دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #19  
قديم 29 ربيع الثاني 1438هـ/27-01-2017م, 01:02 AM
هبة الديب هبة الديب غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,274
افتراضي

في قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (الأنعام: 125)

في هذه الآية الكريمة يبين لنا الله تعالى فيها جانبا من بلاغة كتابه وأساليبه البيانية البديعية ؛من استعارة وتشبيه وطباق وجناس وحذف وغير ذلك من أنواع البيان اللغوي ، تضفي عليه بيانا فوق بيانه ، وتزيده حلة فوق حلته ، فسبحان من أكرم عباده بهذه النعمة ، نعمة فيها الهداية والاستقامة والراحة والطمأنينة، وله من الأوصاف التي لو أدركها العبد لتشبث به ليلا ونهارا لا يبتغي غيره .

فبين الهداية وشرح الصدر وبين الضلال وضيق الصدر طباق واضح يتضح من خلال تفسير الآية.

تبين لنا الآية الكريمة أنّ الأسباب الظاهرة أمامنا لهداية العباد للإسلام متعددة ،لكنّ المؤثر الحقيقي في ذلك هو الهدي الرباني الموفق لذلك .
يقول تعالى "فمن يرد الله أن يهديه" ، من :اسم الشرط، يرد : فعل الشرط، فإرادة الله ومشيئته هي المؤثرة ، وغيرها مجرد أسباب .
الهداية تأتي في كتاب الله تعالى على معنيين: إما بمعنى الإرشاد والدلالة كما في قوله تعالى :"وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " وهذا النوع مثبت للأنبياء والرسل ومن سار على نهجهم، هم أسباب قد يؤثرون بأمر الله ، وهذا النوع من الهداية شمل جميع عباد الله سواء من آمن منهم أو لم يؤمن؛ فالرسل والأنبياء جاءوا لجميع الأمم قال تعالى :" وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " ، والمعنى الثاني من الهداية مختص بالله تعالى وحده وهي هداية التوفيق، هذه الهداية خصّها الله تعالى بمن شاء من عباده ، وهي المرادة في الآية معنا، وهي كما قال تعالى في سورة مريم :" ويزيد الله الذين اهتدوا هدى " ، وكما في قوله تعالى في سورة المائدة :"يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ".

كيف يهيئ الله تعالى العبد للإسلام ؟
فمن شاء تعالى هدايته:" يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ " هنا جواب الشرط ، الشرح في اللغة :الفتح والبيان والكشف، أييفتح قلبه و يوسعه للإسلام فيدخل فيه النور فينشرح صدره لقبول الشرع ،قال أبي جعفر لما نزلت هذه الآية: {فَمَنْ يُرِدَ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ} قالوا: كيف يشرح الصدر؟ قال: «إذا نَزَلَ النُّورُ في القَلْبِ انْشَرَحَ له الصَّدْرُ وانْفَسَحَ». قالوا: فهل لذلك آية يعرف بها؟ قال: «نَعَمْ، الإنَابَةُ إلى دَار الخُلُودِ، والتَّجَافي عن دَارِ الغُرُورِ، والاسْتِعْدَادُ للمَوْتِ قَبْلَ الفَوْتِ».

في المقابل من أراد الله تعالى إضلاله، كيف سيكون حاله؟ "وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا " ضيّق عليه صدره فلا يتسع لقبول الحق لانشغاله بالباطل وانغماسه في الشبهات والشهوات ،فغلب الكفر عليه .
أمّا الحَرَجُ فجمع حَرَجة: وهي الشجرة الملتفّ بها الأشجار، لا يدخل بينها وبينها شيء لشدّة التفافها بها.
وقد ذُكر الحرج في القرآن على ثلاثة أوجه كما ذكر جمال الدين أبو الفرج الجوزي في كتابه نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنواظر .
بمعنى الضيق ؛كقوله تعالى :" ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج" المائدة، وبمعنى الشك :كقوله تعالى :" ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت " النساء.
وبمعنى الإثم كما في قوله تعالى :" ليس على الأعمى حرج .."

، لكن لنلحظ أنّ الله تبارك وتعالى قال ضيّقا حرجا ،فهل هناك فرق في اللفظتين ؟
العلماء في هذه المسألة اختلفوا على أقوال :

1: منهم من رأى أنها من باب توالي الخاص بعد العام، قال ابن القيم في شفاء العليل أنّ الحرج هو الشديد الضيّق ، قال الزجاج :الحرج أضيق الضيق.
2: الضيق أحد معاني الحرج ولوازمه، ويظهر ذلك في معاجم اللغة ،ذكر أبو الراغب الأصفهاني:الحرج:اجتماع أشياء،ويلزمه الضيق فاستعمل فيه،ثم قيل حرج إذا قلق وضاق صدره،ثم استعمل في الشك لأن النفس تقلق منه ولا تطمئن .
3: ومنهم من رأى أنه تكرار يفيد التأكيد لمعنى الضيق ،كقول مكي بن أبي طالب وكذلك ابن عاشور.

وسواء أكان المعنى للتأكيد أو أضاف معنى جديد، فكليهما يدور حول ضيق صدر الضال وشدته ؛ ثم وصف الله تعالى هذا الضيق بقوله :"كأنما يصّعدُ في السماء "، والصُّعود من صعد المكان ، وفيه صعودا وأصعد وصعد : ارتقى مشرفا واستعاره بعض الشعراء للعرض الذي هو الهوى ، فقال : فأصبحن لا يسألنه عن بما به أصعد في علو الهوى أم تصوبا
والصعود : الذهاب إلى مكان عال، والسماء من السمو :أي العلو.

وكما قال القرطبي؛ هذا مثل من الله تعالى ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه مثل امتناعه من الصعود إلى السماء "، وأضاف الألوسي أن في ذلك تنبيه على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود.فلا يستطيع قبول الإيمان ،فشبه البعد عن قبول الإيمان كالبعد بالصعود من الأرض إلى السماء .

إذن ..
كان لدينا تطابق في الآية من جهتين ، مطابقة بين الهداية والضلال ، وبين الانشراح والضيق ، ثم أتي بمثل ليقرب المعنى .

والعبرة أنّه على قدر ما معك من التوحيد يكون انشراح صدرك ، وكذلك يلازم الضيق ضلال صاحبه ، وهذا أيضا يلمسه أهل الإيمان فالإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالطاعات فييضفي على صاحبه الانشراح والسرور ،وكلما بادر بالمعاصي تراه يشعر بضيق قد يغفل أن سببه معاصي تؤثر عليه .
أمّا حال الضال عن سبيل الله، فوصفه تعالى بعكس أهل الإيمان ، فهو في أشد حالات الضيق عند سماعه لدعوة الله تعالى وكأنّه كلف بما لا يطيق .


نسأل الله تعالى أن يشرح صدورنا بالعلم عنه ويثبتنا على دينه ويجنبنا طريق أهل الضلال .

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir