الجزء الأول (مفرغ)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
فهذا اللقاء من لقاءات برنامج دراسة التفسير أسأل الله أن ينفع به ويبارك فيه، وأن يبارك في المنتسبين إليه من الطلاب والدارسين والمشرفين وأن ينفع بهم أمة الإسلام وأن يجعلنا جميعاً من أهل العلم والإيمان.
وهذا اللقاء كما أعلن هو عن تلخيص مقاصد الكتب العلمية وبيان الخطة الدراسية القادمة، ولعلنا نقدم الحديث عن توضيح الخطة الدراسية القادمة بإذن الله ثم نتحدث عن موضوع تلخيص المقاصد.
[تنوّع محاور الدراسة في البرنامج]
هذا البرنامج كما قرأتم في الإعلان عنه يتضمن محاور متعددة، ومستويات متدرجة لدراسة التفسير وعلوم القرآن الكريم، والجمع بين هذه المحاور والمسارات في التعلم يفيد طالب العلم بإذن الله تعالى في اكتساب القوة العلمية في التخصص الذي يدرسه؛ فيتعرف على هذا العلم من جوانب متعددة.
وهذا العلم العزيز الذي يحوي من الكنوز و العجائب والدرر هو كمثل القصر الكبير الذي يحوي غرفا كثيرة ومداخل متعددة، ويحوي من الكنوز والعجائب والتحف أشياء كثيرة، فإذا اقتصر الزائر لهذا القصر على مدخل واحد فإنه يرى جانباً من جوانب هذا القصر الكبير، لكنه إذا عدد مداخله، ودخله من أبواب متفرقة فإنه يزداد معرفة وبصيرة بما يحويه هذا القصر الكبير العجيب، وتكون له خبرة بهذا القصر وما يحويه من عجائب، وهذا مثال للتقريب وإلا فالأمر أكبر من ذلك، فما يحويه كتاب الله عز وجل من العلوم والكنوز والدرر والعجائب شيء عظيم يبهر العقول، وكلام المفسرين في هذا العلم والمسائل التي تطرقوا لها وذكروها يُمكن أن تؤلَّفَ منها موسوعات علمية.
ولذلك حرصنا على أن تكون الدراسة في هذا البرنامج على محاور متعددة:
- فيدرس الطالب التفسير من كتب التفسير المختارة لكم، ويدرس أصول التفسير وعلوم القرآن.
- ويقرأ قراءة منظّمة في كتب التفسير وعلوم القرآن الكريم.
- وكذلك الفهرسة العلمية.
- والدورات العلمية الخاصة.
- واللقاءات العلمية.
- والبحوث التفسيرية.
- والمجالس العلمية.
هذه المحاور المتعددة أرجو بإذن الله تعالى أن تعرّف طالب العلم بمداخل هذا العلم وكيف يتعرف على مسائله من أكثر من وجه،
[مستويات الدراسة في البرنامج]
وقد قسمت الدراسة في هذا البرنامج إلى ثلاث مستويات:
المستوى الأول: تغلب عليه العناية بتأسيس المهارات لدى الطالب؛ مثل المهارات الأساسية في دراسة المسائل التفسيرية، وكيف يتعرّف عليها، ويرتّبها، ويلخّص الكلام في كلّ مسألة.
هذه الكتب التي اختيرت في البرنامج، وإن كانت كتباً مختصرة في التفسير وعلوم القرآن وبعض التفاسير القيّمة إلا أن المقصد الأكبر منها هو بيان طريقة الدراسة.
فالفائدة الأكبر فيها أن يتعلم الطالب طريقة دراسة مسائل التفسير وعلوم القرآن، وكيف يقرأ كتب أهل العلم ويتعرّف على مقاصدها، وكيف يدرسها دراسة تختصر عليه كثيراً من الجهد والوقت وتفيده بإذن الله عز وجل فائدة علمية أكبر، والتطبيق على هذه الكتب المختصرة أيسر من التطبيق على الكتب المطولة.
المستوى الثاني: تغلب عليه مهارات البناء العلمي، وذلك بعد أن يكون الطالب قد أسس تأسيساً جيداً في المستوى الأول، وأحسن دراسة المسائل العلمية في التفسير وعلوم القرآن، وعرف طرق تلخيص المقاصد، وكيف يجرد المسائل المتعلّقة بعلم من علوم القرآن : يبدأ بعد ذلك بإذن الله في المستوى الثاني مرحلة البناء العلمي.
وكما تعلمون أن الذي يبني بنياناً يكون أكبر جهده في التأسيس، والتأسيس وإن كان لا يظهر أثره سريعا لأن فيه تسوية للأرض وحفر للقواعد وإزالة لما يعوق البناء، ولا يكون ارتفاع البنيان فيه كبيراً، وهو أكبر ما يكون الجهد فيه.
وإذا كان التأسيس جيداً فإن الباني يبني بإذن الله عليه بناءً مرتفعاً على أسس وقواعد قوية متينة بجهد أقلّ من جهد التأسيس.
أما الذي لا يحسن تأسيس هذه القواعد فإن بنيانه يوشك أن ينهار به، وربما كان في بنيانه ضعف في التوازن فيحسن في جانب ويضعف بنيانه في جوانب أخرى؛ فلذلك كان المستوى الثاني يغلب عليه جانب البناء.
والمستوى الثالث: تغلب عليه مهارات العرض والإلقاء، وذلك بعد أن يكون الطالب قد أسس تأسيساً جيداً ثم بنى بنياناً جيداً؛ فيبقى عليه أن يعرف كيف يعرض علمه، ويلقيه إلى من ينتفع به.
وسيتضمّن - إن شاء الله - لقاءات مع من عرفوا بحسن العرض والإلقاء لنستفيد منهم في تحسين مهارات التعليم والدعوة وإيصال المعلومة إلى القراء والمستمعين.
فهذا تقسيم أنواع المهارات على المستويات الثلاث، وكل مستوى من هذه المستويات الثلاث يتضمن محاور متعددة، والجمع بين هذه المحاور في برنامج قصير المدى نسبياً (مدته تسعة أشهر تقريباً) يتطلب قدراً كبيراً من الجد والاجتهاد في الدراسة، وأن يعطي الطالب هذا البرنامج حقه من العناية والحرص، وهو وإن كان لا يستدعي وقتا كثيراً على متوسط أحوال الطلاب إذ يكفيهم نحو ساعتين للدراسة يومياً، إلا أنه يجب أن تعطى هاتان الساعتان حقهما من الجد والاجتهاد.
ولذلك يجب أن لا يؤجل الطالب دراسة اليوم إلى الغد، وأن يحرص على أداء ما يطلب منه في كل أسبوع بلا تأخر، لأن التأخر يثقل عليه شؤون الدراسة ويراكم عليه الواجبات، فيربكه في الدراسة ويشتت ذهنه فيضعف تركيزه ويضعف تحصيله، لأن الذي يدرس بِنَفَسِ الذي يريد تأدية ما عليه من متأخرات وينظر إلى هذه المقررات على أنها أعباء متراكمة يريد التخلص من تبعتها تكون دراسته مصحوبة بالعجلة والارتباك وضعف التركيز ، والشعور بالتأخر والتقصير، والدراسة إذا كانت مصحوبة بهذه الأمور ويخالطها هذا الشعور فإنها تضعف انتفاع الطالب بما يدرس.
فلذلك نأمل ممن عليه متأخرات في الدراسة أن يبادر بأدائها خلال هذا الأسبوع، حتى نستقبل الدراسة في الأسبوع القادم سويا بإذن الله تعالى، وقد أنجزنا ما علينا من متأخرات.
وقد قصدنا في الأسابيع الأولى الاقتصار على محور واحد وهو محور التفسير لأجل أن يعتاد الطلاب على طريقة الدراسة في البرنامج وطريقة الدراسة في الموقع، وطريقة أداء الاختبارات وتسجيل طلبات الاختبارات وما إلى ذلك من الإجراءات؛ لأننا ندرس من موقع واحد وباستخدام تقنية واحدة فنحتاج إلى أن نتعرف على النظام المتبع في هذه الدراسة.
وأنبّه إلى أن مواعيد الاختبارات قد خصصت لها موضوعات معيّنة في كلّ مجموعة تتابع بعناية من قبل هيئة الإشراف، وتسجيل بعض الطلاب مواعيد الاختبارات في قاعات الاختبارات يفوّت على هيئة الإشراف الاطّلاع على هذه الطلبات وتسجيلها، وقد يفوت الاختبار على الطالب بسبب ذلك، لأن هذا البرنامج يتضمن أكثر من مئتي قاعة اختبار، فيصعب على هيئة الإشراف أن يتابعوا ما يكتب في صفحات الاختبارات كلها، ولذلك خصص لكل مجموعة موضوع لتسجيل طلبات الاختبارات، وهذا الموضوع يتابع من قبل هيئة الإشراف، فيرصدون أوقات طلبات الاختبارات التي سجلها الطلاب في كشوفات لديهم ويدرجون أسئلة الاختبارات في المواعيد المحددة، أما تسجيل مواعيد الاختبارات في صفحات الاختبارات فإن هذا يفوت عليهم المتابعة لأنه يصعب عليهم أن يجردوا ما في صفحات الاختبارات كلها، فهذا مما لوحظ وأرجو أن الإخوة والأخوات في هيئة الإشراف قد نبَّهوا إلى ذلك.
ثم بعد ذلك بعد أن نتعرف جميعا على نظام الدراسة نبدأ بإذن الله تعالى في تنويع المحاور بارتياح لوضوح طريقة الدراسة، وكما تعلمون أن الدراسة تتطلب ساعتين يوميا، فلذلك من حرص أن يفي بهذا أرجو أنه لا يتأخر في الدراسة، وأرجو أن ينتفع فيها انتفاعاً حسناً مباركاً بإذن الله.
وأود من كل طالب أن يكون تركيزه على تعلم المهارات التي تفيده في اختصار الوقت والجهد، ولا يلزم من ذلك أن يقتصر على الطريقة التي تقترح عليه، فقد يكون لبعض الطلاب مهارات إضافية ينتفعون بها أكثر من انتفاعهم بالطرق المقترحة بعد أن يعرفوا الأصول المهمّة لدراسة المسائل العلمية في الطرق المقترحة، وأما التطبيق فما نذكره من الطرق فالغرض منه توضيح الفكرة فمن طبّقها كما هي فحسن، ومن كانت لديه طريقة في التطبيق تفي بالغرض المطلوب وتكون أيسر على الطالب وأنفع له ويمكنه أن يداوم عليها فهو أفضل.
خطة الدراسة كما تعلمون في هذا الأسبوع المقرر هو دراسة كتاب أصول التفسير للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ودراسة القسم الأول من هذا الكتاب، والكتاب مختصر ليس بمطول لكنه حوى زُبداً مهمة ينبغي لطالب علم التفسير وعلوم القرآن أن يحرص على ضبطها جيداً، وهذا القسم الأول يستطيع الطالب أن ينجزه في يوم أو يومين لو ركز في الدراسة، لكن أعطي الوقت إلى أسبوع لأنه ضم إليه كتاب آخر وهو مقدمة تفسير ابن كثير.
ومقدمة تفسير ابن كثير المطلوب ليس الاختبار فيها وإنما تلخيص مقاصد هذا الكتاب وسنأتي على طريقة تلخيص المقاصد بإذن الله بعد قليل، لكن ينبغي للطالب أن يعرف الموضوعات التي تضمنها النصف الأول من كتاب أصول التفسير للشيخ محمد بن عثيمين ثم يجدول دراسته على أيام الأسبوع حتى يكون مستعداً للاختبار في نهاية الأسبوع.
أما مقدمة تفسير ابن كثير رحمه الله فهي مقدمة نفيسة تضمنت مسائل مهمة في أصول التفسير وعلوم القرآن، وقد استفاد فيها من مقدمة شيخ الإسلام رحمه الله تعالى استفادة ظاهرة لمن وازن بين مقدمة تفسير ابن كثير ومقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
[شرح طريقة تلخيص المقاصد]
كل كتاب يؤلفه عالم من العلماء فإنه يحوي رسالة يريد أن يوصلها إلى القارئ، والقارئ الماهر هو الذي يحرص على فهم مقصد المؤلف من تأليفه لهذا الكتاب، فإذا توجهت عناية القارئ إلى فهم مقاصد الكتاب كان ذلك أدعى لانتفاعه وفهمه لما أراده المؤلف.
ومقاصد الكتاب تطلق على معنيين:
المعنى الأول: هو المقصد العام الكلي للكتاب، وهذا يمكن أن يعبر عنه في نحو سطر أو سطرين في بعض الكتب.
والمعنى الثاني: الجمل الرئيسة التي حواها هذا الكتاب، فإن الكتاب كالبنيان له أعمدة يقوم عليها، فكذلك الكتاب له جمل مهمة هي قيمة هذا الكتاب، وهي بمثابة الأعمدة للبنيان، فإذا نظرتم إلى مقدمة تفسير ابن كثير ستجدون كلامه عن أنواع محددة قد يختلف الطلاب في تحديدها، وتحديد عددها، وهذا الاختلاف شأنه يسير؛ لأنه اختلاف اجتهاد، بعضهم قد يحددها في خمسة مقاصد، وبعضهم قد يحددها في سبعة، وبعضهم قد يحددها في أقل أو أكثر، المهم أن يحدد الطالب الجمل الرئيسة التي يرى أنها هي عماد هذا الكتاب.
وذلك بأن يجرد المسائل التي تضمّنها الكتاب جرداً ذهنياً في أوّل الأمر ثمّ يقسّمها إلى أنواع هذه الأنواع هي المقاصد الفرعية، لأنه سيجد أن بعض المسائل يجمعها نوع واحد كما سيتّضح بالمثال إن شاء الله تعالى.
إذا أنجز الطالب معرفة المقاصد الفرعية فإنه يكون بإذن الله قد فهم نصف الكتاب ويبقى عليه المرحلة التالية.
8 ذو القعدة 1435هـ/2-09-2014م, 12:20 PM
اللقاء الثالث لطلاب برنامج دراسة التفسير بعنوان: تلخيص مقاصد الكتب
العرض العادي
