دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > لامية الأفعال

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 محرم 1430هـ/10-01-2009م, 08:10 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي خطبة لامية الأفعال



الحمدُ لِلَّهِ لَا أَبْغِي بهِ بَدَلَا = حَمْدًا يَبْلُغُ مِنْ رِضْوَانِهِ الْأَمَلَا
ثُمَّ الصَّلَاةُ على خَيْرِ الوَرَى وَعَلَى = سَادَاتِنَا آلِهِ وَصَحْبِهِ الْفُضَلَا
وَبَعْدُ فالفعلُ مَنْ يُحْكِمْ تَصَرُّفَهُ = يَحُزْ مِنَ اللُّغَةِ الْأَبْوَابَ وَالسُّبُلَا
فَهَاكَ نَظْمًا مُحِيطًا بِالمُهِمِّ وَقَدْ = يَحْوِي التَّفَاصِيلَ مَنْ يَسْتَحْضِرُ الجُمَلَا


  #2  
قديم 30 محرم 1430هـ/26-01-2009م, 09:38 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي زبدة الأقوال لابن الناظم: بدر الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي

ص


الحمدُ للهِ لا أَبْغِي به بَدَلَا = حَمْدًا يُبَلِّغُ مِن رِضوانِه الأَمَلَا
ثم الصلاةُ على خيرِ الوَرَى وَعَلَى = ساداتِنا آلِهِ وصَحْبِه الفُضَلَا
وبعدُ فالفعلُ مَن يُحْكِمْ تَصَرُّفَهُ = يَحُزْ مِن اللغةِ الأبوابَ والسُّبُلَا
فهاكَ نَظماً مُحيطاً بالْمُهِمِّ وَقَدْ = يَحْوِي التفاصيلَ مَن يَستحضِرُ الْجُمَلَا


  #3  
قديم 30 محرم 1430هـ/26-01-2009م, 09:39 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي فتح الأقفال لجمال الدين محمد بن عمر المعروف ببحرَق

فَأَقُولُ: لَمَّا كانَ كتابُ اللَّهِ مُفْتَتَحاً بالبسملةِ ثمَّ الحمدِ لهُ، وَجَاءَت السنَّةُ بالندبِ إلى افتتاحِ الأمورِ المُهِمَّةِ بهما، افْتَتَحَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ هذا بِهِمَا، فَقَالَ بعدَ التَّيَمُّنِ بالبسملةِ:

(الحمدُ لِلَّهِ) لَا أَبْغِي بهِ بَدَلا = حَمْداً يُبَلِّغُ مِنْ رِضْوَانِهِ الْأَمَلا
الحمدُ: هوَ الثناءُ باللسانِ على المحمودِ بصفاتِهِ الجميلةِ في مقامِ التعظيمِ، واللَّهُ سبحانَهُ: عَلَمٌ للذاتِ الواجبِ الوجودِ المعبودِ بِحَقٍّ المُسْتَحِقُّ لجميعِ المحامدِ، وَبَغَيْتُ الشيءَ أَبْغِيهِ بُغْيَةً وَبِغْيَةً بالضمِّ والكسرِ وَبُغاً بالقصرِ بُغَاءً بالمدِّ معَ الضمِّ فيهما, أي: طَلَبْتُهُ، وبَدَلُ الشيءِ: عِوَضُهُ، وَبَلَّغْتُ الشيءَ بالتشديدِ وَأَبْلَغْتُهُ, أي: أَوْصَلْتُهُ، وَبِهِمَا قُرِئَ {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي}، والرضوانُ: بِمَعْنَى الرِّضَى، يُقَالُ: أَرْضَى عنهُ وعليهِ رِضاً وَرُضْوَاناً بكسرِ الراءِ وَضَمِّهَا، وبهما قُرِئَ أيضاً، والأملُ: الرَّجَاءُ، يُقَالُ أَمَلْتُ الشيءَ مُخَفَّفاً آمُلُهُ بِمَدِّ الهمزةِ، كَأَكَلْتُ الشيءَ آكُلُهُ وَأَمَّلْتُهُ بالتشديدِ أُؤَمِّلُهُ؛ أي: رَجَوْتُهُ، وقولُهُ: (لا أَبْغِي بِهِ بَدَلا) في مَوْضِعِ النصبِ؛ إمَّا على أنَّهُ وَصْفٌ لمصدرٍ محذوفٍ, أي: حَمْداً لا أَبْغِي بهِ بَدَلاً، والضميرُ للحمدِ، أي: بلْ لِمَا تَسْتَحِقُّهُ ذَاتُهُ المُقَدَّسَةُ من التعظيمِ، وإمَّا على الحالِ منْ فاعلِ الحمدِ المفهومِ منْ قولِهِ: الحمدُ للَّهِ؛ لأنَّهُ بِمَعْنَى أَحْمَدُ اللَّهَ، أي: غَيْرَ طالبٍ بِحَمْدِي لهُ عِوَضاً، وَيَجُوزُ عَوْدُ الضميرِ إلى اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وتعالى - أي: غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بهِ إِلَهاً غَيْرَهُ، وَ (حَمْداً) المُصَرِّحُ بهِ مَنْصُوبٌ على المصدرِ، والعاملُ فيهِ الحمدُ، وَيُبَلِّغُ في مَوْضِعِ النَّعْتِ لهُ.
ثُمَّ لَمَّا كانَ شُكْرُ الوسائطِ في إيصالِ الخيراتِ مَأْمُوراً بهِ شَرْعاً وإنْ كانَ المُنْعِمُ الحقيقيُّ هوَ اللَّهَ تَعَالَى ثَلَّثَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ بالصلاةِ على أكبرِ الوسائطِ بينَ العبادِ وَمَعْبُودِهِم في إيصالِ كلِّ خيرٍ ودَفْعِ كلِّ ضَيْرٍ، وهوَ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ ، ثمَّ آلُهُ وَصَحْبُهُ، الذينَ آوَوُا الدينَ وَنَصَرُوهُ، وَحَمَلُوهُ إلى الأُمَّةِ وَنَقَلُوهُ رَضِيَ اللَّهُ عنهم فَقَالَ:
ثُمَّ الصَّلَاةُ على خَيْرِ الوَرَى وَعَلَى = سَادَاتِنَا آلِهِ وَصَحْبِهِ الْفُضَلا
وإِنَّمَا عَطَفَ ذلكَ بِثُمَّ لِيُفِيدَ الترتيبَ صَرِيحاً؛ لأنَّ حَمْدَ اللَّهِ تعالى أَهَمُّ وأَحَقُّ بالتقديمِ، والصلاةُ في اللغةِ: الدعاءُ والرحمةُ والاستغفارُ، والمرادُ بها هُنَا: الدعاءُ لهُ صَلَّى اللَّهُ وعليهِ وسَلَّمَ، والاستغفارُ لَهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عنهم بما هوَ وَهُمْ لهُ أَهْلٌ، وقدْ أَمَرَ اللَّهُ سبحانَهُ عِبَادَهُ المؤمنينَ بالصلاةِ على نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وبالتسليمِ والثناءِ على الذينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِم، يَقُولُون َ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}.
والوَرَى مَقْصُوراً: الخلقُ، يُقَالُ: ما أَدْرِي أيُّ الوَرَى هوَ؟ . وخيرُ الخليقةِ هوَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، وَلِهَذَا اسْتَغْنَى الناظِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ بهذا الوصفِ عن اسْمِهِ العَلَمِ لِتَعَيُّنِ هذا الوصفِ لهُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ.
والسادةُ: جَمْعُ سَيِّدٍ، يُقَالُ: سَادَ فلانٌ قَوْمَهُ يَسُودُهُم سِيَادَةً وسُؤْدَداً بفتحِ الدالِ / وَضَمِّهَا معَ ضَمِّ السينِ فيهما، فهوَ سَيِّدٌ، والجمعُ سَادَةٌ.
والآلُ: أصلُهُ أَهْلٌ بدليلِ قَوْلِهِم في تصغيرِهِ: أُهَيْلٌ، فَأُبْدِلَت الهمزةُ من الهاءِ لِقُرْبِ المَخْرَجِ، وآلُ الرَّجُلِ: عَشِيرَتُهُ وأَتْبَاعُهُ، وَتَخْصِيصُ آلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ بِبَنِي هَاشِمٍ والمُطَّلِبِ شَرْعِيٌّ لا لُغَوِيٌّ. والصَّحْبُ: جَمْعُ صَاحِبٍ، كَرَكْبٍ وراكبٍ، وَأَمَّا أَصْحَابٌ فَجَمْعُ الجَمْعِ.
والفُضَلا: جَمْعُ فَاضِلٍ على غيرِ قِيَاسٍ كَشَاعِرٍ وشُعَرَاءَ، وَأَصْلُ الفضلِ: الزيادةُ، فَمَنْ زادَ على أحدٍ بشيءٍ فقدْ فَضَلَهُ بهِ، وَهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عنهم قدْ فَضَلُوا سائرَ الأُمَمِ بِمَا خَصَّهُم اللَّهُ بهِ منْ صُحْبَتِهِ وَرُؤْيَتِهِ والانتسابِ إليهِ واتِّبَاعِهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، قالَ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ إِنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً ما بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِم ولا نَصِيفَهُ)).
رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
أيْ: إنَّ إِنْفَاقَ أَحَدِهِم مُدًّا أوْ نِصْفَ مُدٍّ أَفْضَلُ منْ إِنْفَاقِ غَيْرِهِم مثلَ أُحُدٍ ذَهَباً، ثمَّ إنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيَّنَ الغرضَ الدَّاعِيَ لهُ إلى هذا النظمِ، وهوَ الحثُّ على عِلْمِ التصريفِ الذي يُتَوَصَّلُ بهِ إلى علمِ اللغةِ، والتي بها يُتَوَصَّلُ إلى فَهْمِ كتابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
وَبَعْدُ:
فالفعلُ مَنْ يُحْكِمْ تَصَرُّفَهُ = يَحُزْ مِنَ اللُّغَةِ الْأَبْوَابَ وَالسُّبُلَا
وبعدُ هنا من الظروفِ المَبْنِيَّةِ على الضمِّ؛ لِقَطْعِهَا عن الإضافةِ لَفْظاً، والتقديرُ: وَبَعْدَ ما قَدَّمْتُهُ من الحمدِ وغيرِهِ، وهوَ مُتَضَمِّنٌ لِمَعْنَى الابتداءِ، ولهذا حَسُنَ بَعْدَهُ الفاءُ وَيُسَمَّى عندَ كثيرٍ من العلماءِ فَصْلَ الخطابِ؛ لأنَّهُ يُؤْتَى بهِ فَاصِلاً ما بَيْنَ كَلامَيْنِ لا ارْتِبَاطَ بَيْنَهُمَا ، والمرادُ بالفعلِ هنا: الفعلُ الصِّنَاعِيُّ منْ ماضٍ ومضارعٍ وأمرٍ، معَ ما يَشْتَمِلُ على حروفِ الفعلِ وَمَعْنَاهُ منْ مَصْدَرٍ، واسْمَيْ فَاعِلٍ ومفعولٍ، وَاسْمَيْ زَمَانٍ ومكانٍ، وما يَلْتَحِقُ بها؛ وذلكَ لأنَّ عِلْمَ التصريفِ يُبْحَثُ فيهِ عنْ أحوالِ أَبْنِيَةِ الكَلِمِ، والكَلِمُ: اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ، ولا حَظَّ للحروفِ في التصريفِ، وكذا الأسماءُ المَبْنِيَّةُ والأفعالُ الجامدةُ لِقُوَّةِ شَبَهِهَا بالحروفِ؛ لأنَّها لا تَقْبَلُ التَّغْيِيرَ، فَصَارَ عِلْمُ التصريفِ مُخْتَصًّا بالأصالةِ بالأفعالِ المُتَصَرِّفَةِ والأسماءِ المُتَمَكِّنَةِ، وهوَ في الفعلِ أَصْلٌ لكثرةِ تَغْيِيرِهِ بظهورِ الاشتقاقِ فيهِ.
والناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ خَصَّ هذهِ المنظومةَ بالفعلِ مُجَرَّداً كانَ أوْ مَزِيداً فيهِ؛ لِمَا ذَكَرَهُ منْ أنَّ أَحْكَامَهُ مفتاحُ مُحْكَمِ اللغةِ: والفعلُ ثلاثةُ أقسامٍ: ماضٍ ومضارعٌ وأمرٌ، ولا بُدَّ لكلِّ فِعْلٍ منْ مصدرٍ ومنْ فاعلٍ، فإنْ كانَ مُتَعَدِّياً فلا بُدَّ لهُ منْ مفعولٍ بهِ، وقدْ يُحْذَفُ الفاعلُ وَيُقَامُ المفعولُ بهِ مَقَامَهُ، فَيُحْتَاجُ إلى تَغْيِيرِ صِيغَةِ الفعلِ لهُ، ولا بُدَّ أيضاً لوقوعِ الفعلِ منْ زمانٍ ومكانٍ، وقدْ يكونُ للفعلِ آلةٌ يُفْعَلُ بها، فَانْحَصَرَتْ أَبْوَابُ هذهِ المنظومةِ فيما ذُكِرَ منْ بابِ الفعلِ المُجَرَّدِ وتصاريفِهِ وبابِ أَبْنِيَةِ أسماءِ الفاعِلِينَ والمَفْعُولِينَ من المُجَرَّدِ والمزيدِ فيهِ، وبابِ أَبْنِيَةِ المصادرِ مُجَرَّدَةً ومزيدةً فيها، وبابِ أسماءِ الزمانِ والمكانِ وما يَلْتَحِقُ بهما من الآلةِ وغيرِهَا.
وإحكامُ الشيءِ: إِتْقَانُهُ وَضَبْطُهُ، والتَّصَرُّفُ: التَّقَلُّبُ، وتَصْرِيفُ الشيءِ: تَقْلِيبُهُ منْ حالٍ إلى حالٍ. وعِلْمُ التصريفِ في الاصطلاحِ ما سَبَقَ. وَيَحُزْ بالحاءِ المُهْمَلَةِ, أي: يَحْوِي وَيُحِيطُ، يُقَالُ: حَازَهُ يَحُوزُهُ حَوْزاً وحِيَازَةً, أي: ضَمَّهُ وَأَحَاطَ بهِ.
والسُّبُلُ جمعُ سَبِيلٍ وهوَ الطريقُ، يُذَكَّرُ/ كلٌّ مِنْهُمَا وَيُؤَنَّثُ، وَبَابُ الشيءِ ما يُدْخَلُ منهُ إليهِ.
والمَعْنَى أنَّ مَنْ أَحْكَمَ عِلْمَ التصريفِ حَوَى أبوابَ اللغةِ وأَحَاطَ بِطُرُقِهَا، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الناسَ في ذلكَ ثلاثةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ عَرَفَ الأبنيةَ والأوزانَ، فهذا تَصْرِيفِيٌّ فَقَطْ، كَمَنْ يَعْلَمُ مثلاً أنَّ مضارعَ فَعُلَ المضمومِ مَضْمُومٌ كَكَرُمَ يَكْرُمُ، وأنَّ قِيَاسَ اسمِ الفاعلِ منهُ على فَعْلٍ وفَعِيلٍ، كَسَهْلٍ وظَرِيفٍ، وقياسَ مصدرِهِ الفَعالةُ والفُعولةُ كالشجاعةِ والسهولةِ، إلَّا أنَّ هذا مُفْتَقِرٌ إلى علمِ اللغةِ الفارقِ لهُ بالنقلِ عنهم بينَ فَعُلَ بالضمِّ, وفَعِلَ بالكسرِ, وفَعَلَ بالفتحِ.
وصِنْفٌ ثَانٍ أَشْرَفَ على مَوَادِّ علمِ اللغةِ بالنقلِ والمطالعةِ, ولا يَعْرِفُ المَوَازِينَ والأَقْيِسَةَ التي يُرَدُّ بها كلُّ نَوْعٌ إلى نوعِهِ، فهذا لُغَوِيٌّ فقطْ لا يَذُوقُ حَلاوةَ علمِ اللغةِ.
وصِنْفٌ ثَالِثٌ عَرَفَ الموازينَ والأقيسةَ أَوَّلاً، ثمَّ تَتَبَّعَ مَوَادَّ اللغةِ نَقْلاً، فهذا هوَ المُتْقِنُ الذي أَحْكَمَ على التصريفِ، وَحَازَ سُبُلَ اللغةِ، وهذا مُرَادُ الناظمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى، فإنَّ مُرَادَهُ حَصْرُ مُوَادِّ الأفعالِ كُلِّهَا وَمَعْرِفَةُ ما جاءَ منها مقيساً وشاذًّا، إلَّا أنَّهُ لَمَّا لم يُمْكِنْهُ ذلكَ حَصَرَ الشاذَّ في أبوابِهِ، وَأَحَالَ على المقيسِ في كُتُبِ اللغةِ، فلهذا شَرَحْتُ أَنَا هذهِ المنظومةَ شَرْحاً مُطَابِقاً لغرضِ الناظمِ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَبَسَطْتُ القولَ في البابِ الأوَّلِ بكثرةِ الأمثلةِ التي يُحْتَاجُ إليها، فَذَكَرْتُ للفعلِ الرُّبَاعِيِّ نحوَ مِائَةِ مِثَالٍ، وَلِفَعُلَ المضمومِ نحوَ مِائَةٍ أيضاً، وَلِفَعِلَ المكسورِ نحوَ ثلاثِمائةٍ وسبعينَ، منها نحوَ أَرْبَعِينَ لَوْناً، وَلِمَا اشْتَرَكَا فيهِ نحوَ خَمْسِينَ مِثالاً، وَلِمَا اشْتَرَكَ فيهِ فَعُلَ وَفَعِلَ وفَعَلَ جَمِيعاً وهوَ المُثَلَّثُ، نحوَ ثلاثِينَ مِثالاً، وَلِمَا فَاؤُهُ واوٌ منْ فَعَلَ المفتوحِ كَوَعَدَ سَبْعِينَ، وَلِمَا عَيْنُهُ ياءٌ كَبَاعَ ثَمَانِينَ، وَلِمَا لامُهُ ياءٌ كَرَضِيَ سِتِّينَ، وَلِمُضَاعفِهِ اللازمِ كَحَنَّ مائةً، والمُعَدَّى كَمَدَّهُ مائةً وعشرينَ، ولِمَا عَيْنُهُ واوٌ كَقَالَ مائةً وثلاثينَ، وَلِمَا لامُهُ واوٌ كَدَعَا ثمانِينَ، وللحَلْقيِّ المفتوحِ كَمَنَعَ مائةً وَسَبْعِينَ، والمكسورِ كَيَبْغِي ستَّةً، والمضمومِ كَيَدْخُلُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَلِغَيْرِ الحلقيِّ المضمومِ كَنَصَرَ مِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ، والمكسورِ كَضَرَبَ مائةً وستِّينَ، وَمِمَّا يَجُوزُ كَسْرُهُ وضَمُّهُ كَعَتُلَ مائةً وأربعينَ، إلى غيرِ ذلكَ من الأمثلةِ، فَيَصِيرُ مجموعُ أمثلةِ الفعلِ المُجَرَّدِ رُبَاعِيًّا وثلاثيًّا مَضْمُوماً ومكسوراً ومَفْتُوحاً بأنواعِهِ قريباً منْ أَلْفَيْ مِثَالٍ، وذلكَ مُعْظَمُ موادِّ اللغةِ بِحَيْثُ لا يَفُوتُ على مَنْ عَرَفَ ذلكَ إلَّا قَلِيلٌ.
(قَاعِدَةٌ عَظِيمةٌ) إذا عَرَفْتَ أمثلةَ المُجَرَّدِ اسْتَخْرِجْ منها أمثلةَ المزيدِ فيهِ، وأمثلةَ المصادرِ، وَاسْمَي الفاعلِ والمفعولِ منهما، فَيَتَحَصَّلُ منْ ذلكَ ما لا يُحْصَى من الأمثلةِ، وَجَعَلْتُ الأمثلةَ مُرَتَّبَةً في الغالبِ على حروفِ المُعْجَمِ على تَرْتِيبِ الصِّحَاحِ، وَمَنْ عَرَفَ ذلكَ لم يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ ضَبْطُ الأمثلةِ يَسَّرَ اللَّهُ النَّفْعَ بِذَلِكَ.
ثُمَّ كَأَنَّ السامعَ لَمَّا تَوَفَّرَتْ رَغْبَتُهُ قَالَ: فَكَيْفَ لي بِذَلِكَ؟
فَقَالَ:
فَهَاكَ نَظْماً مُحِيطاً بِالمُهِمِّ وَقَدْ = يَحْوِي التَّفَاصِيلَ مَنْ يَسْتَحْضِرُ الجُمَلا
فها: اسمُ فِعْلٍ بِمَعْنَي خُذْ، والكافُ فيهِ حَرْفُ خطابٍ يُفْتَحُ للمُذَكَّرِ، وَيُكْسَرُ للمؤنَّثِ، وَيُثَنَّى، ويُجْمَعُ، تَقُولُ: هاكَ هاكِ هَاكُمَا هَاكُمْ هَاكُنَّ، وقدْ يُبْدَلُ من الكافِ هَمْزَةً تَتَصَرَّفُ كَتَصَرُّفِهِ، فَيُقَالُ: هَاءَ للمُذَكَّرِ بفتحِ الهمزةِ، وهاءِ للمُؤَنَّثِ بِكَسْرِهَا، وَهَاؤُمَا وَهَاؤُمْ وَهَاؤُنَّ، وبهذهِ اللغةِ جاءَ قولُهُ تَعَالَى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} أيْ: هَاكُمْ.
وَنَظْمُ الشيءِ: تَأْلِيفُهُ على وَجْهٍ مخصوصٍ، ومنهُ نَظْمُ الشِّعْرِ، يُقالَ: نَظَمَهُ وَيَنْظِمُهُ كَضَرَبَهُ يَضْرِبُهُ نَظْماً ونِظَاماً، أي: جَمَعَهُ وَأَلَّفَهُ. والإحاطةُ بالشيءِ: إِدْرَاكُهُ منْ جميعِ جهاتِهِ، ومنهُ الحائِطُ. والمُهِمُّ: الأمرُ الذي يَهُمُّكَ شَأْنُهُ، والتفاصيلُ بالأمورِ الجزئِيَّةِ / كَمَعْرِفَةِ أفرادِ موادِّ اللغةِ مثلاً. والجُمَلُ: الأمورُ الكُلِّيَّةُ كمعرفةِ الأبْنِيَةِ والأَقْيِسَةِ مثلاً، المَعْنَى: إِنَّ هذهِ المنظومةَ قَد احْتَوَتْ على المُهِمِّ منْ علمِ اللغةِ، وهوَ الأَبْنِيَةُ والأقيسةُ التي يُتَوَصَّلُ بها إلى حفظِ أَفْرَادِهَا وَرَدِّ كلِّ نوعٍ إلى أصلِهِ.


  #4  
قديم 30 محرم 1430هـ/26-01-2009م, 09:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي مناهل الرجال للشيخ: محمد أمين بن عبد الله الأثيوبي الهرري

قالَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وَنَفَعَنَا بعُلُومِهِ آمينَ:

بسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ
بدأَ الناظمُ مَنْظُومَتَهُ بالبسملةِ ابتداءً حقيقيًّا، وهوَ الذي لمْ يُسْبَقْ بشيءٍ ما اقتداءً بالكتبِ السماوِيَّةِ في ابتدَائِها بها كما يَشْهَدُ لهُ قولُهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَاتِحَةُ كُلِّ كِتَابٍ))، ولذلكَ جَرَى بعْضُهم على أنَّها ليْسَتْ منْ خُصُوصِيَّاتِ هذهِ الأُمَّةِ، وعملاً بخبرِ: ((كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَهُوَ أَبْتَرُ أَوْ أَجْذَمُ أَوْ أَقْطَعُ)) رِوَايَاتٌ. والْكَلامُ على كُلٍّ منها منْ بابِ التشبيهِ البليغِ، وهوَ ما حُذِفَ فيهِ أداةُ التشبيهِ ووجهُ الشبهِ، والمعنى فهوَ كالأَبْتَرِ الذي هوَ مقطوعُ الذَّنَبِ، أوْ كالأجذمِ الذي هوَ مَنْ ذهبَتْ أنامِلُهُ من الجُذَامِ، أوْ كالأقطعِ الذي هوَ مقطوعُ اليدِ، وعلى كُلٍّ فَوَجْهُ الشبهِ مُطْلَقُ النقصِ، لا يُقالُ: إنَّ هذا المُؤَلَّفَ شعرٌ؛ لأنَّهُ من البحرِ البسيطِ الذي أجْزَاؤُهُ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلُنْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. وقدْ قالَ العلماءُ: لا يَبْدَأُ الشِّعْرُ بالبسملةِ؛ لأنَّا نقولُ: الشعرُ الذي لا يَبْدَأُ بالبسملةِ هوَ المُحَرَّمُ، كهَجْوِ مَنْ لا يَحِلُّ هجْوُهُ، أو المكروهُ كالتغَزُّلِ في غيرِ مُعَيَّنٍ. وأما ما يتعَلَّقُ بالعلومِ والأذكارِ كهذهِ المنظومةِ فيبدأُ بالبَسْمَلَةِ اتِّفاقاً.
وإنَّما لمْ يأتِ –أي: الناظمُ– بها نظماً كما فعلَ الشاطِبِيُّ وأضرابُهُ، حيثُ قالَ:

بَدَأْتُ ببسمِ اللَّهِ في النظمِ أوَّلاَ = تباركَ رَحْمَاناً رحيماً ومَوْئِلاَ؛

لأنَّهُ خلافُ الأَوْلَى.
ثمَّ اعْلَمْ أنَّ الباءَ في البسملةِ إمَّا للمُصَاحَبَةِ على وَجْهِ التَّبَرُّكِ، أوْ للاستعانةِ كذلكَ والأَوْلَى جعْلُها للمصاحبةِ؛ لأنَّ جعْلَها للاستعانةِ فيهِ إساءةُ أدبٍ؛ لأنَّ باءَ الاستعانةِ تدخلُ على الآلةِ، فيلزمُ عليها جعلُ اسمَ اللَّهِ مقصوداً لغَيْرِهِ لا لذاتِهِ.
ومعناها الإرشاديُّ بي كانَ ما كانَ، وبي يكونُ ما يكونُ، وحينئذٍ يكونُ في الباءِ إشارةٌ إلي جميعِ العقائدِ؛ لأنَّ المُرَادَ بي وُجِدَ ما وُجِدَ، وبي يُوجَدُ ما يُوجَدُ، ولا يكونُ كذلكَ إلاَّ مَن اتَّصفَ بصفاتِ الكمالِ، وتنَزَّهَ عنْ صفاتِ النقصانِ، كما ذكرَهُ بعضُ أئِمَّةِ التفسيرِ. والاسمُ لُغَةً العُلُوُّ إنْ قُلْنَا: إنَّهُ من السُّمُوِّ أو العلامةِ إنْ قُلْنَا: إنَّهُ من الوَسْمِ , واصطلاحاً ما دلَّ على مُسَمًّى بعيْنِهِ.
واللَّهُ عَلَمٌ على الذاتِ الواجبِ الوجودِ، المُسْتَحِقُّ لجميعِ المحامدِ، وهوَ اسمُ اللَّهِ الأعظمُ عندَ الجمهورِ , واختارَ النَّوَوِيُّ أنَّهُ الحيُّ القَيُّومُ، وإنَّما تخَلَّفَت الإجابةُ عندَ الدعاءِ بهِ منْ بعضِ الناسِ لتَخَلُّفِ شروطِ الإجابةِ التي أعْظَمُها أكْلُ الحلالِ , ولهذا الاسمِ الشريفِ خصائصُ لفْظِيَّةٌ وخصائصُ معنوِيَّةٌ أكثرُ منْ أنْ تُحْصَرَ، وأوسعُ منْ أنْ تُذْكَرَ فَمِن الخصائصِ اللفظِيَّةِ اختصاصُهُ بالشهادَتَيْنِ، واختصاصُهُ بالأذانِ والإقامةِ، واختصاصُهُ بالتحريمِ والتسليمِ، إلي غيرِ ذلكَ كالتَّشَهُّدِ. ومن الخصائصِ المعنوِيَّةِ أنَّهُ ما ذُكِرَ هذا الاسمُ في قليلٍ إلاَّ كَثَّرَهُ، ولا عندَ خوفٍ إلاَّ أزَالَهُ، ولا عندَ كربٍ إلاَّ كَشَفَهُ، ولا عندَ همٍّ وغمٍّ إلاَّ فَرَّجَهُ، ولا عندَ ضيقٍ إلاَّ وَسَّعَهُ، ولا تعَلَّقَ بهِ ضعيفٌ إلاَّ أفادَهُ القُوَّةَ، ولا ذليلٌ إلاَّ أنَالَهُ العِزَّ، ولا فقيرٌ إلاَّ أصَارَهُ غَنِيًّا، ولا مُسْتَوْحِشٌ إلاَّ آنَسَهُ، ولا مغلوبٌ إلاَّ أيَّدَهُ ونصَرَهُ، ولا مُضْطَرٌّ إلاَّ كشفَ ضُرَّهُ فهوَ الاسمُ الذي تُكْشَفُ بهِ الكُرُبَاتُ، وتُسْتَنْزَلُ بهِ البَرَكَاتُ، وتُجَابُ بهِ الدَّعَوَاتُ، وتُقَالُ بهِ العَثَرَاتُ، وتُسْتَدْفَعُ بهِ السَّيِّئَاتُ، وتُسْتَجْلَبُ بهِ الحسناتُ وهوَ الاسمُ الذي قامَتْ بهِ الأرضُ والسماواتُ، وبهِ أُنْزِلَت الكتبُ، وبهِ أُرْسِلَت الرسلُ، وبهِ شُرِّعَت الشرائعُ، وبهِ قامت الحدودُ، وبهِ شُرِعَ الجهادُ، وبهِ انقَسَمَت الخلائقُ إلى السُّعَدَاءِ والأشقياءِ، وبهِ حُقَّت الحَاقَّةُ، ووَقَعَت الواقعةُ، وبهِ وُضِعَت المَوَازِينُ القسطُ، ونُصِبَ الصراطُ، وقامَ سوقُ الجَنَّةِ والنارِ، وبهِ عُبِدَ ربُّ العالمينَ وَحُمِدَ، إلى غيرِ ذلكَ.
والرحمنُ هوَ دائمُ الرحمةِ والإحسانِ بجلائلِ النِّعَمِ أوْ كثيرُها بها، والرحيمُ هوَ دائمُ الرحمةِ والإحسانِ بدقائقِ النعمِ أوْ كثيرُها بها؛ لأنَّ زيادةَ المَبْنَى تَدُلُّ على زيادةِ المعنى غالباً، وإنَّما جَمَعَ بينَهما إشارةً إلى أنَّهُ ينبغي أنْ يُطْلَبَ منهُ تعالى النِّعَمُ الحقيرةُ كما ينبغي أنْ يُطْلَبَ منهُ النعمُ العظيمةُ؛ لأنَّ الكُلَّ منهُ وحْدَهُ سُبحانَهُ وتعالى. وفي البسملةِ أبحاثٌ كثيرةٌ وأسرارٌ وفيرةٌ، فلا نُطِيلُ الكلامَ بذِكْرِها؛ لأنَّ المحلَّ ليسَ أَهْلاً لها.
قالَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ونفَعَنا بعلومِهِ آمِينَ:
الحمدُ للَّهِ لا أَبْغِي بهِ بَدَلا = حمداً يَبْلُغُ منْ رِضْوَانِهِ الأَمَلا
بدأَ الناظمُ منظومَتَهُ ثانياً بالحَمْدَلَةِ ابتداءً نِسْبِيًّا، وهوَ الذي يُسْبَقُ بشيْءٍ من المقصودِ تَأَسِّياً بالقرآنِ الكريمِ، وعملاً بقَوْلِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ))، وفي روايَةٍ: أَجْذَمُ، أيْ: نَاقِصُ البركةِ أوْ ذاهِبُها. قالَ بعضُهم: ينبغي لِكُلِّ شارعٍ في تصنيفٍ أنْ يذْكُرَ ثمانيَةَ أشياءَ، وهيَ: البسملةُ، والحمدَلَةُ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، والشهادتانِ، وتَسْمِيَةُ نَفْسِهِ، وتسميَةُ الكتابِ، والإتيانُ بما يدُلُّ على المقصودِ المُسَمَّى عندَهُم ببراعةِ الاستهلالِ، ولفظُ أمَّا بَعْدُ.
و(الحَمْدُ) لُغةً: الثناءُ باللسانِ على الجميلِ الاختياريِّ، سواءٌ كانَ في مُقابلةِ نعمةٍ أمْ لا , وعُرْفاً: فعلٌ يَدُلُّ على تعظيمِ المُنْعِمِ بسببِ كونِهِ مُنْعِماً، سواءٌ كانَ قولاً باللسانِ بأنْ يُثْنِيَ عليهِ بهِ أو اعتقاداً بالجَنَانِ بأنْ يعتقدَ اتِّصَافَهُ بصفاتِ الكمالِ، أوْ عملاً وخدمةً بالأعضاءِ والأركانِ بأنْ يجْهَدَ نفسَهُ في طاعتِهِ , قالَ بعضُهم:

وما كانَ شُكْرِي وافياً بنَوَالِكُمْ = ولكِنَّنِي حاوَلْتُ في الجُهْدِ مَذْهَبَا
أفَادَتْكُم النعماءُ منِّي ثلاثةً = يَدِي ولسَانِي والضميرَ المُحَجَّبَا

أي: جنسُ الاتِّصافِ بجميعِ الكمالاتِ في الذاتِ والصفاتِ والأفعالِ مُسْتَحَقٌّ (للَّهِ) سُبحانَهُ وتعالى الذي (لا أَبْغِي) ولا أطلبُ (بهِ بَدَلاً)، أي إلهاً يكونُ لي بدلاً عنهُ سُبحانَهُ وتعالى، فالباءُ بمعنى عنْ مُتعلِّقةٌ ببدلاً، وهذا بناءً على أنْ في كِلامِهِ حذفَ الموصولِ وإبقاءَ صِلَتِهِ؛ فإنَّهُ يُحْذَفُ إذا دلَّ عليهِ دليلٌ. ويَصِحُّ أيضاً أنْ تكونَ جملةُ (لا أبغي) حالاً منْ فاعلِ الحمدِ؛ لأنَّهُ بمعنى: أحمدُ اللَّهَ ويَحْتَمِلُ حينئذٍ كونُ الضميرِ لِلَّهِ، والباءِ بمعنى عنْ، والمعنى: أحمدُ اللَّهَ سُبحانَهُ وتعالى حالةَ كوْنِي غيرَ باغٍ وطالبٍ محموداً يكونُ لي بدلاً عن اللَّهِ سُبحانَهُ وتعالى، وَيَحْتَمِلُ أيضاً كونَ الضميرِ للحمدِ والباءِ على معناها، والمعنى: أحمدُ اللَّهَ سُبحانَهُ وتعالى حالةَ كوْنِي غيرَ باغٍ وطالبٍ بحمدي لهُ بدلاً وعِوَضاً دُنْيَوِيًّا أوْ أُخْرَوِيًّا، بلْ لِذَاتِهِ، ويصحُّ أيضاً أنْ تكونَ الجملةُ صفةً لمصدرٍ محذوفٍ جوازاً تقديرُهُ: أحمدُ اللَّهَ سُبحانَهُ وتعالي حمداً موصوفاً بكَوْنِهِ لا أبغي ولا أطلبُ أنا بهِ بدلاً وعِوَضاً دُنيويًّا أوْ أُخْرَويًّا من اللَّهِ سُبحانَهُ وتعالى، ولا يصحُّ على هذا عودُ الضميرِ على (للَّهِ). وقولُهُ: (حمداً) منصوبٌ على المفعولِيَّةِ المُطْلَقةِ لعاملٍ محذوفٍ وجوباً تقديرُهُ: أحمدُ اللَّهَ حمداً (يُبَلِّغُ) الحامدَ ويُوَصِّلُهُ. وقولُهُ: (من رِضْوَانِهِ) ومَحَبَّتِهِ سُبحانَهُ وتعالى بيانٌ مُقَدَّمٌ لقولِهِ: (الأَمَلا) بأَلِفِ الإطلاقِ، أي: المأمولَ والمقصودَ , والألفُ واللامُ فيهِ عوضٌ عن المضافِ إليهِ، والمعنى: أحمدُ اللَّهَ سُبحانَهُ وتعالى حمداً يُبَلِّغُ الحامدَ مأمولَهُ منْ رضوانِ اللَّهِ ومحبَّتِهِ سُبحانَهُ وتعالى.
اللُّغَةُ:
يُقالُ: بغى الشيءُ منْ بابِ رَمَى بَغْياً وبُغَاءً وبُغًى وبُغْيَةً وبِغْيَةً، إذا طَلَبَهُ، وبغى الرجلُ إذا عدلَ عن الحقِّ وعَصَى، وبَغَى عليهِ إذا استطالَ عليهِ وظَلَمَهُ فهوَ باغٍ. وبدلُ الشيءِ عِوَضُهُ أوْ خَلَفُهُ، فهوَ اسمُ مصدرٍ لأَبْدَلَ الشيءَ منهُ، إذا اتَّخَذَهُ منهُ بدلاً، أيْ: عِوَضاً أوْ خلفاً. وبَلَّغَهُ الشيءَ بالتضعيفِ وأبْلَغَهُ إيَّاهُ إذا أوْصَلَهُ إليهِ وَرَضِيَ عنهُ يَرْضى رِضًى ورُضًى ورِضْوَاناً ورُضْوَاناً إذا لمْ يَسْخَطْ عليهِ، ورَضِيَ اللَّهُ عنْ فلانٍ ورَضِيَ عنهُ إذا قَبِلَهُ اللَّهُ وأرادَ ثَوَابَهُ، فمعنى رُضْوَانِ اللَّهِ عنْ عَبْدِهِ قبولُ عَمَلِهِ عنهُ وإِثَابَتُهُ عليهِ. وأَمَلَهُ أَمَلاً منْ بابِ أَكَلَ إذا رَجَاهُ. والأَمَلُ بِفَتْحِ أوَّلِهِ معَ فتحِ ثَانِيهِ وإسْكَانِهِ: الرجاءُ، ويُجْمَعُ على آمالٍ، وهوَ هنا بمعنى المأمولِ؛ لأنَّ المصدرَ لا معنى لهُ هنا كما أشَرْنَا إليهِ في الحَلِّ.
الإعرابُ:
(الحمْدُ): مبتدأٌ مرفوعٌ بالابتداءِ، ورَفْعُهُ ضَمَّةٌ ظاهرةٌ في آخِرِهِ، (للَّهِ): اللامُ حرفُ جرٍّ مبنيٌّ على الكسرِ، واسمُ الجلالةِ مجرورٌ باللامِ، وجَرُّهُ كسرةٌ ظاهرةٌ في آخرِهِ، الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بواجبِ الحذفِ لوقُوعِهِ خبراً، تقديرُهُ: الحمدُ مُستحقٌّ للَّهِ سُبحانَهُ وتعالى، والجملةُ مُسْتَأْنَفَةٌ استئنافاً نَحْوِيًّا لا محلَّ لها من الإعرابِ.
(لا أَبْغِي): لا نافيَةٌ مَبْنِيَّةٌ على السكونِ، أَبْغِي: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ، ورفْعُهُ ضَمَّةٌ مُقَدَّرَةٌ على الأخيرِ منعَ منْ ظُهورِها الثِّقَلُ؛ لأنَّهُ فعلٌ مُعْتَلٌّ بالياءِ، وفاعلُهُ ضميرٌ مستترٌ فيهِ وجوباً بإسنادِهِ إلي المُتَكَلِّمِ، تقديرُهُ: أنا. (بِهِ): الباءُ حرفُ جرٍّ بمعني عنْ مبنيٌّ على الكسرِ. الهاءُ ضميرٌ للمفردِ المُنَزَّهِ عن الذكورةِ والأُنُوثةِ والغَيْبةِ في محلِّ الجرِّ بالباءِ مبنيٌّ على الكسرِ لشَبَهِهِ بالحرفِ شبهاً وضْعِيًّا. الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ ببدلاً المذكورِ بَعْدَهُ، وإنْ شِئْتَ قُلْتَ: الباءُ حرفُ جرٍّ مبنيٌّ على الكسرِ، الهاءُ ضميرٌ للمفردِ المُذَكَّرِ الغائبِ عائدٌ على الحمدِ في محلِّ الجرِّ مبنيٌّ على الكسرِ. الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بأبْغِي. (بدلاً) مفعولٌ بهِ لأبغي منصوبٌ ونصبُهُ فتحةٌ ظاهرةٌ في آخرِهِ، وجملةُ: لا أبغي من الفعلِ والفاعلِ صلةٌ لموصولٍ محذوفٍ جوازاً لا محلَّ لها من الإعرابِ تقديرُهُ الحمدُ للَّهِ الذي لا أبغي بدلاً عنهُ، أوْ حالٌ منْ فاعلِ الحمدِ تقديرُهُ: أحمدُ اللَّهَ سُبحانَهُ وتعالى حالةَ كوْنِي لا أبغي بدلاً عنهُ، أوْ حالةَ كوْنِي لا أبغي بحَمْدِي لهُ عِوَضاً، أوْ صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ جوازاً تقديرُهُ: أحمدُ اللَّهَ سُبحانَهُ وتعالى حمداً لا أَبْغِي بهِ بدلاً. (حمداً) منصوبٌ على المفعوليَّةِ المُطلقةِ لفعلٍ محذوفٍ وجوباً تقديرُهُ: أحمدُ اللَّهَ حمداً، ونصبُهُ فتحةٌ ظاهرةٌ في آخرِهِ، وجملةُ الفعلِ المحذوفِ معطوفةٌ بعاطفٍ مُقَدَّرٍ على جُملةِ الحمدلةِ. (يُبَلِّغُ) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ ورفعُهُ ضمةٌ ظاهرةٌ في آخرِهِ، وفاعلُهُ ضميرٌ مستترٌ فيهِ جوازاً لإسنادِهِ إلى الغائبِ تقديرُهُ هوَ يعودُ على الحمدِ. (منْ رِضْوَانِهِ): منْ حرفُ جرٍّ مبنيٌّ على السكونِ. رضوانِ: مجرورٌ بمِنْ وجرُّهُ كسرةٌ ظاهرةٌ في آخرِهِ. رضوانِ: مضافٌ، الهاءُ ضميرٌ للمفردِ المُنَزَّهِ عن الذكورةِ والأنوثةِ والغيبةِ في محلِّ الجرِّ مضافٌ إليهِ، مبنيٌّ على الكسرِ لشَبَهِهِ بالحرفِ شبهاً وَضْعِيًّا. الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بواجبِ الحذفِ لوقُوعِهِ حالاً من الأملِ المذكورِ بعْدَهُ. (الأمَلا): مفعولٌ ثانٍ ليُبَلِّغُ منصوبٌ، ونصبُهُ فتحةٌ ظاهرةٌ في آخرِهِ، والألفُ حرفٌ زائدٌ للإطلاقِ مبنيٌّ على السكونِ. والمفعولُ الأوَّلُ لهُ محذوفٌ جوازاً تقديرُهُ: يُبَلِّغُ الحامدَ الأملَ منْ رِضوانِهِ. وجملةُ (يُبَلِّغُ) من الفعلِ والفاعلِ في محلِّ النصبِ صفةٌ لحمداً تقديرُهُ: وأحمدُ اللَّهَ سُبحانَهُ وتعالى حمداً مُبَلِّغاً الحامدَ مأمُولَهُ ومقصودَهُ حالةَ كونِ مأمُولِهِ منْ رضوانِهِ سُبحانَهُ وتعالى، واللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى أعْلَمُ.
قالَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ونفَعَنا بعلومِهِ آمِينَ:
ثمَّ الصلاةُ على خيرِ الوَرَى وعلى = سَاداتِنا آلِهِ وصَحْبِهِ الفُضَلا
ولمَّا كانتْ رُتْبَةُ ما يتَعَلَّقُ بالمخلوقِ مُؤَخَّرَةً عنْ رُتبةِ ما يتعَلَّقُ بالخالقِ أتى الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى بثُمَّ الدالَّةِ على الترتيبِ في قولِهِ: (ثمَّ الصلاةُ)، أي: ثمَّ بعدَ حَمْدِنا للَّهِ سُبحانَهُ وتعالى نقولُ: الصلاةُ، أي: الرحمةُ المقرونةُ بالتعظيمِ الزائدةُ على ما هوَ حاصلٌ لهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ والتَّحِيَّةُ الدائمةُ اللائقةُ بجَنَابِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، وهوَ تأمِينُهُ ممَّا يخَافُهُ على أُمَّتِهِ، وإنَّما أفردَ الصلاةَ عن السلامِ جَرْياً على مذهبِ المُتقدِّمينَ لعدمِ كراهةِ إفرادِ أحدِهما عن الآخرِ عندَهم. والصلاةُ اسمُ مصدرٍ لصَلَّى، والمصدرُ التَّصْلِيَةُ. ولمْ يُعَبِّرْ بها لإيهامِها العذابَ. كائنةٌ (على خيرِ الوَرَى) وأفضلِ الْوَرَى الذي هوَ سيِّدُنا ومَوْلانا مُحمَّدٌ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ؛ لأنَّهُ إذا أُطْلِقَ خيرُ الورى انصرفَ إلى نبَيِّنا مُحمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ؛ ولهذا استغنى الناظمُ بهذا الوصفِ عن التصريحِ باسمِهِ العَلَمِ. (و) كائنةٌ (على سَادَاتِنا) وأشرافِنا وأعيانِنا ورؤسائِنا معاشرِ الأُمَّةِ. (آلِهِ) وأتقياءِ أُمَّتِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ (وصَحْبِهِ) الذينَ اجتمعوا بهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ في حالِ حيَاتِهِ مؤمنينَ بهِ وإنْ لمْ يَرَوْهُ ويَرْوُوا عنهُ. (الفُضَلا) بالقصرِ لضرورةِ النظمِ، أيْ: أربابِ الفضائلِ، أي: المُتَّصِفِ كُلٌّ مِنْ آلِهِ وصحْبِهِ بالفضائلِ الحِسِّيَّةِ والمعنوِيَّةِ منْ صُحْبَتِهِ ورُؤْيَتِهِ والانتسابِ إليهِ واتِّبَاعِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ.
اللُّغةُ:
يُقَالُ: صلَّى صلاةً إذا دَعَا وأقامَ الصلاةَ، وصَلَّى اللَّهُ عليهِ إذا بَارَكَ عليهِ وأحسنَ الثناءَ عليهِ، وصَلَّى العَصَا على النَّارِ أوْ بالنارِ، إذا لَيَّنَهَا وقوَّمَها بها والصلاةُ من اللَّهِ الرحمةُ والثناءُ على عبادِهِ، ومن الملائكةِ الاستغفارُ، ومن الآدَمِيِّينَ الدعاءُ، ويُقَالُ: خارَ يَخِيرُ خَيْراً إذا صارَ ذا خيرٍ، وخارَ اللَّهُ لكَ في الأمرِ إذا جعلَ لكَ فيهِ خيراً، والخيرُ ضدُّ الشرِّ، والمرادُ بهِ في كلامِ الناظمِ أفعلُ تفضيلٍ، فأصْلُهُ أَخْيَرُ حُذِفَتْ منهُ الهمزةُ للتَّخْفِيفِ، ونُقِلَتْ حركةُ الياءِ للساكنِ قبلَها فصارَ خَيْراً. والوَرَى بالقصرِ الخَلْقُ، والساداتُ جمعُ السادةِ الذي هوَ جمعُ سَيِّدٍ، والسَّيِّدُ هوَ ذُو السيادةِ، يُقالُ: سادَ يَسُودُ سيادةً وسُودَداً إذا شَرُفَ ومَجُدَ.
وسادَ قوْمَهُ إذا صارَ سيِّدَهُم ومُتَسَلِّطاً عليهم. وآلُ الرجلِ: أهْلُهُ وعشيرَتُهُ.
ولا يُستعملُ إلاَّ فيما فيهِ شَرَفٌ، فلا يُقالُ: آلُ الإسكافِ. والصَّحْبُ بسكونِ الحاءِ جمعُ صاحبٍ بمعنى الصحابيِّ، كرَكْبٍ وراكبٍ، والصحابيُّ مَن اجتمعَ بهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مؤمناً بهِ في حالِ حياتِهِ كما مرَّت الإشارةُ إليهِ. والفُضَلاءُ جمعُ فاضلٍ كشُعَرَاءَ وشاعرٍ، والفاضلُ هوَ صاحبُ الفضيلةِ، والفضيلةُ خلافُ الرذيلةِ والنقيصةِ , والمَزِيَّةُ والدرجةُ الرفيعةُ.
الإعرابُ:
(ثُمَّ): حرفُ عطفٍ وترتيبٍ. (الصلاةُ): مبتدأٌ (على خَيْرِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بـ "استقرار" محذوفٍ خبرُ المبتدأِ، والجملةُ معطوفةٌ على جملةِ الحمدلةِ. (الورى) مضافٌ إليهِ (وعلى ساداتِنا) الواوُ عاطفةٌ. على ساداتِنا جارٌّ ومجرورٌ ومضافٌ إليهِ، وهوَ معطوفٌ على الجارِّ والمجرورِ قبْلَهُ. (آلِهِ) بدلٌ منْ ساداتِنا بدلُ بعضٍ منْ كلٍّ ومضافٌ إليهِ. (وصَحْبِهِ) معطوفٌ على آلِهِ ومضافٌ إليهِ. (الفُضَلا) صفةٌ لكلٍّ مِنْ آلِهِ وصحْبِهِ، وجرُّهُ كسرةٌ ظاهرةٌ على الهمزةِ المحذوفةِ لضرورةِ الرَّوِيِّ على لُغَةِ مَنْ يَنْتَظِرُ المحذوفَ، وكسرةٌ مُقَدَّرَةٌ للتَّعَذُّرِ على لُغَةِ مَنْ لا يَنْتَظِرُهُ، واللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى أعْلَمُ.
قالَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ونفَعَنا بعلومِهِ آمِينَ:
وبعدُ فالفعلُ مَنْ يُحْكِمُ تَصَرُّفَهُ = يَحُزْ مِن اللُّغَةِ الأبوابَ والسُّبُلا
(وبعدُ فالفعلُ)؛ أيْ: مهما يكُنْ من شيءٍ فأقولُ بعدَ الفراغِ من البسملةِ والحمدلةِ والصلاةِ والسلامِ: الفعلُ الماضي (مَنْ يُحْكِمْ) أيْ: يُتْقِنْ ويَعْرِفْ (تصَرُّفَهُ)، أي: تقَلُّبَ عينِه في المضارعِ إلى ضمٍّ أوْ فتحٍ أوْ كسرٍ (يحُزْ)؛ أي: يَحْوِ ذلكَ المُحْكَمَ، ويجمعْ (مِنْ) مباحثِ علمِ (اللغةِ الأبوابَ) الكثيرةَ (والسُّبُلا) الوفيرةَ، وهوَ تفسيرٌ لِمَا قبْلَهُ، يعني: أنَّ مَنْ عرفَ أنَّ قياسَ عينِ مُضارعِ (فَعُلَ) المضمومِ الضمُّ مثلاً حازَ من الألفاظِ التي هيَ منْ مباحثِ علمِ اللغةِ الأبوابَ الكثيرةَ، وذلكَ كـ(نَظُفَ) الذي هوَ منْ بابِ الفاءِ وفصلِ النونِ، وحَسُنَ الذي هوَ منْ بابِ النونِ وفصلِ الحاءِ مثلاً، وهذا البيتُ تَوْطِئَةٌ للبيتِ الذي بعدَهُ.
اللُّغةُ:
والواوُ في (وبَعْدُ) تَحْتَمِلُ أوجهاً ثلاثةً، الأوَّلُ: أنْ تكونَ عاطفةً، وبعدُ معمولةٌ لأَقُولُ مُقَدَّراً، والفاءُ زائدةٌ، أيْ: وأقولُ بعدَ البسملةِ والحمدلةِ الفعلُ مَنْ يُحْكِمْ إلخ، فتكونُ الواوُ عاطفةً لجملةِ أقولُ على جملةِ البسملةِ. والثاني: أنْ تكونَ للاستئنافِ النحويِّ أو البيانيِّ على القولِ بأنَّهُ يَقْتَرِنُ بالواوِ، والظرفُ معمولٌ لأقولُ مُقَدَّراً أيضاً، والفاءُ لإجراءِ كلمةِ الظرفِ مَجْرَى الشرطِ، كقولِهِ تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ}. والثالثُ: أنْ تكونَ الواوُ نائبةً عنْ أمَّا النائبةِ عنْ مَهْمَا يكُنْ، والظرفُ معمولٌ ليَكُنْ أوْ لإِمَّا بناءً على أنَّهُ منْ توابعِ الشرطِ، أوْ أقولُ بناءً على أنَّهُ منْ توابعِ الجزاءِ، ورَجَّحَهُ السَّعْدُ وغيرُهُ لكونِ الجزاءِ حينئذٍ مُعَلَّقاً على شيءٍ مُطْلَقٍ، أيْ: غيرِ مُقَيَّدٍ بكَوْنِهِ بعْدَ البسملةِ والحمدلةِ، والفاءُ واقعةٌ في جوابِ الواوِ النائبةِ عنْ أَمَّا. وهذهِ الواوُ ألْغَزَ فيها بعْضُهم بقولِهِ:
وما واوٌ لها شرطٌ يَلِيهِ = جوابٌ قَرْنُهُ بالفاءِ حُتِّمَا
وأَجابَهُ بعْضُهم بقولِهِ:
هيَ الواوُ التي قُرِنَتْ ببعدُ = وأمَّا أصْلُها والأَصْلُ مَهْمَا
واخْتُصَّت الواوُ منْ بينِ سائرِ حروفِ العطفِ بالنيابةِ عنْ أمَّا؛ لأنَّها أُمُّ البابِ، ولأنَّها قدْ تُستعملُ للاستئنافِ كأمَّا. ومعنى بعدُ نقيضُ قبلُ، وتكونُ ظرفَ زمانٍ كثيراً ومكانٍ قليلاً، وهيَ ها هنا صالحةٌ للزمانِ باعتبارِ التكَلُّمِ، وللمكانِ باعتبارِ الرَّقْمِ. والمرادُ بالفعلِ هنا الفعلُ الماضي كما يدلُّ عليهِ كلامُهُ في الترجمةِ الآتيَةِ. ويُقالُ: أحْكَمَ الشيءَ إذا أتْقَنَهُ وحقَّقَهُ وعرَفَهُ، وتَصَرُّفُ الشيءِ تقلُّبُهُ منْ حالٍ إلى حالٍ أُخْرَى، ويُقالُ: حازَ الشيءَ إذا حَوَاهُ وجمَعَهُ مُحِيطاً بهِ، وبابُ الشيءِ مُدْخَلُهُ، وبابُ الكتابِ مَبْدَأُ فُصُولِهِ، والبابُ أيضاً النَّوْعُ والقِسْمُ، وسبيلُ الشيءِ طَرِيقُهُ المُوَصِّلُ إليهِ، وعطفُ السُّبُلِ في كلامِهِ على الأبوابِ عطفٌ تفسيريٌّ أتى بهِ لتكملةِ البيتِ.
الإعرابُ:
(وبَعْدُ): الواوُ عاطفةٌ أو استئنافِيَّةٌ أوْ نائبةٌ عنْ أمَّا النائبةِ عنْ مهما الشرطِيَّةِ مَبْنِيَّةٌ على الفتحِ. بعدُ في محلِّ النصبِ على الظرفِيَّةِ الزمانِيَّةِ باعتبارِ التكَلُّمِ، والمكانيَّةِ باعتبارِ الرَّقْمِ مبنيٌّ على الضَّمِّ لشَبَهِهِ بالحرفِ شبهاً افتقارِيًّا لحذفِ المضافِ إليهِ ونِيَّةِ معناهُ؛ فإنَّ الأصلَ: وبعدَ ما تقدَّمَ. والمرادُ بمعناهُ النسبةُ التقييدِيَّةُ التي بينَ المضافِ والمضافِ إليهِ، وإنَّما سُمِّيَتْ معناهُ معَ أنَّها بيْنَهُما؛ لأنَّها لا تتحَقَّقُ إلاَّ بهِ، وليسَ المرادُ بمعناهُ مَدْلُولَهُ كما وَهِمَ فيهِ بعْضُهم. والظرفُ متعلِّقٌ بأقولُ مُقَدَّراً على كونِ الواوِ عاطفةً أو استئنافيَّةً، ومتعلِّقٌ بالشرطِ أو الجوابِ على كَوْنِها نائبةً عنْ أمَّا. (فالفعْلُ) الفاءُ زائدةٌ على كونِ الواوِ عاطفةً أو استئنافِيَّةً، ورابطةٌ على كوْنِها نائبةً عنْ أمَّا مَبْنِيَّةٌ على الفتحِ. الفعلُ: مبتدأٌ مرفوعٌ. (مَنْ يُحْكِمْ): مَن اسمُ شرطٍ جازمٌ في محلِّ الرفعِ مبتدأٌ مبنيٌّ على السكونِ. يُحْكِمْ: فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بمَنْ على كَوْنِهِ فعلَ شرطٍ لها، وفاعلُهُ ضميرٌ مستترٌ فيهِ جوازاً لإسنادِهِ إلى الغائبِ، تقديرُهُ (هوَ)، يعودُ على مَنْ. (تَصَرُّفَهُ) مفعولٌ بهِ ومضافٌ إليهِ. وجملةُ يُحْكِمْ من الفعلِ والفاعلِ في محلِّ الرفعِ خبرٌ من الشرطيَّةِ، أوْ خبرُها جملةُ الجوابِ أوْ هُما على الخلافِ المذكورِ في مَحلِّهِ. (يَحُزْ): فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بمَن الشرطِيَّةِ على كَوْنِهِ جواباً لها، وفاعلُهُ ضميرٌ مستترٌ فيهِ جوازاً لإسنادِهِ إلى الغائبِ، تقديرُهُ (هوَ) يعودُ على (مَنْ). (من اللُّغَةِ) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بيَحُزْ؛ لأنَّهُ فعلٌ مضارعٌ. (الأبوابَ) مفعولٌ بهِ منصوبٌ بيَحُزْ. (والسُّبُلا): معطوفٌ مُفَسِّرٌ على الأبوابِ، والأَلِفُ فيهِ حرفُ إطلاقٍ، وجُملةُ مَن الشرطيَّةِ منْ فعلِ شرْطِها وجَوَابِها في محلِّ الرفعِ خبرُ المبتدأِ، تقديرُهُ: فالفعلُ مُخْبَرٌ عنهُ بكونِ مَنْ يُحْكِمْ تَصَرُّفَهُ إلخ. والجملةُ من المبتدأِ والخبرِ في محلِّ النصبِ مقولٌ لأقولُ المُقَدَّرُ على كوْنِهِ معطوفاً على البسملةِ أوْ مُسْتأنَفاً أوْ جواباً لأَمَّا، واللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى أعْلَمُ.
قالَ الناظمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى ونفَعَنا بعلومِهِ آمِينَ:
فهاكَ نَظْماً مُحِيطاً بالمُهِمِّ وقدْ = يَحْوِي التفاصيلَ مَنْ يَسْتَحْضِرُ الجُمَلا
(فهنَاكَ)؛ أيْ: إذا عَرَفْتَ أيُّها الطالبُ ما ذَكَرْتُهُ لكَ، وأرَدْتَ حِيازةَ أبوابِ اللغةِ وسُبُلِها فأقولُ لكَ: هَاكَ (نَظْماً)؛ أيْ: خُذْ كتاباً منظوماً منْ بحرِ البسيطِ أبيَاتُهُ مائةٌ وثمانيَةٌ موصوفاً بكَوْنِهِ (مُحيطاً) ومحتوياً (بالمُهِمِّ)؛ أيْ: بالأمرِ المطلوبِ المُعْتَنَى بهِ في هذا الفنِّ، وهوَ الأوْزَانُ المَقِيسَةُ والشاذَّةُ، (وَ) إنَّما أمَرْتُكَ بأخذِ هذا النظمِ المحيطِ بالمهمِّ ؛ لأنَّهُ (قدْ يَحْوِي) ويَحُوزُ (التفاصيلَ) والأمورَ الجُزْئِيَّةَ التي هي أفرادُ مَوَادِّ اللغةِ وأبوابِها. (مَنْ يَسْتَحْضِرُ) على ظهرِ قَلْبِهِ ويُتْقِنُ (الجُمَلا) المُهِمَّةَ والأمورَ الكُلِّيَّةَ التي هيَ الأوزانُ المَقِيسةُ والسماعِيَّةُ.
اللُّغةُ: (فهاكَ) ها اسمُ فعلٍ بمعنى خُذْ، نحوُ: ها الكتابَ؛ أيْ: خُذْهُ، ويجوزُ مَدُّ ألِفِها، فيقالُ: هَاءَ، وتُستعملانِ بكافِ الخطابِ وبدُونِها، ويجوزُ في الممدودةِ أنْ تَسْتَغْنِيَ عن الكافِ بتصريفِ همْزَتِها تصاريفَ الكافِ، فيُقالُ: هاءَ للمذكورِ وهاءِ للمُؤَنَّثِ، وهاؤُمَا وهاؤُمْ وهاؤُنَّ. والكافُ حرفُ خطابٍ لا ضميرٌ، لكنْ يتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الكافِ الاسمِيَّةِ. ونظمُ الكلامِ: تأليفُهُ على أوزانٍ وقافيَةٍ مخصوصةٍ، والمنظومُ الكلامُ الموزونُ، ويُقابِلُهُ النثرُ، ويُقالُ: أحاطَ بهِ إذا أحدقَ بهِ منْ جميعِ جوانِبِهِ، وأحاطَ بالأمرِ علماً إذا أحدقَ بهِ عِلْمُهُ منْ جميعِ جهاتِهِ. والمهمُّ: الأمرُ الشديدُ الذي يَهُمُّكَ شَأْنُهُ فتَعْتَنِي بهِ، ويُجمعُ على مَهَامَّ. ويُقالُ: حَوَى الشيءَ يَحْوِي حَوَايَةً وَحَيًّا، إذا جمَعَهُ أو احْترَزَهُ ومَلَكَهُ. ويُقالُ: فصلَ الكلامَ إذا بيَّنَهُ ولمْ يُجْمِلْهُ. ويُقالُ: استحضرَ الشيءَ إذا جعَلَهُ حاضراً. والجملُ جمعُ جملةٍ، والجملةُ جماعةُ الشيءِ وما تَرَكَّبَ منْ مُسنَدٍ ومُسنَدٍ إليهِ.
الإعرابُ:
(فهاكَ): الفاءُ فاءُ الإفصاحِ. وها: اسمُ فعلِ أمرٍ. والكافُ: حرفٌ دالٌّ على الخطابِ، وفاعلُهُ ضميرٌ مستترٌ فيهِ وجوباً تقديرُهُ: أنتَ. وجملةُ اسمِ الفعلِ وفاعلِهِ في محلِّ النصبِ مقولٌ لجوابِ إذا المُقدَّرَةِ. وجملةُ إذا المُقدَّرَةُ مُستأنفةٌ استئنافاً بيانِيًّا. (نظماً) مفعولٌ بهِ لِهَاكَ. (مُحيطاً) صِفَةُ نظماً. (بالمُهِمِّ) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بمحيطاً. (وقدْ يَحْوِي) الواوُ استئنافيَّةٌ، وقدْ حرفُ تحقيقٍ، ويَحْوِي فعلٌ مضارعٌ مُعتلٌّ بالياءِ. (التفاصيلَ): مفعولٌ بهِ ليَحْوِي. (مَن) اسمٌ موصولٌ في محلِّ الرفعِ فاعلٌ بِيَحْوِي، وجملةُ يَحْوِي مستأنفةٌ في محلِّ التعليلِ. (يَسْتَحْضِرُ) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ وفاعلُهُ ضميرٌ مستترٌ فيهِ جوازاً تقديرُهُ (هوَ) يعودُ على مَنْ، والجملةُ صلةُ الموصولِ. (الجُمَلا) مفعولٌ بهِ لـ (يَسْتَحْضِرُ)، وأَلِفُهُ للإطلاقِ، واللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى أعْلَمُ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لامية, خطبة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:06 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir