دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الواسطية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #9  
قديم 11 صفر 1430هـ/6-02-2009م, 08:43 PM
فاطمة فاطمة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 758
افتراضي شرح العقيدة الوسطية للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)

قال شيخ الإسلام بعد أن ذكر هذا قال: (بل يؤمنون بأن الله سبحانه)، (بل) هذه للإضراب, إضراب عن ما سبق إلى الآتي، والإضراب نوعان:
قد يكون إضراب لغلط،
وقد يكون إضراب للانتقال من كلام إلى كلام،
والذي في القرآن من الإضراب: الإضراب الانتقالي، وهنا يعني به الإضراب الانتقالي، قال: (بل يؤمنون)، أضرب عن الكلام السالف يعني عن تفصيله وعن تدقيق الكلام فيه وتنويع الكلام فيه، ودخل في كلام آخر، قال: (بل يؤمنون بأن الله سبحانه: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه).
نؤمن بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير كما أخبر الله جل وعلا بذلك عن نفسه في سورة الشورى فقال: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }، وقال جل وعلا: { ولم يكن له كفواً أحد }، وقال سبحانه: { هل تعلم له سمياً }.
وقال جل وعلا: { فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون } يعني: لا تضربوا لله الأوصاف والنعوت إن الله يعلم ما يصف به نفسه وأنتم لا تعلمون، أن كيف تصفون الله جل وعلا.
هذه الآية وهي قوله: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } فيها النفي والإثبات، نفى بقوله: { ليس كمثله شيء } وأثبت بقوله: { وهو السميع البصير }، وهذه قاعدة عظيمة أخبر الله جل وعلا بها، ومعنى ذلك أن هذا الدين، وأن هذا الإيمان بالصفات مبني على النفي والإثبات، نفي كما نفى الله بقوله { ليس كمثله شيء }، وإثبات كما أثبت الله بقوله { وهو السميع البصير }، يظهر من الآيات أن النفي جاء فيها مجملاً وأن الإثبات جاء فيها مفصلاً، فقال سبحانه تعالى: { ليس كمثله شيء } بنفي مجمل بدون تحديد هذا النفي، المبتدعة يعكسون القاعدة فيجعلون النفي مفصلا ويجعلون الإثبات مجملا، والله جل جلاله جعل النفي مجملا والإثبات مفصلا، قال { ليس كمثله شيء } هذا كل ما يعلق بالذهن فلا يصح أن يكون الله جل وعلا مثله { ليس كمثله شيء }، الإثبات مفصل { وهو السميع البصير }، هنا في قوله { ليس كمثله شيء } الكاف هذه مما تكلم فيها العلماء ولتقريرها فائدة في العقائد، وذلك أن قوله تعالى: { ليس كمثله شيء } شيء: اسم، ليس سبك الكلام: { ليس شيء كمثله }، والكاف هنا هذه ما نوعها؟ معنى الآية يتوقف على فهم معنى الكاف، هنا { ليس شيء كمثله } ليس كمثله شيء، الكاف هذه لأهل العلم فيها وجهان:
قال طائفة من أهل العلم: إن الكاف هنا صلة وهي الزائدة لإفادة تكرير الكلام والجملة مرتين أو أكثر واللغة العربية فيها زيادة الحرف لمزيد تأكيد الكلام، كما قال جل وعلا: { فبما رحمة من الله لنت لهم } يعني: فبرحمة من الله لنت لهم، يعني: {ما} هنا مزيدة لتوكيد الكلام.
ما معنى التوكيد هنا؟ تكرار الجملة لتعظيم شأنها، قال: فبرحمة من الله لنت لهم، فبرحمة من الله لنت لهم، هنا إذاً على هذا تكون الكاف صلة يعني زائدة لتأكيد المعنى، قال: { ليس كمثله شيء } – يعني: ليس مثله شيء ليس مثله شيء، ليس مثله شيء وهو السميع البصير، فالعربي يفهم من هذه الصلة، وهي مجيء الكاف هنا، أن الجملة كررت عليه أكثر من مرة وهذا من أسرار اللسان العربي، قال: { لا أقسم بيوم القيامة }، { لا } هذه صلة، معنى الكلام: أقسم بيوم القيامة، أقسم بيوم القيامة أقسم بيوم القيامة. { ولا أقسم بالنفس اللوامة }: أقسم بالنفس اللوامة، أقسم... وهكذا، فإذن مزيد الحرف لمزيد التأكيد، فقوله هنا: { ليس كمثله شيء } هذا للتأكيد ومزيد الكاف للتأكيد بخصوصها هذا معروف في اللغة، ومنه قول الشاعر:
*لو كان في قلبي كقدر قلامةٍ*
لو كان في قلبي كقدر قلامة لو كان في قلبي كقدر, ليس لـ (كان) هنا اسم، لأن في قلبي جار ومجرور. كقدر,
*لغيرك ما أتتك رسائل*
وهنا قال إذاً: { ليس كمثله شيء } فصار المعنى: ليس كمثله شيء، ليس مثله شيء، ليس مثله شيء { وهو السميع البصير }، وهذا الوجه هو الصحيح وهو الراجح عند العلماء المحققين.
الوجه الثاني: أن تكون الكاف بمعنى ( مثل ) فيكون المعنى: ليس مثل مثله شيء, ليس مثل مثله شيء يعني ما فيها تأكيد يعني: ليس مثله مثله شيء وهو السميع البصير. ونفي مثل المثل فائدته استحالة وجود المثل وليس كما ظُن أن فيه إثبات لوجود المثل، يعني صُرف النظر عن المثل إلى مثل المثل إبعادا لوجود المثل، لكن هذا فيه نوع ضعف مع أن كثير من العلماء قال به ومجيء الكاف بمعنى مثل كثير ومنه قوله جل وعلا في سورة البقرة: { ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة }، لما عطف { أشد } على موضع الكاف دلنا على أن الكاف ليست بحرف بل هي اسم؛ لأن الاسم لا يعطف على حرف.
قال هنا: { وهو السميع البصير } هذا إثبات إثبات مفصل، فصل الإثبات، قال: { السميع البصير }، والسميع: اسم من أسماء الله، البصير: اسم من أسماء الله، وأسماء الله جل وعلا تدل على ذاته دلالة الاسم على المسمى على الذات وفيها الصفة، السميع اسم لمن كان ذا سمع، والبصير اسم لمن كان ذا بصر فيها إثبات السمع والبصر لله جل وعلا، ما فائدة إثبات السمع والبصر هنا؟ قال العلماء: في هذا حكمة وفائدة عظيمة وهو أنه نفى أولا بقوله: { ليس كمثله شيء }، ثم أثبت هذين الاسمين لله المتضمنين لصفتي السمع والبصر، وسبب ذلك أن صفة السمع والبصر من الصفات التي تشترك فيها أكثر المخلوقات الحية ذات الروح مهما صغر من فيه حياة من ذوي الأرواح أو عظم، فعنده سمع وبصر، فانظروا إلى النملة عندها سمع وبصر { يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون } عندها سمع، سمعت وتبصر طريقها، تبصر أمراً، البعوضة كذلك لها سمع ولها بصر، الدّواب لها سمع ولها بصر، الإنسان له سمع وله بصر، فصفتا السمع والبصر من أكثر الصفات اشتراكا بين المخلوقات الحية ذوات الأرواح، فإذا كان ثَمَّ توهم في المماثلة فليكن توهم للمماثلة في اتصاف هذه المخلوقات بصفة السمع والبصر، فهل بصرك أيها الإنسان وسمعك من مثل بصر النملة وسمعها؟ لا شك أن ثَم قدْرا مشتركا في السمع بين البعوض والإنسان وفي البصر بين البعوض والإنسان لكن تختلف كيفيته، تختلف حقيقته، يختلف عظمه وتعلقه، وكذلك السمع، الإنسان يسمع من مسافة بعيدة، المخلوق الصغير الذبابة والبعوض هذا يسمع لأقل… وهكذا، فإذا كان كذلك دلّ على أن إثبات السمع والبصر في المخلوقات هو إثبات وجود لا إثبات مساواة، وهذا متصل بقوله: { ليس كمثله شيء }، فإذاً إثبات هاتين الصفتين لله التي عظم اشتراك المخلوقات مع الله جل وعلا في اسم الصفة وفي بعض معناها أن هذا ليس من جهة التمثيل في شيء ففيه أعظم ردٍ على الذين توهموا أن إثبات الصفات فيه تمثيل وفيه تجسيم، ظاهرٌ هذا؟
هنا تنبيه وهو أن التمثيل يختلف عن التشبيه:
فالتمثيل أن يجعل الشيء مماثلا للشيء في صفة كاملة أو في الصفات كلها، نقول: محمد مثل خالد، إذا كان محمدا مثل خالد في جميع الصفات أو في صفة كاملة، محمد مثل خالد في الكرم، يعني مماثله تماما.
أما المشابهة فهي اشتراك في بعض الصفة أو في بعض الصفات قال بعض العلماء، أو في كل الصفات يعني جعلوا التشبيه أوسع من التمثيل. يعني بعض العلماء جعل التمثيل أوسع من التشبيه.
ولهذا فإن نفي التشبيه إذا نُفي في نصوص العلماء أهل السنة والجماعة فإنما يعنون به التشبيه الذي هو التمثيل المماثلة في صفة كاملة أو المماثلة في الصفات أما التشبيه الذي هو اشتراك في المعنى اشتراك في جزء المعنى، فإن هذا ليس مرادا لهم؛ لأنهم يثبتون الاشتراك فالله جل وعلا له سمع وللمخلوق سمع وهناك اشتراك في اللفظ وفي جزء المعنى، فالسمع معناه معروف في اللغة، لكن من حيث تعلقه بالمخلوق يختلف عن جهة تعلقه بالخالق ولهذا فإننا نقول في الصفات هنا كما قال (ومن غير تكييف ولا تمثيل)، وإذا قيل ومن غير تشبيه فإنهم يريدون بالتشبيه التمثيل، وهذا مستعمل عند العلماء أنهم ينفون التشبيه ويريدون به التمثيل.
قال هنا (فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه) يعني: بل يثبتون ما وصف الله جل وعلا به نفسه ولا ينفون عنه صفة وصف بها نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، وقد بينت لكم معناه عند شرح كلمة التحريف.
قال (ولا يلحدون في أسماء الله وآياته ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه)، الإلحاد في أسماء الله: الميل بها والعدول بها عن حقائقها وعما يليق بها، وأصله في اللغة من: لحد، وألحد إذا مال، ألحد فلان في الطريق، أي: مال في الطريق، وهذا اللحد الذي هو جانب القبر الذي يوضع فيه الميت لحدٌ لأنه أميل به عن سمت الحفر، والإلحاد في أسماء الله هو الذي جاء في قوله تعالى: { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه } يعني: يميلون بها عما يليق بها، وهذا الإلحاد وهو الميل قد يكون بصرفها عن ظواهرها التي دلت عليه وقد يكون بترك التعبد بها وقد يكون بتحريفها، فالمشركون سموا العزى من العزيز، وهذا إلحاد وسموا اللات من الله أو من الإله، وهذا من الإلحاد ونحو ذلك، سموا مناة من المنان كما هي بعض الروايات وهذا كله من الإلحاد، ترك دعاء الله جل وعلا بأسمائه هذا من الإلحاد، هنا مراده نوع من ذلك الإلحاد وهو صرفها عن معانيها اللائقة بها؛ لأنه ميل بها وعدول عن اللائق بها، والواجب أن يسلك في الأسماء والصفات وآيات الله جل وعلا ما يليق بها، لا أن يمال عما يليق بها ويعدل عن حقائقها التي تليق بالله جل وعلا.
قال (ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه)، وهذا جاء مقررا فيما سبق، ونقف عند هذا ونسأل الله جل وعلا لنا ولكم الهدى والرشاد والانتفاع بما سمعنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


الوجه الثاني

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، (فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه.... حتى قرأ فلا عدول لأهل السنة والجماعة عن ما جاء به المرسلون فإنه الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين).

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والثناء على الله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد … قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - في هذه العقيدة المختصرة المباركة التي نسأل الله جل وعلا أن ينفعنا جميعا بها وأن يتقبل منا اعتقادنا لما فيها وأن يثبتنا عليه حتى نلقاه.
قال - رحمه الله تعالى - في وصف أهل السنة والجماعة (فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه) لا ينفون عنه ما وصف به نفسه كما نفى عنه الصفات التي وصف بها نفسه طوائف الضلال من الجهمية والمعتزلة والرافضة والكلابية والكرامية والأشعرية والماتريدية ونحو ذلك، فإن كل طائفة من هؤلاء نفت عن الله جل وعلا إما جميع الصفات وإما بعض الصفات، والذين ينفون عن الله جل وعلا ما وصف به نفسه إما أن يكونوا من الذين ينفون أكثر الصفات وهؤلاء يقال لهم: النفاة، نفاة الصفات، كالجهمية والمعتزلة، وإما أن يثبتوا منها سبعا أو عشرين أو ثمانية كحال الماتريدية وهؤلاء قد يقال في حقهم: الصفاتية؛ لأنهم يثبتون من الصفات أكثر مما أثبت أصولهم وهم المعتزلة والجهمية، فالكلابية تثبت من الصفات أكثر مما أثبت المعتزلة، وكذلك الأشاعرة والماتريدية، ولهذا قد يقال لهؤلاء الصفاتية في مقابلة النفاة، كما يذكر ذلك كثير من علماء أهل السنة ومنهم شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -، وهؤلاء جميعا سواء كانوا من النفاة أم كانوا من الصفاتية فهم ينفون عن الله جل وعلا ما وصف به نفسه، وهذا النفي قد يكون نفيا للصفة بالكلية، وقد يكون نفيا لمعناها بتأويلها بغير معناها وبحمل الظاهر فيها على غير ما دلت عليه ظاهر النصوص، هؤلاء ينفون، يعني أن مآل حالهم النفي سواء نفوه أصلا أو نفوا معناه الذي دلّ عليه الظاهر فالذين نفوا أن الله جل وعلا متصف بالرحمة اللائقة به هؤلاء نفوا الرحمة ولو قالوا: إن معنى الرحمة إرادة الإحسان ونثبت الرحمة بتأويل، هؤلاء أيضا ينفون، وأما أهل السنة والجماعة فإنهم يثبتون المعاني التي اشتملت عليها ألفاظ الصفات على ما يليق بالله جل وعلا على قاعدة: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } يثبتون اللفظ ويثبتون ما في اللفظ من الصفة ويثبتون ويوقنون ويؤمنون بما دلّ عليه اللفظ من الصفة ويعلمون أصل معنى هذه الصفة؛ لأنها بلسان عربي مبين، ثم هم مع ذلك أعني أهل السنة والجماعة يقطعون الطمع عن إدراك الكنه وعن إدراك الكيفية، يعني عن إدراك كل المعنى وعن إدراك الكيفية، فإذاً أهل السنة لا ينفون عن الله ما وصف به نفسه بل يثبتون لله جل وعلا ما وصف به نفسه.
قال - رحمه الله تعالى - بعد ذلك (ولا يحرفون الكلم عن مواضعه) لأن الذين يحرفون الكلم عن مواضعه هم اليهود كما وصف الله جل وعلا طوائف اليهود بذلك بقوله: { من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه }، ومعنى تحريف الكلم عن مواضعه بحمله على غير ما دلّ عليه، والتحريف أصله العدول باللفظ عن معناه إلى غيره أو العدول بالمعنى عن أصله إلى غيره، يعني إلى غير الأصل، إما أن يقول: إن اللفظ هذا معناه لفظ آخر كمن حرّف { استوى } إلى (استولى) أو ينفون المعنى ويثبتون معنىً آخر وهؤلاء هم الذين يؤولون الصفات الفعلية وبعض الصفات الذاتية بما أثبتوا من الصفات العقلية، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
(يحرفون الكلم) يُعنى به الكلمات الشرعية الدينية التي هي في باب الأخبار عن الله جل وعلا، وتحريف الكلم عن مواضعه هذا حرام وقد يكون كفرا وقد يكون كبيرة وقد يكون معصية وقد يكون خطأ يعذر فيه صاحبه وهو إذاً أقسام، فليس كل تحريف كفرا بل قد يكون كفرا وقد يكون كبيرة من كبائر الذنوب، قد يكون معصية وقد يكون خطأ، وتفصيل هذا وأمثلته تأتي في مواضعها في الرسالة إن شاء الله تعالى.
قال بعد ذلك ( ولا يلحدون في أسماء الله وآياته ) الإلحاد مرّ معنا وهو أنه الميل، ولهذا سمّي اللحد - لحد القبر - لحدا لأنه مائل عن سمت الحفر فيه ميول، فالإلحاد: الميل، ألحد يعني: مال، الملحد: المائل عن الحق إلى غيره، وفي الاصطلاح، الملحد: هو من مال عن الإيمان إلى الكفر.
قال ( لا يلحدون في أسماء الله وآياته ) يعني أن أهل السنة والجماعة يؤمنون بالأسماء - أسماء الله - وبالآيات وما اشتملت عليه الآيات من الأسماء والصفات، ولا يُميلونها ولا يخرجون بها عن حقائقها اللائقة بها، إذ إن صراط الأسماء المستقيم, هو صراط الآيات المستقيم، أن يؤخذ بها بما دلت عليه ألفاظها من المعاني ويُثْبَت ذلك لله جل وعلا فإذا حُرف ذلك فإن هذا من الإلحاد، بمعنى أنه إذا نفى صفة أو نفى اسما من أسماء الله فإن هذا من جنس الإلحاد في أسمائه وصفاته، وقد قال الله جل وعلا في محكم كتابه: { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه }، والإلحاد في أسماء الله وصفاته أنواع سبق ذكرها.
قال هنا (ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه) التكييف مرّ مَعَنا معناه والتمثيل مرّ معنا معناه، إذاً أهل السنة والجماعة تميزوا عمّن سواهم بهذه الخصائص:
_ أنهم يثبتون لله جل وعلا ما أثبته لنفسه,
_ ولا ينفون عن الله جل وعلا ما وصف به نفسه،
_ ولا ينفون عن الله جل وعلا ما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن سبيلهم ليس هو سبيل الزائغين الضالين المغضوب عليهم، الذين يحرفون الكلم عن مواضعه من الذين شابهوا اليهود أو الذين يلحدون في أسماء الله وآياته الذين شابهوا المشركين، وإنما يؤمنون بالأسماء والصفات على حقائقها اللائقة بالله جل وعلا...
ثم بين العلة في ذلك، فقال: (لأنه سبحانه لا سَمِيَّ له ولا كُفؤَ له ولا ندّ له ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى)، هذا تعليل لما سبق، لِما لم ينف أهل السنة والجماعة عن الله ما وصف به نفسه؟، قال: (لأنه سبحانه لا سميَّ له ولا كفؤَ له)، فإذاً الصفات والأسماء وإن كان ظاهر المعنى قد يقتضي المشابهة فإن إثبات الأسماء لله جل وعلا وإثبات الصفات لله جل وعلا إثبات لها بإثبات اللفظ وإثبات المعنى الذي دلّ عليه اللفظ على ما يليق بالله جل وعلا، وأما الاشتراك في بعض المعنى فإن هذا لا ينفيه أهل السنة والجماعة؛ لأن الله جل وعلا هو الذي وصف نفسه بذلك كما سيأتي من قوله فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، فهو جل وعلا الذي سمى نفسه السميع وسمى المخلوق بالسميع وبين السميع والسميع قدر مشترك من المعنى وهذا المعنى هو أصل السمع، والسمع الذي في المخلوق يناسب ذاته، والسمع الذي لله جل وعلا يناسب ذاته، وهذا على أصل القاعدة المقررة وهي أن: (القول في الصفات كالقول في الذات يحتذى فيه حذوه وينهج فيه منهاجه)؛ لأن الصفة، كل صفة، تناسب الموصوف فسمع المخلوق يناسب ذاته وسمع الله جل وعلا يناسب ذاته، ما بين الصفتين من القدر المشترك هذا هو ما يجمعهما في أصل اللغة في المعنى العام، أما المناسبة، مناسبة للذات فهذه في خارج الأصل، الأصل العام، وهذا فإن لله جل وعلا من الصفات أكملها فإن لله جل وعلا من الصفات أكملها وله من كل صفة كمال أكمل تلك الصفة وأعظمها وأشملها أثرا وأعمّها متعلقا، وهذا لا يعني بحال المماثلة، وإنما القدر المشترك في أصل المعنى هذا لا ينفيه أهل السنة؛ لأن الله جل وعلا أنزل القرآن بلسان عربي مبين ومعنى ذلك أن الكلمات التي فيها ذكر الأسماء والصفات أنها تفهم باللغة، وهذا سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
قال: (لأنه سبحانه لا سميَّ له) يأتي بيان معنى سبحانه عند الآية وهي قوله: {سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون}، قال: (لأنه سبحانه لا سميّ له ولا كفؤ له ولا ندّ له)، هذه الألفاظ الثلاثة السميّ والكفؤ والندّ هذه جاءت في القرآن وهي متقاربة المعنى، قال جل وعلا: {هل تعلم له سميّا} وقال سبحانه: { ولم يكن له كفوا أحد }، وقال سبحانه: { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله }، فالله جل وعلا لا سميّ له لأنه قال: { هل تعلم له سميّا }، وهذا فيه الإنكار؛ لأنه قال: {هل تعلم له سميّا} والاستفهام إذا أتى بعده جملة يراد إبطالها فإنه يكون للإنكار، وإذا أتى بعده جملة يراد إثباتها صار الاستفهام للتوبيخ أو للحث أو نحو ذلك من المعاني المقررة في علم العربية، هنا قال: { هل تعلم له سميّا } هذا فيه النفي، يعني لا يُعلم له سميّ، بل إنكار أن يُعلم له سميّ سبحانه وتعالى، فلا أحد من خلقه يعلم لله جل وعلا سميّا، والسميُّ: هو المثيل والشبيه والنظير، كما فسرها ابن عباس - رضي الله عنه - وغيره وكذلك النّد، النّد: هو المثيل والنظير، كما ذكر ابن جرير عند آية البقرة عند قوله: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا} [1] [قال الأنداد جمع الند، والند: هو المثيل والنظير، واستشهد لذلك بقول حسان بن ثابت:

أتهجوه ولست له بندٍّ ....... فشرّكما لخيركما الفداء
وتروى: أتهجوه ولست له بكفؤٍ
فهذا ( الند والكفؤ والمثيل والسميّ )، هذه كلها معانيها متقاربة ولا ترادف بينها لكن المعاني متقاربة، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان معانيها عند الآيات التي سيوردها الشيــخ - رحمه الله تعالى - بعد ذلك.
قال: (ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى)، هذه الكلمة من شيخ الإسلام إبطال لأصل أصّله الجهمية وأصّله المعتزلة، يعني أصله أهل الكلام, أهل البدعة, الذين شقّوا صف الجماعة في باب الأسماء والصفات بل وفي باب القدر قالوا: إن الله جل وعلا يقاس بخلقه. ما معنى القياس ههنا؟ يعني أنه ما نفته العقول نفيناه وما أثبته العقل وأثبتته العقول أثبتناه، وبناءً على هذا نفوا عن الله جل وعلا أكثر الصفات الذاتية، فقالوا: إن إثبات الوجه لله جل وعلا يقتضي التجسيم, والعقل ينفي أن يتصف الله جل وعلا بهذا؛ لأن الوجه أبعاض وأجزاء والله جل وعلا ليس على ذلك. قالوا: إن الله جل وعلا لا يتصف بأن له يدين وذلك أن اليد جارحة. ما الدليل؟ القياس العقلي، وهكذا في سائر الصفات، نعم إن أهل السنة أثبتوا ما أثبته القرآن من القياس، وسيأتي ذلك في موضعه لكن ليس هو كل أنواع القياس.
قال هنا: (ولا يقاس بخلقه) يعني: في جميع الصفات التي اتصف الله جل وعلا بها، فإنما نثبتها مع قطع القياس وقطع المماثلة مع الخلق، فنحن نثبت لله جل وعلا الوجه، وليس وجه الله جل وعلا كوجه الإنسان أو كوجه مخلوق من مخلوقاته، نثبت لله جل وعلا يدين وليست اليدان لله جل وعلا كيدي بعض مخلوقاته، نثبت لله جل وعلا العينين وليست العينان لله جل وعلا كعيني بعض مخلوقاته … وهكذا، نثبت لله جل وعلا استواءً يليق بجلاله وليس استواؤه كاستواء خلقه، نثبت لله جل وعلا النزول كما أخبر النبي - عليه الصلاة والسلام - عن ربه جل وعلا وليس نزول الرحمن جل وعلا كنزول خلقه, وهذا كله على هذه القاعدة؛ لأنه سبحانه لا يقاس بخلقه وإنما كما ذكرنا من القاعدة أن: القول في الصفات كالقول في الذات. كما أن الله جل وعلا لا تشبهه ولا تماثله شيءٌ من الذوات فكذلك أسماؤه في عموم معناها وكُنهِ اتصاف الله جل وعلا بها وكيفية الاتصاف وأثر ذلك الأسماء، كذلك لا يقاس هذا بخلق الله جل وعلا في أسمائهم, إلى غير ذلك من الأصول العظيمة.
ثم ذكر تعليلا آخر للاتباع، فقال: (فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره)، لما اتبعنا على هذا الوجه من التسليم؟ لِمَا لم ندخل في هذا الأمر بالقياس وبالعقل وبما أصّله طوائف ممن يسميهم أولئك الحكماء؟لأن الله جل وعلا هو الذي وصف نفسه بذلك، وهو سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، هل تعلمون ذلك منه؟! هل تعلمون كيف اتصف الله بصفاته؟! هل يعلم المبتدعة والمؤولة والمحرفة كل المعنى الذي تحمله الصفة؟! الجواب: لا، وإذا كان كذلك فبطلت دعوى المجاز وبطلت دعوى التأويل الذي يصرف الألفاظ عن ظاهرها، فإن الله جل وعلا أعلم بنفسه.
وهذا الباب باب الأسماء والصفات أعظم الأبواب التي يدخل منها الإيمان إلى القلب, وإذا كان كذلك, إذا كان كذلك فالله جل وعلا لا يبين للعباد من ذلك إلا ما فيه نفعهم ولو وقع في الأسماء والصفات في الآيات والأحاديث, لو وقع ألفاظ لو جاءت ألفاظ لا تراد ظواهرها من ذلك -لوقع عند الناس الاشتباه في هذا الأصل العظيم وهو الإيمان بالله؛ لأن الله جل جلاله إنما خضع له العباد وذلوا وعبدوه وأحبوه ورغبوا إليه ورهبوا منه وخافوه ورجوه كل ذلك لشهودهم آثار أسمائه وصفاته ولإيمانهم بأسمائه جل وعلا وصفاته ونعوت جلاله وأنواع توحيده فإنهم ما رأوا ذاته جل وعلا وإنما علموه جل وعلا بما علموا من الأسماء والصفات, وإذا كان كذلك كان محالا أن يبقى هذا الباب ملتبسا على الخلق أو تذكر فيها ألفاظ يمكن فيها الاجتهاد كألفاظ الفقه كالآيات التي فيها أحكام فقهية أو الأحاديث التي فيها أحكام فقهية التي تحتمل أكثر من معنى في بعضها، هذا الباب باب الأسماء والصفات محال أن يبقى فيه اللفظ محتملا؛ وذلك لأنه لا مدخل فيه للاجتهاد، وإذا كان فيه مدخل للاجتهاد فمعنى ذلك أن فيه سبيلا لإضلال الناس, والله جل وعلا إنما عرّف العباد بأسمائه وصفاته وأعلمهم بذلك ليكونوا في هذا الأصل العظيم على يقين وعلى ثبت وعلى إدراك تام لصفاته جل وعلا وما دلت عليه من المعاني, وبهذا تخضع قلوبهم له وتذل قلوبهم وتألهه جل وعلا محبة وانقيادا وتعظيما.
قال هنا: (فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره)، والعطف هنا في قوله: (وبغيره) مهم؛ لأن أولئك النفاة قاسوه جل وعلا بخلقه، والقياس ممتنع؛ لأن الله أعلم بنفسه فيما وصف به نفسه، وأعلم بغيره الذين وصفهم بصفات يشتركون في ألفاظها مع صفات الله جل وعلا، ويشتركون في جزء المعنى مع الله جل وعلا، يعني: مع صفات الله وأسمائه جل وعلا، فهو أعلم بنفسه وما يصلح له وما يليق به جل وعلا وأعلم بخلقه وما يصلح لهم ومايليق بهم، وهو جل وعلا وصف نفسه بالصفات، ووصف خلقه، سمّى نفسه بالأسماء وسمّى خلقه، وهو أعلم بنفسه وبخلقه، فلو كان مجال القياس واردا كما ادعوه، ولو كانت الشبهة ووقوع التمثيل والتجسيم كما ادعوه واردا لكان في هذا إلباساً على متلقي هذا الدين ومتلقي القرآن ليؤمن به, والله جل وعلا وصف آياته بأنها صدق وعدل، فقال سبحانه: {وتمّت كلمة ربك صدقا وعدلا}، وفي القراءة الأخرى: (وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا)، وهي صدق في الأخبار وعدل في الأحكام، ولهذا فإن الله جل وعلا لما كان أعلم بنفسه وبغيره يعني: وبخلقه فإنه يُتلقى ما سمّى به نفسه وما وصف به نفسه بالتسليم العظيم؛ لأنه لا أحد أعلم بالله من الله ولا أحد أعلم بالله من خلقه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال بعده: "وأصدق قيلا" كما قال سبحانه: {ومن أصدق من الله قيلا}، وقال: {ومن أصدق من الله حديثا}، فالله جل وعلا لا أحد أصدق منه قيلا بل هو جل وعلا الذي كلماته صدق في أخباره إذا أخبر عن نفسه, فهو صدق وحق وإذا أخبر عن أسمائه فهو صدق وحق, وإذا أخبر عن صفاته فهو صدق وحق، وإذا كان كذلك فمعناه أن دعاوى أولئك كلها باطلة.
قال: (وأحسن حديثا من خلقه).


[1] ما بين المعقوفتين غير مسموع في الشريط؛ يرجى التأكد منه سماعا.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أهل, السنة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir