دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الديات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الآخرة 1431هـ/25-05-2010م, 02:55 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كفارة القتل الخطأ

( فصلٌ ) مَن قَتَلَ نفسًا مُحَرَّمَةً خطأً مُباشرَةً أو تَسَبُّبًا فعليه الكَفَّارَةُ.

  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 12:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

..........................

  #3  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 12:32 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


فصلٌ
في كَفَّارَةِ القتلِ
(مَن قَتَلَ نَفْساً مُحَرَّمَةً) ولو نفسَه أو قِنَّهُ أو مُسْتَأْمَناً أو جَنِيناً أو شَارَكَ في قَتْلِها (خَطَأً) أو شِبْهَ عَمْدٍ (مباشرةً أو تَسَبُّباً)؛ كحَفْرِهِ بِئْراًَ، (فعليه) أي: على القاتلِ، ولو كافراً أو قِنًّا أو صغيراً أو مجنوناً (الكَفَّارَةُ) عِتْقُ رَقَبَةٍ، فإنْ لم يَجِدْ، فصيامُ شهرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، ولا إطعامَ فيها، وإنْ كانَتِ النفسُ مباحةً؛ كبَاغٍ، أو القتلُ قِصَاصاً أو حَدًّا أو دَفْعاً عن نفسِه، فلا كَفَّارَةَ، ويُكَفِّرُ قِنٌّ بصومٍ، ومِن مالِ غيرِ مُكَلَّفٍ وَلِيُّه، وتَتَعَدَّدُ بتعدُّدِ قتلٍ.

  #4  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 12:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


فصل في كفارة القتل([1])
(من قتل نفسا محرمة) ولو نفسه([2]).
أو قنه، أو مستأمنا([3]) أو جنينا([4]) أو شارك في قتلها (خطأ) أو شبه عمد([5]) (مباشرة أو تسببا) كحفره بئرا([6]) (فعليه) أي على القاتل ولو كافرا، أو قنا، أو صغيرا، أو مجنونا(الكفارة)([7]).
عتق رقبة([8]) فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين([9]) ولا إطعام فيها([10]) وإن كانت النفس مباحة، كباغ([11]) أو القتل قصاصا، أو حدا([12]) أو دفعا عن نفسه، فلا كفارة([13]).
ويكفر قن بصوم([14]) ومن مال غير مكلف وليه([15]) وتتعدد بتعدد القتل([16]).


([1]) سميت بذلك من الكفر بفتح الكاف، وهو الستر، لأنها تستر الذنب وتغطية والأصل في وجوبها: الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، على القاتل خطأ وكذا شبه عمد، لأنه في معناه، ولما رواه أبو داود والنسائي: «اعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار» لا القتل العمد العدوان فلا كفارة، لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} فلم يذكر فيه كفارة.
ولما روي أن سويد بن الصامت قتل رجلا، فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم عليه القود، ولم يوجب كفارة وعمرو بن أمية الضمري، قتل رجلين عمدا فوداهما صلى الله عليه وسلم ولم يوجب عليه كفارة، ولأنها وجبت في الخطأ فتمحو إثمه، لكونه لا يخلو من تفريط، فلا تلزم في موضع عظم الإثم فيه، بحيث لا يرتفع بها.
وقال الشيخ: لا كفارة في قتل العمد، ولا في اليمين الغموس، كقول أحمد، وليس ذلك تخفيفا عن مرتكبهما، اهـ وذكر الموفق وغيره: أن الخطأ لا يوصف بتحريم ولا إباحة، لأنه كقتل المجنون، لكن النفس الذاهبة به، معصومة محرمة، فلذلك وجبت الكفارة فيها.
([2]) فكفارة كاملة في ماله، وأما قتل نفسه فصوب الموفق وغيره، أنه لا كفارة في ماله، فإن عامر بن الأكوع، قتل نفسه خطأ ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بكفارة، وقوله: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} إنما أريد به إذا قتل غيره.
([3]) أي أو قتل نفسا محرمة، ولو كان قنه، لعموم الآية، أو كان مستأمنا، لأنه آدمي قتل ظلما أشبه السلم لعموم {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} فتجب بقتل الكافر المضمون عند أكثر أهل العلم، وأما المسلم الحر فباتفاقهم.
([4]) أي أو قتل جنينا، بأن ضرب بطن حامل، فألقت جنينا ميتا، أو حيا ثم مات، وهذا مذهب مالك والشافعي.
([5]) أي أو شارك في قتل قنه، أو مستأمنا خطأ، أو شبه عمد، فيلزمه كفارة، قال الموفق: يلزم كل واحد من شركائه كفارة، هذا قول أكثر أهل العلم، منهم مالك والشافعي، وأصحاب الرأي، وأما قتل الخطأ فبلا نزاع، وأما شبه العمد، فذكر الموفق وغيره، أنه مقتضى الدليل، ولأنه أجري مجرى الخطأ في نفي القصاص وحمل العاقلة، وتأجيلها، فجرى مجراه في عدم وجوب القصاص.
([6]) أي سواء كان قتله منفردا مباشرة، أو تسببا، أو شارك في قتله مباشرة، أو تسببا كحفر بئر متعديا، وكنصب سكين، ووضع حجر بحيث لا يجوز له، وشهادة زور ونحو ذلك.
([7]) وهذا قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: إلا المتسبب، لأنه ليس بقتل، وهو كالمباشرة في الضمان، فكان كالمباشرة في الكفارة، قال القاضي: ويلزم الشهود الكفارة، سواء قالوا أخطأنا، أو عمدنا؛ فدل على أن القتل بالسبب تجب به الكفارة بكل حال، وأما الصبي والمجنون، إذا قتلا، فقال الوزير وغيره: اتفقوا أنها تجب عليهما الكفارة، إلا أبا حنيفة.
([8]) مؤمنة بنص القرآن، سواء كان القاتل أو المقتول مسلما، أو كافرا، قال الوزير: اتفقوا على أن كفارة القتل الخطأ، عتق رقبة مؤمنة، فاضلة، كما تقدم.
([9]) بنص القرآن، وحكاه الوزير وغيره، اتفاقا، وتقدم حكمها عند كفارة الظهار.
([10]) أي وإن لم يستطع الصوم، ثبت في ذمته، ولم يجب عليه الإطعام، لأن الله لم يذكره، وهذا أحد القولين للشافعي، لأن الإبدال في الكفارات، موقوف على النص دون القياس وعنه: يجب إطعام ستين مسكينا، عند العجز عن الصوم، ككفارة الظهار، والوطء في رمضان، وإن عجز عنه ثبت في ذمته، حتى يقدر عليه، والله أعلم.
([11]) ومرتد وزان محصن، ومن تحتم قتله للمحاربة، فلا كفارة.
([12]) أي أو كان القتل قصاصا، أو كان القتل حدا، فلا كفارة أيضا، لأنه قتل مأمور به، والكفارة لا تجب، لمحو المأمور به.
([13]) أي أو كان القتل دفعا عن نفسه، كصائل عليه، فلا كفارة، وكل قتل مباح، لا كفارة فيه، وأما قتل نساء أهل الحرب، وصبيانهم، فلا كفارة فيه أيضا، لأنهم ليس لهم إيمان ولا أمان، وإنما منع من قتلهم لانتفاع المسلمين بهم لكونهم يصيرون بالسبي رقيقا، وكذا قتل من لم تبلغه الدعوة، لشبههم بمن قتله مباح.
([14]) لأنه لا مال له يعتق منه، ولو مكاتبا، لأن ملكه ضعيف وكذا يكفر سفيه ومفلس بصوم.
([15]) أي ويكفر من مال غير مكلف، كصغير ومجنون وليه، فيعتق منه رقبة، لعدم إمكان الصوم منه، ولا تدخله النيابة، لأن المميز ليس أهلا لأداء الواجب وإن صح صومه، والمجنون لا يصح صومه، كغير مميز وإنما وجبت الكفارة عليهما، لأنها حق مالي يتعلق بالقتل، أشبه الدية، ولأنها عبادة مالية، أشبهت الزكاة، ونفقة الأقارب، وبفعلهما، وفعلهما متحقق، فأوجب الضمان عليهما.
([16]) أي وتعدد الكفارة بتعدد قتل، كتعدد الدية بذلك، لقيام كل قتيل بنفسه، وعدم تعلقه بغيره.

  #5  
قديم 9 ربيع الثاني 1432هـ/14-03-2011م, 12:38 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَصْلٌ
مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُحَرَّمَةً خَطَأً مُبَاشَرَةً، أَوْ تَسَبُّباً بِغَيْرِ حَقٍّ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
هذا الفصل في كفارة القتل، واعلم أن كفارة القتل من الكفارات المغلظة، ويشاركها في ذلك نوعان من الجريمة وهما: الظهار، والوطء في نهار رمضان لمن يلزمه الصوم، إلا أن هاتين الجريمتين تخالف كفارتهما كفارة القتل بأن فيهما إطعاماً، وليس في كفارة القتل إطعام.
ودليل ذلك قوله تعالى: {{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا *}} [النساء:92] .
قوله: «من قتل نفساً محرمة خطأ مباشرة، أو تسبباً بغير حق فعليه الكفارة» .
قوله: «من» اسم شرط، وأسماء الشرط للعموم، فيشمل كل قاتل، حتى الصغير، والمجنون، والحر، والعبد، والذكر، والأنثى.
أما إذا كان بالغاً عاقلاً فلا ريب أن الكفارة تلزمه؛ لقوله تعالى: {{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ...} إلخ.
وإما إذا كان غير بالغ ولا عاقل فإن في المسألة خلافاً بين أهل العلم.
فذهب أبو حنيفة وجماعة من العلماء: إلى أنه لا كفارة على الصغير والمجنون، قالوا: لأن الكفارة حق لله، وليست حقاً مالياً محضاً؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «رفع القلم عن ثلاثة» [(73)] ومنهم الصغير والمجنون، فلا تلزمهما الكفارة؛ لأنهما ليسا من أهل التكليف.
وهل النائم مثل الصغير والمجنون؟ بمعنى أنه لو نامت امرأة على طفلها، ولم تشعر به فمات، فهل عليها كفارة؟
الجواب: نعم، عليها الكفارة، وإن كانت مرفوعاً عنها القلم؛ لأنها من أهل التكليف، والنوم مانع، وليس فوات شرط، بخلاف الصغير والمجنون فإن الصفة فيهما فوات شرط، وأما الصفة في النائمة فهي وجود مانع، وإلا فهي من أهل التكليف.
وما ذهب إليه أبو حنيفة أقرب إلى الصواب مما ذهب إليه جمهور أهل العلم، وإن كان قولهم له حظ من النظر؛ لأنهم يقولون: إن الله أوجب الكفارة في الخطأ فدل ذلك على عدم اشتراط القصد، وإنما يشترط التكليف في العبادات من أجل القصد الصحيح، والصغير والمجنون لا قصد لهما فلا تجب عليهما العبادات، ووجوب الكفارة في القتل ليس من شرطها القصد بدليل وجوبها على المخطئ.
وهذا القول وجيه جداً، ولكن يُقال: إن أصل التكليف ليس بلازم لمن ليس بمكلف، وهذا التعليل عندي أقوى من تعليل الجمهور.
وهل نقول: من لزمته دية إنسان وجبت عليه كفارته؟
والجواب: نقول كما قال المؤلف: «من قتل» لأن الدية قد تجب بدون قتل، ففي ذهاب السمع دية كاملة، وكذلك البصر، فالتعبير بالقتل لا بد منه، ودليله القرآن قال تعالى: {{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً}}.
وقوله: «نفساً» هذه نكرة في سياق الشرط فتكون عامة، لكنها خصصت بأوصاف تمنع القول بالعموم.
وقوله: «من قتل نفساً» هذا يشمل حتى لو قتل نفسه، فلو أن شخصاً كان يعبث بسلاح ثم ثار به وقتله فإنّ عليه الكفارة، وليس عليه الدية، لعموم قوله تعالى: {{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً}} وهو مؤمن ويسمَّى قاتلاً؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قتل نفسه بحديدة عذب بها» [(74)] فهو قاتل لنفس مؤمنة فيلزمه الكفارة، وهذا هو المشهور من المذهب، وجزموا به، وقالوا: إنه يجب أن تؤدَّى الكفارة مِنْ تَرِكَتِه، لعموم الآية.
والقول الثاني: أن الكفارة لا تجب على من قتل نفسه، واستدلوا بقصة عامر بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ في غزوة خيبر حين تقدم عامر ليبارز مَرْحَبا اليهودي، فلما أراد عامر أن يطعنه من الأسفل، كان سيفه قصيراً فعاد السيف وضرب عين ركبة عامر فنزف الدم ومات، فلما مات شك الناس فيه، وقالوا: بطل أجر عامر، حتى إن بعضهم توقف عن الدعاء له، قال سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ: فبينما أنا مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم وجدني ساكتاً، شاحباً ـ كأنه مغموم ـ فقال له: ما لَكَ؟ قال: قلت: يا رسول الله، إنهم يقولون: بطل أجر عامر، قتل نفسه! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذب من قاله، إن له الأجر مرتين، إنه لجَاهِدٌ مجاهد، قلَّ عربي مشى بها مثله»[(75)].
فالرسول صلّى الله عليه وسلّم ذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور:
أولاً: كذب من قال: إنه بطل أجره، قال العلماء: والكذب هنا بمعنى الخطأ؛ لأن قولهم لم يطابق الواقع؛ لأنهم لم يخبروا عن شيء حدث، إنما قالوا شيئاً ظنُّوه، فكلامهم هذا إنشاء وليس خبراً، وهذا أحد المواضع التي يستشهد بها على أن الكذب يأتي بمعنى الخطأ.
ثانياً: قوله: «إنه لجاهد مجاهد» قيل: إن الكلمتين من باب التوكيد، كما يقال: شعرٌ شاعر، أي: شعر جيد جداً، وجاهد مجاهد، يعني أنه جاهد جداً.
وقيل: بل معنى «الجاهد» الجاد في الأمور، و«المجاهد» أي في سبيل الله، وهذا التفسير أحسن؛ لأنه إذا دار الأمر بين كون الكلام تأسيساً أو توكيداً حُمِلَ على أنه تأسيس؛ لأننا إذا حملناه على التوكيد ألغينا مدلول الكلمتين، وإذا حملناه على التأسيس عملنا بمدلول الكلمتين، ويكون النبي صلّى الله عليه وسلّم أثنى عليه من جهتين: من جهة العمل والجد فيه، ومن جهة الإخلاص.
ثالثاً: قوله: «له الأجر مرتين» ، لأن الرجل بارز، وهذا أجر، وقتل نفسه في سبيل الله، وهذا أجر آخر.
ودعا له الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولم يقل: إن عليه الكفارة، ولو كانت الكفارة واجبة عليه لبيَّنها النبي صلّى الله عليه وسلّم لدعاء الحاجة إلى بيانها.
ثم إنك إذا قرأت الآية ظهر لك أنَّ المراد غير قاتل نفسه؛ لأن الله تعالى قال: {{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا}}، ولا تجتمع الدية مع الكفارة إلا فيما إذا كان المقتول غير نفسه، أما إذا قتل نفسه فإنه لا تجب الدية بالاتفاق، فسياق الآية يدل على أن المراد من قتل غيره، وهذا القول أرجح، لكن ليس من جهة الآية؛ لأن الآية قد ينازع فيها منازع، ولكن من جهة قصة عامر بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ.
وقوله: «محرمة» أي: محرَّم قتلها، وهي المعصومة، والمعصوم أربعة أصناف من الناس المسلم، والذمي، والمعاهد، والمستأمن، فلو قتل حربياً فليس بمضمون لا بِكفارة ولا دِية؛ لأنه غير معصوم.
وقوله: «بغير حق» احترازاً مما إذا قتلها بحق.
وقوله: «مباشرة أو تسبباً» أي: أن يقتلها بمباشرة أو تسبب، فالمباشرة أن يباشر القتل هو بنفسه، مثل ما إذا أراد أن يرمي صيداً فأصاب إنساناً، أو ضربه بعصا صغيرة فمات.
والتسبب مثل أن يحفر بئراً في محل، لا يجوز له حفره فيه، فيسقط فيه إنسان، فهو لم يباشر القتل، ولكنه فعل ما يكون سبباً في القتل، فعليه الكفارة؛ لأن المتسبب كالمباشر في الضمان، فلزم أن يكون كالمباشر في وجوب الكفارة، وهذا هو القول الراجح.
وذهب بعض أهل العلم: إلى أنَّ المتسبب لا كفارة عليه، وأن الكفارة إنما هي على المباشر؛ لأن المتسبب لا يسمى قاتلاً، ولكن الصحيح أن المتسبب كالمباشر، فكل من تسبب بقتل شخص فعليه الكفارة.
قال في الروض[(76)]: «أو شارك في قتلها» إذا شارك في القتل فعليه الكفارة، وعليه وعلى شريكه دية واحدة، فالدية واحدة والكفارة متعددة.
فإذا اشترك اثنان في قتل شخص فعليهما دية واحدة، وعلى كل واحد منهما كفارة، وهذا كثير، يصطدم اثنان بسيارتيهما وكلاهما مخطئ، ويموت رجل بينهما، فعليهما دية واحدة وكفارتان، ولو مات شخصان فعليهما ديتان وأربع كفارات، فإذا قال أحدهما: لماذا لا أكفر أنا عن شخص، والآخر يكفر عن الشخص الثاني؟ قلنا: لا؛ لأن الكفارة لا تتبعض، وكل واحد منكما شارك في قتل كل واحد منهما.
وإذا كان التعليل أن الكفارة لا تتبعض، فإنه يقال: إذا كان التكفير بالعتق فيمكن تبعضه، بأن يشتركا في شراء رقبة ويعتقاها، وهذا ممكن، ولكنه في نظر من قال: إن الكفارة لا تتبعض يقول: هذا غير ممكن؛ لأن حقيقة الأمر أن كل واحد منهما أعتق نصف رقبة فقط، وكل واحد منهما قاتِل بالمشاركة.
فالمذهب: أنه إذا شارك ولو في جزء واحد من مائة جزء فعليه كفارة، ولهذا لو اجتمع مائة على قتل شخص فعليهم مائة كفارة، على كل واحد كفارة.
وهناك وجه آخر لأصحاب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ أنهم يشتركون في الكفارة.
وهذا القول في الحقيقة بالنسبة للعتق قد يقال: إنه ممكن، ولكن بالنسبة للصيام فغير ممكن؛ لأنه إذا صام شهراً، والآخر شهراً، لم يكن كل واحد منهما صام شهرين كفارة القتل.
وأما العتق فقد يقول قائل: إن مبناه على التحرير، ويعتمد على المال أكثر، بخلاف الصوم فهو عبادة بدنية محضة.
وعلى كل حال الاحتياط هو المذهب في هذه المسألة، وأنه يلزم كل واحد كفارة، ولو كثر المشتركون.
والكفارة عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، ودليلها قول الله تعالى: {{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا *}} [النساء:92] .
ذكر الله في الآية ثلاثة أصناف: مؤمن، ومعاهَد، ومِنْ قوم عدو لنا وهو مؤمن، فالمؤمن قال الله فيه: {{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}}، فيجب فيه أمران: تحرير رقبة مؤمنة، ودية مسلمة إلى أهله.
والثاني: مؤمن من قوم عدوٍّ لنا، فيه الكفارة دون الدية.
لكن مَنْ هذا الرجل الذي مِنْ قوم عدو لنا، وهو مؤمن؟
قال بعض العلماء صورة ذلك: أن يقف رجُل من المؤمنين في صف الكفار فنقتله، ففي هذه الحال لا تجب له دية؛ لأنه هو الذي فرَّط في نفسه، ولكن علينا الكفارة.
وقال بعض العلماء: صورته أن يكون الرجل مؤمناً، لكن ورثته كفار، وهذا هو الصحيح وهو المتعين، فهو رجل مؤمن وورثته كفار أعداء لنا، فهذا يجب فيه الكفارة؛ لأنه مؤمن، ولا تجب الدية؛ لأننا إذا دفعناها لأهله صاروا يستعينون بها على قتال المسلمين، فلا ندفعها إليهم.
والثالث: من ذكره الله في قوله: {{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}} أي: إذا كان المقتول كافراً معَاهَداً، ففيه الدية والكفارة، وهذا موجودٌ في عهدنا، فهؤلاء العمال الكفار لو أن أحداً قتل أحدهم خطأ، وجب فيه الدية والكفارة.
مسألة: هل في قتل العمد كفارة؟
قال بعض العلماء: في العمد كفارة؛ لأنه إذا وجبت الكفارة في الخطأ فالعمد من باب أولى؛ لأن العمد أشد إثماً، فإذا أوجب الله ـ عزّ وجل ـ الكفارة في الخطأ، فهو إشارة وإيماءٌ إلى وجوب الكفارة في العمد.
وقال بعض العلماء: إنه لا كفارة في العمد، واستدلوا بأن الله تعالى شرط لوجوب الكفارة أن يكون خطأ فقال: {{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً}} ثم أتى بعد ذلك بقوله: {{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}} [النساء: 93] فلم يجعل له شيئاً يقيه من النار.
وقالوا أيضاً: إن العمد أعظم جرماً من أن تدخله الكفارة، وليس فيه إلا هذا الوعيد الشديد، وهذا القول أصح.

-----------------------


[73] سبق تخريجه ص(21).
[74] أخرجه البخاري في الجنائز باب ما جاء في قاتل النفس (1363)، ومسلم في الإيمان باب غلظ قتل الإنسان نفسه... (110) عن ثابت بن الضحاك ـ رضي الله عنه ـ.
[75] أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر (4196)، ومسلم في المغازي باب غزوة خيبر (1802) عن سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ.
[76] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/289).

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
القتل, كفارة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:14 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir