الإيمان بكرامات الأولياء
قال رحمه الله: [ونؤمن بما جاء من كراماتهم، وصح عن الثقات من رواياتهم] . قوله: (ونؤمن بما جاء من كراماتهم)؛ وهذا من أصول أهل السنة والجماعة، فإنهم يؤمنون بكرامات الأولياء، وجمهور المتكلمين لا يثبتون كرامات الأولياء، وموجب ذلك عندهم أنهم جعلوا دليل النبوة هو المعجزة، والمعجزة هي الآيات، ولا شك أنها دليل، بل قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ..}[الإسراء:101]، فلا شك أن هذه دلائل، لكن دليل النبوة ليس مقصوراً عليها، فلما جعل جمهور المتكلمين دليل النبوة مقصوراً على المعجزات منعوا كرامات الأولياء حتى لا تختلط الكرامة بالمعجزة. ولا شك أن هذا مخالف حتى لنظام العقل؛ لأن الكرامة تكون لولي، ومعلوم أنه يمتنع على الولي أن يدعي النبوة، فلو ادعى النبوة، أو استعمل ما أوتي من الكرامة على نوع من الالتفات إلى شخصه، لكان هذا مسقطاً لولايته، إذ استعمل ما أوتيه من الكرامة على وجه من الغلط المخالف للسنة والشريعة، فمثل هذه الشبهة لا ينبغي الالتفات إليها. ......
الكرامة ليست من شرط الولاية
والكرامة كما هو متقرر ليست ملازمة لمقام الولاية، فليس من شرط الولي أن يؤتى كرامة، وليس من أوتي كرامة من الأولياء يكون أولى وأفضل ممن لم يؤتَ، بل قد تكون الكرامة فضلاً وقد تكون معالجةً، وقد تكون تثبيتاً من الله سبحانه وتعالى لهذا الولي، ويكون غيره من الأولياء لما معهم من مقامات الإيمان لا يحتاجون إلى مثل هذه الكرامة، وهذا مما نص عليه بعض أئمة السنة كـشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال: (إن بعض الكرامات قد تكون فضلاً ورفعةً، وبعضها قد يكون تثبيتاً لنوع من النقص الذي اقترن بحال الولي، فيثبت بمثل هذا). فالقصد أن الولاية لا تستلزم الكرامة، فليس من شرط الولي أن يؤتى كرامة، بل الجماهير من الصحابة ما أوتوا كرامةً، ومن غلط كثير من أئمة الصوفية حتى بعض الفضلاء منهم، أنهم يلتفتون إلى طلب مقام الكرامة، وهذا الالتفات والتحري لا شك أنه لم يكن من هدي السلف الأول، ولم يكن من هدي الصحابة، وأئمة الإسلام من أهل العلم، بل هو مخالف للسنة والأثر. وهذه الخوارق التي تقع لغير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام توزن بميزان الشرع، فإن كانت لولي فإنها تسمى كرامةً، وإن كانت لغير ولي فهي من الخوارق الشيطانية.