دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 10:03 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الجزم بالشرط


فِعلَيْنِ يَقتضِينَ شَرْطٌ قُدِّمَا = يَتْلُو الجزاءُ وَجَوَابًا وُسِمَا
وماضِيَيْنِ أوْ مُضارِعَيْنِ = تُلْفِيهِمَا أوْ مُتخالِفَيْنِ
وبعدَ ماضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ = ورفْعُهُ بعدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ
واقْرُنْ بِفَا حَتْمًا جوابًا لوْ جُعِلْ = شَرْطًا لأنْ أوْ غيرِها لمْ يَنْجَعِلْ
وتَخْلُفُ الفاءَ إذا المُفَاجَأَةْ= كَإِنْ تَجُدْ إذَا لنا مُكَافَأَةْ
والفعلُ مِنْ بعدِ الْجَزَا إنْ يَقْتَرِنْ = بِالْفَاَ أو الواوِ بتَثليثٍ قَمِنْ
وجَزْمٌ اوْ نَصْبٌ لفِعلٍ إِثْرَ فَا = أَوْ واوٍ انْ بالجملتَيْنِ اكْتُنِفَا
والشرطُ يُغْنِيعنْ جوابٍ قدْ عُلِمْ = والعكسُ قَدْ يَأْتِي إِن المَعْنَى فُهِمْ
واحْذِفْ لَدَى اجْتماعِ شرْطٍ وقَسَمْ = جَوَابَ ما أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ
وإنْ تَوَالَيَا وقَبْلُ ذُو خَبَرْ = فالشَّرْطَ رَجِّحْ مُطْلَقًا بلا حَذَرْ
ورُبَّما رُجِّحَ بعدَ قَسَمِ = شَرْطٌ بلا ذي خَبَرٍ مُقَدَّمِ


  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 08:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينِ: شَرْطٌ قُدِّمَا = يَتْلُو الجَزَاءُ،وَجَوَابًا وُسِمَا([1])
يعني أنَّ هذه الأدواتِ المذكورةَ في قوله: (واجْزِمْ بِإِنْ - إلى قوله - وَأَنَّى) يقتضِينَ جملتينِ: إحدَاهما: وهي المُتَقَدِّمَةُ تُسَمَّى شرطا والثانيةَ: وهي المُتَأَخِّرَةٌ تُسَمَّى جَوَابًا وَجَزَاءً، ويجِبُ في الجملةِ الأولى أنْ تكُونَ فعليَّةً، وأما الثانيةُ فالأصلُ فيها أن تكُونَ فعليَّةً، ويجُوزُ أَنْ تكُونَ اسميَّةً نحو: "إِنْ جَاءَ زَيْدٌ أَكْرَمْتُهُ، وَإِنْ جَاءَ زَيْدٌ فَلَهُ الفَضْلُ".

وَمَاضِيَيْنِ أَوْ مُضَارِعَيْنِ = تَلْفَيْهُمَا أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ([2])
إذا كانَ الشرطُ والجزاء ُجملتينِ([3]) فعليَّتينِ فيكونانِ على أربعةِ أنحاءٍ:
الأولُ: أنْ يكُونَ الفعلانِ ماضيينِ نحو: "إِنْ قامَ زَيْدٌ قامَ عَمْرٌو" ويكونانِ في محلِ جزمٍ، ومنه قولُه تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ}.
والثاني: أَنْ يكُونا مضارعينِ نحو: "إِنْ يَقُمْ زَيْدٌ يَقُمْ عَمْرٌو" ومنه قولُه تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}.
والثالثُ: أنْ يكُونَ الأولُ ماضيًا، والثاني مضارعًا نحو: "إِنْ قَامَ زَيْدٌ يَقُمْ عَمْرٌو" ومنه قولُه تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا}.
والرابعُ: أَنْ يكُون الأَوَّلُ مضارعًا، والثاني ماضيًا وهو قليلٌ ومنه قولُه:
340- مَنْ يَكِدْنِي بِسَيِّئٌ كُنْتَ مِنْهُ = كَالشَّجَا بَيْنَ حَلْقِهِ وَالْوَرِيدِ([4])
وقولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) ([5]).

وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الجَزَا حَسَنْ = وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ([6])
أي: إذا كانَ الشرطُ ماضيًا والجزاءُ مضارعًا جازَ جزمُ الجزاءِ ورَفْعُه وكلاهما حسنٌ، فتقولُ: " إِنْ قَامَ زَيْدٌ يَقُمْ عَمْرٌ، ويَقُومُ عَمْرٌو" ومنه قولُه:
341- وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ = يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ([7])
وإن كان الشرطُ مضارعًا والجزاءُ مضارعًا وجَبَ الجزمُ فيهما ورَفْعُ الجزاءِ ضعيفٌ كقوله:
342- يَا أَقْرَعُ بْنَ حَابِسٍ يَا أَقْرَعُ = إِنَّكَ إِنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعُ([8])
وَاقْرِنْ بِفَا حَتْمًا جَوَابًا لَوْ جُعِلْ = شَرْطًا لِإِنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ([9])
أي: إذا كانَ الجوابُ لا يصلُحُ أنْ يكُونَ شرطًا وجَبَ اقترانُه بالفاءِ، وذلك كالجملةِ الاسميةِ نحو: "إِنْ جَاءَ زَيْدٌ فَهُوَ مُحْسِنٌ" وكفعلِ الأمرِ نحو: "إِنْ جَاءَ زَيْدٌ فَاضْرِبْهُ" وكالفعليَّةِ المنفيَّةِ بما، نحو: "إِنْ جَاءَ زَيْدٌ فَمَا أَضْرِبُه" أو لن نحو: "إِنْ جَاءَ زَيْدٌ فَلَنْ أَضْرِبَهُ" فإن كان الجوابُ يصلُحُ أن يكُونَ شرطًا كالمضارعِ الذي ليس منفيًّا بما، ولا بلن، ولا مقرونًا بحرفِ التنفيسِ، ولا بقد وكالماضي المُتَصَرِّفِ الذي هو غيرُ مقرونٍ بقدْ لم يجِبِ اقترانُهُ بالفاءِ نحو: "إِنْ جَاءَ زَيْدٌ يَجِيءُ عَمْرٌو" أو "قامَ عَمْرٌو".
وَتَخْلُفُ الفَاءَ إِذَا المُفَاجَأَه = كـ "إِنْ تَجُدْ إِذًا لَنَا مُكَافَأَه "([10])
أي: إذا كانَ الجوابُ جملةً اسميَّةً وجَبَ اقترانُه بالفاءِ، ويجُوزُ إقامةِ إِذَا الفجائيَّةِ مقامَ الفاءِ، ومنه قولُه تعالى: { وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنُطُونَ} ولم يقيِّدِ المصنِّفُ الجملةَ بكونِها اسميَّةً استغناءً بفهمِ ذلك مِنَ التمثيلِ وهو "إِنْ تَجُدْ إِذًا لَنَا مكافأةٌ.
وَالفِعْلُ مِنْ بَعْدِ الجَزَا إِنْ يَقْتَرِنْ = بِالفَا أَوِ الوَاوِ بِتَثْلِيثٍ قَمِنْ([11])
إذا وقَعَ بعدَ جزاءِ الشرطِ فِعْلٌ مضارعٌ مقرونٌ بالفاءِ أو الواوِ، جازَ فيه ثلاثةُ أوجهٍ: الجزمُ،والرفعُ، والنصبُ، وقد قُرِيءَ بالثلاثةِ قولُه تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءَ} بجزمِ {يَغْفِر} ورفعِه ونصبِه وكذلك رُوِيَ بالثلاثةِ قولُه:
343- فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ = رَبِيعُ النَّاسِ وَالبَلَدِ الحَرَامِ
وَنَأْخُذْ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ = أَجَبِّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سِنَامُ([12])
رُوِيَ "بجزمِ" نَأْخُذْ ورَفْعِه، ونصبِه.
وَجَزْمٌ اوْ نَصْبٌ لِفِعْلٌ إِثْرَ فَا = أَوْ وَاوٍ انْ بِالجُمْلَتَيْنِ اكْتَنَفَا([13])
إذا وقَعَ بينَ فِعْلِ الشرطِ والجزاءِ فِعْلٌ مضارعٌ مقرونٌ بالفاءِ، أو الواوِ جازَ نصبُه وجزمُه نحو: "إِنْ يَقُمْ زَيْدٌ، ويَخْرُجْ خَالدٌ، أُكْرِمْكَ" بجزم "يخرج" ونصبُه ومِنَ النصبِ قولُه:
344- وَمَنْ يَقْتَرِبْ مِنَّا وَيَخْضَعَ نُؤْوِهِ = وَلاَ يَخْشَ ظُلْمًا مَا أَقَامَ وَلاَ هَضْمَا([14])

والشَّرْطُ يُغْنِي عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ = وَالْعَكْسُ قَدْ يَأْتِي إِنِ المَعْنَى فُهِمْ([15])
يجُوزُ حَذْفُ جَوابِ الشرطِ، والاستغناءُ بالشرطِ عنه وذلك عندَ ما يدُلُّ دليلٌ على حذْفِه نحو: "أَنْتَ ظَالِمٌ إِنْ فَعَلْتَ" فحذَفَ جوابَ الشرطِ لدِلالَةِ "أَنْتَ ظَالِمٌ" عليه والتقديرُ: "أَنْتَ ظَالِمٌ إِنْ فَعَلْتَ فَأَنْتَ ظَالِمٌ" وهذا كثيرٌ في لسانِهِم، وأما عكسُه وهو حَذْفُ الشرطِ، والاستغناءُ عنه بالجزاءِ فقليلٌ ومنه قولُه:
345- فَطَلِّقْهَا فَلَسْتَ لَهَا بِكُفْءٍ = وَإِلاّ يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحُسَامُ([16])
أي: وِإلاَّ تطلِّقْها يَعلُ مَفْرِقَكَ الحُسَامُ.

وَاحْذِفْ لدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ = جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهُوَ مُلْتَزَمْ([17])
كلُّ واحدٍ مِنَ الشرطِ والقسمِ يَسْتَدْعِي جوابًا، وجوابُ الشرطِ: إما مجزومٌ أو مقرونٌ بالفاءِ، وجوابُ القسمِ إن كان جملةً فعليَّةً مثبَتةً مصدَّرَةً بمضارعٍ أُكِّدَ باللامِ والنونِ نحو: "واللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ زَيْدًا" وإنْ صُدِّرَتْ بماضٍ اقترنَ باللامِ وقد([18]) نحو: "واللَّهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ"، وإنْ كانَ جملةً اسميَّةً فبإنْ واللامِ أو اللامِ وحدَها، أو بإنْ وحدَها نحو: "واللَّهِ إنَّ زَيْدًا لَقَائِمٌ" و"واللَّهِ لَزَيْدٌ قَائِمٌ" و"وَاللَّهِ إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ"، وإنْ كانَ جملةً فعليَّةً منفيَّةً فينفِي بما أولاً أو إنْ نحو: "واللَّهِ مَا يَقُومُ زَيْدٌ وَلاَ يَقُومُ زَيْدٌ وَإِنْ يَقُومُ زَيْدٌ" والاسميَّةُ كذلك([19]).
فإذا اجتمعَ شرطٌ وقسمٌ حُذِفَ جَوابُ المتأخِّرِ منهما لدلالةِ جوابِ الأوَّلِ عليه فتقولُ: "إِنْ قامَ زيدٌ وَاللَّهِ يَقُمْ عَمْرٌو" فتحذِفُ جوابَ القسمِ لدلالةِ جوابِ الشرطِ عليه وتقولُ: "واللَّهِ إِنْ يَقُمْ زَيْدٌ لَيَقُومَنَّ عَمْرٌو" فتحذِفُ جوابَ الشرطِ لدلالةِ جوابِ القسمِ عليهِ.
وَإِنْ تَوَالَيَا وَقَبْلَ ذُو خَبَرْ = فَالشَّّّّرْطَ رَجِّحْ مُطْلَقًا بِلاَ حَذَرْ([20])
أي: إذا اجتمعَ الشرطُ والقسمُ أُجيبَ السابقُ منهما وحُذِفَ جوابُ المتأخِّرُ، هذا إذا لم يتقدَّمْ عليهما ذو خبرٍ، فإن تقدَّمَ عليهما ذو خبرٍِ، رَجُحَ الشرطُ مطلَقًا أي: سواءٌ كان متقدِّمًا أو متأخِّرًا؛ فيجابُ الشرط ويحذِفُ جوابَ القسمِ فتقولُ: "زَيْدٌ إِنْ قامَ واللَّهِ أُكْرِمْهُ" و"زَيْدٌ وَاللَّهِ إِنْ قَامَ أُكْرِمْهُ".
وَرُبَّمَا رَجُحَ بَعْدَ قَسَمِ = شَرْطٌ بِلاَ ذِي خَبَرٍ مُقَدَّمِ([21])
أي: وقد جاءَ قليلاً ترجيحُ الشرطِ على القَسَمِ عندَ اجتماعِهما وتقدَّمَ القَسَمُ، وإن لم يتقدَّم ذو خبرٍ ومنه قولُه:
346- لَئِنْ مُنِيتَ بِنَا عَنْ غِبِّ مَعْرَكَةٍ لاَ تُلْفِنَا عَنْ دِمَاءِ القَوْمِ نَنْتَفِلُ([22])
فلامُ "لَئِنْ" موطِّئةٌ لقَسَمٍ محذوفٍ، والتقديرُ: والله لئن - و"إِنْ" شرطٌ وجوابُه (لا تُلْْفِنَا) وهو مجزومٌ بحَذْفِ الياءِ ولم يجِبِ القَسَمُ، بل حُذِفَ جوابُه لدلالةِ جوابِ الشرطِ عليه، ولو جاءَ على الكثيرِ- وهو إجابةُ القَسَمِ لِتَقَدُّمِه لقيلَ: لا تُلْفِينَا بإثباتِ الياء؛ لأنه مرفوعٌ.


([1])(فعلين) مفعول مقدم على عامله، وهو قوله (يقتضين) (يقتضين) فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة العائدة على الأدوات السابقة، ونون النسوة فاعل (شرط) مبتدأ، وساغ الابتداء به مع كونه نكرة لوقوعه في معرض التفصيل (قدما) قدم: فعل ماض مبني للمجهول، والألف للإطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى شرط والجملة في محل رفع خبر المبتدأ (يتلو) فعل مضارع (الجزاء) فاعل يتلو (وجوبا) مفعول ثان تقدم على عامله وهو قوله (وسم) الآتي، (وسما) وسم: فعل ماض مبني للمجهول، والألف للإطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قوله الجزاء، وهو المفعول الأول.

([2])(وماضيين) مفعول ثان تقدم على عامله، وهو قوله (تلفيهما) الآتي (أو) عاطفة (مضارعين) معطوف على قوله (ماضيين) السابق (تلفيهما) تلفي: فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والضمير البارز المتصل مفعول (تلفي) الأول (أو) عاطفة (متخالفين) معطوف على قوله (مضارعين).

([3])لا عذر للشارح في قوله (جملتين) من وجهين، الأول: أن الناظم قال: (فعلين يقتضين) والوجه الثاني: أن الشرط لا يكون جملة وإنما يكون فعلا، فأما الجواب فقد يكون فعلا وقد يكون جملة، وجملة الجواب قد تكون فعلية وقد تكون اسمية وإذا كان الشرط فعلا ماضيا كان هذا الفعل وحده في محل جزم، كما قال الشارح نفسه.

([4])340 - هذا البيت لأبي زبيد الطائي، من قصيدة أولها:
إن أطول الحياة غير سعود = وضلال تأميل نيل الخلود
اللغة: (يكدنى) من الكيد – من باب باع – يخدعني، ويمكر بي (الشجا) ما يعترض في الحق كالعظم (الوريد) هو الودج وقيل بجنبه.
المعنى: يرثي ابن أخته، ويعدد محاسنه فيقول: كنت لي بحيث إن من أراد أن يخدعني ويمكر بي فإنك تقف في طريقه ولا تمكنه من نيل مأربه، كما يقف الشجا في الحلق فيمنع وصول شيء إلى الجوف، وكنى بذلك عن انتقامه له ممن يؤذيه.
الإعراب: (من) اسم شرط جازم يجزم فعلين الأول فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه وهو مبني على السكون في محل رفع مبتدأ (يكدني) يكد: فعل مضارع فعل الشرط، مجزوم بالسكون والنون للوقاية، والياء مفعول به وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم الشرط (كنت) كان: فعل ماض ناقص، مبني على فتح مقدر في محل جزم جواب الشرط، وتاء المخاطب اسمه (منه كالشجا) جاران ومجروران يتعلقان بمحذوف خبر كان (بين) ظرف متعلق بالخبر وبين مضاف وحلق من (حلقه) مضاف إليه، وحلق مضاف والهاء مضاف إليه و(الوريد) معطوف على حلقه.
الشاهد فيه: قوله (من يكدني..... كنت – إلخ) حيث جزم بمن الشرطية فعلين: أحدهما – وهو قوله (يكدني) – فعل الشرط والثاني – وهو قوله (كنت) – جواب الشرط وجزاؤه وأولهما فعل مضارع وثانيهما فعل ماض، وسنتكلم على هذه المسألة ونستدل لمثل ما ورد في هذا البيت بعقب ذلك.

([5])ذهب الجمهور إلى أن مجيء فعل الشرط مضارعا وجوابه ماضيا، يختص بالضرورة الشعرية، وذهب الفراء – وتبعه الناظم – إلى أن ذلك سائغ في الكلام، وهو الراجح عندنا فقد وردت منه جملة صالحة من الشواهد نثرا ونظما، فمن النثر الحديث الذي أثره الشارح ومنه قول عائشة رضي الله عنها: (إن أبا بكر رجل أسيف متى يقم مقامك رق) ومن الشعر البيت الذي رواه الشارح ومنه قول قعنب بن أم صاحب:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا = مني وما سمعوا من صالح دفنوا
فقد جزم بإن قوله (يسمعوا) شرطا، وهو فعل مضارع، وقوله "طاروا" جوابا وهو فعل ماض، ويروى عجز "وما يسمعوا من صالح دفنوا" فيكون فيه شاهد لهذه المسألة أيضا.

([6])(بعد) ظرف متعلق بقوله (حسن) الآتي، وبعد مضاف و(ماض) مضاف إليه (رفعك) رفع: مبتدأ ورفع مضاف والكاف مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله (الجزا) قصر للضرورة: مفعول به للمصدر (حسن) خبر المبتدأ (ورفعه) رفع: مبتدأ ورفع مضاف والهاء مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله (بعد) ظرف متعلق بقوله (وهن) الآتي وبعد مضاف و(مضارع) مضاف إليه (وهن) فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى رفعه، والجملة من وهن وفاعله المستتر فيه في محل رفع خبر المبتدأ.
وتقدير البيت: ورفعك الفعل المضارع الواقع جوابا للشرط بعد الفعل الماضي الواقع شرطا حسن، فأما رفع الجواب المضارع بعد المضارع الواقع شرطا فضعيف.

([7])341 - هذا البيت لزهير بن أبي سلمى المزني، من قصيدة مطلعها:
قف بالديار التي لم يعفها القدم = بلى وغيرها الأرواح والديم
اللغة: (خليل) أي فقير محتاج مأخوذ من الخلة – بفتح الخاء – وهي الفقر والحاجة (مسألة) مصدر سأل يسأل: أي طلب العطاء، واسترفد المعونة، ويروى "يوم مسغبة" والمسغبة هي الجوع (حرم) بزنة كتف: أي ممنوع.
المعنى: يقول: إن هذا الممدوح كريم جواد سخي يبذل ما عنده فلو جاءه فقير محتاج يطلب نواله ويسترفد عطاءه لم يعتذر إليه بغياب ماله ولم يمنعه إجابة سؤاله.
الإعراب: (إن) حرف شرط جازم يجزم فعلين (أتاه) أتى: فعل ماض مبني على فتح مقدر في محل جزم فعل الشرط، والهاء مفعوله (خليل) فاعل أتى (يوم) ظرف زمان متعلق بقوله أتاه، ويوم مضاف و(مسألة) مضاف إليه (يقول) فعل مضارع جواب الشرط وستعرف ما فيه (لا) نافية عاملة عمل ليس (غائب) اسم لا مرفوع بها (مالي) مال: فاعل لغائب سد مسد خبر لا، ومال مضاف وياء المتكلم مضاف إليه (ولا) الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي (حرم) معطوف على غائب، هكذا قالوا، والأحسن عندي أن يكون حرم خبرا لمبتدأ محذوف التقدير: ولا أنت حرم، فتكون الواو قد عطفت جملة على جملة.
الشاهد فيه: قوله (يقول) حيث جاء جواب الشرط مضارعا مرفوعا وفعل الشرط ماضيا، وهو قوله (أتاه) وذلك على إضمار الفاء عند الكوفيين والمبرد، أي: إن أتاه فيقول –إلخ، وهو – عند سيبويه – على التقديم والتأخير أي: يقول إن أتاه خليل يوم مسألة لا غائب – إلخ، فيكون جواب الشرط على ما ذهب إليه محذوفا والمذكور إنما هو دليله.

([8])342 - هذا البيت من رجز لعمرو بن خثارم البجلي، أنشده في المنافرة التي كانت بين جرير بن عبد الله البجلي وخالد بن أرطاة الكلبي وكانا تنافرا إلى الأقرع بن حابس – وكان عالم العرب في زمانه – ليحكم بينهما، وذلك في الجاهلية قبل إسلام الأقرع بن حابس.
الإعراب: (يا) حرف نداء (أقرع) منادى مبني على الضم في محل نصب (ابن) نعت لأقرع بمراعاة محله، وابن مضاف و(حابس) مضاف إليه (يا أقرع) توكيد للنداء الأول (إنك) إن: حرف توكيد ونصب والكاف ضمير المخاطب اسمه (إن) شرطية (يصرع) فعل مضارع مبني للمجهول فعل الشرط (أخوك) أخو: نائب فاعل يصرع مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لأنه من الأسماء الستة، وأخو مضاف وكاف المخاطب مضاف إليه (تصرع) فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه وسيبويه يجعل الجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل رفع خبر إن، وجواب الشرط محذوف يدل عليه خبر إن، والكوفيون والمبرد يجعلون هذه الجملة جواب الشرط، وجملة الشرط والجواب خبر إن.
الشاهد فيه: قوله (إن يصرع..... تصرع) حيث وقع جواب الشرط مضارعا مرفوعا وفعل الشرط مضارع، وذلك ضعيف واه، وهل يختص بالضرورة الشعرية.؟
والجواب أنه لا يختص بضرورة الشعر، وفاقا للمحقق الرضي بدليل وقوعه في القرآن الكريم وذلك في قراءة طلحة بن سليمان: (أينما تكونوا يدرككم الموت) برفع يدرك.

([9])(واقرن) فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (بفا) قصر للضرورة: جار ومجرور متعلق باقرن (حتما) حال بتأويل اسم الفاعل: أي حاتما (جوابا) مفعول به لاقرن (لو) حرف شرط غير جازم (جعل) فعل ماض مبني للمجهول، وجملته شرط (لو) لا محل لها، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى جواب، ونائب الفاعل هذا هو مفعول (جعل) الأول (شرطا) مفعول ثان لجعل (لإن) جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقوله شرطا (أو) عاطفة (غيرها) غير: معطوف على إن، وغير مضاف وها مضاف إليه (لم) نافية جازمة (ينجعل) فعل مضارع مجزوم بلم، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى جواب، وهذه الجملة جواب لو، ولو وشرطها وجوابها في محل نصب صفة لقوله (جوابا).

([10])(وتخلف) فعل مضارع (الفاء) مفعول به لتخلف (إذا) قصد لفظه: فاعل تخلف وإذا مضاف و(المفاجأة) مضاف إليه من إضافة الدال إلى المدلول (كإن) الكاف جارة لقول محذوف، إن: شرطية (تجد) فعل مضارع فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (إذا) رابطة للجواب بالشرط (لنا) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم (مكافأة) مبتدأ مؤخر والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط.

([11]) و(الفعل) مبتدأ (من بعد) جار ومجرور متعلق بقوله (يقترن) الآتي، وبعد مضاف و(الجزا) قصر للضرورة: مضاف إليه (إن) شرطية (يقترن) فعل مضارع فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل (بألفا) قصر للضرورة: جار ومجرور متعقل بقوله (يقترن) أو (الواو) معطوف على الفاء (بتثليث) جار ومجرور متعلق بقوله (قمن) الآتي (قمن) خبر المبتدأ وهو قوله (الفعل) وجواب الشرط محذوف يدل على سابق الكلام.

([12])343 - البيتان للنابغة الذبياني، وقبلهما بيت يخاطب به عصاما حاجب النعمان بن المنذر، وهو قوله:
ألم أقسم عليك لتخبرني = أمحمول على النعش الهمام؟
اللغة: (يهلك) من باب ضرب يضرب: فعل لازم يتعدى بالهمزة كما في قوله تعالى {أهلكت مالا لبدا} وبنو تميم يعدونه بنفسه (أبو قابوس) هي كنية النعمان ابن المنذر، وقابوس: يمتنع من الصرف للعلمية والعجمة (ربيع الناس) كنى به عن الخصب والنماء وسمة العيش ورفاغته، وجعل النعمان ربيعا لأنه سبب ذلك (البلد الحرام) كنى به عن أمن الناس وطمأنينتهم وراحة بالهم وذهاب خوفهم وجعل النعمان ذلك لأنه كان سببا فيه، إذ إنه كان يجير المستجير ويؤمن الخائف (بذناب عيش) ذناب كل شيء - بكسر الذال – عقبة وآخره (أجب الظهر) أي: مقطوع السنام شبه الحياة بعد النعمان والعيش في ظلال غيره، وما يلاقيه الناس بعده من المشقة وصعوبة المعيشة وعسرها ببعير قد أضمره الهزال وقطع الإعياء والنصب سنامه تشبيها مضمرا في النفس وطوى ذكر المشبه به وذكر بعض لوازمه وقوله (ليس له سنام) فضل في الكلام وزيادة يدل عليها سابقه.
الإعراب: (فإن) شرطية (يهلك) فعل مضارع، فعل الشرط (أبو) فاعل يهلك وأبو مضاف، و(قابوس) مضاف إليه (يهلك) جواب الشرط (ربيع الناس) فاعل يهلك ومضاف إليه (والبلد) معطوف على ربيع (الحرام) نعت للبلد (ونأخذ) يروى بالجزم فهو معطوف على جواب الشرط، ويروى بالرفع فالواو للاستئناف والفعل مرفوع لتجرده عن العوامل التي تقتضي جزمه أو نصبه ويروى بالنصب فالواو حينئذ واو المعية والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة، وإنما ساغ ذلك – مع أن شرط النصب بعد واو المعية أن تكون واقعة بعد نفي أو استفهام أو نحوهما – لأن مضمون الجزاء لم يتحقق وقوعه، لكونه معلقا بالشرط، فأشبه الواقع بعد الاستفهام (بعده) بعد: ظرف متعلق بنأخذ وبعد مضاف وضمير الغائب مضاف إليه (بذناب) جار ومجرور متعلق بنأخذ وذناب مضاف وعيش مضاف إليه (أجب) صفة لعيش مجرورة بالكسرة الظاهرة وأجب مضاف و(الظهر) مضاف إليه (ليس) فعل ماض ناقص (له) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليس مقدم (سنام) اسم ليس تأخر عن خبرها، والجملة من ليس واسمها وخبرها في محل جر صفة ثانية لعيش.
الشاهد فيه: قوله (ونأخذ) حيث روي بالأوجه الثلاثة وقد بينا لك وجه ذلك مع إعراب البيتين.

([13])(وجزم) مبتدأ و(أو) عاطفة (نصب) معطوف على جزم (لفعل) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، أو متعلق بالمبتدأ أو بالمعطوف عليه في سبيل التنازع وعلى هذا يكون خبر المبتدأ إما محذوفا يفهم من السياق تقديره: جائز أو نحوه وأما الجملة الشرطية الآتية (إثر) ظرف متعلق بمحذوف صفة لفعل، وإثر مضاف و(فا) قصر للضرورة: مضاف إليه (أو) عاطفة (واو) معطوف على فا (إن) شرطية (بالجملتين) جار ومجرور متعلق باكتنفا الآتي (اكتنفا) فعل ماض فعل الشرط وجواب الشرط محذوف.

([14])344 - البيت من الشواهد التي لم نقف على نسبتها إلى قائل معين.
اللغة: (يقترب) يدنو، ويقرب (يخضع) يستكين ويذل (نؤوه) ننزله عندنا (هضما) ظلما، وضياعا لحقوقه.
الإعراب: (ومن) اسم شرط جازم يجزم فعلين، الأول فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه وهو مبني على السكون في محل رفع مبتدأ (يقترب) فعل مضارع فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على من الشرطية (منا) جار ومجرور متعلق بقوله يقترب (ويخضع) الواو واو المعية، يخضع: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد واو المعية لتنزيل الشرط منزلة الاستفهام وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على من الشرطية أيضا (نؤوه) نؤو: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بحذف الياء والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن والهاء مفعول به (ولا) الواو عاطفة، لا: نافية (يخش) فعل مضارع معطوف على جواب الشرط، مجزوم بحذف الألف وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على من الشرطية أيضا (ظلما) مفعول به ليخش (ما) مصدرية ظرفية (أقام) فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه وما المصدرية الظرفية مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بإضافة اسم زمان إليه والتقدير: مدة إقامته (ولا) الواو عاطفة، لا: نافية (هضما) معطوف على قوله (ظلما).
الشاهد فيه: قوله (ويخضع) فإنه منصوب، وقد توسط بين فعل الشرط وجوابه.
ونظير هذا البيت قول زهير بن أبي سلمى وهو من شواهد سيبويه:
ومن لا يقدم رجله مطمئنة = فيثبتها في مستوى الأرض يزلق

([15])(والشرط) مبتدأ (يغني) فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الشرط، والجملة من يغني وفاعله المستتر فيه في محل رفع خبر المبتدأ (عن جواب) جار ومجرور متعلق بيغني (قد) حرف تحقيق (علم) فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على جواب والجملة من علم ونائب فاعله المستتر فيه في محل جر صفة لجواب (والعكس) مبتدأ (قد) حرف تقليل (يأتي) فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى العكس، والجملة من يأتي وفاعله المستتر فيه في محل رفع خبر المبتدأ (إن) شرطية (المعنى) نائب فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده (فهم) فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المعنى، والجملة لا محل لها تفسيرية وجواب الشرط محذوف.

([16])345 - البيت لمحمد بن عبد الله الأنصاري المعروف بالأحوص، من أبيات يقولها في زوج أخت امرأته، أو في زوج امرأة كان يحبها – واسمه مطر – وقد تقدم بعض هذه الأبيات في باب النداء مع الإشارة إلى حديثه، فارجع إن شئت إلى باب النداء (ش 307).
اللغة: (بكفء) – بوزان قفل – أي نظير مكافئ (مفرق) – بكسر الراء أو فتحها – وسط الرأس (الحسام) السيف.
الإعراب: (فطلقها) طلق: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت وها: مفعول به (فلست) الفاء تعليلية، ليس: فعل ماض ناقص، والتاء اسمه (لها) جار ومجرور متعلق بقوله (كفء) الآتي (بكفء) الباء زائدة كفء: خبر ليس منصوب بالفتحة المقدرة (وإلا) الواو عاطفة، إن: شرطية أدغمت في لا النافية وفعل الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي: وإلا تطلقها (يعل) فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بحذف الواو (مفرقك) مفرق: مفعول به ليعل، ومفرق مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه (الحسام) فاعل (يعل).
الشاهد فيه: قوله (وإلا يعل) حيث حذف فعل الشرط ولم يذكر في الكلام إلا الجواب وقد ذكرنا تقديره في إعراب البيت وذكره الشارح العلامة.

([17])(واحذف) فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (لدى) ظرف بمعنى عند متعلق باحذف ولدى مضاف و(اجتماع) مضاف إليه، واجتماع مضاف و(شرط) مضاف إليه (وقسم) معطوف على شرط (جواب) مفعول به لاحذف وجواب مضاف و(ما) اسم موصول: مضاف إليه (أخرت) أخر: فعل ماض والتاء ضمير المخاطب فاعله والجملة لا محل لها صلة الموصول، والعائد ضمير منصوب بأخرت محذوف، والتقدير: ما أخرته (فهو) الفاء للتعليل وهو: ضمير منفصل مبتدأ (ملتزم) خبر المبتدأ.

([18])وربما حذفت اللام وقد جميعا وذلك إن طالت جملة القسم وذلك نحو قوله تعالى: {قتل أصحاب الأخدود} فإن هذه الجملة جواب القسم الذي في أول السورة، وهو فعل ماض مثبت وليس معه لام ولا قد، ثم إن الذي يقترن باللام وقد معا هو الماضي المتصرف، فأما الجامد فيقترن باللام وحدها، نحو: "والله لعسى زيد أن يقوم، ووالله لنعم الرجل زيد".

([19])هذا كله في القسم غير الاستعطافي أما القسم المقصود به الاستعطاف فإنه يجاب بجملة إنشائية نحو قول المجنون:
بربك هل ضممت إليك ليلى = قبيل الصبح أو قبلت فاها

([20])(إن) شرطية (تواليا) توالى: فعل ماض فعل الشرط، وألف الاثنين فاعله و(قبل) الواو واو الحال قبل: ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم (ذو) مبتدأ مؤخر، وذو مضاف و(خبر) مضاف إليه، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال من ألف الاثنين في (تواليا) السابق (فالشرط) الفاء واقعة في جواب الشرط الشرط: مفعول تقدم على عامله وهو قوله (رجح) الآتي، (رجح) فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت والجملة في محل جزم جواب الشرط (مطلقا) حال من الشرط (بلا حذر) جار ومجرور متعلق برجح.

([21])(وربما) رب: حرف تقليل، وما: كافة (رجح) فعل ماض مبني للمجهول (بعد) ظرف متعلق برجح، وبعد مضاف و(قسم) مضاف إليه (شرط) نائب فاعل رجح، و(بلا ذي) جار ومجرور متعلق برجح، وذي مضاف و(خبر) مضاف إليه (مقدم) نعت لذي خبر.

([22])346 - البيت للأعشى: ميمون بن قيس، من قصيدة له مشهورة، معدودة – عند جماعة من الرواة – في المعلقات مطلعها:
ودع هريرة إن الركب مرتحل = وهل تطيق وداعا أيها الرجل؟
غراء فرعاء مصقول عوارضها = تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل
كأن مشيتها من بيت جارتها = مر السحابة لا ريث ولا عجل
اللغة: (منيت) ابتليت، والخطاب ليزيد بن مسهر الشيباني (عن غب) عن – هنا – تؤدي المعنى الذي تؤديه بعد وغب كذا – بكسر الغين – أي: عقبه، ويروى ".... عن جد" والجد – بكسر الجيم – المجاهدة أي الشدة (لا تلفنا) لا تجدنا (ننتفل) نتملص ونتخلص.
الإعراب: (لئن) اللام موطئة للقسم، أي: والله، لئن – إن: شرطية (منيت) مني: فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط، وتاء المخاطب نائب فاعل (بنا) جار ومجرور متعلق بمنيت (عن غب) جار ومجرور متعلق بمنيت أيضا، وغب مضاف و(معركة) مضاف إليه (لا) نافية (تلفنا) تلف: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بحذف الياء والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ونا: مفعول أول (عن دماء) جار ومجرور متعلق بقوله (ننتفل) الآتي، ودماء مضاف، (القوم) مضاف إليه (ننتفل) فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن، والجملة من ننتفل وفاعله المستتر فيه في محل نصب مفعول ثان لتلفي.
الشاهد فيه: قوله (لا تلفنا) حيث أوقعه جواب الشرط مع تقدم القسم عليه. وحذف جواب القسم لدلالة جواب الشرط عليه، ولو أنه أوقعه جوابا للقسم لجاء به مرفوعا لا مجزوما، وقد ذكر ذلك الشارح العلامة.


  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 08:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


وجازِمٌ لِفِعْلَيْنِ([1])، وهو أربعةُ أنواعٍ:
حرفٌ باتِّفَاق، وهو (إنْ).
وحرفٌ على الأصحِّ، وهو (إذْ ما)([2]).
واسمٌ باتِّفاقٍ، وهو: مَن وما ومتَى وأَيٌّ وأينَ وأيَّانَ وأَنَّى وحَيْثُمَا.
واسمٌ على الأصحِّ، وهو (مَهْمَا)([3]).
وكلٌّ مِنْهُنَّ يَقْتَضِي فِعْلَيْنِ يُسَمَّى أَوَّلُهُما شَرْطاً وثانيهما جواباً وجزاءً، ويكونانِ مُضَارِعَيْنِ، نحوُ: {وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ}([4]) وماضييْنِ، نحوُ: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}([5])، وماضياُ فمضارعاً، نحوُ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}([6])، وعَكْسُه، وهو قليلٌ، نحوُ: ((مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ))، ومنه: {وَإِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ}([7])؛ لأنَّ تابعَ الجوابِ جوابٌ([8])، ورَدَّ الناظِمُ بهذيْنِ ونَحْوِهما على الأكثرينَ إذ خَصُّوا هذا النوعَ بالضرورةِ([9]).
ورَفْعُ الجوابِ المسبوقِ بماضٍ أو بمضارعٍ منفيٍّ بـ (لم) قَوِيٌّ([10])؛ كقولِهِ:
511- وإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ = يقولُ: لا غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ([11])
ونحوِ: (إِنْ لَمْ تَقُمْ أَقُومُ)، ورفعُ الجوابِ في غيرِ ذلكَ ضعيفٌ؛ كقولِهِ:
512- *... مَنْ يَأْتِهَا لاَ يَضِيرُهَا * ([12])
وعليه قِرَاءَةُ طَلْحَةَ بنِ سُلَيْمَانَ: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ)([13]).
فصلٌ([14]): وكلُّ جوابٍ يَمْتَنِعُ جَعْلُه شَرْطاً؛ فإنَّ الفاءَ تَجِبُ فيه، وذلك الجملةُ الاسميَّةُ، نحوُ: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}([15])، والطلبيَّةُ، نحوُ: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي}([16])، وقد اجْتَمَعَتَا في قَوْلِهِ: {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ}([17])، والتي فِعْلُها جامدٌ؛ نحوُ: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً فَعَسَى رَبِّي}([18])، أو مقرونٌ بِقَدْ، نحوُ: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ}([19])، أو تَنْفِيسٌ، نحوُ: {وَإِنْ خِفْتُمْ عِيلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ}([20])، أو (لنْ)، نحوُ: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تَكْفُرُوهُ}([21])، أو (ما)، نحوُ: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ}([22])، وقد تُحْذَفُ في الضرورةِ؛ كقولِهِ:
513- مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا([23])
وقولِه:
514- وَمَنْ لاَ يَزَلْ يَنْقَادُ لِلْغَيِّ وَالصِّبَا = سَيُلْفَى عَلَى طُولِ السَّلاَمَةِ نَادِمَا([24])
ويَجُوز أن تُغْنِيَ (إذا) الفُجَائِيَّةُ عن الفاءِ إنْ كَانَتِ الأداةُ([25]) (إن)، والجوابُ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ غيرُ طَلَبِيَّةٍ، نحوُ: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}([26]).
فصلٌ: وإذا انْقَضَتِ الجملتانِ ثُمَّ جِئْتَ بمضارعٍ مقرونٍ بالفاءِ أو الواوِ، فلكَ جَزْمُه بالعطفِ ورَفْعُه على الاستئنافِ، ونَصْبُه بأنْ مُضْمَرَةً وُجُوباً، وهو قليلٌ، قَرَأَ عاصِمٌ وابنُ عامِرٍ: (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ)([27]) بالرفعِ، وباقيهم بالجزمِ وابنُ عَبَّاسٍ بالنصبِ، وقُرِئَ بِهِنَّ أيضاً في قَوْلِهِ تعالى: (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ)([28]).
وإذا تَوَسَّطَ المضارِعُ المقرونُ بالفاءِ أو بالواوِ بينَ الجملتيْنِ فالوجهُ الجزمُ، ويَجُوزُ النصبُ؛ كقولِهِ:
515- وَمَنْ يَقْتَرِبْ مِنَّا وَيَخْضَعَ نُؤْوِهِ([29])
فصلٌ: ويَجُوزُ حَذْفُ ما عُلِمَ مِن شرطٍ إنْ كانَتِ الأداةُ (إنْ)([30]) مقرونةً بـ (لا)؛ كقولِهِ:
516- وإلاَّ يَعْلُ مَفْرِقَكَ الْحُسَامُ([31])
أي: وإلاَّ تُطَلِّقْها يَعْلُ.
وما عُلِمَ مِن جوابٍ، نحوُ: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِي نَفَقاً}([32]) الآيةَ.
ويَجِبُ حذفُ الجوابِ([33]) إنْ كانَ الدالُّ عليه ما تَقَدَّمَ مِمَّا هو جوابٌ في المعنى([34])، نحوُ: (أنتَ ظالِمٌ إنْ فَعَلْتَ)، أو ما تَأَخَّرَ مِن جوابِ قَسَمٍ سابقٍ، نحوُ: {لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ}([35]).
كما يَجِبُ إغناءُ جَوَابِ الشرطِ عن جوابِ قَسَمٍ تَأَخَّرَ عنه، نحوُ: (إنْ تَقُمْ واللهِ أَقُمْ).
وإذا تَقَدَّمَهَما ذو خَبَرٍ جازَ جَعْلُ الجوابِ للشرطِ معَ تَأَخُّرِهِ، ولم يَجِبْ خِلافاً لابنِ مَالِكٍ([36])، نحوُ: (زَيْدٌ واللهِ إنْ يَقُمْ أَقُمْ)، ولا يَجُوزُ إنْ لم يَتَقَّدَمْهما خِلافاً له، ولِلْفَرَّاءِ، وقولُه:
517- لَئِنْ كَانَ مَا حُدِّثْتَهُ الْيَوْمَ صَادِقاً = أَصُمْ فِي نَهَارِ القَيْظِ لِلشَّمْسِ بَادِيَا([37])
ضرورةٌ أو اللامُ زائدةٌ.
وحيثُ حُذِفَ الجوابُ اشْتُرِطَ في غيرِ الضرورةِ مُضِيُّ الشرطِ؛ فلا يَجُوزُ: (أَنْتَ ظَالِمٌ إِنْ تَفْعَلْ)، ولا (واللهِ إنْ تَقُمْ لأَقُومَنَّ)([38]).


([1]) القولُ بأنَّ أداةَ الشرطِ جازِمَةٌ للشرطِ والجوابِ جميعاً هو قولُ جمهورِ البَصْرِيِّينَ، واخْتَارَهُ ابنُ عُصْفُورٍ والأُبَّدِيُّ، ويُنْسَبُ إلى الأخفشِ القولَ بأنَّ فِعْلَ الشرطِ مجزومٌ بالأداةِ، وأمَّا الجوابُ فمجزومٌ بفعلِ الشرطِ، واخْتَارَ هذا ابنُ مَالِكٍ في (التسهيلِ)، كما يُنْسَبُ للأخفشِ القولُ بأنَّ الشرطَ والجزاءَ تَجَازَمَا، ويُنْسَبُ لسِيبَوَيْهِ القولُ بأنَّ الأداةَ جَزَمَتِ الشرطَ، وهي معَ الشرطِ جَزْماً الجوابِ، وهذا خلافٌ لا طَائِلَ تَحْتَهُ.

([2]) ذَهَبَ سِيبَوَيْهِ إلى أنَّ (إِذْ مَا) حرفُ شرطٍ مِثْلُ إنْ، وذَهَبَ أبو العبَّاسِ المُبَرِّدُ وأبو عليٍّ الفارِسِيُّ وابنُ السَّرَّاجِ إلى أنَّ (إذ ما) اسمُ شرطٍ، وهو ظرفُ زمانٍ مِثْلُ مَتَى، وحُجَّةُ هؤلاء أنَّ (إذ) قبلَ اقْتِرَانِها بما كانَتِ اسْماً، فيَجِبُ أنْ يَبْقَى لها ذلك بعدَ دُخُولِ ما؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ التغييرِ.
فإنْ قالَ أنصارُ سِيبَوَيْهِ: إنَّ إذ قد تَغَيَّرَتْ بعدَ دُخُولِ ما عليها بالإجماعِ؛ وذلك أنها قبلَ اقْتِرَانِها بما كانَتْ دالَّةٌ على الزمانِ الماضي، فلَمَّا اقْتَرَنَتْ بها ما وصَارَتْ شَرْطاً صَارَتْ دالَّةً على الزمانِ المستقبَلِ.
فالجوابُ على هذا أنَّ تَغَيُّرَ زَمَانِها لا يَسْتَلْزِمُ تَغَيُّرَ ذَاتِها، ولهذا نظائرُ، أَقْرَبُها مِمَّا نحنُ فيه منها أنَّ الفعلَ المضارِعَ يَدُلُّ على الزمنِ الحاضِرِ أو المستقبَلِ، فإذا دَخَلَتْ عليه (لم) و(لَمَّا) جَعَلْتَ كلَّ واحدةٍ مِنهما زَمَنَه ماضياً، ولم يَلْزَمْ مِن ذلكَ تَغَيُّرُ حقيقتِه، بل هو باقٍ على أنه مضارِعٌ.

([3]) ذَهَبَ جمهورُ النُّحَاةِ إلى أنَّ (مهما) اسمٌ، وذَهَبَ السُّهَيْلِيُّ وابنُ يسعونَ إلى أن (مَهْمَا) حرفٌ، فأمَّا الجمهورُ فاسْتَدَلُّوا على اسْمِيَّتِها بعَوْدِ الضميرِ عليها في نحوِ قولِه تعالى: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ}، وقد عَلِمْنَا أنَّ الضميرَ لا يعودُ إلاَّ على اسمٍ.

([4]) سورةُ الأنفالِ، الآيةُ: 19

([5]) سورةُ الإسراءِ، الآيةُ: 8

([6]) سورةُ الشورَى، الآيةُ: 20

([7]) سورةُ الشعراءِ، الآيةُ: 4

([8]) ومن شواهدِه الصريحةِ قولُ الشاعرِ، وهو قَعْنَبُ بنُ أُمِّ صاحبٍ:
إنْ يَسْمَعُوا سُبَّةً طَارُوا بِهَا فَرَحاً = عَنِّي، وما يَسْمَعُوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا

([9]) اعْلَمْ أنَّ المؤلِّفَ ذَهَبَ في (مُغْنِي اللَّبِيبِ) إلى أنَّ وُقُوعَ الشرطِ مُضَارِعاً والجوابُ ماضياً خاصٌّ بالضرورةِ، وهذا هو مَذْهَبُ الجمهورِ، وتابَعَ هنا ابنُ مَالِكٍ والفَرَّاءُ في أنه جائزٌ في سَعَةِ الكلامِ، وهو الحقُّ، فقد رَوَى الْبُخَارِيُّ الحديثَ الذي ذَكَرَه المؤلِّفُ، ورَوَى قولَ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْها: (إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسْيَفُ، مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ رَقَّ)، وقد وَرَدَتْ أبياتٌ كثيرةٌ، منها ما ذَكَرْنَا مِن قَبْلُ، ومنها قولُ الآخرِ:
مَنْ يَكِدْنِي بِسَيِّئٍ كُنْتُ مِنْهُ = كالشَّجَا بَيْنَ حَلْقِهِ وَالْوَرِيدِ
ومنها قولُ الآخرِ:
إِنْ تَصْرِمُونَا وَصَلْنَاكُمْ، وَإِنْ تَصِلُوا = مَلأتُمُ أَنْفُسَ الأعداءِ إِرْهَابَا
وغيرُ ذلك من الشواهدِ كثيرٌ، وليسَ بعدَ ذلكَ ما يَصِحُّ مَعَهُ الإنكارُ.

([10]) ذهَبَ بعضُ المتأخِّرِينَ إلى أنَّ رَفْعَ الجزاءِ في هذه الحالةِ أَحْسَنُ مِن جَزْمِهِ، وليسَ ما ذَهَبُوا إليه صَحِيحاً، ثمَّ هذا الرفعُ عندَ سِيبَوَيْهِ على تقديرِ حذفِ الجوابِ، والمرفوعُ المذكورُ دليلُه، ورُتْبَتُه التقديمُ على أداةِ الشرطِ كما سيأتي في حذفِ ما عُلِمَ من الجوابِ، وكأنَّ تقديرَ الكلامِ في بيتِ الشاهدِ الآتي: يقولُ لا غائبَ مالي إنْ أتاه خَلِيلٌ يَقُلْ ذلك. وعندَ المُبَرِّدِ أنَّ الرفعَ على تقديرِ الفاءِ، ومعنى ذلكَ أنَّ الفعلَ المرفوعَ في مَحَلِّ رفعٍ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ مُقْتَرِنٍ بالفاءِ؛ أي: فهو يقولُ، والجملةُ الاسميَّةُ هي الجوابُ، وفي هذا أنَّ حذفَ الفاءِ خاصٌّ بالضرورةِ، وذَهَبَ قومٌ إلى أنَّ أداةَ الشرطِ لَمَّا لم يَظْهَرْ عَمَلُها في فِعْلِ الشرطِ لِكَوْنِهِ ماضياً ضَعُفَتْ عن العملِ في الجوابِ، فجِيءَ به مرفوعاً؛ أي: أنه هو الجوابُ، ولكِنْ لا عَمَلَ للأداةِ فيه؛ لا لفظاً ولا تقديراً، وهذا هو الذي نَمِيلُ إليه؛ لِمَا أنه لا يَحْتَاجُ إلى تَكَلُّفٍ ولا تَقْدِيرٍ.

([11]) 511- هذا الشاهدُ بيتٌ مِن البسيطِ، وهو من كلامِ زُهَيْرِ بنِ أبي سُلْمَى المُزَنِيِّ مِن كَلِمَةٍ يَمْدَحُ فيها هَرِمَ بنَ سِنَانٍ، وهو مِن شواهدِ سِيبَوَيْهِ (ج1 ص436).
اللغةُ: (خَلِيلٌ) هو ههنا الفقيرُ ذو الحاجةِ، مأخوذٌ مِن الخَلَّةِ – بفتحِ الخاءِ المعجمةِ وتشديدِ اللامِ – وهي الفَقْرُ، ومِن أمثالِهم: (الخَلَّةُ تَدْعُو إلى السَّلَّةِ)، ومعناه: الفقرُ والحاجةُ يَدْعُوَانِ إلى السَّرِقَةِ ونحوِها، (مَسْأَلَةٍ) يُرْوَى في مكانِه: (مَسْغَبَةٍ)، وهي أحدُ مَصَادِرِ (سَغِبَ فلانٌ) مِن بابِ فَرِحَ – إذا أَخَذَ منه الجوعُ واشْتَدَّ به، وفي القرآنِ الكريمِ: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ}، (لا غائبٌ مالي) لا بُدَّ أنه لا يَتَعَلَّلُ ولا يَعْتَذِرُ بغَيْبَةِ مالِه عنه وأنه غيرُ مُتَمَكِّنٍ منه، (حَرِمُ) أرادَ به الممنوعَ المحرومَ مِن المِنَحِ، ووَزْنُهُ وَزْنُ بَطَلٍ أو وَزْنُ حَذِرٍ، وهو على الأوَّلِ مصدرٌ مِثْلُ الحرامِ بمعنى المَنْعِ، وُصِفُوا به كما وُصِفُوا بالعدلِ والرضا وشِبْهِهما، وعلى الثاني هو وَصْفٌ مثلُ قَمِنٍ وحَذِرٍ ويَقِظٍ، يعني: أنه لا يَعْتَذِرُ بغيابِ مالِه ولا يقولُ للسائلِ المحتاجِ: أنتَ ممنوعٌ محرومٌ.
الإعرابُ: (إنْ) حرفُ شرطٍ جازِمٌ، (أتاه) أَتَى: فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على فتحٍ مُقَدَّرٍ على الألِفِ في مَحَلِّ جزمٍ فعلُ الشرطِ، وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى هَرِمِ بنِ سِنَانٍ الممدوحِ مفعولٌ به، (خَلِيلٌ) فاعلُ أَتَى مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (يَوْمَ) ظرفُ زمانٍ منصوبٌ بِأَتَى، ويومَ مضافٌ و(مَسْأَلَةٍ) أو (مَسْغَبَةٍ) مضافٌ إليه، (يقولُ) فعلٌ مضارعٌ جوابُ الشرطِ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (لا) نافيةٌ، (غائِبٌ) مبتدأٌ، (مَالِي) مالِ: فاعلٌ بغائِبٌ سَدَّ مَسَدَّ خَبَرِه، ويَجُوزُ أنْ يكونَ غائبٌ خَبَراً مُقَدَّماً، ومالي: مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، ومالِ مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (ولا) الواوُ عاطفةٌ، لا: زائدةٌ لِتَأْكِيدِ النفيِ، (حَرِمُ) خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: ولا أنتَ حَرِمٌ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (يقولُ)؛ حيثُ رَفَعَ جوابَ الشرطِ؛ لِكَوْنِ فعلِ الشرطِ ماضياً، وهو قولُه: (أَتَاهُ)، انْظُرْ تَفْصِيلَ الأقوالِ في ذلك الحاشيةَ السابقةَ رَقْمَ (8) ج4 صفحةَ 186).

([12]) 512- هذا الشاهدُ مِن كلامِ أبي ذُؤَيْبٍ الهُذَلِيِّ، وهو من شواهدِ سِيبَوَيْهِ (ج1 ص438)، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ قِطْعَةٌ من بيتٍ مِن الطويلِ يَصِفُ فيه قَرْيَةً كثيرةَ الطعامِ، مَنِ امْتَارَ منها وحَمَلَ فوقَ طاقتِه لم يُنْقِصْ من طعامِها شيئاً، والبيتُ بتمامِه هكذا:
فقلْتُ: تَحَمَّلْ فَوْقَ طَوْقِكَ، إِنَّهَا = مُطَبَّعَةٌ مَنْ يَأْتِهَا لا يَضِيرُهَا
اللغةُ: (تَحَمَّلْ) هو مثلُ تَكَلَّفْ وَزْناً ومَعْنًى؛ أي: اجْهِدْ نَفْسَكَ وتَكَلَّفِ الحَمْلَ، (طَوْقِكَ) طَوْقُ الإنسانِ – بفتحِ الطاءِ وسكونِ الواوِ – طَاقَتُه وقُدْرَتُه، (مُطَبَّعَةٌ) بضمِّ الميمِ وفتحِ الطاءِ وفتحِ الباءِ مُشَدَّدَةً – أي: قد وُضِعَ عليها الطابَعُ، وهو الخاتَمُ، قالَه الأَعْلَمُ، وذَكَرَ أنه وَصَفَ قريةً بكثرةِ الطعامِ، فكَنَّى عن امْتلائِها بقولِهِ: (مُطَبَّعَةٌ)، ووَجْهُ ذلك أنه لا يُخْتَمُ على الشيءِ إلاَّ وقدِ امْتَلأَ وِعَاؤُهُ، (لا يَضِيرُهَا) مضارِعُ ضَارَه يَضِيرُهُ ضَيْراً، مِثْلُ: باعَهُ يَبِيعُهُ بَيْعاً – أي: ضَرَّهُ وأَوْقَعَ به.
الإعرابُ: (قُلْتُ) فعلٌ وفاعلٌ، (تَحَمَّلْ) فِعْلُ أمرٍ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، والمخاطَبُ جَمَلٌ بُخْتِيٌّ ذَكَرَه قبلَ بيتِ الشاهدِ، (فوقَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بتَحَمَّلْ، وهو مضافٌ وطَوْقِ من (طَوْقِكَ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ وضميرُ المخاطَبِ مضافٌ إليه، (إنها) إنَّ: حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، وضميرُ الغائبةِ العائدُ إلى القريةِ اسمُ إنَّ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ، (مُطَبَّعَةٌ) خبرُ إنَّ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (مَن) اسمُ شرطٍ جازِمٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رَفْعٍ مبتدأٌ، (يَأْتِهَا) يأتِ: فعلٌ مُضَارِعٌ فعلُ الشرطِ مجزومٌ بِمَنْ، وعلامةُ جَزْمِهِ حذفُ الياءِ، والكسرةُ قبلَها دليلٌ عليها، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى اسمِ الشرطِ، وضميرُ الغائبةِ العائدُ إلى القريةِ التي يَصِفُها مفعولٌ به مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ، (لا) حرفُ نفيٍ، (يَضِيرُهَا) يَضِيرُ: فعلٌ مضارِعٌ جوابُ الشرطِ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى اسمِ الشرطِ، وجملةُ الشرطِ والجوابِ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ، على ما هو اخْتِيَارُنا.
الشاهدُ فيه: قولُه: (لا يَضِيرُهَا)؛ حيثُ رَفَعَ الفعلَ المضارِعَ الواقعَ جواباً لشرطٍ غيرِ ماضٍ ولا مُضَارِعٍ منفيٍّ بلم، وذلك ضعيفٌ عندَ المؤلِّفِ؛ تَبَعاً لجمهورِ النحاةِ.

([13]) سورةُ النساءِ، الآيةُ: 78.

([14]) يُشْتَرَطُ في الشرطِ سِتَّةُ أمورٍ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ فعلاً غيرَ ماضِيَ المعنَى، فلا يجوزُ أنْ تكونَ جملةُ الشرطِ اسميَّةً، وأما قولُه تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ}؛ فإنَّ (أَحَدٌ) فاعلٌ لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه المذكورُ بعدَه، والتقديرُ: وإنِ اسْتَجَارَكَ أحدٌ مِن المشركينَ فأَجِرْهُ، على ما هو الراجِحُ من مذاهبَ ثلاثةٍ بَيَّنَّاهَا في بابِ الاشتغالِ، ولا يَصِحُّ أنْ يكونَ الشرطُ ماضِيَ الْمَعْنَى، نحوُ: (إنْ قامَ زيدٌ أَمْسِ قُمْتُ)، وأمَّا قولُه تعالى: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} فإنَّه مُؤَوَّلٌ بتقديرِ: إنْ ثَبَتَ الآنَ – أو فيما بعدُ – أني كنتُ قُلْتُه فيما سَبَقَ فقد عَلِمْتَه.
والثاني من الشروطِ: ألاَّ يكونَ فعلُ الشرطِ طَلَبِيًّا، فلا يجوزُ لكَ أنْ تقولَ: (إِنْ قُمْ) ولا أنْ تقولَ: (إِنْ لا تَقُمْ) على أنَّ (لا) ناهيةٌ، وأمَّا إنْ كانَتْ نافيةً فإنَّه يَصِحُّ، ومنه قولُكَ: (إنْ لاَ تُؤَدِّ وَاجِبَكَ تَنْدَمْ).
والثالِثُ: ألاَّ يكونَ فعلاً جامداً؛ كعَسَى وليسَ، فلا يجوزُ لكَ أنْ تقولَ: (إنْ عَسَى زيدٌ أنْ يَقُومَ)، ولا (إنْ ليسَ زيدٌ قائماً).
والرابعُ: ألاَّ يَقْتَرِنَ بقدْ؛ لأنَّ (قد) تَدُلُّ على تَحَقُّقِ وُقُوعِ ما بَعْدَها، ووَضْعُ الشرطِ على أنْ يكونَ مُحْتَمِلَ الوقوعِ وعدمَ الوقوعِ، فلا يجوزُ لكَ أنْ تقولَ: (إنْ قدْ قامَ زيدٌ).
والخامِسُ: ألاَّ يكونَ مَنْفِيًّا بحرفِ نفيٍ غيرَ لم ولا، فإن كانَ مَنْفِيًّا بما أو بلن أو بلَمَّا لم يَجُزْ، فلا يَصِحُّ لكَ أنْ تقولَ: (إِنْ لَمَّا يَقُمْ زَيْدٌ)، ولا (إنْ لن يَقُمْ زَيْدٌ)، ولا (إنْ ما قامَ زيدٌ) على أنَّ ما نَافِيَةٌ، ويَصِحُّ أنْ تقولَ: (إنْ لم تَفْعَلْ ما آمُرُكَ به أُعَاقِبْكَ)، وقالَ اللهُ تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا}، وقالَ: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}.
والسادِسُ: ألاَّ يكونَ الفعلُ مُقْتَرِناً بحرفِ تَنْفِيسٍ – وهو السينُ وسوفَ – فلا يَصِحُّ لكَ أنْ تقولَ: (إِنْ سَيَقُومُ زَيْدٌ)، ولا أنْ تقولَ: (إِنْ سَوْفَ يَقُومُ زَيْدٌ).
وهذه المواضِعُ نَفْسُها هي التي إنْ وَقَعَتْ جواباً اقْتَرَنَتْ جملةُ الجوابِ بالفاءِ.

([15]) سورةُ الأنعامِ، الآيةُ: 17.

([16]) سورةُ آلِ عِمْرَانَ، الآيةُ: 31

([17]) سورةُ آلِ عِمْرَانَ، الآيةُ: 160

([18]) سورةُ الكهفِ، الآيةُ: 39

([19]) سورةُ يُوسُفَ، الآيةُ: 77

([20]) سورةُ التوبةِ، الآيةُ: 28

([21]) سورةُ آلِ عِمْرَانَ، الآيةُ: 115

([22]) سورةُ يُونُسَ، الآيةُ: 72.

([23]) 513-نَسَبُوا هذا الشاهِدَ لعبدِ الرحمنِ بنِ حَسَّانَ بنِ ثَابِتٍ، وقيلَ: إنه لِكَعْبِ بنِ مالِكٍ، وكلاهما أنصارِيٌّ، وهو من شواهدِ سِيبَوَيْهِ (ج1 ص435)، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ مِن البسيطِ، وعَجُزُهُ قولُه:
*وَالشرُّ بالشرِّ عندَ اللهِ مِثلانِ*
ويُرْوَى:
*.....عندَ اللهِ سِيَّانِ*

الإعرابُ: (مَن) اسمُ شرطٍ جازمٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعٍ مبتدأٌ، (يَفْعَلِ) فعلٌ مضارعٌ فعلُ الشرطِ مجزومٌ بمَن، وعلامةُ جزمِه السكونُ، وحُرِّكَ بالكسرةِ؛ للتخلُّصِ من الْتِقَاءِ الساكنيْنِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى اسمِ الشرطِ، (الْحَسَنَاتِ) مفعولٌ به لفعلِ الشرطِ منصوبٌ بالكسرةِ نِيَابَةً عن الفتحةِ؛ لأنَّه جمعُ مؤنَّثٍ سَالِمٍ، (اللهُ) مبتدأٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (يَشْكُرُهَا) يَشْكُرُ: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى اسمِ الجلالةِ، وضميرُ الغائبةِ العائدُ إلى الحَسَنَاتِ مفعولٌ به مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ، والجملةُ مِن الفعلِ المضارعِ وفاعلِه ومفعولِه في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ، وجملةُ المبتدأِ وخبرِه في مَحَلِّ جزمٍ جوابُ الشرطِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (اللهُ يَشْكُرُهَا)؛ فإنَّ هذه العبارةَ جُمْلَةٌ اسميَّةٌ مُكَوَّنَةٌ مِن مبتدأٍ هو لفظُ الجلالةِ، وخبرٍ هو جملةُ الفعلِ المضارعِ وفاعلِه ومفعولِه، وقد وَقَعَتْ هذه الجملةُ جَوَاباً للشرطِ على ما عَرَفْتَ في إعرابِ البيتِ، وقد كانَ من حقِّ العربيَّةِ – على ما ارْتَضَاهُ جَمْهَرَةُ النُّحَاةِ – أنْ يَقْرِنَ هذه الجملةَ بالفاءِ، ولكنَّه تَرَكَ الفاءَ حينَ اضْطُرَّ لإقامةِ الوزنِ، ولو أنه أَتَى بالكلامِ على ما تَقْتَضِيهِ العربيَّةُ لقالَ: (مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ فاللهُ يَشْكُرُها).
ورَوَى أبو العبَّاسِ المُبَرِّدُ صَدْرَ البيتِ هكذا:
*مَن يَفْعَلِ الخيرَ فَالرَّحْمَنُ يَشْكُرُهُ*

وهذا مَبْنِيٌّ على أنه لا يَرَى جوازَ خُلُوِّ الجوابِ الذي بهذه المَنْزِلَةِ من الفاءِ، وهذا الذي ذَهَبَ إليه غيرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّه وَرَدَ في هذا الشاهِدِ، وفي الحديثِ الذي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: ((فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا))، بالأمرِ في ((اسْتَمْتِعْ)) معَ خُلُوِّهِ من الفاءِ، وفي الشاهدِ الآتي.

([24]) 514-هذا بيتٌ مِن الطويلِ، ولم أَقِفْ لهذا الشاهدِ على نِسْبَةٍ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ.
الإعرابُ: (مَن) اسمُ شرطٍ جازمٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعٍ مبتدأٌ، (لا) حرفُ نفيٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (يَزَلْ) فعلٌ مضارِعٌ ناقصٌ فعلُ الشرطِ مجزومٌ، وعلامةُ جزمِه السكونُ، واسمُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى اسمِ الشرطِ، (يَنْقَادُ) فعلٌ مضارِعٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو، وجملةُ هذا الفعلِ المضارِعِ وفاعلِه في مَحَلِّ نصبٍ خبرُ يَزَلْ، (لِلْغَيِّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: ينَقْاَدُ، (وَالصِّبَا) الواوُ حرفُ عَطْفٍ، والصِّبَا: معطوفٌ على الغَيِّ مجرورٌ بكسرةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألِفِ، (سَيُلْفَى) فعلٌ مضارِعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ مرفوعٌ بضمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألِفِ، ونائبُ فاعلِهِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى اسمِ الشرطِ، وهو مفعولُه الأوَّلُ، (على) حرفُ جَرٍّ، (طُولِ) مجرورٌ بعلى، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: نَادِماً الآتي، أو بقولِهِ: سَيُلْفَى السابقِ، وطُولِ مضافٌ و(السلامةِ) مضافٌ إليه، (نَادِمَا) مفعولٌ ثانٍ لقولِه: سَيُلْفَى، وجملةُ المضارِعِ المَبْنِيِّ للمجهولِ ومفعولَيْهِ في مَحَلِّ جزمٍ جوابُ الشرطِ، وجُمْلَتَا الشرطِ والجوابِ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ الذي هو اسْمُ الشرطِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (سَيُلْفَى)؛ حيثُ جاءَ جوابُ الشرطِ المُقْتَرِنُ بحرفِ التنفيسِ غيرَ مُقْتَرِنٍ بالفاءِ.

([25]) إنما يَصِحُّ اقْتِرَانُ جملةِ الجوابِ بإذا الفُجَائِيَّةِ – بدلاً مِن الفاءِ التي هي الأصلُ؛ لِكَوْنِها دالَّةً على السببيَّةِ – متى اسْتَوْفَى الكلامُ أربعةَ شروطٍ:
الأوَّلُ: أنْ تكونَ أَدِلَّةُ الشرطِ هي (إنْ) أو (إذا) الشرطيَّةُ غيرُ الجازمةِ؛ وذلك لأنَّ إنْ أُمُّ بابِ الأدواتِ الجازمةِ، وإذا أُمُّ بابِ الأدواتِ غيرِ الجازمةِ.
الثاني: أنْ تكونَ جملةُ الجوابِ اسميَّةً مُوجَبَةً، فإنْ كانَتْ جُمْلَةُ الجوابِ اسْمِيَّةً مَنْفِيَّةً، نحوُ (ما عَمْرٌو بقائِمٍ) لم تَقْتَرِنْ بإذا، فلا تقولُ: (إِنْ يَقُمْ زَيْدٌ إذا ما عَمْرٌو بِقَائِمٍ)، وإنما تَقْتَرِنُ هذه الجملةُ ونحوُها بالفاءِ، فيقالُ: (إِنْ يَقُمْ زَيْدٌ فما عَمْرٌو بِقَائِمٍ).
الثالِثُ: أنْ تكونَ هذه الجملةُ الاسميَّةُ المُوجَبَةُ غيرَ طَلبية، فإنْ كانَتْ طَلَبِيَّةً، بأنْ كانَتْ دُعَائِيَّةً، نحوُ: (وَيْلٌ لِلْمُقَصِّرِ في أداة [لعلها: أداءِ] وَاجِبِهِ) أو كانَتِ استفهاميَّةً، نحوُ: (مَنْ يَنْصُرْكَ) فلا يجوزُ اقْتِرَانُها بإذا، وإنما تَقْتَرِنُ بالفاءِ، فتقولُ: (إنْ جاءَ يومُ الحسابِ فوَيْلٌ للمُقَصِّرِ في أداءِ واجبِه)، وتقولُ: (إِنْ خَذَلْتُكَ فمَن يَنْصُرُكَ).
والرابِعُ: ألاَّ تَقْتَرِنَ هذه الجملةُ الاسميَّةُ الموجَبَةُ غيرَ الطلبيَّةِ بإنِ المُؤَكِّدَةِ، نحوُ: (إِنَّ مُحَمَّداً يَصِلُ رَحِمَه)، فلا يجوزُ أنْ تَقْتَرِنَ هذه الجملةُ بإذا الفُجَائِيَّةُ، وتَقْتَرِنُ بالفاءِ، نحوُ: (إِنْ كُنْتَ تَقْطَعُ رَحِمَكَ فإنَّ مُحَمَّداً يَصِلُ رَحِمَه).
ومثالُ ما اسْتَكْمَلَ هذه الشروطَ قولُه تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}، وقولُه سُبْحَانَهُ: {إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}.
وقدِ اخْتَلَفَ النحاةُ في جوازِ الجمعِ بينَ الفاءِ وإذا الفُجَائِيَّةِ، والراجِحُ جوازُ الجمعِ بينَهما؛ لِوُرُودِهِ في القرآنِ الكريمِ، في قَوْلِهِ تعالى: {فَإِذَا هي شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، ويقولُ الزَّمَخْشَرِيُّ: (إِذَا هذه هي الفجائيَّةُ، وقد تَقَعُ في المُجَازَاةِ سَادَّةً مَسَدَّ الفاءِ، فإذا جَاءَتِ الفاءُ مَعَها تَعَاوَنَتْ على وَصْلِ الجَزَاءِ فيَتَأَكَّدُ). اهـ كلامُه.

([26]) سورةُ الرُّومِ، الآيةُ: 36.

([27]) سورةُ البقرةِ، الآيةُ: 384.

([28]) سورةُ الأعرافِ، الآيةُ: 186.

([29]) 515-لم أَقِفْ على نِسْبَةِ هذا الشاهِدِ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ مِن الطويلِ، وعَجُزُه قولُه:
*ولا يَخْشَ ظُلْماً مَا أَقَامَ وَلاَ هَضْماً*

اللغةُ: (يَقْتَرِبْ مِنَّا) أرادَ: يَنْزِلُ في جِوَارِنا، ويَسْتَظِلُ بِحِمَايَتِنَا، (يَخْضَعَ) أرادَ: يكونُ خاضعاً لنا، مُنْقَاداً لِمَشِيئَتِنا، راضياً بالذي نَرَاهُ، غيرَ مُحَارِبٍ لنا ولا مُنَاوِئٍ، (نُؤْوِهِ) يكونُ له مِنَّا مَأْوًى يَأْوِي إليه، ومُعْتَصَمٌ يَعْتَصِمُ به، ونَحْفَظُه مِن كُلِّ الطوارِقِ والعادياتِ، (لا يَخْشَ) لا يَخَافُ، (ظُلْماً) انْتِقَاضاً مِن حَقِّهِ، (هَضْمَا) غَمْطاً لِمَا وَجَبَ له.
الإعرابُ: (مَن) اسمُ شرطٍ جازمٌ يَجْزِمُ فِعْلَيْنِ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعٍ مبتدأٌ، (يَقْتَرِبْ) فعلٌ مضارعٌ فِعْلُ الشرطِ مجزومٌ بِمَن، وعلامةُ جَزْمِهِ السكونُ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو، (مِنَّا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: يَقْتَرِبْ، (وَيَخْضَعَ) الواوُ عاطفةٌ، يَخْضَعَ: فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بأنِ المضمرةِ وُجُوباً بعدَ واوِ المَعِيَّةِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو، (نُؤْوِهِ) نُؤْوِ: فعلٌ مضارعٌ جوابُ الشرطِ مجزومٌ بِمَن، وعلامةُ جَزْمِهِ حذفُ الياءِ، والكسرةُ قَبْلَها دليلٌ عليها، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه نحنُ، وضميرُ الغائبِ مفعولٌ به مَبْنِيٌّ على الكسرِ في مَحَلِّ نصبٍ، وجملةُ الشرطِ وجوابُه في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ الذي هو اسمُ الشرطِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (وَيَخْضَعَ) حيثُ نَصَبَ الفعلَ المضارِعَ المعطوفَ على فعلِ الشرطِ قبلَ مجيءِ الجوابِ، والوجهُ هو الجزمُ، لكنَّ النصبَ غيرُ مُمْتَنِعٍ. ومثلُه قولُ زُهَيْرٍ، وهو مِن شواهدِ سِيبَوَيْهِ (ج1 ص447).
ومَن لا يُقَدِّمْ رِجْلَهُ مُطْمَئِنَّةً = فيُثْبِتَهَا في مُسْتَوَى الأَرْضِ يَزْلَقِ

([30]) كلامُ المؤلِّفِ صَرِيحٌ في أنه لا يَجُوزُ حذفُ الشرطِ إلا إذا اسْتَكْمَلَ الكلامُ شرطيْنِ:
أَوَّلُهما: أنْ تكونَ أداةُ الشرطِ هي إنْ، من قبلِ أنها أُمُّ أَدَوَاتِ الشرطِ، ومِن شأنِ الأُمَّهَاتِ أنْ يُتَوَسَّعَ فيها أكثرُ مِمَّا يُتَوَسَّعُ في غَيْرِها، وحذفُ المعمولِ معَ القصدِ إليه من بابِ التوسُّعِ، والشرطُ الثاني: أنْ تكونَ الأداةُ مُقْتَرِنَةً بلا النافيةِ، وزادَ بَعْضُهم شرطاً ثالثاً، وهو أنْ تكونَ الجملةُ التي اشْتَمَلَتْ على أداةِ الشرطِ حُذِفَ منها فعلُ الشرطِ معطوفةً على ما قَبْلَها؛ مِمَّا يَدُلُّ على المحذوفِ، كما في البيتِ المستشهَدِ به (رَقْمِ 516).
لكِنْ في كلامِ ابنِ الأنْبارِيِّ في (الإنصافِ) ما يُفِيدُ أنه قد يُحْذَفُ فعلُ الشرطِ والأداةُ غيرُ إنْ؛ لأنَّه مثلُ قولِهم: (سَلِّمْ على مَن سَلَّمَ عليكَ ومَن لا فلا تَعْبَأْ به)؛ أي: ومَن لا يُسَلِّمُ عليك فلا تَعْبَأْ به، ففي هذا المثالِ حذفُ فعلِ الشرطِ، معَ أنَّ الأداةَ مَن، وقد تَوَفَّرَ في الكلامِ وجودُ لا النافيةِ والعطفِ، وفي القرآنِ الكريمِ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ}، وقوله سُبْحَانَهُ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا} وأنتَ خَبِيرٌ بأنَّ البَصْرِيِّينَ يَجْعَلُونَ فعلَ الشرطِ محذوفاً في مثلِ هاتيْنِ الآيتيْنِ معَ أنَّ أداةَ الشرطِ لم تَقْتَرِنْ بلا النافيةِ، وقد قالَ الشاعِرُ:
متى تُؤْخَذُوا قَسْراً بِظِنَّةِ عَامِرٍ = ولم يَنْجُ إلاَّ في الصِّفَادِ يَزِيدُ
وقد قَرَّرَ العلماءُ في هذا البيتِ أنَّ فعلَ الشرطِ محذوفٌ، وتقديرُ الكلامِ: مَتَى نُدْرِكْكُمْ تُؤْخَذُوا قَسْراً، أو مَتَى تُثْقَفوا تُؤْخَذُوا قَسْراً، ولَيْسَتْ أداةُ الشرطِ هي إنْ، ولا وُجِدَ النفيُ بلا، ولا الكلامُ معطوفٌ على كلامٍ سابقٍ.
ومن هذا الإيضاحِ يَظْهَرُ لكَ أنَّ كلامَ المؤلِّفِ وغيرِه من النحاةِ في تَحْدِيدِ المَوْضِعِ الذي كَثُرَ فيه حذفُ فعلِ الشرطِ لم يَسْلَمْ فيه شرطٌ من الشروطِ الثلاثةِ.

([31]) 516-هذا الشاهِدُ مِن كلامِ الأحوصِ، وقد مَضَى الاستشهادُ ببعضِ أبياتٍ مِن قصيدةٍ هذا الشاهِدِ، (انْظُرِ الشاهدَ رَقْمَ 360، والشاهِدَ رَقْمَ 436)، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ عَجُزُ بَيْتٍ مِن الوافِرِ، وصَدْرُه قولُه:
*فَطَلِّقْهَا فَلَسْتَ لَهَا بِكُفْءٍ*

اللغةُ: (طَلِّقْهَا) أمرٌ مِن التطليقِ، وهو فَصْمُ عُرْوَةِ الزواجِ وحَلُّ العِصْمَةِ، (كُفْءٍ) هو بِضَمِّ الكافِ وسكونِ الفاءِ – المُسَاوِي المُمَاثِلُ في الحَسَبِ وغَيْرِهِ مِمَّا تَعْتَبِرُهُ الشريعةُ صفاتٍ لازمةً لِلتَّكَافُؤِ بينَ الزوجيْنِ، (يَعْلُ) مضارِعُ عَلاَ، مِثْلُ سَمَا يَسْمُو، ومعناه: يَرْتَفِعُ، (مَفْرِقَكَ) المَفْرِقُ – بزِنَةِ المَجْلِسِ والمَسْجِدِ، وبزِنَةِ المَقْعَدِ أيضاً – وَسَطُ الرأسِ حيثُ يُفْرَقُ الشَّعَرُ، (الْحُسَامُ) بِضَمِّ الحاءِ، بزِنَةِ الشُّجَاعِ – السيفُ القاطِعُ.
الإعرابُ: (طَلِّقْهَا) طَلِّقْ: فِعْلُ أمرٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، وضميرُ الغائبةِ مفعولٌ به، (فَلَسْتَ) الفاءُ حرفٌ دالٌّ على التعليلِ، ليسَ: فعلٌ ماضٍ ناقصٌ يَرْفَعُ الاسمَ ويَنْصِبُ الخبرَ، وتاءُ المخاطَبِ اسمُه مَبْنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ رَفْعٍ، (لَهَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: كُفْءٍ الآتي، (بِكُفْءٍ) الباءُ حرفٌ جارٌّ زائدٌ، كُفْءٍ: خبرُ لَيْسَ منصوبٌ بفتحةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِهِ، مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشْتِغَالُ المَحَلِّ بحركةِ حرفِ الجرِّ الزائدِ، (وإلاَّ) الواوُ حرفُ عطفٍ، إلا: مُؤَلَّفَةٌ مِن حرفيْنِ: أَحَدُهما: إنِ الشرطيَّةُ، والثاني: لا النافيةُ، وفعلُ الشرطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه سابقُ الكلامِ، والتقديرُ: وإلاَّ تُطَلِّقْهَا، كما قالَ المؤلِّفُ، (يَعْلُ) فعلٌ مضارِعٌ جوابُ الشرطِ مجزومٌ بإنْ، وعلامةُ جَزْمِهِ حذفُ الواوِ، والضمَّةُ قبلَها دليلٌ عليها، (مَفْرِقَكَ) مَفْرِقَ: مفعولٌ به لِيَعْلُ، وهو مضافٌ وكافُ المخاطَبِ مضافٌ إليه، (الْحُسَامُ) فاعلُ يَعْلُ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (وإلا يَعْلُ) حيثُ حَذَفَ فعلَ الشرطِ؛ لأنَّ الأداةَ إنْ، وهي مقرونةٌ بلا، وأصلُ الكلامِ: وإلاَّ تُطَلِّقْها يَعْلُ، وهذا إنما يكونُ بعدَ ذِكْرِ كلامٍ فيه فِعْلٌ مِن مادَّةِ الشرطِ المحذوفِ، مِثلُ طَلِّقْهَا في بيتِ الشاهدِ.
وهذه الشروطُ الثلاثةُ التي أَوْمَأْنَا إليها وقَدَّمْنَا بَيَانَها هي ما اشْتَرَطَهُ جَمْهَرَةُ النحاةِ، واعْتَبَرُوا ما جاءَ مُخَالِفاً لها شاذًّا، إلاَّ ما كانَ كالآيةِ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}؛ فإنَّهم زَعَمُوا أنَّ ما حُذِفَ على شرطِ التفسيرِ ليسَ مِمَّا نحنُ فيه.

([32]) سورةُ الأنعامِ، الآيةُ: 35، والآيةُ الكريمةُ: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ}؛ فإنَّ قوله سُبْحَانَهُ: {اسْتَطَعْتَ} فعلُ الشرطِ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ، والتقديرُ: فافْعَلْ، مَثَلاً، ونظيرُ هذه الآيةِ حَذْفُ جوابِ لو في قَوْلِهِ تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}؛ أي: لكانَ هذا القرآنُ، مَثَلاً.

([33]) بَقِيَ مِمَّا لم يَتَعَرَّضِ المؤلِّفُ له ههنا من أنواعِ الحذفِ حذفُ الشرطِ والجوابِ معاً، وبقاءُ أداةِ الشرطِ، وقد وَرَدَ ذلك والأداةُ إنْ في قولِ الراجِزِ:
قَالَتْ بَنَاتُ الْعَمِّ يَا سَلْمَى وَإِنْ = كَانَ فَقِيراً مُعْدَماً قَالَتْ وَإِنْ
يريدُ: أَتَرْضَيْنَ به إنْ كانَ فقيراً مُعْدَماً؟ قالَتْ: وإنْ كانَ فقيراً مُعْدَماً أَرْضَ به. فحَذَفَ الشرطَ والجوابَ جميعاً وأَبْقَى أداةَ الشرطِ، وهي إنْ، وقد وَرَدَ ذلك أيضاً في قولِ النَّمِرِ بنِ تَوْلَبٍ:
فَإِنَّ الْمَنِيَّةَ مَنْ يَخْشَهَا = فَسَوْفَ تُصَادِفُهُ أَيْنَمَا
يُرِيدُ: أَيْنَما يَذْهَبُ المرءُ تُصَادِفْه مَنِيَّتُه، فحَذَفَ الشرطَ والجوابَ وأَبْقَى أداةَ الشرطِ وهي أَيْنَمَا، هذا وقد اجْتَمَعَ في جملتيْنِ من كلامٍ واحدٍ حَذْفُ شرطٍ وحذفُ جوابٍ، وذلك في الحديثِ في شأنِ اللُّقَطَةِ: ((فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا))، فالمحذوفُ من الجملةِ الأُولَى جوابُ الشرطِ، ومن الجملةِ الثانيةِ فعلُ الشرطِ، وتقديرُ الكلامِ: فإنْ جاءَ صَاحِبُها فأَدِّهَا إليه، وإلا يَجِئْ فاسْتَمْتِعْ بها، وفي هذا الحديثِ حَذْفُ الفاءُ من جملةِ الجوابِ الطلبيَّةِ.

([34]) ههنا ثلاثةُ أُمُورٍ يَجْمُلُ بِكَ أنْ تَعْرِفَهَا في تفصيلٍ وإيضاحٍ.
الأمرُ الأوَّلُ: أنَّ المواضِعَ التي يَتَحَتَّمُ فيها تقديرُ جوابِ الشرطِ محذوفاً، وقد أَغْنَى عنه ما تَقَدَّمَ من الكلامِ ثلاثةُ مواضِعَ:
الموضعُ الأوَّلُ: أنْ يكونَ المتقدِّمُ جملةً اسميَّةً، نحوُ (أنتَ ظَالِمٌ إنْ آذَيْتَنِي)؛ فإنَّ تقديرَ هذا الكلامِ: أنتَ ظالِمٌ إنْ آذَيْتَنِي فأنتَ ظالِمٌ، وإنما لم يَجْعَلُوا الجملةَ المتقدِّمَةَ هي الجوابَ؛ لأنَّها جملةٌ اسميَّةٌ غيرُ مُقْتَرِنَةٌ بالفاءِ، وقد عَلِمْتَ أنَّ الجوابَ إذا كانَ جملةً اسميَّةً وَجَبَ اقْتِرَانُهُ بالفاءِ أو بإذا الفُجَائِيَّةِ أو بهما، على خِلافٍ في الأخيرِ بَيَّنَّاهُ لكَ فيما مَضَى.
المَوْضِعُ الثاني: أنْ يكونَ الكلامُ السابقُ جملةً فعليَّةً، فِعْلُها مضارِعٌ منفيٌّ بلم، وقدِ اقْتَرَنَتْ بالفاءِ، نحوُ قولِكَ: (فلم تَقُمْ بوَاجِبِكَ إنْ فَعَلْتَ هذا)، ولا يكونُ الكلامُ المتقدِّمُ هنا هو الجوابَ؛ لأنَّ اقْتِرَانَه بالفاءِ يَمْنَعُ ذلك؛ لِمَا قد عَلِمْتَ مِن أنَّ الجوابَ المنفيَّ بلم لا يَقْتَرِنُ بالفاءِ.
الموضِعُ الثالِثُ: أنْ يكونَ الكلامُ السابقُ جملةً فعليَّةً فِعْلُها مضارِعٌ مرفوعٌ، نحوُ قولِكَ: (أَقُومُ إِنْ قُمْتَ)، ولا يَصِحُّ أنْ تَجْعَلَ المضارِعُ السابقَ جوابَ الشرطِ؛ لأنَّه لو كانَ جواباً لاَنْجَزَمَ، والفرضُ أنه مرفوعٌ.
الأمرُ الثاني: هذا الذي ذَكَرَه المؤلِّفُ – مِن أنَّ المُتَقَدِّمَ هو دليلُ جوابِ الشرطِ، وليسَ هو الجوابَ نفسَه – هو مَذْهَبُ جمهورِ البَصْرِيِّينَ، وحُجَّتُهُم في ذلك أنَّ أداةَ الشرطِ لها صَدْرُ الكلامِ؛ فلا يجوزُ أنْ يَتَقَدَّمَ الجوابُ عليها، وذَهَبَ الكُوفِيُّونَ والمُبَرِّدُ وأبو زَيْدٍ إلى أنَّ الكلامَ المُتَقَدِّمَ في المواضِعِ الثلاثةِ هي جوابُ الشرطِ، وليسَ في الكلامِ حَذْفٌ، قالُوا: وإنما لم تَدْخُلِ الفاءُ على الجملةِ الاسميَّةِ المتقدِّمَةِ في الموضِعِ الأوَّلِ؛ لأنَّها لا تُنَاسِبُ صَدْرَ الكلامِ، ولأنَّها إنما يُؤْتَى بها خَلَفاً عن العملِ، وليسَ معَ التقديمِ عَمَلٌ فلا حاجةَ إليها، وقالوا: إنَّ الفاءَ اقْتَرَنَتْ بلم في الموضِعِ الثاني؛ لأنَّه ليسَ ثَمَّةَ شَيْءٌ يَمْنَعُ منها؛ إذ يجوزُ أنْ تَقْتَرِنَ الفاءُ بالجملةِ الفعليَّةِ التي فِعْلُها مُضَارِعٌ منفيٌّ بلم؛ بدليلِ أنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ جَوَّزَ في قَوْلِهِ تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ} أنْ تكونَ هذه الجملةُ جواباً لشرطٍ محذوفٍ، وتقديرُ الكلامِ: إنِ افْتَخَرْتُمْ بقَتْلِهِم فلم تَقْتُلُوهم، وقالوا: إنَّ رَفْعَ المضارِعِ المتقدِّمِ في الموضِعِ الثالِثِ بسببِ ضَعْفِ أداةِ الشرطِ عن أنْ تَعْمَلَ فيما تَقَدَّمَ عليها، وكلُّ ما اعْتَذَرَ به هؤلاء ضعيفٌ؛ فلا تَغْتَرَّ به.
الأمرُ الثالثُ: أنَّ الفَرْقَ بينَ تقديرِ البَصْرِيِّينَ وتقديرِ الكُوفِيِّينَ ومَن ذَكَرَ معَهم – مِن حيثُ المَعْنَى – دقيقٌ يَجِبُ أنْ تَعْرِفَه وتُلْقِيَ له بالَكَ، ونَشْرَحُه لكَ في مثالِ الموضِعِ الأوَّلِ، وهو قولُكَ: (أنتَ ظالِمٌ إِنْ آذَيْتَنِي)؛ فإنَّ معناه على تقديرِ البَصْرِيِّينَ أنَّ المُتَكَلِّمَ بَنَى كلامَه أَوَّلَ الأمرِ على الإخبارِ جازِماً بأنَّ المُخَاطَبَ ظَالِمٌ، ثُمَّ بَدَا له أنْ يُعَلِّقَه على الشرطِ، فهو أَشْبَهُ شيءٍ بالتخصيصِ بعدَ التعميمِ، وأمَّا على تقديرِ الكُوفِيِّينَ ومَن معَهم فإنَّ المُتَكَلِّمَ بَنَى كلامَه على الشكِّ والتَّرَدُّدِ مِن أَوَّلِ الأمرِ، وفَرْقٌ بينَ البناءيْنِ.

([35]) سورةُ الإسراءِ، الآيةُ: 88.

([36]) لابنِ مالِكٍ في هذه المسألةِ رأيانِ: أَحَدُهما: ذَكَرَه في كِتَابَيْهِ (التسهيلِ) و(الكافِيَةِ)، وحاصِلُه أنه إذا وَقَعَ ما يَحْتَاجُ إلى الخبرِ كالمبتدأِ واسمِ إنَّ، وجاءَ بعدَه قَسَمٌ وشَرْطٌ – نحوُ (زيد والله إن غضب يغضب لغضبه كثير من الناس) - وَجَبَ جَعْلُ الجوابِ للشرطِ، ويكونُ جوابُ القَسَمِ محذوفاً؛ لِدَلالةِ جوابِ الشرطِ عليه، ولا يجوزُ عِنْدَهُ – على هذا الرأيِ – أنْ تَجِيءَ بالجوابِ للقَسَمِ، وتَجْعَلَ جوابَ الشرطِ محذوفاً.
والرأيُ الثاني، وذَكَرَه في الألفيَّةِ، حاصِلُه أنه يجوزُ لكَ الأمرانِ: أنْ تَجِيءَ بالجوابِ للشرطِ وتَحْذِفَ جوابَ القَسَمِ، وأنْ تَعْكِسَ؛ فتَجِيءُ بالجوابِ للقَسَمِ وتَجْعَلُ جوابَ الشرطِ محذوفاً لدَلالةِ جوابِ القَسَمِ عليه، فتقولُ في المثالِ المذكورِ: (زيدٌ واللهِ إنْ غَضِبَ لَيَغْضَبَنَّ لغَضَبِهِ كثيرٌ مِن الناسِ) ولكنَّ الأَرْجَحَ هو أنْ تَجِيءَ بجوابِ الشرطِ وتَحْذِفَ جوابَ القَسَمِ؛ لأنَّ سقوطَ جوابِ الشرطِ مُخِلٌّ بالجملةِ التي هو منها؛ لأنَّ الكلامَ لا يَتِمُّ إلاَّ بالجوابِ، أمَّا القَسَمُ فلأنَّه يَتِمُّ بدونِه كلامٌ مفيدٌ، وإنما يُؤْتَى به لِمُجَرَّدِ تأكيدِ الكلامِ، اغْتُفِرَ فيه ذلكَ.

([37]) 517- هذا بيتٌ مِن الطويلِ، وقد قِيلَ: إنَّ هذا الشاهِدَ من كلامِ امرأةٍ مِن بَنِي عَقِيلٍ، ولم أَجِدْ أَحَداً سَمَّاها باسْمِها.
اللغةُ: (حُدِّثْتَهُ) بالبناءِ للمجهولِ – أُخْبِرْتُ به، (صَادِقاً) مُطَابِقاً للواقِعِ، (أَصُمْ) أُمْسِكْ عن الطعامِ والشرابِ، (القَيْظِ) شِدَّةُ الحرِّ، (بادِيَا) بارزاً ظاهراً، يُرِيدُ: أنه لا يَكْتَفِي بالصومِ في ذلك اليومِ الشديدِ الحرِّ، بل يَزِيدُ على ذلك أنه يَتَعَرَّضُ لحرارةِ الشمسِ حتى يكونَ ذلك أَوْجَعَ له وآلَمَ.
المعنى: يَتَنَصَّلُ الشاعِرُ مِمَّا رَمَاهُ به عندَ المخاطَبِ أحدُ الوَاشِينَ النمَّامِينَ، ويَحْلِفُ على أنه إنْ كانَ هذا الخبرُ صادقاً؛ فإنَّ عليه أنْ يَصُومَ يوماً شديدَ الحرِّ ويَتَعَرَّضَ معَ ذلك لوَهَجِ الشمسِ.
الإعرابُ: (لَئِنِ) اللامُ مُوَطِّئَةٌ للقَسَمِ، إنْ: حرفُ شرطٍ جازِمٌ، (كانَ) فعلٌ ماضٍ ناقِصٌ فعلُ الشرطِ مَبْنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ جزمٍ، (ما) اسمٌ موصولٌ بمعنى الذي: اسمُ كانَ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعٍ، (حُدِّثْتَهُ) حُدِّثَ: فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ مَبْنِيٌّ على الفتحِ المقدَّرِ على آخِرِهِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، وتاءُ المخاطَبِ نائبُ فاعلِه مَبْنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ رفعٍ، وهو المفعولُ الأوَّلُ، وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى ما الموصولةِ مفعولٌ ثانٍ مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ، والمفعولُ الثالِثُ محذوفٌ، وتقديرُ الكلامِ: إنْ كانَ الذي حُدِّثْتُه وَاقِعاً، وجملةُ حُدِّثَ ونائبِ فاعلِه ومَفْعولاتِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ صلةُ الموصولِ، (صَادِقاً) خبرُ كانَ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (أَصُمْ) فعلٌ مضارِعٌ جوابُ الشرطِ مجزومٌ بإنْ، وعلامةُ جَزْمِهِ السكونُ، (في نَهَارِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: أَصُمْ، ونهارِ مضافٌ و(القَيْظِ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، (للشمسِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: بَادِيَا الآتِي، (بَادِيَا) حالٌ من فاعلِ أَصُمْ.
الشاهِدُ فيه: قدِ اسْتَدَلَّ ابنُ مَالِكٍ والفَرَّاءُ بهذا البيتِ على أنَّ الفعلَ الواقِعَ جواباً إذا تَقَدَّمَ عليه شرطٌ وقَسَمٌ جازَ جَعْلُه للشرطِ، وإنْ كانَ الشرطُ متأخِّراً عن القَسَمِ، ولم يَتَقَدَّمْ عليهما مبتدأٌ أو ما كانَ أصلُه مبتدأً، وعندَهما أنَّ اللامَ في قَوْلِهِ: (لَئِنْ) هي اللامُ المُوَطِّئَةُ للقَسَمِ، وإنْ: شرطيَّةٌ، وقولُه: (أَصُمْ) جوابُ الشرطِ، بدليلِ أنه مجزومٌ، ولو كانَ جواباً للقَسَمِ لاتَّصَلَ بالنونِ المؤَكِّدَةِ، فقيلَ: (لأَصُومَنَّ).
والجمهورُ على أنه إنْ تَقَدَّمَ على الشرطِ والقَسَمِ مبتدأٌ جازَ جَعْلُ الجوابِ لأيِّهما كانَ، وإنْ لم يَتَقَدَّمْ عليهما مبتدأٌ – كما في هذا البيتِ – وَجَبَ كونُ الجوابِ للمتقدِّمِ منهما، وأنتَ لو جَعَلْتَ اللامَ مُوَطِّئَةً للقَسَمِ كانَ القَسَمُ مُتَقَدِّماً على الشرطِ، فكانَ يَجِبُ – على قَوْلِهِم – أنْ يُؤْتَى بجوابِ القَسَمِ، وهو غيرُ ما صَنَعَه الشاعِرُ.
ولهم في الردِّ على هذا الشاهِدِ ما ذَكَرَه المؤلِّفُ مِن أنه ضرورةٌ، فلا يُقاسُ عليه، أو ادِّعَاءُ أنَّ هذه اللامَ لَيْسَتِ المُوَطِّئَةَ للقَسَمِ، بل هي زائدةٌ، وعلى هذا لا يكونُ قدِ اجْتَمَعَ شرطٌ وقَسَمٌ.

([38]) مُضِيُّ الشرطِ يَشْمَلُ صورتيْنِ: إحداهما: أنْ يكونَ فِعْلاً ماضياً، والثانيةُ: أنْ يكونَ فعلاً مضارعاً مقروناً بلم، وهذا الذي ذَكَرَه المؤلِّفُ هو مَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ والفَرَّاءِ، وذَهَبَ جُمْهُورُ الكُوفِيِّينَ إلى جوازِ كونِ الشرطِ مُضَارِعاً غيرَ مَنْفِيٍّ بلم، واسْتَدَلُّوا بنحوِ قولِ الشاعِرِ:
لَئِنْ تَكُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْكُمْ بُيُوتُكُمْ = لَيَعْلَمُ رَبِّي أَنَّ بَيْتِي وَاسِعُ
فأنتَ تَرَاهُ قد جاءَ بجوابِ القَسَمِ المقترِنِ باللامِ – وهو قولُه: (لَيَعْلَمُ رَبِّي) – وحَذْفُ جوابِ الشرطِ، معَ أنَّ فعلَ الشرطِ – وهو قولُه (تَكُ) – فعلٌ مضارعٌ غيرُ منفيٍّ بلم، وهو عندَ جمهورِ البَصْرِيِّينَ معدودٌ في ضَرُورَاتِ الشِّعْرِ.



  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 08:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


698- فِعْلَيْنِ يَقْتَضِيْنَ: شَرْطٌ قُدِّمَا = يَتْلُو الجَزَاءَ وَجَوابًا وُسِمَا
(فِعْلَيْنِ يَقْتَضِيْنَ) أَيْ: تَطْلُبُ هَذِهِ الأدواتُ فِعْلَيْنِ (شَرْطٌ قُدِّمَا يَتْلُو الجَزَاءَ) أَيْ: يَتْبَعُهُ الجَزَاءُ (وَجَوابًا وُسِمَا) أيْ: عُلِمَ، يَعْنِي يُسَمِّى الجَزَاءَ جَوَابًا أيضًا، وإِنَّمَا قَالَ "فِعْلَيْنِ" ولمْ يَقُلْ جُمْلَتَيْنِ؛ للتنبيه ِعَلَى أَنَّ حَقَّ الشرطِ والجزاءِ، أَنْ يَكُوْنَا فِعْلَيْنِ، وإِنْ كانَ ذلكَ لَا يَلْزَمُ فِي الجَزَاءِ، وَأَفْهَمَ قولُهُ: "يَتْلُو الجَزَاءَ"، أَنَّهُ لا يَتَقَدَّمُ، وإِنْ تَقَدَّمَ عَلَى أَدَاةِ الشرطِ شَبِيْهٌ بالجوابِ فهو دليلٌ عليهِ، ولَيْسَ إِيَّاهُ، هذَا مَذْهَبُ جمهورِ البصريينَ، وذَهَبَ الكوفيونَ والمُبَرِّدُ وأبُو زَيْدٍ إلَى أَنَّهُ الجوابُ نَفْسُهُ، والتصحيحُ الأوَّلُ، وأَفْهَمَ قولُهُ: "يَقْتَضِيْنَ" أَنَّ أَدَاةَ الشرطِ هي الجَازِمَةُ للشرطِ والجزاءِ مَعًا لاقْتِضَائِهَا لَهَا، أَمَّا الشرطُ فَنُقِلَ الاتفاقُ عَلَى أَنَّ الأداةَ جَاِزمةٌ ٍلَهُ، وأَمَّا الجَزَاءُ فَفِيْهِ أَقْوالٌ؛ قِيْلَ: هِيَ الجَازِمَةُ لَهْ أيضًا كمَا اقْتَضَاهُ كلامُهُ، قيلَ: وهو مذهبُ المُحَقِّقِيْنَ مِنَ البصريينَ، وعَزَاهُ السِّيْرَافِيُّ إلَى سِيْبَويْهِ وقيلَ: الجزمُ بفعلِ الشرطِ، وهو مذهبُ الأَخْفَشِ، واختارَهُ فِي (التَّسْهِيْلِ)، وقِيْلَ: بالأَدَاةِ والفعلِ مَعًا، ونُسِبَ إِلَى سِيْبَويْهِ والخَلِيْلِ، وقيلَ: بالجِوَارِ، وهو مذهبُ الكوفيينَ.
699- ومَاضِيَيْنِ أو مُضَارِعَيْنِ = تُلْفِيْهِمَا أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ
(ومَاضِيَيْنِ أَوْ مُضَارِعَيْنِ تَلْفَيْهُمَا) أيْ: تَجِدْهُمَا (أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ) هَذَا مَاضٍ، وهَذَا مُضَارِعٌ، فَمِثَالُ كَوْنِهِمَا مُضَارِعَيْنِ ـ وهو الأصلُ ـ نحوُ: {وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ} ومَاضِيَيْنِ نحوُ: {وَإِنْ عُدْتُم عُدْنَا} ومَاضِيًا، فَمُضَارِعًا نحوُ: {مَنْ كَانَ يُرْيِدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} وعَكْسُهُ قليلٌ، وخَصَّهُ الجمهورُ بالضرورةِ، ومَذْهَبُ الفَرَّاءِ والمصنفِ جَوَازُهُ فِي (الاخْتِيَارِ)، وهو الصحيحُ، لِمَا رَوَاه البُخَارِيُّ مِنْ قولِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: ((مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيْمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ)) ومِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ رَضْيَ اللهُ عَنْهَا: "إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجَلٌ أَسِيْفٌ، مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ رَقَّ" ومِنْهُ: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيِهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيةً فَظَلَّتْ} لأَنَّ تَابِعَ الجوابِ جَوَابٌ، وقولُهُ [مِنَ الخَفِيْفِ]:
1084- مَنْ يَكِدْنِي بِسَيِّئٍ كُنْتُ مِنْهُ = كَالشَّجَا بَيْنَ حَلْقِهِ والوَرِيْدِ
وقولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1085- عَنْ تَضْرِمُونَا وَصَلْنَاكُمْ وَإِنْ تَصِلُوا = مَلَأْتُمْ أَنْفُسَ الأعداءِ إِرْهَابًا
وقولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1086- إِنْ يَسْمَعُوا سُبَّةً طَارُوا بِهَا فَرَحًا = مِنِّي، وَمَا يَسْمَعُوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا
وأَرْوَدَ لَهُ النَّاظِمُ فِي تَوُضِيْحِهِ عَشْرَةَ شَوَاهِدَ شِعْرِيَّةً.
700- وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الجَزَا حَسَنْ = وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ
(وبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الجَزَا حَسَنْ) كقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1087- وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيْلٌ يَوْمَ مَسْغَبَةٍ = يَقُولُ: لَا غَائِبٌ مَالِي وَلا حَرِمُ
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1088- وَلَا بِالذِي إِنْ بَانَ عَنْهُ حَبِيْبُهُ = يَقُولُ ـ ويُخْفِي الصَّبْرَ ـ إِنِّي لَجَازِعُ
ورَفْعُهُ عِنْدَ سِيْبَويْهِ عَلَى تقديرِ تقديمِهِ، وكونِ الجوابِ محذوفًا، وذَهَبَ الكوفيونَ والمُبَرِّدُ إِلَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيْرِ الفَاءِ، وذهَبَ قومٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى التقديمِ والتأخيرِ، ولَا عَلَى حَذْفِ الفَاءِ، بَلْ لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لِأَداَة ِالشرطِ تأثيرٌ فِي فِعْلِ الشرطِ لكونِهِ مَاضِيًا ضَعُفَتْ عَنِ العَمَلِ فِي الجَوَابِ.
تنبيهانِ: الأوَّلُ: مِثْلُ المَاضِي فِي ذلكَ المضارعُ المنفيُّ بـ"لَمْ" تقولُ: "إِنْ لَمْ تَقُمْ أَقُومُ" وقَدْ يَشْمَلُهُ كلامُهُ.
الثانِي: ذَهَبَ بعضُ المُتَأَخِّرِيْنَ إِلَى أَنَّ الرفعَ أحسنُ مِنَ الجَزْمِ، والصوابُ عَكْسُهُ، كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كلامُهُ، وقَالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): الجزمُ مُخْتَارٌ، والرفعُ جَائِزٌ كَثِيْرٌ.
(وَرَفْعُهُ) أَيْ: رفعُ الجَزَاءِ (بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ) أَيْ: ضَعُفَ، مِنْ ذلكَ قولُهُ [مِنَ الرَّجَزِ]:
1089- يَا أَقْرَعُ بْنَ حَابِسٍ يَا أَقْرَعُ = إِنَّكَ إِنْ يُصْرَعْ أخوكَ تُصْرَعُ
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1090- فَقُلْتُ: تَحَمَّلْ فَوْقَ طَوْقِكَ، إِنَّهَا = مُطَبَّعَةٌ مَنْ يَأْتِهَا لَا يَضِيْرُهَا
وقراءةُ طَلْحَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكمْ المَوْتُ) وقَدْ أَشْعَرَ كلامُهُ بِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بالضرورةِ، وهو مُقْتَضَى كلامِهِ أيْضًا فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، وفِي بعضِ نُسَخِ (التَّسْهِيْلِ)، وصَرَّحَ فِي بعْضِهَا بِأَنَّهُ ضرورةٌ، وهو ظاهرُ كلامِ سِيْبَويْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وقدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ، وقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ قَوْلَهُ: "بَعْدَ مُضَارِعٍ" ليسَ عَلَى إطلاقِهِ، بَلْ مَحَلُّهُ فِي غيرِ المَنْفِيِّ بِـ "لَمْ" كَمَا سَبَقَ.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: اخْتُلِفَ فِي تَخْرِيْجِ الرَّفْعِ بَعْدَ المُضَارِعِ فذهبَ المُبَرِّدُ علَى أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الفَاءِ مُطْلقًا، وفَصَلَََ سِيْبَويْهِ بَيِنَ أَنْ يكونَ قَبْلَهُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَطْلُبَهُ نحوُ: "إِنَّكَ" فِي البيتِ، فَالأَوْلَى أَنْ يَكونَ على التقديمِ والتأخيرِ وبَيْنَ أَنْ لا يَكُونَ؛ فَالأَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ الفاءِ، وجَوَّزَ العكسَ، وقِيلَ: إِنْ كَانَتِ الأداةُ اسْمَ شرطٍ فَعَلَى إِضمارِ الفاءِ، وإِلَّا فَعَلَى التقديمِ والتأخيرِ.
الثانِي: قالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: يَحْسُنُ الرفعُ هُنَا إِذَا تَقَدَّمَ مَا يَطْلُبُ الجَزَاءَ قَبْلَ "إِنْ" كقولِهِم: "طَعَامَكَ إِنْ تَزُرْنَا نَأْكُلْ" تقديرُهُ: طَعَامُكَ نَأْكُلْ إِنْ تَزُرْنَا.
الثالثُ: ظَاهِرُ كلامِهِ مُوَافَقَةُ المُبَرِّدِ، لتسمِيَتِهِ المَرْفُوعَ جَزَاءً، ويَحْتَمِلُ أَنْ يكونَ سَمَّاهُ جَزَاءً باعتبارِ الأصلِ وهو الجَزْمُ، وإنْ لمْ يَكُنْ جَزَاءً إذَا رُفِعَ.
701- واقْرِنْ بِفَا حَتْمًا جَوَابًا لَوْ جُعِلْ = شَرْطًا لإِنْ أو غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ
(واقْرِنْ بِفَا حَتْمًا) أيْ: وُجُوبًا (جَوَابًا لو جُعِلْ * شَرْطًا لأنْ أو غيرِهَا) مِنْ أدواتِ الشرطِ (لَمْ يَنْجَعِلْ)، وذلكَ الجملةُ الاسْمِيَّةُ نحوُ: {وإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فهوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ}، والطلبيةُ نحوُ: {إِنْ كُنْتُمْ تُحْبُّوْنَ اللهَ فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}، ونحوُ: (ومَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصالحاتِ وهو مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَفْ ظُلْمًا ولا هَضْمًا) فِي رِوَايَةِ ابْنِ كَثِيْرٍ، وقدِ اجْتَمَعَا فِي قولِهِ تعَالى {وإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} والتِي فعلُهَا جَامِدٌ، نحوُ: {إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا فعَسَى رَبِّي} أو مَقْرونٌ بـ "قَدْ" نحوُ: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}، أو تَنْفِيْسٌ نحوُ: {وإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوفَ يُغْنِيْكُمُ اللهُ} أو "لَنْ" نحوُ: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تُكْفَرُوهُ} أو "مَا" نحوُ: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُم فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} وقدْ تُحْذَفُ للضرورةِ كقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1091- مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا = لَا يَذْهَبُ العُرْفُ عندَ اللهِ والناسِ
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1092- وَمَنْ لا يَزَلْ يَنْقَادُ للغَيِّ والصِّبَا = سَيُلْفَى عَلَى طُوْلِ السَّلَامَةِ نَادِمًا
قالَ الشارحُ: أو نُدُورٌ، ومَثَّلَ للندورِ بِمَا أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: ((فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا)) وعَنِ المُبَرِّدِ إِجَازَةُ حَذْفِهَا فِي (الاخْتِيَارِ)، وقدْ جَاءَ حَذْفُهَا، وحذفُ المُبْتَدَأِ فِي قولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1093- بَنِي ثُعَلٍ لا تَنْكُعُوا العَنْزَ شُرْبَهَا = بَنِي ثُعَلٍ مَنْ يَنْكَعِ العَنْزَ ظَالِمُ
وإنَّمَا وَجَبَ قَرْنُ الجوابِ بالفاءِ فِيْمَا لَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِيُعْلَمَ الارتباطُ، فَإِنَّ مَا لَا يَصْلُحُ للارتباطِ مَعَ الاتصالِ أَحَقُّ بِأَنْ لَا يَصْلُحَ مَعَ الانْفِصَالِ، فَإِذَا قُرِنَ بالفاءِ عُلِمَ الارتباطُ.
أمَّا إذَا كانَ الجوابُ صَالِحًا لجَعْلِهِ شَرطًا، كَمَا هُو الأصلُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى فاءٍ يَقْتَرِنُ بِهَا، وذلكَ إذَا كانَ مَاضِيًا مُتَصَرِّفًا مُجَرَّدًا مِنْ "قَدْ" وغيرِهَا أو مُضَارِعًا مُجَرَّدًا أو مَنْفِيًّا بـ"لَا" أو "لَمْ".
قالَ الشارحُ: ويجوزُ اقْتِرَانُهُ بِهَا، فَإِنْ كَانَ مُضَارِعًا رُفِعَ؛ وذَلكَ نحوُ قولِهِ تَعَالَى: {إِنْ كَانَ قَمِيْصُهُ قُدَّ مِنْ قُبِلٍ فَصَدَقَتْ} وقولِهِ: {ومَنْ جَاءَ بالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ} وقولِهِ: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا} هذا كلامُهُ.
وهو مُعْتَرَضٌ مِنْ ثلاثةِ أَوْجُهٍ:
الأوَّلُ: أَنَّ قولَهُ "ويجوزُ اقْتِرَانُهُ بِهَا" يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنَّ الفعلَ هو الجوابُ مَعَ اقْتِرَانِهِ بالفاءِ، والتحقيقُ حينئذٍ أَنَّ الفعلَ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، والجوابُ جملةٌ اسميةٌ، قالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): فَإِنِ اقْتَرَنَ بِهَا فَعَلى خِلافِ الأصْلِ، وينبغِي أَنْ يَكونَ الفعلُ خبرَ مبتدأٍ، ولولَا ذلكَ لحُكِمَ بزيادةِ الفاءِ وجُزِمَ الفعلُ إِنْ كانَ مُضَارعًا؛ لأَنَّ الفاءَ عَلَى ذلكَ التقديرِ زائدةٌ فِي تقديرِ السقوطِ، ولكنَّ العربَ الْتَزَمَتْ رَفْعَ المضارعِ بعدَهَا، فَعُلِمَ أنَّها غيرُ زائدةٍ، وأَنَّها داخلةٌّ عَلَى مُبْتَدأٍ مُقَدَّرٍ كما تَدْخُلُ عَلَى مُبتدأٍ مُصَرَّحٍ بِهِ.
الثانِي: ظاهرُ كلامِهِ جوازُ اقْتِرَانِ الماضِي بالفاءِ مُطْلَقًا، وليسَ كذلكَ، بَلْ المَاضِي المُتَصَرِّفُ المُجَرَّدُ عَلَى ثَلاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٍ لا يجوزُ اقترانُهُ بالفاءِ، وهو مَا كانَ مُسْتقبلًا مَعْنًى، ولمْ يُقْصَدْ بِهِ وَعْدٌ أو وَعِيْدٌ، نحوُ: "إِنْ قَامَ زيدٌ قَامَ عَمْرٌو" وضَرْبٍ يَجِبُ اقترانُهُ بالفاءِ؛ وهو مَا كانَ مَاضِيًا لفظًا ومعنًى، نحوُ: {إِنْ كَانَ قَيِمْصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} و"قُدَّ" مَعَهُ مُقَدَّرَةٌ، وضَرْبٍ يجوزُ اقترانُهُ بالفاءِ، وهو مَا كَانَ مُسْتَقْبلًا معنًى وقُصِدَ بِهِ وَعْدٌ أو وَعِيْدٌ، نحوُ: {وَمَنْ جَاءَ بالسيئةِ فَكُبَّتْ وجوُهُهُمْ فِي النَّارِ} قَالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): لأَنَّهُ إذَا كانَ وَعْدًا أو وَعِيْدًا حَسُنَ أَنْ يُقَدَّرَ مَاضِي المَعْنَى، فَعُومِلَ مُعَامَلَةَ الماضِي حقيقةً، وقد نَصَّ عَلَى هَذَا التفصيلِ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ).
الثالثُ: أَنَّهُ مَثَّلَ مَا يجوزُ اقترانُهُ بالفاءِ بقولِهِ تعَالَى: {فَصَدَقَتْ}، وليسَ كذلكَ بَلْ هُو مِثَالُ الواجبِ كَمَا مَرَّ.
تنبيهٌ: هَذِهِ الفاءُ فاءُ السَبَبِ الكَائِنَةِ فِي نحوِ: "يَقُومُ زَيْدٌ فيقومُ عَمْرٌو" وتَعَيَّنَتْ هُنَا للربطِ لا لِتَشْرِيْكٍ، وزَعَمَ بعضُهُمْ أَنَّهَا عاطفةُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ فلمْ تَخْرُجْ عَنِ العطفِ، وهو بعيدٌ.
702- وتَخْلُفُ الفاءَ إِذَا المُفَأَجَاهْ = كـ"إِنْ تَجُدْ إِذًا لَنَا مُكَافَأَةْ"
(وتَخْلُفُ الفاءَ إذَا المُفَاجَأَةْ) فِي الربطِ، إِذَا كانَ الجوابُ جملةً اسميةً غيرَ طلبيةٍ لمْ يَدْخُلْ عليهَا أَدَاةُ نَفْيٍ، ولَمْ يَدْخُلْ عليهَا "إِنْ" (كَإِنْ تَجُدْ إِذًا لَنَا مُكَافَأَةْ) {وإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيْهِم إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} لأنَّها مِثْلُهَا فِي عدمِ الابتداءِ بِهَا، فوجودُهَا يُحَصِّلُ مَا تُحَصِّلُ الفاءُ مِنْ بيانِ الارتباطِ، فأمَّا نحوُ: "إِنْ عَصَى زَيْدٌ فَوَيْلٌ لَهُ" ونحوُ: "إِنْ قَامَ زيدٌ فَمَا عَمْرٌو قائِمٌ" ونحوُ: "إِنْ قَامَ زيدٌ فإِنَّ عَمْرًا قائمٌ" فيُتَعَيَّنُ فِيْهَا الفاءُ.
وقدْ أَفْهَمَ كلامُهُ أَنَّ الربطَ بـ "إِذَا" نَفْسِهَا، لا بالفاءِ مقَدَّرَةً قَبْلهَا، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ، وأَنَّها ليستْ أَصْلًا فِي ذلكَ، بَلْ وَاقِعَةٌ موقعَ الفاءِ، وأَنَّهُ لا يجوزُ الجمعُ بَيْنَهُمَا فِي الجوابِ.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: أَعْطَى القيودَ المشروطةَ فِي الجملةِ بالمِثَالِ، لكِنَّهُ لا يُعْطِي اشتِرَاطَهَا، فكانَ ينبغِي أَنْ يُبَيِّنَهُ.
الثانِي: ظاهرُ كلامِهِ أَنَّ "إِذَا" يُرْبَطُ بِها بعدَ "إِنْ" وغيرِهَا مِنْ أدواتِ الشرطِ وفِي بعضِ نُسَخِ (التَّسْهِيْلِ) و"قَدْ تنوبُ بعدَ إِنْ إِذَا" المُفَاجَأَةِ عَنِ الفاءِ فَخَصَّهُ بـ"إِنْ" وهو مَا يُؤْذَنُ بِهِ تَمْثِيْلُهُ، قالَ أبُو حَيَّانَ: وموردُ السماعِ "إِنْ" وقَدْ جَاءَتْ بعدَ إِذَا الشرطيةِ، نحوُ: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}.
703- والفعلُ مِنْ بَعْدَ الجِزَا إِنْ يَقْتَرِنْ = بِالفَا أو الواوِ بِتَثْلِيْثٍ قَمِنْ
(والفعلُ مِنْ بَعْدَ الجَزَا) وهُو أَنْ تَأْخُذَ أداةُ الشرطِ جوابَهَا (إِنْ يَقْتَرِنْ بالفاءِ أو الواوِ بتثليثٍ قَمِنْ) أيْ: حَقِيْقٌ، فالجَزْمُ بالعطفِ، والرفعُ علَى الاستئنافِ، والنصبُ بـ "أَنْ" مُضْمَرَةٍ وجوبًا وهو قليلٌ، قَرَأَ عاصِمٌ وابْنُ عَامِرٍ {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفُرُ} بالرفعِ، وباقِيْهِم بالجزمِ، وابْنُ عَبَّاسٍ بالنصبِ، وقُرِئَ بِهِنَّ: {مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ ويَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ} {وإِنْ تُخْفُوهَا وتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خيرٌ لَكُمْ ونُكَفِّرُ} وقَدْ رُوِىَ بِهِنَّ نَأْخُذْ مِنْ قَوْلِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
1094- فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ = رَبِيْعُ النَّاسِ والبَلَدُ الحَرَامُ
ويَأْخُذْ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ = أَجَبِّ الظَّهْرِ ليسَ لَهْ سِنَامُ
وإنَّمَا جَازَ النصبُ بعدَ الجَزَاءِ؛ لأَنَّ مضمونَهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ وقوعُهُ، فأَشْبَهَ الواقِعُ بعدَهُ الواقعَ بَعْدَ الاستفهامِ، أمَّا إذَا كانَ اقترانُ الفعلِ بَعْدَ الجَزَاءِ بـ "ثُمَّ" فإنَّهُ يَمْتَنِعُ النصبُ، ويجوزُ الجَرُّ والرفعُ.
فَإِنْ تَوَسَّطَ المُضارعُ المَقْرُونُ بالفاءِ أو الواوِ بينَ جملةِ الشرطِ وجملةِ الجَزَاءِ، فالوجهُ جزمُهُ، ويجوزُ النصبُ وإِلَى ذَلكَ الإشارةُ بقولِهِ:
704- (وجَزْمٌ أو نَصْبٌ لفعلٍ إِثْرَفَا = أو واوٍ انْ بِالجُمْلَتَيْنِ اكْتَنَفَا)
فالجزمُ نحوُ: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ ويَصْبِرْ فإنَّ اللهَ لا يُضِيْعُ أَجْرَ المُحْسِنِيْنَ} وهو الأشهرُ، ومِنْ شَواهِدِ النصبِ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1095- ومَنْ يَقْتَرِبْ مِنَّا ويَخْضَعَ نُؤْوِهِ = ولا يَخْشَ ظُلمًا مَا أَقَامَ ولا هَضْمَا
ولا يجوزُ الرفعُ، لأنَّهُ لا يَصِحُّ الاستئنافُ قبلَ الجَزَاءِ، وأَلْحَقَ الكوفيونَ "ثُمَّ" بالفاءِ والواوِ، فأجَازُوا النصبَ بعدَهَا، واسْتَدَلُّوا بِقِرَاءةِ الحَسَنِ (ومَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ ورسُوْلِهِ ثُمَّ يُدْرِكَهُ الموتُ) وزَادَ بعضُهُم "أوْ".
705- والشرطُ يُغْنِي عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ = والعكسُ قَدْ يَأتِي إِنِ المَعْنَى فُهِمْ.
(والشرطُ يُغْنِي عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ) أيْ: بِقَرِيْنَةٍ، نحوُ: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِي نَفَقًا فِي الْأَرْضِ} الآيةَ، أيْ: فافْعَلْ وهَذَا كثيرٌ، ويجبُ ذلكَ إِنْ كَانَ الدَّالُّ عليهِ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا هُو جوابٌ فِي المَعْنَى، نحوُ: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ} أو مَا تَأَخَّرَ مِنْ جَوَابِ قَسَمٍ سَابِقٍ عليهِ كَمَا سَيَأْتِي، (والعكسُ) وهو أَنْ يُغْنِي الجوابُ عَنِ الشرطِ (قَدْ يَأْتِي) قَلِيلًا (إِنِ الْمَعْنَى فُهِمْ) أيْ: دَلَّ الدليلُ عَلَى المَحْذُوفِ كقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
10096- فَطَلِّقْهَا فَلَسْتَ لهَا بِكُفْءٍ = وإِلَّا يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحُسَامُ
أيْ: وإِلَّا تُطَلِّقَهَا يَعْلُ. وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1097- مَتَى تُؤْخَذُوا قَسْرًا بِظِنَّةِ عَامِرٍ = ولا يَنْجُ إِلَّا فِي الصِّفَادِ يَزِيْدُ
أَرَادَ: مَتَى تُثْقَفُوا تُؤْخَذُوا.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: أشَارَ بـ "قَدْ" إِلى أَنَّ حَذْفَ الشرطِ أَقَلُّ مِنْ حَذْفِ الجوابِ كَمَا نَصَّ عليهِ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، لكِنَّهُ فِي بعضِ نُسَخِ (التَّسْهِيْلِ) سَوَّى فِي الكثرةِ بينَ حَذْفِ الجوابِ وحذفِ الشرطِ المَنْفِيِّ بـ "لَا" تَالِيَةِ "إِنْ" كَمَا فِي البيتِ الأَوَّلِ، وهُو واضحٌ، فَلْيَكُنْ مُرَادُهُ هُنَا أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْهُ فِي الجُمْلَةِ.
الثانِي: قَالَ فِي (التَّسْهِيْلِ): ويُحْذَفَانِ بَعْدَ "إِنْ" فِي الضرورةِ؛ يَعْنِي الشرطَ والجَزَاءَ، كقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
1098- قَالَتْ بَنَاتُ العَمِّ يَا سَلْمَى وَإِنْنْ = كَانَ فَقِيْرًا مُعْدَمًا قَالَتْ وَإِنْنْ
التقديرُ: وإِنْ كَانَ فَقِيْرًا مُعْدَمًا رَضِيْتُهُ؟ وكلامُهُ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ) يُؤْذِنُ بجَوَازِهِ فِي (الاخْتِيَارِ) عَلَى قِلِّةٍ، وكَذَا كلامُ الشارحِ، ولا يجوزُ ذلكَ، أَعْنِي حذفُ الجُزْءَيْنِ مَعًا مَعَ غيرِ "إِنْ".
الثالثُ: إِنَّما يكونُ حذفُ الشرطِ قليلًا إِذَا حُذِفَ وحْدَهُ كُلُّهُ، فَإِنْ حُذِفَ مَعَ الأَدَاةِ فهو كثيرٌ، ومِنْ ذَلكَ قولُهُ تَعَالَى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ} تَقْدِيْرُهُ: إِنْ افتخرتُمْ بقتلِهِمْ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ أَنْتُمْ؛ ولكِنَّ اللهَ قتَلَهُمْ، وقولُهُ تَعَالَى {فَاللهُ هو الوَلِيُّ} تقديرُهُ: إِنْ أَرَادُوا وَلِيًّا بِحَقٍّ، فاللهُ هو الوَلِيُّ بالحقِّ لا وليٌّ سِوَاهُ، وقولُهُ تعَالَى: {يَا عِبَادِي الذِيْنَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُوْنَ} أصلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ أَنْ تُخْلِصُوا العبادةَ لِي فِي أَرْضٍ فَإِيَّايَ فِي غيرِهَا فاعْبُدُونَ، وكَذَا إِنْ حُذِفَ بعضُ الشرطِ، نحوُ: {وإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ اسْتَجَارَكَ} ونحوُ: إنْ خيرًا فخيرٌ.
706- واحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وقَسَمْ = جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ
(واحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ) غيرِ امْتِنَاعِيٍّ (وقَسَمٍ وجوابِ مَا أَخَّرْتَ) أَيْ: مِنْهُمَا، اسْتِغْنَاءً بجوابِ المُتَقِّدِمِ (فهوَ) أيْ: الحَذْفُ (مُلْتزَمٌ) فجوابُ القَسَمِ يَكُونُ مُؤَكَّدًا باللامِ أو "إِنْ" أو مَنْفيًا، وجوابُ الشرطِ مقرونٌ بالفاءِ أو مجزومٌ، فمِثَالُ تَقَدُّمِ الشرطِ: "إِنْ قَامَ زَيْدٌ واللهِ أُكْرِمْهُ، وإِنْ يَقُمْ واللهِ فَلَنْ أَقُوْمَ" ومثالُ تَقَدُّمِ القَسَمِ "واللهِ إِنْ قَامَ زيدٌ لأَقُوْمَنَّ واللهِ إِنْ لَمْ يَقُمْ زيدٌ إِنَّ عَمِرًا ليقومُ، أو يقومَ"، و"اللهِ إِنْ لَمْ يقُمْ زيدٌ مَا يقومُ عَمْرٌو"، وأمَّا الشرطُ الامتناعِيُّ نحوُ: "لَوْ" "لَوْلَا" فإِنَّهُ يُتَعَيَّنُ الاستغناءُ بجوابِهِ، تَقَدَّمَ القَسَمُ أو تَأَخَّرَ، كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1099- فَأُقْسِمُ لَوْ أَنْدَى النَّدِيُّ سَوَادَهُ = لمَا مَسَحَتْ تِلْكَ المَسَالَاتِ عَامِرُ
وكقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
1100- واللهِ لوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا = وَلَا تَصَدَّقْنَا ولا صَلَّيْنَا
نَصَّ عَلَى ذَلكَ فِي (الكَافِيَةِ) و(التَّسْهِيْلِ)، وهو الصحيحُ، وذَهَبَ ابْنُ عُصْفُورٍ إلى أَنَّ الجوابَ فِي ذلكَ القَسَمِ لتَقَدُّمِهِ، ولزومِ كونِهِ مَاضِيًا، لأنَّهُ مُغْنٍ عَنْ جَوابِ "لوْ" و"لوْلَا"، وجوابُهُمَا لا يكونُ إلا مَاضِيًا، وقولُهُ فِي بابِ القَسَمِ فِي (التَّسْهِيْلِ): و(تُصَدَّرُ يَعْنِي جملةَ الجوابِ ـ فِي الشرطِ الامتناعِيِّ بلوْ أو لَوْلَا) يَقْتَضِي أَنَّ "لوْ" و"لَوْلَا"، ومَا دَخَلَتَا عليهِ، جوابُ القَسَمِ، وكلامُهُ فِي الفصلِ الأَوَّلِ مِنْ بَابِ عَوَامِلِ الجَزْمِ يَقْتَضِي أَنَّ جوابَ القَسَمِ محذوفٌ استغناءً بجوابِ "لوْ" و"لَوْلَا"، والعُذْرُ لَهُ في عَدَمِ التنبيهِ هُنَا عَلَى "لَوْ" و"لَوْلَا" أَنَّ البابَ موضوعٌ للشرطِ غيرِ الامتناعِيِّ، والمَغَارِبَةُ لا يُسَمُّونَ "لَوْلَا" شَرْطًا ولا "لَوْ" إِلَّا إِذَا كانتْ بِمَعْنَى "إِنْ".
وهَذَا الذِي ذَكَرَهُ إِذَا لمْ يتقدَّمْ عَلَى الشرطِ غيرِ الامتناعِيِّ والقَسَمِ ذُو خَبَرٍ، فَإِنْ تقدَّمَ جُعِلَ الجوابُ للشرطِ مُطْلقًا وحُذِفَ جوابُ القَسَمِ، تقدَّمَ أو تأخَّرَ كَمَا أشَارَ إلى ذلكَ بقولِهِ:
707- (وإِنْ تَوَالَيَا وقَبْلُ ذُو خَبَرْ = فالشرطُ رَجِّحْ مُطْلقًا بِلَا حَذَرْ)
وذلك نحوُ: زَيْدٌ إنْ يَقُمْ واللهِ يُكْرِمْكَ، وزَيدٌ واللهِ إِنْ يَقُمْ يُكْرِمْكَ"، و"إِنَّ زيدًا يَقُمْ واللهِ يُكرِمْكَ"، و"إِنَّ زيدًا واللهِ إِنْ يَقُمْ يُكرِمْكَ"، وإِنَّما جُعِلَ الجوابُ للشرطِ مَعَ تَقَدُّمِ ذِي خبَرٍ؛ لأنَّ سقوطَهُ مُخِلٌّ بِمَعْنَى الجملةِ التِي هُو مِنْهَا، بِخِلَافِ القَسَمِ، فإنَّهُ مَسُوْقٌ لِمُجَرَّدِ التوكيدِ.
والمرادُ بِذِي الخبرِ مَا يَطْلُبُ خَبَرًا مِنْ مبتدأٍ أو اسْمِ كَانَ ونحوِهِ.
وأَفْهَمَ قُولُهُ: "رَجِّحْ" أَنَّهُ يجوزُ الاستغناءُ بجوابِ القَسَمِ، فتقولُ: "زَيْدٌ واللهِ إِنْ قَامَ أَوْ إِنْ لَمْ يَقُمْ لَأُكْرِمَنَّهُ" وهو مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ وغيرُهُ، لَكِنْ نَصَّ فِي (الكَافِيَةِ) و(التَّسْهِيْلِ) عَلَى أَنَّ ذلكَ عَلَى سَبِيْلِ التَّحَتُّمِ، وليسَ فِي كلامِ سِيْبَويْهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّحَتُّمِ.
708- (ورُبَّمَا رُجِّحَ بَعْدَ قَسَمْ = شَرْطٌ بِلا ذِي خَبَرٍ مُقَدَّمْ)
كمَا ذهبَ إليه الفَرَّاءُ، تَمَسُّكًا بقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1101- لَئِنْ مُنِيْتَ بِنَا عَنْ غِبِّ مَعْرَكَةٍ = لَا تَلْفَنَا عَنْ دِمَاءِ القومِ نَنْتَفِلُ
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1102- لَئِنْ كَانَ مَا حَدَّثْتِهِ اليومَ صَادِقًا = أَصُمْ فِي نَهَارِ القَيْظِ للشمسِ بَادِيًا
ومَنَعَ الجمهورُ ذَلكَ، وتَأَوَّلُوا مَا وردَ عَلَى جَعْلِ اللامِ زَائِدَةً.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: كُلُّ مَوْضِعٍ اسْتُغْنِى فيهِ عَنْ جَوابِ الشرطِ لا يكونُ فعلُ الشرطِ فيهِ إلا ماضِيَ اللفظِ، أو مُضَارعًا مَجْزومًا بـ "لَمْ" نحوُ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُوْلُنَّ اللهُ} ونحوُ: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ} وَلَا يجوزُ: "أَنْتَ ظَالِمٌ إِنْ تَفْعَلِ" ولَا"واللهِ إِنْ تَقُمْ لَأَقُوْمَنَّ" وأمَّا قولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
1103- يُثْنِي عَلَيْكَ وأَنْتَ أَهْلُ ثَنَائِهِ = وَلَدَيْكَ إِنْ هُو يَسْتَزِدْكَ مَزِيْدُ
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1104- لَئِنْ تَكُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْكُم بُيُوتُكُمْ = لَيَعْلَمُ رَبِّي أَنَّ بَيْتِيَ وَاسِعُ.
فضرورةٌ، وأَجَازَ ذَلكَ الكوفيونَ إلا الفَرَّاءُ.
الثانِي: إذَا تَأَخَّرَ القَسَمُ، وقُرِنَ بالفاءِ وَجَبَ جَعْلُ الجوابِ لَهُ، والجملةُ القَسَمِيَّةُ حينئذٍ هي الجوابُ، وأَجَازَ ابْنُ السَّرَّاجِ أَنْ تُنْوَي الفاءُ؛ فَيُعْطَى القَسَمُ المُتَأَخِّرُ مَعَ نِيِّتَهِا مَا أُعْطِيَهُ مَعَ اللفظِ بِهَا، فَأَجازَ: "إِنْ تَقُمْ بِعِلْمِ اللهُ لأَزُوْرَنَّكَ" عَلَى تَقْدِيْرِ فَبِعِلْمِ اللهِ، ولمْ يَذْكُرْ شَاهِدًا، وينبغِي أَنْ لا يُجَوَّزَ ذَلكَ، لِأَنَّ حذفَ فاءِ جوابِ الشرطِ لا يجوزُ عندَ الجمهورِ إلا فِي الضرورةِ.
الثالثُ: لَمْ يُنَبِّهْ هُنَا عَلَى اجْتِمَاعِ الشرطينِ، فَنَذْكُرَهُ مُخْتَصَرًا.
إذَا تَوَالَى شَرْطَانِ دُوْنَ عَطْفٍ، فالجوابُ لأوَّلِهِمَا، والثانِي مُقَيِّدٌ للأوَّلِ كتَقْيِيْدِهِ بحالٍ واقعةٍ موْقِعَهُ، كقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1105- إِنْ تَسْتَغِيْثُوا بِنَا إِنْ تُذْعَرُوا تَجِدُوا = مِنَّا مَعَاقِلَ عِزٍّ زَانَهَا كَرَمُ
وإِنْ تَوَالَيَا بِعَطْفٍ؛ فالجوابُ لهُمَا مَعًا، كذَا قَالَهُ المصنفُ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، ومَثَّلَ لَهُ بقولِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} الآيةِ، وقالَ غيرُهُ" إنِ ْتَوَالَي الشرطانِ بعطفِ الواوِ؛ فالجوابُ لَهُمَا، نحوُ: "إِنْ تَأْتِنِي وَإِنْ تُحْسِنْ إِلَىَّ أُحْسِنْ إليكَ" أو بـ "أو"؛ فالجوابُ لأحدِهِمَا، نحوُ: "إِنْ جَاءَ زَيْدٌ أَو إِنْ جَاءَتْ هِنْدٌ فَأَكْرِمْهُ، أو فَأَكْرِمْهَا" أو بالفاءِ، فَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الجوابَ للثَانِي، والثانِي وجوابُهُ جوابُ الأوَّلِ، وعَلَى هذَا فإِطْلَاقُ المصنفِ محمولٌ عَلَى العطفِ بالواوِ.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 08:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


أدواتُ الشرْطِ تَحتاجُ إلى مُضارعيْنِ أوْ ما يَحِلُّ مَحَلَّهما أوْ مَحَلَّ أحَدِهما.
698- فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ شَرْطٌ قُدِّمَا = يَتْلُو الْجَزَاءَ وَجَوَاباً وُسِمَا
699- وَمَاضِيَيْنِ أَوْ مُضَارِعَيْنِ = تُلْفِيهِمَا أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ
كُلُّ أداةٍ مِنْ أدواتِ الشَّرْطِ الْمُتَقَدَّمَةِ تَقْتَضِي فِعلَيْنِ، يُسَمَّى الأوَّلُ شَرْطاً؛ لِتَعْلِيقِ الْحُكْمِ عليهِ، وكَوْنِهِ شَرْطاً لِتَحَقُّقِ الثاني. ويُسَمَّى الثاني جَوَاباً؛ لأنَّهُ مُرَتَّبٌ على الشرْطِ كما يَتَرَتَّبُ الجوابُ على السُّؤَالِ. ويُسَمَّى جَزَاءَ؛ لأنَّ مَضْمُونَهُ جَزاءٌ لِمَضمونِ الشرْطِ.
ويكونُ الشرْطُ مُتَقَدِّماً والجوابُ مُتَأَخِّراً، وإذا وَرَدَ ما ظاهِرُهُ أنَّهُ جَوَابٌ مُتَقَدِّمٌ فليسَ جَوَاباً، بل الجَوَابُ مَحذوفٌ دَلَّ عليهِ ما تَقَدَّمَ على أداةِ الشرْطِ، وسَيَأْتِي ذِكْرُ ذلكَ إنْ شاءَ اللَّهُ.
ويَجِبُ في الشرْطِ أنْ يكونَ فِعْلاً، أَمَّا الجوابُ فالأَصْلُ فيهِ أنْ يكونَ فِعْلاً، نحوُ قولِهِ تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً}، وقدْ يكونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً؛ كقولِهِ تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.
وإذا كانَ الشرْطُ والجوابُ فِعلَيْنِ فَلَهُمَا أربعةُ أقسامٍ:
1- أنْ يَكُونَا مُضارِعَيْنِ، فتَجْزِمَ الأداةُ لَفْظَيْهِمَا مُباشَرَةً إنْ كَانَا مُعْرَبَيْنِ؛ كقولِهِ تعالى: {وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ}، فـ (تَعُودُوا): مُضَارِعٌ مَجزومٌ بحَذْفِ النونِ، وهوَ فعْلُ الشرْطِ، والواوُ: فاعلٌ، وَ(نَعُدْ): مُضَارِعٌ مجزومٌ بالسكونِ جوابُ الشرْطِ.
2- أنْ يَكُونَا مَاضِيَيْنِ، فتَجْزِمُ الأداةُ مَحَلَّهُما؛ لأنَّ لَفْظَ الماضي لا يُجْزَمُ؛ كقولِهِ تعالى: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}، فـ (عُدْتُمْ): عادَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ جَزْمٍ فعْلُ الشرطِ، والتاءُ: فاعلٌ، والميمُ: علامةُ الْجَمْعِ، (عُدْنَا): عادَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ فِي مَحَلِّ جَزْمٍ جَوَابُ الشرْطِ، و(نا): فاعلٌ.
3- أنْ يكونَ الشرْطُ مَاضِياً والجزاءُ مُضَارِعاً؛ كقولِهِ تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}، فجاءَ الشرْطُ ماضياً في قولِهِ: (مَنْ كَانَ) في الْمَوْضِعَيْنِ، والجوابُ مُضَارِعاً في قولِهِ: (نَزِدْ لهَ)، وقولِهِ: (نُؤْتِهِ مِنْهَا)، وتَقَدَّمَ إعرابُ الآيَةِ قريباً.
4- أنْ يكونَ الشرْطُ مُضَارِعاً والجزاءُ مَاضِياً، وهذا قليلٌ؛ ولهذا خَصَّهُ الجمهورُ بالضرورةِ الشِّعْرِيَّةِ، وذَهَبَ الفَرَّاءُ وتَبِعَهُ ابنُ مالِكٍ إلى أنَّ ذلكَ سَائِغٌ في الكلامِ، وهوَ الصحيحُ؛ لِوُرودِ ما يُؤَيِّدُهُ نَثْراً ونَظْماً، أَمَّا النثْرُ فما أَخْرَجَهُ البخاريُّ في صحيحِهِ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))، وما أَخْرَجَهُ أيضاً مِنْ قولِ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ رَقَّ.
ومِن النَّظْمِ قولُ الشاعرِ:
إنْ تَصْرِمُونَا وَصَلْنَاكُمْ وإنْ تَصُولُوا = مَلأْتُمْ أنْفُسَ الأعداءِ إِرْهَاباً
فقَدْ جاءَ فعْلُ الشرْطِ مُضَارِعاً، وهوَ قولُهُ: (تَصْرِمُونَا)، والجوابُ ماضياً، وهوَ قولُهُ: (وَصَلْنَاكُمْ). وكذا قولُهُ: (وَإنْ تَصُولُوا مَلأْتُمْ).
وهذا معنى قولِهِ: (فِعلَيْنِ يَقْتَضِينَ.. إلخ): أيْ أنَّ هذهِ الأدواتِ المذكورةَ فيما سَبَقَ (يَقْتَضِينَ)؛ أيْ: يَطْلُبْنَ فِعلَيْنِ:
الأوَّلُ: هوَ الشرْطُ، ويكونُ مُقَدَّماً.
والثاني: يَتْلُوهُ ويَجيءُ بَعْدَهُ، وهوَ الجزاءُ، ويُسَمَّى جوابَ الشرْطِ. وقولُهُ: (شَرْطٌ)، مُبتدأٌ، وسَوَّغَ الابتداءَ بالنَّكِرَةِ وُقُوعُها في مَقامِ التفصيلِ، وجُملةُ (قُدِّمَ): خَبَرٌ، والألِفُ في قولِهِ: (قُدِّمَا)، وقَوْلِهِ: (وُسِمَا) أَلِفُ الإطلاقِ، ومعنى (وُسِمَ)؛ أيْ: عُلِّمَ وسُمِّيَ. ثمَّ ذَكَرَ أَنَّكَ تَجِدُ هذَيْنِ الفعليْنِ مَاضِيَيْنِ أوْ مُضَارِعَيْنِ أوْ مُتَخَالِفَيْنِ، بأنْ يكونَ الأوَّلُ مُضَارِعاً والثاني ماضياً، أو الأوَّلُ ماضياً والثاني مُضَارِعاً.
رَفْعُ جَوَابِ الشرْطِ:
700- وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ = وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارعٍ وَهَنْ
تَقَدَّمَ أنَّهُ إذا كانَ جوابُ الشرْطِ فِعْلاً مُضَارِعاً فإنَّهُ يُجْزَمْ، وذَكَرَ هنا أنَّهُ يَصِحُّ رَفْعُهُ إنْ كانَ فِعْلُ الشرْطِ مَاضِياً، نحوُ: ما صَنَعْتَ مِنْ خَيْرٍ تُثَبْ عليهِ، أوْ تُثَابُ عليهِ. ومنهُ قولُ الشاعرِ:
وإنْ أَتَاهُ خليلٌ يومَ مَسألةٍ = يقولُ: لا غائبٌ مَالِي ولا حَرَمُ
فجاءَ جوابُ الشرْطِ مُضَارِعاً مَرفوعاً، وهوَ قولُهُ: (يَقُولُ)، والشرْطُ ماضياً، وهوَ قولُهُ: (وَإِنْ أَتَاهُ).
فإنْ كانَ الشرْطُ مُضَارِعاً والجَزاءُ مُضَارِعاً وَجَبَ الجزْمُ فيهما، ورَفْعُ الجزاءِ ضَعيفٌ؛ كقولِ الشاعِرِ:
يا أَقْرَعُ بنَ حَابِسٍ يا أَقْرَعُ = إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعُ
فجاءَ جوابُ الشرْطِ مُضَارِعاً مَرفوعاً، وهوَ قولُهُ: (تُصْرَعُ)، وفِعْلُ الشرْطِ مُضَارِعاً، وهوَ قولُهُ: (يُصْرَعْ)، وذلكَ ضَعيفٌ.
وما جاءَ مَرفوعاً يُؤْخَذُ على ظاهِرِهِ، فإنْ كانَ في الشعْرِ فهوَ مَرفوعٌ للضرورةِ أوْ على لُغةٍ ضَعيفةٍ، وإنْ كانَ في نَثْرٍ فهوَ مَرفوعٌ مُحَاكَاةً لِلُغَةٍ ضَعيفةٍ. ولا داعِيَ للتكَلُّفِ بالتأويلِ على أنَّ جوابَ الشرْطِ محذوفٌ، أوْ أنَّهُ على إضمارِ الفاءِ.
وهذا معنى قولِهِ: (وبعدَ ماضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ.. إلخ): أيْ أنَّ الشرْطَ إذا كانَ ماضياً جازَ رفْعُ الجوابِ، وهوَ الفعْلُ المضارِعُ، وقولُهُ: (حَسَنْ)؛ أي: الرفْعُ جائزٌ كثيرٌ، لكنْ لا يُفْهَمُ منهُ أنَّهُ أَحْسَنُ مِن الْجَزْمِ، بل الْجَزْمُ أَحْسَنُ؛ لأنَّهُ على الأَصْلِ، وأمَّا رفْعُ الجزاءِ إذا كانَ الشرْطُ مُضَارِعاً فهوَ ضَعيفٌ.
وقولُهُ: (وَهَنْ)، فِعْلٌ ماضٍ، وفاعلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ جوازاً تقديرُهُ: هوَ، يَعودُ إلى (رَفْعُهُ)، والجملةُ خبرُ الْمُبْتَدَأِ (رَفْعُهُ)، ومعناهُ: ضَعُفَ. وقولُهُ: (الْجَزَا) بالْقَصْرِ للضَّرُورةِ.
اقترانُ جوابِ الشرْطِ بالفاءِ أوْ ما يَقُومُ مَقَامَها:
701- وَاقْرُنْ بِفَا حَتْماً جَوَاباً لَوْ جُعِلْ = شَرْطاً لإِنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ
702- وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إذَا الْمُفَاجَأَهْ = كَإِنْ تَجُدْ إذاً لَنَا مُكَافَأَهْ
لَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أدواتِ الشرْطِ وعَمَلَها، ذَكَرَ حُكْمَ اقترانِ جوابِ الشرْطِ بالفاءِ. والقاعدةُ في هذا الْمَوضوعِ أنَّ كلَّ جوابٍ يَمْتَنِعُ جَعْلُهُ شَرْطاً، فإنَّ الفاءَ تَجِبُ فيهِ.
مِثالُ ذلكَ: مَنْ سَعَى في الْخَيْر فسَعْيُهُ مَشكورٌ.
فجوابُ الشرْطِ (سَعْيُهُ مَشكورٌ)، وهوَ لا يَصْلُحُ أنْ يكونَ في مَحَلِّ الشرْطِ؛ لأنَّهُ جُملةٌ اسْمِيَّةٌ، والشرْطُ لا يكونُ إلاَّ فِعْلاً كما تَقَدَّمَ، فأُتِيَ بالفاءِ للرَّبْطِ بَيْنَ جُملةِ الجوابِ وجُملةِ الشرْطِ، وهذهِ الفاءُ زائدةٌ لَيْسَتْ للعَطْفِ ولا لِغَيْرِهِ، ولا تُفيدُ معنًى إلاَّ عَقْدَ الصِّلَةِ والرَّبْطِ الْمَعْنَوِيِّ بَيْنَ جُملةِ الشرْطِ وجُملةِ الجوابِ.
وإعرابُهُ: الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرْطِ، وَ(سَعْيُهُ مشكورٌ): الْجُملةُ مِن الْمُبْتَدَأِ والخبَرِ في مَحَلِّ جَزْمٍ جوابُ الشرْطِ.
وأَشْهَرُ الأنواعِ التي لا تَصْلُحُ أنْ تكونَ شَرْطاً ويَجِبُ اقترانُها بالفاءِ ما يَأْتِي:
1- الْجُملةُ الاسْمِيَّةُ كما تَقَدَّمَ، ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
2- الْجُملةُ الفِعليَّةُ التي فِعْلُها طَلَبِيٌّ، نحوُ: إنْ حَيَّاكَ أَحَدٌ بتَحِيَّةٍ فَحَيِّهِ بأَحْسَنَ منها. ومنهُ قولُهُ تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}.
3- الْجُملةُ الفِعليَّةُ التي فِعْلُها جَامِدٌ، نحوُ: مَنْ يُطْلِقْ لِسانَهُ فَلَيْسَ بسَالِمٍ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ}.
4- الْجُملةُ الفِعليَّةُ التي فِعْلُها مَسبوقٌ بـ(لَنْ)، نحوُ: إنْ صَحِبْتَ الأشرارَ فلَنْ تَسْلَمَ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ}.
5- الْجُملةُ الفِعليَّةُ التي فِعْلُها مَسبوقٌ بـ(قَدْ)، نحوُ: مَنْ مَدَحَكَ بما ليسَ فيكَ فقَدْ ذَمَّكَ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}.
6- الْجُملةُ الفعليَّةُ التي فِعْلُها مسبوقٌ بـ(مَا)، نحوُ: إنْ تَجْتَهِدْ فما أُقَصِّرُ في مُكَافَأَتِكَ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ}.
7- الْجُملةُ الفِعليَّةُ التي فِعْلُها مسبوقٌ بالسِّينِ، نحوُ: مَهْمَا تُخْفِ مِنْ طِبَاعِكَ فسَتَظْهَرُ للناسِ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}.
8- الْجُملةُ الفِعليَّةُ التي فِعْلُها مَسبوقٌ بـ(سَوْفَ)، نحوُ: مَنْ ظَلَمَ الناسَ فسَوْفَ يَنْدَمُ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ}.
وقدْ تُغْنِي (إِذَا) الفُجائيَّةُ عنْ (الفاءِ) بشَرْطِ أنْ يكونَ الجوابُ جُملةً اسْمِيَّةً، ومعناها: الدَّلالةُ على الْمُفاجأةِ في الحالِ، ولا بُدَّ أنْ يَسْبِقَها كلامٌ. وأَرْجَحُ الأقوالِ في إعرابِها أنَّها حَرْفٌ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ كما تَقَدَّمَ في بابِ الْمُبتَدَأِ والْخَبَرِ.
ومثالُها قولُهُ تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}، فـ(إذا): حَرْفٌ دَالٌّ على الْمُفاجأةِ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (هم): مُبتدأٌ، (يَقْنَطُونَ): الْجُملةُ في مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ الْمُبتدأِ، والجملةُ مِن المبتدأِ والخبَرِ في مَحَلِّ جَزْمٍ جوابُ الشرْطِ (إنْ).
ومِثَالُها أيضاً قولُهُ تعالى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}.
وهذا معنى قولِهِ: (وَاقْرُنْ بِفَا.. إلخ)؛ أي: اقْرُنْ بالفاءِ، (حَتْماً)؛ أيْ: وُجُوباً، كُلَّ جَوَابٍ لوْ جَعَلْتَهُ فِعْلَ شرْطٍ للأداةِ (إنْ) أوْ لغيرِها مِنْ أَخَوَاتِها (لم يَنْجَعِلْ)؛ أيْ: لم يَصْلُحْ فِعْلاً للشرْطِ.
وقولُهُ: (واقْرُنْ) بضَمِّ الراءِ مِنْ بابِ (قَتَلَ)، ويَصِحُّ كَسْرُها مِنْ بابِ (ضَرَبَ)، ثمَّ ذَكَرَ أنَّ (إِذَا) الفُجائيَّةَ تُخْلِفُ (الفاءَ) وتَحِلُّ مَحَلَّها، فَيُصَدَّرُ بها الجوابُ الذي لا يَصْلُحُ أنْ يكونَ شَرْطاً، ثمَّ ذَكَرَ الْمِثالَ، وهوَ: (إِنْ تَجُدْ إذاً لَنَا مُكَافأةٌ)؛ أيْ: مِنَّا مُكَافَأَةٌ، والمعنى: إنْ يَكُنْ منكَ جُودٌ فمِنَّا الْمُجازاةُ، مِنْ كَافَأْتُ الرجُلَ: إذا جَازَيْتَهُ على فِعْلِهِ، فـ(إِذَا): رابطةٌ للجوابِ بالشرْطِ، و(لَنَا): خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، و(مُكَافَأةٌ): مُبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، والْجُملةُ في مَحَلِّ جَزْمٍ جَوابُ الشرْطِ. واشتراطُ كَوْنِ الجوابِ معَ (إِذَا) الفُجائيَّةِ جُملةً اسْمِيَّةً يُفْهَمُ مِن الْمِثالِ.
العَطْفُ على جوابِ الشرْطِ بالفاءِ أو الواوِ:
703- وَالْفِعْلُ مِنْ بَعْدِ الْجَزَا إِنْ يَقْتَرِنْ = بِالْفَا أَوِ الْوَاوِ بِتَثْلِيثٍ قَمِنْ
إذا وَقَعَ بعدَ جُملةِ جَوابِ الشرْطِ فعْلٌ مُضارِعٌ مَقرونٌ بالواوِ أو الفاءِ جازَ فيهِ ثلاثةُ أَوْجُهٍ:
1- اعتبارُ (الواوِ) و(الفاءِ) حَرْفَيِ استئنافٍ، فالْجُملةُ بعدَهما استئنافيَّةٌ، والمُضَارِعُ فيها مَرفوعٌ.
2- اعتبارُهما حَرْفَيْ عَطْفٍ، والمُضَارِعُ بعدَهما مَجزومٌ؛ لأنَّهُ معطوفٌ على جوابِ الشرْطِ. ومِثالُ ذلكَ قولُهُ تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}، فقَدْ قَرأَ ابنُ عامرٍ وعاصمٌ برَفْعِ (يَغْفِرُ) على أنَّ الفاءَ استئنافيَّةٌ، والمُضَارِعَ معَ فاعلِهِ الْمُسْتَتِرِ جُملةٌ استئنافيَّةٌ، وبعضُهم يُقَدِّرُ مُبتدأً، فالمُسْتَأْنَفَةُ جُملةٌ اسْمِيَّةٌ؛ أيْ: فهوَ يَغْفِرُ. وقرأَ باقي السَّبْعَةِ بِجَزْمِ (يَغْفِرْ) عَطْفاً على الجوابِ.
3- اعتبارُ الفاءِ للسببيَّةِ والواوِ للمعِيَّةِ، فالمُضَارِعُ بعدَهما مَنصوبٌ بـ(أنْ) مُضْمَرَةٍ وُجوباً. والنَّصْبُ قليلٌ، نحوُ: مَنْ يَكْثُرْ مِزَاحُهُ تَسْقُطْ هَيْبَتُهُ ويَضِيعَ احترامُهُ، بنَصْبِ (يَضِيعَ) على إضمارِ (أنْ).
وهذا معنى قولِهِ: (والفِعْلُ مِنْ بعدِ الْجَزَا إنْ يَقْتَرِنْ.. إلخ): أيْ أنَّ الفعْلَ المُضَارِعَ إذا جاءَ بعدَ جوابِ الشرْطِ وجزائِهِ وقد اقْتَرَنَ بالفاءِ أو الواوِ، فهوَ جديدٌ وحقيقٌ بالتَّثْلِيثِ؛ أي: الأَوْجُهِ الثلاثةِ التي ذَكَرْنَاهَا. وقولُهُ: (قَمِنْ)؛ بفَتْحِ القافِ وكَسْرِ الميمِ، صفةٌ مُشَبَّهَةٌ بمعنى: حقيقٌ، وهيَ خبَرُ الْمُبتَدَأِ، وهوَ قولُهُ: (والفعْلُ).
العطْفُ على الشرْطِ بالفاءِ أو الواوِ:
704- وَجَزْمٌ اوْ نَصْبٌ لِفِعْلٍ إِثْرَ فَا = أَوْ وَاوٍ انْ بِالْجُمْلَتَيْنِ اكْتُنِفَا
إذا وَقَعَ بعدَ جُملةِ الشرْطِ فعْلٌ مُضارِعٌ مَقرونٌ بـ(الفاءِ) أوْ (الواوِ) جازَ فيهِ وَجْهَانِ:
1- اعتبارُ الواوِ والفاءِ حَرْفَيْ عَطْفٍ، والمُضَارِعُ بعدَهما مَجزومٌ؛ لأنَّهُ معطوفٌ على فعْلِ الشرْطِ؛ كقولِهِ تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، بِجَزْمِ (يَصْبِرْ) عَطْفاً على ما قَبْلَهُ.
2- اعتبارُ الفاءِ للسببيَّةِ والواوِ للمَعِيَّةِ، والمُضَارِعُ بعدَهما مَنصوبٌ بـ(أنْ) مُضْمَرَةٍ وُجوباً؛ كقولِ الشاعرِ:
ومَنْ يَقْتَرِبْ مِنَّا ويَخْضَعَ نُؤْوِهِ = ولا يَخْشَ ظُلْماً ما أَقَامَ ولا هَضْمَا
فإنَّ قَوْلَهُ: (ويَخْضَعَ) مضارِعٌ مَنصوبٌ بـ(أنْ) مُضْمَرَةٍ وُجوباً، وقدْ تَوَسَّطَ بَيْنَ فعْلِ الشرْطِ وجوابِهِ.
وأمَّا الرفْعُ -وهوَ الوجْهُ الثالثُ- فيَمْتَنِعُ هنا عندَ أكثَرِ النُّحاةِ؛ لأنَّهُ لا يَصِحُّ الاستئنافُ قَبْلَ جَوابِ الشرْطِ، لِئَلاَّ يكونَ فاصِلاً بَيْنَ جُمْلَتَيِ الشرْطِ والجوابِ، وهما مُتلازِمتانِ في الْمَعْنَى.
ويَرَى الْمُحَقِّقُونَ جَوازَ الرفْعِ على الاستئنافِ؛ بِناءً على ما قَرَّرَهُ النَّحْوِيُّونَ مِنْ جوازِ وُقوعِ الْجُملةِ الْمُعتَرِضَةِ بَيْنَ جُمْلَتَيِ الشرْطِ والجوابِ؛ كقولِهِ تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ}؛ فإنَّ جُملةَ (وَلَنْ تَفْعَلُوا) مُعْتَرِضَةٌ؛ لتأكيدِ عَجْزِهم في جميعِ الأزمانِ.
وإلى جَوَازِ الوجهَيْنِ الْمَذكورَيْنِ أشارَ بقولِهِ: (وَجَزْمٌ أوْ نصْبٌ لفِعْلٍ إثْرَ فَا.. إلخ): أيْ أنَّ الجزْمَ أو النصْبَ كلٌ منهما ثابِتٌ للفعْلِ المُضَارِعِ المسبوقِ بـ(الفاءِ) أوْ (الواوِ) (إِنْ بالْجُمْلَتَيْنِ اكتُنِفَا)؛ أيْ: إِن اكتَنَفَتْهُ الْجُملتانِ؛ أيْ: أحَاطَتْ بهِ جُمْلَتَا الشرْطِ والجوابِ. وقولُهُ: (اكتُنِفَا) مَبْنِيٌّ للمجهولِ، فهوَ بضَمِّ التاءِ وكسْرِ النونِ؛ أيْ: حُوِّطَ بالْجُملتَيْنِ كما ذَكَرْنَا.
حَذْفُ فعْلِ الشرْطِ أوْ جوابِ الشرْطِ لدَلِيلٍ:
705- وَالشَّرْطُ يُغْنِي عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ = وَالْعكْسُ قَدْ يَأْتِي إنِ الْمَعْنَى فُهِمْ
الأوَّلُ: أنْ يَدُلُّ عليهِ دليلٌ بعدَ حَذْفِهِ.
الثاني: أنْ يكونَ فعْلُ الشرْطِ مَاضِياً.
مثالُ ذلكَ: أنتَ الكريمُ إنْ صَفَحْتَ عن الْمُذْنِبِ، فَحُذِفَ جَوَابُ الشرْطِ لدَلالةِ (أَنْتَ الكريمُ) عليهِ، والتقديرُ: إنْ صَفَحْتَ عن الْمُذْنِبِ فأَنْتَ الكريمُ.
فإنْ لم يَكُنْ فعْلُ الشرْطِ مَاضِياً، بأنْ كانَ مُضَارِعاً، لم يَصِحَّ حَذْفُ جُملةِ الجوابِ، إلاَّ إِنْ سَدَّ مَسَدَّها جُملةٌ أُخْرَى بعدَها؛ كقولِهِ تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ}، فقولُهُ: (فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ) ليسَ هوَ الجوابَ، بلْ هوَ دليلُ الجوابِ؛ لأنَّ الجوابَ يَكُونُ مُسَبَّباً عن الشرْطِ، والأَجَلُ آتٍ سواءٌ وُجِدَ الرجاءُ أمْ لم يُوجَدْ، وتقديرُ الجوابِ المحذوفِ، واللَّهُ أعلَمُ: فلْيُبَادِرْ إلى العمَلِ الصالحِ.
وحَذْفُ جوابِ الشرْطِ لِتَقَدُّمِ دَليلِهِ كثيرٌ جِدًّا في القرآنِ؛ كقولِهِ تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}؛ أيْ: إِنْ كُنتمْ مُؤْمِنِينَ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا.
ويَجوزُ حَذْفُ فِعْلِ الشرْطِ بشَرطيْنِ:
1- أنْ يَدُلُّ عليهِ دَليلٌ، ولا يُذْكَرَ بعْدَهُ في الكلامِ ما يُفَسِّرُهُ.
2- أنْ تكونَ الأداةُ (إِن) الْمُدْغَمَةَ في (لا) النافيَةِ.
مِثالُ ذلكَ: قُلْ خَيْراً وإلاَّ فَاصْمُتْ، والتقديرُ: وإنْ لا تَقُلْ خَيْراً فاصْمُتْ. ومنهُ قولُهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ في اللُّقَطَةِ: ((فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا..))، التقديرُ: وإلاَّ يَجِئْ صاحِبُها فاسْتَمْتِعْ بها.
وهذا معنى قولِهِ: (والشرْطُ يُغْنِي عنْ جوابٍ قدْ عُلِمْ.. إلخ): أيْ أنَّ فعْلَ الشرْطِ (يُغْنِي)؛ أيْ: يُذْكَرُ دونَ الجوابِ، بشَرْطِ أنْ يَدُلَّ عليهِ دَليلٌ. (وَالْعَكْسُ)، وهوَ حَذْفُ الشرْطِ لدَلالةِ الجوابِ، (قدْ يَأْتِي)، ويُفْهَمُ مِنْ ذلكَ أنَّ حَذْفَ الشرْطِ أقَلُّ مِنْ حَذْفِ الجوابِ، وقولُهُ: (إِنِ الْمَعنى فُهِمْ)؛ أيْ: بشَرْطِ أنْ يُفْهَمَ المعنى بعدَ الْحَذْفِ.
اجتماعُ الشرْطِ والْقَسَمِ:
706- وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ = جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ
707- وَإنْ تَوَالَيَا وَقَبْلُ ذُو خَبَرْ = فَالشَّرْطَ رَجِّحْ مُطْلَقاً بِلا حَذَرْ
708- وَرُبَّمَا رُجِّحَ بَعْدَ قَسَمِ = شَرْطٌ بِلا ذِي خَبَرٍ مُقَدَّمِ
إذا اجتَمَعَ شرْطٌ وقَسَمٌ، فالأصْلُ أنْ يكونَ لكلٍّ منهما جوابٌ يَخُصُّهُ، غيرَ أنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ جوابِ أحَدِهما اكتفاءً بجوابِ الآخَرِ الذي يُغْنِي عنهُ ويَدُلُّ عليهِ.
فإذا اجتَمَعَ شرْطٌ وقَسَمٌ حُذِفَ جوابُ الْمُتَأَخِّرِ منهما؛ لدَلالةِ جوابِ الأَوَّلِ عليهِ، نحوُ: واللَّهِ مَنْ يَعْمَلْ بأحكامِ الشرْعِ لَيَفُوزَنَّ، فالمُضَارِعُ (يَفوزُ) مُؤَكَّدٌ بالنُّونِ؛ لأنَّهُ في جُملةٍ جَوَابِيَّةٍ للقسَمِ الْمُتَقَدِّمِ، وليسَ جواباً للشرْطِ؛ إذْ لوْ كانَ جواباً لهُ لَكَانَ مَجزوماً.
ومنهُ قولُهُ تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}، فقولُهُ: (لا يَأْتُونَ) جوابٌ للقَسَمِ الْمُقَدَّرِ قبلَ اللامِ الْمُوَطِّئَةِ في (لَئِنْ)؛ ولهذا جاءَ مَرفوعاً، ولوْ كانَ جواباً للشرْطِ لَقِيلَ: (لا يَأْتُوا) بالجزْمِ.
فإنْ تَقَدَّمَ الشرْطُ فالجوابُ لهُ على الأَرْجَحِ، وجوابُ القَسَمِ محذوفٌ، نحوُ: مَنْ يَعْمَلْ بأحكامِ الشرْعِ واللَّهِ يَفُزْ. فالمُضَارِعُ (يَفُزْ) جاءَ مجزوماً؛ لأنَّهُ جوابُ الشرْطِ، وجوابُ القسَمِ محذوفٌ.
فإن اجْتَمَعَ الشرْطُ والقسَمُ وتَقَدَّمَ عليهما ما يَحتاجُ إلى خَبَرٍ؛ كالمبتدأِ، فالجوابُ للشرْطِ مُطْلَقاً، سَوَاءٌ أكانَ مُتَقَدِّماً على القسَمِ أمْ مُتَأَخِّراً، نحوُ: أحكامُ الشرْعِ واللَّهِ مَنْ يَعْمَلْ بها يَفُزْ، وتقولُ: أحكامُ الشرْعِ مَنْ يَعْمَلْ بها واللَّهِ يَفُزْ، بجَزْمِ المُضَارِعِ (يَفُزْ) في الْمِثالَيْنِ؛ لأنَّهُ تَقَدَّمَ الْمُبتدأُ (أَحْكَامُ الشرْعِ)، وخبرُهُ جُملةُ الشَّرْطِ.
وقدْ جاءَ قَليلاً اعتبارُ الجوابِ للشرْطِ معَ تَقَدُّمِ القَسَمِ، وإنْ لم يَتَقَدَّمْ علَيْهِمَا ذُو خَبَرٍ، وهوَ اختيارُ الفَرَّاءِ وابنِ مالِكٍ. ومِنْ ذلكَ قولُ الشاعرِ:
لَئِنْ كانَ ما حُدِّثْتُهُ الْيَوْمَ صَادِقاً = أَصُمْ في نَهَارِ القَيْظِ للشمْسِ بَادِيَا
فقدْ تَقَدَّمَ القسَمُ وتَأَخَّرَ الشرْطُ، وجاءَ الجوابُ للشرْطِ، وهوَ المُضَارِعُ المجزومُ: (أَصُمْ).
والبَصْرِيُّونَ يَحْكُمونَ على هذا بالشُّذُوذِ، أوْ أنَّ اللامَ زائدةٌ ولَيْسَتْ للقَسَمِ، فلا تَحْتَاجُ إلى جوابٍ. وهذا تكَلُّفٌ، فالْحَقُّ أنَّ اللامَ للقَسَمِ، والجوابَ للشرْطِ، وجوابَ القَسَمِ هوَ أداةُ الشرْطِ وما دَخَلَتْ عليهِ مِنْ جُمْلَتَيْهَا.
وإلى ما تَقَدَّمَ أَشارَ ابنُ مالِكٍ بقولِهِ: (واحْذِفْ لَدَى اجتماعِ شَرْطٍ وقَسَمٍ.. إلخ)؛ أيْ: إذا اجْتَمَعَ شرْطٌ وقَسَمٌ فاحْذِفْ جوابَ الْمُتَأَخِّرِ منهما؛ استغناءً بجوابِ الْمُتَقَدِّمِ.
ثمَّ ذَكَرَ أنَّهُما إذا اجْتَمَعا وتَقَدَّمَ علَيْهِما ما يَطْلُبُ خَبَراً، رُجِّحَ الشرْطُ على القسَمِ. وفُهِمَ مِنْ قولِهِ: (رَجِّحْ) أنَّهُ يَجُوزُ الاستغناءُ بجوابِ القسَمِ. وفُهِمَ مِنْ قولِهِ: (مُطْلَقاً)، أنَّ الشرْطَ يَتَرَجَّحُ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ على القَسَمِ أوْ تَأَخَّرَ. وقولُهُ: (بِلا حَذَرٍ) تَتميمٌ لصِحَّةِ الاستغناءِ عنهُ. ثمَّ ذَكَرَ أنَّهُ قدْ يَتَرَجَّحُ الشرْطُ المتأَخِّرُ وإنْ لم يَتَقَدَّمْ ذُو خَبَرٍ، واللَّهُ أعْلَمُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الجزم, بالشرط

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:15 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir