دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 09:18 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الخبر

والخبرُ الجزءُ الْمُتِمُّ الفائِدَةْ= كاللَّهُ بَرٌّ والأيادِي شاهِدَةْ
ومُفْرَدًا يَأتي ويَأتي جُمْلَةْ = حاويَةً معنى الذي سِيقَتْ لَهْ
وإنْ يكُنْ إيَّاهُ معنًى اكْتَفَى = بها كنُطْقِي اللَّهُ حَسْبِي وكَفَى
والمفرَدُ الجامِدُ فارغٌ وإِنْ = يُشْتَقَّ فَهْوَ ذُو ضَميرٍ مُسْتَكِنْ
وأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقًا حيثُ تَلَا = ما ليسَ مَعناهُ لهُ مُحَصَّلَا
وأَخْبَرُوا بظَرْفٍ أوْ بحَرْفِ جَرٍّ = نَاوِينَ معنَى كائنٍ أو اسْتَقَرّ
ولا يكونُ اسمُ زمانٍ خَبَرَا = عنْ جُثَّةٍ وإنْ يُفِدْ فأَخْبِرَا


  #2  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:07 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

والخَبَرُ: الجُزْءُ المُتِمُّ الفَائِدَهْ = كَاللَّهُ بَرٌّ وَالأَيَادِي شَاهِدَهْ ([1])
عَرَّفَ المصنِّفُ الخبرَ بأنه الجزءُ المكمِّلُ للفائدةِ، ويَرِدُ عليه الفاعلُ، نحوُ: (قامَ زيدٌ)؛ فإنَّه يَصْدُقُ على زيدٍ أنه الجزءُ المتمُّ للفائدةِ، وقِيلَ في تعريفِه: إنه الجزءُ المنتظِمُ منه معَ المبتدأِ جملةٌ. ولا يَرِدُ الفاعلُ على هذا التعريفِ؛ لأنَّه لا يَنْتَظِمُ مِنه معَ المبتدأِ جملةٌ، بل يَنْتَظِمُ منه معَ الفعلِ جملةٌ.
وخلاصةُ هذا أنه عَرَّفَ الخبرَ بما يُوجَدُ فيه وفي غيرِه، والتعريفُ يَنْبَغِي أنْ يكونَ مُخْتَصًّا بالمعرَّفِ دونَ غيرِه.
ومفرداً يَأْتِي ويأتي جُمْلَهْ = حَاوِيَةً مَعْنَى الَّذِي سِيقَتْ لَهْ ([2])
وإنْ تَكُنْ إيَّاهُ معنًى اكْتَفَى = بِهَا كَنُطْقِي اللَّهُ حَسْبِي وَكَفَى ([3])
يَنْقَسِمُ الخبرُ إلى مفردٍ وجملةٍ، وسيأتي الكلامُ على المفردِ.
فأمَّا الجملةُ فإما أنْ تكونَ هي المبتدأَ في المعنَى أو لا:
فإنْ لم تَكُنْ هي المبتدأَ في المعنَى فلا بدَّ فيها مِن رابطٍ يَرْبُطُها بالمبتدأِ ([4])، وهذا معنى قولِهِ: (حَاوِيةً مَعْنَى الذي سِيقَتْ لَهْوالرابطُ:
(1) إما ضميرٌ يرجِعُ إلى المبتدأِ، نحوُ: (زيدٌ قامَ أبوه)، وقد يكونُ الضميرُ مقدَّراً، نحوُ: (السمنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ)، التقديرُ: مَنَوَانِ مِنه بدِرْهَمٍ.
(2) أو إشارةٌ إلى المبتدأِ؛ كقولِه تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} ([5]) في قراءةِ مَن رَفَعَ اللِّبَاسَ.
(3) أو تَكرارُ المبتدأِ بلفظِه، وأكثرُ ما يكونُ في مواضِعِ التفخيمِ؛ كقولِهِ تعالى: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ}، {القَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ}، وقد يُسْتَعْمَلُ في غيرِها، وكقولِكَ: (زَيْدٌ مَا زَيْدٌ).
(4) أو عُمومٌ يَدْخُلُ تحتَه المبتدأُ، نحوُ: (زيدٌ نِعْمَ الرَّجُلُ).
وإنْ كانَتِ الجملةُ الواقعةُ خبراً هي المبتدأَ في المعنَى لم تَحْتَجْ إلى رابطٍ، وهذا معنَى قولِه: (وَإِنْ تَكُنْ... إلى آخرِ البيتِ)؛ أي: وإنْ تَكُنِ الجملةُ إيَّاه؛ أي: المبتدأَ في المعنى، اكْتَفَى بها عن الرابطِ؛ كقولِهِ: (نُطْقِي: اللهُ حَسْبِي)، فنُطْقِي مبتدأٌ أوَّلُ، والاسمُ الكريمُ مبتدأٌ ثانٍ، وحَسْبِي خبرٌ عن المبتدأِ الثاني، والمبتدأُ الثاني وخبرُه خبرٌ عن المبتدأِ الأوَّلِ، واسْتَغْنَى عن الرابطِ؛ لأنَّ قولْكَ: (اللهُ حسبِي) هو معنى (نُطْقِي)، وكذلك (قولي: لا إلهَ إلاَّ اللهُ).
والمُفردُ الجامدُ فارِغٌ وإنْ = يُشْتَقَّ فهْوَ ذُو ضَمِيرٍ مُسْتَكِنْ ([6])
تَقَدَّمَ الكلامُ في الخبرِ إذَا كانَ جملةً، وأمَّا المفردُ فإمَّا أنْ يكونَ جامداً أو مُشْتَقًّا، فإنْ كانَ جامداً فذَكَرَ المصنِّفُ أنه يكونُ فارغاً من الضميرِ، نحوُ: (زيدٌ أخوكَ).
وذَهَبَ الكِسائِيُّ والرُّمَّانِيُّ وجماعةٌ إلى أنه يَتَحَمَّلُ الضميرَ، والتقديرُ عندَهم: (زيدٌ أخوك هو)، وأمَّا البَصريُّونَ فقالوا: إما أنْ يكونَ الجامدُ متضمِّناً معنَى المشتَقِّ أو لا : فإنْ تَضَمَّنَ معناه نحوُ: (زيدٌ أسدٌ)؛ أي: شجاعٌ تَحَمَّلَ الضميرَ، وإنْ لم يَتَضَمَّنْ معناه لم يَتَحَمَّلِ الضميرَ، كما مُثِّلَ.
وإنْ كانَ مشتقًّا فذَكَرَ المصنِّفُ أنه يَتَحَمَّلُ الضميرَ، نحوُ: (زيدٌ قائمٌ)؛ أي: هو هذا، إذا لم يَرْفَعْ ظاهراً، وهذا الحكمُ إنما هو للمشتَقِّ الجاري مجرَى الفعلِ، كاسمِ الفاعلِ، واسمِ المفعولِ، والصفةِ المشبَّهَةِ، واسمِ التفضيلِ.
فأمَّا ما ليسَ جارياً مَجْرَى الفعلِ من المشتقَّاتِ فلا يَتَحَمَّلُ ضميراً، وذلك كأسماءِ الآلةِ، نحوُ: (مِفتاحٍ)، فإنَّه مشتَقٌّ من (الفتحِ)، ولا يَتَحَمَّلُ ضميراً، فإذا قُلْتَ: (هذا مِفتاحٌ) لم يَكُنْ فيه ضميرٌ، وكذلك ما كانَ على صيغةِ مَفْعَلٍ وقُصِدَ به الزمانُ أو المكانُ كـ(مَرْمًى)، فإنَّه مشتَقٌّ من (الرَّمْيِ)، ولا يَتَحَمَّلُ ضميراً، فإذا قلتَ: (هذا مَرْمَى زيدٍ) تُرِيدُ مكانَ رَمْيِهِ أو زمانَ رَمْيِهِ كانَ الخبرُ مشتقًّا ولا ضميرَ فيه.
وإنما يَتَحَمَّلُ المشتقُّ الجارِي مجرَى الفعلِ الضميرَ إذا لم يَرْفَعْ ظاهراً، فإنْ رفَعَه لم يَتَحَمَّلْ ضميراً، وذلكَ نحوُ: (زيدٌ قائمٌ غلاماهُ)، فغلاماه مرفوعٌ بقائمٌ، فلا يَتَحَمَّلُ ضميراً.
وحاصلُ ما ذَكَرَ أنَّ الجامدَ يَتَحَمَّلُ الضميرَ مطلقاً عندَ الكُوفِيِّينَ، ولا يَتَحَمَّلُ ضميراً عندَ البصريِّينَ، إلاَّ إنْ أُوِّلَ بمُشْتَقٍّ، وأنَّ المشتَقَّ إنما يَتَحَمَّلُ الضميرَ إذا لم يَرْفَعْ ظاهراً، وكانَ جارياً مَجْرَى الفعلِ، نحوُ: (زيدٌ منطلِقٌ)؛ أي: هو، فإنْ لم يَكُنْ جارياً مَجْرَى الفعلِ لم يَتَحَمَّلْ شيئاً، نحوُ: (هذا مِفتاحٌ)، و(هذا مَرْمَى زيدٍ).
وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقاً حَيْثُ تَلاَ = مَا لَيْسَ مَعْنَاهُ لَهُ مُحَصَّلاَ ([7])
إذا جَرَى الخبرُ المشتقُّ على مَن هو له اسْتَتَرَ الضميرُ فيه، نحوُ: (زيدٌ قائمٌ)؛ أي: هو، فلو أَتَيْتَ بعدَ المشتَقِّ بـ(هو) ونحوِه وأَبْرَزْتَهُ فقلتَ: (زيدٌ قائمٌ هو) فقد جَوَّزَ سِيبَوَيْهِ فيه وجهيْنِ؛ أحدَهما: أنْ يكونَ (هو) تأكيداً للضميرِ المستترِ في (قائمٌ)، والثانِيَ: أنْ يكونَ فاعلاً بـ(قائمٌ)، هذا إذا جَرَى على مَن هو له، فإنْ جرَى على غيرِ مَن هو له، وهو المرادُ بهذا البيتِ، وَجَبَ إبرازُ الضميرِ، سواءٌ أُمِنَ اللَّبْسُ أو لم يُؤْمَنْ، فمِثالُ ما أُمِنَ فيه اللبسُ: (زيدٌ هندٌ ضَارِبُها هو)، ومثالُ ما لم يُؤْمَنْ فيه اللَّبسُ لولا الضميرُ: (زيدٌ عمرٌو ضارِبُه هو)، فيجِبُ إبرازُ الضميرِ في الموضعيْنِ عندَ البصريينَ، وهذا معنى قولِه: (وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقاً)؛ أي: سواءٌ أُمِنَ اللَّبْسُ أو لم يُؤْمَنْ.
وأمَّا الكُوفِيُّونَ فقالوا: إنْ أُمِنَ اللَّبْسُ جازَ الأمرانِ، كالمثالِ الأوَّلِ، وهو (زيدٌ هِنْدٌ ضَارِبُها هو)، فإنْ شِئْتَ أَتَيْتَ بـ(هو)، وإنْ شِئْتَ لم تأتِ به، وإنْ خِيفَ اللَّبْسُ وَجَبَ الإبرازُ، كالمثالِ الثاني؛ فإنك لو لم تأتِ بالضميرِ فقلتَ: (زيدٌ عمرٌو ضارِبُه) لاحْتَمَلَ أنْ يكونَ فاعلُ الضربِ زيداً، وأنْ يكونَ عمراً، فلَمَّا أَتَيْتَ بالضميرِ فقلتَ: (زيدٌ عمرٌو ضارِبُه هو) تَعَيَّنَ أنْ يكونَ (زيدٌ) هو الفاعلَ.
واختارَ المصنِّفُ في هذا الكتابِ مذهَبَ البصريينَ؛ ولهذا قالَ: (وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقاً) يعني: سواءٌ خِيفَ اللَّبسُ أو لم يُخَفْ، واختارَ في غيرِ هذا الكتابِ مَذْهَبَ الكُوفِيِّينَ، وقد وَرَدَ السماعُ بمذهَبِهم؛ فمِن هذا قولُ الشاعرِ:
42- قَوْمِي ذُرَا الْمَجْدِ بَانُوهَا وَقَدْ عَلِمَتْ = بِكُنْهِ ذَلِكَ عَدْنَانٌ وقَحْطَانُ ([8])
التقديرُ: بانوها هم، فحَذَفَ الضميرَ لأَمْنِ اللَّبسِ.
وأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ اوْ بِحَرْفِ جَرْ = نَاوِينَ مَعْنَى (كَائِنٍ) أو (اسْتَقَرْ) ([9])

تَقَدَّمَ أنَّ الخبرَ يكونُ مفرداً ويكونُ جملةً، وذكَرَ المصنِّفُ في هذا البيتِ أنه يكونُ ظرفاً أو جارًّا ومجروراً ([10])، نحوُ: (زيدٌ عندَكَ)، و(زيدٌ في الدارِ)، فكلٌّ مِنهما متعلِّقٌ بمحذوفٍ واجبِ الحذفِ ([11]).
وأجازَ قومٌ، منهم المصنِّفُ، أن يكونَ ذلك المحذوفُ اسماً أو فعلاً، نحوُ: (كائنٍ)، أو (اسْتَقَرَّ)، فإنْ قَدَّرْتَ (كائناً) كانَ مِن قَبِيلِ الخبرِ بالمفردِ، وإنْ قَدَّرْتَ (اسْتَقَرَّ) كانَ من قَبيلِ الخبرِ بالجملةِ.
واخْتَلَفَ النحويُّونَ في هذا؛ فذَهَبَ الأخفشُ إلى أنه مِن قَبِيلِ الخبرِ بالمفردِ، وأنَّ كلاًّ مِنهما متعلِّقٌ بمحذوفٍ، وذلكَ المحذوفُ اسمُ فاعلٍ، والتقديرُ: (زيدٌ كائنٌ عندَكَ، أو مُسْتَقِرٌّ عندَكَ، أو في الدارِ)، وقد نُسِبَ هذا لسِيبَوَيْهِ.
وقيلَ: إنهما مِن قَبيلِ الجملةِ، وإنَّ كلاًّ منهما متعلِّقٌ بمحذوفٍ هو فِعْلٌ، والتقديرُ: (زيدٌ اسْتَقَرَّ -أو يَسْتَقِرُّ- عندَكَ، أو في الدارِ)، ونُسِبَ هذا إلى جمهورِ البصريينَ وإلى سِيبَوَيْهِ أيضاً.
وقيل: يَجُوزُ أنْ يُجْعَلاَ مِن قَبيلِ المفردِ، فيكونَ المقدَّرُ مستقرًّا ونحوَه، وأنْ يُجْعَلاَ مِن قَبيلِ الجملةِ، فيكونَ التقديرُ: (اسْتَقَرَّ) ونحوَه، وهذا ظاهرُ قولِ المصنِّفِ: (نَاوِينَ معنَى كائنٍ أو اسْتَقَرْ).
وذَهَبَ أبو بَكْرِ بنُ السَّرَّاجِ إلى أنَّ كُلاًّ مِن الظرفِ والمجرورِ قِسْمٌ برأسِه، وليسَ مِن قَبِيلِ المفردِ ولا مِن قَبيلِ الجملةِ، نقَلَ عنه هذا المذهَبَ تلميذُه أبو عليٍّ الفَارِسِيُّ في (الشِّيرَازِيَّاتِ)، والحقُّ خلافُ هذا المذهَبِ، وأنه متعلِّقٌ بمحذوفٍ، وذلك المحذوفُ واجبُ الحذفِ، وقد صُرِّحَ به شُذوذاً؛ كقولِه:
43- لَكَ الْعِزُّ إِنْ مَوْلاَكَ عَزَّ وَإِنْ يَهُنْ = فأَنْتَ لَدَى بُحْبُوحَةِ الْهُونِ كَائِنُ ([12])
وكما يَجِبُ حذفُ عاملِ الظرفِ والجارِّ والمجرورِ إذا وَقَعَا خبراً، كذلكَ يَجِبُ حذفُه إذا وقَعَا صفةً، نحوُ: (مَرَرْتُ برجلٍ عندَكَ، أو في الدارِ)، أو حالاً، نحوُ: (مَرَرْتُ بزيدٍ عندَكَ، أو في الدارِ)، أو صِلَةً، نحوُ: (جاءَ الذي عندَكَ، أو في الدارِ)، لكِنْ يَجِبُ في الصلةِ أنْ يكونَ المحذوفُ فِعلاً، والتقديرُ: (جاءَ الذي اسْتَقَرَّ عندَكَ، أو في الدارِ)، وأما الصفةُ والحالُ فحُكْمُهما حكمُ الخبرِ كما تَقَدَّمَ.
ولا يكونُ اسمُ زَمانٍ خَبَرَا = عنْ جُثَّةٍ وإِنْ يُفِدْ فَأَخْبِرَا ([13])
ظرفُ المكانِ يَقَعُ خبراً عن الجثَّةِ، نحوُ: (زيدٌ عندَكَ)، وعن المعنَى، نحوُ: (القِتالُ عندَكَ)، وأما ظرفُ الزمانِ فيَقَعُ خبراً عن المعنَى منصوباً، أو مجروراً بفي، نحوُ: (القتالُ يومَ الجُمُعَةِ، أو في يومِ الجُمُعَةِ)، ولا يَقَعُ خبراً عن الجثَّةِ.
قالَ المصنِّفُ: إلا إذا أفادَ، نحوُ: (الليلةَ الهلالُ، والرُّطَبُ شَهْرَيْ رَبِيعٍ)، فإنْ لم يُفِدْ لم يَقَعْ خبراً عن الجُثَّةِ، نحوُ: (زيدٌ اليومَ)، وإلى هذا ذَهَبَ قومٌ، منهم المصنِّفُ، وذَهَبَ غيرُ هؤلاءِ إلى المنعِ مطلقاً، فإنْ جاءَ شيءٌ مِن ذلكَ يُؤَوَّلُ، نحوُ قولِهِم: الليلةَ الهلالُ والرُّطَبُ شَهْرَيْ رَبِيعٍ. التقديرُ: طلوعُ الهلالِ الليلةَ، ووجودُ الرُّطَبِ شَهْرَيْ ربيعٍ. هذا مذهَبُ جمهورِ البصريينَ، وذَهَبَ قومٌ، مِنهم المصنِّفُ، إلى جوازِ ذلكَ من غيرِ شُذوذٍ، لكنْ بشرطِ أنْ يُفِيدَ ([14])؛ كقولِكَ (نحنُ في يومٍ طيِّبٍ وفي شهرِ كذا)، وإلى هذا أشارَ بقولِهِ: (وإنْ يُفِدْ فأَخْبِرَا)، فإنْ لم يُفِدِ امْتَنَعَ، نحوُ: (زيدٌ يومَ الجُمُعَةِ).

([1]) (والخبرُ) الواوُ للاستئنافِ، الخبرُ: مبتدأٌ، (الجُزْءُ) خبرُ المبتدأِ، (الْمُتِمُّ) نعتٌ له، والمتمُّ مضافٌ و(الفائدة) مضافٌ إليه، (كاللَّهُ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، ولفظُ الجلالةِ مبتدأٌ، (بَرٌّ) خبرُ المبتدأِ، (والأيادي شاهِدَة) الواوُ عاطفةٌ وما بعدَها مبتدأٌ وخبرٌ، والجملةُ معطوفةٌ بالواوِ على الجملةِ السابقةِ.

([2]) (ومفرداً) حالٌ من الضميرِ المُسْتَتِرِ في (يَأْتِي) الأوَّلِ، (يَأْتِي) فعلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على الخبرِ، (ويَأْتِي) الواوُ عاطفةٌ، ويأتي فعلٌ مضارعٌ وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ على الخبرِ أيضاًً، والجملةُ معطوفةٌ على جملةِ (يَأْتِي) وفاعلِه السابقةِ، (جُمْلَة) حالٌ مِن الضميرِ المُسْتَتِرِ في (يَأْتِي) الثاني منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وسُكِّنَ لأجلِ الوقفِ، (حَاوِيَةً) نعتٌ لجملةٍ، وفيه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ هو فاعلٌ، (مَعْنَى) مفعولٌ به لحاوِيَةً، ومعنى مضافٌ و(الذي) مضافٌ إليه، (سِيقَتْ) سِيقَ: فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، والتاءُ للتأنيثِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هي يعودُ إلى جُمْلَة، والجملةُ مِن سِيقَ ونائبِ فاعلِه لا مَحَلَّ لها؛ صلةُ الموصولِ، (لَهْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بسِيقَ.
([3]) (وإنْ) شَرْطِيَّةٌ، (تَكُنْ) فعلٌ مضارعٌ ناقصٌ فعلُ الشرطِ، واسمُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هي يعودُ على قولِهِ جُمْلَة، (إِيَّاهُ) خبرُ تَكُنْ، (مَعْنًى) منصوبٌ بنزعِ الخافضِ، أو تمييزٌ، (اكْتَفَى) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ المقدَّرِ على الألفِ في محلِّ جَزْمِ جوابِ الشرطِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى الخبرِ، (بِهَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باكْتَفَى، (كَنُطْقِي) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، نُطْق: مبتدأٌ أوَّلُ، ونُطْق مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (اللَّهُ) مبتدأٌ ثانٍ، (حَسْبِي) خبرُ المبتدأِ الثاني ومضافٌ إليه، وجملةُ المبتدأِ الثاني وخبرِه في محَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الأوَّلِ، (وَكَفَى) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو، وأصلُه: وكَفَى به، فحُذِفَ حرفُ الجرِّ، فاتَّصَلَ الضميرُ واسْتَتَرَ.
([4]) يُشْتَرَطُ في الجملةِ التي تَقَعُ خبراً ثلاثةُ شروطٍ:
الأوَّلُ: أنْ تكونَ مُشْتَمِلَةً على رابطٍ يَرْبُطُها بالمبتدأِ، وقد ذَكَرَ الشارِحُ هذا الشرطَ وفَصَّلَ القولَ فيه.
والشرطُ الثاني: ألاَّ تكونَ الجملةُ نِدَائِيَّةً، فلا يَجُوزُ أنْ تقولَ: مُحَمَّدٌ يا أَعْدَلَ الناسِ، على أنْ يكونَ مُحَمَّدٌ مبتدأً وتكونَ جملةُ (يا أَعْدَلَ الناسِ) خبراً عن مُحَمَّدٍ.
الشرطُ الثالثُ: ألا تكونَ جملةُ الخبرِ مُصَدَّرَةً بأحدِ الحروفِ: لَكِنْ، وبلْ، وحتَّى.
وقدْ أَجْمَعَ النُّحاةُ على ضرورةِ استكمالِ جملةِ الخبرِ لهذه الشروطِ الثلاثةِ، وزادَ ثَعْلَبٌ شرطاً رابعاً، وهو: ألاَّ تكونَ جملةُ الخبرِ قَسَمِيَّةً، وزادَ ابنُ الأنباريِّ خامساً وهو: ألاَّ تكونَ إنشائيَّةً، والصحيحُ عندَ الجمهورِ صِحَّةُ وقوعِ القَسَمِيَّةِ خَبَراً عن المبتدأِ، كأنْ تقولَ: زيدٌ واللهِ إنْ قَصَدْتَهُ لَيُعْطِيَنَّكَ، كما أنَّ الصحيحَ عندَ الجمهورِ جَوَازُ وقوعِ الإنشائيَّةِ خبراً عن المبتدأِ، كأنْ تقولَ: زيدٌ اضْرِبْهُ.
وذَهَبَ ابنُ السَّرَّاجِ إلى أنه إنْ وَقَعَ خبرُ المبتدأِ جملةً طَلَبِيَّةً فهو على تقديرِ قولٍ، فالتقديرُ عندَه في المثالِ الذي ذَكَرْنَاهُ: زيدٌ مقولٌ فيه: اضْرِبْه؛ تشبيهاً للخبرِ بالنعتِ، وهو غيرُ لازمٍ في الخبرِ عندَ الجمهورِ، معَ أنه يَلْزَمُ عندَهم في النعتِ، وفَرَّقُوا بينَ الخبرِ والنعتِ بأنَّ النعتَ يُقْصَدُ منه تمييزُ المنعوتِ وإيضاحُه، فيَجِبُ أنْ يكونَ معلوماً للمخاطَبِ قبلَ التكلُّمِ، والإنشاءُ لا يُعْلَمُ إلا بالتكلُّمِ، وأما الخبرُ فإنَّه يُقْصَدُ منه الحكمُ، فلا يَلْزَمُ أنْ يكونَ معلوماً من قبلُ، بل الأحسنُ أنْ يكونَ مجهولاً قبلَ التكلُّمِ لِيُفِيدَ المتكلِّمُ المخاطَبَ ما لا يَعْرِفُه، وقد وَرَدَ الإخبارُ بالجملةِ الإنشائيَّةِ في قولِ العُذْرِيِّ (انْظُرْ شَرْحَ الشاهدِ رَقْمِ 30):
وَجَدُّ الْفَرَزْدَقِ أَتْعِسْ بِهِ = ودَقَّ خَيَاشِيمَهُ الْجَنْدَلُ
وكلُّ النُّحاةِ أَجَازَ رفعَ الاسمِ المشغولِ عنه قبلَ فعلِ الطلبِ، وأجازَ جَعْلَ المخصوصِ بالمدحِ مبتدأً خَبَرُه جملةُ نِعْمَ وفَاعِلُها، وهي إنشائيَّةٌ، وسَيُمَثِّلُ المؤلِّفُ في هذا الموضعِ بمثالٍ منه. فاحْفَظْ ذلكَ كُلَّه، وكُنْ مِنه على ثَبَتٍ.
([5]) هذه الآيةُ الكريمةُ أَوَّلُها: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}. وقد قُرِئَ فيها في السبعةِ بنصبِ (لِبَاسَ التَّقْوَى) وبرفعِه، فأمَّا قراءةُ النصبِ فعلى العطفِ على (لِبَاساً يُوَارِي)، ولا كلامَ لنا فيها الآنَ، وأما قراءةُ الرفعِ فيجوزُ فيها عدَّةُ وُجوهٍ من الإعرابِ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ {لِبَاسُ التَّقْوَى} مبتدأً أوَّلَ، و{ذَلِكَ} مبتدأً ثانياً، و{خَيْرٌ} خبرَ المبتدأِ الثانِي، وجملةُ المبتدأِ الثاني وخَبَرِه في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الأولِ، وهذا هو الوجهُ الذي خَرَّجَ الشارِحُ وغيرُه من النحاةِ الآيةَ عليه.
والوجهُ الثاني: أنْ يكونَ {ذَلِكَ} بدلاً مِن {لِبَاسُ التَّقْوَى}.
والثالثُ: أنْ يكونَ {ذَلِكَ} نعتاً لِلِبَاسِ التقوَى على ما هو مذهَبُ جماعةٍ، و{خَيْرٌ} خبرَ المبتدأِ الذي هو {لِبَاسُ التَّقْوَى}. وعلى الوجهيْنِ الثاني والثالثِ لا شاهدَ في الآيةِ لِمَا نحنُ بِصَدَدِهِ؛ لأنَّ الخبرَ في هذين الوجهيْنِ مفردٌ لا جملةٌ.
([6]) (والمُفْرَدُ) مبتدأٌ، (الجَامِدُ) نعتٌ له، (فَارِغٌ) خبرُ المبتدأِ، (وإِنْ) شرطيَّةٌ، (يُشْتَقَّ) فعلٌ مضارعٌ فعلُ الشرطِ مبنيٌّ للمجهولِ، مجزومٌ بإنِ الشرطيَّةِ، وعلامةُ جزمِه السكونُ، وحُرِّكَ بالفتحِ تَخَلُّصاً من التقاءِ الساكنيْنِ وطلباً للخِفَّةِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على قولِهِ: المُفْرَدُ، (فَهْوَ) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرطِ، والضميرُ المنفصِلُ مبتدأٌ، (ذُو) اسمٌ بمعنى صاحبٍ، خبرُ المبتدأِ، وذو مضافٌ و(ضَمِيرٍ) مضافٌ إليه، (مُسْتَكِنْ) نعتٌ لضميرٍ، وجملةُ المبتدأِ والخبرِ في محَلِّ جزمِ جوابِ الشرطِ، ويجوزُ أنْ يكونَ قولُه: (المُفْرَدُ) مبتدأً أوَّلَ وقولُه: (الجامِدُ) مبتدأً ثانياً، وقولُه: (فارِغٌ) خبرَ المبتدأِ الثانِي، وجملةُ المبتدأِ الثاني وخبرِه في محَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الأوَّلِ، والرابطُ بينَ جملةِ الخبرِ والمبتدأِ الأولِ محذوفٌ، وتقديرُ الكلامِ على هذا: والمفردُ الجامِدُ منه فارِغٌ، والشاطبِيُّ يُوجِبُ هذا الوجهَ من الإعرابِ؛ لأنَّ الضميرَ المُسْتَتِرَ في قولِهِ: (يُشْتَقَّ) في الوجهِ الأوَّلِ عادَ على (المُفْرَدُ) الموصوفِ بقولِهِ: (الجامِدُ) بدونِ صِفَتِه؛ إذ لو عادَ على الموصوفِ وصِفَتِه لكانَ المعنى: إنْ يَكُنِ المفردُ الجامدُ مُشْتَقًّا، وهو كلامٌ غيرُ مستقيمٍ، وزَعَمَ أنَّ عودَ الضميرِ على الموصوفِ وحدَه ـ دونَ صِفَتِه ـ خطأٌ، وليسَ كما زَعَمَ، لا جَرَمَ جَوَّزْنَا الوجهيْنِ في إعرابِ هذه العبارةِ.
([7]) (وَأَبْرِزَنْهُ) الواوُ للاستئنافِ، أَبْرِزَ: فعلُ أمرٍ مبنيٌّ على الفتحِ لاتصالِه بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، ونونُ التوكيدِ حرفٌ مبنيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، والضميرُ المتَّصِلُ البارزُ مفعولٌ به لأَبْرِز، (مُطْلَقاً) حالٌ مِن الضميرِ البارِزِ، ومعناه: سواءٌ أَمِنْتَ اللَّبْسَ أمْ لم تَأْمَنْه، (حيثُ) ظرفُ مكانٍ مُتَعَلِّقٌ بأَبْرِز، (تَلاَ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى الخبرِ المشتَقِّ، والجملةُ مِن تلا وفاعلِهِ في محَلِّ جرٍّ بإضافةِ حيثُ إليها، (ما) اسمٌ موصولٌ مفعولٌ به لِتَلاَ، مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ، (لَيْسَ) فعلٌ ماضٍ ناقصٌ، (معناهُ) معنى: اسمُ ليسَ، ومعنى مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (لَهُ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (مُحَصَّلاَ) الآتِي، (مُحَصَّلاَ) خبرُ ليسَ، والجملةُ من ليسَ ومَعْمُولَيْهَا لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ؛ صِلَةُ الموصولِ الذي هو (ما)، وتقديرُ البيتِ: وأَبْرِزْ ضميرَ الخبرِ المشتقِّ مُطلقاً إنْ تَلا الخبرُ مبتدأً ليسَ معنَى ذلكَ الخبرِ مُحَصَّلاً لذلكَ المبتدأِ، وقد عَبَّرَ الناظِمُ في (الكافيةِ) عن هذا المعنى بعبارةٍ سالمةٍ مِن هذا الاضْطِرَابِ والقلقِ، وذلك قولُه:
وإنْ تَلاَ غَيْرَ الَّذِي تَعَلَّقَا = بِهِ فَأَبْرِزِ الضَّمِيرَ مُطْلَقَا
في المَذْهَبِ الكُوفِيِّ شَرْطُ ذَاكَ أَنْ = لا يُؤْمَنَ اللَّبْسُ ورَأْيُهُمْ حَسَنْ
وقد أشارَ الشارِحُ إلى اختيارِ الناظمِ في غيرِ الأَلْفِيَّةِ مِن كُتُبِه لمذهَبِ الكُوفِيِّينَ في هذه المسألةِ، وأنتَ تَرَاهُ يقولُ في آخِرِ هذيْنِ البيتيْنِ عن مذهَبِ الكُوفِيِّينَ: (ورَأْيُهُمْ حَسَنْ).
([8]) هذا الشاهِدُ غيرُ منسوبٍ إلى قائلٍ معيَّنٍ فيما بينَ أَيْدِينَا مِن المراجِعِ.
اللغةُ: (ذُرَا) ـ بضمِّ الذالِ ـ جمعُ ذِرْوَةٍ، وهي مِن كلِّ شيءٍ أعلاه، (الْمَجْدِ) الكَرَمِ، (بانُوها) جَعَلَه العَيْنِيُّ فِعلاً ماضِياً بمعنى زَادُوا عليها وتَمَيَّزُوا، ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ جمعَ (بانٍ) جمعاً سالماً، مثلُ: قاضٍ وقاضونَ، وغازٍ وغازُونَ، وحُذِفَتِ النونُ للإضافةِ كما حُذِفَتِ النونُ في قولِكَ: (قاضُو المدينةِ ومُفْتُوهَا) وهو عندَنا أفضلُ مِمَّا ذَهَبَ إليه العَيْنِيُّ، (كُنْهِ) كُنْهُ كلِّ شيءٍ: غايتُه ونِهايتُه وحقيقتُه.
الإعرابُ: (قَوْمِي) قوم: مبتدأٌ أوَّلُ، وقوم مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (ذُرَا) مبتدأٌ ثانٍ، وذُرَا مضافٌ و(المَجْدِ) مضافٌ إليه، (بانُوهَا) بانو: خبرُ المبتدأِ الثاني، وبانو مضافٌ وضميرُ الغائبةِ العائدُ إلى ذُرَا المجدِ مضافٌ إليه، وجملةُ المبتدأِ الثاني وخبرِه خبرُ المبتدأِ الأوَّلِ، (وقد) الواوُ واوُ الحالِ، قد: حَرْفُ تحقيقٍ، (عَلِمَتْ) عَلِمَ: فعلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، (بِكُنْهِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بعَلِمَتْ، وكُنْهِ مضافٌ واسمُ الإشارةِ في (ذلكَ) مضافٌ إليه، واللامُ للبُعْدِ، والكافُ حرفُ خِطابٍ، (عَدْنَانٌ) فاعلُ عَلِمَتْ، (وقَحْطَانُ) معطوفٌ عليه.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (قَوْمِي ذُرَا الْمَجْدِ بَانُوهَا) حيثُ جاءَ بخبرِ المبتدأِ مُشْتَقًّا ولم يُبْرِزِ الضميرَ، معَ أنَّ المشتَقَّ ليسَ وصفاً لنفسِ مُبْتَدَئِه في المعنَى، ولو أَبْرَزَ الضميرَ لقالَ: (قَوْمِي ذُرا المجدِ بانُوها هُم) وإنما لم يُبْرِزِ الضميرَ ارْتِكَاناً على انسياقِ المعنَى المقصودِ إلى ذِهْنِ السامعِ مِن غيرِ تَرَدُّدٍ، فلا لَبْسَ في الكلامِ بحيثُ يُفْهَمُ منه معنًى غيرُ المعنَى الذي يَقْصِدُ إليه المتكلِّمُ؛ فإنَّه لا يُمْكِنُ أنْ يَتَسَرَّبَ إلى ذِهْنِكَ أنَّ (بَانُوها) هو في المعنى وصفُ المبتدأِ الثاني الذي هو (ذُرا المَجْدِ)؛ لأنَّ ذُرَا المجدِ مَبْنِيَّةٌ وليسَتْ بانيَةً، وإنما البانِي هو القومُ.
وهذا الذي يَدُلُّ عليه هذا البيتُ ـ من عدمِ وجوبِ إبرازِ الضميرِ إذا أُمِنَ الالْتِباسُ، وقَصْرِ وجوبِ إبرازِهِ على حالةِ الالْتباسِ ـ هو مَذْهَبُ الكُوفِيِّينَ في الخبرِ والحالِ والنعتِ والصلَةِ، قالُوا في جميعِ هذه الأبوابِ: إذا كانَ واحدٌ مِن هذه الأشياءِ جارِياً على غيرِ مَن هو له يُنْظَرُ: فإذا كانَ يُؤْمَنُ اللَّبْسُ ويُمْكِنُ تَعَيُّنُ صاحبِه مِن غيرِ إبرازِ الضميرِ فلا يَجِبُ إبرازُه، وإن كانَ لا يُؤْمَنُ اللَّبسُ واحْتَمَلَ عودُه على مَن هو له وعلى غيرِ مَن هو له وَجَبَ إبرازُ الضميرِ، والبيتُ حُجَّةٌ لهم في ذلك.
والبَصريُّونَ يُوجِبُونَ إبرازَ الضميرِ بكلِّ حالٍ، ويَرَوْنَ مثلَ هذا البيتِ غيرَ مُوافقٍ للقياسِ الذي عليه أكثرُ كلامِ العربِ، فهو عندَهم شاذٌّ.
ومِنهم مَن زَعَمَ أنَّ (ذُرا المَجْدِ) ليسَ مُبْتَدأً ثانياً كما أَعْرَبَه الكُوفِيُّونَ، بل هو مفعولٌ به لوصفٍ محذوفٍ، والوصفُ المذكورُ بعدَه بَدَلٌ من الوصفِ المحذوفِ، وتقديرُ الكلامِ: قَوْمِي بانونَ ذُرا المجدِ بانوها، فالخبرُ محذوفٌ، وهو جارٍ على مَن له، وفي هذا من التكلُّفِ ما ليسَ يَخْفَى.
([9]) (وأَخْبَرُوا) الواوُ للاستئنافِ، وأَخْبَرُوا: فعلٌ وفاعلٌ، (بِظَرْفٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَخْبَرُوا، (أوْ) عاطفةٌ، (بحَرْفِ) جارٌّ ومجرورٌ معطوفٌ على الجارِّ والمجرورِ السابقِ، وحرفِ مضافٌ و(جَرْ) مضافٌ إليه، (نَاوِينَ) حالٌ مِن الواوِ في قولِهِ: (أَخْبَرُوا)، منصوبٌ بالياءِ نيابةً عن الفتحةِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه، (مَعْنَى) مفعولٌ به لناوينَ، ومعنَى مضافٌ و(كائِنٍ) مضافٌ إليه، (أو) عاطفةٌ، (اسْتَقَر) قُصِدَ لفظُه. وهو معطوفٌ على كائنٍ.
([10]) يُشْتَرَطُ لصحَّةِ الإخبارِ بالظرفِ والجارِّ والمجرورِ: أنْ يكونَ كلُّ واحدٍ منهما تامًّا، ومعنَى التمامِ أنْ يُفْهَمَ مِنه مُتَعَلِّقُه المحذوفُ، وإنما يُفْهَمُ مُتَعَلِّقُ كلِّ واحدٍ مِنهما منه في حالتيْنِ:
أُولاهُمَا: أنْ يكونَ المُتَعَلِّقُ عامًّا، نحوُ: زيدٌ عندَكَ، وزيدٌ في الدارِ.
وثانيهما: أنْ يكونَ المُتَعَلِّقُ خاصًّا، وقد قامَتِ القرينةُ الدَّالةُ عليه، كأنْ يقولَ لكَ قائلٌ: زيدٌ مسافرٌ اليومَ وعمرٌو غداً. فتقولُ له: بل عمرٌو اليومَ وزيدٌ غداً. وجَعَلَ ابنُ هِشامٍ في المعنى مِن هذا الأخيرِ قولَه تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}؛ أي: الحرُّ يُقْتَلُ بالحُرِّ والعبدُ يُقْتَلُ بالعبدِ.
([11]) ههنا أمرانِ:
الأوَّلُ: أنَّ المُتَعَلِّقَ يكونُ واجبَ الحذفِ إذا كانَ عامًّا، فأمَّا إذا كانَ خاصًّا ففيه تفصيلٌ؛ فإنْ قامَتْ قرينةٌ تَدُلُّ عليه إذا حُذِفَ جازَ حَذْفُه وجازَ ذِكْرُه، وإنْ لم تَكُنْ هناكَ قرينةٌ تُرْشِدُ إليه وَجَبَ ذِكْرُه، هذا مَذْهَبُ الجمهورِ في هذا الموضوعِ، وسَنَعُودُ إليه في شرحِ الشاهدِ رَقْمِ 43 الآتِي قريباً، وذَهَبَ ابنُ جِنِّيٍّ إلى جَوَازِ ذِكْرِ المُتَعَلِّقِ إذا كانَ كوناً عامًّا.
الأمرُ الثاني: اعْلَمْ أنه قدِ اخْتَلَفَ النحاةُ في الخبرِ: أهو مُتَعَلِّقُ الظرفِ والجارِّ والمجرورِ فقطْ، أم هو نفسُ الظرفِ والجارِّ والمجرورِ فقطْ، أم هو مجموعُ المُتَعَلِّقُ والظرفِ أو الجارِّ والمجرورِ؟ فذَهَبَ جمهورُ البَصريِّينَ إلى أنَّ الخبرَ هو المجموعُ؛ لِتَوَقُّفِ الفائدةِ على كلِّ واحدٍ مِنهما، والصحيحُ الذي نُرَجِّحُه أنَّ الخبرَ هو نفسُ المُتَعَلِّقُ وَحْدَه، وأنَّ الظرفَ أو الجارَّ والمجرورَ قَيْدٌ له، ويُؤَيِّدُ هذا أنهم أَجْمَعُوا على أنَّ المُتَعَلِّقُ إذا كانَ خاصًّا فهو الخبرُ وحدَه، سواءٌ أكانَ مذكوراً أم كانَ قد حُذِفَ لقرينةٍ تَدُلُّ عليه، وهذا الخلافُ إنما هو في المُتَعَلِّقُ العامِّ، فلْيَكُنْ مِثْلَ الخاصِّ؛ طرداً للبابِ على وَتيرةٍ واحدةٍ.
([12]) هذا البيتُ من الشواهدِ التي لم يَذْكُرُوها مَنْسُوبَةً إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ.
اللغةُ: (مَوْلاَكَ) يُطْلَقُ المَوْلَى على معانٍ كثيرةٍ؛ منها السيِّدُ، والعبدُ، والحَلِيفُ، والمُعِينُ، والناصِرُ، وابنُ العَمِّ، والمُحِبُّ، والجارُ، والصِّهْرُ، (يَهُنْ) يُرْوَى بالبناءِ للمجهولِ كما قالَه العَيْنِيُّ وتَبِعَه عليه كثيرٌ مِن أربابِ الحواشِي، ولا مانعَ مِن بِنائِه للمعلومِ، بل هو الواضحُ عندَنا؛ لأنَّ الفعلَ الثلاثيَّ لازِمٌ، فبناؤُه للمفعولِ معَ غيرِ الظرفِ أو الجارِّ والمجرورِ مُمْتَنِعٌ، نَعَمْ يجوزُ أنْ يكونَ الفعلُ مِن أَهَنْتُهُ أُهِينُه، وعلى هذا يَجِيءُ ما ذَكَرَه العَينِيُّ، ولكنَّه ليسَ بمُتَعَيِّنٍ، ولا هو مما يدعُو إليه المعنَى، بل الذي اخْتَرْنَاهُ أقربُ؛ لمقابلتِه بقولِه: (عَزَّ) الثلاثيِّ اللازِمِ، وقولُه: (بُحْبُوحَةِ) هو بضمٍّ فسكونٍ، وبُحْبُوحَةُ كلِّ شيءٍ: وَسَطُه، (الهُونِ) الذُّلِّ والهَوَانِ.
الإعرابُ: (لَكَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ مُقَدَّمٍ، (الْعِزُّ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، (إِنْ) شرطيَّةٌ، (مَوْلاَكَ) مَوْلَى: فاعلٌ لفعلٍ محذوفٍ يَقَعُ فعلَ الشرطِ، يُفَسِّرُه المذكورُ بعدَه، والجملةُ من الفعلِ المحذوفِ وفاعلِه المذكورِ بعدَ أداةِ الشرطِ في محَلِّ جزمِ فعلِ الشرطِ، ومَوْلَى مضافٌ والكافُ ضميرُ خِطابٍ مضافٌ إليه، (عَزَّ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى مولاكَ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها؛ مُفَسِّرَةٌ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه الكلامُ؛ أي: إنْ عَزَّ مَولاكَ فلَكَ العِزُّ، (وإِن) الواوُ عاطفةٌ، وإنْ: شرطيَّةٌ، (يَهُنْ) فعلٌ مضارعٌ فعلُ الشرطِ مجزومٌ، وعلامةُ جزمِه السكونُ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُهُ هو يعودُ إلى مولاكَ، (فَأَنْتَ) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرطِ، أنتَ: ضميرٌ منفصِلٌ مبتدأٌ، (لَدَى) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بكائنُ الآتِي، ولدَى مضافٌ، و(بُحْبُوحَةِ) مضافٌ إليه، وبُحْبُوحَةِ مضافٌ و(الهُونِ) مضافٌ إليه، (كائِنُ) خبرُ المبتدأِ، والجملةُ من المبتدأِ والخبرِ في محَلِّ جزمِ جوابِ الشرطِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (كائِنُ) حيثُ صَرَّحَ به ـ وهو مُتَعَلِّقُ الظرفِ الواقِعِ خبراً ـ شُذُوذاً؛ وذلك لأنَّ الأصلَ عندَ الجمهورِ أنَّ الخبرَ ـ إذا كانَ ظرفاً أو جارًّا أو مجروراً ـ أن يكونَ كلٌّ منهما مُتَعَلِّقاً بكونٍ عامٍّ، وأنْ يكونَ هذا الكونُ العامُّ واجبَ الحذفِ، كما قَرَّرَهُ الشارِحُ العَلاَّمَةُ، فإنْ كانَ مُتَعَلِّقُهما كوناً خاصًّا وَجَبَ ذِكْرُه، إلاَّ أنْ تقومَ قرينةٌ تَدُلُّ عليه إذا حُذِفَ، فإنْ قامَتْ هذه القرينةُ جازَ ذِكْرُه وحَذْفُه، وذَهَبَ ابنُ جِنِّيٍّ إلى أنه يَجُوزُ ذِكْرُ هذا الكونِ العامِّ؛ لِكَوْنِ الذكرِ هو الأصلَ، وعلى هذا يكونُ ذِكْرُه في هذا البيتِ ونحوِه ليسَ شاذًّا. كذلكَ قالُوا.
والذي يَتَّجِهُ للعبدِ الضعيفِ ـ عَفَا اللهُ تعالى عنه ـ وذَكَرَه كثيرٌ مِن أكابرِ العلماءِ: أنَّ (كائناً، واسْتَقَرَّ) قد يُرَادُ بهما مُجَرَّدُ الحُصولِ والوجودِ، فيكونُ كلٌّ مِنهما كَوْناً عامًّا واجِبَ الحذفِ، وقد يُرادُ بهما حصولٌ مخصوصٌ؛ كالثباتِ وعدمِ قَبُولِ التحوُّلِ والانتقالِ، ونحوِ ذلكَ، فيكونُ كلٌّ مِنهما كوناً خاصًّا، وحينَئذٍ يَجُوزُ ذِكْرُه، و(ثابتٌ) و(ثَبَتَ) بهذه المنزلةِ، فقدْ يُرادُ بهما الوجودُ المطلَقُ الذي هو ضدُّ الانتقالِ، فيكونانِ عامَّيْنِ، وقد يُرادُ بهما القَرارُ وعدمُ قَابِلِيَّةِ الحركةِ مثلاً، وحينَئذٍ يكونانِ خاصَّيْنِ، وبهذا يُرَدُّ على ابنِ جِنِّيٍّ ما ذَهَبَ إليه، وبهذا أيضاًً يَتَّجِهُ ذِكْرُ (كائنٍ) في هذا البيتِ وذِكْرُ (مُسْتَقِرٍّ) في نحوِ قولِهِ تعالى: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ}؛ لأنَّ المعنَى: أنه لَمَّا رآه ثابتاً كما لو كانَ مَوْضِعُه بينَ يَدَيْهِ مِن أَوَّلِ الأمرِ.
([13]) (ولاَ) الواوُ للاستئنافِ، ولا: نافيةٌ، (يكونُ) فعلٌ مضارِعٌ ناقِصٌ، (اسمُ) هو اسمُ يكونُ، واسمُ مضافٌ و(زمانٍ) مضافٌ إليهِ، (خَبَراً) خبرُ يكونُ، (عَنْ جُثَّةٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (خَبَراً) أو بمحذوفٍ صفةٍ لخَبَر، (وإن) الواوُ للاستئنافِ، إنْ: شرطيَّةٌ، (يُفِدْ) فعلٌ مضارِعٌ فعلُ الشرطِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى كونِ الخبرِ اسمَ زمانٍ، (فأَخْبِرَا) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرطِ، أَخْبِر: فعلُ أمرٍ مبنيٌّ على الفتحِ؛ لاتصالِه بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ المنقلِبَةِ ألفاً للوَقْفِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، والجملةُ مِن فعلِ الأمرِ وفاعلِهِ في محَلِّ جزمِ جوابِ الشرطِ.
([14]) هُنَا أمرانِ يَحْسُنُ بنا أنْ نُبَيِّنَهُمَا لكَ بَياناً واضحاً:
الأوَّلُ: أنَّ الاسمَ الذي يَقَعُ مُبتدأً، إمَّا أنْ يكونَ اسمَ معنًى؛ كالقتلِ والأكلِ والنومِ، وإما أنْ يكونَ اسمَ جُثَّةٍ، والمرادُ بها الجِسْمُ على أيِّ وضعٍ كانَ؛ كزيدٍ والشمسِ والهلالِ والوردِ، والظرفُ الذي يَصِحُّ أنْ يَقَعَ خبراً، إما أنْ يكونَ اسمَ زمانٍ كيومٍ وزمانٍ وشهرٍ ودهرٍ، وإما أنْ يكونَ اسمَ مكانٍ، نحوُ: عندَ ولَدَى وأمامَ وخَلْفَ.
والغالِبُ أنَّ الإخبارَ باسمِ المكانِ يُفِيدُ سواءً أكانَ المخبَرُ عنه اسمَ جُثَّةٍ أمْ كانَ المخبَرُ عنه اسمَ معنًى.
والغالِبُ أنَّ الإخبارَ باسمِ الزمانِ يُفِيدُ إذا كانَ المخبَرُ عنه اسمَ معنًى، فلَمَّا كانَ الغالِبُ في هذه الأحوالِ الثلاثةِ حُصُولَ الفائدةِ - أجازَ الجمهورُ الإخبارَ بظرفِ المكانِ مُطلقاً، وبظرفِ الزمانِ عن اسمِ المعنى بدونِ شرطٍ؛ إعطاءً للجميعِ حُكْمَ الأغلبِ الأكثرِ، ومن أجلِ أنَّ الإخبارَ بالظرفِ المكانيِّ مُطلقاً وبالزمانِ عن اسمِ المعنى مُفيدٌ غالباً لا دائماً.
ومعنى هذا أنَّ حصولَ الفائدةِ ليسَ بواجبٍ في الإخبارِ حينَئذٍ؛ من أجلِ ذلك اسْتَظْهَرَ جماعةٌ مِن المُحَقِّقِينَ أنه لا يجوزُ الإخبارُ إلا إذا حَصَلَتِ الفائدةُ به فِعلاً، فلو لم تَحْصُلِ الفائدةُ من الإخبارِ باسمِ الزمانِ عن المعنَى، نحوُ: (القتالُ زَمَاناً)، أو لم تَحْصُلْ مِن الإخبارِ باسمِ المكانِ، نحوُ: (زيدٌ مَكاناً)، ونحوُ: (القتالُ مكاناً) - لم يَجُزِ الإخبارُ، وإذنْ فالمدارُ عندَ هذا الفريقِ من العلماءِ على حُصُولِ الفائدةِ في الجميعِ، والغالبُ أنَّ الإخبارَ باسمِ الزمانِ عن الجُثَّةِ لا يُفيدُ، وهذا هو السرُّ في تخصيصِ الجمهورِ هذه الحالةَ بالنصِّ عليها.
الأمرُ الثاني: أنَّ الفائدةَ من الإخبارِ باسمِ الزمانِ عن اسمِ الجُثَّةِ تَحْصُلُ بأحدِ أمورٍ ثلاثةٍ:
أَوَّلُها: أنْ يَتَخَصَّصَ اسمُ الزمانِ بوصفٍ أو بإضافةٍ، ويكونَ معَ ذلكَ مجروراً بفي، نحوُ قولِكَ: (نحنُ في يومٍ قائظٍ، ونحنُ في زمنٍ كلُّه خَيْرٌ وبَرَكَةٌ)، ولا يجوزُ في هذا إلاَّ الجرُّ بفي، فلا يَجُوزُ أنْ تَنْصِبَ الظرفَ، ولو أنَّ نَصْبَه على تقديرِ في.
وثانيها: أنْ يكونَ الكلامُ على تقديرِ مضافٍ هو اسمُ معنًى، نحوُ قولِهِم: الليلةَ الهلالُ، فإنَّ تقديرَه: الليلةُ طُلُوعُ الهلالِ، ونحوُ قولِ امرئِ القيسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ بعدَ مَقْتَلِ أبيه: اليومَ خَمْرٌ وغَداً أمرٌ. فإنَّ التقديرَ عندَ النحاةِ في هذا المَثَلِ: اليومَ شُرْبُ الخمرِ.
وثالثُها: أنْ يكونَ اسمُ الجُثَّةِ ممَّا يُشْبِهُ اسمَ المَعْنَى في حُصُولِه وقتاً بعدَ وقتٍ، نحوُ قَوْلِهِم: الرُّطَبُ شَهْرَي رَبِيعٍ، والوردُ أَيَارُ، ونحوُ قَوْلِنا: القُطْنُ سِبْتَمْبِرَ، ويجوزُ في هذا النوعِ أنْ تَجُرَّه بفي، فتقولَ: الرُّطَبُ في شَهْرَي رَبِيعٍ، والوردُ في أَيَارَ - وهو شَهْرٌ من الشهورِ الروميَّةِ يكونُ زَمَنَ الرَّبِيعِ.


  #3  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

فصلٌ:
والخبرُ: الجزءُ الذي حَصَلَت به الفائدةُ معَ مبتدأٍ غيرِ الوَصْفِ المذكورِ، فخَرَجَ فاعِلُ الفعلِ، فإنَّه ليسَ معَ المُبتدأِ، وفَاعِلُ الوَصْفِ.
وهو إمَّا مُفردٌ، وإمَّا جُملةٌ، والمُفردُ إمَّا جامدٌ فلا يَتَحَمَّلُ ضميرَ المُبتدأِ، نحوُ: (هذا زَيدٌ)، إلاَّ إن أُوِّلَ بالمُشتَقِّ نحوُ: (زَيْدٌ أسدٌ) إذا أُرِيدَ به شُجَاعٌ، وإمَّا مُشتَقٌّ فيَتَحَمَّلُ ضَمِيرَه، نحوُ: (زَيدٌ قَائمٌ)، إلا إن رَفَعَ الظاهِرَ، نحوُ: (زيدٌ قائمٌ أبَوَاهُ)، ويَبْرُزُ الضميرُ المُتَحَمِّلُ إذا جَرَى الوصفُ على غيرِ مَن هو له، سواءٌ أَلْبَسَ، نحوُ: (غُلامُ زَيْدٍ ضَارِبُه هُوَ) إذا كانَت الهاءُ للغُلامِ، أم لم يُلْبِسْ، نحوُ: (غُلامُ هِندٍ ضَارِبَتُه هِيَ)، والكُوفِيُّ إنَّمَا يَلْتَزِمُ الإبرازَ عندَ الإلباسِ ([1])، تَمَسُّكاً بنَحْوِ قَوْلِه:
67 - قَوْمِي ذُرَا المَجْدِ بَانُوهَا...
والجُملةُ إمَّا نفسُ المبتدأِ في المَعْنَى؛ فلا تَحْتَاجُ إلى رَابِطٍ، نحوُ: {هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ([2])، إذا قُدِّرَ {هو} ضَمِيرَ شَأْنٍ، ونحوُ: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ([3])، ومنه (نُطْقِي: اللَّهُ حَسْبِي)؛ لأنَّ المُرادَ بالنُّطْقِ المَنْطُوقُ به.
وإمَّا غيرُه فلا بُدَّ مِن احتِوَائِها على مَعْنَى المُبتدأِ الذي هي مَسُوقةٌ له ([4])، وذلك بأن تَشْتَمِلَ على اسمٍ بمَعناه، وهو إمَّا ضميرُه مَذكُورًا نحوُ: (زَيدٌ قائمٌ أبوه)، أو مُقَدَّراً نَحْوُ: (السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ)؛ أي: منه، وقراءةُ ابنِ عَامرٍ: (وكُلٌّ وَعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى) ([5]) ؛ أي: وَعَدَه، أو إشارةٌ إليه نحوُ: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} ([6])، إذا قُدِّرَ {ذلك} مُبْتَدَأً ثَانِياً، لا تابعاً للِبَاسِ.
قالَ الأخفَشُ: أو غيرُهما ([7])، نحوُ: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِينَ} ([8])، أو على اسمٍ بلَفْظِه ومَعْنَاه، نحوُ: {الحَاقَّةُ مَا الحَاقَّةُ} ([9])، أو على اسمٍ أعَمَّ منه، نحوُ: (زَيدٌ نِعْمَ الرجلِ)، وقولُه:
68 - فَأَمَّا الصَّبْرُ عَنْهَا فَلاَ صَبْرَا
فصلٌ: ويَقَعُ الخبرُ ظَرْفاً ([10])، نحوُ: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} ([11])، ومجروراً نحوُ: {الحَمْدُ لِلَّهِ} ([12])، والصحيحُ أنَّ الخبرَ في الحقيقةِ مُتَعَلَّقُهما المَحذُوفُ ([13])، وأنَّ تقدِيرَه كَائِنٌ أو مُسْتَقِرٌّ، لا كانَ أو استَقَرَّ، وأنَّ الضميرَ الذي كانَ فيه انتَقَلَ إلى الظرفِ والمجرورِ، كقولِه:
69 - فَإِنَّ فُؤَادِي عِنْدَكِ الدَّهْرَ أَجْمَعُ
ويُخْبَرُ بالزمانِ عَن أسماءِ المعانِي ([14])، نحوُ: (الصومُ اليومَ) و(السفرُ غداً) لا عن أسماءِ الذواتِ، نحوُ: (زيدٌ اليومَ) فإن حصَلَتَ فائدةٌ جَازَ: كأنْ يَكُونَ المبتدأُ عامًّا والزمانُ خاصًّا، نحوُ: (نحنُ في شهرِ كذا)، وأمَّا نحوُ: (الوردُ في أَيَّارَ)، و(اليومَ خمرٌ) و(الليلةَ الهلالُ) فالأصلُ: خُروجُ الوردِ، وشُربُ خَمْرٍ، ورُؤيةُ الهلالِ.

([1]) كلامُ المؤلِّفِ هنا تَبَعاً لابنِ مَالِكٍ في الوصفِ الذي يَقَعُ خَبراً، وقد تَسْأَلُ عَن الفعلِ الماضِي أو المُضارِعِ إذا وَقَعَ أحدُهما خَبراً، فهل يَجْرِي فيه هذا الكلامُ، فيُقَالُ: إذا جَرَى على مَن هو له تَحَمَّلَ ضَمِيراً مُسْتَتِراً، وإذا جَرَى على غيرِ مَن هو له وَجَبَ إبرازُ الضميرِ أم لا يُقَالُ شيءٌ مِن ذلك؟
والجوابُ عَن ذلك أنْ نَقُولَ لك: إِنَّ ابنَ مَالكٍ زَعَمَ أنَّ هذا الكلامَ خَاصٌّ بالوصفِ ولا يُجْرَى نَظِيرُه في الفِعْلِ مَاضِياً أو مُضارِعاً؛ لأنَّ الوصفَ هو الذي يُتَوَقَّعُ فيه الإلباسُ وأمَّا الفعلُ فلا يُتَوَقَّعُ معَه الإلباسُ، وبيانُ ذلك أنَّكَ إذا قُلْتَ: (زَيدٌ عَمْرٌو مُكْرِمُه) كانَ في (مُكْرِمُه) ضميرَانِ أحدُهما مرفوعٌ مستترٌ والآخَرُ منصوبٌ بارزٌ وهو الهاءُ، ويَحْتَمِلُ أن يَكُونَ العائدُ إلى زَيْدٍ هو الضميرَ المرفوعَ فيَكُونُ زَيدٌ مُكْرِماً لعَمْرٍو، ويَحْتَمِلُ أن يَكُونَ العائدُ إلى زيدٍ هو المنصوبَ البارِزَ فيكُونُ عَمْرٌو هو الذي أَكْرَمَ زَيْداً، أمَّا الفعلُ الماضِي فإنِ اسْتَعْمَلْتَه خَبَراً فإنَّ ضمَائِرَ الرفعِ التي تَلْحَقُه تُمَيِّزُ لك الأمرَ تَمْيِيزاً لا يَدَعُ مَجَالاً للترَدُّدِ في المَعْنَى؛ فأنتَ تَقُولُ: زَيدٌ أَكْرَمْتُه، وزَيْدٌ أَكْرَمَاه، وزَيْدٌ هِنْدٌ أَكْرَمَتْهُ، وفي المُضارعِ حُروفُ المضارَعَةِ في أوَّلِه تَكْشِفُ أمرَه، نحوُ: زيدٌ أُكْرِمُه، وزَيدٌ يُكْرِمُه عَمْرٌو، وزَيدٌ نُكْرِمُه، وزَيدٌ تُكْرِمُه هِندٌ.
ونحنُ نَرَى أنَّ في هذا الكلامِ قُصُوراً؛ وذلك لأنَّ للفعلِ - ماضياً أو مُضارِعاً - صُوَراً لا يَحْدُثُ فيها إلباسٌ كالأمثلةِ التي ذَكَرَها ابنُ مالكٍ، وله صُورٌ يَقَعُ فيها إلباسٌ كما لو قُلْتَ: (زَيدٌ عَمْرٌو أَكْرَمَه). أو قُلْتَ: (زَيْدٌ عَمْرٌو يُكْرِمُه). فإنَّ في الفعلِ الماضِي في المثالِ الأوَّلِ وفي الفعلِ المضارعِ في المثالِ الثانِي ضميرَيْنِ؛ أحدَهُما مرفوعٌ مستترٌ، والثانِيَ منصوبٌ بارزٌ، وكُلٌّ مِن الضميرَيْنِ يَحْتَمِلُ أن يَعُودَ إلى الاسمِ الأوَّلِ فيَعُودُ الثانِي إلى الاسمِ الثانِي، فيَقَعُ اللَّبْسُ، فالصوَابُ إذن أن نَقُولَ: إِنَّ الوصفَ والفِعْلَ يَسْتَوِيَانِ في تَوَقُّعِ الإلباسِ عندَ عدمِ القرينةِ، وإلى عدمِ الإلباسِ عند وُجودِ القرينةِ، ومِن القرائِنِ أحياناً حُروفُ المضارَعَةِ وضمائرُ الرفعِ البارزةُ، كمَا أنَّ مِن القرائِنِ معَ الوصفِ تاءُ التأنيثِ في نحوِ: (زَيدٌ هِندٌ ضَارِبَتُه)، وهاءُ الغائبِ في نحوِ: (زيدٌ هِنْدٌ ضَارِبُها)، وألفُ الاثنَيْنِ في نحوِ: (زيدٌ العَمْرَانِ ضَارِبَاهُ)، وواوُ الجماعةِ في نحوِ: (زَيدٌ البَكْرُونَ ضاربوه)، فافْهَمْ ذلك، ولا تَكُنْ أَسِيرَ التقليدِ.
67 - هذه قطعةٌ مِن بيتٍ مِن البسيطِ وهو بتَمَامِه هكذا:
قَوْمِي ذُرَا المَجْدِ بَانُوهَا وَقَدْ عَلِمَتْ = بِكُنْهِ ذَلِكَ عَدْنَانٌ وَقَحْطَانُ
اللغةُ: (ذُرَا) بضَمِّ الذالِ - جمعُ ذِرْوَةٍ، وهي مِن كُلِّ شَيءٍ أَعْلاهُ، (المَجْدِ) الكَرَمِ، (بَانُوهَا) جَعَلَهُ العَيْنِيُّ فِعْلاً ماضِياً بمَعْنَى زَادُوا عليها وتَمَيَّزُوا عنها، ويَحْتَمِلُ أن يَكُونَ جَمْعَ (بَانٍ) جَمْعاً سَالِماً - مثلُ قاضٍ وقاضُونَ وغازٍ وغازُونَ - وحُذِفَت النونُ للإضافَةِ كما حُذِفَت في قولِك: (قَاضُو المَدِينَةِ ومُفْتُوها). (كُنْهِ) كُنْهُ كُلِّ شيءٍ: غَايَتُه ونهايَتُه.
الإعرابُ: (قَوْمِي) قَوْمِ مبتدأٌ أَوَّلٌ، وقومِ مضافٌ وياءُ المتكَلِّمِ مُضافٌ إليه، (ذُرَا) مبتدأٌ ثانٍ، وذُرَا مضافٌ و(المجدِ) مضافٌ إليه، (بَانُوها) بَانُو خبرُ المبتدأِ الثانِي، والضميرُ مضافٌ إليه، وجملةُ المبتدأِ الثانِي وخبرِه خبرُ المبتدأِ الأوَّلِ، (قَدْ) حَرْفُ تحقيقٍ، (عَلِمَتْ) عَلِمَ فِعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، (بكُنْهِ) جارٌّ ومجرورٌ متعَلِّقٌ بعَلِمَت، وكُنْهِ مضافٌ، واسمُ الإشارةِ في (ذلك) مُضافٌ إليه، واللامُ للبُعْدِ، والكافُ حرفُ خطابٍ، (عَدْنَانٌ) فَاعِلُ عَلِمَت، (وقَحْطَانُ) معطوفٌ عليه.
الشاهدُ فيه: قولُهُ: (قَوْمِي ذُرَا المَجْدِ بَانُوهَا) حيثُ جَاءَ بخَبَرِ المبتدأِ مُشْتَقًّا ولم يُبْرِزِ الضميرَ، معَ أنَّ المُشْتَقَّ غيرُ جارٍ على مُبْتَدَئِه في المَعْنَى، ولو أَبْرَزَ الضميرَ لقالَ: (قَوْمِي ذُرَا المَجْدِ بَانُوهَا هُمْ). وإنَّما لم يُبْرِزِ الضميرَ ارتِكَاناً على انسِيَاقِ المَعْنَى المقصودِ إلى ذِهْنِ السامعِ مِن غيرِ تَرَدُّدٍ، فلا لَبْسَ في الكلامِ بحيثُ يُفْهَمُ منه مَعْنًى غيرُ الذي يَقْصِدُ إليه المُتَكَلِّمُ، فإنَّه لا يُمْكِنُ أن يَتَسَرَّبَ إلى ذِهْنِكَ أنَّ (ذُرَا المَجْدِ) بَانِيَةٌ، ولكنَّكَ ستَفْهَمُ لأوَّلِ وَهْلَةٍ أنَّ (بَانُوها) وَصْفٌ للمُبتدأِ الأوَّلِ الذي هو (قَوْمِي)، وهذا الذي يَدُلُّ عليه هذا البيتُ - مِن عدمِ إبرازِ الضميرِ إذا أُمِنَ الالتِبَاسُ، وقَصْرِ وُجوبِ إبرازِه على حالةِ الالتباسِ - هو مَذْهَبُ الكوفِيِّينَ في الخبرِ والحالِ والنعتِ والصلةِ، قالُوا في جميعِ هذه الأبوابِ: إِذَا كانَ وَاحدٌ مِن هذه الأشياءِ جَارِياً على غيرِ مَن هو له يُنْظَرُ؛ فإن كانَ يُؤْمَنُ اللَّبْسُ ويُمْكِنُ تَعْيِينُ صاحِبِه مِن غيرِ إبرازِ الضميرِ فلا يَجِبُ إبرازُه، وإن كانَ لا يُؤْمَنُ اللَّبْسُ واحتُمِلَ عَوْدُه على مَن هو له وعلى غيرِ مَن هو له وَجَبَ إبرازُه، والبيتُ حُجَّةٌ لهم في ذلك، والبَصْرِيُّونَ يُوجِبُونَ إبرازَ الضميرِ بكُلِّ حالٍ، ويَرَوْنَ مثلَ هذا البيتِ غيرَ مُوَافقٍ للقِيَاسِ الذي عليه أَكْثَرُ كلامِ العربِ؛ فهو شاذٌّ. ومنهم مَن خَرَّجَ هذا البيتَ على أنَّ (ذُرَا المَجْدِ) ليسَ مُبتدأً كما أَعْرَبَه الكُوفِيُّونَ، بل هو مفعولٌ به لوصفٍ محذوفٍ يَدُلُّ عليه الوصفُ المذكورُ، و(بَانُوها) المذكورُ بعدَه بدلٌ مِن الوصفِ المحذوفِ، وتقديرُ الكلامِ: قَوْمِي بَانُونَ ذُرَا المَجْدِ بَانُوهَا؛ فالخبرُ محذوفٌ وهو جارٍ على مَن هو له، وفي هذا التخريجِ مِن التكَلُّفِ ما لا يَخْفَى.
([2]) سورة الإخلاص، الآية: 1.
([3]) سورة الأنبياء، الآية: 97.
([4]) يُشتَرَطُ في الجملةِ التي تَقَعُ خبراً عَن المبتدأِ ثلاثةُ شروطٍ:
الأوَّلُ: أن تكُونَ مُشتَمِلَةً على رابطٍ يَرْبِطُها بالمبتدأِ، وقد ذَكَرَ المؤلِّفُ هذا الشرطَ، وفَصَّلَ القولَ فيه.
والشرطُ الثانِي: ألاَّ تكُونَ الجُملةُ نِدَائِيَّةً؛ فلا يَجُوزُ أن تَقُولَ: مُحَمَّدً يَا أَعْدَلَ النَّاسِ. على أن تكُونَ جُمْلَةُ (يا أَعْدَلَ الناسِ) خبراً عَن مُحَمَّدٍ.
الشرطُ الثالثُ: ألاَّ تكُونَ مُصَدَّرَةً بأحدِ الحروفِ: لَكِنْ، وبَلْ، وحَتَّى.
وقد أَجْمَعَ النحاةُ على ضرورةِ استكمالِ جُمْلةِ الخبرِ لهذه الشروطِ الثلاثةِ، وزَادَ ثَعْلَبٌ شَرطاً رابعاً، وهو ألاَّ تَكُونَ جُمْلَةُ الخبرِ قَسَمِيَّةً، وزَادَ ابنُ الأنبَارِيِّ ألاَّ تكُونَ إِنشائِيَّةً، والصحيحُ عند الجمهورِ صِحَّةُ وُقوعِ القَسَمِيَّةِ خَبراً عَن المبتدأِ، كأن تَقُولَ: زَيدٌ -واللَّهِ- إِنْ قَصَدْتَهُ لَيُعْطِيَنَّكَ، كمَا أنَّ الصحيحَ عندَ الجمهورِ جَوازُ وُقوعِ الإنشائِيَّةِ خَبراً للمُبتدأِ كأنْ تَقُولَ: زَيْدٌ اضْرِبْهُ.
وذَهَبَ ابنُ السَّرَّاجِ إلَى أنَّه إنْ وَقَعَ خَبَرُ المبتدأِ جُملةً طَلَبِيَّةً فهو على تَقْدِيرِ قولٍ، فالتقديرُ عندَه في المِثالِ الذي ذَكَرْنَاهُ: زَيدٌ مَقُولٌ فيه: اضْرِبْهُ. تشبيهاً للخبرِ بالنعتِ، وهو غيرُ لازمٍ عندَ الجُمهورِ في الخبرِ وإن لَزِمَ في النعتِ، وفَرَّقُوا بينَ الخبرِ والنعتِ بأنَّ النعتَ يُقْصَدُ منه التمييزُ فيَجِبُ أن يَكُونَ مَعْلُوماً قبلَ الكلامِ، والخبرَ يُقْصَدُ منه الحُكْمُ فلا يَلْزَمُ أن يَكُونَ مَعْلُوماً قبلَ الكلامِ.
([5]) سورة الحديد، الآية: 10.
([6]) سورة الأعراف، الآية: 26، وقد أَشَارَ المؤلِّفُ إلى أنَّ الاستدلالَ بهذه الآيَةِ الكريمَةِ إنَّمَا يَتِمُّ إذا جَعَلْتَ اسمَ الإشارةِ مُبتدأً ثَانِياً فيَكُونُ (ذَلِكَ خَيْرٌ) جملةً مِن مبتدأٍ وخبرٍ، وهذه الجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرٌ، أمَّا إذا جَعَلْتَ (ذلك) نَعْتاً للِبَاسِ التَّقْوَى أو بَدَلاً منه كانَ الخَبَرُ مُفْرَداً.
([7]) يُرِيدُ: (أو غَيْرُ الضميرِ والإشارةِ العائدَيْنِ إلى المبتدأِ). وغيرُهما هو إعادةُ المبتدأِ بلفظٍ غيرِ لَفْظِه الأوَّلِ، وستَعْرِفُ ذلك في الكلامِ عَن الآيةِ الكريمةِ التاليَةِ لهذا الكلامِ.
([8]) سورة الأعراف، الآية: 170، وقد جَعَلَ الأَخْفَشُ (الَّذِينَ) مُبتدأً، وجُملةَ (يُمَسِّكُونَ بِالكِتَابِ) صِلَةً، وجُمْلَةَ (أَقَامُوا الصَّلاةَ) معطوفةً على جملةِ الصلةِ، وجملةَ (إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِينَ) خبرَ المبتدأِ، والرابِطُ بينَ هذه الجملةِ وبينَ المبتدأِ هو إعادةُ المبتدأِ فيها بلَفْظٍ غيرِ لفظِه الأوَّلِ - وهو إعادَتُه بمَعْنَاه -؛ وذلك لأنَّ (المُصْلِحِينَ) هم بأَعْيُنِهِم (الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ) في المَعْنَى، ورُدَّ ذلك بمَنْعِ أن يَكُونَ (الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ) في موضعِ رَفْعٍ على أنَّه مُبتدأٌ، بل هو في موضعِ جَرٍّ عَطْفٌ على (الَّذِينَ يَتَّقُونَ) في قولِه سُبْحَانَه: {وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}، وعلى تسليمِ أنْ يَكُونَ {الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالكِتَابِ} في مَوضعِ رَفعٍ مُبْتَدَأً فلا نُسَلِّمُ أنَّ خبرَه جملَةُ {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِينَ} بل الخبرُ محذوفٌ، وهذا الكلامُ مَسُوقٌ للتعليلِ، والتقديرُ: والذينَ يُمَسِّكُونَ بالكِتَابِ وأَقَامُوا الصلاةَ مَأْجُورُونَ لأنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِينَ. ولئنْ سَلَّمْنَا الابتداءَ وأنَّ الخبرَ هو هذه الجملةُ فلا نُسَلِّمُ أنَّ الرابطَ هو ما ذَكَرَ الأَخْفَشُ مِن إعادةِ المبتدأِ بمَعْنَاهُ، بل الرَّابِطُ أحدُ شَيئَيْنِ:
الأوَّلُ: ضميرٌ مَحذوفٌ، والتقديرُ: إِنْاَ لا نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِينَ مِنْهُمْ. وحذفُ الرابطِ المجرورِ بمِن لا نِزَاعَ في جَوَازِهِ.
والثانِي: العمومُ؛ وذلك لأنَّ المُصْلِحِينَ أَعَمُّ مِن الذينَ يُمَسِّكُونَ بالكتابِ، كما سيَذْكُرُه المؤلِّفُ بعدَ هذا في (زَيدٌ نِعْمَ الرجلِ)، وفي بيتِ الرَّمَّاحِ بنِ أَبْرَدَ، فاحْفَظْ هذا الكلامَ واحْرِصْ عليه، واللَّهُ يُوَفِّقُكَ.
([9]) سورة الحاقة، الآية: 1.
68 - هذه قطعةٌ مِن بيتٍ مِن الطويلِ، وهو بكمالِه:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ إِلَى أُمِّ جَحْدَرٍ = سَبِيلٌ؟ فَأَمَّا الصَّبْرُ عَنْهَا فَلاَ صَبْرَا

وهذا البيتُ مِن كلامِ ابنِ مَيَّادَةَ، واسمُه الرَّمَّاحُ بنُ أَبْرَدَ، ومَيَّادَةُ أُمُّهُ، وهو مِن شواهدِ شيخِ النحاةِ سِيبَوَيْهِ. (1/193)، وانظُرِ البيتَ رَابِعَ أربعةِ أَبْيَاتٍ مَنْسُوبةٍ لابنِ مَيَّادَةَ وَارِدَةٍ فِي (زَهْرِ الآدَابِ). (717) بتحقِيقِنَا.
اللغةُ: (لَيْتَ شِعْرِي) مَعْنَى هذه العبارةِ لَيْتَنِي أَعْلَمُ، والشعرُ هو العلمُ، وجمهرةُ العُلماءِ على أنَّ خبرَ ليتَ في هذا التعبيرِ محذوفٌ وجوباً للتعويضِ بالاستفهامِ عنه، ولهذا لا ترَاهُ إلا حيثُ تَرَى الاستفهامَ بعدَه. وتقديرُ الكلامِ عندَهم: ليتَ عِلْمِي حَاصلٌ، وذَهَبَ ابنُ الحَاجِبِ إلى أنَّ الاستفهامَ الذي يَلِيهِ هو الخبرُ، وليسَ بسَدِيدٍ. (أُمِّ جَحْدَرٍ) كُنْيَةُ امرأةٍ، (سَبِيلٌ) طريقٌ.
المَعْنَى: يَسْأَلُ عمَّا إذا كانَ مِن المُمكِنِ أنْ يَصِلَ إلى معرفةِ سبيلٍ يَصِلُ مِنها إلى رُؤْيَةِ أُمِّ جَحْدَرٍ؛ لأنَّ الشوقَ إليها قد غَلَبَه على نَفْسِه، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّهُ لا صَبْرَ له على بِعَادِها، ولا قُدْرَةَ له على احتِمَالِ نَأْيِها.
الإعرابُ: (ألاَ) حرفُ استفتاحٍ، (لَيْتَ) حرفُ تَمَنٍّ ونَصْبٍ، (شِعْرِي) شِعْرِ اسمُ لَيْتَ منصوبٌ بفتحةٍ مُقَدَّرَةٍ على ما قبلَ ياءِ المتكَلِّمِ، وشِعْرِ مضافٌ وياءٌ المتكَلِّمِ مضافٌ إليه مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ جَرٍّ، وخبرُ ليتَ محذوفٌ، والتقديرُ: لَيْتَ شِعْرِي حَاصِلٌ، (هَلْ) حرفُ استفهامٍ، (إِلَى) حرفُ جَرٍّ، (أَمْ) مجرورٌ بإِلَى، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مُقَدَّمٌ، وأُمِّ مُضافٌ، و(جَحْدَرٍ) مُضافٌ إليه، (سَبِيلٌ) مُبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، (فأَمَّا) حرفُ شرطٍ وتَفصيلٍ، (الصَّبْرُ) مُبتدأٌ (عَنْهَا) الجارُّ والمجرورُ مُتعَلِّقٌ بالصبرِ، (فَلا) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ أَمَّا، ولا نَافِيَةٌ للجِنْسِ. (صَبْرَا) اسمُ لا مبنيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ نصبٍ، وخبرُ لا محذوفٌ، والتقديرُ: فلا صَبْرَ لِي، والجُملَةُ مِن (لا) واسمِها وخبرِها في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ المبتدأِ الواقعِ بعدَ أَمَّا.
الشاهدُ فيه: قولهُ: (أمَّا الصبرُ فلاَ صَبْرَ) وبهذه العبارةِ يَسْتَشِهْدُ النحاةُ على شيئَيْنِ:
أوَّلَهُما: أنَّ المبتدأَ الواقعَ بعدَ أمَّا يَجِبُ أن تَقَعَ الفاءُ الزائدةُ في خبرِه، فإنْ جاءَ الخبرُ غيرَ مُقترنٍ بالفاءِ كما في قولِ الشاعرِ:
فَأَمَّا الصُّدُورُ لاَ صُدُورَ لِجَعْفَرٍ = وَلَكِنَّ أَعْجَازاً شَدِيداً صَرِيرُهَا
كان ذلك شُذُوذاً لا يُقَاسُ عليه.
وثانِيهما: أنَّ الرابِطَ بينَ جُملةِ الخبرِ والمُبتدأِ قد يَكُونُ عُمُومَ الخبرِ بحيثُ يَصْدُقُ على المبتدأِ وغيرِه، وبيانُ ذلك ههنا أنَّ جُملةَ (لاَ صَبْرَ لِي) في محلِّ رفعٍ خَبرٌ عَن (الصبرِ)، والرابطُ بينهما هو العمومُ في اسمِ لا؛ لأنَّ النكرةَ الواقعةَ بعدَ النفيِ تُفِيدُ العُمومَ، فقد نَفَى بجُمْلَةِ (لا) الصبرَ بجميعِ أنواعِه، والصبرُ عنها الواقعُ مبتدأً بعضُ أنواعِ الصبرِ.
قالَ ابنُ جِنِّيٍّ: (الصبرُ عنها بعضُ الصبرِ لا جميعُه، وقولُه: لا صَبْرَ، نَفْيٌ للجنسِ أَجْمَعَ، فدَخَلَ الصبرُ عنها - وهو البعضُ - في جملةِ ما نُفِيَ مِن الجنسِ) اهـ.
([10]) مُتعلَّقُ الظرفِ والجارِّ والمجرورِ إمَّا أن يَكُونَ عَامًّا وإمَّا أن يَكُونَ خَاصًّا، فإنْ كانَ المُتَعَلَّقُ خَاصًّا فإمَّا أن تَدُلَّ عليه قرينةٌ وإمَّا ألاَّ تَدُلَّ عليه قرينةٌ، فإن كانَ المُتَعَلَّقُ عَامًّا سُمِّيَ الظرفُ مُسْتَقِرًّا، ووَجَبَ حَذْفُ هذا المُتَعَلَّقِ، وسُمِّيَ كُلٌّ مِن الظرفِ والجارِّ والمجرورِ خَبراً، وإنْ كانَ المُتَعَلَّقُ خَاصًّا سُمِّيَ الظرفُ لَغْواً، وكانَ المُتَعَلَّقُ هو الخبرَ، ثُمَّ إن لم تَدُلَّ قرينةٌ على هذا المُتَعَلَّقِ الخَاصِّ لم يَجُزْ حَذْفُه نحوُ قولِك: (زَيدٌ مُسافرٌ اليومَ، وعَلِيٌّ حَاضِرٌ غَداً) وإن دَلَّت عليه قرينةٌ نحوُ أن يَقُولَ لك قائلٌ: متَى يُسَافِرُ أخَوَاكَ؟ فتقُولُ: مُحَمَّدٌ اليَوْمَ، وعَلِيٌّ غَداً، فإنَّ سامِعَ هذَيْنِ الكلامَيْنِ يَفْهَمُ أنَّ المُرادَ مُحَمَّدٌ مُسافرٌ اليومَ وعَلِيٌّ مُسَافِرٌ غَداً، وحينئذٍ يجوزُ حذفُ المُتَعَلَّقِ، ومِن تقريرِ المسألةِ على هذا الوجهِ تَفْهَمُ أنَّ الظرفَ والجارَّ والمجرورَ لا يُقَالُ: إنَّهُمَا خبرٌ، إلا أن يَكُونَ مُتَعَلَّقُهما عَامًّا، وأنَّ هذا المُتَعَلَّقَ العامَّ واجبُ الحذفِ.
([11]) سورة الأنفال، الآية: 42.
([12]) سورة الفاتحة، مِن آياتٍ كثيرةٍ منها الآيةُ: 1.
([13]) في هذه المسألةِ أقوالٌ:
الأوَّلُ: أنَّ الخبرَ هو نفسُ الظرفِ والجارِّ والمجرورِ وَحْدَهما؛ لأنَّهما يَتَضَمَّنَانِ مَعْنًى صادِقاً على المبتدأِ.
والقولُ الثانِي: أنَّ الخبرَ هو مجموعُ الظرفِ أو الجارِّ والمجرورِ معَ مُتَعَلَّقِهِما، والمُتَعَلَّقُ جُزءٌ مِن الخبرِ، واختَارَ هذا الرَّأْيَ المُحَقِّقُ الرَّضِيُّ.
والقولُ الثالثُ ما ارْتَضَاهُ المُؤَلِّفُ هنا، وذَكَرَ أنَّهُ الصحيحُ، وحاصِلُه:
أنَّ الخبرَ هو المُتَعَلَّقُ المَحْذُوفُ.
69 - هذا عَجُزُ بيتٍ مِن الطويلِ، وصدرُه قولُه:
فَإِنْ يَكُ جُثْمَانِي بِأَرْضِ سِوَاكُمُ
وقَد نَسَبَ أَبُو حَيَّانَ هذا البيتَ إلى كُثَيِّرِ عَزَّةَ، والصوابُ أنَّ هذا البيتَ مِن قصيدةٍ طويلةٍ لجَمِيلِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مُعَمَّرٍ العُذْرِيِّ المَعروفِ بجَمِيلِ بُثَيْنَةَ، وهذه القصيدةُ ثابتةٌ في (ديوانِ جَمِيلٍ)، وفيها البيتُ المُسْتَشْهَدُ به كما هنا، ومَطْلَعُها:
أَهَاجَكَ أَمْ لاَ بِالمَدَاخِلِ مَرْبَعُ = وَدَارٌ بِأَجْرَاعِ الغَدِيرَيْنِ بَلْقَعُ
اللغةُ: (جُثْمَانِي) قالَ ابنُ مَنْظُورٍ: (الجُثْمَانُ بمنزلةِ الجُسْمَانِ جامعٌ لكُلِّ شيءٍ، تُرِيدُ به جِسْمَه وأَلْوَاحَه، ويُقَالُ: ما أَحْسَنَ جُثْمَانَ الرجلِ وجُسْمَانَه، تُرِيدُ ما أَحْسَنَ جَسَدَه) اهـ. (بأَرْضِ سِوَاكُمُ) يُرْوَى بالإضافةِ وبتنوينِ أرضٍ، ووَقَعَ في بعضِ الرواياتِ (بأَرْضٍ بَعِيدَةٍ).
المَعْنَى: يقُولُ لمَحْبُوبَتِه: إنْ كَانَت أَجْسَامُنَا مُتَبَاعِدَةً وكُنْتُ مُقِيماً فِي أرضٍ غَيْرِ أَرْضِكُم فإنَّ قَلْبِي مُقِيمٌ عندَك لا يُفَارِقُ أَرْضَكِ ما بَقِيَ الدهرُ، ولا يُغَادِرُكُ، يَعْنِي أنَّه مُقِيمٌ على حُبِّها.
الإعرابُ: (إنَّ) حرفُ شرطٍ جازمٌ، (يَكُ) فعلٌ مضارعٌ فعلُ الشرطِ، مجزومٌ بسكونِ النونِ المحذوفةِ للتخفيفِ، (جُثْمَانِي) اسمُ يَكُ مَرفوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرةٍ على ما قبلَ ياءِ المتكَلِّمِ، وهو مضافٌ وياءُ المتكَلِّمِ مضافٌ إليه، (بِأَرْضِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ يَكُ، وأرضِ مُضافٌ وسِوَى مِن (سِوَاكُمُ) مُضافٌ إليه، وسِوَى مضافٌ وضميرُ المُخَاطَبِينَ مُضافٌ إليه، (فَإِنَّ) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرطِ، إنَّ حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، (فُؤَادِي) اسمُ إِنَّ، وياءُ المتكَلِّمِ مُضافٌ إليه، (عِنْدَكِ) عندَ ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرُ إِنَّ، وهو مضافٌ وضميرُ المُخَاطَبَةِ مُضافٌ إليه، وجملةُ إِنَّ واسمِها وخبرِها في مَحَلِّ جزمٍ جوابُ إِنَّ الشرطيَّةِ، (الدَّهْرَ) ظرفُ زمانٍ مُتعلِّقٌ بذلك الخبرِ المحذوفِ، (أَجْمَعُ) توكيدٌ للضميرِ المُسْتَكِنِّ في الظرفِ.
الشاهدُ فيه: قولُهُ: (أَجْمَعُ)؛ فإنَّه مرفوعٌ، بدليلِ أنَّ أَبْيَاتِ القصيدةِ كُلِّهَا مرفوعةٌ كما رَأَيْتَ في المَطْلَعِ الذي رَوَيْنَاهُ لك، وهو مِن ألفاظِ التوكيدِ، ولا يَصْلُحُ لأنْ يكُونَ تَوْكِيداً لفُؤَادِي ولا لعِنْدَ ولا للدَّهْرِ؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ منها منصوبٌ، والمرفوعُ لا يكُونُ تَوْكِيداً للمنصوبِ، ولا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَوْكِيداً لمحذوفٍ؛ لأنَّ التوكيدَ يُنَافِي الحذفَ، فلم يَبْقَ إلا أن يَكُونَ تَوْكِيداً لضميرٍ مُسْتَكِنٍّ في الظرفِ الواقعِ مُتَعَلَّقُه خَبَراً؛ لأنَّ هذا الضميرَ مرفوعٌ على الفاعِلِيَّةِ، فدَلَّ ذلك على أنَّ الضميرَ الذي كانَ مُسْتَكِنًّا في المُتَعَلَّقِ الواقعِ خَبَراً قد انتَقَلَ مِن هذا المُتَعَلَّقِ إلى الظرفِ فاستَكَنَّ فيه، وهذا هو الذي جِيءَ بالبيتِ للاستِدلالِ عليه.
([14]) اسمُ الذاتِ هو ما يَدُلُّ على عَيْنٍ لا تَتَجَدَّدُ كذَوَاتِ الآدَمِيِّينَ، وهذه معلومةُ الوجودِ في سائِرِ الأزمنةِ، وليسَ مِن شأنِها أن يُجْهَلَ وُجُودُها في شيءٍ مِن الأزمنَةِ الخاصَّةِ، كما أنَّه ليسَ مِن شأنِها أن يَسْأَلَ أحدٌ عن وُجودِها في زمنٍ خَاصٍّ، ولا أن يَقْصِدَ أحدٌ إلى إفادةِ غيرِه أو الاستفادةِ مِن غيرِه ذلك مِن شأنِها، وأنتَ تَعْلَمُ أنَّ الكلامَ إنَّما يُقْصَدُ به إفادةُ المتكَلِّمِ للسامِعِ ما لم يَكُنْ لِيَعْلَمَه لَوْلاَ هذا الكلامُ، فكُلُّ ما لا يُفِيدُ السامعَ ما لم يَكُنْ يَعْلَمُه لا يُسَمَّى كَلاماً، ومِن هنا قالُوا: إنَّ قولَ القائلِ: (السماءُ فَوْقَنا، والأرضُ تَحْتَنا) لا يُسَمَّى كلاماً؛ لأنَّه لم يُفِدِ السامعَ شيئاً كانَ يَجْهَلُه، وشأنُ اسمِ الذاتِ معَ الأزمنةِ كشأنِ هاتَيْنِ العبارتَيْنِ غالباً، وتَأَمَّلْ في قولِك: (زَيدٌ اليومَ) هل تَجِدُه أَفَادَ جَدِيداً؟ فلَمَّا كانَ أَمْرُ الزمانِ معَ اسمِ الذاتِ على هذا الوجهِ غالباً لم يَصِحَّ الإخبارُ بالزمانِ عَن الذاتِ إلا إن أَفَادَ فائدةً على الوجهِ المشروطِ في اعتبارِ الكلامِ كلاماً، وقد جَعَلُوا للإفادةِ ضَابِطَةً ذَكَرَها المُؤَلِّفُ، أمَّا اسمُ المَعْنَى؛ فلأنَّه عبارةٌ عَن حركاتٍ وأفعالٍ، وهذه أشياءُ تَعْلَمُ بالبَدَاهَةِ أنَّها غيرُ مُستمِرَّةِ الوجودِ، بل قد تَحْدُثُ وقد لا تَحْدُثُ، وإنَّما تَحْدُثُ في زمانٍ دونَ زمانٍ، ومِن أجلِ هذا كانَ الإخبارُ عن وُجودِها في زمانٍ ما مُفِيداً، وتَأَمَّلْ في قولِك: (السفَرُ غَداً) وفي قولِك: (ظُهورُ الحَقِّ الآنَ) ثُمَّ تَذَكَّرْ قولَك: (مُحَمَّدٌ الآنَ) أو (عَلِيٌّ غداً) فإنَّك تَجِدُ الفرقَ واضحاً، وتَعْلَمُ السرَّ في أنَّهم شَرَطُوا في الإخبارِ بالزمانِ عن الذاتِ حُصولَ فائدةٍ، وأجَازُوا أن يُخْبَرَ بالزمانِ عَن اسمِ المَعْنَى مِن غيرِ قَيْدٍ؛ لأنَّهم عَلِمُوا أنَّ الفائدَةَ حاصلةٌ دَائِماً.


  #4  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

[تَعْرِيفُ الخَبَرِ وَأَنْوَاعُهُ]:

118 - وَالخَبَرُ: الجُزْءُ المُتِمُّ الفَائِدَهْ = كَاللَّهُ بَرٌّ وَالأَيَادِي شَاهِدَهْ
(والخَبَرُ الجُزْءُ المُتِمُّ الفَائِدَهْ) معَ مُبْتَدَأٍ غيرِ الوصفِ المذكورِ بدَلَالَةِ المقامِ والتَّمْثِيلِ بقولِهِ (كَاللَّهُ بَرٌّ وَالأَيَادِي شَاهِدَهْ) فلا يَرِدُ الفاعلُ ونحوُهُ.
119 – وَمُفْرَدًا يَأْتِي وَيَأْتِي جُمْلَهْ = حَاوِيَةً مَعْنَي الَّذِي سِيقَتْ لَهْ
120 - وَإِنْ تَكُنْ إِيَّاهُ مَعْنًى +لَاكْتَفَى (اكْتَفَى) = بِهَا كَنُطْقِي اللَّهُ حَسْبِي وَكَفَى
(وَمَفْرَدًا يَأْتِي) الخَبَرُ وهو الأصلُ والمرادُ بالمفردِ هُنَا ما ليسَ بجملةٍ كَبَرٍّ وشَاهِدَةٍ (وَيَأْتِي جُمْلَهْ) وهي فِعْلٌ معَ فاعِلِهِ نحوُ: "زَيْدٌ قَامَ" و"زَيْدٌ قَامَ أَبُوهُ" أوْ مبتدَأٌ معَ خَبَرِهِ نحوُ: "زَيْدٌ أَبُوهُ قَائِمٌ".
ويُشترطُ في الجملةِ أنْ تكونَ (حَاوِيَةً مَعْنَى) المبتدَأِ (الَّذِي سِبقَتْ) خَبَرًا (لَهْ) لِيَحْصُلَ الرَّبْطُ.
وذلك بأنْ يكونَ فيها ضميرُهُ لفظًا كما مُثِّلَ أو نِيَّةً نحوُ: "السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ". أيْ: مَنَوَانِ مِنْهُ، أو خَلَفَ عَنْ ضميرِهِ؛ كقولِهَا: "زَوْجِي المَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ".
قيلَ "ألْ" عِوَضٌ عَنِ الضميرِ، والأصلُ: مَسُّهُ مَسُّ أَرْنَبٍ وَرِيحُهُ رِيحُ زَرْنَبٍ؛ كذا قالَهُ الكُوفِيُّونَ وجَمَاعَةٌ مِنَ البَصْرِيِّينَ، وجعلُوا منهُ {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَي} أيْ: مَأْوَاهُ، والصحيحُ أنَّ الضميرَ محذوفٌ أيِ: المَسُّ له، أو: منهُ، و: هي المأوَي لهُ وإلا لَزَمَ جَوَازُ نحوِ: "زَيْدٌ الأَبُ قَائِمٌ" وهو فاسِدٌ.
أوْ كانَ فيها إشارَةٌ إليهِ: نحوُ: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} أو إعادتُهُ بلفظِهِ نحوُ: {الحَاقَّةُ مَا الحَاقَّةُ}.
قال أبُو الحَسَنِ: أو بمعنَاهُ؛ نحوُ: "زَيْدٌ جَاءَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ" إذا كانَ "أبُو عبدِ اللهِ" كُنْيَةً لهُ.
أو كانَ فيها عُمُومٌ يَشْمَلُهُ نحوُ: "زَيْدٌ نِعْمَ الرَّجُلُ" وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
141 - فَأَمَّا القِتَالُ لَا قِتَالَ لَدَيْكُمُ = وَلَكِنَّ سَيْرًا فِي +عرض (عِرَاضِ) المَوَاكِبِ
كذا قالُوه، وفيهِ نَظَرٌ؛ لاستلزامِهِ جوازَ "زَيْدٌ مَاتَ النَّاسُ" و"خَالِدٌ لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ". وهو غيرُ جائزٍ؛ فَالأَوْلَى أنْ يُخَرَّجَ المِثَالُ على ما قالَهُ أبُو الحَسَنِ بِنَاءً على صِحَّتِهِ، وعلى أنَّ "ألْ" في فاعِلِ: "نِعْمَ" للعَهْدِ لا للجِنْسِ.
أو وَقَعَ بعدَهَا جُمْلَةٌ مُشْتَمِلَةٌ على ضميرِهِ بشرطِ كونِهَا: إِمَّا معطوفةً بالفَاءِ نحوَ: "زَيْدٌ مَاتَ عَمْرٌو فَوَرِثَهُ". وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
142 - وَإِنْسَانُ عَيْنِي يَحْسِرُ المَاءَ تَارَةً = فَيَبْدُو وَتَارَاتٍ يَجُمُّ فَيَغْرَقُ
قال هِشَامٌ: أوِ الوَاوِ نحوُ: "زَيْدٌ مَاتَتْ هِنْدُ وَوَرِثَهَا".
وَإِمَّا شَرْطًا مدلُولًا على جوابِهِ بالخَبَرِ نحوُ: "زَيْدٌ يَقُومُ عَمْرٌو إِنْ قَامَ".
(وَإِنْ تَكُنْ): الجملةُ الواقعةُ خبرًا عَنِ المبتدَأِ (إِيَّاهُ مَعْنًى اكْتَفَى * بِهَا) عن الرابِطِ (كَنُطْقِي اللهُ حَسْبِي وَكَفَى) فنُطْقِي: مبتدَأٌ وجُملةُ "اللهُ حَسْبِي" خَبَرٌ عنهُ ولا رابِطَ فيها؛ لِأنَّها نفْسُ المبتدَأِ في المعنَى، والمرادُ بالنطْقِ المنطوقُ ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} وقولُهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: ((أَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أنا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي ـ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)).
121 - وَالمُفْرَدُ الجَامِدُ فَارِغٌ وَإِنْ = يُشْتَقّ فَهْوَ ذُو ضَمِيرٍ مُسْتَكِنّ
(وَ) الخَبَرُ (المُفْرَدُ الجَامِدُ) منهُ (فارِغٌ) مِنْ ضميرِ المبتدَأِ خِلافًا للكُوفِيِّينَ (وَإِنْ * يُشْتَقُّ) المفرَدُ، بمعنَى: يُصَاغُ مِنَ المصدرِ ليدُلَّ على متَّصِفٍ بهِ؛ كما صَرَّحَ بهِ في (شَرْحِ التَّسْهِيلِ) (فَهْوَ ذُو ضَمِيرٍ مُسْتَكِنّ) يَرجعُ إلى المبتدَأِ والمشْتَقُّ بالمعنَى المذكورِ هو: اسْمُ الفَاعلِ واسْمُ المفعولِ والصفَةُ المُشَبَّهَةُ واسْمُ التفْضِيلِ وأمَّا أسماءُ الآلةِ والزمانِ والمكانِ فليستْ مشتَقَّةً بالمعنَى المذكورِ فهي مِنَ الجوامِدِ: وهو اصطِلاحٌ.
تَنْبِيهَانِ: الأوَّلُ: في معنَى المشتَقِّ ما أُوِّلَ بهِ، نحوُ: "زَيْدٌ أَسَدٌ" أيْ: شُجَاعٌ و"عَمْرٌو تَمِيمِيٌّ" أيْ: مُنْتَسِبٌ إلى تَميمٍ و"بَكْرٌ ذُو مَالٍ" أيْ: صاحبُ مالٍ، ففي هذه الأخبارِ ضميرُ المبتدَأِ.
الثانِي: يتعَيَّنُ في الضميرِ المرفوعِ بالوصفِ أنْ يكونَ مستَتِرًا أو منفصِلًا ولا يجوزُ أنْ يكونَ بارِزًا متَّصِلًا فأَلِفُ "قَائِمَانِ" ووَاوُ "قَائِمُونَ" مِنْ قولِكَ: "الزَّيْدَانِ قَائِمَانِ" و"الزَّيْدُونَ قَائِمُونَ" ليسَتَا بضَمِيرَيْنِ كما هما في "يَقُومَانِ" و"يَقُومُونَ" بل حرْفَا تَثْنِيَةٍ وجمْعٍ وعلامَتَا إعْرَابٍ.
122 - وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقًا حَيْثُ تَلَا = مَا لَيْسَ مَعْنَاهُ لَهُ مُحَصَّلَا
(وَأَبْرِزَنْهُ) أيِ: الضميرَ المذكورَ (مطلقًا) أيْ: وإنْ أُمِنَ اللبْسُ (حَيْثُ تَلَا) الخبرُ (مَا) أيْ: مبتدَأ (لَيْسَ مَعْنَاهُ) أيْ: معنَى الخَبَرِ (لَهُ) أيْ: لذلك المبتدَأِ (مُحَصَّلَا) مِثالُهُ عِنْدَ خوفِ اللبْسِ أنْ تقولَ ـ عندَ إرادَةِ الإخبارِ بضَارِبِيَّةِ زَيْدٍ وَمَضْرُوبِيَّةِ عَمْرٍو: "زَيْدٌ عَمْرٌو ضَارِبُهُ هُوَ". فضاربُهُ: خبرٌ عَنْ عَمْرٍو ومعناه – وهو الضَّارِبِيَّةُ – لزيدٍ، وبإبرازِ الضميرِ عُلِمَ ذلك، ولوِ استَتَرَ آذَنَ التركيبُ بعكْسِ المعنَى، ومثالُ ما أُمِنَ فيهِ اللبْسُ: "زَيْدٌ هِنْدُ ضَارِبُهَا هُوَ". و"هِنْدُ زَيْدٌ ضَارِبَتُهُ هِيَ". فيجِبُ الإبرازُ أيضًا لجَرَيَانِ الخبرِ على غيرِ مَنْ هو لَهُ،
وقالَ الكُوفِيُّونَ: لا يجبُ الإبرازُ حينئذٍ، ووافَقَهُمُ الناظِمُ في غيرِ هذا الكتابِ، واستدلُّوا لذلك بقولِهِ [مِنَ البَسِيطِ]:
143 - قُومِي ذُرَا المَجْدِ بَانُوهَا وَقَدْ عَلِمَتْ = بِكُنْهِ ذَلِكَ عَدْنَانٌ وَقَحْطَانُ

تَنْبِيهَانِ: الأوَّلُ: مِنَ الصوَرِ التي يتلُو الخبرُ فيها ما ليسَ معنَاهُ لهُ أنْ يَرفَعَ ظاهِرًا نحوُ: "زَيْدٌ قَائِمٌ أَبُوهُ" فالهاءُ في "أبُوهُ" هو الضميرُ الذي كانَ مُسْتَكِنًّا في "قائِمٌ" ولا ضميرَ فيهِ حينئذٍ لِامتِناعِ أنْ يَرفعَ شَيْئَيْنِ ظاهِرًا ومُضْمَرًا.
الثانِي: قدْ عَرَفْتَ إنَّهُ لا يجِبُ الإبرازُ في "زَيْدٌ هِنْدُ ضَارِبَتُهُ" ولا "هِنْدُ زَيْدٌ ضَارِبُهَا" ولا "زَيْدٌ عَمْرٌو ضَارِبُهُ" تريدُ الإخبارَ بضارِبِيَّةِ عمْرٍو لِجَرَيَانِ الخبرِ على مَنْ هو لهُ، بَلْ يتَعَيَّنُ الاستِتارُ في هذا الأخيرِ لِمَا يَلزمُ على الإبرازِ مِنْ إيهامِ ضَارِبِيَّةِ زَيْدٍ.
123 – وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ اوْ بِحَرْفِ جَرّ = نَاوِينَ مَعْنَى "كَائِنٍ" أَوِ "اسْتَقَرّ"
(وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ) نحوُ، "زَيْدٌ عِنْدَكَ" (اوْ بِحَرْفِ جَرّ)، معَ مجرورِهِ نحوُ: "زَيْدٌ فِي الدَّارِ" (نَاوِينَ) مُتَعَلَّقَهُمَا؛ إذْ هو الخبرُ حقيقةً حُذِفَ وجوبًا وانتقَلَ الضميرُ الذي كانَ فيهِ إلى الظرفِ والجارِّ والمجرورِ، وزَعَمَ السِّيرَافِيُّ إنَّهُ حُذِفَ معَهُ، ولا ضميرَ في واحدٍ منهما، وهو مَردُودٌ بقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
144 - فَإِنْ يَكُ جُثْمَانِي بِأَرْضِ سِوَاكُمُ = فَإِنَّ فُؤَادِي عِنْدَكِ الدَّهْرَ أَجْمَعُ

والمتعَلَّقُ المَنْوِيُّ إمَّا مِنْ قَبِيلِ المفردِ، وهو ما في (مَعْنَى كَائِنٍ) نحوُ: ثَابِتٍ ومُسْتَقِرٍّ (أوْ) الجُمْلَةُ وهو ما في معنَى (اسْتَقَرَّ) وثَبَتَ، والمختارُ عندَ الناظِمِ الأوَّلُ.
قالَ في (شَرْحِ الكَافِيَةِ): وكونُهُ اسمَ فاعلٍ أوْلَى؛ لوَجْهَيْنِ:
أحدُهُمَا: أنَّ تقديرَ اسمِ الفاعلِ لا يُحْوِجُ إلى تقديرِ آخَرَ؛ لِأنَّهُ وافٍ بما يَحتاجُ إليهِ المَحَلُّ مِنْ تَقديرِ خبرٍ مرفوعٍ، وتقديرُ الفعلِ يُحْوِجُ إلى تقديرِ اسمِ فاعلٍ؛ إذْ لا بُدَّ مِنَ الحُكْمِ بالرفعِ على مَحَلِّ الفعلِ إذا ظَهَرَ في مَوْضِعِ الخَبَرِ، والرفعُ المحكومُ عليهِ بهِ لا يَظهرُ إلا في اسمِ الفاعلِ.
الثانِي: أنَّ كُلَّ موْضِعٍ كانَ فيهِ الظرفُ خبرًا وقُدِّرَ تعَلُّقُهُ بفِعلٍ أمكَنَ تعلُّقُهُ باسمِ الفاعِلِ وبعدَ "أَمَّا" و"إذا" الفُجَائِيَّةِ يتَعَيَّنُ التعَلُّقُ باسمِ الفاعلِ نحوُ: "أَمَّا عِنْدَكَ فَزَيْدًا" و"خَرَجْتُ فَإِذَا فِي البَابِ زَيْدٌ" لأنَّ "أمَّا" و"إذا" الفُجَائِيَّةَ لا يلِيهِمَا فِعلٌ ظاهِرٌ ولا مُقَدَّرٌ، وإذَا تعَيَّنَ تقديرُ اسمِ الفاعِلِ في بعضِ المواضِعِ ولمْ يتَعَيَّنْ تقديرُ الفعلِ في بعضِ المواضِعِ وَجَبَ رَدُّ المحتَمِلِ إلى ما لا احتِمَالَ فيهِ؛ ليجرِيَ البابُ على سَننٍ واحِدٍ.
ثم قالَ: وهذا الذي دَلَّلْتُ على أَوْلَوِيَّتِهِ هو مَذْهبُ سِيبَوَيْهِ، والآخَرُ مَذْهَبُ الأَخْفَش هذا كلامُهُ.
ولكَ أنْ تقولَ: ما ذَكَرَهُ مِنَ الوَجْهَيْنِ لا دَلالةَ فيهِ؛ لأنَّ ما ذكَرَهُ في الأوَّلِ مُعَارَضٌ بأنَّ أصلَ العَمَلِ للفعلِ.
وأمَّا الثانِي: فوُجُوبُ كَوْنِ المتعَلَّقِ اسمَ فاعِلٍ بعدَ "أمَّا" و"إذا" إنَّمَا هو لخُصُوصِ المَحَلِّ كما أنَّ وُجوبَ كونِهِ فِعلًا في نحوِ: "جَاءَ الَّذِي فِي الدَّارِ". و"كُلُّ رَجُلٍ فِي الدَّارِ فَلَهُ دِرْهَمٌ". كذلك لوُجُوبِ كونِ الصِّلَةِ وصِفَةِ النكرةِ الواقعةِ مبتدَأً في خبرِهَا الفَاءُ جُمْلَةً.
على أنَّ ابنَ جِنِّي سألَ أبَا الفتْحَ الزَّعْفَرَانِيَّ: هلْ يجوزُ "إِذَا زَيْدًا ضَرَبْتُهُ"؟ فقالَ: نَعَمْ. فقالَ ابنُ جِنِّي: يَلزَمُكَ إِيلَاءُ "إذَا" الفُجَائِيَّةِ الفِعْلَ ولا يَلِيهَا إلا الأسماءُ فقالَ: لا يَلزمُ ذلك؛ لأنَّ الفعلَ مُلْتَزِمُ الحَذْفِ، ويُقالُ مثْلُهُ في "أمَّا" فالمَحْذُورُ ظُهورُ الفِعلِ بعدَهُما لا تقديرُهُ بعدَهُمَا؛ لأنَّهُمْ يَغْتَفِرُونَ في المقَدَّرَاتِ ما لا يَغْتَفِرُونَ في الملفُوظَاتِ.
سَلَّمْنَا إنَّهُ لا يَلِيهِمَا الفعلُ ظاهِرًا ولا مُقَدَّرًا لكنْ لا نُسلمُ إنَّهُ وَلِيَهُمَا فيما نحنُ فيهِ؛ إذْ يَجوزُ تقديرُهُ بعدَ المبتدَأِ فيكونُ التقديرُ: "أَمَّا فِي الدَّارِ فَزَيْدٌ اسْتَقَرَّ". و"خَرَجْتُ فَإِذَا فِي البَابِ زَيْدٌ حَصَلَ".
لا يُقالُ: إنَّ الفعلَ وإنْ قُدِّرَ مُتَأَخِّرًا فهو في نِيَّةِ التقدِيمِ؛ إذْ رُتبةُ العاملِ قبلَ المعمولِ؛ لأنَّا نقولُ: هذا المعمولُ ليسَ في مَرْكَزِهِ؛ لِكونِهِ خَبَرًا مقدَّمًا، وكَوْنُ المتعَلَّقِ فِعلًا هو مَذْهَبُ أكثَرِ البَصْرِيِّينَ، ونُسِبَ لِسِيبَوَيْهِ أيضًا.
تَنْبِيهٌ: إنَّمَا يجبُ حذْفُ المتعَلَّقِ المذكورِ حيثُ كانَ استقرارًا عامٍّا كما تقدَّمَ فإنْ كانَ استقرارًا خاصًّا نحوَ: "زَيْدٌ جَالِسٌ عِنْدَكَ" أو: "نَائِمٌ فِي الدَّارِ". وَجَبَ ذِكْرُهُ لعدمِ دَلالتِهِمَا عليهِ عِنْدَ الحذفِ حينئذٍ.
124 - وَلَا يَكُونُ اسْمُ زَمَانٍ خَبَرًا = عَنْ جُثَّةٍ، وَإِنْ يُفِدْ فَأَخْبِرَا
(وَلَا يَكُونُ اسْمُ زمن (زَمَانٍ) خَبَرًا * عَنْ جُثَّةٍ): فلا يُقالُ: "زَيْدٌ اليَوْمَ"؛ لعَدَمِ الفائدةِ (وَإِنْ يُفِدْ) ذلك بواسطةِ تقديرِ مضافٍ هو معنًى (فَأَخْبِرَا) كما في قولِهِمْ: "الهِلَالُ اللَّيْلَةَ" و"الرُّطَبُ شَهْرَيْ رَبِيعٍ" و"اليَوْمُ خَمْرٌ وَغَدًا أَمْرٌ" وقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
145 - أَكُلَّ عَامٍ نَعَمٌ تَحْوُونَهُ = يُلَقِّحُهُ قَوْمٌ وَتُنْتِجُونَهُ
أيْ: طُلُوعُ الهلالِ ووُجودُ الرُّطَبِ وشُرْبُ خَمْرٍ وإحرازُ نَعَمٍ؛ فالإخبارُ حينئذٍ باسمِ الزمانِ إنَّمَا هو عن معنًى لا جُثَّةٍ.
هذا مَذْهبُ جُمهورِ البَصْرِيِّينَ، وذهَبَ قومٌ – منهُمُ الناظِمُ في (تَسْهِيلِهِ) – إلى عَدَمِ تقديرِ مضافٍ نَظَرًا إلى أنَّ هذه الأشياءَ تُشْبِهُ المعنَى لِحُدوثِها وَقْتًا بعدَ وقتٍ، وهذا الذي يَقتضِيهِ إطلاقُهُ.


  #5  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

تعريفُ الخبَرِ
118- والخبرُ الجزءُ الْمُتِمُّ الفائِدَهْ = كاللَّهُ بَرٌّ والأيادِي شاهِدَهْ

عَرَّفَ الخبرَ دونَ المُبْتَدَأِ؛ اهتماماً بِمَحَطِّ الفائدةِ، وتَوطئةً لتَقسيمِه إلى مُفْرَدٍ وغيرِه، فالخبرُ هو: الجزءُ الْمُتِمُّ الفائدةَ معَ مُبْتَدَأٍ غيرِ الوصْفِ المذكورِ؛ كقولِه تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}.
وخَرَجَ بقولِنا: (معَ مُبْتَدَأٍ) فاعِلُ الفعْلِ، نحوُ: انتَصَرَ الحقُّ؛ فإنه وإنْ كانَ مُتَمِّماً للفائدةِ، لكنَ ليسَ معَ مُبْتَدَأٍ، بل معَ فِعْلٍ فيكونُ فاعِلاً لا خَبَراً.
وخَرَجَ بقولِنا: (غيرِ الوصفِ المذكورِ) فاعِلُ الوصْفِ -كما تَقَدَّمَ- نحوُ: أصائمٌ أبوكَ في مَكَّةَ؟ فإنه وإنْ كانَ مُتَمِّماً للفائدةِ، لكنْ معَ مُبْتَدَأٍ هو وصْفٌ.
وهذا معنَى قولِه: (والخَبَرُ الجزءُ الْمُتِمُّ الفائدةْ) وسَكَتَ المصنِّفُ عن القَيْدَيْنِ المذكورَيْنِ؛ لأَنَّ ذلك معلومٌ مِن قولِه: (مُبْتَدَأٌ زيدٌ وعَاذِرٌ خَبَرْ)؛ للعِلْمِ بأنَّ الخبرَ لا يكونُ إلاَّ معَ مُبْتَدَأٍ غيرِ الوصْفِ؛ كما أنَّ المِثالَ يُفيدُ ذلك.
وقولُه: (كاللَّهُ بَرٌّ)؛ أي: كثيرُ الإحسانِ، (والأيادي)؛ أي: النِّعَمُ؛ لأَنَّ اليدَ تُطْلَقُ على النِّعْمَةِ، وقد وَرَدَ ذلك في كلامِ العَرَبِ، أمَّا في آياتِ الصفاتِ وأحاديثِها فلا يَجوزُ تفسيرُ اليدِ بالنعمةِ؛ لأنه تأويلٌ فاسِدٌ، بل تُثْبَتُ اليدُ للهِ تعالى على ما يَليقُ بجَلالِه وعَظَمَتِه.
119- ومُفْرَداً يَأتي ويَأتي جُمْلَهْ = حاويةً مَعْنَى الَّذي سِيقَتْ لَهْ
120- وَإِنْ تَكُنْ إِيَّاهُ مَعْنًى اكْتَفَى = بِهَا كَنُطْقِي اللَّهُ حَسْبِي وَكَفَى
لَمَّا عَرَّفَ الخبَرَ شَرَعَ في أقسامِه وأحكامِه، وهو ثلاثةُ أقسامٍ:
1- مُفْرَدٌ: وهو ما ليسَ بجُملةٍ ولا شِبْهِ جُملةٍ، نحوُ: العَدْلُ مطلوبٌ، قالَ تعالَى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}. وله أحكامٌ تأتي إنْ شاءَ اللَّهُ.
2- جُملةٌ اسْمِيَّةٌ، نحوُ: الإسلامُ رايتُه عالِيَةٌ، قالَ تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}، أو فِعليَّةٌ نحوُ: العاقلُ يَعْرِفُ ما يَنْفَعُه، قالَ تعالى: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ}.
3- شِبْهُ جملةٍ، وهو الظرْفُ والجارُّ والمجرورُ. ويأتِي الكلامُ فيهما إنْ شاءَ اللَّهُ.
فأمَّا الجُمْلَةُ فهي قِسْمانِ:
الأوَّلُ: أنْ تكونَ هي نَفْسَ المُبْتَدَأِ في المعنَى، نحوُ: حَدِيثي: العملُ ثَمَرَةُ العِلْمِ، فهذه الجُمْلَةُ الواقعةُ خَبَراً عن المُبْتَدَأِ (حديثي) مُطابِقَةٌ له في المعنى، فالحديثُ هو (العملُ ثَمَرَةُ العِلْمِ)، و(ثَمرةُ العِلْمِ العمَلُ) هو الحديثُ.
الثاني: ألاَّ تكونَ نفْسَ المُبْتَدَأِ في المعنَى، نحوُ: المجتَهِدُ يَفُوزُ بغَايَتِه.
فإنْ لم تَكُنْ نفْسَ المُبْتَدَأِ فلا بُدَّ فيها مِن رَابِطٍ يَرْبُطُها بالمُبْتَدَأِ.
وهذا الرابِطُ يَجْعَلُ جُملةَ الخبَرِ شَديدةَ الاتِّصالِ بالمُبْتَدَأِ، ولولاهُ لكانَتْ أجْنَبِيَّةً؛ لأَنَّ الأصْلَ في الجُمْلَةِ أنها كلامٌ مُسْتَقِلٌّ، فإذا جاءَ الرابطُ عُلِمَ أنها للمُبْتَدَأِ، ولهذا إنْ كانَتْ نفْسَ المُبْتَدَأِ لم يُحْتَجْ إلى رابِطٍ كما سنَذْكُرُ.
وهذا الرابطُ أنواعٌ نَذْكُرُ منه ما يلي:
1- الضميرُ العائدُ على المُبْتَدَأِ، وهو أصْلُ الروابِطِ وأقواها، وغيرُه خَلَفٌ عنه، نحوُ: العِلْمُ يَرفَعُ العامِلَ به، قالَ تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ}، فنونُ الإناثِ هي الرابِطُ.
والأصْلُ في الضَّميرِ يكونُ مَذكُوراً، وقد يكونُ مُقَدَّراً، نحوُ: الصُّوفُ ذِراعٌ بعَشَرةٍ؛ أي: ذِراعٌ منه، قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}، فـ {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ} مُبْتَدَأٌ، والخبرُ {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}، والرابطُ محذوفٌ؛ أي: غفورٌ لهم، أو رَحيمٌ بهم.
2- الإشارةُ إلى المُبْتَدَأِ، نحوُ: العَدْلُ ذلك دِعامةُ الْمُلْكِ، قالَ تعالى: {وِلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}، فقد قَرَأَ ابنُ كثيرٍ وأبو عمرٍو وعاصمٌ وحمزةُ برَفْعِ (لِباسُ) على أنه مُبْتَدَأٌ والتقوى مُضافٌ إليه، و(ذلك) مُبْتَدَأٌ ثانٍ، و(خَيْرٌ) خَبَرٌ عنه، والجُمْلَةُ خبرٌ عن الأَوَّلِ، وفي الآيةِ أعاريبُ أُخْرَى،، وكقولِه تعالى: {إِلاَّ وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} على أحَدِ الأعاريبِ فيها، وهو أنَّ الخبَرَ (أولئك أصحابُ الْجَنَّةِ).
3- تَكرارُ المُبْتَدَأِ بلَفْظِه لقَصْدِ التفخيمِ أو التهويلِ أو التحقيرِ، نحوُ: الإخلاصُ ما الإخلاصُ؟ الحرْبُ ما الحربُ؟ السارِقُ مَن السارِقُ؟ أو بمعناها، نحوُ: السيفُ ما الْمُهَنَّدُ؟، ومِن ذلك قولُه تعالى: {الْقَارِعَةُ* مَا الْقَارِعَةُ*}، فـ (القارعةُ) مُبْتَدَأٌ (ما القارِعَةُ) مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، والجُمْلَةُ خبرٌ عن المُبْتَدَأِ (القارِعَةُ).
4- أنْ يكونَ الرابطُ عُموماً يَدخُلُ تَحْتَه المُبْتَدَأُ، نحوُ: الوَفِيُّ نِعْمَ الرجُلُ، ومنه قولُه تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}، فمَن: مُبْتَدَأٌ، والخبرُ {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}، والرابطُ العمومُ في قولِه تعالى: {الْمُتَّقِينَ} الذينَ يَدخُلُ فيه مَن أَوْفَى بعَهْدِه واتَّقَى.
أمَّا القِسْمُ الثانِي، وهو أنْ تكونَ الجُمْلَةُ الْخَبَرِيَّةُ هي نفْسَ المُبْتَدَأِ في المعنى، فلا تَحتاجَ الجُمْلَةُ فيه إلى رابِطٍ، مثلُ: نُطْقِي اللَّهُ حَسْبِي.
فنُطقِي: مُبْتَدَأٌ، والاسمُ الكريمُ مُبْتَدَأٌ ثانٍ، وحَسْبِي خَبَرٌ عنه، والجُمْلَةُ خبرٌ عن المُبْتَدَأِ الأوَّلِ، ولا رابِطَ فيها؛ لأَنَّ قولَكَ: (اللَّهُ حَسْبِي) هو معنَى نُطْقِي، فتَقَعُ جَواباً لسؤالِ: ما نُطْقُكَ؟
ومنه قولُه تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} فدَعواهم: مُبْتَدَأٌ، وسبحانَكَ: معمولٌ لفِعْلٍ محذوفٍ؛ أيْ: نُسَبِّحُ سُبحانَكَ، والجُمْلَةُ خبرٌ، وهي نفْسُ المُبْتَدَأِ في المعنى، ومِنه أيضاً قولُه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)).
وهذا معنى قولِه: (ومُفْرَداً يَأتِي ويَأتِي جُمْلَةْ.. إلخ)؛ أيْ: يَأتِي الخبرُ مُفْرَداً ويأتِي جُملةً، (حَاوِيَةً)؛ أيْ: مشتَمِلَةً على (معنى) المُبْتَدَأِ (الذي سِيقَتْ) خَبَراً (له)، وعَبَّرَ بقولِه: (حاوِيَةً معنَى)، ولم يَقُلْ: (حَاويةً ضَمِيراً)؛ لِيَشمَلَ جميعَ أنواعِ الرَّابِطِ، ثم ذَكَرَ أنَّ الجُمْلَةَ الواقِعَةَ خَبَراً، (إنْ تَكُنْ إِيَّاهُ)؛ أي: هي نفْسُ المُبْتَدَأِ في المعنَى اكْتُفِيَ بها عن الرابِطِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمِثالَ، وقولُه: (وكَفَى) أي: وكَفَى به سُبحانَه وتعالى حَسيباً، فحَذَفَ حَرْفَ الجرِّ وحْدَه، وهو (الباءُ)، فانفَصَلَ الضميرُ الذي كانَ مَجروراً في مَحَلِّ رفعٍ وصارَ تقديرُه: هو.
2- الخبرُ المُفْرَدُ
121- والمفرَدُ الجامِدُ فارغٌ وإِنْ = يُشْتَقَّ فهْوَ ذُو ضَميرٍ مُسْتَكِنْ
هذا هو القِسْمُ الثانِي مِن أقسامِ الخبَرِ، وهو الخبَرُ المُفْرَدُ، والمرادُ به ما ليسَ بجُمْلَةٍ ولا شِبْهَ جُملةٍ؛ كما تَقَدَّمَ، وإنما يكونُ كلمةً واحدةً، مِثْلُ: الكذِبُ مَذمومٌ, أو ما هو بِمَنْزِلَةِ الكَلِمَةِ الواحدةِ، نحوُ: أنتم ثلاثةَ عَشَرَ، فـ أنتُمْ (مُبْتَدَأٌ) و، (ثلاثةَ عَشَرَ) مَبْنِيٌّ على فَتْحِ الْجُزأيْنِ في مَحَلِّ رفْعِ خَبَرٍ.
والمُفْرَدُ نوعانِ:
1- الجامدُ: وهو ما لم يُؤْخَذْ مِن غيرِه، نحوُ: خالدٌ أخوكَ.
2- الْمُشْتَقُّ: ما أُخِذَ مِن غيرِه، وهو يَدُلُّ على معنًى وذاتٍ، نحوُ: أُمُّكَ أحَقُّ الناسِ ببِرِّكَ، فـ (أحَقُّ) خبَرٌ، وهو أفْعَلُ تفضيلٍ.
فإنْ كانَ الخبَرُ جامِداً فإنه يكونُ فارِغاً مِن الضميرِ، إلاَّ إذا تَضَمَّنَ معنَى المُشْتَقِّ فإنه يَتَحَمَّلُ ضميراً، نحوُ: قَلْبُ الظالِمِ حَجَرٌ؛ أي: قاسٍ لا يَلِينُ، وعليٌّ تَمِيمِيٌّ؛ أيْ: مُنْتَسِبٌ إلى تَمِيمٍ، ففيهما ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ؛ أي: حَجَرٌ هو، وتَميميٌّ هو.
وإنْ كانَ مشْتَقًّا فإنه يَتَحَمَّلُ الضميرَ بشَرطيْنِ:
الأَوَّلُ: أنْ يكونَ المُشتَقُّ جارِياً مَجْرَى الفِعْلِ؛ أي: عامِلاً عَمَلَ الفِعْلِ، وهو أربعةٌ: اسمُ الفاعِلِ واسمُ المفعولِ والصفةُ الْمُشَبَّهَةِ وأفعَلُ التفضيلِ، نحوُ: القمَرُ طالِعٌ، الوفِيُّ محبوبٌ، المسجِدُ رَحْبٌ, بعضُ الشرِّ أهْوَنُ مِن بَعْضٍ.
فإنْ لم يَجْرِ مَجْرَى الفعْلِ لم يَتَحَمَّلْ ضَمِيراً كاسمِ الآلةِ، نحوُ: مِفتاحٍ، وما كانَ على صِيغةِ الزمانِ والمكانِ، نحوُ: مَجْلِسُ العِلْمِ رَوْضَةٌ.
الثاني: ألاَّ يَرْفَعَ اسماً ظاهِراً، نحوُ: أخالِدٌ غائبٌ أبُوهُ؟ أو ضميراً بَارِزاً، نحوُ: أعَلِيٌّ ذاهِبٌ أنتَ إليه، فإنْ رَفَعَ ظاهراً أو بَارِزاً لم يَرْفَعْ ضميراً مُسْتَتِراً؛ لوجودِ فاعلِهِ منطوقاً به.
وهذا معنَى قولِهِ: (والمُفْرَدُ الجامِدُ فارِغٌ... إلخ)؛ أي: أنَّ الخَبَرَ المُفْرَدَ نوعانِ: فالجامِدُ فارِغٌ مِن الضميرِ، والمشتَقُّ ليسَ بفارِغٍ، بل فيه ضَميرٌ مُسْتَكِنٌ؛ أي: مُسْتَتِرٌ، وهذا الضميرُ يَعُودُ على المُبْتَدَأِ ليَرْبُطَ الخبَرَ به ارتباطاً مَعنويًّا.
إبرازُ الضميرِ في الخبَرِ الْمُشْتَقِّ
122 - وأبْرِزَنْهُ مُطْلَقاً حيثُ تَلاَ = ما ليسَ مَعناهُ لهُ مُحَصَّلاَ
لَمَّا ذَكَرَ أنَّ الخبرَ الْمُشْتَقَّ يَتَحَمَّلُ ضَميراً ذَكَرَ هنا حُكْمَ إبرازِ الضميرِ وإخفائِه، والخبَرُ بهذا الاعتبارِ نوعانِ:
1- خبرٌ مُشْتَقٌّ جَرَى على مَن هو له؛ أيْ: أنَّ الخبَرَ صِفَةٌ لِمُبْتَدَئِهِ، نحوُ: الكَذِبُ مذمومٌ، فـ (مذمومٌ) خَبَرٌ عن (الكَذِبُ)، وهو وَصْفٌ له في المعنَى.
وهذا النوعُ يَسْتَتِرُ فيه الضميرُ، فإنْ بَرَزَ فهو توكيدٌ للضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ.
2- خَبَرٌ جَرَى على غيرِ مَن هو له؛ أيْ: أنَّ الخبَرَ صِفةٌ لغيرِ مُبْتَدَئِهِ، فالبَصريُّونُ يُوجِبُون إبرازَ الضميرِ في هذا النوعِ مُطْلَقاً أُمِنَ اللَّبْسُ أو لم يُؤْمَنْ، فمِثالُ أَمْنِ اللَّبْسِ: البِنْتُ الأبُ مُكْرِمَتُه هي، فالبنتُ مُبْتَدَأٌ أوَّلُ، والأبُ: مُبْتَدَأٌ ثانٍ، ومُكْرِمَتُه: خبرٌ عن الأبِ، وهو وَصْفٌ للبنتِ؛ لأنها هي الْمُكْرِمَةُ للأبِ، فجَرَى الخبَرُ على غَيْرِ مَن هو له؛ لأنه خَبَرٌ عن الأبِ ووَصْفٌ للبنتِ، ولا لَبْسَ في هذا المِثالِ، فيَجوزُ حَذْفُ الضميرِ (هي)؛ لأَنَّ التأنيثَ قَرينةٌ على أنَّ الخبرَ جَرَى على غيرِ مَن هو له، أمَّا البَصريُّونَ فيُوجِبُونَ إبرازَه.
ومِثالُ ما لم يُؤْمَنْ فيه اللَّبْسُ: خالدٌ عَلِيٌّ مُكْرِمُه هو، فخالدٌ: مُبْتَدَأٌ أوَّلُ، وعلِيٌّ: مُبْتَدَأٌ ثانٍ، ومُكْرِمُه خَبَرٌ عن الثاني، فيَحْتَمِلُ أنَّ (مُكْرِمُه) وصفٌ لعليٍّ وأنه فاعلُ الإكرامِ، فيكونُ الخبَرُ جَرَى على مَن هو له، ويَحْتَمِلُ أنه وَصْفٌ لـ(خالِدٌ)، فيكونُ الخبرُ جَرَى على غيرِ مَن هو له، فإنْ أُريدَ الأوَّلُ وجَبَ استتارُ الضميرِ؛ ليكونَ استتارُه دَليلاً على هذا المعنى، فنقولُ: خالدٌ عَلِيٌّ مُكْرِمُه، وإنْ أُريدَ الثاني وجَبَ إبرازُ الضميرِ؛ ليكونَ إبرازُه دَليلاً على جَرَيانِ الخبَرِ على غيرِ مِن هو له، فنقولُ: خالِدٌ عليٌّ مُكْرِمُه هو، فالضميرُ (هو) عائدٌ على (خالدٌ)، والهاءُ في قولِه (مُكْرِمُه) عائدةٌ على (عليٌّ).
وإلى مَذْهَبِ البَصريِّينَ أَشَارَ ابنُ مالِكٍ بقولِه: (وأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقاً.. إلخ)، فقولُه: (وأَبْرِزَنْهُ)؛ أي: الضميرَ، (مُطْلَقاً)؛ أيْ: أُمِنَ اللَّبْسُ أو لم يُؤْمَنْ، (حيثُ تَلاَ)؛ أيْ: وَقَعَ الخبرُ، (ما) المرادُ المُبْتَدَأُ، (ليسَ معناهُ)؛ أيْ: معنى الخبرِ، (له) أي: المُبْتَدَأُ، (مُحَصَّلاَ)؛ أيْ: حاصِلاً.
والمعنى: أَبْرِزِ الضميرَ؛ أُمِنَ اللَّبْسُ أو لم يُؤْمَنْ، إذا وَقَعَ الخبَرُ بعدَ مُبْتَدَأٍ ليسَ معنى هذا الخبرِ حاصِلاً لذلك المُبْتَدَأِ، بل هو حاصلٌ لغيرِه؛ أيْ: صِفَةٌ لغيرِه، والمقصودُ أنْ يَجْرِيَ الخبرُ على غيرِ مَن هو له، وفي البيتِ مِن الغموضِ وتَشَتُّتِ الضمائرِ ما لا يَخْفَى.
وأمَّا الكُوفيُّونَ فقالوا: إنْ أُمِنَ اللَّبْسُ جازَ الوجهانِ، كمِثالِ الأوَّلِ، وإنْ خِيفَ اللَّبْسُ وجَبَ الإبرازُ؛ كما في المِثالِ الثاني، وقد اختارَ ابنُ مالِكٍ مَذْهَبَهم في كتابِه (الكَافيةِ) فقالَ:
وإنْ تَلاَ غيرَ الذي تَعَلَّقَا = بهِ فأَبْرِزِ الضميرَ مُطْلَقَا
في الْمَذهَبِ الكُوفِيِّ شَرْطُ ذاكَ أَنْ = لا يُؤْمَنَ اللَّبْسُ ورَأْيُهُمْ حَسَنْ
والحقُّ أنه رَأْيٌ حَسَنٌ؛ لأنه إذا أُمِنَ اللَّبْسُ فلا فائدةَ مِن إبرازِ الضميرِ سِوَى الإطالةِ، وهذا مُنافٍ للأصولِ اللُّغَوِيَّةِ العامَّةِ، وقد وَرَدَ السماعُ بِمَذهبِهم في قولِ الشاعرِ:
قَوْمِي ذُرَا الْمَجْدِ بَانُوهَا وقد عَلِمَتْ = بكُنْهِ ذلكَ عَدنانٌ وقَحْطَانُ
فقولُه: (بانُوهَا) خبرٌ عن (ذُرَا)، وهو صِفةٌ لـ (قَوْمِي)، فجَرَى الخبرُ على غيرِ مَن هو له، ولم يُبْرِزِ الضميرَ؛ وذلك لأَمْنِ اللَّبْسِ؛ فإنَّ الذُّرَا مَبْنِيَّةٌ، لا بانِيَةٌ، فلا فائدةَ مِن قولِه: (بَانُوهَا هُمْ).
الخبرُ شِبْهُ الجُمْلَةِ
123 - وأَخْبَرُوا بظَرْفٍ أو بحَرْفِ جَرْ = ناوينَ معنَى كائنٍ أوِ اسْتَقَرْ
هذا القِسْمُ الثالِثُ مِن أَقسامِ الخَبَرِ، وهو شِبْهُ الجُمْلَةِ، والمرادُ به: الظرْفُ بنَوْعَيْهِ الزَّمانِيِّ والمكانِيِّ والجارِّ والمجرورِ، نحوُ: الصومُ يومَ الخميسِ, والتراويحُ ليلةَ الْجُمُعَةِ، ونحوُ: المسجِدُ أمامَ البيتِ، ونحوُ: الكتابُ في الْحَقيبةِ، قالَ تعالى: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ}، وقالَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى)). مُتَّفَقٌ عليه.
ويُشْتَرَطُ في الظرْفِ والجارِّ والمجرورِ أنْ يكونَا تامَّيْنِ؛ أيْ: يَحْصُلُ بالإخبارِ بهما فائدةٌ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِهما بخِلافِ: مُحْمَّدٌ بِكَ، وعَلِيٌّ مَكاناً؛ لعَدَمِ الفائدةِ.
وهناك خِلافٌ في الخَبَرِ هنا، والمشهورُ أنَّ الخبرَ هو المتعلِّقُ المحذوفُ فيُقَدَّرُ فِعْلاً، نحوُ: استَقَرَّ، أو اسْماً، نحوُ: كائنٌ، وهذا هو الذي يَجْرِي على أَلْسِنَةِ الْمُعْرِبِينَ.
وهذا معنَى قولِهِ: (وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ.. إلخ)؛ أي: أنَّ العَرَبَ أَخْبَرَتْ عنِ المُبْتَدَأِ بالظرفِ أو بحرْفِ الْجَرِّ معَ مَجرورِه ناوِينَ بذلكَ تقديرَ المتعَلِّقِ مُفْرَداً نحوُ: كائنٌ، أو فِعْلاً نحوُ: اسْتَقَرَّ.
ويَرَى آخَرونَ أنَّ الخَبَرَ هو نفْسُ الظرفِ والجارِّ والمجرورِ؛ لأنهما يَتَضَمَّنَانِ معنًى صادِقاً على المُبْتَدَأِ، فيكونانِ في مَحَلِّ رفعِ خَبَرٍ، وهذا رأيٌ وَجيهٌ؛ لأَنَّ فيه تَيسيراً، فقولُه تعالى: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}، (أسْفَلَ) ظرْفٌ منصوبٌ في مَحَلِّ رفعِ خَبَرٍ، وقولُه تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (لِلَّهِ) جارٌّ ومجرورٌ في مَحَلِّ رفعِ خَبَرٍ.

الإخبارُ باسمِ الزمانِ والمكانِ
124- ولا يكونُ اسمُ زمانٍ خَبَرَا = عن جُثَّةٍ وإنْ يُفِدْ فأَخْبِرَا

يَقَعُ اسمُ الزمانِ خَبَراً عن أسماءِ المعانِي، نحوُ: الصومُ غَداً، ولا يُخْبَرُ به عن أسماءِ الذواتِ، نحوُ: محمَّدٌ اليومَ؛ لِعَدَمِ الإفادةِ، فإذا أفادَ صَحَّ، والفائدةُ تَحْصُلُ بثلاثةِ أشياءَ:
1- تخصيصُ الزمانِ بوَصْفٍ نحوُ: نحنُ في يومٍ مُمْطِرٍ، أو إضافةٍ نحوُ: نحنُ في شَهْرِ الصَّوْمِ، أو عَلَمِيَّةٍ مِثلُ: نحنُ في رمضانَ، ويكونُ الظرْفُ في هذا مَجروراً بفي، والجارُّ والمجرورُ في مَحَلِّ رفعِ خَبَرٍ على ما تَقَدَّمَ.
2- أنْ يكونَ الكلامُ على تقديرِ مضافٍ هو اسمُ معنًى، نحوُ: الليلةَ الهلالُ؛ أي: الليلةَ طُلوعُ الهلالِ، ونحوُ: البِطِّيخُ شُهورَ الصيْفِ؛ أي: وُجودُ البِطِّيخِ شُهورَ الصيْفِ.
ومِنه قولُه صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في يومِ الجُمُعَةِ: ((وَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُو فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ، فَهُمْ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، فَالْيَهُودُ غَداً، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ)). رَوَاهُ البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ، والتقديرُ : عِيدُ اليهودِ غَداً، والظرْفُ هنا منصوبٌ على الظرفيَّةِ في مَحَلِّ رفعِ خَبَرٍ.
3- أنْ يكونَ اسمُ الذاتِ مُشْبِهاً لاسمِ المعنَى في حُصولِه وَقْتاً بعدَ وقتٍ، نحوُ: الرُّطَبُ شَهْرَيْ رَبيعٍ، وهذا يَجُوزُ نَصْبُه ظرْفَ زمانٍ، وجَرُّه بِفِي، وهو في الحالتيْنِ في مَحَلِّ رفعِ خَبَرٍ.
وهذا معنَى قولِهِ: (ولا يكونُ اسمُ زمانٍ خَبَرَا.. إلخ)؛ أيْ: لا يَقَعُ اسمُ الزمانِ خَبَراً عن المُبْتَدَأِ إذا كانَ جُثَّةً، والمرادُ به: اسمُ الذاتِ، لكِنْ إنْ حَصَلَ بذلك فائدةٌ جازَ؛ لأَنَّ الْمَدارَ عليها.
وسَكَتَ عن ظَرْفِ المكانِ؛ لأنه يَجُوزُ الإخبارُ عن الذاتِ والمعنى بظرْفِ المكانِ الخاصِّ؛ لأنه تَحْصُلُ به الإفادةُ، مِثلُ: الكتابُ أمامَكَ، العلْمُ عنْدَكَ، بخِلافِ: العلْمُ مَكاناً، فلا يَصِحُّ؛ لأنه عَامٌّ.
وإذا وَقَعَ ظَرْفُ المكانِ خَبَراً، وكانَ مُتَصَرِّفاً، مثلُ: المُدَرِّسُونَ جانِبٌ، والطلاَّبُ جَانِبٌ، خالِدٌ أمامَكَ، جازَ فيه الرفْعُ والنصْبُ، وإنْ كانَ غيرَ مُتَصَرِّفٍ، نحوُ: الطائرُ فوقَ الغُصْنِ وَجَبَ نصْبُه، والكلامُ على الظرْفِ في بابِ المفعولِ فيه.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الخبر

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir