دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > البلاغة > عقود الجمان

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 صفر 1433هـ/22-01-2012م, 10:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عقود الجمان للسيوطي


التشبيه
[هو الدلالة على اشتراك = أمر لآخر بمعنى زاكى
لا كاستعارة بتحقيق ولا = كناية ولا كتجريد خلا
فدخل الذي أداته فقد = كقوله صم ونحو ذا أسد
أركانه أربعة أداته = ووجه والطرفان ذاته
وههنا ينظر في هذى وفي = أقسامه وغرض منه وفي
فالطرفان منه حسيان = مختلفان أو فعقليان
كالخد والورد ونور وهدى = والسبع والموت وجهل وردى
فكل ما يدرك إحدى الخمس = إياه أو مادته فالحسى
منه الخيالي كتشبيه الشقيق = بعلم الياقوت والعود الرقيق
بالرمح من زبرجد في النظم = وغيره العقلي ومنه الوهمي
ما ليس مدركًا ولو قد أدركا = كان بحس لا سواء مدركا
ومنه ذو الوجدان نحو اللم = ووجهه ذو الاشتراك فاعلم]
التشبيه الدلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى لا على وجه الاستعارة التحقيقية نحو رأيت أسدًا في الحمام ولا على وجه الاستعارة بالكناية نحو أنشبت المنية أظفارها ولا على وجه التجريد الآتي في البديع نحو لقيت من زيد أسدًا فإن في كل من هذه الثلاثة دلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى ولا يسمى شيء منها تشبيهًا فدخل فيه ما حذف منه الأداة وهو خبر مبتدأ أو ما في حكمه إما مع الشمبه نحو قوله تعالى صم بكم عمي أو لا نحو زيد أسد فإن المحققين على أنه تشبيه بليغ لا استعارة لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون في الآية تقديرًا: أي المنافقون صمّ وفي زيد أسد صريحا وإنما تطلق الاستعارة حيث يطوى ذكر المستعار له ويجعل الكلام خلوا عنه صالحا لأن يراد به المنقول عنه والمنقول إليه لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام ومن ثم ترى المفلقين السحرة يتناسون التشبيه ويضربون عنه صفحا. وقال الشيخ بهاء الدين الذي يتضح لي أن الصواب أن ذلك على قسمين: تارة يقصد به التشبيه فتكون أداته مقدرة، وتارة يقصد به الاستعارة فلا ويكون الأسد مستعملاً في حقيقته ويكون ذكر زيد والإخبار عنه بما لا يصلح له حقيقة قرينة صارفة إلى الاستعارة دالة عليها فإن قامت قرينة على حذف الأداة صرنا إليه وإلا فنحن بين إضمار واستعارة والاستعارة أولى. والنظر هنا في أركان التشبيه وأقسامه والغرض منه فأركانه أربعة: طرفاه المشبه والمشبه به والوجه والأداة وهو بهذا الاعتبار شبيه بالقياس، فالطرفان إما حسيان أو عقليان أو مختلفان بأن يكون المشبه حسيًا والمشبه به عقليًا أو عكسه فالأول كالخدّ والورد في المبصرات كقوله:
ما لدهر إلا لربيع المستنير إذا = أتى الربيع أتاك النور والنور
فالأرض ياقوتة والجو لؤلؤة = والنبت فيروزج والماء بلور
[شرح عقود الجمان: 78]
وكالنكهة والعنبر في المشمومات والصوت الضعيف والهمس في المسموعات والريق والشهد في المذوقات والجلد الناعم والحرير في الملبوسات. والثاني كالعلم والحياة لأنهما جهتا إدراك النور والهدى قال:
أخو العلم حيّ خالد بعد موته = وأوصاله تحت التراب رميم
وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى = يظن من الأحياء وهو عديم
والثالث كالسبع والموت. والرابع كالعطر والخلق الكريم والجهل والهلاك والمراد بالحسي المدرك هو أو مادته بإحدى الحواس الخمس الظاهرة: البصر والسمع والشم والذوق واللمس، فدخل فيه بسبب قولنا أو مادته الخيالي وهو المعدوم الذي يفرض مجتمعا من أمور كل واحد منها مما يدرك بالحس كقوله:
وكأن محمر الشقيق = إذا تصوّب أو تصعد
أعلام ياقوت نشر = ن على رماح من زبرجد
فإن كلاً من العلم والياقوت والرمح والزبرجد محسوس لكن المركب الذي هذه الأمور مادته ليس بمحسوس لأنه غير موجود والحس لا يدرك إلا ما هو موجود، والعقلي ما عدا ذلك فدخل فيه الوهمي وهو ما لبس مدركًا بإحدى الحواس ولكنه لو أدرك لكان بها مدركًا كما في قوله:
* ومسنونة زرق كأنياب أغوال * فأنياب الأغوال مما لا يدركه الحس لعدم وجوده كما ثبت في الصحيح ولا غول مع أنها لو أدركت لم تدرك إلا بحاسة البصر، والوجداني وهو ما يدرك بالقوى الباطنية كاللذة والألم والجوع والشبع والهم والفرح ونحو ذلك وقولي ووجهه إلخ متعلق بالأبيات الآتية:
[ولو تخيلا كتشبيه النجم = بسنن بين ابتداع في الظلم
ووجهه حصول شيء أزهرا = أبيض في جنب ظلام أغبرا
وذاك في السنة ليس يوجد = إلا على التخييل فيما يرد
لأن الابتداع يجعل الردى = كالماش في الظلمة ليس يهتدي
وعكسه السنة فهي والهدى = كالنور ثم شاع هذا وغدا
يطرق في الخيال إن الثاني = مما له البياض كاللمعان
وأول خلافه فهو كمن = تشبيهه بالشيب في الشباب عن
من ثم وجه النحو في الكلام = كالملح إذ يكون في الطعام
هو الصلاح بالوجود والفساد = بالفقد لا ما قاله بعض العباد
كن القليل مصلحا ويفسد = كثرته فالنحو حقا يفقد]
وجه التشبيه ما يشتركان فيه أي المعنى الذي قصد اشتراك الطرفين فيه تحقيقًا أو تخييلاً بأن لا يوجد ذلك المعنى إلا على سبيل التخيل والتأويل كما في قوله:
وكأن النجوم بين دجاها = سنن لاح بينهن ابداع
فإن وجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من حصول أشياء مشرقة بيض في جوانب شيء مظلم أسود وتلك الهيئة غير موجودة في المشبه به وهو السنن بين الابتداع إلا على طريق التخييل، لأنه لما كانت البدعة وكل الجهالات تجعل صاحبها كمن يمشي في الظلمة ولا يهتدي للطريق ولا يأمن أن ينال مكروهًا شبهت بها ولزم بطريق العكس أن تشبه السنة وكل ما هو علم بالنور لأن السنة والعلم يقابل
[شرح عقود الجمان: 79]
البدعة والجهل كما أن النور يقابل الظلمة وشاع ذلك حتى تخيل أن السنة ونحوها مما له بياض وإشراق نحو تركتكم على الحنيفية البيضاء وتخيل أن الأول وهو البدعة ونحوها على خلاف ذلك أي مما له ظلام وسواد كقولك شاهدت سواد الكفر من جبين فلان فصار بسبب ذلك تشبيه النجوم بين الدجى بالسنن بين الابتداع كتشبيهها ببياض الشيب في سواد الشباب من أجل ذلك أي وجوب اشتراك الطرفين في وجه التشبيه كأن وجه الشبه في قولهم النحو في الكلام كالملح في الطعام هو الصلاح بوجوده والفساد يعدمه. لا ما قيل كون القليل مصلحا والكثير مفسدا لأن المشبه وهو النحو لا يشترك في هذا المعنى إذ لا يقبل التفاوت بالقلة والكثرة لأن المراد رعاية قواعده واستعمال أحكامه كرفع الفاعل ونصب المفعول وهذه إن وجدت في الكلام بكمالها صلح وإن لم توجد فسد فقولي أول الأبيات الآتية تفاوتا متعلق بيفقد مفعوله:
[تفاوتا والوجه قسمين اقسمن = فغير خارج عن الطرفين من
شبه في نوع وجنس ملحفه = بمثلها وخارج وهو صفه
منها الحقيقة كالحسية = كيفية تختص بالجسمية
كمدرك الطرف من اللون ومن = شكل وقدر وتحرك زكن
والسمع من صوت ضعيف أو قوى = والذوق من طعم كريه أو شهى
والشم من ريح كذاك اللمس من = حر ومن برد ويبس وخشن
ونحو ذلك وكالعقلية = كيفية مثل الذكا نفيسه
ثم الإضافية كالإزالة = للحجب في الشمس شبيه الحجة]
ينقسم وجه التشبيه إلى خارج عن حقيقة الطرفين وغير خارج فالثاني كما في تشبيه ثوب بآخر في الجنس والنوع كما يقال هذا القميص مثل هذا في كونهما كتانا وهذا الثوب مثله في كونه قميصا والأول صفة أي معنى قائم بهما وهما قسمان: حقيقية أي هيئة متمكنة في الذات وهي نوعان حسية أي تدرك بإحدى الحواس كالكيفيات الجسمية أي المختصة بالأجسام مما يدرك بالبصر من الألوان والأشكال والمقادير والحركات والسمع من الأصوات الضعيفة والقوية وما بينهما والذوق من المطعوم والشم من الروائح واللمس من الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة والخشونة والملاسة واللين والصلابة والخفة والثقل وما يتصل بها من البلة والجفاف واللزوجة وغير ذلك. والنوع الثاني عقلية كالكيفيات النفسانية من الذكاء والعلم والغضب والحلم والكرم والبخل والشجاعة والجبن وسائر الغرائز. القسم الثاني إضافية بأن يكون معنى متعلقًا بشيئين كإزالة الحجاب في تشبيه الحجة بالشمس فإنها ليست هيئة متقررة في ذات الحجة ولا في ذات الحجاب:
[واقسمه واحدا مركبا عدد = وكلها حسي أو عقلي ورد
في ثالث مختلفا والحس ثم = طرفاه حسيين والغير أعم
فكل ما شبه بالحسي صح = بغيره من غير عكس ووضح
مرادهم بالحس ما أفراده = تدرك بالحس وذا تعداده
الواحد الحسي حمرة خفا = والطيب واللذة واللين وفا
في الخد بالورد وصوت قد ضعف = بالهمس والعنبر نكهة رشف
[شرح عقود الجمان: 80]
والجلد بالحرير والشيء بمن = والواحد العقلي كالعراء عن
فائدة وجرأة والاهتدا = مع استطاب النفس فيما نقدا
نفعا بمعدوم وعلم بفلق = والشخص بالسبع وعطر بخلق]
ينقسم وجه التشبيه أيضًا إلى ثلاثة أقسام: واحد مركب من متعدد تركيبًا حقيقيًا بأن تكون حقيقة ملتئمة من أمور مختلفة أو اعتباريًا بأن تكون هيئة انتزعها العقل من عدة أمور وإلى متعدد بأن ينظر إلى عدة أمور ويقصد اشتراك الطرفين في كل منها ليكون كل منها وجه تشبيه بخلاف المركب فإنه لم يقصد اشتراك الطرفين في كل من تلك الأمور بل في الهيئة المنتزعة أو في الحقيقة الملتئمة منها وكل واحد من هذه الثلاثة إما حسي أو عقلي فهذه ستة ويختص الثالث بأن يكون مختلفًا بعضه حسي وبعضه عقلي فهي سبعة والحسي طرفاه حسيان لا غير إذ لا يدرك بالحسّ شيء غير المحسوس والعقلي أعم لجواز أن يدرك بالعقل من المحسوس شيء فكل ما صح فيه التشبيه بالوجه الحسي صح بالوجه العقلي ولا عكس كما صرحت به من زيادتي وهو معنى قول التلخيص ولذلك يقال التشبيه بالوجه العقلي أعم والمراد بكون وجه التشبيه حسيًا أن أفراده مدركة بالحسّ كالحمرة التي تدرك بالبصر جزئياتها الحاصلة في المرائي فالواحد الحسي كالحمرة والخفاء وطيب الرائحة ولذة الطعم ولين الملمس في تشبيه الخد بالورد والصوت الضعيف بالهمس والنكهة بالعنبر والشيء بالمن والجلد الناعم بالحرير والواحد العقلي كالعراء عن الفائدة والجرأة والهداية واستطابة النفس في تشبيه العديم النفع بالمعدوم والعلم بالنور والشجاع بالأسد والعطر بخلق كريم ومن الأول وطرفاه حسيان قول ابن سكرة:
الخد ورد والصدغ عالية = والريق خمر والثغر من برد
ومن الثاني وطرفاه حسيان حديث الترمذي «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق» وحديث ابن ماجه «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» شبهوا بالسفينة والنجوم في مطلق حصول النجاة والاهتداء، ومنه وطرفاه عقليان قوله:
أخلاقه نكت في المجد أيسرها = لطف يؤلف بين الماء والنار
لو زرته لرأيت الناس في رجل = والدهر في ساعة والأرض في دار
ومنه وطرفاه عقلي وحسي قوله:
كأن ثباته للقلب قلب = وهيبته جناح للجناح
وعكسه:
وأرض كأخلاق الكريم قطعتها = وقد كحل الليل السماك فأبصرا
وقوله تعالى: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن. يحتمل أن يكون حسيا بحيث أن الرجل والمرأة في المعانقة كاللباس المشتمل وعقليًا على معنى أن كلا منهما يصون صاحبه من الوقوع في الفضيحة كاللباس الساتر:
[وذو تركب غدا حسيا = في مفرد طرفاه كالثريا
شبه بالعنقود من كرم لما = حوته من صورته إذ نظما
وحبه أبيض واستدارا = وقارب الرؤية والمقدارا
وما تركبا كقولي أخذا = من قول بشار مماثلا لذا
والنقع فوق رءوسنا والأسيف = ليل تهاوى شهبه وتخطف
[شرح عقود الجمان: 81]
بجامع السقوط في أجرام = مشرقة طويلة الأجسام
تناسقت أقدارها مفرقة = في جنب شيء مظلم متسقة
وما تخالفا كما الشقيق مر = والزهر في ربا بليل ذي قمر
وحسنه في هيئة بها نقع = حركة أو وصف أو جرد مع
تحرك إلى جهات فالأول = كالشمس كالمرآة في كف الأشل
والثاني كالبرق إذا بدا ولاح = كمصحف القارى انطباقا وانفتاح
وهيئة السكون ربما تلى = يقمى جلوس البدوى المصطلى
المركب الحسي من وجه التشبيه إما مفردان أو مركبان بأن يقصد إلى عدة أشياء مختلفة فينتزع منها هيئة ويجعلها مشبها ومشبها به أو أحدهما مفرد والآخر مركب فالمركب الذي طرفاه مفردان كقوله:
وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى = كعنقود ملاحية حين نورا
شبه الثريا بعنقود عنب لما حواه من الهيئة الحاصلة من تقارب الصور البيض المستديرة الصغار المقادير في المرائي على الكيفية المخصوصة لا شديدة الافتراق ولا الانضمام إلى المقدار المخصوص من الطول والعرض فنظر إلى عدة أشياء وقصد إلى هيئة حاصلة منها والطرفان مفردان وهما الثريا والعنقود والذي طرفاه مركبان كقول بشار:
كأن مثار النقع فوق رءوسنا = وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
لما فيه من الهيئة الحاصلة من سقوط أجرام مشرقة مستطيلة متناسبة المقدار متفرقة في جوانب شيء مظلم فهو مركب وكذا الطرفان لأنه لم يقصد تشبيه الليل بالنقع والكواكب بالسيوف بل عمد إلى تشبيه هيئة السيوف وقد سلت من أغمادها وهي تعلو وترسب وتجيء وتذهب وتضطرب اضطرابًا شديدًا وتتحرك بسرعة إلى جهات مختلفة وعلى أحوال تنقسم بين الاعوجاج والاستقامة والارتفاع والانخفاض مع التلاقي والتداخل والتصادم والتلاحق وكذا في جانب المشبه به فإن للكواكب في تهاويها تواقعا وتداخلاً واستطالة لأشكالها. ويحكى عن بشار أنه قال لما سمعت قول امرئ القيس كأن قلوب الطير البيت لم يستقر لي قرار حسدا له حتى قلت هذا البيت في صفة الحرب، والذي طرفاه مختلفان بأن يكون الأول مفردا والثاني مركبًا كما مر في تشبيه الشقيق بأعلام ياقوت نشرت على رماح من زبرجد من الهيئة الحاصلة من نشر أجرام حمر مبسوطة على رءوس أجرام خضر مستطيلة فالمشبه مفرد وهو الشقيق والمشبه به مركب، وعكسه تشبيه نهار مشمس شابه زهر الربا بليل مقمر في قوله:
تريا نهارا مشمسا قد شابه = زهر الربا فكأنما هو مقمر
ومن بديع المركب الحسي ما يجيء في الهيئات التي تقع عليها الحركة سواء قرنت بشيء من أوصاف الجسم كالشكل واللون أو جردت حتى لا يراد غيرها ولا بد حينئذ من اختلاف حركات إلى جهات مختلفة له ليتحقق التركيب، فالأول كقوله * والشمس كالمرآة في كف الأشل * لما فيه من الهيئة الحاصلة من الاستدارة مع الإشراق والحركة السريعة المتصلة مع تموج الإشراق حتى يرى الشعاع كأنه يهم بأن ينبسط حتى يفيض من جوانب الدائرة ثم يبدو له فيرجع إلى الانقباض والثاني كقوله: فكأن البرق مصحف قار = فانطباقا مرة وانفتاحا
[شرح عقود الجمان: 82]
وجه التركيب أن المصحف يتحرك في حالتي الانطباق والانفتاح إلى جهتين في كل حالة إلى جهة بخلاف حركة الرحى والسهم مثلا فلا تركيب فيها لاتحادها، وقد يقع التركيب في هيئة السكون كقول المتنبي في صفة الكلب * يقعى جلوس البدوى المصطلى * لما فيه من الهيئة الحاصلة من موقع كل عضو منه في إقعائه فإن لكل موقعا خاصا وللمجموع صورة خاصة مؤلفة من تلك المواقع وكذلك صورة جلوس البدوى عند الاصطلاء بالنار موقدة على الأرض:
[وذو تركب إلى العقل انتسب = كمثل حرمان انتفاع مع تعب
في مثل اليهود بالحمار = والحمل للتوراة والأسفار
وراع في تعدد ما يحصل = به إذا أسقط منه خلل]
المركب العقلي من وجه الشبه كحرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب في استصحابه في قوله تعالى: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا} وربما ينزع وجه الشبه من متعدد فيقع الخطأ لوجوب انتزاعه من أكثر كما إذا انتزع من الشطر الأول من قوله:
كما أبرقت قوما عطاشا غمامه = فلما رأوها أقشعت وتجلت
لوجوب انتزاعه من الجميع فإن المراد التشبيه باتصال ابتداء مطمع بانتهاء مؤيس فليراع ما يختل بإسقاطه المعنى:
[وذو تعدد من الحسي كمن = شبه فنافى صفاته بفن
وضده من بالغراب في الحذر = شبه طيرا والفساد والنظر
والثالث التشبيه للإنسان = بالشمس في الحسن ورفع الشان
وربما يؤخذ وجه للتشبيه = من التضاد لاشتراك الضدّ فيه
لقصد تمليح أو التهكم = كوصفه مبخلا بحاتم]
التعدد الحسي كاللون والطعم والرائحة في تشبيه فاكهة بأخرى وكقوله:
حكت لونا ولينا واعتدالا = ولحظا قاتلا سمر الرماح
والعقلى كحدة النظر وكمال الحذر وإخفاء السفاد في تشبيه طائر بالغرب وكقول أبي العلاء:
والخل كالماء يبدي لي ضمائره = مع الصفاء ويخفيها مع الكدر
والمختلف كسحن الطلعة ونباهة الشأن في تشبيه إنسان بالشمس، وقد ينتزع وجه الشبه من نفس التضاد لاشتراك الضدين فيه ثم ينزل منزلة التناسب بواسطة تمليح أي تحسين أو تهكم أي سخرية واستهزاء فيقال للجبان ما أشبهه بالأسد وللبخيل إنه حاتم.
فصل
[أداته الكاف ومثل وكأن = والأصل في الكاف وما أشبه أن
تولى مشبها به وربما = تولى سواه مثل الدنيا كما
قلت ولا يكون مثل إلا = في ذي غرابة وشأن جلا
وربما يذكر فعل ينبي = عنه فإن كان مريد القرب
علمت زيدا أسدا والمبعد = حسبته قلت وذا منتقد]
[شرح عقود الجمان: 83]
أداة التشبيه الكاف ومثل وكأن ونحوها مما يشتق من المماثلة والمشابهة كنحو وشبه ولا يستعمل مثل إلا في حال أوصفه لها شأن وفيها غرابة نبه عليه الطيبي والأصل في الكاف وما أشبهها كلفظ نحو وشبه ومثل بخلاف تماثل وتشابه وتكافأ أن يليه المشبه به لفظًا نحو زيد كالأسد أو تقديرًا نحو: أو كصيب من السماء على تقدير أو كمثل ذي صيب وربما يليه غيره نحو: واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء الآية ليس المراد تشبيه الدنيا بالماء بل تشبيه حالها في بهجتها وما يعقبها من الهلاك بحال النبات الحاصل من الماء يكون أخضر ثم ييبس فتطيره الرياح وربما يذكر فعل ينبيء عن التشبيه فيؤتي في التشبيه القريب بنحو علمت زيدا أسدا الدال على التحقيق وفي البعيد حسبت زيدا أسدا الدال على الظن وعدم التحقيق هكذا قال في التلخيص. واعترض بأن في مثل كون هذه الأفعال منبئة عن التشبيه نوع خفاء والأظهر أن الفعل ينبئ عن حال التشبيه في القرب والبعد وأن الأداة محذوفة مقدرة لعدم استقامة المعنى بدونه نحو زيد أسد لا أن علمت منبئ عنه وقد مشى على ذلك الطيبي.
فصل
[غرضه يعود للمشبه = في أكثر الأمر وفي أغلبه
بيان إمكان وحال وكذا = قدر وتقرير لها وكل ذا
يقضي بأن الوجه في المشبه = به أتم وهو أشهر به
وفيه نقد ثم للتشويه = وزينة والظرف كالتشبيه
للفحم ذي الجمر ببحر مسك = وموجه من ذهب ذي سبك
ووجه ظرف كونه يبرز في = ممتنع أو قل في الذهن يفي
وبمشبه به الغرض عم = إما لإبهام بأنه أتم
وذاك في المقلوب أو للاهتمام = كجائع يشبه خبزا بالتمام
إظهار مطلوب وكل ذا إذا = إلحاق ناقص بغير يحتذي
وقد يراد الجمع للشيئين في = أمر ولم ينظر لنقص أو وفى
فالأحسن العدول للتشابه = وذكره التشبيه من صوابه]
الغرض من التشبيه هو ما يقصده المتكلم في إيراده وهو عائد إلى المشبه غالبًا وقد يعود إلى المشبه به فالأول على وجوه: أحدها بيان إمكان وجوده بأن يكون أمرًا غريبًا يمكن أن يخالف فيه ويدعى امتناعه فيستشهد له بالتشبيه كقول المتنبي:
فان تفق الأنام وأنت منهم = فان المسك بعض دم الغزال
فإنه لما ادعى أن الممدوح فاق الناس حتى صار أصلا برأسه وجنسا بنفسه وكان هذا في الظاهر كالممتنع احتج لهذه الدعوى وبين إمكانها بأن شبه هذه الحال بحال المسك الذي هو من الدماء ثم إنه لا يعد من الدماء لما فيه من الأوصاف الشريفة التي لا توجد في الدم والتشبيه فيه ضمني لا صريح. ثانيها بيان حال المشبه بأنه على أي وصف من الأوصاف كما في تشبيه ثوب بآخر في السواد إذا علم السامع لون المشبه به دون المشبه. ثالثها بيان قدر حال المشبه في القوة والضعف والزيادة والنقصان كما في تشبيه الثوب الأسود بالغراب في شدة السواد وكقوله:
[شرح عقود الجمان: 84]
فأصبحت من ليلى الغداة كقابض = على الماء خانته فروج الأصابع
رابعها تقرير حال المشبه في نفس السامع وتقوية شأنه كما في تشبيه من لا يحصل من سعيه على طائل بمن يرقم على الماء. قال صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يتعلم العلم في صغره كالنقش على الحجر ومثل الذي يتعلم العلم في كبره كالذي يكتب على الماء» رواه الطبراني في الكبير من حديث أبي الدرداء.
وقال ابن العميد:
ذي ملة يأتيك أثبت عهده = كالخط يرسم في بسيط الماء
قال صاحب التلخيص وهذه الأغراض الأربعة تقتضي أن يكون وجه التشبيه في المشبه به أتم وأن يكون المشبه به بوجه الشبه أشهر وأعرف قال الشيخ سعد الدين والتحقيق أن بيان الإمكان والحال لا يقتضيان الأشهرية ليصح القياس ويتم الاحتجاج في الأول ويعلم الحال في الثاني وكذا بيان المقدار لا يقتضي الأتمية بل أن يكون المشبه به على حد مقدار المشبه لا أزيد ولا أنقص لتعين مقدار المشبه على ما هو عليه. وأما تقرير الحال فيقتضي الأمرين جميعًا لأن النفس إلى الأتم والأشهر أميل فالتشبيه به لزيادة التقرير والتقوية أجدر وإلى ذلك أشرت بقولي وفيه نقد. خامسها وسادسها قصد تشويه المشبه أي تقبيحه في عين السامع وتزيينه ليرغب عنه أو فيه كما في تشبيه وجه مجدور بسلحة جامدة قد نقرتها الديكة وتشبيه وجه أسود بمقلة الظبي قال ابن الرومي:
تقول هذا مجاج النحل تمدحه = وإن تعب قلت ذاقئ الزنابير
سابعها قصد استظرافه كما في تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب ووجه ظرفه إبرازه في صورة الممتنع عادة وقد يكون الظرف لكون المشبه به نادر الحضور في الذهن إما مطلقًا كالمذكور أو عند حضور المشبه كقول ابن المعتز في البنفسج:
ولا زوردية تعلو بزرقتها = بين الرياض على حمر اليواقيت
كأنها فوق قامات ضعفن بها = أوائل النار في أطراف كبريت
فإن صورة اتصال النار بأطراف الكبريت لا يندر حضورها في الذهن ندرة بحر من المسك موجه الذهب لكن يندر حضورها عند حضور البنفسج فيستظرف. ويحكى أن جريرا قال أنشدني عدى * عرف الديار توهما فاعتادها * فلما بلغ قوله * يرجى أإن كأن إبرة روقة * رحمته وقلت قد وقع ما عساه أن يقول فلما بلغ قوله * قلم أصاب من الدواة مدادها * استحالت الرحمة حسدا له لأنه رآه حين افتتح التشبيه بذكر ما لا يحضر له شبه في بدء الفكرة فرحمه وحين رآه ظفر بأقرب صفة من أبعد موصوف حسده. وأما القسم الثاني وهو ما يعود من الغرض إلى المشبه به فمرجعه إما لا يهام أنه أتم من المشبه في وجه الشبه وذلك في التشبيه المقلوب بأن يجعل الناقص مشبهًا به قصدا إلى ادعاء أنه أكمل كقوله:
وبدا الصباح كأن غرّته = وجه الخليفة حين يمتدح
قصد إيهام أن وجهه أتم من الصباح في الضوء والضياء وقوله:
في طلعة البدر شيء من محاسنها = وللقضيب نصيب من تثنيها
فإن العادة أن تشبه الطلعة بالبدر والقدّ بالقضيب فعكس مفضلاً لحسن الطلعة على البدر والقد على القضيب قال المعرى:
[شرح عقود الجمان: 85]
ظلمناك في تشبيه صدغيك بالمسك = وقاعدة التشبيه نقصان ما يحكى
وإما لبيان الاهتمام بالمشبه به كتشبيه الجائع وجها بالبدر في الإشراق والاستدارة بالرغيف ويسمى إظهار المطلوب ولا يحسن إلا في مقام الطمع كما روى أن الصاحب بن عباد مدح قاضي سجستان بقوله * وعالم يعرف بالسجزى * وأشار إلى الندماء بإجازة هذا النصف فلما انتهت النوبة إلى شريف قال * أشهى إلى النفس من الخبز * فأمر بإحضار المائدة ثم هذا الذي ذكر من جعل أحد الشيئين مشبها والآخر مشبهًا به إنما يكون إذا أريد إلحاق الناقص بالزائد حقيقة أو ادعاء، فإن أريد الجمع بين شيئين في أمر من الأمور من غير قصد إلى كون أحدهما ناقصًا والآخر زائدًا سواء وجد أم لا فالأحسن ترك التشبيه إلى الحكم بالتشابه ليكون كل من الشيئين مشبهًا ومشبهًا به احترازًا من ترجيح أحد المتساويين كقوله:
تشابه دمعي إذ جرى ومدامتي = فمن مثل ما في الكأس عيني تسكب
فوالله ما أدري أبالخمر أسبلت = جفوني أم من عبرتي كنت أشرب
لما اعتقد التساوي بين الدمع والخمر ترك التشبيه إلى التشابه ويجوز أيضًا التشبيه في مثل ذلك لسبب من الأسباب كزيادة الاهتمام وكون الكلام فيه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التشبيه

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:53 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir