دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > الرحبية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 04:53 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب أسباب الميراث

باب أسبابِ الميراثِ

أَسْبابُ مِيراثِ الْوَرى ثَلاثَهْ = كُلٌّ يُفِيدُ رَبَّهُ الوِراثَهْ
وَهْيَ: نِكاحٌ، وَولاءٌ ، وَنَسَبْ = مَا بَعْدَهُنَّ لِلمَوارِيثِ سَبَبْ


  #2  
قديم 3 ذو الحجة 1429هـ/1-12-2008م, 09:35 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الفوائد الشنشورية للشيخ: عبد الله الشنشوري الشافعي

(بابُ أسبابِ الميراثِ)
أيْ: ومَوَانِعِهِ. والبابُ لُغَةً: المدخلُ إلى الشيءِ. واصطلاحاً: اسمٌ لجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ من العلمِ تَحْتَهُ فصولٌ ومسائلُ غالباً. والأسبابُ: جمعُ سببٍ، وهوَ لُغَةً: ما يُتَوَصَّلُ بهِ إلى غَيْرِهِ. واصطلاحاً: ما يَلْزَمُ منْ وُجُودِهِ الوجودُ، ومنْ عَدَمِهِ العدمُ لذَاتِهِ.
والميراثُ: يُطْلَقُ بمعنى الإرثِ، وهوَ المقصودُ بالترجمةِ، وهوَ لُغَةً: البقاءُ، وانتقالُ الشيءِ منْ قومٍ إلى قومٍ آخرينَ. وهوَ مصدرُ وَرِثَ الشيءَ وِرَاثَةً ومِيرَاثاً وَإِرْثاً. وأَصْلُهُ الواوُ، فَقُلِبَتْ همزةً.
ويُطْلَقُ بمعنى: المَوْرُوثِ، والتُّرَاثِ، وهوَ لُغَةً: الأصلُ والبَقِيَّةُ. ومنهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ: ((اثْبُتُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثِ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ))؛ أيْ: أَصْلِهِ وبَقِيَّتِهِ منهُ. وشَرْعاً: ما ضَبَطَهُ القاضي فضلُ الدِّينِ الخَوْنَجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بأنَّهُ: حَقٌّ قَابِلٌ للتَّجَزِّي، يَثْبُتُ لمُسْتَحِقٍّ بعدَ مَوْتِ مَنْ كانَ لهُ ذلكَ؛ لقرابةٍ بَيْنَهُمَا، أوْ نَحْوِها.
وقدْ ذَكَرْتُ ما في هذا الضابطِ في (شرحِ الترتيبِ).

أسبابُ مِيرَاثِ الوَرَى ثلاثهْ = كُلٌّ يُفِيدُ رَبَّهُ الوِرَاثَهْ
(أسبابُ ميراثِ)؛ أيْ: إِرْثِ (الوَرَى)؛ أي: الآدَمِيِّينَ، وإنْ كانَ (الوَرَى) في الأصلِ: الخلقَ، (ثلاثَهْ) مُتَّفَقٌ عليها (كُلٌّ) من الأسباب الثلاثةِ (يُفِيدُ رَبَّهُ)؛ أيْ: صَاحِبَهُ، والمرادُ: المُتَّصِفُ بهِ (الوِرَاثَهْ)؛ أي: الإرثَ.
وَهْيَ نِكَاحٌ وَوَلاءٌ وَنَسَبْ = ما بَعْدَهُنَّ لِلْمَوَارِيثِ سَبَبْ
(وَهْيَ)؛ أي: الأسبابُ الثلاثةُ.
أَوَّلُها: (نِكَاحٌ)، وهوَ: عقدُ الزَّوْجِيَّةِ الصحيحُ، وإنْ لمْ يَحْصُلْ وَطْءٌ، ولا خَلْوةٌ، ويُوَرِّثُ من الجانبَيْنِ؛ لقولِهِ تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} إلى آخرِهِ. ويَتَوَارَثُ الزوجانِ في عِدَّةِ الطلاقِ الرَّجْعِيِّ باتِّفَاقِ الأَئِمَّةِ الأربعةِ.
ولوْ كانَ الطلاقُ في الصِّحَّةِ، لا الزَّوْجَةُ المُطَلَّقَةُ بَائِناً في مرضِ الموتِ عندَنا، خلافاً للأئِمَّةِ الثلاثةِ؛ فإنَّها تَرِثُ عندَ الحَنَفِيَّةِ ما لمْ تَنْقَضِ عِدَّتُها.
وعندَ الحَنابِلَةِ: ما لمْ تَتَزَوَّجْ، وعندَ المالكيَّةِ: ولو انْقَضَتْ عِدَّتُها، واتَّصَلَتْ بأزواجٍ. عندَ المالكيَّةِ أيضاً: لوْ تَزَوَّجَ المريضُ في مرضِ الموتِ امرأةً فالعقدُ باطلٌ، ولا تَرِثُهُ، ولوْ تَزَوَّجَت المريضةُ في مرضِ الموتِ رجلاً لمْ يَرِثْهَا.
(وَ) ثَانِيهَا (وَلاءٌ)، وهوَ بِفَتْحِ الواوِ، ممدودٌ، والمرادُ: ولاءُ العَتَاقَةِ، وهوَ: عَصُوبَةٌ سَبَبُها نعمةُ العتقِ على رقيقٍ؛ لقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((إِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ))، ويرثُ بهِ المُعْتِقُ منْ حيثُ كَوْنُهُ مُعْتِقاً، وعَصَبَتُهُ المُتَعَصِّبُونُ بأَنْفُسِهِم على تفصيلٍ سيأتي بعْضُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى آخرَ الكتابِ؛ لقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((الْوَلاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لا يُبَاعُ وَلا يُوهَبُ))، رواهُ الشافعيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
وقدْ يَرِثُ العتيقُ المُعْتِقَ، كما لو اشْتَرَى ذِمِّيٌّ عبداً وأَعْتَقَهُ، ثمَّ التحقَ السَّيِّدُ بدارِ الحربِ فَاسْتُرِقَّ، فَاشْتَرَاهُ عَتِيقُهُ فَأَعْتَقَهُ، فَكُلٌّ منهما يَرِثُ الآخرَ حيثُ لا مانعَ منْ حيثُ كَوْنُهُ مُعْتِقاً لا منْ حيثُ كَوْنُهُ عَتِيقاً.
(و) ثالِثُها (نَسَبٌ)؛ أيْ: قَرَابَةٌ، وهيَ الأُبُوَّةُ، والبُنُوَّةُ، والإِدْلاءُ بأَحَدِهِما، فَيَرِثُ بها الأقاربُ، وهُم: الأصولُ، والفروعُ، والحواشي؛ للآياتِ الكريمةِ والأحاديثِ الصحيحةِ، وما أُلْحِقَ بذلكَ بإجماعٍ أوْ قياسٍ على تفصيلٍ سيأتي بَعْضُهُ. ويُوَرَّثُ بهِ من الجانبَيْنِ تارةً كالابنِ معَ أَبِيهِ، والأخِ معَ أخيهِ، ومنْ أحدِ الجانبَيْنِ أُخْرَى كالجَدَّةِ أُمِّ الأُمِّ معَ ابنِ بِنْتِهَا.
وأَخَّرَ القرابةَ –وإنْ كَانَتْ أَقْوَى الأسبابِ– لأجلِ تَهَيُّؤِ النظمِ، ولطولِ الكلامِ عليها؛ لأنَّ أكثرَ الأحكامِ الآتيَةِ فيها.
وقولُهُ: (ما بَعْدَهُنَّ)؛ أيْ: هذهِ الأسبابِ (للمواريثِ) جمعُ ميراثٍ بمعنى الإرثِ (سبَبْ)؛ أيْ: مُتَّفَقٌ عليهِ، وإلاَّ فَهُنَاكَ سببٌ رابعٌ مُخْتَلَفٌ فيهِ، وهوَ جِهَةُ الإسلامِ، فَيَرِثُ بهِ بيتُ المالِ إذا كانَ مُنْتَظِماً عِنْدَنَا على الأرجحِ، وسواءٌ كانَ منتظماً أمْ لا على الأرجحِ عندَ المالكيَّةِ، ولا يَرِثُ عندَ الحَنَفِيَّةِ والحَنابِلَةِ. والكلامُ فيهِ مِمَّا يَطُولُ فَرَاجِعْهُ في كِتَابِنَا (شَرْحِ الترتيبِ).


  #3  
قديم 3 ذو الحجة 1429هـ/1-12-2008م, 09:38 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الشيخ: إبراهيم الباجوري على الفوائد الشنشورية


(بابُ أسبابِ الْمِيراثِ)
أي بابُ بيانِ أسبابِ الإرثِفالميراثُ بمعنى الإرْثِ, وإن كان يُستعمَلُ بمعنى الموروثِ أيضًا كما سيَذكرُه الشرْحُ وإنما بُوِّبَت الكتُبُ؛لأنه أسهَلُ في وِجدانِ المسائلِ وأَدْعَى لحُسْنِ الترتيبِ والنظْمِ, ولأن القارئَإذا خَتَمَ بابًا, وشَرَعَ في آخَرَ كان أنشَطَ وأبعَثَله كالمسافرِ إذا قَطَعَ فرسخًا وشرَعَ في آخَرَ, ولذا كان القرآنُ سُوَرًاواعتُرِضَ على الترجمةِ بأن فيها قصوراً؛لأنه كما ذَكَرَ أسبابَ الإرثِ ذَكَرَ موانعَه, وأُجيبَ بأنَّفيه حذْفَ الواوِ مع ما عَطَفَتْ, فيكونُ فيه اكتفاءٌ كما أَشارَ إليه الشرْحُ بقولِه أي وموانعُه واعتذَرَ بعضُهم بأن الترجمةَ لشيءٍ والزيادةَ عليه لاتُعَدُّ عيبًا, وإنما يُعَدُّ عيبًا الترجمةُ لشيءٍ والنقصُ عنه, ومَحَلُّ ذلك إذا كان التبويبُ من المؤلِّفِ كما لا يَخْفَى, وقد قيلَ:إن الناظمَ لم يُترْجِمْ, وعليه فلا يَظهرُ ذلك كما قالَه الأستاذُ الحفنيُّ وقالَ الشيخُ الأميرُ:إنه يَظهَرُ, ولو كان المترْجِمُ غيرَ المصنِّفِ؛ لأنه يُنَزَّلُ منزِلتَه قالَ ولا يَظهَرُ فرْقٌ خلافًا لما في الحاشيةِ.
(قولُه: والبابُ إلخ) قد اشتَمَلَت الترجمةُ على ثلاثةِ ألفاظٍ؛ الأوَّلُ لفظُ البابِ, والثاني لفظُ الأسبابِ, والثالثُ الميراثُ, وقد أَخَذَ الشرْحُ يَتكلَّمُ عليها على هذا الترتيبِ .
(قولُه: الْمَدخلُ) أي: والمَخرجُ ففيه حذْفُ الواوِ مع ما عَطَفَتْ والمرادُ بالْمَدخلِ بفتْحِ الميمِ مكانُ الدخولِ, لا نفسُ الدخولِ,ولازمانُه, وإن صلَحَ لهما وَضْعًا؛لأنه مصدرٌ ميميٌّ وحينئذٍ فالجارُّ والمجرورُ بعدَه مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ أي: للوصْلِ إلى الشيءِ؛لأن اسمَ المكانِ لا يَعمَلُ حتى في الجارِّ والمجرورِ وعديلِه وهو الظرْفُ.
(قولُه: واصطلاحًا اسمٌ لجملةٍ مختصَّةٍ) أي: متميِّزةٍ وقولُه: من العلْمِ لا يَتمشَّى على التحقيقِ من أن أسماءَ التراجمِ موضوعةٌ للألفاظِ المخصوصةِ الدالَّةِ على المعاني المخصوصةِ إلا أن يُقدَّرَ مضافٌ بأن يُقالَ من دالِّ العلْمِ بمعنى المسائلِ المدلولةِ للألفاظِ المخصوصةِ وقولُه: تحتَه فصولٌ ومسائلُ أي: يَندرِجُ تحتهَ إلخ وكان عليه أن يقولَ تحتَه فصولٌ وفروعٌ ومسائلُ غالبًا, والاندراجُ المذكورُ من اندراجِ الأجزاءِ تحتَ كلِّها, ومَحَلُّهُ بالنسبةِ للمسائلِ إن أُريدَ بها الجمَلُ وإن أُريدَ منها المعاني كان اندراجُها تحتَ البابِ من اندراجِ المدلولِ تحتَ الدالِّ, وعليه فالمرادُ بالاندراجِ ما يَشمَلُ اندراجَ الأجزاءِ تحتَ كلِّها, وهذا بالنسبةِ للفصولِ واندراجَ المدلولِ تحتَ دالِّه وهذا بالنسبةِ للمسائلِ, وقولُه: غالبًا راجعٌ لهما وقد لا يُذكَرُ فيه الأفْصلُ كبابِ أمَّهاتِ الأولادِ وقد لا يُذكَرُ فيه إلامسألةٌ واحدةٌ واتَّفَقَ ذلك في نحوِ البخاريِّ فيَعقِدُ للحديثِ في الحكْمِ الواحدِ بابًا والحاصلُ أن أسماءَ التراجمِ المشهورةِ خمسةٌ؛ الأوَّلُ كتابٌ وهو اسمٌ لجملةٍ مختصَّةٍ مشتَمِلَةٍ على أبوابٍ وفصولٍ وفروعٍ ومسائلَ غالبًا, والثاني بابٌ وهو اسمٌ لجملةٍ مختصَّةٍ مشتَمِلَةٍ على فصولٍ إلخ, والثالثُ فصلٌ وهو اسمٌ لجملةٍ مختصَّةٍ مشتملةٍ على فروعٍ إلخ, والرابعُ فرْعٌ وهو اسمٌ لجملةٍ مختصَّةٍ مشتمِلَةٍ على مسائلَ إلخ والخامسُ مسألةٌ و هي تُطلَقُ على مجموعِ القضيَّةِ, وعلى النسبةِ وتُعرَّفُ بأنها مطلوبٌ خَبَريٌّ يُبرهَنُ عليه في العلْمِ ومعانيها اللُّغويَّةُ لا تَخْفَى عليك .
(قولُه: والأسبابُ إلخ) لما تَكلَّمَ على الكلمةِ الأُولى من الترجمةِ شَرَعَ يَتكلَّمُ على الكلمةِ الثانيةِ منها .
(قولُه: وهو لغةً ما يُتوَصَّلُ به إلى غيرِه) أي: سواءٌ كان حِسِّيًّا كالحبْلِ ومنه قولُه: تعالى :{ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ } أو معنويًّا كالعلْمِ فإنه سببٌ للخيرِ ومنه قولُه تعالى: { وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا }فإن بعضَهم فسَّرَه بالعلْمِ .
(قولُه: واصطلاحًا ما يَلْزَمُ إلخ) هذا ما عَرَّفَه به كثيرون وعَرَّفَه الآمِدِيُّبأنه كلُّ وصْفٍ ظاهرٍ منضبِطٍ معرِّفٍ لِحُكْمٍ شَرْعيٍّ وهو أنسبُ لكونِه تعريفًا للسببِ الشرعيِّ الذي الكلامُ فيه, ولا يَضُرُّ الإتيانُ فيه بكلٍّ؛لأنه قَصَدَ جَعْلَه ضابطًا محيطًا فأتى بكلٍّ المفيدةِ للإحاطةِ والتعريفُ الأوَّلُ يَشمَلُ العقليَّ كالنظَرِ فإنه سببٌ عقليٌّ للعلْمِ على المختارِ, والشرعيَّ كالصيغةِ الموضوعةِ للعِتْقِ فأنها سببٌ له, والعاديَّ كحَزِّ الرقبةِ فإنه سببٌ للقتْلِ .
(قولُه: لذاتِه) راجعٌ للطرَفين فكأنه قالَ: ما يَلزَمُ من وجودِه الوجودُ لذاتِه ويَلزَمُ من عدمِه العدمُ لذاتِه, وهو في الأوَّلِ لدفْعِ ما قد يُقالُ يُرَدُّ على التعريفِ بالنظرِ للشِّقِّ الأوَّلِ مالو اقترَنَ بالسببِ مانعٌ أو فُقِدَ شرطٌ كأن اقترَنَ بالقَرابةِ قتْلٌ أو عدمُ تحقُّقِ حياةِ الوارثِ بعدَ موتِ المورِّثِ فإنه لم يَلزَمْ من وجودِه الوجودُ لكن لا لذاتِه بل لمانعٍ أو لفقْدِ شرطٍ, وفي الثاني لدفْعِ ما قد يُقالُ يَرِدُ على التعريفِ بالنظَرِ للشِّقِّ الثاني ما إذا وُجِدَ المسبَّبُ عندَ عدمِ السببِ؛ لكونِه خلَّفَه سببٌ آخَرُ كأن فُقِدَت القرابةُ وخلَّفَها نكاحٌ أو ولاءٌ فإنه لم يَلزَمْ من عدمِ السببِ عدمُ الإرثُ لكن لا لذاتِه, بل لكونِه خلَّفَه سببٌ آخَرُ وهذا بالنظرِ لعينِ السببِ كما هو المناسبُ للوجودِ الخارجيِّ من أن كلًّا من الأسبابِ سببٌ مستقِلٌّ وإلا فالسببُ في الحقيقةِ واحدٌ لا بعينِه وحينئذٍ فلا يَتأتَّى وجودُ المسبَّبِ بدونِ السببِ أصلًا وقرَّرَ الشيخُ العدويُّ أن قولَه لذاتِه توضيحٌ لمعنى مِن فأنها للتعليلِ والمعنى ما يَلزَمُ من أجْلِ وجودِه الوجودُ ومن أجْلِ عدَمِه العدمُ وحينئذٍ فلا يَرِدُ ما ذُكِرَ فهو لمجرَّدِ التوضيحِ .
(قولُه: والميراثُ إلخ) شروعٌ في اللفظةِ الثالثةِ من الترجمةِ .
(قولُه: يُطلَقُ بمعنى الإرثِ) أي: كما يُطلَقُ بمعنى الموروثِ وسيأتي وإضافةُ معنى لما بعدَه للبيانِ وقولُه: وهو المقصودُ بالترجمةِ أي: بلفظِ الميراثِ المذكورِ في الترجمةِ.
(قولُه: وهو) يَحتمِلُ أن الضميرَ عائدٌ على الميراثِ بمعنى الإرثِ ويَحتمِلُ عودَه على الإرثِ وقولُه: البقاءُ فالوارثُ بمعنى الباقي لأنه باقٍ بعدَ موتِ المورِّثِ, ومنه اسمُه تعالى الوارثُ ومعناه الباقي بعدَ فناءِ خلْقِه وقولُه: وانتقالُ الشيءِ إلخ لايَخفى عليك أنه إن زِيدَ على هذا سببٌ أو نحوُه كان معناه اصطلاحًا لكن فيه أن الإرثَ صفةُ الوارثِ والانتقالَ صفةُ الشيءِ المنتقِلِ كالمالِ المنتَقِلِ من المورِّثِ للوارثِ فلعلَّ الأنسبَ أن يقولَ: وأَخْذُ الشيءِ إلخ أو واستحقاقُ الشيءِ إلخ بدَلَ قولِه وانتقالُ الشيءِ إلخ .
(قولُه: وهو ) فيه الاحتمالان المتقدِّمان في الضميرِ قبلَه وقولُه: مصدرُ وَرِثَ بكسرِ الراءِ وقولُه: وِراثةً وميراثًا وإرثًا مصادرُ ثلاثةٌ الأوَّلان مَزِيدان والثالثُ مجرَّدٌ وأصلُ ميراثِ مِوْرَاثٌ قُلِبَت الواوُ ياءً كما في ميزانٍ ومِيقاتٍ .
(قولُه: وأصْلُه الواوُ) أي: أصْلُ الإرثِ المادَّةُ المتلَبِّسَةُ بالواوِ,ففي عبارتِه تسامُحٌ والضميرُ عائدٌ على الإرثِ لا الميراثِ؛ لأنه يَمْنَعُ منه قولُه: فقُلِبَتْ همزةً؛ إذ الميراثُ وإن كان أصلُه الواوَ أيضًا لكن لم تُقلَبْ واوُه همزةً بل ياءً كما مَرَّ .
(قولُه: ويُطْلَقُ بمعنى الموروثِ) هذا مقابِلٌ لقولِه قَبْلَ ذلك يطلَقُ بمعنى الإرثِ فذاك إطلاقٌ مصدريٌّ وهذا إطلاقٌ غيرُ مصدريٍّ, بل معنى اسمِ المفعولِ وقولُه: والتراثُ عطْفٌ على الموروثِ من قَبيلِ عطْفِ المرادفِ قالَ تعالى:{وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا} وأصلُه وُراثٌ كتُجاهَ في وُجاهَ .
(قولُه: وهو لغةً) الضميرُ راجعٌ للإرثِ بمعنى الموروثِ بدليلِ قولِه: ومنه خبرُ مسلِمٍ إلخ وإن كان الظاهرُ من السياقِ أنه راجعٌ للميراثِ بمعنى الموروثِ, والمعنى واحدٌ, وقولُه: الأصلُ والبقيَّةُ ومنه سُمِّيَ مالُ الميِّتِ إِرْثًا؛ لأنَّ أصلَه كان للغيرِ وهو بقيَّةُ مَن سلَفَ لمن خَلَفَ .
(قولُه: ومنه) أي: من هذا المعنى وهو الأصْلُ والبقيَّةُ, وقولُه: خبَرُ مسلِمٍ أي: الإرثُ في خبَرِ مسلِمٍ, وقولُه: أُثْبُتُوا بضمِّ الهمزةِ والباءِ وقولُه: على مشاعرِكم أي: معالِمِ دينِكُم وهي المأموراتُ وتُطلَقُ المشاعِرُ على الحواسِّ وعلى مواضِعِ المناسِكِ وقولُه: فإنكم على إرثِ أبيكم إبراهيمَ هذا هو مَحَلُّ الشاهدِ وقولُه: أي أصلُه وبقيَّةٌ منه أي: أصْلُ دينِه وبقيَّةٌ من دينِه.
(قولُه: وشرعًا) عطْفٌ على ((لغةً)) وقولُه: ما ضبطَه القاضي إلخ هذا تعريفٌله بالمعنى الاسميِّ أعني كونَه اسمًا للموروثِ كما هو سياقُ كلامِ الشرْحِ والأسبابُ إنما تَحْسُنُ للمصدرِ, وهو المرادُ في الترجمةِ كما تَقدَّمَ .
(قولُه: الخُونَجِيُّ) قالَ العلَّامَةُ الأميرُ: بضَمِّ الخاءِ المعجَمةِ وسكونِ الواوِ وفتْحِ النونِ نسبةً لخُونَجةَ ككُورَجةَ بلدةٌ كذا في القاموسِ ا.هـ والمسموعُ من أفواهِ المشايخِ الخَوَنْجِيُّ بفتْحِ الخاءِ والواوِ وسكونِ النونِ.
(قولُه: بأنه) متعلِّقٌ بضبطِه وقولُه: حقٌّ جِنسٌ يَتناوَلُ المالَ وغيرَه كحقِّ الخيارِ والشُّفعةِ والقِصاصِ وكجِلدِ الميْتَةِ قبلَ دبغِه والخَمْرَةِ المحرَّمَةِ وقولُه: قابِلٌ للتَّجَزِّيقَيْدٌ أوَّلٌ مُخرِجٌ لولايةِ النكاحِ؛ فإنها وإن انتقَلَتْ للأبعَدِ بعدَ موتِ الأقربِ لكن لا نَقبَلُ التجَزِّيَ, فكلُّ واحدٍ من الإخوةِ بعدَ الأبِ مَثلًا له وِلايةٌ كاملةٌ, لا أنها ولايةٌ موزَّعَةٌ عليهم وأَخْرَجوا به أيضًا الولاءَ فإنه وإن انتَقَلَ للأبعدِ بعدَ موتِ الأقربِ, لكن لا يَقبَلُ التَّجَزِّيَ, والمتَجَزِّي إنما هو الإرثُ به فهو داخلٌ في التعريفِ, وأما نفسُ الولاءِ فكالنَّسَبِ لا يَتجزَّأُ كذا قِيلَ, والحقُّ أنه يَقبَلُ التَّجزِّيَ بنفسِه عَلَى أن التحقيقَ أنه ثابتٌ للأبعَدِ في حياةِ الأقربِ, وإنما المُتأَخِّرُ فوائدُه, فيكونُ خارجًا بقولِه بعدُ يَثْبُتُ لمستحِقٍّ بعدَ موتِ مَن كان له ذلك,فإن قيلَ: إن الخيارَ والشُّفْعَةَ والقِصاصَ من جملةِ الموروثِ مع أنها لا تَقْبَلُ التَّجَزِّيَ؛ إذ ليست شيئاً يُفْرَزُ ويُقَسَّمُ؟ أُجيبَ بأنه ليس المرادُ بقَبولِ التجَزِّي قبولَ الإفرازِ والقِسمةِ, بل المرادُ به قَبولُ أن يكونَ لهذا نصفُه ولهذا ثلُثُه ونحوَ ذلك, وهذه الثلاثةُ تَقبَلُ التَّجَزِّيَ بهذا المعنى, وإن لم تَقبَل الإفـرازَ والقِسمةَ, وقولُه: يَثبُتُ لمستَحِقٍّ بعدَ موتِ مَن كان له ذلك. قَيْدٌ ثانٍ يَخرُجُ به الحقوقُ الثابتةُ بالشراءِ والاتِّهابِ ونحوِهما؛فإنَّكلًّا منها حقٌّ يَثبُتُ للمستحِقِّ, لكن لا بعدَ موتِ مَن كان له ذلك, بل في حياتِه, ولو أُحْيِيَ كرامةً أو معجزةً لم تَرجِعْ له التَّرِكَةُ لزوالِ الْمِلكِ عنه بتحقُّقِ موتِه, والقولُ بأنه تَبيَّنَ عدمُ موتِه خلافُ, الفرْضِ ولو مُسِخَ شخصٌ جمادًا قُسِمَتْ تَرِكَتُه لتنزيلِ ذلك منزلةَ الموتِ, وقياسًا على قولِهم تَعْتَدُّ امرأتُه عِدَّةَ الوفاةِ أو حيوانًا يُؤخَّرُ قَسْمُ التَّرِكَةِ إلى موتِه وقِبلَه كالمالِ الضائعِ يَجِبُ حِفظُه, وهو كفُرقَةِ الطلاقِ فتَعتَدُّ امرأتُه عِدَّةً لطلاقٍ, ولو عادَ لا تَعودُله زوجتُه إلا بعَقْدٍ جديدٍ فإن مُسِخَ نصفين فالعِبرةُ بالنصْفِ الأعلى كذا قيلَ, وهو لا يَشمَلُ التنصيفَ طولًا, فالأشمَلُ والأحسَنُ أن يقالَ إن فَعَلَ ماللحيوانِ من حركةٍ وتَنَفُّسٍ فحيوانٌ, وإلافجمادٌ, وقولُه: لقرابةٍ بينَهما أو نحوِها أي: من زوجيَّةٍ وولاءٍ وإسلامٍ وهذا قَيْدٌ ثالثٌ فخَرَجَ به الوصيَّةُ بِناءً على القولِ بأنها تُمَلَّكُ بالموتِ فإنها حقٌّ يَثبُتُ لمستحِقٍّ إلخ لكن لا لقرابةٍ أو نحوِها.
(قولُه: وقد ذكَرْتُ ما في هذا الضابِطِ في شرْحِ الترتيبِ) أي: من بيانِ محتَرَزاتِ قيودِه وشرْحِه ونحوِ ذلك, وعبارتُه بعدَ ذلك الضابطِ فقولُنا حقٌّ يَتناولُ المالَ وغيرَه كالخيارِ والشُّفعةِ والقِصاصِ إلخ وقد علِمتَ الْمُهمَّ منها مع توضيحِها.
(قولُه: أسبابٌ) مبتدأٌ وثلاثةٌ خبرٌ وقولُه: أي إرثٌ أشارَ به إلى أنه ليس المرادُ بالميراثِ الموروثَ وقولُه: الوَرَى هو في الأصْلُ اسمٌ للخلْقِ بمعنى المخلوقين, والمرادُ به هنا خصوصُ الآدميِّين والجِنِّ فهو عامٌّ أُريدَ به خاصٌّ كما أشارَ إليه الشرْحُ وقولُه: أي الآدميِّين أي: والجِنُّ؛لأنهم مكلَّفون بفروعِ شريعتِنا إجماعًا, وإنْ كُنَّا لا نَدري تفاصيلَ تكليفِهم, وقولُه: وإن كان الوَرَى في الأصْلِ الخلْقَ أي: والحالُ أن الوَرَى في الأصْلِ الخلْقُ وإنما سُمُّوا بذلك؛ لمواراتِهم الأرضَ أو لموراةِ بعضِهم لبعضٍ .
(قولُه: متَّفقٌ عليها) دفَعَ به ما يُقالُ: إنها أربعةٌ بزيادةِ الإسلامِ .
(قولُه: كلٌّ من الأسبابِ إلخ) أتَى به بعدَ قولِه أسبابُ ميراثِ الوَرَى ثلاثةٌ دفْعًا لماقد يُتوهَّمُ من أن الإرْثَ إنما يكونُ عندَ اجتماعِ الأسبابِ الثلاثةِ, فأفادَك أن كلَّ واحدٍ يُفيدُ الإرثَ على الاستقلالِ, فالمرادُ الكلُّ الجميعيُّ, لا الكلُّ المجموعيُّ, والتنوينُ في كلٍّ عِوَضٌ عن المضافِ إليه, والأصْلُ كلُّ واحدٍ من الأسبابِ إلخ .
(قولُه: أي صاحبُه) تفسيرٌ للربِّ وقولُه: والمرادُ المتَّصِفُ به,إنما قالَ ذلك؛لأن المفهـومَ من قولِك صاحبُ كذا عدمُ قيامِ كذا به وانفصالُه عنه ألا تَرَى لقولِك زيدٌ صاحبُ مالٍ فإن المالَ منفصِلٌ عن زيدٍ, وغيرُ قائمٍ به, وهذا ليس مرادًا, بل المرادُ أنه متَّصِفٌ به .
(قولُه: وهي ) مبتدأٌ لكن لا يَصِحُّ الإخبارُ عنه بنكاحٍ ؛لأن المبتدأَ كنايةٌ عن الأسبابِ الثلاثةِ, فلا يصِحُّ الإخبارُ عنه بواحدٍ منها, وأشارَ الشرْحُ لتصحيحِ الأخبارِ بقولِه أوَّلُها؛ لأن الخبَرَ حينئذٍ جملةُ قولِه أوَّلُها نكاحٌ, وسيَعْطِفُ عليه قولَه وثانيها ولاءٌ إلخ وقولُه: وثالثُها نَسَبٌ ولك طريقٌ ثانٍ لتصحيحِ الإخبارِ, وهو ملاحظةُ العطْفِ قبلَ الإخبارِ, فإن قيلَ: قد صرَّحُوا بمنْعِ العطْفِ إذا كان الخبَرُ المجموعَ؟ أُجيبَ بأن مَحَلَّ ذلك إذا كان المجموعُ مؤَوَّلاً بواحدٍ كما في قولِهم الرُّمَّانُ حُلْوٌ حامضٌ أي: مُزٌّ بخلافِ ما إذا قُصِدَ كلٌّ منها في ذاتِه أفاده العلَّامةُ الأميرُ .
(قولُه: أوَّلُها نِكاحٌ) هو لغةً الضمُّ والجمْعُ وشرعًا ما ذكَرَه الشرْحُ بقولِه: وهو عقْدُ الزوجيَّةِ الصحيحُ, وخرَجَ بالعقْدِ وطءُ الشُّبْهَةِ, وإنْ لَحِقَ به الولَدُ, ووطءُ الزِّنا, وبالصحيحِ الفاسدُ فلا أَثَرَ لذلك في الإرثِ, لكنَّ المختلَفَ في فسادِه كالصحيحِ عندَ المالكيَّةِ في إيجابِ الإرثِ إلانكاحَ الخيارِ ونكاحَ المريضِ لانحلالِ الأوَّلِ ولِنَهْيِ الشارعِ عن إدخالِ وارثٍ في الثاني بخلافِ المتَّفَقِ على فسادِه كنكاحِ الخامسةِ, ولا عِبرةَ بمذهَبِ الخوارجِ حيث جَوَّزُوانكاحَ أكثرَ من أربعٍ, كما قالَ القائلُ:
وليس كلُّ خِلافٍ جاءَ مُعْتَبرًا = إلاخلافٍ له حَظٌّ من النظَرِ
وما وقَعَ في كشْفِ الغوامضِ من أن الفاسدَ لا إِرثَ به اتِّفاقًا لا يُغتَرُّ بظاهرِه, ويمكِنُ حمْلُه على المتَّفَقِ على فسادِه, ولو اخْتَلَفَ مذهَبُ الزوجين, ولم يَتَرافعا لحاكِمٍ, فالعِبرةُ عندَنا معاشرَ الشافعيَّةِ بمذهَبِ الزوجِ كما في اللؤلؤةِ عن ابنِ حجَرٍ .
(قولُه: وإن لم يَحصُلْ وطءٌ ولا خَلوَةٌ) أي: سواءٌ حصَلَ وطءٌ أو خَلوَةٌ أم لا .
(قولُه: ويُورَثُ به من الجانبين) فيَرِثُ الزوجُ الزوجةَ إذا ماتتْ, وبالعكْسِ إجماعًا حيث لا مانِعَ وقولُه: لقولِه تعالى إلخ دليلٌ لقولِه ويُورَثُ به من الجانبين فقولُه تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} دليلٌ لإرثِ الزوجِ من الزوجةِ وقولُه: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} دليلٌ لإرثِ الزوجةِ من الزوجِ, ولذلك قالَ الشرْحُ إلخ.
(قولُه: ويَتوارثُ الزوجان في عدَّةِ الطلاقِ الرجعيِّ) أي: لأن الرجعيَّةَ زوجةٌ إلا في جوازِ الوطءِ وقولُه: ولو كان الطلاقُ في الصحَّةِ أي: سواءٌ كان الطلاقُ في الصحَّةِ أم في المرضِ .
(قولُه: لا الزوجةُ المطلَّقَةُ بائنًا) أي: كأن طُلِّقَتْ ثلاثًا وقولُه: في مرَضِ الموتِ, أمالو كان في الصحَّةِ فلا إرْثَ بينَهما إجماعًا, فالقيْدُ المذكورُ لبيانِ مَحَلِّ الخلافِ, وقولُه: عندَنا أي: فلا تَرِثُ عندَنا معاشِرَ الشافعيَّةِ مطلَقًا, أي: سواءٌ انقَضَت عدَّتُها أم لا, وسواءٌ تَزوَّجَتْ أم لا, وقولُه: خلافًا للأئمَّةِ الثلاثةِ أي: أُخالِفُ خلافًا للأئمَّةِ الثلاثةِ أو أقولُ ذلك حالَ كوني مخالِفًا للأئمَّةِ الثلاثةِ وقد بيَّنَ مذاهبَهم بقولِه فإنها إلخ .
(قولُه: ما لم تَنْقَضِ عدَّتُها) فإن انقَضَتْ لا تَرِثُ عندَهم, وقولُه: ما لم تَتزوَّجْ فإن تَزوَّجَتْ لا تَرِثُ عندَهم وقولُه: ولو انقَضَتْ عِدَّتُها واتَّصَلَتْ بأزواجٍ أي: مالم يَصِحَّ من مَرَضِه صحَّةٌ بيِّنَةٌ قالَ في شرْحِ الترتيبِ وهذا إذا اتُّهِمَ في طلاقِها بالفِرارِ من إرثِها أما إذا لم يُتَّهَمْ كما لو أَبَانَها بسؤالِها, أو عَلَّقَ طلاقَها على شيءٍ لها منه بدٌّ أي: غِنًى, ولا تأْثَمُ بتَرْكِه ففَعَلَتْه عالِمَةً أو عَلَّقَ طلاقَها في الصحَّةِ على شرْطٍ, فوُجِدَ في المرَضِ, ونحوَ ذلك فلا إرْثَ لها لعدَمِ التُّهَمَةِ في الفرارِ من إرثِها انتهى لكنَّ المعتَمَدَ عندَهم أنها تَرِثُه في الجميعِ سدًّاللذرائعِ وطَرْدًالذلك على وَتيرةٍ واحدةٍ,وإن كانت العِلَّةُ في الأصْلِ النهيَ عن إخراجِ وارثٍ.
(قولُه: وعندَ المالكيَّةِ أيضًا) أي: كما أن عندَهم ما سَبَقَ وقولُه: فالعَقْدُ باطلٌ, ثم إنْ ماتَ قبلَ الدخولِ فلا تَستحِقُّ صَداقًاولا إرْثًا, وإن دخَلَ بها, فعليه الأقَلُّ من ثلُثِ مالِه أو الْمُسَمَّى أو صداقُ الْمِثلِ, وقولُه: ولا تَرِثُه أي: ولا يَرِثُها أيضًا لفقْدِ السببِ, كما هو مقتَضَى حكمِهم ببطلانِ العقْدِ, وقولُه: ولو تزوَّجَت المريضةُ إلخ هذه المسألةُ عكْسُ ما قبلَها وقولُه: لم يَرِثْها أي: لبُطلانِ العقْدِ ولا تَرِثُه أيضًا لهذه العِلَّةِ ففي كلامِ الشرْحِ احتباكٌ ولا تُوافِقُ الشافعيَّةُ على عدَمِ الإرْثِ بنكاحِ المرَضِ إلا فيما إذا أعْتَقَ أَمَتَه في المرَضِ, وعَقَدَ عليها,فإنها لا تَرِثُ للزومِ الدَّوْرِ فإنها لو وَرِثَت لكان عِتْقُها تَبَرُّعًا على وارثٍ في مرَضِ, الموتِ وهو يَتوقَّفُ على إجازةِ الورَثَةِ, وهي منهم, وإنما تَصِحُّ إجازتُها إذا عَتَقَ فتوَقَّفَ عتقُها على إجازتِها وتَوقَّفَتْ إجازتُها على عِتقِها فتَتَخَلَّصُ من الدَّوْرِ بقولِنا تُعْتَقُ ولا تَرِثُ.
(قولُه: وثانيها ولاءٌ) هو لغةً السلطنةُ والنُّصرةُ ويُطلَقُ على القرابةِ قالَ الجوهريُّ: يُقالُ بينَهما وَلاءٌ بالفتْحِ أي: قرابةٌ, وشَرْعًا: ما سيَذكُرُه الشرْحُ بقولِه: وهو عُصوبَةٌ إلخ وسُمِّيَ ذلك ولاءً لانتسابِ العتيقِ إلى مُعْتِقِه كانتسابِ الولَدِ لوالدِه, وقولُه: وهو بفتْحِ الواوِ ممدودٌ احترازًا من الوِلاءِ بكسْرِ الواوِ.
(قولُه: والمرادُ ولاءُ العِتاقةِ) أي: ولاءٌ سببُه العِتاقةُ بمعنى العِتقِ وليس المرادُ ولاءَ الموالاةِ والمحالَفةِ التي كانت في الجاهليَّةِ, وصورتُها أن يقولَ الرجُلُ لآخَرَ: هَدْمِي هَدْمُك, أي: هَدْمِي بسفْكِ دمي كهَدْمِك بسفْكِ دمِك وسِلْمي سِلْمُك أي: صُلْحِى صُلْحُك وحَربي حربُك, تَرِثُني وأَرِثُك, وتَنْصُرني وأَنْصُرُك, وتَعْقِلُ عنِّي وأَعْقِلُ عنك. فيوافِقُه الآخَرُ ويصيرُ كلٌّ حليفًا للآخَرِ ومواليًا له ووارثًاله, وقد أَبْطَلَ الشرْعُ ذلك .
(قولُه: وهو) أي: اصطلاحًا كما مَرَّتْ الإشارةُ إليه وقولُه: عصوبةٌ أي: ارتباطٌ بين المُعْتِقِ والعَتيقِ كالارتباطِ بينَ الوالدِ وولدِه, ووجْهُ الشبَهِ أن العبْدَ كان في حالِ الرِّقِّ كالمعدومِ؛ لأنه لا يَملِكُ ولا يَتصرَّفُ, فلمَّا أَعتَقَه سيِّدُه صَيَّرَه موجودًا كاملًا لكونِه حينئذٍ يَملِكُ ويَتصرَّفُ كما أن الولدَ كان معدومًا, والأبُ تسبَّبَ في وجودِه فكلٌّ مِن المُعْتِقِ والأبِ تَسبَّبَ في الوجودِ وقولُه: سببُها نعمةُ المعتِقِ على رقيقِه أي: سببُ تلك العصوبةِ إنعامُ المعتِقِ على رقيقِه بالإعتاقِ, لكنَّ التعبيرَ بالعِتقِ فيه قصورٌ؛لأنه لا يَشمَلُ مالو وَرِثَ إنسانٌ أصلَه أو فرْعَه فعَتَقَ عليه قَهْرًا فله الولاءُ ومع ذلك لا يقالُ فيه عصوبةٌ سببُها نعمةُ المعتِقِ على رقيقٍ, بل سببُها العِتقُ دونَ الإعتاقِ ولذلك اعترَضَ ابنُ كمالٍ باشا على السيِّدِ الْجُرجانيِّ في تعبيرِه بالمعتِقِ وشَنَّعَ عليه بأنه أفْصَحَ عن قِلَّةِ البِضاعةِ في هذه الصناعةِ, وأُجيبَ بأن ذلك نادرٌ فأُلْحِقَ بالغَالِبِ, والسيِّدُ الشريفُ مقتبِسٌ من حديثِ جَدِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حيث قالَ: ((إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ)). فلا يَستحِقُّ هذا التشنيعَ, وعرَّفَ بعضُهم الولاءَ بأنه صِفةٌ حُكْميَّةٌ تُوجِبُ لموصوفِها حُكْمَ العصوبةِ عندَ عدمِها, وبعضُهم ترَكَ تعريفَه؛ أدَبًا مع النبيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه عَرَّفَه بقولِه: ((الْوَلَاءُ لَحْمَةٌ كَلَحْمَةِ النَّسَبِ, لَا يُبَاعُ, وَلَا يُوهَبُ)). قالَ الأُبِّيُّ: هذا منه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعريفٌ لحقيقتِه شرعًا, ولا يُحَدُّ بأتَمَّ منه اهـ ملخَّصًا من حاشيةِ الأميرِ بزيادةٍ.
(قولُه: لقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلخ) هذا استدلالٌ على قولِه سببُها نعمةُ المعتِقِ, ووجْهُ الاستدلالِ أن تعليقَ الحكْمِ بالمشتَقِّ يؤذِنُ بعِلِّيةِ ما منه الاشتقاقُ, والموصولُ وصِلتُه في قوَّةِ المشتَقِّ, فكأنه قيلَ: الولاءُ للمعتِقِ لأجلِ إعتاقِه فيُعلَمُ من ذلك أن الإعتاقَ هو سببُ الولاءِ, وقولُه: إنما الولاءُ لمن أعتَقَ أي: لا لغيرِه, لكن يَلحَقُ به مَن تَسبَّبَ في العِتقِ بشراءِ أصلِه أو فرْعِه, ومثلُه الإرثُ كما تَقدَّمَ وقولُه: متَّفَقٌ عليه أي: البخاريُّ ومسلِمٌ, وقولُه: من حديثِ عائشةَ أي: حالَ كونِ ذلك الحديثِ من الأحاديثِ التي روَتْها عائشةُ عن النبيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ,فحديثُ المضافُ لعائشةَ مفرَدٌ مضافٌ يَعُمُّ.
(قولُه: ويَرِثُ به المعتِقُ) أي: لا العتيقُ قالَ شيخُ الإسلامِ: وإنما كان الإرْثُ بالولاءِ ثابتًا من جانبِ المعتِقِ خاصَّةً؛لأن الإنعامَ من جهتِه فقط, فاختَصَّ الإرثُ به ا هـ وما وَرَدَ من أنه صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورَّثَ عتيقًا من معْتِقِه فضعيفٌ, كما قالَه التِّرمِذيُّ وبفرْضِ صحَّتِه فيُحْمَلُ على إعطائِه مصلحةً لا إرثًا, وقولُه: من حيث كونُه معتِقًا, إنما زادَ هذه الحيثيَّةَ؛ لئلَّا تَرِدَ الصورةُ الآتيةُ وهي مالو اشترَى ذِمِّيٌّ عبدًا,وأعْتَقَه, ثم التحَقَ بدارِ الحربِ, واستُرِقَّ واشتراه عتيقُه, وأعتَقَه فكلٌّ منهما يَرِثُ الآخَرَ, لكن مِن حيث كونُه معتِقًا, لا من حيث كونِه عتيقًا, ومِثلُ هذه الصورةِ ما لو اشتَرَى عتيقٌ أبا معتِقِه, وأَعتَقَه فإن العتيقَ يَرِثُ من سيِّدِه, كما أن السيِّدَ يرِثُ من عتيقِه, لكن لا من حيث كونُه عتيقًا,بل من حيث كونُه معتِقًا لأبي سيِّدِه, فيَثبُتُ له ولاءُ السِّرايةِ, كما يَثبُتُ لسيِّدِه ولاءُ المباشَرَةِ, وكذلك مالو اشتَرَى شخصٌ أمَّه فعَتَقَتْ عليه, ثم مَلَكَتْ أبا ولدِها وأَعْتَقَتْه فإنه يَثْبُتُ للولَدِ على أمِّه ولاءُ المباشَرَةِ ولأمِّه عليه ولاءُ السرايةِ انتهى لؤلؤةٌ نقلًا عن شيخِ الإسلامِ بتصرُّفٍ .
(قولُه: وعَصَبَتُه المتعصِّبون بأنفسِهم) أي: كابنِ المعتِقِ وأبيه وأخيه وجدِّه واحتَرَزَ بقولِه المتَعَصِّبُون بأنفسِهم عن بناتِ المعتِقِ مع بنيه فإنَّهن عَصَباتٌ بالغيرِ وعن أخواتِ المعتِقِ مع بناتِه فإنهن عَصباتٌ مع الغيرِ فلا إرْثَ لهن بالولاءِ.
(قولُه: لقولِه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ إلخ) هذا استدلالٌ على كونِ الولاءِ سببًا للإرْثِ الذي ذكَرَه المصنِّفُ في المتْنِ فالحديثُ دليلٌ لكلامِ المصنِّفِ.
(قولُه: الوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ) أي: عَلَقَةٌ وارتباطٌ كعَلَقَةِ وارتباطِ النسَبِ فاللُّحمَةُ بضَمِّ اللامِ, وفتْحُها لغةٌ, كما في المصباحِ: العلَقَةُ والقَرابةُ فيَثبُتُ للمشبَّهِ ما ثَبَتَ للمشبَّهِ به, وقد ثَبَتَ للمشبَّهِ به الإرثُ فيثْبُتُ للمشبَّهِ, لكنَّ المشبَّهَ لا يُعْطَى حكْمَ المشبَّهِ به من كلِّ وجهٍ فلا يُقالُ: التشبيهُ يَقتضي أنه يُورَثُ به من الجانبين, كما في النسَبِ مع أنه لا يُورَثُ به إلامن جانبٍ واحدٍ, وقولُه: لا يُباعُ ولا يُوهَبُ أي: لا يَجوزُ بيعُه ولا هِبَتُه .
(قولُه: وقد يَرِثُ العتيقُ المعتِقَ) أي: فيُتصوَّرُ الإرْثُ به من الجانبين كما في الصورةِ التى ذكَرَها, وكما في الصورتين السابقتين وقولُه: كما لو اشتَرَى ذمِّيٌّ عبدًا إلخ أَشارَ بالكافِ إلى عدَمِ الحصْرِ في هذه الصورةِ, بل مِثلُها الصورتان السابقتان, وقولُه: حيث لا مانعَ أي: كقتْلٍ أو نحوِه وهذه حيثيَّةُ تَقييدٍ وقولُه: من حيث كونُه معتِقًا مرتَبِطٌ بقولِه وقد يَرِثُ العتيقُ أو بقولِه فكلٌّ منهما يرِثُ الآخَرَ وهذه حيثيَّةُ تعليلٍ.
(قولُه: وثالثُها نَسَبٌ) أي: وثالثُ الأسبابِ نسَبٌ من جِهةِ العُلوِّ أو السفلِ أو التوسُّطِ وقولُه: و هي الأبوَّةُ أي: مباشرَةً وقولُه: والبُنوَّةُ أي: مباشرَةً أيضًا وقولُه: والإدلاءُ بأحدِهما أي: الانتسابُ بأحدِ الأبوَّةِ والبنوَّةِ فالمُدْلِي بالأبوَّةِ الأجدادُ والجَدَّاتُ والإخوةُ والأخواتُ والأعمامُ والعمَّاتُ والأخوالُ والخالاتُ, والمُدْلِي بالبنوَّةِ أولادُ مَن اتَّصَفَ بها, ولو أُنثى, فدَخَلَ في ذلك ذَوُو الأرحامِ, ولا يَضُرُّ تأخيرُهم عن غيرِهم كما لا يَضُرُّ تأخيرُ الأخِ عن الابنِ في كونِه وارثًا بالقرابةِ ا.هـ لؤلؤة نقلًا عن شرْحِ الترتيبِ
(قولُه: فيَرِثُ بها الأقاربُ) تفريعٌ على جَعْلِها سببًا للإرثِ وقولُه: وهم أي: الأقاربُ وقولُه: الأصولُ أي: كالأبِ والجَدِّ وقولُه: والفروعُ أي: كالابنِ وابنِ الابنِ وقولُه: والحواشي أي: كالأخِ وابنِ الأخِ وقولُه: للآياتِ إلخ هذا استدلالٌ على قولِه فيَرِثُ بها الأقاربُ وقولُه: وما أُلْحِقَ بذلك أي: بالمذكورِ من الآياتِ والأحاديثِ وقولُه: بإجماعٍ أو قياسٍ أي: من إجماعٍ أو قياسٍ فالباءُ بمعنى مِن البيانيَّةِ فهو بيانٌ لما أُلْحِقَ بذلك ويُحتَمَلُ أن الباءَ للتصويرِ فيكونُ ما ذكِرَ تصويراً لما أُلْحِقَ بذلك وقولُه: على تفصيلٍ إلخ مرتبِطٌ بقولِه: فيَرِثُ بها الأقاربُ .
(قولُه: ويُورَثُ به من الجانِبَيْنِ تارةً) أي: يُورَثُ بسببِه من الجانبين في حالةٍ وقولُه: كالابنِ مع أبيه أي: لأنه إذا ماتَ أحدُهما وَرِثَه الآخَرُ وكذلك الأخُ مع أخيه وقولُه: ومن أحَدِ الجانبين أُخْرَى أي: ويُورَثُ به من أحَدِ الجانبين دونَ الجانبِ الآخَرِ في حالةٍ أُخرى وقولُه: كالجَدَّةِ أمِّ الأمِّ مع ابنِ بنتِها أي: لأنها تَرِثُه إذا ماتَ وهو لا يَرِثُها إذا ماتَتْ لأنه من ذوي الأرحامِ.
(قولُه: وآخِرُ القرابةِ إلخ) المناسِبُ وآخِرُ النسَبِ إلخ لأن لفظَ النسبِ هو الواقعُ في كلامِ المصنِّفِ, لكنَّ معناه القرابةُ, وهذا جوابٌ عما قد يقالُ: لِمَ أخَّرَ القرابةَ المعبَّرَ عنها بالنسَبِ مع أنها أقوى الأسبابِ؟! وحاصِلُ الجوابِ عن ذلك أنه أخَّرَها لاستقامةِ النظْمِ ولطُولِ الكلامِ عليها, فالجوابُ من وجهين, وقولُه: وإن كانت أقوى الأسبابِ أي: والحالُ أنها أقوى الأسبابِ؛لأنها من أصْلِ الوجودِ؛ فإنَّ الشخصَ في وقتِ ولادتِه يكونُ ابنًا أو أخًا ونحوَ ذلك بخلافِ النِّكاحِ والولاءِ؛ فإنَّ كُلًّا منهما يَطْرَأُ, وأيضًا هي لا تَزولُ والنِّكاحُ قد يَزولُ بأن يُطلِّقَها مَثلًا, ولأنها تَحْجُبُ النكاحَ نُقصانًا والولاءَ حِرمانًا, وهما لا يَحْجُبَهانِها وأيضًا يُورَثُ بها بالفَرْضِ والتعصيبِ والنكاحُ يُورَثُ به بالفرْضِ فقط والولاءُ يورَثُ به بالتعصيبِ فقط فهذه أوجُهٌ للقوَّةِ تُغْنِيك عما قيلَ هنا كما قالَ العلَّامَةُ الأميرُ.
(قولُه: لأجْلِ تهييءِ النظْمِ) أي: استقامتِه وقولُه: ولطولِ الكلامِ عليها, بحَثَ فيه الأستاذُ الحفنيُّ بأن هذا لايَظهَرُ إلا لو ذكَرَ أحكامَ القرابةِ عَقِبَها حتى يؤخِّرَها لطولِ الكلامِ عليها فِرارًا من طولِ الفصْلِ بكثرةِ الكلامِ على ما حقُّه التقديمُ وأجابَ الشيخُ الأميرُ بأنه أرادَ أن تكونَ بقُرْبِ المباحثِ المتعلِّقةِ بها وقولُه: لأن أكثَرَ الأحكامِ الآتيةِ فيها أي: وبعضَها في النكاحِ وفي الولاءِ فتَدبَّرْ .
(وقولُه: متَّفَقٌ عليه) تصحيحٌ لكلامِ المصنِّفِ فالمنفيُّ فيه إنما هو السببُ المتَّفَقُ عليه فلا يُنافِي أن هناك سببًا مُخْتَلَفًا فيه, وقولُه: وإلافهناك إلخ أي: وإلا نُقِلَ ذلك فلا يَصِحُّ لأن هناك إلخ وهكذا نظائرُ هذه العبارةِ فإنْ شَرْطِيَّةٌ مُدْغَمَةٌ في لا النافيةِ, وليست استثنائيَّةً كما قد يُتَوَهَّمُ وقولُه: سببٌ رابعٌ وزادَ الحنفيَّةُ خامسًا وهو ولاءُ الموالاةِ بعدَ القرابةِ والعِتقِ, وصورتُه: أن يقولَ الرجُلُ لشخصٍ: أنت مولاي تَرِثُني إذا مِتُّ,وتَعْقِلُ عَنِّي إذا جَنَيْتُ. فيقولُ: قبِلْتُ. فيَثْبُتُ بذلك الإرثُ للمَوْلَى وعَصَبَتِه عندَ عدَمِ القرابةِ والمعتِقِ كما قالَه الأميرُ نَقْلًا عن السراجيَّةِ ولعلَّ هذا غيرُ ما تَقدَّمَ عن الجاهليَّةِ فتأمَّلْه .
(قولُه: جهةَ الإسلامِ) أي: جِهةً هي الإسلامُ فالإضافةُ للبيانِ قالَ شيخُ الإسلامِ في شرْحِ الفصولِ: وفي جَعْلِه جهةَ الإسلامِ سببًا تنبيهٌ على أن الوارثَ هم المسلمون كما هو مقتَضَى عبارةِ الشيخين وغيرِهما وهو التحقيقُ, وما قيلَ مِن أنه جِهةُ الإسلامِ لا المسلمون لصحَّةِ الوصيَّةِ بثلُثِ مالِه لهم ليس بشيءٍ, وكذلك قولُ البولاقيِّ أشارَ به إلى أن الإسلامَ ليس سببًا للإرثِ والإلزامُ استيعابُ المسلمين ا.هـ فهو ليس بشيءٍ أيضًا وعدَمُ لزومِ الاستيعابِ لتعذُّرِه فيَجوزُ تخصيصُ طائفةٍ مخصوصةٍ من المسلمين كالوصيَّةِ بالثلُثِ لقومٍ غيرِ محصورين كالفقراءِ فإنه لا يَجِبُ استيعابُهم بل يَجوزُ الصرْفُ هنا لواحدٍ كما قالَ السُّبكيُّ إنه الظاهرُ ا.هـ شيخُ الإسلامِ أفادَه في اللؤلؤةِ مع زيادةٍ من حاشيةِ الحفنيِّ ( قولُه: به إلخ ) تفريعٌ على جعْلِ جهةِ الإسلامِ سببًا في الإرثِ أي: فيَرِثُ بسببِ الإسلامِ فالضميرُ عائدٌ للإسلامِ ويَصِحُّ أن يكونَ عائدًالجهةِ الإسلامِ, ولم يُؤنِّث الضميرَ لاكتسابِه التذكيرَ من المضافِ إليه والمرادُ أنه يرِثُ إرثًامراعًى فيه المصلحةُ فليس إرثًا مَحضًا ولا مصلحةً مَحضَةً؛ إذ لو كان إرثًا مَحضًا لامتَنَعَ صرْفُه لمن يَطْرَأُ وجودُه أو إسلامُه أو حُرِّيَّتُه بعدَ موتِ المورِّثِ, ويَفضُلُ الذكَرُ على الأنثى, ولم يُصرَفْ للرجلِ مع أبيه ولو كان مصلحةً مَحضةً لَجازَ صرْفُه للمكاتِبِ أو للكافرِ إذا اقتَضَت المصلَحَةُ الدفْعَ له, وفي القاتلِ وجهان أصحُّهما المنْعُ, وقولُه: بيتُ المالِ أي: الْمَحَلُّ الذي يُحْفَظُ فيه مالُ المسلمين تحتَ يدِ الإمامِ أو نائبِه, والوارثُ في الحقيقةِ المسلمون كما تَقدَّمَ تحقيقُه وإلافلا معنى لكونِ البيتِ الذي هو مَحَلُّ حفْظِ المالِ وارثًا ففي نسبةِ الإرثِله تَسَمُّحٌ وقولُه: إن كان منْتَظَمًا أي: بأن كان متولِّيه عادلاً بحيث يَصرِفُ المالَ الذي فيه في مصارفِه الشرعيَّةِ وقولُه: عندَنا أي: معاشَرَ الشافعيَّةِ .
وقولُه: على الأرجَحِ راجعٌ لقولِه يَرِثُ ولقولِه إن كان مُنتظَمًا والمقابِلُ للأوَّلِ أنه مصلحةٌ بحيث يُعطَى منه للقاتلِ ونحوِه والمقابِلُ للثاني أنه يَرِثُ وإن لم يَنتَظِمْ؛لأن الحقَّ للمسلمين فلا يَسقُطُ باختلالِ نائبِهم كالزكاةِ, وربما يُفَرَّقُ بأن الزكاةَ مستحِقُّوها شركاءُ, والمالِكُ موجودٌ بخلافِ المورِّثِ كما في شرْحِ الترتيبِ
(قولُه: وسواءٌ كان منتظَمًا أم لاعلى الأرجحِ عندَ المالكيَّةِ) هذا هو ظاهرُ كلامِ ابنِ الحاجبِ والشيخِ خليلٍ, لكن ذكَرَ الحطَّابُ نُقولاً صريحةً في اشتراطِ الانتظامِ, وهو المعتَمَدُ كما في شرْحِ الأجهوريِّ فلا يُصْرَفُ له شيءٌ إن كان غيرَ منتظَمٍ بأن كان متولِّيه جائرًا, بل يُرَدُّ على مَن يُرَدُّ عليه, فإنْ لم يكنْ فلذَوِي الأرحامِ, فإنْ لم يكونوا صرَفَه شخصٌ عارفٌ بوجوهِ الخيرِ فيها, وهو مأجورٌ على ذلك, ويَجوزُ له أن يَأخُذَ منه لنفسِه بقدْرِ كفايتِه, كما هو مذكورٌ في الفقهِ.
(قولُه: ولا يَرِثُ عندَ الحنفيَّةِ والحنابلةِ) أي: سواءٌ كان منتظِمًا أم لا واستَدَلُّوا بقولِه تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} وبقولِه تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} وخبَرِ: ((الخالُ وارثُ مَن لا وارِثَ له يَعقِلُ عنه ويَرِثُه)) فظاهرُ ذلك كلِّه أن بيتَ المالِ لا يَرِثُ, وأجابَ عن ذلك في شرْحِ الترتيبِ فراجِعْهُ .

  #4  
قديم 3 ذو الحجة 1429هـ/1-12-2008م, 09:41 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الهدية في شرح الرحبية للشيخ: رشيد بن سليمان القيسي

باب : أسبــابِ الميـــراثِ


أَسْبابُ مِيراثِ الْوَرى ثَلاثَهْ = كُلٌّ يُفِيـدُ رَبَّهُ الْـوِرَاثَهْ
وَهْيَ: نِكاحٌ، وَولاءٌ وَنَسَبْ = مَا بَعْدَهُنَّ لِلمَوارِيثِ سَبَبْ

أقولُ : أسبابُ الإرثِ الْمُجمَعِ عليها ثلاثةٌ، وهي :

الأوَّلُ : (النكاحُ) وهو : عَقْدُ الزوجيَّةِ الصحيحُ وإن لم يحصُلْ وطءٌ ولا خُلوةٌ ويَقَعُ التوارثُ بينَهما في عِدَّةِ الطلاقِ الرجْعِيِّ، باتِّفاقِ الأئمَّةِ الأربعةِ، أما زواجُ الرَّقيقةِ والكتابيَّةِ، فلا تَوارُثَ بينَهما، وأما البائِنُ بفَسْخٍ أو خُلْعٍ، أو بائنٍ بطلاقٍ، فلا تَوارُثَ بينَهما، أما الزوجةُ الْمُطلَّقَةُ بائناً في مرَضِ الموتِ : فعندَ الشافعيِّ لا تَرِثُ. وعندَ الإمامِ أحمدَ ما لم تَتزوَّجْ، وعندَ الحنفِيِّ ما لم تَنقضِي عِدَّتُها تَرِثُ، وعندَ المالكيِّ لو انقضَتْ عدَّتُها واتَّصلَتْ بأزواجٍ تَرِثُ، وإن طَلَّقَ زوجتَه الرابعةَ في مرَضِ موتِه المَخُوفِ وكانت حامِلاً فوَلَدَتْ بعدَ طلاقِها بنصفِ ساعةٍ تقريباً فانقَضَتْ عِدَّتُها بوَضْعِ الحمْلِ وتَزوَّجَ بعدَ وِلادَتِها بنصفِ ساعةٍ تقريباً ثم تُوفِّيَ بعدَ نِصفِ ساعةٍ تقريباً فتَرِثُه زوجاتُه الخمْسُ، المطلَّقَةُ والأربعُ اللاتي بذِمَّتِه، عندَ الإمامِ أحمدَ وعندَ المالكيِّ، لما ذكَرْناه سابقاً، وأما عندَ الشافعيِّ فلا تَرِثُ، وعندَ الحنفيِّ : بوفاتِه بعدَ انقضاءِ عِدَّتِها لا تَرِثُه.
الثاني : (الولاءُ) وهو : عُصوبَةٌ سببُها نعمةُ الْمُعْتِقِ على عتيقِه بالعِتْقِ، ويَرِثُ به الْمُعْتِقُ ذَكَراً كان أو أنثى، وعَصَبَةُ المُعتِقِ المتعصِّبون بأنفسِهم.

والثالثُ : (النَّسَبُ) وهو : القرابةُ ، ويَرِثُ به الأبوان ومن أَدْلَى بهما ، والأولادُ ومن أَدْلَى بهم، ويَسْرِي على الإنسِ والجِنِّ، لأنهم مكَلَّفون شرْعاً.


  #5  
قديم 3 ذو الحجة 1429هـ/1-12-2008م, 09:44 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الرحبية للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

بابُ أَسْبَابِ الْمِيرَاثِ(1)


أَسْبابُ مِيراثِ الْوَرَى ثَلاثَهْ(2) = كُلٌّ يُفِيـدُ رَبَّهُ الْـوِرَاثَهْ(3)
وَهِيَ: نِكاحٌ، وَولاءٌ وَنَسَبْ(4) = مَا بَعْدَهُنَّ لِلمَوارِيثِ سَبَبْ(5)


(1) البابُ لغةً: المَدْخَلُ إلى الشيءِ، واصطلاحاً: اسمٌ لجملةٍ مختَصَّةٍ من العلْمِ، تحتَه فصولٌ، ومسائلُ غالباً، والأسبابُ جَمْعُ سببٍ؛ وهو لغةً: ما يُتَوَصَّلُ به إلى غيرِه؛ واصطلاحاً: ما يَلزَمُ من وجودِه الوجودُ، ومن عدَمِه العدَمُ لذاتِه.
والْمِيراثُ: مصدَرُ وَرِثَ الشيءَ وِراثةً، ومِيراثاً، وإرْثاً؛ ويُطلَقُ بمعنى الإرثِ؛ وهو: انتقالُ الشيءِ، من قومٍ إلى آخرِينَ.
(2)متَّفَقٌ عليها؛ والوَرَى: الآدميُّونَ.
(3) أي: كلُّ واحدٍ من الأسبابِ الثلاثةِ، يُفيدُ صاحبَه المُتَّصِفَ به الإرْثَ.
(4)فالنكاحُ هو: عَقْدُ الزوجيَّةِ الصحيحُ؛ ولو لم يَحْصُلْ وطءٌ، ولا خَلْوَةٌ؛ ويَتوارثُ به الزوجان من الجانِبَيْنِ؛ وفي عِدَّةِ الطلاقِ الرَّجْعِيِّ إجماعاً.
والثاني: وَلاءُ العِتاقِ؛ وهو: عُصُوبةٌ: سببُها نِعمةُ الْمُعْتِقِ على رقيقِه بالعِتْقِ؛ فيَرِثُ بها الْمُعْتَقُ، هو وعَصَبَتُه الْمُتَعصِّبون بأنفسِهم، لا بغيرِهم، ولا مع غيرِهم، دونَ العتيقِ.
وكما يَثْبُتُ الولاءُ على الرقيقِ، فكذلك يَثْبُتُ على فرعِه بشرْطَيْن: أن لا يكونَ أحدُ أبوَيْهِ حُرَّ الأصلِ، وأن لا يَمَسَّه رِقٌّ لأحدٍ، والمولودُ تَبَعٌ لأُمِّه، حُرِّيَّةً ورِقًّا؛ وأما في الدِّينِ، فَيَتْبَعُ خيرَ أبوَيْه دِيناً.
والولاءُ: يَتْبَعُ الأبَ كالنسبِ، وقد يكونُ لموالي الأُمِّ، في صورةٍ واحدةٍ، وهي: ما إذا تَزوَّجَ رقيقٌ مُحَرَّرَةً، فوَلَدَتْ منه، فإن ولاءَ أولادِها لمَوالِيها؛ وقد يَنْجَرُّ إلى موالي الأبِ، بثلاثةِ شروطٍ: أن تكونَ الأمُ مُحرَّرةً، وأن يكونَ الأبُ حالَ الوِلادةِ رقيقاً، وأن يُعتَقَ قبلَ أن يَموتَ.
الثالثُ: النَّسَبُ، وهو القَرابةُ، وتَشْمَلُ أُصولاً، وفُروعاً وحَواشِيَ؛ فالأصولُ: الأُبُوَّةُ والْجُدودةُ، وإن عَلَوْا، والفروعُ: الأولادُ: وأولادُ البَنينَ، وإن نَزَلُوا؛ والْحَواشي: الإخوةُ، وبَنوهُم، وإن نَزَلوا؛ والعُمومةُ؛ وإن عَلَوْا، وبَنوهُم، وإن نَزَلُوا.
(5) أي: ما بعدَ هذه الأسبابِ الثلاثةِ للمواريثِ سببٌ يَحْصُلُ به الإرثُ متَّفَقٌ عليه؛ وإلا: فهنا سببٌ رابعٌ مختلَفٌ فيه، وهو: جهةُ الإسلامِ، فيَرِثُ به بيتُ المالِ، عندَ المالكيَّةِ؛ ومُنتظِماً عندَ الشافعيَّةِ؛ وعندَنا، وعندَ الحنفيَّةِ: ليس بيتُ المالِ وارِثاً، وإنما هو مَصْرِفٌ للأموالِ، التي جُهِلَ مُسْتَحِقُّها.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أسباب, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:15 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir