(وَقُلِ الحَمْدُ للهِ) الحمدُ: هو الثَّناءُ،
و(أل) فيه للاستغراقِ، أي: الحمدُ كُلُّه للهِ
(الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) أي ليس له ولَدٌ كما تقولُه اليهودُ والنَّصارى وبعضُ مُشركي العرَبِ، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ في المُلْكِ) أي ليس له مُشَارِكٌ في مُلكِه وربوبيَّتِه كما تقولُ الثَّنَويَّةُ ونحوُهُم ممَّن يقولُ بتعدُّدِ الآلهةِ
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَليٌّ مِنَ الذُّلِّ) أي ليس بذليلٍ، فيحتاجُ إلى أَن يكونَ له وليٌّ أو وَزيرٌ أو مُشِيرٌ، فلا يحالفُ أحداً، ولا يستنصرُ بأحدٍ،
(وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) أي عَظِّمه وأَجلَّهُ عمَّا يقولُه الظَّالمون.
قولُه: (يُسَبِّحُ للهِ مَا في السَّماواتِ وَمَا في الأَرْضِ) أي تنزِّهُه جميعُ مخلوقاتِه التي في سماواتِه وأرضِه عَن كُلِّ نقصٍ وعيبٍ,
(لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ) يختصَّان بهِ، ليس لغيرِه منهما شيءٌ, وما كان لعبادِه مِن المِلْكيَّةِ فهو مِن عَطائِه,
(وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يُعجزُه شيءٌ.
ـ(تَباركَ) فِعلٌ ماضٍ مأخوذٌ مِن البَركةِ، وهي النَّماءُ والزِّيادةُ المستقرَّةُ الثَّابتةُ الدَّائمةُ.
وهذه اللَّفظةُ لا تُستعملُ إلاَّ للهِ سبحانَه. ولا تُستعملُ إلاَّ بلفظِ الماضِي,
(الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ) أي القرآنَ، سُمِّيَ فُرقاناً؛ لأنَّه يُفَرِّقُ بيَن الحقِّ والباطلِ,
(عَلى عَبْدِهِ) يعني محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه صفةُ مدحٍ وثناءٍ؛ لأنَّه أضافه إليه إضافةَ تشريفٍ وتكريمٍ في مقامِ إنزالِ القرآنِ عليه
(لِيكُونَ لَلْعَالمِينَ) الإنس والجنِّ، وهذه مِن خُصوصيَّاتِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(نَذِيراً) أي مُنذِراً، مأخوذٌ مِن الإنذارِ، وهو الإعلامُ بأسبابِ المخافةِ،
وقولُه: (لِيكُونَ) تعليلٌ لإنزالِ الفرقانِ عليه، أي: ليخُصَّه بالرِّسالةِ العامَّةِ.
ثمَّ وصف نفسَه سبحانَه بأرَبعِ صِفاتٍ؛
الأولى: قولُه (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ) دونَ غيرِه، فهو المتصرِّفُ فيهما وحدَه.
الصّفةُ الثَّانيةُ: (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) كما تزعمُ النَّصارى واليهود، وذلك لكمالِ غناه وحاجةِ كُلِّ مخلوقٍ إليه.
الصِّفةُ الثَّالثةُ: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فيِ المُلْكِ) فيه رَدٌّ عَلى طوائفِ المشركين مِن الوثنيَّةِ والثنويّة وغيرِهم.
الصّفةُ الرَّابعةُ: (وَخَلَقَ كُلّ شَيءٍ) مِن المخلوقاتِ. ويدخلُ في ذلك أفعالُ العبادِ، فهي خَلْقُ اللهِ وفعلُ العبدِ، (فَقَدَّرهُ تَقْدِيراً) أي قدَّر كُلَّ شيءٍ ممَّا خلق مِن الآجالِ والأرزاقِ والسَّعادةِ والشَّقاوةِ، وهيَّأ كُلَّ شيءٍ لما يَصلُحُ له.
قال ابنُ كثيرٍ: نَزَّهَ نَفسَه عَن الولدِ وعَن الشَّريكِ، ثم أخبر أنَّه خلَق كُلَّ شيءٍ فقدَّره تقديراً، أي كُلُّ شيءٍ ممَّا سواه مخلوقٌ مَرْبوبٌ، وهو خالقُ كُلِّ شيءٍ ورَبُّه ومليكُه وإلهُه، وكُلُّ شيءٍ تحتَ قهرِه وتدبيرِه وتسخيرِه وتقديرِه. انتهى
قولُه: (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) في هذه الآيةِ ينزِّه تعالى نفسَه عَن أَن يكونَ له ولدٌ أو شريكٌ في الملكِ والتصرُّفِ والعبادة
و(مِنْ) في الموضعيْن لتأكيدِ النَّفْيِ (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِمَا خَلَقَ) هذا استدلالٌ بما سبق في أوَّلِ الآيةِ مِن نفيِ الولدِ والشَّريكِ في الألوهيَّةِ ـ أي لو قُدِّرَ تعدُّدُ الآلهةِ لانفرد كُلٌّ منهم عَن الآخرِ بما خلَق، وحينئذٍ لا ينتظمُ الكونُ لوجودِ الانقسامِ. والواقعُ المُشَاهدُ أَنَّ الكونَ منتظمٌ أَتمَّ انتظامٍ لم يحصُلْ فيه تعدُّدٌ ولا انقسامٌ (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعضٍ) أي ولو كان معَه إلهٌ آخرُ، لكان كُلٌّ منهم يطلبُ قَهْرَ الآخرِ ومخالفَته، فيعلو بعضُهم عَلى بعضٍ كحالِ ملوكِ الدُّنيا وحينئذٍ فذلك المغلوبُ الضَّعيفُ لا يستحقُّ أَن يكونَ إلهاً.
وإذا تقرَّر بطلانُ المشاركِ، تعيَّن أن يكونَ الإلهُ واحداً هو اللهُ وحدَه،
ولهذا قال: (سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) مِن الشَّريكِ والولدِ
(عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) أي هو المختصُّ بعلْمِ ما غاب عَن العبادِ وعلمِ ما يُشاهدونه، وأمَّا غيرُه فهو وإن عَلِم شيئا مِن المشاهدِ فإنَّه لا يعلمُ الغيب,َ
(فَتَعالَى) أي تنزَّه اللهُ وتقدَّس
(عَمَّا يُشْرِكُونَ) به فهو سبحانَه مُتَعالٍ عَن أَن يكونَ له شريكٌ في الملكِ.