الحق والصواب في الكلام، فيقال هذا الكلام حق، وهذه العبارة هي الصواب، وكذا ضدهما تأمل. قوله: (نسبة مطابقة الواقع إليه) أي: نسبة مطابقة الواقع إليه، بأن يقال طابق الواقع، وقوله باعتبار نسبته إلى الواقع، أي: نسبة مطابقته إلى الواقع، بأن يقال طابقه الواقع، ولو قال أولا: باعتبار نسبة المطابقة إليه، وثانيا: باعتبار نسبتها إلى الواقع لكان أظهر وأخصر.
قوله: (مجاز عقلي) فيه أن العرف جار بإسناد الإفادة إلى مثله، وقد قالوا العبرة في حقيقة الإسناد، ومجازيته بالعرف، فلا يكون مفيدا من هذا القبيل، بل ولا من قبيل الكنية، فالمناسب إسقاط الاحتمالين. قوله: (وإثبات اللازم) المناسب زيادة، أو نفسه ليطابق ما قبله.
قوله: (بأن جعل الإنسان) أي: الذي هو لفظ المشبه به.
قوله: (القسم الثالث) هو الأخير، وأما القسم الأول ففيه النحو والصرف والاشتقاق؛ وأما القسم الثاني ففيه العروض والقوافي والمنطق صبان.
قوله: (في صدف.. إلخ) لما سمى نظمه الجوهر المكنون المشعر بكونه جديد الوجود والتناول، ومعناه مشمول لما ذكر في الفنون الثلاثة، ناسب تشبيه الفنون بما يشتمل على الجوهر، وهو صدفه الذي هو مقره حال أخذه من أصله فأفاد ذلك بقوله:
في صدف الثلاثة الفنون
أي: الثلاثة التي هي كالصدف في الاشتمال، فإضافة صدف إلى ثلاثة على حد لجين الماء ع ق وقوله بقوله في صدف.. إلخ، أي: منضما إلى الاسم مجعولا من تمامه، فلا يخالف ما يأتي للشارح.
قوله: (للمؤلف.. إلخ) لا حاجة له بل يرجع إلى الرجز المذكور الموصوف بما سبق.
قوله: (يتعدى لمفعولين.. إلخ) الأخصر يتعدى الثاني تارة بنفسه وتارة بالباء.
قوله: (والثلاثة بدل.. إلخ) المناسب والفنون، ثم رأيت في بعض نسخ المتن في الصدف، والبدلية عليها ظاهرة.
قوله: (الأمل) وهو تعلق القلب بمرغوب في حصوله في المستقبل، مع الأخذ في أسباب الحصول.
قوله: (جمع أخ في الله) أي: على سبيل الغلبة، وكذا فيما بعده قال الأمير.


  #4  
قديم 16 ذو الحجة 1430هـ/3-12-2009م, 09:27 AM
جميلة عبد العزيز جميلة عبد العزيز غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - مجموعة المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 229
افتراضي الشرح الصوتي للجوهر المكنون للشيخ: عصام البشير المراكشي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال العلامة: عبد الرحمن الأخضري رحمه الله:


الحَمْدُ لِلَّهِ الْبَدِيعِ الْهَادِي = إِلَى بَيَانِ مَهْيَعِ الرَّشَادِ
أَمَدَّ أَرْبَابَ النُّهَى وَرَسَمَا = شَمْسَ الْبَيَانِ فِي صُدُورِ الْعُلَمَا
فَأَبْصَرُوا مُعْجِزَةَ الْقُرْآنِ = وَاضِحَةً بِسَاطِعِ الْبُرْهَانِ
وَشَاهَدُوا مَطَالِعَ الأَنْوَارِ = وَمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَسْرَارِ
فَنَزَّهُوا الْقُلُوبَ فِي رِيَاضِهِ = وَأَوْرَدُوا الْفِكْرَ عَلَى حِيَاضِهِ
ثُمَّ صَلاةُ اللَّهِ مَا تَرَنَّمَا = حَادٍ يَسُوقُ الْعِيسَ فِي أَرْضِ الْحِمَى
عَلَى نَبِيِّنَا الْحَبِيبِ الْهَادِي = أَجَلِّ كُلِّ نَاطِقٍ بِالضَّادِ
مُحَمَّدٍ سَيِّدِ خَلْقِ اللَّهِ = الْعَرَبِيِّ الطَّاهِرِ الأَوَّاهِ
ثُمَّ عَلَى صَاحِبِهِ الصِّدِّيقِ = حَبِيبِهِ وَعُمَرَ الْفَارُوقِ
ثُمَّ أَبِي عَمْرٍو إِمَامِ الْعَابِدِينْ = وَسَطْوَةِ اللَّهِ إِمَامِ الزَّاهِدِينْ
ثُمَّ عَلَى بَقِيَّةِ الصَّحَابَهْ = ذَوِي التُّقَى وَالْفَضْلِ وَالإِنَابَهْ
وَالْمَجْدِ وَالْفُرْصَةِ وَالْبَرَاعَهْ = وَالْحَزْمِ وَالْنَجْدَةِ وَالْشَجَاعَهْ
مَا عَكَفَ الْقَلْبُ عَلَى الْقُرْآنِ = مُرْتَقِياً لِحَضْرَةِ الْعِرْفَانِ
هَذَا وَإِنَّ دُرَرَ الْبَيَانِ = وَغُرَرَ الْبَدِيعِ وَالْمَعَانِي
تَهْدِي إِلَى مَوَارِدٍ شَرِيفَهْ = وَنُبَذٍ بَدِيعَةٍ لَطِيفَهْ
مِنْ عِلْمِ أَسْرَارِ الْلِسَانِ الْعَرَبِي = وَدَرْكِ مَا خُصَّ بِهِ مِنْ عَجَبِ
لأَنَّهُ كَالرُّوحِ لِلإِعْرَابِ = وَهُوَ لِعِلْمِ النَّحْوِ كَاللُّبَابِ
وَقَدْ دَعَا بَعْضٌ مِنَ الطُّلاَّبِ = لِرَجَزٍ يَهْدِي إِلَى الصَّوَابِ
فَجِئْتُهُ بَرَجَزٍ مُفِيدِ = مُهَذَّبٍ مُنَقَّحٍ سَدِيدِ
مُلْتَقِطاً مِنْ دُرَرِ التَّلْخِيصِ = جَوَاهِراً بَدِيعَةَ التَّخْلِيصِ
سَلَكْتُ مَا أَبْدَى مِنَ التَّرْتِيبِ = وَمَا أَلَوْتُ الْجُهْدَ فِي التَّهْذِيبِ
سَمَّيْتُهُ بِالْجَوْهَرِ الْمَكْنُونِ = فِي صَدَفِ الثَّلاثَةِ الْفُنُونِ
وَاللَّهَ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ نَافِعَا = لِكُلِّ مَنْ يَقْرَؤُهُ وَرَافِعَا
وَأَنْ يَكُونَ فَاتِحاً لِلْبَابِ = لِجُمْلَةِ الإِخْوَانِ وَالأَصْحَابِ


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الناظم, خطبة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:06 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir