دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > أنموذج جليل لابن أبي بكر الرازي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:47 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي سورة آل عمران

سورة آل عمران
فإن قيل: كيف قال تعالى: (نزّل عليك الكتاب بالحقّ).
ثم قال تعالى: (وأنزل التّوراة والإنجيل)؟
قلنا: لأن القرآن نزل منجمًا، والتوراة والإنجيل نزلا جملة واحدة
كذا أجاب الزمخشري وغيره، ويرد عليه قوله تعالى بعد ذلك: (وأنزل الفرقان). فإن الزمخشري قال: أراد به جنس الكتب السماوية لا الثلاثة المذكورة خصوصًا، أو أراد به الزبور أو أراد به القرآن، وكرر ذلك تعظيمًا، ويرد عليه بعد ذلك: (هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ).
وقوله تعالى: (والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك).
وقوله تعالى: (وقال الّذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملةً واحدةً).
والذي وقع لي فيه -والله أعلم -أن التضعيف في نزل، والهمزة في أنزل كلاهما للتعدية، لأن نزل فعل لازم في نفسه وإذا كانا للتعدية لا يكونان لمعنى آخر وهو التكثير أو نحوه لأنه لا نظير له، فإنما جمع بينهما والمعنى واحد، وهو التعدية جريًا على
عادة العرب في افتتانهم في الكلام وتصرفهم فيه على وجوه شتى.
ويؤيد هذا قوله تعالى: (لولا نزل عليه آية من ربه). وقال
[أنموذج جليل: 38]
في موضع آخر: (لولا نزّل عليه آيةٌ من ربّه).
فإن قيل: كيف قال: (منه آياتٌ محكماتٌ). ومن للتبعيض.
وقال في موضع آخر: (كتابٌ أحكمت آياته) وهذا يقتضى كون جميع آياته محكمة؟
قلنا: المراد بقوله: "منه آيات محكمات " أي ناسخات وآخر متشابهات " أي منسوخات، وقيل: المحكمات العقليات والمتشابهات الشرعيات، وقيل: المحكمات ما ظهر معناها والمتشابهات ما كان في معناها غموض ودقة، والمراد بقوله تعالى "كتاب أحكمت آياته ".
أن جميع القرآن صحيح ثابت مصون عن الخلل والزلل فلا تنافى.
فإن قيل: كيف قال هنا: (وأخر متشابهاتٌ).
جعل بعضه متشابهًا، وقال في موضع آخر: (كتابًا متشابهًا). وصفه كله بكونه متشابهًا.
قلنا: المراد بقوله: (وأخر متشابهاتٌ).
ما سبق ذكره، والمراد بقوله: (كتابًا متشابهًا).
أنه يشبه بعضه بعضًا في الصحة وعدم
التناقض وتأييد بعضه البعض فلا تنافى.
فإن قيل: ما فائدة إنزال المتشابه بالمعنى الأخير، والمقصود من إنزال القرآن إنما هو البيان والهدى، والغموض والدقة في المعاني ينافى هذا المقصود أو يبعده؟
[أنموذج جليل: 39]
قلنا: لما كان كلام العرب ينقسم إلى ما يفهم معناه سريعًا ولا يحتمل غير ظاهره، وإلى ما هو مجاز وكناية وإشارة وتلويح والمعاني فيه متعارضة متزاحمة، وهذا القسم هو المستحسن عندهم والمستبدع في كلامهم نزل القرآن بالنوعين تحقيقًا لمعنى الإعجاز، كأنه قال عارضوه بأي النوعين شئتم فإنه جامع لهما، وأنزله الله محكمًا ومتشابهًا ليختبر من يؤمن بكله ويرد علم ما تشابه منه إلى الله، فيثيبه، ومن يرتاب فيه ويشك وهو المنافق فيعاقبه، كما ابتلى عباده
بنهر طالوت وغيره أو أراد أن يشتغل العلماء برد المتشابه إلى المحكم بالنظر والاستدلال والبحث والاجتهاد فيثابون على هذه العبادة، ولو كان كله ظاهرًا جليًا لاستوى فيه العلماء والجهال ولماتت الخواطر لعدم البحث والاستنباط، فإن زناد الفكر إنما يقدح بزيادة المشكلات، ولهذا قال بعض الحكماء: عيب الغنى أنه يورث البلادة ويميت الخاطر، وفضيلة الفقر أنه يبعث على إعمال الفكر واستنباط الحيل في الكسب.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:48 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإذ قيل: قول تعالى: (يرونهم مثليهم رأي العين). أي ترى الفئة الكافرة الفئة المسلمة مثلى عدد نفسها أو بالعكس على اختلاف القولين وكيفما كان فهو مناف لقوله تعالى في سورة الأنفال: (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلًا ويقلّلكم في أعينهم).
لأن يدل على أن الفئتين تساوتا في استقلال كل واحدة منهما للأخرى؟
[أنموذج جليل: 40]
قلنا: التقليل والتكثير في حالين مختلفين قلل الله المشركين في نظر المؤمنين أولا، والمؤمنين في نظر المشركين حتى اجترأت كل فئة على قتال صاحبتها، فلما التقتا كثر الله المؤمنين في نظر
المشركين حتى جبنوا وفشلوا فغلبوا أو كثر الله المشركين في نظر المؤمنين، وأراهم إياهم على ما هم عليه وكانوا في الحقيقة أكثر من المؤمنين، ليعلموا صدق ما وعدهم الله تعالى بقوله: (فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين).
فإن المؤمنين غلبوهم في هذه الغزوة وهي غزوة بدر مع أنهم كانوا أضعاف عدد المؤمنين.
وقيل: أرى الله المسلمين المشركين مثلى عدد المسلمين، وكانوا ثلاثة أمثالهم لكنه قللهم في أعين المسلمين وأراهم إياهم بقدر ما أعلمهم أنهم يغلبونهم، لتقوى قلوبهم بما سبق من الوعد إن المائة من المؤمنين
تغلب المائتين منهم.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:48 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: ما فائدة تكرار قوله: (لا إله إلّا هو) في قوله: (شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلّا هو)؟
قلنا: الأول قول الله تعالى والثاني حكاية قول الملائكة وأولي العلم.
وقال جعفر الصادق رضي الله عنه: الأول وصف والثاني تعليم أي قوله وأشهدوا كما شهدوا.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:48 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: ما فائدة قوله تعالى: (وهم معرضون) في قوله تعالى: (ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يدعون إلى كتاب اللّه ليحكم بينهم ثمّ يتولّى فريقٌ منهم وهم معرضون).
[أنموذج جليل: 41]
والتولي والإعراض واحد كما سبق مرة؟
قلنا: معناه يتولون عن الداعي ويعرضون عما دعاهم إليه وهو كتاب الله أو يتولون بأبدانهم ويعرضون عن الحق بقلوبهم أو كان الذين تولوا علماؤهم والذين أعرضوا أتباعهم.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:49 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


فإن قيل: كيف قال: (بيدك الخير). خص الخير بالذكر وبيده تعالى الخير والشر والنفع والضر؟
قلنا: لأن الكلام إنما ورد ردًا على المشركين فيما أنكروه، مما وعد الله به نبيه على لسان جبريل عليهما الصلاة والسلام من فتح بلاد الروم وفارس، ووعد النبي عليه الصلاة والسلام الصحابة بذلك، فلما
كان الكلام في الخير خصه بالذكر باعتبار الحال، أو أراد الخير والشر فاكتفى بأحدهما لدلالته على الآخر كقوله: (سرابيل تقيكم الحرّ). وإنما خص الخير بالذكر لأنه المرغوب فيه المطلوب
للعباد من الله تعالى.
فإن قيل: كيف قال: (يولج اللّيل في النّهار ويولج النّهار في اللّيل).
وإيلاج الشيء في الشيء يقتضى اجتماع حقيقتهما بعد الإيلاج كإيلاج الخيط في الإبرة والأصبع في الخاتم ونحوهما.
وحقيقة الليل والنهار لا تجتمعان؟
قلنا: الإيلاج قد يكون كما ذكرتم، وقد يكون مع تبدل صفة أحدهما
[أنموذج جليل: 42]
بغلبة صفة الآخر عليه مع بقاء ذاته فيه كإيلاج يسير من خبز في لبن كثير أو بالعكس فإن الحقيقتين مجتمعتان وزنًا، وصفة أحدهما غالبة على الأخرى، كذلك الليل والنهار إذا كان الليل أربع عشرة ساعة بالنسبة إلى زمن الاعتدال ففيه من النهار ساعتان قطعًا.
وكذا على العكس، أو معناه يولج زمن الليل في زمن النهار وبالعكس، أو يوج الليل في النهار وبالعكس باعتبار أن ليل قوم هو نهار آخرين وبالعكس، أو معناه أنه خلق ليلًا صرفًا خالصًا. ونهارًا
صرفًا خالصًا وخلق ما هو ممتزج منهما وهو ما قبيل طلوع الشمس وقبيل غروبها، والجواب الثالث والرابع يعمان جميع السنة.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:49 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: ما فائدة قوله (وليس الذّكر كالأنثى). وهو معلوم من غير ذكر؟
قلنا: هي ظنت أن ما في بطنها ذكر، ولهذا نذرت أن تجعله خادمًا لبيت المقدس، وكان من شريعتهم صحة هذا النذر في الذكور خاصة، فلما وضعت أنثى استحيت حيث خاب ظنها، ولم يتقبل نذرها.
فقالت ذلك معتذرة تعنى ليست الأنثى بصالحة لما يصلح له الذكر من خدمة المسجد، لا أنها أرادت
(أن) الأنثى ليست
[أنموذج جليل: 43]
كالذكر صورة أو قوة أو نحو ذلك، فلما قالت ذلك منكسرة خجلة من الله عليها بتخصيص مريم بقبولها في النذر دون غيرها من الإناث، وقال: (فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ).
فإن قيل: المستعمل في مثله إدخال حرف النفي على القاصر، وحرف التشبيه على الكامل كقولهم: ليس الفضة كالذهب، وليس العبد كالحر، فوزانه ليست الأنثى كالذكر؟
قلنا: لما كان جعل الأصل فرعًا والفرع أصلا في التشبيه في حالة الإثبات، يقتضى المبالغة في المشابهة كقولهم: القمر كوجه زيد، والبحر ككفه، كان يجعل الأصل فرعًا والفرع أصلا في حالة النفي
يقتضى نفى المبالغة في المتشابهة لا نفى المشابهة، وذلك هو المقصود هنا، لأن المشابهة واقعة بين الذكر والأنثى في أعم الأوصاف، وأغلبها، ولهذا يقاد أحدهما بالآخر، وإنما أرادت أم مريم نفي المشابهة بينهما في صحة النذرية خادمًا لبيت المقدس لا غير.
فلذلك عكست الثاني: إن ذلك قول الله تعالى، والمعنى ليس الذكر الذي طلبت أن يكون خادمًا للكنيسة كالأنثى التي وهبت لما علم الله
تعالى من جعلها وابنها آية للعالمين، وهو تفسير للتعظيم والتفخيم
المجمل في قوله تعالى: (واللّه أعلم بما وضعت).
وهي لا تعرف مقدار شرفه واللام في الذكر والأنثى للعهد، وهذا كله قول الزمخشري وتمامه في الكشاف، وقال الفقيه أبو الليث: قال بعضهم: هذا قول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم أي وليس الذكر
[أنموذج جليل: 44]
كالأنثى يا محمد، وقال بعضهم: هو من كلام أم مريم.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:50 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: كيف نادت الملائكة زكريا وهو قائم يصلى في المحراب وأجابها وهو في الصلاة كما قال تعالى: (فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب)؟
قلنا: المراد بقوله يصلى أي يدعو لقوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت). أي بدعائك
فإن قيل: ما فائدة تخصص يحيى عليه الصلاة والسلام وقوله: (أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه).
وكل واحد من المؤمنين مصدق بجميع كلمات الله تعالى؟
قلنا: معناه مصدقًا بعيسى الذي كان وجوده بكلمة من الله، وهي كن من غير واسطة أب، وكان تصديق يحيى بعيسى أسبق من تصديق كل أحد في الوجود أو في المرتبة.
فإن قيل: زكريا سأل الله الولد بقوله: (هب لي من لدنك ذرّيّةً طيّبةً). والله تعالى بشره بيحيى على لسان الملائكة، فكيف أنكر (بعد) هذا كله قدرة الله على إعطائه الولد حتى قال: (ربّ أنّى يكون لي غلامٌ وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرٌ)؟
قلنا إنما قاله على سبيل الاستفهام والتعجب من عظيم قدرة الله
[أنموذج جليل: 45]
تعالى، لا عن طريق الإنكار والاستبعاد، أو اشتبه عليه هل يعطى الولد وهو شيخ وامرأته عاقر أو تزول عنهما هاتان الصفتان، فسأل لكشف الحال
فتقديره " أنّى يكون لي غلامٌ وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرٌ " ولقائل أن يقول آخر الآية لا يناسب هذا الجواب.
فإن قيل: ما فائدة تكرار ذكر الاصطفاء في قوله تعالى: (إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك).
قلنا: الاصطفاء الأول للعبادة التي هي خدمة البيت المقدس، وتخصيصها بقبولها في النذر مع كونها أنثى، والاصطفاء الثاني لولادة عيسى عليه الصلاة والسلام أو أعيد ذكر الاصطفاء ليقيد
بقوله "على نساء العالمين" فيندفع وهم أنها مصطفاة على الرجال.
فإن قيل: كيف نفى حضور النبي عليه الصلاة والسلام في زمن مريم بقوله: (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم)...الآية، وذلك
معلوم عندهم ولا شك فيه، وترك نفى استماعه ذلك الخبر من حافظه، وهو الذي كانوا يتوهمونه؟
قلنا: كان معلومًا أيضًا عندهم علمًا يقينًا أنه ليس من أهل القراءة والرواية، وكانوا منكرين للوحي فلم يبق إلا المشاهدة والحضور، وهي في غاية الاستحالة فنفيت على طريق التهكم بالمنكرين للوحي مع علمهم أنه لا قراءة له ولا رواية، ونظيره قوله تعالى:
[أنموذج جليل: 46]
(وما كنت بجانب الغربيّ). (وما كنت بجانب الطّور).
فإن قيل: كيف قال: (اسمه المسيح عيسى ابن مريم).
والخطاب مع مريم وهي تعلم أن الولد الذي بشرت به ابنها؟
قلنا: لأن الأبناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، فأعلمت بنسبته إليها أنه يولد من غير أب فلا ينسب إلا إلى أمه.
فإن قيل: أي معجزة لعيسى عليه الصلاة والسلام في تكليم الناس كهلًا وأي خصوصية له في هذا حتى قال: (ويكلّم النّاس في المهد وكهلًا).
قلنا: معناه يكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء من غير تفاوت بين حال الطفولة وحال الكهولة التي يستحكم فيها العقل، وينبأ فيها الأنبياء، فكأنه قال: ويكلم الناس في المهد كما يكلمهم كهلًا.
وقال الزجاج: هذا خرج مخرج البشارة لمريم أنه عليه
الصلاة والسلام يبقى إلى زمن الكهولة، فهو بشارة لها بطول عمره.
وقيل: المقصود منه أن الزمان يؤثر فيه كما يؤثر في غيره، وينقله من حال إلى حال ولو كان إلهًا لم يجز عليه التغيير.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:51 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: كيف قال: (إنّي متوفّيك ورافعك إليّ).
والله تعالى رفعه ولم يتوفه؟
[أنموذج جليل: 47]
قلنا: لما هدده اليهود بالقتل بشره بأنه إنما يقبض روحه بالوفاة لا بالقتل. والواو لا تفيد الترتيب ليلزم من الآية موته قبل رفعه.
الثاني: أن فيه تقديمًا وتأخيرًا تقديره أنى رافعك ومتوفيك.
الثالث: أن معناه قابضك من الأرض تامًا وافيًا في أعضائك وجسدك لم ينالوا منك شيئًا، من قولهم: توفيت حقي على فلان إذا استوفيته تامًا. وافيًا.
الرابع: أن معناه أنى متوفيك نفسك بالنوم من قوله تعالى: (اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها).
ورافعك إلى وأنت نائم حي لا تخاف، بل تستيقظ وأنت في السماء آمن مقرب.
فإن قيل: كيف قال: (إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم).
وآدم (خلق من التراب، وعيس من الهواء)، وآدم خلق من غير أب وأم، وعيسى خلق من أم؟
قلنا: المراد به التشبيه في وجوده بغير واسطة، والتشبيه لا يقتضى المماثلة من جميع الوجوه بل من بعضها.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:51 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: كيف خص أهل الكتاب بأن منهم أمينًا وخائنًا بقوله: (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤدّه إليك)..الآية
والمسلمون وغيرهم من أهل الملل كذلك منهم الأمين والخائن؟
قلنا: إنما خصهم باعتبار واقعة الحال، فإن سبب نزول الآية أن عبد الله بن سلام أودع ألفًا ومائتي أوقية من الذهب فأدى الأمانة فيها،
[أنموذج جليل: 48]
وفنحاص بن عازوراء أودع دينارا فخانه، ولأن خيانة أهل الكتاب المسلمين يكون على استحلال بدليل آخر الآية، بخلاف خيانة المسلم المسلم فلذلك خصهم بالذكر.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:51 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: كيف قال: (وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا).
وأكثر الجن والأنس كفرة؟
قلنا: المراد بهذا الاستسلام والانقياد، لما قضاه عليهم وقدره من الحياة والموت والمرض والصحة والشقاء والسعادة ونحو ذلك.
فإن قيل: كيف قال: (إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم). ومعلوم أن المرتد كيفما ازداد كفرًا فإنه مقبول التوبة؟
قلنا: الآية نزلت في قوم ارتدوا ثم أظهروا التوبة بالقول لستر أحوالهم والكفر في ضمائرهم، قاله ابن عباس وقيل: نزلت في قوم تابوا من ذنوبهم غير الشرك، وقيل: معناه لن تقبل توبتهم وقت حضور
الموت.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:52 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: كيف قال: (إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة).
وكم من بيت بني قبل الكعبة من زمن آدم إلى زمن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام؟
قلنا: معناه أنه أول بيت وضع قبلة للناس ومكان عبادة لهم، أو وضع مباركًا للناس، ولأن ابن عباس قال: أول من بناه آدم عليه الصلاة والسلام لما أهبط من السماء أوحي الله إليه: ابن لي بيتًا في
[أنموذج جليل: 49]
الأرض وأصنع حوله نحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي، فبناه وجعل يطوف حوله.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:52 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: كيف قال: (كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس). ولم يقل أنتم خير أمة؟
قلنا: معناه كنتم في سابق علم الله، أو كنتم يوم أخذ الميثاق على الذرية فأراد الإعلام بكون ذلك صفة أصلية فيهم لا عارضة متجددة
أو معناه خلقتم ووجدتم فهي كان التامة، وخير أمة نصب على الحال وتمام الكلام في كان ذكرناه في قوله تعالى: (إنّه كان فاحشةً ومقتًا).
فإن قيل: كيف قال: (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا لهم).
ولا يصح أن يقال هذا خير من ذلك إلا إذ كان في كل واحد منهما خير؟
قلنا: معناه إيمانهم بمحمد عليه الصلاة والسلام، مع إيمانهم بموسى عليه الصلاة والسلام، مع إيمانهم بعيسى عليه الصلاة والسلام خير من إيمانهم بموسى وعيسى فقط.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:53 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: كيف قال: (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدّنيا كمثل ريحٍ فيها صرٌّ)...الآية) والمقصود تشبيه نفقة الكفار أموالهم في تحصيل المفاخر وطلب الصيت والسمعة أو ما ينفقونه في الطاعات مع وجود الكفر
أو ما ينفقونه في عداوة رسول الله صلى
[أنموذج جليل: 50]
الله عليه وسلم بالزرع الذي أصابته ريح شديدة البرد فأهلكته فضاع ولم ينتفع به، فالتشبيه في الحقيقة بالزرع، وفى لفظ الآية بالريح؟
قلنا: فيه إضمار تقديره مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح فيها صر، أو مثل ما ينفقون كمثل مهلك ريح، ونظيره قوله تعالى: (مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ)....الآية).
وقوله: (ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق)...الآية).
وقال ثعلب: فيه تقديم وتأخير تقديره كمثل
حرث قوم ظلموا أنفسهم أصابتهم ريح فيها صر فأهلكته.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:53 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: كيف قال: (إن تمسسكم حسنةٌ تسؤهم وإن تصبكم سيّئةٌ يفرحوا).
فوصف الحسنة بالمس والسيئة بالإصابة؟
قلنا: المس مستعار بمعنى الإصابة، فكان المعنى واحد ألا ترى إلى قوله تعالى: (إن تصبك حسنةٌ تسؤهم
وإن تصبك مصيبةٌ).
وقوله تعالى: (ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك).
وقوله تعالى: (إنّ الإنسان خلق هلوعًا (19) إذا مسّه الشّرّ جزوعًا (20) وإذا مسّه الخير منوعًا).
[أنموذج جليل: 51]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:54 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: كيف قال: (وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم).
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: العجلة من الشيطان والتأني من الرحمن؟
قلنا: قد استثنى النبي عليه الصلاة والسلام خمسة مواضع فقال: إلا في التوبة من الذنب، وقضاء الدين الحال، وتزويج البكر البالغة.
ودفن الميت، وإكرام الضيف إذا نزل، والمسارعة المأمور بها في الآية هي المسارعة إلى التوبة وما في معناها من أسباب المغفرة.
فإن قيل: كيف قال: (والّذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم). عطفه عليهم بكلمة أو فعل الفاحشة داخل في ظلم النفس وهو (من) أبلغ أنواع ظلم النفس؟
قلنا: أريد بالفاحشة نوع من أنواع ظلم النفس، وهو الزنا أو كل كبيرة فخص بهذا الإثم تنبيهًا على زيادة قبحه، وأريد بظلم النفس ما وراء ذلك من الذنوب.
فإن قيل: كيف قال هنا: (ومن يغفر الذّنوب إلّا اللّه).
وقال في موضع آخر: (وإذا ما غضبوا هم يغفرون).
قلنا: معناه ومن يستر الذنوب من جميع الوجوه إلا الله، ومثل هذا الغفران لا يوجد إلا من الله تعالى.
فإن قيل: كيف قال: (أفإن مات أو قتل) وهنا اقتصر على
[أنموذج جليل: 52]
قوله " أفإن مات "، وكان القتل يدخل فيه، فإنه موت؟
قلنا: القتل وإن كان موتًا، ولكن إذا أطلق الميت في العرف لا يفهم منه المقتول فلذلك عطف أحدهما على الآخر.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:54 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: كيف قال: (ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة).
وقال في موضع آخر: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أوّل مرّةٍ)؟
قلنا: معناه يأتي به مكتوبًا في ديوانه أو يأتي حاملا لإثمه، ومعنى فرادى منفردين عن الأموال والأهل أو عن الشركاء في الغي أو عن الآلهة المعبودة من دون الله، وتمام الآية يشهد للكل.
فإن قيل: جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن الغال يأتي يوم القيامة حاملا عين ما غله على عنقه صامتًا كان أو ناطقًا " هذا معنى الحديث، فاندفع الجواب؟
قلنا: على هذا يكون المراد بالآية الأخرى فرادى عن مال وأهل تعتزون بهما وتستنصرون، ويشهد بصحته تمام الآية.
فإذ قيل: كيف قال: (هم درجاتٌ عند اللّه).
(والعبيد ليسوا نفس الدرجات؟
قلنا: فيه إضمار تقدير هم درجات، أو أهل درجات فحذف المضاف لعدم الالتباس.
وقيل: المراد: بالدرجات الطبقات فلا يكون.
[أنموذج جليل: 53]
فيه إضمار، بل معناه أنهم طبقات عند الله تعالى يتفاوتون كتفاوت الدرجات.
فإن قيل: كيف جعل لكلا الفريقين درجات، وأحد الفريقين لهم دركات لا درجات؟
قلنا: الدرجات تستعمل في الفريقين بدليل قوله تعالى في سورة الأحقاف بعد ذكر الفريقين: (ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا).
وتحقيقه أن بعض أهل النار أخف عذابًا فمكانه فيها أعلى. وبعضهم أشد عذابًا فمكانه فيها أقل ولو سلم اختصاص الدرجات بأهل الجنة لقوله:
(هم درجات) فيكون راجعًا إليهم خاصة بتقديره. أفمن اتبع رضوان الله وهم درجات عند الله كمن باء بسخط من الله وهم دركات؟
إلا أنه حذف البعض لدلالة المذكور عليه.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:55 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: (الّذين قالوا إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء).
كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا ذلك لما سمعوا قوله تعالى: (من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا).
فكيف قال: (سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء). أي ونكتب قتلهم الأنبياء وهم لم يقتلوا أنبياء قط؟
قلنا: لما رضوا بقتل أسلافهم الأنبياء كان كأنهم باشروا ذلك فأضيف
[أنموذج جليل: 54]
إليهم، وقد تكرر هذا المعنى في القرآن كثيرًا.
فإن قيل: كيف قال: (وأنّ اللّه ليس بظلّامٍ للعبيد).
وظلام صيغة مبالغة من الظلم، ولا يلزم منه نفى الظالم، وعلى العكس يلزم فهلا قال: ليس بظالم ليكون أبلغ في نفى الظلم عن ذاته المقدسة؟
قلنا: صيغة المبالغة جيء بها لكثرة العبيد لا كثرة الظلم كما قال تعالى: (ولا يظلم ربّك أحدًا).
وقال: (عالم الغيب) و(علّام الغيوب).
لما أفرد المفعول لم يأت بصيغة المبالغة.
ولما جمعه أتى بصيغة المبالغة، ونظيره قولهم: زيد ظالم لعبده، وعمرو ظلام لعبيده فهما في الظلم سيان، وكذا قال تعالى: (محلّقين رءوسكم) فشدد لكثرة الفاعلين لا لتكرار الفعل.
والثاني: أن العذاب من العظيم القدير الكثير العدل لولا سبق الجناية يكون أفحش وأقبح من الظلم ممن ليس عظيم القدر (كثير) العدل فيطلق
عليه اسم الظلام باعتبار زيادة قبح الفعل منه لا باعتبار تكرره، فحاصله أن صيغة المبالغة (تارة) تكون باعتبار زيادة ذات الفعل
[أنموذج جليل: 55]
وتارة باعتبار صفته ففعل الظلم لو وجد من الله تعالى وتقدس لكان أعظم من ألف ظلم يوجد من عبيده باعتبار زيادة وصف القبح ونظيره قوله تعالى: (وحملها الإنسان إنّه كان ظلومًا جهولًا).
على ما يأتي بيانه في موضعه إن شاء الله.
فإن قيل: في قوله تعالى: (فإن كذّبوك فقد كذّب رسلٌ من قبلك). من حق الجزاء أن يتعقب الشرط، وهنا سابق له؟
قلنا: معناه وإن يكذبوك فتأس بتكذيب الرسل قبلك، وضعًا وهو تكذيبهم موضع المسبب وهو التأسي بهم.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:55 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: ما فائدة قوله تعالى: (ولا تكتمونه) في قوله: (وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه).
والأول مغن عن الثاني؟
قلنا: معناه ليبيننه في الحال ويدومون على ذلك البيان فلا يكتمونه في المستقبل.
الثاني: أن الضمير الأول للكتاب، والثاني: لنعت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ه، فإنه قد سبق ذكر النبي عليه الصلاة والسلام قبيل هذا.
فإن قيل: متى بينوا الكتاب لزم بيانه بيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم وذكره.
لأنه من جملة الكتاب الذي هو التوراة والإنجيل فقوله بعد ذلك (لا تكتمونه). تكرار؟
قلنا: على هذا يكون تأكيدًا.
[أنموذج جليل: 56]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:56 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: كيف قال: (ربّنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته)
وقال في موضع آخر: (يوم لا يخزي اللّه النّبيّ والّذين آمنوا معه).
ويلزم من هذا أن لا يدخل المؤمنون النار كما قالت
المعتزلة والخوارج؟
قلنا: أخزيته بمعنى أذللته وأهنته من الخزي، وهو الذل والهوان.
وقوله: (يوم لا يخزي اللّه النّبيّ والّذين آمنوا معه).
من الخزاية وهي النكال والفضيحة فكل من يدخل النار يذل، وليس كل من دخلها ينكل به ويفضح
أو المراد بالآية الأولى إدخال الإقامة والخلود، لا إدخال تحلة القسم المدلول عليها بقوله تعالى: (وإن منكم إلّا واردها).
أو إدخال التطهير الذي يكون لبعض المؤمنين بقدر ذنوبهم، وقيل: أن قوله تعالى: (يوم لا يخزي اللّه النّبيّ).
كلام تام وقوله: (والّذين آمنوا معه). كلام مبتدأ غير معطوف على ما قبله.
فإن قيل: كيف قال: (سمعنا مناديًا). والمسموع نداء المنادى وقوله، لا نفس المنادى؟
قلنا: لما قال مناديًا ينادى صار تقديره نداء مناد كما يقال سمعت زيدًا يقول كذا أي سعت قول زيدا.
فإن قيل: ما فائدة قوله: (ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنّا سيّئاتنا).
[أنموذج جليل: 57]
وتكفير السيئات داخل في غفران الذنوب؟
قلنا: الغفران مجرد فضل، والتكفير محو السيئات بالحسنات.
فإن قيل: ما فائدة قولهم: (وتوفّنا مع الأبرار). (مع أنهم لا ينفعهم توفيهم مع الأبرار). بل النافع لهم كونهم مع الأبرار سواء توفاهم معهم أو قبلهم أو بعدهم؟
قلنا: معناه وتوفنا مخصوصين بصحبتهم معدودين في جملتهم، كما يقال: أعطاني الأمير مع أصحاب الخلع والجوائز أي جعلني من جملتهم، وإن تقدم إعطاؤه عنهم أو تأخر.
فإن قيل: كيف قالوا: (وآتنا ما وعدتنا على رسلك). أي على لسان رسلك دعوة بانجاز الوعد مع علمهم وقولهم أيضا: (إنّك لا تخلف الميعاد)؟
قلنا: الوعد من الله تعالى على ألسنة الرسل للمؤمنين عام يحتمل أن يراد به الخصوص، كما في أكثر عمومات القرآن، فسألوا الله تعالى أن يجعلهم من الداخلين في حكم الوعد الثاني: سألوا تعجيل النصر الذي وعدوا، فإنه تعالى وعدهم النصر على أعدائهم غير مؤقت بوقت خاص.
فإن قيل: كيف يجوز أن يغتر الرسول بنعمة الذي كفروا حتى نهي
[أنموذج جليل: 58]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 26 ربيع الأول 1432هـ/1-03-2011م, 12:57 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

عنه بقوله: (لا يغرّنّك تقلّب الّذين كفروا في البلاد).
أي تصرفهم فيها بالتجارات متنعمين؟
قلنا: معناه لا يغرنكم أيها المؤمنون، فإن رئيس القوم ومقدمهم يخاطب بشيء والمراد به أتباعه وجماعته، الثاني: أنه عليه الصلاة والسلام كان غير مغتر بحالهم فقيل له ذلك تأكيدًا لما كان عليه وتثبيتًا على الدوام عليه.
كما قيل له: (فلا تكوننّ ظهيرًا للكافرين).
(ولا تكوننّ من المشركين) (فلا تطع المكذّبين).
فإن قيل: كيف نهي عن التقلب وهو ليس مما ينهي؟
قلنا: معناه لا تغتر بتقلبهم فيكون تقلبهم قد غرك، وهذا من تنزيل السبب منزلة المسبب لأن تقلبهم لو غره لأغتر به، فمنع السبب وهو غرور تقلبهم إياه، فيمتنع المسبب وهو اغتراره بتقلبهم.
فإن قيل: كيف قال: (لا يغرّنّك تقلّب الّذين كفروا في البلاد).
ولم يقل: "لا يغرنك نعمهم وأموالهم " والذي يحتمل أن يغر الرسول والمؤمنين النعم والأموال لا التقلب في البلاد؟
قلنا: المراد بتقلبهم تصرفهم في التجارات والتنعم والتلذذ بالأموال، والفقير إنما يتألم وينكسر قلبه إذا رأى الغنى يتقلب في النعمة
[أنموذج جليل: 59]
ويتمتع بها، فلذلك ذكر التقلب، وقيل: معناه لا يغرنك تقلبهم في المعاصي غير مأخوذين بذنوبهم.
فإن قيل: كيف قال: (أولئك لهم أجرهم عند ربّهم إنّ اللّه سريع الحساب). وقوله لهم " أجرهم عند ربهم " موضع البشارة بالثواب وسرعة الحساب، إنما تذكر في موضع التهديد والعقاب؟
قلنا: معناه (لا يشترون بآيات اللّه ثمنًا قليلًا). خوفًا من حسابه، فإنه سريع الحساب، فهو راجع إلى ما قبله.
[أنموذج جليل: 60]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لم, سورة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:19 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir