دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 09:28 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تقديم الخبر

والأصْلُ في الأَخْبَارِ أنْ تُؤَخَّرَا = وجَوَّزُوا التقديمَ إذْ لا ضَرَرَا
فامْنَعْهُ حينَ يَستَوِي الْجُزآنِ = عُرْفًا ونُكْرًا عَادِمَيْ بَيانِ
كذا إذا ما الفعْلُ كانَ الْخَبَرَا = أَوْ قُصِدَ استعمالُهُ مُنْحَصِرَا
أو كانَ مُسْنَدًا لذِي لامِ ابْتِدَا = أوْ لازمِ الصدْرِ كمَنْ لي مُنْجِدَا
ونحوُ عِندِي دِرهمٌ وَلِي وَطَرْ = مُلْتَزَمٌ فيهِ تَقدُّمُ الْخَبَرْ
كذا إذا عادَ عليهِ مُضْمَرُ = مِمَّا بهِ عنهُ مُبِينًا يُخْبَرُ
كذا إذا يَستوجِبُ التَّصديرَا= كأينَ مَنْ عَلِمْتَهُ نَصِيرَا
وخَبَرَ المحصورِ قَدِّمْ أَبَدَا = كما لَنا إلَّا اتِّباعُ أَحْمَدَا


  #2  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

والأصلُ في الأخبارِ أنْ تُؤَخَّرَا = وَجَوَّزُوا التقديمَ إِذْ لاَ ضَرَرَا ([1])
الأصلُ تقديمُ المبتدأِ وتأخيرُ الخبرِ؛ وذلك لأنَّ الخبرَ وصفٌ في المعنَى للمبتدأِ، فاسْتَحَقَّ التأخيرَ كالوصفِ، ويَجُوزُ تقديمُه إذا لم يَحْصُلْ بذلكَ لَبْسٌ أو نحوُه على ما سَيُبَيَّنُ، فتقولُ: قائمٌ زيدٌ، وقائمٌ أبوه زيدٌ، وأبوه منطلِقٌ زيدٌ، وفي الدارِ زيدٌ، وعندَكَ عمرٌو.
وقدْ وَقَعَ في كلامِ بعضِهم أنَّ مذهَبَ الكُوفِيِّينَ مَنْعُ تقدُّمِ الخبرِ الجائزِ التأخيرِ عندَ البصريينَ، وفيه نَظَرٌ ([2])، فإنَّ بَعْضَهُم نَقَلَ الإجماعَ من البصريينَ والكُوفِيِّينَ على جَوازِ (في دارِه زيدٌ)، فنَقْلُ المنعُ عن الكُوفِيِّينَ مطلقاً ليسَ بصحيحٍ، هكذا قالَ بعضُهم، وفيه بَحْثٌ، نَعَمْ مَنَعَ الكُوفِيُّونَ التقديمَ في مثلِ: (زيدٌ قائمٌ، وزيدٌ قامَ أبوه، وزيدٌ أبوه منطلِقٌ)، والحقُّ الجوازُ؛ إذ لا مانِعَ من ذلك، وإليه أشارَ بقولِهِ: (وَجَوَّزُوا التقديمَ إذْ لاَ ضَرَرَا)، فتقولُ: (قائمٌ زيدٌ)، ومنه قولُهم: (مَشْنُوءٌ مَنْ يَشْنَؤُكَ)، فمَن مبتدأٌ ومَشْنُوءٌ خبرٌ مقدَّمٌ، و(قامَ أبوه زيدٌ)، ومنه قولُه:
49- قدْ ثَكِلَتْ أُمُّهُ مَنْ كُنْتَ وَاحِدَهُ = وباتَ مُنْتَشِباً فِي بُرْثُنِ الأَسَدِ ([3])
فـ(مَن كُنْتَ واحِدَهُ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، و(قد ثَكِلَتْ أُمُّهُ) خبرٌ مقدَّمٌ، و(أبوه منطلِقٌ زيدٌ)، ومنه قولُه:
50- إلى مَلِكٍ مَا أُمُّهُ مِن مُحَارِبٍ = أَبُوهُ ولاَ كَانَتْ كُلَيْبٌ تُصَاهِرُهْ ([4])
فـ(أبوه) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، و(ما أُمُّهُ مِن مُحَارِبٍ) خبرٌ مقدَّمٌ.
ونَقَلَ الشَّرِيفُ أبو السَّعَادَاتِ هِبَةُ اللهِ بنُ الشَّجَرِيِّ الإجماعَ من البصريينَ والكُوفِيِّينَ على جوازِ تقديمِ الخبرِ إذا كانَ جملةً، وليسَ بصحيحٍ، وقد قَدَّمْنَا نقلَ الخلافِ في ذلك عن الكُوفِيِّينَ.

فَامْنَعْهُ حِينَ يَسْتَوِي الجُزْآنِ = عُرْفاً ونُكْراً عَادِمَيْ بَيَانِ ([5])
كذا إذا ما الفِعْلُ كانَ الخَبَرَا = أو قُصِدَ اسْتِعْمَالُهُ مُنْحَصِرَا ([6])
أو كانَ مُسْنَداً لِذِي لاَمِ ابْتِدَا = أو لازِمِ الصَّدْرِ كمَنْ لِي مُنْجِدَا ([7])
يَنْقَسِمُ الخبرُ بالنظرِ إلى تقديمِه على المبتدأِ أو تأخيرِه عنه ثلاثةَ أقسامٍ:
قِسْمٌ يَجُوزُ فيه التقديمُ والتأخيرُ، وقد سَبَقَ ذِكْرُهُ.
وقِسْمٌ يَجِبُ فيه تأخيرُ الخبرِ.
وقِسمٌ يَجِبُ فيه تقديمُ الخبرِ.
فأشارَ بهذه الأبياتِ إلى الخبرِ الواجبِ التأخيرِ، فذَكَرَ مِنه خمسةَ مواضعَ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ كلٌّ مِن المبتدأِ والخبرِ معرفةً أو نَكِرَةً صَالحةً لجَعْلِهَا مبتدأً، ولا مُبَيِّنَ للمبتدأِ من الخبرِ، نحوُ: (زيدٌ أخوكَ، وأفضلُ مِن زيدٍ أفضلُ مِن عمرٍو)، ولا يَجُوزُ تقديمُ الخبرِ في هذا ونحوِه؛ لأنكَ لو قَدَّمْتَه فقلتَ: (أخوك، زيدٌ وأفضلُ من عمرٍو أفضلُ مِن زيدٍ) لكانَ المقدَّمُ مبتدأً ([8])، وأنتَ تُرِيدُ أنْ يكونَ خبراً مِن غيرِ دليلٍ يَدُلُّ عليه، فإنْ وُجِدَ دليلٌ يَدُلُّ على أنَّ المُتَقَدِّمَ خبرٌ جازَ؛ كقولِكَ: (أبو يُوسُفَ أبو حَنِيفَةَ)، فيَجُوزُ تَقَدُّمُ الخبرِ، وهو أبو حَنِيفَةَ؛ لأنَّه معلومٌ أنَّ المرادَ تشبيهُ أبي يُوسُفَ بأبي حَنِيفَةَ، لا تَشْبِيهُ أبي حنيفةَ بأبي يوسفَ، ومنه قولُهُ:
51- بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا = بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الأَبَاعِدِ ([9])
فقولُه: (بَنُونَا) خبرٌ مقدَّمٌ، و: (بنو أبنائِنا) مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ؛ لأنَّ المرادَ الحُكْمُ على بَنِي أبنائِهم بأنهم كَبَنِيهِم، وليسَ المرادُ الحُكْمَ على بَنِيهِم بأنهم كَبَنِي أبنائِهِم.
والثاني: أنْ يكونَ الخبرُ فعلاً رافعاً لضميرِ المبتدأِ مستتراً، نحوُ: (زيدٌ قامَ)، فقامَ وفاعلُه المقدَّرُ ([10]) خبرٌ عن زيدٍ، ولا يَجُوزُ التقديمُ، فلا يقالُ: (قامَ زيدٌ) على أنْ يكونَ زيدٌ مبتدأً مؤخراً والفعلُ خبراً مقدماً، بل يكونُ (زيدٌ) فاعلاً لقامَ، فلا يكونُ من بابِ المبتدأِ والخبرِ، بل من بابِ الفعلِ والفاعلِ، فلو كانَ الفعلُ رافعاً لظاهِرٍ، نحوُ: (زيدٌ قامَ أبوه) جازَ التقديمُ، فتقولُ: (قامَ أبوه زيدٌ)، وقد تَقَدَّمَ ذِكْرُ الخلافِ في ذلكَ ([11]).
وكذلك يَجُوزُ التقديمُ إذا رَفَعَ الفعلُ ضميراً بارزاً، نحوُ: الزيدانِ قاما، فيَجُوزُ أنْ تُقَدِّمَ الخبرَ فتقولُ: (قامَا الزيدانِ)، ويكونُ (الزيدانِ) مبتدأً مؤخَّراً، و(قاما) خبراً مقدَّماً، ومَنَعَ ذلكَ قومٌ.
وإذا عَرَفْتَ هذا فقولُ المصنِّفِ: (كذا إذا ما الفعلُ كانَ الخَبَرَ) يَقْتَضِي وجوبَ تأخيرِ الخبرِ الفعليِّ مطلقاً، وليسَ كذلكَ، بل إنما يَجِبُ تأخيرُه إذا رَفَعَ ضميراً للمبتدأِ مستتراً، كما تَقَدَّمَ.
الثالثُ: أنْ يكونَ الخبرُ محصوراً بإنما، نحوُ: (إنما زيدٌ قائمٌ)، أو بإلاَّ، نحوُ: (ما زيدٌ إلا قائمٌ)، وهو المرادُ بقولِهِ: (أو قُصِدَ اسْتِعْمَالُهُ مُنْحَصِرَا)، فلا يَجُوزُ تقديمُ قائمٌ على زيدٌ في المثاليْنِ، وقد جاءَ التقديمُ معَ إلاَّ شُذوذاً؛ كقولِ الشاعرِ:
52- فيا رَبِّ هَلْ إِلاَّ بِكَ النَّصْرُ يُرْتَجَى = عَلَيْهِمْ وهلْ إِلاَّ عَلَيْكَ المُعَوَّلُ ([12])
الأصلُ: وهلِ المُعَوَّلُ إلا عليكَ. فقَدَّمَ الخبرَ.
الرابعُ: أنْ يكونَ خبراً لمبتدأٍ قد دَخَلَتْ عليه لامُ الابتداءِ، نحوُ: (لَزيدٌ قائمٌ)، وهو المشارُ إليه بقولِهِ: (أو كانَ مُسنداً لِذِي لامِ ابْتِدَا)، فلا يَجُوزُ تقديمُ الخبرِ على اللامِ، فلا تقولُ: (قائمٌ لَزَيْدٌ)؛ لأنَّ لامَ الابتداءِ لها صدرُ الكلامِ، وقد جاءَ التقديمُ شذوذاً؛ كقولِ الشاعرِ:
53- خَالِي لأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ = يَنَلِ العَلاَءَ وَيَكْرُمِ الأَخْوَالاَ ([13])
فـ(لأنتَ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، و(خالي) خبرٌ مقدَّمٌ.
الخامِسُ: أنْ يكونَ المبتدأُ له صدرُ الكلامِ كأسماءِ الاستفهامِ، نحوُ: (مَن لي مُنْجِداً)، فمَن مبتدأٌ، ولي خبرٌ، ومُنْجِداً حالٌ، ولا يَجُوزُ تقديمُ الخبرِ على مَن، فلا تقولُ: لي مَن مُنْجِداً.

وَنَحْوُ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِي وَطَرْ = مُلْتَزَمٌ فِيهِ تَقَدُّمُ الْخَبَرْ ([14])
كذا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ = مِمَّا بِهِ عَنْهُ مُبِيناً يُخْبَرُ ([15])
كَذَا إِذَا يَسْتَوْجِبُ التَّصْدِيرَا = كَأَيْنَ مَنْ عَلِمْتُهُ نَصِيرَا ([16])
وخبرَ المحصورِ قَدِّمْ أَبَدَا = كما لَنَا إِلاَّ اتِّبَاعُ أَحْمَدَا ([17])
أشارَ في هذه الأبياتِ إلى القِسْمِ الثالثِ، وهو وجوبُ تقديمِ الخبرِ، فذَكَرَ أنه يَجِبُ في أربعةِ مواضِعَ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ المبتدأُ نكرةً ليسَ لها مُسَوِّغٌ إلاَّ تَقَدُّمُ الخبرِ، والخبرُ ظرفٌ أو جارٌّ ومجرورٌ، نحوُ: (عِندَكَ رَجُلٌ، وفي الدارِ امرأةٌ)، فيَجِبُ تقديمُ الخبرِ هنا، فلا تقولُ: (رَجلٌ عندَكَ)، ولا: (امرأةٌ في الدارِ).
وأَجْمَعَ النُّحَاةُ والعربُ على مَنْعِ ذلكَ، وإلى هذا أشارَ بقولِهِ: (وَنَحْوُ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِي وَطَرْ) البيتَ، فإنْ كانَ للنكرةِ مُسَوِّغٌ جازَ الأمرانِ، نحوُ: (رَجلٌ ظَريفٌ عِندِي)، و(عندي رَجلٌ ظريفٌ).
الثاني: أنْ يَشْتَمِلَ المبتدأُ على ضميرٍ يعودُ على شيءٍ في الخبرِ، نحوُ: (في الدارِ صَاحِبُها)، فصاحِبُها مبتدأٌ، والضميرُ المُتَّصِلُ به راجعٌ إلى الدارِ، وهو جزءٌ مِن الخبرِ، فلا يَجُوزُ تأخيرُ الخبرِ، نحوُ: (صاحِبُها في الدارِ)؛ لئلاَّ يَعُودَ الضميرُ على متأخِّرٍ لفظاً ورُتبةً.
وهذا مرادُ المصنِّفِ بقولِهِ: (كذا إذا عادَ عليه مُضْمَرُ) البيتَ؛ أي: كذا يَجِبُ تقديمُ الخبرِ إذا عادَ عليه مُضْمَرٌ ممَّا يُخْبَرُ بالخبرِ عنه، وهو المبتدأُ، فكأنه قالَ: يَجِبُ تقديمُ الخبرِ إذا عادَ عليه ضميرٌ مِن المبتدأِ، وهذه عبارةُ ابنِ عُصْفُورٍ في بعضِ كُتُبِه، ولَيْسَتْ بصحيحةٍ؛ لأنَّ الضميرَ في قولِكَ: (في الدارِ صَاحِبُها) إنما هو عائدٌ على جُزْءٍ من الخبرِ، لا على الخبرِ، فيَنْبَغِي أنْ تُقَدِّرَ مضافاً محذوفاً في قولِ المصنِّفِ: (عادَ عَلَيْهِ)، التقديرُ: كذا إذا عادَ على مُلابِسِه.
ثمَّ حُذِفَ المضافُ الذي هو مُلابس، وأُقِيمَ المضافُ إليه - وهو الهاءُ - مُقَامَه، فصارَ اللفظُ: (كذا إذا عادَ عَلَيْهِ)، ومثلُ قولِكَ: (في الدارِ صاحِبُها) قولُهم: (على التَّمْرَةِ مِثْلُها زُبْداً)، وقولُه:
54- أَهَابُكِ إِجْلالاً وَمَا بِكِ قُدْرَةٌ = عَلَيَّ وَلَكِنْ مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيبُهَا ([18])
فحَبِيبُها مبتدأٌ مؤخَّرٌ، ومِلْءُ عَيْنٍ خبرٌ مقدَّمٌ، ولا يَجُوزُ تأخيرُه؛ لأنَّ الضميرَ المتَّصِلَ بالمبتدأِ، وهو ها، عائدٌ على عَيْنٍ، وهو مُتَّصِلٌ بالخبرِ، فلو قلتَ: (حَبِيبُهَا مِلْءُ عَيْنٍ) عادَ الضميرُ على متأخِّرٍ لفظاً ورُتبةً، وقد جَرَى الخلافُ في جوازِ (ضَرَبَ غُلامُه زَيْداً) ([19])، معَ أنَّ الضميرَ فيه عائدٌ على متأخِّرٍ لفظاً ورُتبةً، ولم يَجْرِ خلافٌ - فيما أَعْلَمُ - في مَنْعِ (صَاحِبُها في الدارِ)، فما الفرقُ بينَهما؟ وهو ظاهرٌ، فلْيُتَأَمَّلْ.
والفرقُ بينَهما أنَّ ما عادَ عليه الضميرُ وما اتَّصَلَ به الضميرُ اشْتَرَكَا في العاملِ في مسألةِ (ضَرَبَ غلامُه زيداً)، بخلافِ مسألةِ (في الدارِ صَاحِبُها)؛ فإنَّ العاملَ فيما اتَّصَلَ به الضميرُ وما عادَ عليه الضميرُ مُختلِفٌ ([20]).
الثالثُ: أنْ يكونَ الخبرُ له صَدْرُ الكلامِ، وهو المرادُ بقولِهِ: (كَذَا إِذَا يَسْتَوْجِبُ التَّصْدِيرَا)، نحوُ: (أينَ زيدٌ؟)، فزيدٌ مبتدأٌ مؤخَّرٌ، وأينَ خبرٌ مقدَّمٌ، ولا يُؤَخَّرُ، فلا تقولُ: (زيدٌ أينَ؟)؛ لأنَّ الاستفهامَ له صدرُ الكلامِ، وكذلكَ (أينَ مَن عَلِمْتُه نَصيراً؟)، فأينَ خبرٌ مُقَدَّمٌ، ومَن مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، وعَلِمْتُه نصيراً صِلَةُ مَن.
الرابِعُ: أنْ يكونَ المبتدأُ محصوراً، نحوُ: (إنما في الدارِ زيدٌ، وما في الدارِ إلاَّ زيدٌ)، ومِثلُه: (ما لنا إلاَّ اتباعُ أحمدَ).

([1]) (والأصلُ) مبتدأٌ، (في الأخبارِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ به، (أنْ) مَصْدَرِيَّةٌ، (تُؤَخَّرَا) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ منصوبٌ بأنْ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هي يعودُ إلى الأخبارِ، والألفُ للإطلاقِ، و(أنْ) وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مصدرٍ خبرُ المبتدأِ، (وَجَوَّزُوا) فعلٌ وفاعلٌ، (التقديمَ) مفعولٌ به لجَوَّزُوا، (إِذْ) ظرفُ زمانٍ مُتَعَلِّقٌ بجَوَّزُوا، (لا) نافيةٌ للجِنْسِ، (ضَرَرَا) اسمُ لا، مبنيٌّ على الفتحِ في محَلِّ نصبٍ، والألفُ للإطلاقِ، وخبرُ لا محذوفٌ؛ أي: لا ضَرَرَ مَوْجُودٌ، والجملةُ مِن لا واسمِها وخبرِها في محَلِّ جرٍّ بإضافةِ إذ إليها.

([2]) في كلامِ الشارحِ في هذا الموضوعِ قَلَقٌ ورَكَاكَةٌ لا تَكَادُ تَتَبَيَّنُ مِنهما غَرَضَه واضحاً؛ فهو أوَّلاً يَنْقُلُ عن بعضِهم أنه ذَكَرَ أنَّ الكُوفِيِّينَ لم يُجَوِّزُوا تقديمَ الخبرِ على المبتدأِ.
ثم يَعْتَرِضُ على هذا النقلِ بقولِهِ: (وفيه نَظَرٌ)، ويَنْقُلُ عن بعضٍ آخرَ أنَّ الكُوفِيِّينَ يُجَوِّزُونَ عِبارةً ظَاهِرُ أَمْرِها أنها من بابِ تقديمِ الخبرِ، فيكونُ كلامُ الناقلِ الأوَّلِ على إطلاقِه باطلاً، وكانَ يَنْبَغِي ـ على ذلك ـ تَخْصِيصُه بما عَدَا هذه الصورةِ، ثم يَعْتَرِضُ على النقلِ الثاني بقولِه: (وفيه بحثٌ).
وظاهرُ المعنِيِّ من ذلكَ أنَّ هذه العبارةَ التي ظَنَّهَا ناقلُ المثالِ الثاني من بابِ تقديمِ الخبرِ لَيْسَتْ مِنه على وجهِ الجزْمِ والقَطْعِ؛ لأنَّه يجوزُ فيها أنْ يكونَ (زيدٌ) من قولِه: (في دارِه زيدٌ) فاعلاً بالجارِّ والمجرورِ، ولو لم يَعْتَمِدْ على نفيٍ أو استفهامٍ؛ لأنَّ الاعتمادَ ليسَ شرطاً عندَ الكُوفِيِّينَ، فيكونُ تجويزُ الكُوفِيِّينَ هذه العبارةَ ليسَ دليلاً على أنهم يُجَوِّزُونَ تقديمَ الخبرِ في صورةٍ مِن الصُّوَرِ، فقدْ رَجَعَ الشارِحُ على أوَّلِ كلامِهِ بالنَّقْضِ، هذا من حيثُ تَعْبِيرُه.
فأمَّا مِن حيثُ الموضوعُ في ذاتِهِ، فقد ذَكَرَ أبو البَرَكَاتِ بنُ الأنباريِّ في كتابِه (الإنصافِ في مسائلِ الخِلاَفِ) (ص 46 طبعة ثالثة بتحقيقِنا) أنَّ علماءَ الكوفةِ يَرَوْنَ أنه لا يَجُوزُ أنْ يَتَقَدَّمَ الخبرُ على المبتدأِ، مفرداً كانَ أو جملةً، وعَقَدَ في ذلك مسألةً خاصَّةً، وعلى هذا لا يَجُوزُ أنْ يكونَ قولُكَ: (في الدارِ زيدٌ) ـ إنْ صَحَّ عندَهم هذا التعبيرُ ـ من بابِ تقديمِ الخبرِ على المبتدأِ عندَهم.
فإنْ قلتَ: فهذا الخبرُ جارٌّ ومجرورٌ، والذي نَقَلْتَهُ عنهم عَدَمُ تجويزِ التقدُّمِ إذا كانَ الخبرُ مُفْرداً أو جُملةً.
فالجوابُ: أنَّ الجارَّ والمجرورَ ـ عندَ الجمهورِ خِلافاً لابنِ السَّرَّاجِ الذي جَعَلَه قِسماً برأسِهِ ـ لا يَخْلُو حالُه من أنْ يكونَ في تقديرِ المفردِ، أو في تقديرِ الجملةِ، وأيضاً فقد عَلَّلُوا عدمَ تجويزِ التقدُّمِ بأنَّ الخبرَ اشْتَمَلَ على ضميرٍ يعودُ على المبتدأِ، فلو قَدَّمْنَاهُ لَتَقَدَّمَ الضميرُ على مَرْجِعِه، وذلك لا يَجُوزُ عندَهم، وهذه العِلَّةُ نفسُها موجودةٌ في الجارِّ والمجرورِ، سواءٌ أَقَدَّرْتَ مُتَعَلِّقَه اسماً مُشْتَقًّا أم قَدَّرْتَهُ فِعْلاً.
([3]) البيتُ لشاعرِ سَيِّدِنَا رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَّانَ بنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ:
اللغة: (ثَكِلَتْ أُمُّهُ) هو مِن الثُّكْلِ، وهو فَقْدُ المرأةِ وَلَدَها، (مُنْتَشِباً) عالِقاً داخِلاً، (بُرْثُنِ الأسدِ) مِخْلَبُه، وجَمْعُهُ بَرَاثِنُ، مثلُ بُرْقُعٍ وبَرَاقِعَ، والبَرَاثِنُ للسباعِ بمنزلةِ الأصابعِ للإنسانِ، وقالَ ابنُ الأعرابِيِّ: البُرْثُنُ: الكَفُّ بكمالِهَا معَ الأصابِعِ.
الإعرابُ: (قد) حرفُ تحقيقٍ، (ثَكِلَتْ)، ثَكِلَ: فعلٌ ماضٍ، والتاءُ تاءُ التأنيثِ، (أُمُّهُ) أمُّ: فاعلُ ثَكِلَتْ، وأمُّ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، والجملةُ من الفعلِ وفاعلِهِ في محَلِّ رفعِ خبرٍ مقدَّمٍ، (مَن) اسمٌ موصولٌ مبتدأٌ مؤخَّرٌ، (كُنْتَ) كانَ: فعلٌ ماضٍ ناقصٌ، والتاءُ ضميرُ المخاطَبِ اسْمُهُ مبنيٌّ على الفتحِ في محَلِّ رفعٍ، (وَاحِدَهُ) واحدَ: خبرُ كانَ، وواحدَ مضافٌ، والضميرُ مضافٌ إليه، والجملةُ مِن (كانَ) واسْمِهَا وخَبَرِها لا محَلَّ لها؛ صِلَةُ الموصولِ الذي هو مَن، (وَبَاتَ) الواوُ عاطفةٌ، باتَ: فعلٌ ماضٍ ناقِصٌ، واسمُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى مَن، (مُنْتَشِباً) خبرُ باتَ، (في بُرْثُنِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمُنْتَشِبٍ، وبُرْثُنِ مضافٌ و(الأسدِ) مضافٌ إليه.
الشاهدُ فيه: قولُه: (قَدْ ثَكِلَتْ أُمُّهُ مَنْ كُنْتَ وَاحِدَهُ) حيثُ قَدَّمَ الخبرَ، وهو جملةُ (ثَكِلَتْ أُمُّهُ)، على المبتدأِ، وهو (مَنْ كُنْتَ وَاحِدَهُ)، وفي جملةِ الخبرِ المتقدِّمِ ضميرٌ يعودُ على المبتدأِ المتأخِّرِ، وسَهَّلَ ذلكَ أنَّ المبتدأَ ـ وإنْ وَقَعَ متأخِّراً ـ بمنزلةِ المتقدِّمِ في اللفظِ؛ فإنَّ رُتْبَتَهُ التقدُّمُ على الخبرِ؛ كما نُصَّ عليه في بيتِ الناظمِ وفي مَطْلَعِ شرحِ المؤلِّفِ لهذا الموضوعِ.
([4]) هذا البيتُ مِن كَلِمَةٍ للفَرَزْدَقِ يَمْدَحُ بها الوَلِيدَ بنَ عبدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ.
اللغةُ: (مُحَارِبٍ) وَرَدَ في عِدَّةِ قَبَائِلَ:
أحدُها: مِن قُرَيْشٍ، وهو مُحَارِبُ بنُ فِهْرِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ.
والثاني: مِن قَيْسِ عَيْلاَنَ، وهو مُحَارِبُ بنُ خَصَفَةَ بنِ قَيْسِ عَيْلاَنَ.
والثالثُ: مِن عبدِ القَيْسِ، وهو مُحَارِبُ بنُ عَمْرِو بنِ وَدِيعَةَ بنِ لُكَيْزِ بنِ أَفْصَى بنِ عَبْدِ الْقَيْسِ.
(كُلَيْبٌ) ـ بزِنَةِ التصغيرِ ـ اسمٌ وَرَدَ في عِدَّةِ قَبَائِلَ أيضاًً:
أَحَدُها: في خُزَاعَةَ، وهو كُلَيْبُ بنُ حُبْشِيَّةَ بنِ سَلُولٍ.
والثاني: في تَغْلِبَ بنِ وَائَلٍ، وهو كُلَيْبُ بنُ رَبِيعَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ زُهَيْرٍ.
والثالثُ: في تَمِيمٍ، وهو كُلَيْبُ بنُ يَرْبُوعِ بنِ حَنْظَلَةَ بنِ مَالِكٍ.
والرابِعُ: في النَّخَعِ، وهو كُلَيْبُ بنُ رَبِيعَةَ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ مَعَدِّ بنِ مَالِكِ بنِ النَّخَعِ.
والخامِسُ: في هَوَازِنَ، وهو كُلَيْبُ بنُ رَبِيعَةَ بنِ صَعْصَعَةَ.
الإعرابُ: (إلى مَلِكٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (أَسُوقُ مَطِيَّتِي) في بيتٍ سابقٍ على بيتِ الشاهدِ، وهو قولُه:
رَأَوْنِي فَنَادَوْنِي، أَسُوقُ مَطِيَّتِي = بِأَصْوَاتِ هَلاَّلٍ صِعَابٍ جَرَائِرُهْ
(ما) نافيةٌ مُهْمَلَةٌ، أو تَعْمَلُ عَمَلَ ليسَ، (أُمُّهُ) أمُّس: مبتدأٌ أو اسمُ ما، وأُمُّ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (مِن مُحَارِبٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ المبتدأِ أو خَبَرُ (ما)، وجملةُ (ما) ومَعْمُولَيْهَا في محَلِّ رَفْعِ خبرٍ مقدَّمٍ، (أَبُوهُ) أبو: مبتدأٌ مؤخَّرٌ، وأبو مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، وجملةُ المبتدأِ وخبرِه في محَلِّ جرِّ صفةٍ لِمَلِكٍ، (ولا) الواوُ عاطفةٌ، لا نافيةٌ، (كَانَتْ) كانَ: فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، والتاءُ تاءُ التأنيثِ، (كُلَيْبٌ) اسمُ كانَ، (تُصَاهِرُهْ) تُصَاهِرُ: فعلٌ مضارِعٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هي يعودُ إلى كُلَيْبٌ، والضميرُ البارِزُ مفعولٌ به، والجملةُ مِن الفعلِ والفاعلِ في محَلِّ نصبِ خبرِ (كانَ)، وجملةُ كانَ واسمِها وخبرِها في محَلِّ جرِّ معطوفٍ على جملةِ الصفةِ.
الشاهدُ فيه: في هذا البيتِ شاهدٌ للنحاةِ وشاهدٌ لعلماءِ البلاغةِ:
فأمَّا النحاةُ فيَسْتَشْهِدُونَ به على تقديمِ الخبرِ؛ وهو جملةُ (مَا أُمُّهُ مِنْ مُحَارِبٍ)، على المبتدأِ؛ وهو قولُه: (أبوه)، والتقديرُ: إلى مَلِكٍ أَبُوهُ لَيْسَتْ أُمُّهُ مِن مُحَارِبٍ.
وأمَّا عُلَمَاءُ البلاغةِ فيَذْكُرُونَه شَاهِداً على التعقيدِ اللَّفْظِيِّ الذي سَبَبُه التقديمُ والتأخيرُ، ومثلُه في ذلكَ قولُ الفرزدقِ أيضاًً يَمْدَحُ إبراهيمَ بنَ هِشامِ بنِ إسماعيلَ المَخْزُومِيَّ، وهو خالُ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ:
وَمَا مِثْلُهُ فِي النَّاسِ إِلاَّ مُمَلَّكاً = أبو أُمِّهِ حَيٌّ أَبُوهُ يُقَارِبُهْ
التقديرُ: وما مثلُه في الناسِ حيٌّ يُقَارِبُه إلاَّ مُمَلَّكاً أبو أُمِّه أبوه.
([5]) (فَامْنَعْهُ) امْنَعْ: فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، والضميرُ البارِزُ - العائدُ على تقديمِ الخبرِ- مفعولٌ به لامْنَعْ، (حِينَ) ظرفُ زمانٍ مُتَعَلِّقٌ بامْنَعْ، (يَسْتَوِي) فعلٌ مضارِعٌ، (الجُزْآنِ) فاعلُ يَسْتَوِي، والجملةُ مِن الفعلِ والفاعلِ في محَلِّ جَرٍّ بإضافةِ (حينَ) إليها، (عُرفاً) تَمْيِيزٌ، (ونُكْراً) معطوفٌ عليه، (عَادِمَي) حالٌ من (الجزآنِ)، وعَادِمَي مضافٌ و(بيانِ) مضافٌ إليه، والتقديرُ: فامْنَعْ تقديمَ الخبرِ في وقتِ استواءِ جُزْأَيِ الجملةِ ـ وهما المبتدأُ والخبرُ ـ، مِن جهةِ التعريفِ والتنكيرِ، بأنْ يكونَا معرفتيْنِ أو نكرتيْنِ كلٌّ مِنهما صالِحَةٌ للابتداءِ بها، حالَ كَوْنِهما عادِمَي بَيَانٍ؛ أي: لا قَرِينَةَ معَهما تُعَيِّنُ المبتدأَ مِنهما مِن الخبرِ.
([6]) (كذا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بامْنَعْ، (إذا) ظرفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِن الزمانِ تَضَمَّنَ معنَى الشرطِ، (ما) زائدةٌ، (الفعلُ) اسمٌ لكانَ محذوفةٍ تُفَسِّرُها المذكورةُ بَعْدَها، والخبرُ محذوفٌ أيضاً، والجملةُ مِن كانَ المحذوفةِ واسمِها وخبرِها في محَلِّ جرٍّ بإضافةِ إذا إليها، (كانَ) فعلٌ ماضٍ ناقصٌ، واسمُها ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى الفعلِ، (الخَبَرَا) الخبرَ: خبرُ (كانَ)، والألفُ للإطلاقِ، والجملةُ لا مَحَلَّّ لها؛ مُفَسِّرَةٌ، (أَوْ) عاطفةٌ، (قُصِدَ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، (استعمالُه) استعمالُ: نائبُ فاعلِ قُصِدَ، واستعمالُ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (مُنْحَصِرَا) حالٌ مِن المضافِ إليه، وجازَ ذلك؛ لأنَّ المضافَ عاملٌ فيه.
([7]) (أوْ) عاطفةٌ، (كانَ) فعلٌ ماضٍ ناقصٌ، واسمُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى الخبرِ، (مُسْنَداً) خبرُ كانَ، (لذي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمُسْنَدٍ، وذي مضافٌ و(لامِ) مضافٌ إليه، ولامِ مضافٌ و(ابْتِدَا) مضافٌ إليه، (أوْ) عاطفةٌ (لازمِ) معطوفٌ على ذي، ولازِمِ مضافٌ و(الصَّدْرِ) مضافٌ إليه، (كمَنْ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ كما تَقَدَّمَ مِراراً، (مَن) اسمُ استفهامٍ مبتدأٌ، (لي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرِ المبتدأِ، (مُنْجِدَا) حالٌ من الضميرِ المُسْتَتِرِ في الخبرِ الذي هو الجارُّ والمجرورُ، وذلك الضميرُ عائدٌ على المبتدأِ الذي هو اسمُ الاستفهامِ.
([8]) إذا كانَتِ الجملةُ مُكَوَّنَةً من مبتدأٍ وخبرٍ، وكانا جميعاً مَعْرِفَتَيْنِ، فللنُّحاةِ في إعرابِها أربعةُ أقوالٍ:
أَوَّلُها: أنَّ المُقَدَّمَ مبتدأٌ والمؤَخَّرَ خَبَرٌ، سواءٌ أكانَا مُتَسَاوِيَيْنِ في درجةِ التعريفِ أمْ كانا مُتَفَاوِتَيْنِ، وهذا هو الظاهرُ مِن عبارةِ الناظمِ والشارحِ.
وثانيها: أنه يجوزُ جَعْلُ كلِّ واحدٍ مِنهما مبتدأً؛ لِصِحَّةِ الابتداءِ بكلِّ واحدٍ مِنهما.
والثالثُ: أنه إنْ كانَ أحدُهما مُشْتَقًّا والآخرُ جامِداً، فالمشتقُّ هو الخبرُ، سواءٌ أَتَقَدَّمَ أم تَأَخَّرَ، وإلاَّ - بأنْ كانا جامِدَيْنِ، أو كانَ كلاهما مُشْتَقًّا - فالمقدَّمُ مبتدأٌ.
والرابِعُ: أنَّ المبتدأَ هو الأعرفُ عندَ المخاطَبِ، سواءٌ أَتَقَدَّمَ أمْ تَأَخَّرَ، فإنْ تَسَاوَيَا عندَه فالمقدَّمُ هو المبتدأُ.
([9]) نَسَبَ جماعةٌ هذا البيتَ للفرزدقِ، وقالَ قومٌ: لا يُعْلَمُ قائلُه، معَ شُهْرَتِه في كُتُبِ النحاةِ وأهلِ المعاني والفَرْضِيِّينَ.
الإعرابُ: (بَنُونَا) بنو: خبرٌ مقدَّمٌ، وبنو مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (بَنُو) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، وبنو مضافٌ وأبناءِ من (أبنائِنَا) مضافٌ إليه، وأبناءِ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (وَبَنَاتُنَا) الواوٌ عاطفةٌ، بناتُ: مبتدأٌ أوَّلُ، وبناتُ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (بَنُوهُنَّ) بنو: مبتدأٌ ثانٍ، وبنو مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (أَبْنَاءُ) خبرُ المبتدأِ الثاني، وجملةُ المبتدأِ الثاني وخبرِه في مَحَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الأوَّلِ، وأبناءُ مضافٌ و(الرجالِ) مضافٌ إليه، (الأَبَاعِدِ) صفةٌ للرجالِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (بَنُونَا بنو أَبْنَائِنَا) حيثُ قَدَّمَ الخبرَ؛ وهو (بَنُونَا)، على المبتدأِ؛ وهو (بَنُو أَبْنَائِنَا)، معَ استواءِ المبتدأِ والخبرِ في التعريفِ؛ فإنَّ كلاًّ مِنهما مضافٌ إلى ضميرِ المتكلِّمِ، وإنما ساغَ ذلك لوجودِ قرينةٍ معنويَّةٍ تُعَيِّنُ عندَ السامعِ المبتدأَ منهما؛ فإنَّكَ قد عَرَفْتَ أنَّ الخبرَ هو مَحَطُّ الفائدةِ، فما يكونُ فيه أساسَ التشبيهِ ـ وهو الذي تُذْكَرُ الجملةُ لأجلِهِ ـ فهو الخبرُ، فإذا سَمِعَ أحدٌ هذا البيتَ تَبَادَرَ إلى ذِهْنِهِ أنَّ المتكلِّمَ به يُرِيدُ تشبيهَ أبناءِ أبنائِهم بأبنائِهم، دونَ العكسِ.
وبعدُ، فقدْ قالَ ابنُ هِشامٍ يَعْتَرِضُ على ابنِ الناظِمِ استشهادَه بهذا البيتِ: (قد يُقالُ: إنَّ هذا البيتَ لا تَقديمَ فيه ولا تأخيرَ، وإنه جاءَ على التشبيهِ المقلوبِ؛ كقولِ ذِي الرُّمَّةِ:
فكانَ يَنْبَغِي أنْ يَسْتَشْهِدَ بما أَنْشَدَهُ في (شرحِ التسهيلِ) مِن قولِ حَسَّانَ بنِ ثابتٍ:

قبيلةٌ أَلأَمُ الأحياءِ أَكْرَمُها = وأَغْدَرُ الناسِ بالجِيرَانِ وَافِيهَا
إذِ المرادُ الإخبارُ عن أَكْرَمِها بأنه أَلأَمُ الأحياءِ، وعن وافِيها بأنه أَغْدَرُ الناسِ، لا العكسُ. اهـ كلامُ ابنِ هِشامٍ.
والجوابُ عنه من وجهيْنِ:
أحدُهما: أنَّ التشبيهَ المقلوبَ من الأمورِ النادرةِ، والحملُ على ما يَنْدُرُ وقوعُه لمجرَّدِ الاحتمالِ ممَّا لا يَجُوزُ أنْ يُصَارَ إليه، وإلاَّ فإنَّ كلَّ كلامٍ يُمْكِنُ تَطْوِيقُ احتمالاتٍ بعيدةٍ إليه، فلا تكونُ ثَمَّةَ طُمَأْنِينَةٌ على إفادةِ غرضِ المتكلِّمِ بالعِبارةِ.
وثانيهما: أنَّ ما ذَكَرَه في بَيْتِ حَسَّانَ مِن أنَّ الغرضَ الإخبارُ عن أكرمِ هذه القبيلةِ بأنه أَلأَمُ الأحياءِ، وعن أَوْفَى هذه القبيلةِ بأنه أَغْدَرُ الأحياءِ، هذا نفسُه يَجْرِي في بيتِ الشاهدِ، فيقالُ: إنَّ غرضَ المتكلِّمِ الإخبارُ عن أبناءِ أبنائِهم بأنهم يُشْبِهُونَ أبناءَهُم، وليسَ الغرضُ أنْ يُخْبِرَ عن بَنِيهم بأنهم يُشْبِهُونَ بني أبنائِهِم، فلَمَّا صَحَّ أنْ يكونَ غرضُ المتكلِّمِ مُعَيِّناً للمبتدأِ صَحَّ الاستشهادُ ببيتِ الشاهدِ.
ومثلُ بيتِ الشاهدِ قولُ الكُمَيْتِ بنِ زَيْدٍ الأَسدِيِّ:
كَلامُ النَّبِيِّينَ الهُدَاةِ كَلاَمُنَا = وأَفْعَالَ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ نَفْعَلُ
فإنَّ الغرضَ تَشْبِيهُ كلامِهم بكلامِ النبيِّين الهُدَاةِ، لا العَكْسُ.
([10]) أراد بالمُقَدَّرِ ههنا المُسْتَتِرَ فيه.
([11]) يريدُ خلافَ البَصْرِيِّينَ والكُوفِيِّينَ؛ حيثُ جَوَّزَ البَصْرِيُّونَ التقديمَ، ومَنَعَه الكُوفِيُّونَ، (واقْرَأِ الهامشةَ رَقْمَ 1 في ص 228).
([12]) البيتُ للكُمَيْتِ بنِ زَيْدٍ الأَسْدِيِّ، وهو الشاعرُ المُقَدَّمُ، العالِمُ بلُغَاتِ العربِ، الخبيرُ بأَيَّامِها، وأحدُ شُعَرَاءِ مُضَرَ المُتَعَصِّبِينَ على القَحْطَانِيَّةِ، والبيتُ مِن قصيدةٍ له من قصائدَ تُسَمَّى الهاشِمِيَّاتِ، قالَهَا في مَدْحِ بني هاشِمٍ، وأوَّلُها قولُه:
أَلاَ هَلْ عَمٍ فِي رَأْيِهِ مُتَأَمِّلُ = وهلْ مُدْبِرٌ بعدَ الإساءةِ مُقْبِلُ
اللغةُ: (عَمٍ) العَمَى: ذَهَابُ البَصَرِ مِن العَيْنَيْنِ جَمِيعاً، ولا يُقالُ: عَمى إلاَّ على ذلكَ، ويقالُ لمَن ضَلَّ عنه وجهُ الصوابِ: هو أَعْمى، وعمٍ، والمرأةُ عَمْياءُ وعَمِيَةٌ، (مُدْبِرٌ) هو في الأصلِ مَن وَلاَّكَ قَفَاهُ، ويُرادُ منه الذي يُعْرِضُ عنكَ ولا يُبَالِيكَ، (المُعَوَّلُ) تقولُ: عَوَّلْتُ على فُلانٍ، إذا جَعَلْتَه سَنَدَكَ الذي تَلْجَأُ إليه، وجَعَلْتَ أُمُورَكَ كُلَّها بينَ يَدَيْهِ، والمُعَوَّلُ ههنا مصدرٌ مِيمِيٌّ بمعنَى التعويلِ.
الإعرابُ: (يَا رَبِّ) يا: حرفُ نداءٍ، رَبِّ: مُنَادًى منصوبٌ بفتحةٍ مقدَّرَةٍ على ما قبلَ ياءِ المتكلِّمِ المحذوفةِ اكتفاءً بكسرِ ما قبلَها، (هلْ) حرفُ استفهامٍ إنكاريٌّ دالٌّ على النفيِ، (إلاَّ) أداةُ استثناءٍ مُلْغَاةٌ، (بِكَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ مقدَّمٍ، (النَّصْرُ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، (يُرْتَجَى) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ على (النَّصْرُ)، ويجوزُ أنْ يكونَ (بِكَ) مُتَعَلِّقاً بقولِه: يُرْتَجَى، وجملةُ يُرْتَجَى معَ نائبِ فاعلِهِ المُسْتَتِرِ فيه في مَحَلِّ رفعِ خبرٍ، (عَلَيْهِمْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ في المعنَى بالنَّصْرُ، ولكنَّ الصناعةَ تَأْبَاهُ؛ لِمَا يَلْزَمُ عليه من الفصلِ بينَ العاملِ ومعمولِهِ بأجنبِيٍّ؛ لهذا يُجْعَلُ مُتَعَلِّقاً بيُرْتَجَى، (وهلْ) حرفُ استفهامٍ تَضَمَّنَ معنَى النفيِ، (إِلاَّ) أداةُ استثناءٍ مُلْغَاةٌ، (عَلَيْكَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ مقدَّمٍ، (المُعَوَّلُ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (بِكَ النَّصْرُ) و(عَلَيْكَ المُعَوَّلُ)؛ حيثُ قَدَّمَ الخبرَ المحصورَ بإلاَّ في الموضعيْنِ شُذُوذاًَ، وقد كانَ مِن حَقِّه أنْ يقولَ: هل يُرْتَجَى النصرُ إلاَّ بِكَ؟ وهلِ المعوَّلُ إلاَّ عليكَ؟ وأنتَ خبيرٌ بأنَّ الاستشهادَ بقولِه: (بِكَ النصرُ) لا يَتِمُّ إلا على اعتبارِ أنَّ الجارَّ والمجرورَ خبرٌ مقدَّمٌ، والنصرَ مبتدأٌ مؤخَّرٌ، فأمَّا على اعتبارِ أنَّ الخبرَ هو جملةُ (يُرْتَجَى) فلا شاهدَ في الجملةِ الأولَى مِن البيتِ لِمَا نحنُ فيه، ويكونُ الشاهدُ في الجملةِ الثانيةِ وحدَها، وعبارةُ الشارِحِ تُفِيدُ ذلكَ؛ فإنَّه تَرَكَ ذِكْرَ الاستشهادِ بالجملةِ الأولَى لاحتمالِها وجهاً آخَرَ، وقد عَلِمْتَ أنَّ الدليلَ إذا احْتَمَلَ وَجْهاً آخرَ سَقَطَ الاستدلالُ به.
والحكمُ بِشُذُوذِ هذا التقديمِ إطلاقاً ـ كما ذَكَرَه الشارِحُ ـ هو رأيُ جماعةِ النحاةِ، فأمَّا علماءُ البلاغةِ فيقولون: إنْ كانَتْ أداةُ القصرِ هي (إنما) لم يَسُغْ تقديمُ الخبرِ إذا كانَ مقصوراً عليه، وإنْ كانَتْ أداةُ القصرِ (إلاَّ) فإنْ قَدَّمْتَ الخبرَ وقَدَّمْتَ معَه (إلا) كما في هذه العبارةِ صَحَّ التقديمُ؛ لأنَّ المعنَى المقصودَ لا يَضِيعُ؛ إذ تقديمُ (إلا) معَه يُبَيِّنُ المرادَ.
وأنتَ لو جَعَلْتَ الخبرَ في صدرِ البيتِ هو جملةَ (يُرْتَجَى) وجَعَلْتَ الجارَّ والمجرورَ مُتَعَلِّقاً به كانَ في هذه العبارةِ تقديمُ معمولِ الخبرِ على المبتدأِ، وهم يَسْتَدِلُّونَ بتقديمِ المعمولِ على جوازِ تقديمِ العاملِ.
([13]) البيتُ من الشواهدِ التي لم يُعْرَفْ قائِلُها:
اللغةُ: (جَرِيرٌ) يُرْوَى في مكانِه: تَمِيمٌ، ويُرْوَى أيضاً: عُوَيْفٌ، (العَلاَءَ) بفتحِ العينِ المهملةِ ممدوداً: الشرفُ والرِّفعةُ، وقيلَ: هو مَصْدَرُ: عَلِيَ في المكانِ يَعْلَى، على وزنِ رَضِيَ يَرْضَى، وأما في المَرتبةِ فيقالُ: عَلاَ يَعْلُو عُلُوًّا، مثلُ: سَمَا يَسْمُو سُمُوًّا.
الإعرابُ: (خَالِي لأَنْتَ) يجوزُ فيه إعرابانِ:
أحدُهما: أن يكونَ (خالِ) مبتدأً، وهو مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، واللامُ للابتداءِ، و(أنتَ) خبرُ المبتدأِ، وفيه ـ على هذا الوجهِ من الإعرابِ ـ شذوذٌ مِن حيثُ دخولُ اللامِ على الخبرِ، معَ أنها خاصَّةٌ بالدخولِ على المبتدأِ.
وثانيهما: أنْ يكونَ (خالي) خبراً مقدَّماً، و(لأنتَ) مبتدأً مؤخَّراً، وهذا الوجهُ هو الذي قَصَدَ الشارِحُ الاستشهادَ بالبيتِ من أجلِه، وليسَ شاذًّا من الجهةِ التي ذَكَرْنَاهَا أَوَّلاً، وإنْ كانَ فيه الشذوذُ الذي ذَكَرَه الشارِحُ، وسَنُبَيِّنُه عندَ الكلامِ على الاستشهادِ، (ومَن) الواوُ للاستئنافِ، مَن: اسمٌ موصولٌ مبتدأٌ، (جَرِيرٌ) مبتدأٌ، (خَالُهُ) خالُ: خبرُ المبتدأِ الذي هو جَرِيرٌ، وخالُ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، والجملةُ مِن جَرِيرٌ وخبرِه لا مَحَلَّ لها؛ صلةُ الموصولِ، (يَنَل) فعلٌ مضارِعٌ جُزِمَ تشبيهاً للموصولِ بالشرطِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى مَن، (العلاءَ) مفعولٌ به لِيَنَل، وجملةُ الفعلِ والفاعلِ والمفعولِ في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، وهو مَن، (ويَكْرُم) الواوُ عاطفةٌ، يَكْرُم: فعلٌ مضارعٌ معطوفٌ على (يَنَلِ)، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى مَن، (الأَخْوَالاَ) قالَ العَيْنِيُّ: هو مفعولٌ به. وهو بَعِيدٌ كلَّ البعدِ، ولا يَسُوغُ إلاَّ على أنْ يكونَ يَكْرُم مضارِعَ أَكْرَمَ مَبْنِيًّا للمجهولِ، والأَوْلَى أنْ يَكونَ قولُه: (يَكْرُم) مضارِعَ كَرُمَ، ويكونَ قولُه: (الأَخْوَالاَ) تمييزاً: إما على مذهَبِ الكُوفِيِّينَ الذين يُجَوِّزُونَ دخولَ (ألِ) المُعَرِّفَةِ على التمييزِ، وإما على أنْ تكونَ ألْ زائدةً على ما قالَه البَصْرِيُّونَ في قولِ الشاعرِ:
الشاهدُ فيه: في هذا البيتِ ثلاثةُ شواهدَ للنحاةِ:
الأَوَّلُ: في قولِهِ: (يَنَلِ العلاءَ)؛ فإنَّ هذا فعلٌ مضارعٌ لم يَسْبِقْهُ ناصِبٌ ولا جازِمٌ، وقد كانَ من حَقِّهِ أنْ يَجِيءَ به الشاعِرُ مرفوعاً فيقولَ: (يَنَالُ العلاءَ)، ولكِنَّه جاءَ به مجزوماً، فحَذَفَ عينَ الفعلِ كما يَحْذِفُها في (لَمْ يَخَفْ) ونحوِه، والحاملُ له على الجزمِ تشبيهُ الموصولِ بالشرطِ؛ كما شَبَّهَهُ الشاعِرُ به حيثُ يقولُ:
كذاكَ الذي يَبْغِي على الناسِ ظَالِماً = تُصِبْهُ عَلَى رَغْمٍ عَوَاقِبُ مَا صَنَعْ
وليسَ لكَ أنْ تَزْعُمَ أنَّ (مَن) في قولِهِ: (مَن جَرِيرٌ خَالُهُ) شرطيَّةٌ؛ فلذلكَ جَزَمَ المضارِعَ في جَوَابِها؛ لأنَّ ذلكَ يَسْتَدْعِي أنْ تَجْعَلَ جملةَ (جَرِيرٌ خَالُهُ) شَرْطاً، وهو غيرُ جائزٍ عندَ أحدٍ من النحاةِ؛ لأنَّ جملةَ الشرطِ لا تكونُ اسْمِيَّةً أصلاً، (وانْظُرْ ـ معَ ذلكَ ـ شرحَ الشاهدِ رَقْمِ 58 الآتِي).
والشاهدُ الثاني: في قولِهِ: (وَيَكْرُمِ الأَخْوَالاَ)؛ فإنَّه تمييزٌ على ما اخْتَرْنَاهُ، وقد جاءَ به مَعْرِفَةً، وهذا يَدُلُّ للكُوفيِّينَ الذين يَرَوْنَ جوازَ مَجِيءِ التمييزِ مَعْرِفَةً، والبصريونَ يقولونَ: ألْ في هذا زائدةٌ، لا مُعَرِّفَةٌ.
والشاهدُ الثالثُ: وهو الذي مِن أَجْلِهِ أَنْشَدَ الشارِحُ في البيتِ هنا في قَوْلِهِ: (خَالِي لأَنْتَ)؛ حيثُ قَدَّمَ الخبرَ، معَ أنَّ المبتدأَ متَّصِلٌ بلامِ الابتداءِ شُذُوذاً.
وفي البيتِ توجيهاتٌ أُخرَى أَشَرْنا إلى أحدِها في الإعرابِ.
والثاني: أنه أرادَ (لَخَالِي أَنْتَ) فأَخَّرَ اللامَ إلى الخبرِ ضرورةً.
والثالثُ: أنْ يكونَ أصلُ الكلامِ: (خالي لهُو أنتَ)، فخالي: مبتدأٌ أوَّلُ، والضميرُ مبتدأٌ ثانٍ، وأنتَ: خبرُ الثاني، فحُذِفَ الضميرُ، فاتَّصَلَتِ اللامُ بخَبَرِه، معَ أنها لا تَزَالُ في صدرِ ما ذُكِرَ مِن جُمْلَتِها.
ومثلُ هذا البيتِ في هذين التوجيهيْنِ قولُ الراجِزِ:
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ = تَرْضَى مِن اللَّحْمِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
([14]) (ونحوُ) مبتدأٌ، (عِنْدِي) عندِ: ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ مقدَّمٍ، وعندِ مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (دِرْهَمٌ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، (ولِي) الواوُ عاطفةٌ، لي: جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ مقدَّمٍ، (وَطَرْ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، (مُلْتَزَمٌ) اسمُ مفعولٍ: خبرُ المبتدأِ الذي هو قولُه: (نحوُ) في أَوَّلِ البيتِ، (فيهِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمُلْتَزَمٌ، (تَقَدُّمُ) نائبُ فاعلٍ لقولِهِ: (مُلْتَزَمٌ)، وتَقَدُّمُ مضافٌ و(الخبرِ) مضافٌ إليه.
([15]) (كذا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صفةٍ لموصوفٍ محذوفٍ يَدُلُّ عليه ما قبلَه؛ أي: يُلْتَزَمُ تَقَدُّمُ الخبرِ الْتِزَاماً كهذا الالتزامِ، (إِذَا) ظرفٌ للمستقبَلِ من الزمانِ، تَضَمَّنَ معنى الشرطِ، (عادَ) فعلٌ ماضٍ، (عليهِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بعادَ، (مُضْمَرُ) فاعلُ عادَ، (مِمَّا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بعادَ أيضاًً، وما اسمٌ موصولٌ، (بِهِ عَنْهُ) مُتَعَلِّقَانِ بيُخْبَرُ الآتِي، (مُبِيناً) حالٌ من المجرورِ في (بِهِ)، (يُخْبَرُ) فعلٌ مضارِعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه، والجملةُ لا مَحَلَّ لها؛ صلةُ (ما) وجملةُ (عادَ عليه مُضْمَرُ) في محَلِّ جرٍّ بإضافةِ إذا إليها، وهي شرطُ إذا، وجَوَابُها محذوفٌ يَدُلُّ عليه سابقُ الكلامِ، وتقديرُ البيتِ: يُلْتَزَمُ تَقَدُّمُ الخبرِ الْتِزَاماً كذلكَ الالتزامِ السابقِ إذا عادَ على الخبرِ ضميرٌ من المبتدأِ الذي يُخْبَرُ بذلكَ الخبرِ عنه حالَ كونِه مُبَيِّناً ـ أي: مُفَسِّراً ـ لذلكَ الضميرِ.
قالَ ابنُ غازِيٍّ: وهذا البيتُ معَ تَعَقُّدِهِ وتَشْتِيتِ ضمائرِه كانَ يُغْنِي عنه وعمَّا بعدَه أنْ يقولَ:
كذا إذَا عادَ عليه مُضْمَرُ = مِن مُبْتَداً، وما لهُ التَّصَدُّرُ
([16]) (كذا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ مِثْلُ سابقِه في أوَّلِ البيتِ السابقِ، (إذا) ظرفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ من الزمانِ، (يَسْتَوْجِبُ) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى الخبرِ، (التَّصْدِيرَا) مفعولٌ به لِيَسْتَوْجِبُ، والجملةُ في محلِّ جرٍّ بإضافةِ (إذا) إليها، (كَأَيْنَ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، أينَ: اسمُ استفهامٍ مبنيٌّ على الفتحِ في محَلِّ رفعِ خبرٍ مقدَّمٍ، (مَن) اسمٌ موصولٌ مبنيٌّ على السكونِ في محَلِّ رفعِ مبتدأٍ مؤخَّرٍ، (عَلِمْتُهُ) فعلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ أَوَّلُ، (نَصِيرَا) مفعولٌ ثانٍ لعَلِمَ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها؛ صِلَةٌ.
([17]) (وخبرَ) مفعولٌ مُقَدَّمٌ لـ (قَدِّمِ) الآتِي، وخبرَ مضافٌ و(المحصورِ) مضافٌ إليه، (قَدِّمْ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجوباً تقديرُه أنتَ، (أَبَدَا) منصوبٌ على الظرفيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بقَدِّمْ، (كما) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، (ما) نافيةٌ، (لنا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ مقدَّمٍ، (إلاَّ) أداةُ استثناءٍ ملغاةٌ، (اتِّبَاعُ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، واتباعُ مضافٌ و(أَحْمَدَا) مضافٌ إليه مجرورٌ بالفتحةِ نيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه ممنوعٌ من الصرفِ للعَلَمِيَّةِ ووَزْنِ الفِعْلِ، والألفُ للإطلاقِ.
([18]) هذا البيتُ قد نَسَبَهُ قومٌ ـ منهم أبو عُبَيْدٍ البَكْرِيُّ في شرحِهِ على الأمالي (ص 401) - لنصيبِ بنِ رَبَاحٍ الأكبرِ، ونَسَبَه آخرونَ ـ ومنهم ابنُ نُبَاتَةَ المِصْرِيُّ في كِتابِه (سرحِ العيونِ) (ص 191 بولاق) إلى مجنونِ بَنِي عامرٍ مِن أبياتٍ أَوَّلُها قولُه:

ونَادَيْتُ يَا رَبَّاهُ أَوَّلُ سُؤْلَتِي = لِنَفْسِيَ لَيْلَى، ثُمَّ أَنْتَ حَسِيبُهَا
دعَا المُحْرِمُونَ اللَّهَ يَسْتَغْفِرُونَهُ = بمَكَّةَ يَوْماً أَنْ تُمَحَّى ذُنُوبُهَا
اللغةُ: (أَهَابُكِ) مِن الهَيْبَةِ، وهي المَخَافَةُ، (إِجْلاَلاً) إعظاماً لقَدْرِك.
المعنى: إني لأَهَابُكِ وأخافُكِ، لا لاقْتِدَارِكِ عَلَيَّ، ولكِنْ إعظاماً لِقَدْرِكِ؛ لأنَّ العينَ تَمْتَلِئُ بِمَن تُحِبُّه فتَحْصُلُ المَهَابَةُ، وهو معنًى أَكْثَرَ الشعراءُ منه؛ انْظُرْ إلى قولِ ابنِ الدُّمَيْنَةِ:

وَإِنِّي لأَسْتَحْيِيكِ حَتَّى كَأَنَّمَا = عَلَيَّ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مِنْكِ رَقِيبُ
الإعرابُ: (أَهَابُكِ) أَهَابُ: فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنا، والضميرُ البارِزُ المتَّصِلُ مفعولٌ به، مبنيٌّ على الكسرِ في مَحَلِّ نصبٍ، (إجلالاً) مفعولٌ لأجلِه، (وما) الواوُ واوُ الحالِ، وما: نافيةٌ، (بِكِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ مقدَّمٍ، (قُدْرَةٌ) مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، (عَلَيَّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقُدْرَةٌ، أو بمحذوفٍ نعتٍ لقُدْرَةٌ، (ولَكِنْ) حرفُ استداركٍ، (مِلْءُ) خبرٌ مقدَّمٌ، ومِلْءُ مضافٌ و(عينٍ) مضافٌ إليه، (حَبِيبُهَا) حبيبُ: مبتدأٌ مؤخَّرٌ، وحبيبُ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه.
الشاهدُ فيه: قولُه: (مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيبُهَا)؛ فإنَّه قَدَّمَ الخبرَ؛ وهو قولُه: (مِلْءُ عَيْنٍ) على المبتدأِ؛ وهو قولُه: (حَبِيبُها)؛ لاتصالِ المبتدأِ بضميرٍ يعودُ على مُلابِسِ الخبَرِ، وهو المضافُ إليه، فلو قَدَّمْتَ المبتدأَ ـ معَ أنَّكَ تَعْلَمُ أنَّ رُتْبَةَ الخبرِ التأخيرُ ـ لعادَ الضميرُ الذي اتَّصَلَ بالمبتدأِ على متأخِّرٍ لفظاً ورُتْبَةً، وذلك لا يجوزُ، لكنَّكَ بتقديمِكَ الخبرَ قد رَجَّعْتَ الضميرَ على متقدِّمٍ لفظاً وإنْ كانَتْ رُتْبَتُه التأخيرَ، وهذا جائزٌ، ولا إشكالَ فيه.
([19]) مثلُ ذلكَ المثالِ: كلُّ كلامٍ اتَّصَلَ فيه ضميرٌ بالفاعلِ المتقدِّمِ، وهذا الضميرُ عائدٌ على المفعولِ المتأخِّرِ، نحوُ مثالِ ابنِ مالكٍ في بابِ الفاعلِ مِن الألفيَّةِ: (زَانَ نَوْرُهُ الشَّجَرَ) برفعِ (نَوْرُهُ) على أنه فاعلُ زانَ، ونَصْبِ (الشجرَ) على أنه مفعولُه ـ ونحوُ قولِ الشاعرِ:
جَزَى بَنُوهُ أَبَا الغِيلاَنِ عَنْ كِبَرٍ = وَحُسْنِ فِعْلٍ كَمَا يُجْزَى سِنِمَّارُ
ونحوُ قولِ الشاعرِ الآخَرِ:
كَسَا حِلْمُه ذَا الحِلْمِ أَثْوَابَ سُؤْدَدٍ = ورَقَّى نَدَاهُ ذَا النَّدَى في ذُرَى الْمَجْدِ
وسيأتي بيانُ ذلكَ وإيضاحُه في بابِ الفاعلِ.
([20]) وأيضاً فإنَّ المفعولَ قد تَقَدَّمَ على الفاعلِ كثيراً في سَعَةِ الكلامِ، نحوُ: (ضَرَبَ عَمْراً زيدٌ)، حتَّى لَيُظَنُّ أنَّ رُتْبَتَه قد صَارَتِ التقدُّمَ، بخلافِ الخبرِ؛ فإنَّه ـ وإنْ تَقَدَّمَ على المبتدأِ أحياناً ـ لا يَتَصَوَّرُ أحدٌ أنَّ رُتْبَتَهُ التقدُّمُ؛ لكونِهِ حُكْماً، والحُكْمُ في مَرْتَبَةِ التأخُّرِ عن المحكومِ عليه أَلْبَتَّةَ.
وأيضاً فإنَّ الفاعلَ والفعلَ المتعدِّيَ جَميعاً يُشْعِرَانِ بالمفعولِ، فكانَ المفعولُ كالمتقدِّمِ، بخلافِ الخبرِ المتَّصِلِ بمبتدئِه ضميرٌ يعودُ على مُلابِسِه؛ فإنَّ المبتدأَ إنْ أَشْعَرَ بالخبرِ لم يُشْعِرْ بما يُلاَبِسُ الخبرَ الذي هو مَرْجِعُ الضميرِ.


  #3  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

فصلٌ: وللخبرِ ثلاثُ حالاتٍ:
إحداها: التأخُّرُ، وهو الأصلُ كـ (زيدٌ قائمٌ) . ويَجِبُ في أربعِ مَسَائِلَ ([1]):
إحدَاها: أن يُخَافَ التباسُه بالمبتدأِ، وذلك إذا كانَا مَعْرِفَتَيْنِ، أو مُتَسَاوِيَيْنِ ولا قَرِينَةَ، نحوُ: (زيدٌ أخوك) و(أَفْضَلُ منك أَفْضَلُ مِنِّي) بخلافِ (رجلٌ صالحٌ حاضرٌ) و(أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ) وقولُه:
71 - بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا = ..........
أي: بَنُو أبنائِنَا مثلُ بَنِينَا.
الثانيةُ: أن يُخَافَ التباسُ المبتدأِ بالفاعلِ، نحوُ: (زيدٌ قامَ) بخلافِ (زيدٌ قائمٌ) أو (قامَ أبُوه) و(أخوَاكَ قَامَا) ([2]).
الثالثةُ: أن يَقْتَرِنَ بإلا مَعْنًى، نحوُ: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} ([3])، أو لَفْظاً نحوُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} ([4])، فأمَّا قولُه:
72 -.......... = وَهَلْ إِلاَّ عَلَيْكَ المُعَوَّلُ
فضرورةٌ.
الرابعةُ: أن يَكُونَ المبتدأُ مُسْتَحِقًّا للتصديرِ، إمَّا بنفسِه ([5]) نحوُ: (ما أَحْسَنَ زَيْداً) و(مَن في الدارِ؟) و(مَن يَقُمْ أَقُمْ مَعَه) و(كَمْ عَبيدٍ لزيدٍ) أو بغيرِه، إمَّا مُتَقَدِّماً عليه، نحوُ: (لزيدٌ قائمٌ)، وأمَّا قولُه:
73 - أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
فالتقديرُ: لهِيَ عجوزٌ، أو اللامُ زائدةٌ لا لامُ الابتداءِ، أو مُتَأَخِّراً عنه نحوُ: (غُلامُ مَنْ في الدارِ) و(غُلامُ مَنْ يَقُمْ أَقُمْ مَعَه) و(مَالُ كَمْ رَجلٍ عندَك) أو مُشَبَّهاً به، نحوُ: (الذي يَأْتِينِي فله دِرْهَمٌ، فإنَّ المبتدأَ هنا مُشَبَّهٌ باسمِ الشرطِ؛ لعُمُومِه واستقبالِ الفعلِ الذي بعدَه وكَوْنِه سبباً، ولهذا دَخَلَت الفاءُ في الخبرِ كما تَدْخُلُ في الجوابِ ([6]).
الحالةُ الثانيةُ: التقَدُّمُ، ويَجِبُ في أربعِ ([7]) مَسَائِلَ:
إحداها: أن يُوقِعَ تأخيرُه في لَبْسٍ ظاهرٍ، نحوُ (في الدارِ رجلٌ) و(عندَك مالٌ) و(قَصَدَكَ غُلامُه رجلٌ) و(عندي أنَّك فاضلٌ)، فإنَّ تأخيرَ الخبرِ في هذا المثالِ يُوقِعُ في إلباسِ (أنَّ) المفتوحةِ بالمكسورَةِ، و(أنَّ) المُؤَكِّدَةِ بالتي بمَعْنَى لَعَلَّ، ولهذا يَجُوزُ تأخيرُه بعدَ (أمَّا) كقولِه:
74 -.......... وَأَمَّا أَنَّنِي جَزِعٌ = يَوْمَ النَّوَى فَلِوَجْدٍ كَادَ يَبْرِينِي
لأنَّ (إنَّ) المكسورةَ و(أنَّ) التي بمَعْنَى لعلَّ لا يَدْخُلانِ هنا، وتأخيرُه في الأمثلةِ الأُوَلِ يُوقِعُ في إلباسِ الخبرِ بالصفَةِ، وإنَّمَا لم يَجِبْ تقديمُ الخبرِ في نحوِ: {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} ([8])؛ لأنَّ النكرةَ قد وُصِفَت بمُسَمًّى، فكانَ الظاهرُ في الظرفِ أنَّه خبرٌ لا صفةٌ.
الثانيةُ: أن يَقْتَرِنَ المبتدأُ بإلا لَفْظاً، نحوُ: ما لنا إلاَّ اتِّبَاعُ أَحْمَدَا ([9])، أو مَعْنًى، نحوُ: (إنَّمَا عندَك زيدٌ).
الثالثةُ: أن يَكُونَ لازمَ الصدرِيَّةِ، نحوُ: (أينَ زيدٌ؟) أو مُضافاً إلى مُلازِمِها، نحوُ: (صَبِيحَةُ أَيِّ يومٍ سَفَرُك).
الرابعةُ: أنْ يَعُودَ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بالمبتدأِ على بعضِ الخبرِ، كقولِه تعَالَى: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} ([10])، وقولِ الشاعرِ:
75 -.......... = وَلَكِنْ مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيبُهَا
الحالةُ الثالثةُ: جوازُ التقديمِ والتأخيرِ، وذلك فيما فُقِدَ فيه مُوجِبُهما، كقولِك: (زيدٌ قائمٌ) فيَتَرَجَّحُ تَأْخِيرُه على الأصلِ، ويَجُوزُ تقديمُه لعدمِ المانِعِ.


([1]) بَقِيَت عليه مَسائلُ أُخْرَى يَجِبُ فيها تَأَخُّرُ الخبرِ، ولم يَذْكُرْها.
مِنها: أنْ يَكُونَ المبتدأُ هو مُذْ أو مُنْذُ، نحوُ: (ما رَأَيْتُه مُذْ يَوْمَانِ) إذا جَعَلْتَ مُذْ اسماً مبتدأً. وإعرابُ مُذْ خَبَراً مُقَدَّماً - كمَا ذَهَبَ إليه الزجَّاجُ - غيرُ مُستقيمٍ، وسيَأْتِي بيانُه في مواضِعِ تقديمِ الخبرِ. ونُبَيِّنُ لك مَذْهَبَ جَمْهَرَةِ النحاةِ ومَذْهَبَ الزَّجَّاجِ جميعاً.
ومنها: أنْ يكُونَ المبتدأُ ضميرَ مُتَكَلِّمٍ أو مُخَاطَبٍ مُخْبَراً عنه بالذي وفُرُوعِه، نحوُ: (أنا الذي عَرَفُونِي) ونحوُ: (أنت الذي تَدَّعِي ما لا تُحْسِنُه) خِلافاً للكِسَائِيِّ في هذه المسألةِ.
ومِن ذلك ما يُنْسَبُ إلى عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِ أُمِّي حَيْدَرَهْ ....
ومنه قولُ الحَمَاسِيِّ:
أَنَا الَّذِي يَجِدُونِي فِي صُدُورِهِمُ = لاَ أَرْتَقِي صَدْراً مِنْهَا وَلاَ أَرِدُ
ومنه قولُ ابنِ الدُّمَيْنَةِ:
وَأَنْتِ الَّتِي حَبَّبْتِ شَغْباً إِلَى بَدَا = إِلَيَّ، وأَوْطَانِي بِلادٌ سِوَاهُمَا
ومنها: أن يَكُونَ الخبرُ طَلَباً نحوُ: (زَيدٌ اضْرِبْهُ) و(زَيدٌ لا تُهِنْهُ).
ومِنها: أن يكُونَ المبتدأُ دُعَاءً، نحوُ قولِك: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) و(وَيْلٌ لَكُمْ).
ومنها: أن يكُونَ الخبرُ مُتَعَدِّداً وهو في قُوَّةِ الخبرِ الواحدِ، نحوُ: (الرُّمَّانُ حُلْوٌ حَامِضٌ).
ومنها: أن يَقَعَ بينَ المبتدأِ والخبرِ ضَميرُ الفصلِ نحوُ: (زَيدٌ هو المُنطلِقُ).
ومنها: أن يَكُونَ الخبرُ مُقْتَرِناً بالباءِ الزائدةِ، نحوُ قولِك: ما زَيدٌ بقَائمٍ.
71 - هذه قطعةٌ مِن صدرِ بيتٍ مِن الطويلِ، وهو بتمَامِه:
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا، وَبَنَاتُنَا = بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الأَبَاعِدِ
وأَنْشَدَهُ الرَّضِيُّ. (1/87)، والأَشْمُونِيُّ. (ق 153)، وابنُ هِشَامٍ في (المُغْنِي). (ش 702).
ونَسَبَ جماعةٌ هذا البيتَ للفَرَزْدَقِ، وقالَ قومٌ: لا يُعْلَمُ قَائِلُه معَ شُهرَتِه في كُتُبِ النحاةِ وأهلِ المعَانِي والفَرْضِيِّينَ، ويَظْهَرُ لِي أنَّهُ مَوضُوعٌ، فإنَّه أَشْبَهُ بالمُتُونِ التي تُضْبَطُ بها القَوَاعِدُ.
الإعرابُ: (بَنُونَا) بَنُو خبرٌ مُقَدَّمٌ، وبَنُو مُضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه. (بَنُو) مُبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، وهو مُضافٌ وأبناءِ مِن (أَبْنَائِنَا) مضافٌ إليه، وأَبْنَاءِ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه. (وَبَنَاتُنَا) الواوُ عاطفةٌ، بَنَاتُ: مُبتدأٌ أوَّلُ، وهو مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه، (بَنُوهُنَّ) بَنُو: مُبتدأٌ ثَانٍ، وهو مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه. (أَبْنَاءُ) خبرُ المبتدأِ الثانِي، وجملةُ المبتدأِ الثانِي وخبرِه في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ المبتدأِ الأوَّلِ، وأبناءُ مُضافٌ و(الرِّجَالِ) مُضافٌ إليه. (الأَبَاعِدِ) صِفَةٌ للرِّجَالِ.
الشاهدُ فيه: قولُهُ: (بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا) حيثُ قَدَّمَ الخَبَرَ - وهو قولُه: (بَنُونَا) على المبتدأِ وهو (بَنُو أَبْنَائِنَا) - معَ استواءِ المُبتدأِ والخبرِ في التعريفِ، فإنَّ كُلاًّ مِنهما مُضافٌ إلى ضميرِ المُتَكلِّمِ - وإنَّمَا سَاغَ ذلك لوُجودِ قَرِينةٍ مَعنويَّةٍ تُعَيِّنُ المُبتدأَ مِنهما، فإنَّك قد عَرَفْتَ أنَّ الخبرَ هو مَحَطُّ الفَائِدَةِ فما يكُونُ فيه أَسَاسُ التشبيهِ - الذي تُذْكَرُ الجملةُ لأجلِه - فهو الخبرُ.
ومثلُ هذا قولُهم: (ذَكَاةُ الجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) إلاَّ أنَّ في هذا المثالِ ما يُوجِبُ التأخيرَ وهو اشتِمَالُ المبتدأِ على ضميرٍ يعُودُ إلى الخبرِ، والأصلُ: ذَكَاةُ أُمِّ الجنينِ ذَكَاةٌ للجَنِينِ؛ فذَكَاةُ أُمِّه مُبتدأٌ، وذَكَاةُ الجنينِ هو الخبرُ، ولو أنَّك قَدَّمْتَ فقُلْتَ: ذَكَاةُ أُمِّهِ ذَكَاةُ الجنينِ، لعَادَ الضميرُ على مُتَأَخِّرٍ لَفْظاً ورُتْبَةً، وقد عَلِمْتَ أنَّهُ غيرُ جَائزٍ.
وبعدُ، فقد قالَ ابنُ هِشَامٍ: يُعْتَرَضُ على ابنِ الناظمِ استِشْهَادُه بهذا البيتِ، قد يُقَالُ: إنَّ هذا البيتَ لا تقديمَ فيه ولا تأخيرَ، وإنَّه جَاءَ على التشبيهِ المقلوبِ، كقولِ ذِي الرُّمَّةِ:
وَرَمْلٍ كَأَوْرَاكِ العَذَارَى قَطَعْتُه
فكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَشْهِدَ بما أَنْشَدَه أَبُوه في (التسهِيلِ) مِن قولِ حَسَّانَ بنِ ثَابِتٍ:
قَبِيلَةٌ أَلأَمُ الأَحْيَاءِ أَكْرَمُهَا = وَأَغْدَرُ النَّاسِ بِالجِيرَانِ وَافِيهَا
إذ المُرَادُ الإخبارُ عَن أكرَمِها بأنَّه أَلأَمُ الأحياءِ، وعن وافِيها بأنَّه أغدرُ الناسِ، لا العكسُ اهـ. كلامُ ابنُ هِشَامٍ.
والجوابُ عنه مِن وجهَيْنِ:
أحدُهما: أنَّ التشبيهَ المقلوبَ مِن الأساليبِ النادرةِ، والحَمْلُ على ما يَنْدُرُ وُقوعُه لمُجَرَّدِ الاحتِمَالِ مِمَّا لا يجُوزُ أن يُصَارَ إليه، وإلاَّ فإنَّ كُلَّ كَلامٍ يُمْكِنُ تَطْرِيقُ احتمالاتٍ بعيدةٍ إليه حَتَّى لا يَكُونَ ثَمَّةَ طُمَأْنِينَةٌ على إفادةِ غَرَضِ المُتَكَلِّمِ بالعِبَارَةِ.
وثانِيهُما: أنَّ ما ذَكَرَه في بيتِ حَسَّانَ مِن أنَّ الغَرَضَ الإخبارُ عَن أَكْرَمِ هذه القبيلَةِ بأنَّهُ أَلأَمُ الأحيَاءِ وعَن أَوْفَى هذه القبيلَةِ بأنَّهُ أَغْدَرُهُم، هذا نَفْسُه يَجْرِي في بيتِ الشاهدِ فيُقَالُ: إِنَّ غَرَضَ المُتَكَلِّمِ الإخبارُ عَن بَنِي أَبْنَائِهِم بأنَّهُم يُشْبِهُونَ أبناءَهُم، وليسَ الغرضُ أن يُخْبِرَ عَن بَنِيهِم بأنَّهُم يُشْبِهُون بَنِي أَبْنَائِهِم، فلَمَّا صَحَّ أنْ يكُونَ غرضُ المتكَلِّمِ مُعَيِّناً للمبتدأِ صَحَّ الاستشهادُ ببيتِ الشاهدِ، وهذا الوجهُ هو الذي يُشِيرُ إليه كلامُ ابنِ النَّاظِمِ وغيرِه.
هذا ومِثْلُ بيتِ الشاهدِ قَوْلُ الكُمَيْتِ بنِ زَيْدٍ الأسَدِيِّ:
كَلامُ النَّبِيِّينَ الهُدَاةِ كَلامُنَا = وَأَفْعَالَ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ نَفْعَلُ
فإنَّ الغرضَ تشبيهُ كَلامِهِم بكلامِ النبِيِّينَ الهُداةِ، لا العكسُ.
([2]) فإن قُلْتَ: أَلَسْتُمْ قَدْ جَوَّزْتُمْ في نحوِ (أقائمٌ زيدٌ) وجهَيْنِ مِن وُجوهِ الإعرابِ؛ أحدِهما أن يكُونَ (قائمٌ) خَبَراً مُقَدَّماً، و(زيدٌ) مُبتدأً مُؤَخَّراً، وثانِيهُما أنْ يَكُونَ (قَائِمٌ) مبتدأً و(زيدٌ) فاعلاً أَغْنَى عَن الخبرِ، فاحتَمَلَ في هذا المثالِ ونحوِه أن يَكُونَ (زيدٌ) فاعِلاً وأن يَكُونَ مُبتدأً، وهو جَائزٌ واردٌ في كثيرٍ مِن الكلامِ العربِيِّ، فلماذا لم يَمْتَنِعْ خوفَ التباسِ المبتدأِ بالفاعلِ.
فالجوابُ أنَّ خوفَ التباسِ المبتدأِ بالفاعلِ مَانِعٌ في حالةٍ واحدةٍ، وهي أن يَكُونَ المُسندُ فِعْلاً، للفَرْقِ بينَ الجُملةِ الاسمِيَّةِ والجملةِ الفعليَّةِ، فإنْ كانَ المُسندُ اسماً كما في هذا المثالِ لم يَمْتَنِعْ.
فإنْ قُلْتَ: فما فَرْقُ ما بينَ الجُملتَيْنِ؟!
قلتُ: الجملةُ الاسميَّةُ تَدُلُّ على ثُبوتِ المُسندِ للمُسندِ إليه ودَوَامِه، والفعليَّةُ تَدُلُّ على تَجَدُّدِهِ وحُدوثِه، وشَتَّانَ ما بَيْنَهما.
([3]) سورة هود، الآية: 12.
([4]) سورة آل عمران، الآية: 114.
72 - هذه قطعةٌ مِن عَجُزِ بيتٍ مِن الطويلِ، وهو بتمَامِه:
فَيَا رَبِّ، هَلْ إِلاَّ بِكَ النَّصْرُ يُرْتَجَى = عَلَيْهِمْ؟ وَهَلْ إِلاَّ عَلَيْكَ المُعَوَّلُ؟

والبيتُ لِلكُمَيْتِ بنِ زَيْدٍ الأَسَدِيِّ، وهو الشاعِرُ المُقَدَّمُ العالِمُ بلُغاتِ العربِ، الخبيرُ بأيَّامِها، وأحدُ شُعراءِ مُضَرَ المُتَعَصِّبِينَ على القحطَانِيَّةِ، والبيتُ مِن قصيدةٍ له مِن قصائِدَ تُسَمَّى الهَاشِمِيَّاتِ قالَها في مَدِيحِ بَنِي هَاشمٍ، وأَوَّلُها قولُه:
أَلاَ هَلْ عَمٍ فِي رَأْيِهِ مُتَأَمِّلُ؟ = وَهَلْ مُدْبِرٌ بَعْدَ الإِسَاءَةِ مُقْبِلُ؟
اللغةُ: (عَمٍ) العَمَى ذَهَابُ البصرِ مِن العينَيْنِ جَمِيعاً، ولا يُقَالُ: أَعْمَى، إلا على ذلكَ. ويُقَالُ لمَن ضَلَّ عنه وَجْهُ الصوابِ: هو أَعْمَى وعَمٍ، والمرأةُ عَمْيَاءُ وعَمِيَةٌ، (مُدْبِرٌ) هو في الأصلِ مَن وَلاَّكَ قَفَاهُ، ويُرَادُ منه الذي يُعْرِضُ عَنْكَ ولا يُبَالِيكَ، (المُعَوَّلُ) تَقُولُ: عَوَّلْتُ على فُلانٍ، إذا جَعَلْتَه سَنَدَك الذي تَلْجَأُ إليه، وجَعَلْتَ أُمُورَكَ كُلَّها بينَ يَدَيْهِ، والمُعَوَّلُ ههنا مَصدرٌ مِيمِيٍّ بمَعْنَى التعويلِ.
الإعرابُ: (يَا رَبِّ) يَا: حرفُ نداءٍ، ورَبِّ مُنَادًى منصوبٌ بفتحةٍ مُقَدَّرةٍ على ما قبلَ ياءِ المتكَلِّمِ المحذوفةِ اكتفاءً بكَسْرِ ما قبلَها، (هَلْ) حرفُ استفهامٍ إنكارِيٍّ دَالٌّ على النفيِ. (إِلاَّ) أداةُ استثناءٍ مُلغاةٌ (بِكَ) جَارٌّ ومجرورٌ مُتعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مُقَدَّمٌ، (النصرُ) مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، (يُرْتَجَى) فعلٌ مُضارعٌ مَبنِيٌّ للمجهولِ، ونَائِبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستترٌ فيه جَوازاً تقديرُه هو يَعُودُ على (النصرِ) ويَجُوزُ أن يَكُونَ (بك) مُتَعَلِّقاً بقَوْلِه: (يُرْتَجَى) وتَكُونَ جُملةُ يُرْتَجَى في مَحَلِّ رَفعٍ خبرُ المبتدأِ (عَلَيْهِمْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ في المَعْنَى (بالنصرِ) ولكنَّ الصناعةَ تَأْبَاهُ لِمَا يَلْزَمُ عليه مِن الفَصْلِ بينَ العاملِ ومعمولِه بأجنَبِيٍّ، لهذا يُجْعَلُ مُتَعَلِّقاً بيُرْتَجَى. (وَهَلْ) حرفُ استفهامٍ تَضَمَّنَ معنَى النفيِ، (إِلاَّ) أداةُ استثناءٍ مُلغاةٌ (عَلَيْكَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مُقَدَّمٌ (المُعَوَّلُ) مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (بِكَ النَّصْرُ)، و(عَلَيْكَ المُعَوَّلُ) حيثُ قَدَّمَ الخبرَ المَحصُورَ بإِلاَّ في الموضعَيْنِ شُذُوذاً، وقَدْ كَانَ مِن حَقِّهِ أن يَقُولَ: هَلِ النصرُ يُرْتَجَى إلاَّ بِكَ، وهل المُعَوَّلُ إلا علَيْكَ، وأنت خبيرٌ بأنَّ الاستشهادَ بقولِه: (بِكَ النصرُ) لا يَتِمُّ إلا على اعتبارِ أنَّ الجارَّ والمجرورَ خبرٌ مُقَدَّمٌ، والنصرَ مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، فأَمَّا على أنَّ الخبرَ هو جملةُ (يُرْتَجَى) فلا شَاهِدَ في الجملةِ الأولَى مِن البيتِ لِمَا نحنُ فيه، ويَكُونُ الشاهدُ في الجملةِ الثانيةِ فَقَطْ، ولهذا الاحتمالِ في الجملةِ الأُولَى تَرَكَ المُؤَلِّفُ صَدْرَ البيتِ.
والحُكْمُ بشُذوذِ هذا التقديمِ إطلاقاً - كما هو ظاهرُ إطلاقِ كلامِ المؤلِّفِ - هو رأيُ جماعةِ النحاةِ، فأمَّا علماءُ البلاغةِ فمِنهم مَن جَرَى على هذا الإطلاقِ، ومِنهم قَومٌ يُفَصِّلُونَ فيَقُولُونَ: إنْ كَانَت أداةُ القَصْرِ هي (إنَّمَا) لم يَصِحَّ تقديمُ الخبرِ إذا كانَ مَقْصُوراً عليه، وإن كَانَت أداةُ القَصْرِ (إلاَّ) فإنْ قَدَّمْتَ الخبرَ وقَدَّمْتَ معَه إلا كما في هذه العبارةِ صَحَّ التقديمُ؛ لأنَّ المَعْنَى المقصودَ لا يَضِيعُ؛ إذ تقديمُ (إلا) يُبَيِّنُ المُرادَ.
([5]) الأسماءُ المُستَحِقَّةُ للتصديرِ بنَفْسِها أربعةٌ هي: (ما) التعجُّبِيَّةُ، وقد مَثَّلَ لها المُؤَلِّفُ بالمثالِ الأوَّلِ، وأسماءُ الاستفهامِ وقد مَثَّلَ لها المُؤَلِّفُ بالمثالِ الثانِي، وأسماءُ الشرطِ وقد مَثَّلَ لها المُؤلِّفُ بالمثالِ الثالثِ، و(كَم) الخبريَّةُ وقد مَثَّلَ لها المُؤَلِّفُ بالمثالِ الرابعِ، فكم مُبتدأٌ، وعَبِيدٍ مضافٌ إليه، ولزَيْدٍ خبرُ المبتدأِ.
والأسماءُ المُستَحِقَّةُ للتصديرِ بغيرِها أربعةٌ أيضاً: كلُّ اسمٍ أُضِيفَ إلى اسمِ استفهامٍ أو اسمِ شرطٍ، أو أُضِيفَ إلى كم الخبريَّةِ، وكُلُّ اسمٍ اقتَرَنَ بلامِ الابتداءِ، وقد مَثَّلَ المُؤَلِّفُ لذلك كُلِّه، فتَنَبَّهْ وكُنْ على ثَبَتٍ.
73 - هذا بيتٌ مِن الرَّجَزِ المشطورِ، وبعدَه:
تَرْضَى مِنَ اللَّحْمِ بعَظْمِ الرَّقَبَهْ
ونَسَبَه جماعةٌ - منهم الصَّاغَانِيُّ - إلى عَنْتَرَةَ بنِ عَرُوسٍ، وهو رجلٌ مِن مَوَالِي بَنِي ثَقِيفٍ، ونَسَبَه آخَرُونَ إلى رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ، والأوَّلُ أَكْثَرُ وأَشْهَرُ، وروَاهُ الجَوْهَرِيُّ في (الصِّحَاحِ) وابنُ مَنْظُورٍ في (اللِّسَانِ) غيرَ مَنسوبٍ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ.
اللغةُ: (الحُلَيْسِ) هو تصغيرُ حِلْسٍ، والحِلْسُ - بكَسْرٍ فسكونٍ - كِسَاءٌ رقيقٌ يُوضَعُ تحتَ البَرْذَعَةِ، وهذه الكُنْيَةُ في الأصلِ كُنْيَةُ الأَتَانِ - وهي أُنْثَى الحِمَارِ - أَطْلَقَها الراجزُ على امرأةٍ تَشْبِيهاً لها بالأتَانِ. (شَهْرَبَهْ) -بفتحِ الشينِ والراءِ بينَهُما هاءٌ ساكنةٌ- المُرادُ بها ههنا الكبيرةُ الطاعنةُ في السنِّ، (تَرْضَى مِنَ اللَّحْمِ) مِن هنا بمَعْنَى البدلِ، مِثْلُها في قولِه تعَالَى: {لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلاَئِكَةً}؛ أي: بَدَلَكُم، وإذا قَدَّرْتَ مُضافاً تَجُرُّه بالباءِ، وجَعَلْتَ أصلَ الكلامِ تَرْضَى مِنَ اللَّحْمِ بلَحْمِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ - كانَت (مِن) دَالَّةً على التبعيضِ.
الإعرابُ: (أُمُّ) مبتدأٌ وهو مضافٌ و(الحُلَيْسِ) مُضافٌ إليه، (لَعَجُوزٌ) خبرُ المبتدأِ، (شَهْرَبَهْ) صفةٌ لعجوزٍ. (تَرْضَى) فعلٌ مضارعٌ، وفاعِلُه ضميرٌ مستترٌ فيه جوازاً تقديرُه هي يَعُودُ إلى أُمِّ الحُلَيْسِ، والجُملةُ صفةٌ ثانيةٌ لعجوزٍ. (مِنَ اللَّحْمِ) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بتَرْضَى، (بعَظْمِ) مثلُه، وعَظْمِ مُضافٌ، و(الرقبةِ) مضافٌ إليه.
الشاهدُ فيه: قولُهُ: (لعجوزٌ) حيثُ جاءَ فيه ما ظاهرُه تأخيرُ الخبرِ المُقترِنِ بلامِ الابتداءِ، ولهذا ذَهَبَ العُلماءُ إلى أنَّ اللامَ لَيْسَت لامَ الابتداءِ، ولكنَّها زَائدةٌ في خبرِ المبتدأِ، والذَّهَابُ إلى زيادةِ اللامِ أحدُ تخريجاتٍ في البيتِ، ومنها أنَّ (عَجُوزٌ) خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ كانَت اللامُ مُقترنةً به، وأصلُ الكلامِ: أُمُّ الحُلَيْسِ لهِيَ عجوزٌ - فحَذَفَ المُبتدأَ فاتَّصَلَتِ اللامُ بخبرِه وهي في صدرِ المذكورِ مِن جُملَتِها.
ومثلُ هذا البيتِ قولُ أَبِي عَزَّةَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُثْمَانَ يَمْدَحُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، وقد امتَنَّ عليه يومَ بَدْرٍ:
فَإِنَّكَ مَنْ حَارَبْتَهُ لَمُحَارَبٌ = شَقِيٌّ، وَمَنْ سَالَمْتَهُ لَسِعِيدُ
اللامُ في (لَمُحَارَبٌ) وفي (لَسَعِيدُ) زَائِدَةٌ، أو التقديرُ: مَن حَارَبْتَهُ لهو مُحَارَبٌ، ومَن سَالَمْتَهُ لهو سَعِيدٌ، وقد ذَكَرَ المؤلِّفُ هذَيْنِ التخريجَيْنِ في البيتِ المُستشهَدِ به.
([6]) وَقَعَ قولُه: (أو مُشَبَّهاً به) إلى آخرِ هذه الفِقْرَةِ في شرحِ الشيخِ خَالِدٍ مُتَقَدِّماً على قولِه: (أو بغيرِه).
([7]) بَقِيَت مَسَائِلُ يَجِبُ فيها تقديمُ الخبرِ لم يَذْكُرْهَا المؤلِّفُ تَبَعاً للناظمِ، ونحن نذكُرُ لك منها خَمْسَ مَسَائِلَ:
الأُولَى: أن يَكُونَ الخبرُ هو (مُذْ، أو مُنْذُ) نحوُ قولِك: (مَا لَقِيتُه مُذْ يَوْمَانِ، أو مُنْذُ يَوْمَانِ)، وهذا الكلامُ مبنيٌّ على ما ذَهَبَ إليه الزَّجَّاجُ مِن أنَّهما خبرانِ مُقَدَّمَانِ وُجوباً، وقد قَدَّمْنَا لك في الحالةِ الأُولَى أنَّكَ إذا جَعَلْتَ (مُذْ، ومُنْذُ) مبتدأَيْنِ لم يَجُزْ تأخيرُهما، وذلكَ مبنيٌّ على ما ذَهَبَ إليه الجُمهورُ، وحاصلُ الكلامِ في هذه المسألةِ أنَّ العلماءَ يَذْهَبُونَ في (مُذْ ومُنْذُ) إلى أنَّهما يَكُونَانِ حرفَيْنِ بمَعْنَى مِن إلا أنَّهما يَخْتَصَّانِ بجَرِّ الأزمِنَةِ ويكُونَانِ اسمَيْنِ إذا ارتَفَعَ ما بعدَهما، ثُمَّ اختَلَفُوا في الحالةِ الثانِيَةِ، فذَهَبَ الجُمهورُ إلى أنَّهما مُبتَدَآنِ، وما بعدَهما خبرَانِ وَاجِبَا التأخيرِ، وذَهَبَ الزَّجَّاجُ إلى أنَّهما خبرانِ، وما بعدَهما مُبتدآنِ وَاجِبَا التأخيرِ، فقد ذَكَرْنَا لك ما ذَكَرْنَاه في الحالةِ الأُولَى جَرْياً على ما ذَهَبَ إليه الجُمهورُ، وقد ذَكَرْنَا لك ما ذَكَرْنَاه في الحالةِ الثانيةِ جَرْياً على ما ذَهَبَ إليه الزَّجَّاجُ، معَ إعلامِنا إيَّاكَ أنَّ ما ذَهَبَ إليه الجُمهورُ هو الصوابُ، وقد نَبَّهْنَا ثَمَّةَ في الحالةِ الأُولَى إلى أنَّ ما ذَهَبَ إليه الزَّجَّاجُ غيرُ مُستقيمٍ، وسنُفَصِّلُ القولَ في هذا الموضوعِ تمامَ التفصيلِ في بابِ حُروفِ الجَرِّ.
وهذانِ الرأيَانِ للعُلماءِ مِن نُحاةِ البَصْرَةِ، أمَّا نُحاةُ الكُوفَةِ فلهم رَأْيَانِ آخرَانِ، فيَكُونُ حاصِلُ ما [في] هاتَينِ الكلمتَيْنِ مِن آراءِ النحاةِ أَربعةَ أقوالٍ.
الثانيةُ: أن يَقْتَرِنَ المُبتدَأُ بفاءِ الجزاءِ بعدَ أَمَّا، نحوُ قولِك: (أَمَّا في الدارِ فزَيدٌ، وأَمَّا في المسجدِ فخَالِدٌ).
الثالثةُ: أن يَكُونَ الخبرُ اسمَ إشارةٍ إلى الكونِ، نحوُ: (هنا مُحَمَّدٌ، وهناك عَلِيٌّ، وثَمَّةُ إِبْرَاهِيمُ).
الرابعةُ: أن يَقَعَ ذلك في مِثْلِ، نَحْوِ قولِهم: (في كُلِّ وَادٍ أَثَرٌ مِن ثَعْلَبَةَ).
الخامسةُ: أن تَقْتَرِنَ بالخبرِ لامُ الابتداءِ - على خلافِ الأصلِ فيها، فإنَّ الأصلَ فيها أن تَقْتَرِنَ بالمُبتدأِ - نحوُ: (لقائمٌ زيدٌ) ففي هذه الحالةِ لا يَجُوزُ تأخيرُ الخبرِ وهو مُقترِنٌ باللامِ، فلا تَقُولُ: (زَيدٌ لقائمٌ) ولهذا قَالُوا في (أُمِّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ) وهو الشاهدُ رَقْمُ 73: إنَّ اللامَ لَيْسَت لامَ الابتداءِ، بل هي زائدةٌ، ولَئِنْ سَلِمَ أنَّها لامُ الابتداءِ فليسَ قَوْلُه: (لَعَجُوزٌ) خَبراً عَن أُمِّ الحُلَيْسِ، بل خبرَ مبتدأٍ محذوفٍ، ولئنْ سَلَّمْنَا أنَّها لامُ الابتداءِ وما بعدَها خبرٌ عمَّا قبلَها فهو شاذٌّ لا يَجُوزُ القياسُ عليه.
74 - هذه قطعةٌ مِن بيتٍ مِن البسيطِ، وهو بتمامِه هكذا:
عِنْدِي اصْطِبَارٌ، وَأَمَّا أَنَّنِى جَزِعٌ = يَوْمَ النَّوَى فَلِوَجْدٍ كَادَ يَبْرِينِي
ولم أَقِفْ لهذا البيتِ على نسبةٍ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، ولا عَثَرْتُ له على سَوَابِقَ أو لوَاحِقَ تَتَّصِلُ به.
اللغةُ: (اصْطِبَارٌ) تَصَبُّرٌ وتَجَلُّدٌ، وإظهارٌ لاحتمالِ البَيْنِ وفُرْقَةِ الأحبابِ. (جَزِعٌ) - بفتحِ الجيمِ وكَسرِ الزايِ - شديدُ الخوفِ فاقدُ الصبرِ، وهو صفةٌ مُشَبَّهَةٌ مِن جَزِعَ يَجْزَعُ - مِن بابِ أَسِفَ - فهو جَازِعٌ وجَزِعٌ وجَزُوعٌ. (النَّوَى) البُعدُ والفِراقُ، (لِوَجْدٍ) الوَجْدُ الحُبُّ الشديدُ (يَبْرِينِي) الأصلُ في هذه المادَّةِ قولُهم: بَرَى فُلانٌ العُودَ والقَلَمَ والقَدَحَ يَبْرِيهِ بَرْياً إذا نَحَتَه، وقالُوا: بَرَيْتُ البَعِيرَ، إذا هَزَلْتَهُ وأَذْهَبْتَ لَحْمَه، وفي حديثِ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ أنَّها خَرَجَت في سَنَةٍ قد بَرَتِ المَالَ، ومَعنَاه هَزَلَتِ الإبِلَ وأَخَذَت مِن لَحْمِها لجَدْبِها وقَحْطِها.
المَعْنَى: يَصِفُ جَزَعَه على فِرَاقِ أَحِبَّتِه، ويُبَيِّنُ السرَّ في ظُهورِ قَلَقِه وخَوْفِه، ويَقُولُ: إنَّ في طَبْعِه الصبرَ على ما يَنْزِلُ به مِن المَكروهِ، فإنْ كَانَ قد خَانَهُ التجَلُّدُ في هذه المرةِ فلأنَّ الحادثَ مِمَّا لا يُمْكِنُ احتِمَالُه.
الإعرابُ: (عِنْدِي) عندِ ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وعندِ مضافٌ وياءُ المتكَلِّمِ مُضافٌ إليه، (اصْطِبَارٌ) مُبتدأٌ مُؤَخَّرٌ. (وَأَمَّا) حرفُ شرطٍ وتفصيلٍ وتوكيدٍ، (أَنَّنِي) أنَّ حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، والنونُ للوقايةِ، وياءُ المتكَلِّمِ اسمُ أَنَّ، (جَزِعٌ) خبرُ أَنَّ، وأنَّ معَ معمولَيْهَا في تأويلِ مَصدرٍ يَقَعُ مُبتدأً، (يَوْمَ) ظرفُ زمانٍ متعَلِّقٌ بجَزِعٍ، ويَوْمَ مُضافٌ و(النَّوَى) مُضافٌ إليه، (فَلِوَجْدٍ) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ أَمَّا، لِوَجْدٍ: جارٌّ ومجرورٌ متعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ المبتدأِ المُؤَوَّلِ مِن أَنَّ ومعمُولَيْهَا، (كَادَ) فِعْلٌ ماضٍ دالٌّ على قُرْبِ وُقوعِ خبرِه، واسمُه ضميرٌ مُستترٌ فيه جَوازاً تقديرُه هو يَعُودُ على وَجْدٍ (يَبْرِينِي) يَبْرِي فعلٌ مُضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُستترٌ فيه جَوازاً تقديرُه هو يَعُودُ إلى وَجْدٍ، والنونُ للوقايَةِ، وياءُ المتكَلِّمِ مفعولٌ به ليَبْرِي، والجُملةُ مِن الفِعْلِ المُضارعِ وفاعلِه ومفعولِه في مَحَلِّ نصبٍ خبرُ كادَ، وجُملةُ كَادَ واسمِه وخبرِه في مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ لِوَجْدٍ.
الشاهدُ فيه: قولهُ: (أَمَّا أَنَّنِي جَزِعٌ فَلِوَجْدٍ) حيثُ وَقَعَ المصدرُ المُؤَوَّلُ مبتدأً، وتَقَدَّمَ على خبرِه الذي هو الجارُّ والمجرورُ، وإنَّمَا جَازَ هنا تَقَدُّمُ المُبتدأِ وهو مصدرٌ مُؤَوَّلٌ؛ لأَمْنِ اللَّبْسِ بينَ أَنَّ المفتوحةِ الهمزةِ وإِنَّ المَكسورةِ الهمزةِ لَفْظاً، ولأَمْنِ اللَّبْسِ بينَ أَنَّ المَفتوحةِ الهمزةِ المُؤَكِّدَةِ والتي بمَعْنَى لَعَلَّ مَعْنًى.
فإن قُلْتَ: فَمَا الذِي آمَنَنِي اللَّبْسَ بينَ هذه الأشياءِ؟
فالجوابُ أنْ نَقُولَ لكَ: إنَّ (أَمَّا) التي للشرطِ والتفصيلِ لا يَقَعُ بعدَها إِنَّ المَكسورةِ الهمزةِ، ولا أنَّ المفتوحةِ التي بمَعْنَى لَعَلَّ، فإذا رَأَيْتَ بعدَها أَنَّ عَلِمْتَ أنَّها المُؤَكِّدَةُ المَفتوحةُ الهمزةِ قَطْعاً.
فإنْ قُلْتَ: فلماذا لا تَقَعُ المكسورةُ بَعدَ أَمَّا؟ ولماذا لا تَقَعُ المفتوحةُ التي بمعنى لَعَلَّ؟ فالجوابُ أنَّ (أمَّا) لا يُفْصَلُ بينهُما وبينَ الفاءِ إلا بمُفْرَدٍ، و(إنَّ) المكسورةَ الهمزةِ المؤكِّدَةَ معَ معمولَيها لا يُمكِنُ أن تَكُونَ مُفرداً، وكذلك المفتوحةُ التي بمَعنَى لَعلَّ، فأمَّا أنَّ المفتوحةُ الهمزةِ المُؤَكِّدَةُ فإنَّها تكُونُ معَ معمُولَيها في تأويلِ مَصدرٍ، وذلك مُفردٌ في التأويلِ كما هو ظاهرٌ.
([8]) سورة الأنعام، الآية: 2.
([9]) هذا مثالٌ مِن كلامِ الناظمِ ابنِ مَالِكٍ، حيثُ يقُولُ:
وَخَبرَ المَحْصُورِ قَدِّمْ أَبَدَا = كَمَا لَنَا إِلاَّ اتِّبَاعُ أَحْمَدَا
([10]) سورة محمد. (القتال)، الآية: 24.
75 - هذه قطعةٌ مِن عَجُزِ بَيتٍ مِن الطويلِ، وهو بتَمَامِه:
أَهَابُكِ إِجْلاَلاً، وَمَا بِكِ قُدْرَةٌ = عَلَيَّ، وَلَكِنْ مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيبُهَا
والبيتُ نَسَبَه قومٌ مِنهم أَبُو عُبَيْدَةَ البَكْرِيُّ في شَرْحِه علَى الأَمَالِيِّ لنُصَيْبِ بنِ رَبَاحٍ الأَكْبَرِ، ونَسَبَه آخَرُونَ - ومِنهُم ابنُ نَبَاتَةَ المِصْرِيُّ في كِتَابِه (سرحِ العيونِ) - إلى مَجْنُونِ بَنِي عامرٍ في أَبْيَاتٍ أَوَّلُها قَولُه:
دَعَا المُحْرِمُونَ اللَّهَ يَسْتَغْفِرُونَهُ = بِمَكَّةَ يَوْماً أَنْ تُمَحَّى ذُنُوبُهَا
اللغةُ: (أَهَابُكِ) مِن الهَيْبَةِ وهي المَخَافَةُ، (إِجْلاَلاً) إِعْظَاماً لقَدْرِكِ.
المَعْنَى: إِنِّي لأَهَابُكِ وأَخَافُكِ، لا لاقْتِدَارِكِ عَلَيَّ، ولكنْ إِعْظَاماً لقَدْرِك؛ لأنَّ العينَ تَمْتَلِئُ بمَن تُحِبُّه فتَحْصُلُ المَهَابَةُ.
الإعرابُ: (أَهَابُكِ) أَهَابُ فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه مُستترٌ فيه وجوباً تقديرُه أنا، والضميرُ البارزُ المُتَّصِلُ مفعولٌ به، مبنيٌّ على الكسرِ في مَحَلِّ نصبٍ. (إِجْلالاً) مفعولٌ لأجلِه، (وَمَا) الواوُ واوُ الحالِ، وما: نَافِيَةٌ (بِكِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مُقَدَّمٌ. (قُدْرَةٌ) مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، (عَلَى) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقُدْرَةٍ، أو بمحذوفٍ نَعْتٍ لقُدْرَةٍ، (ولَكِنْ) حرفُ استدراكٍ، (مِلْءُ) خبرٌ مُقَدَّمٌ، ومِلْءُ مُضافٌ، (عَيْنٍ) مُضافٌ إليه، (حَبِيبُها) حبيبُ مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، وحبيبُ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه.
الشاهدُ فيه: قولُهُ: (مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيبُها) فَإِنَّهُ قَدَّمَ الخبرَ - وهو قولُه: (مِلْءُ عَيْنٍ) - على المُبتدأِ، وهو (حَبِيبُهَا)؛ لاتِّصَالِ المُبتدأِ بضَمِيرٍ يَعُودُ على مُلابِسِ الخبرِ، وهو المُضافُ إليه، فلو قَدَّمْتَ المُبتدَأَ - معَ أنَّكَ تَعْلَمُ أنَّ رُتبَةَ الخبرِ التأخيرُ - لعَادَ الضميرُ الذي اتَّصَلَ بالمبتدأِ على مُتَأَخِّرٍ لفظاً ورُتبةً، وذلك لا يَجُوزُ، لكنْ بتَقْدِيمِكَ الخبرَ قد رَجَعْتَ الضميرَ على مُتقدِّمٍ لَفْظاً وإن كانَت رُتْبَتُه التأخيرَ، وهذا جائزٌ لا إِشْكَالَ فيه.
وذَهَبَ ابنُ جِنِّيٍّ إلى أنَّ (مِلْءُ عَيْنٍ) مبتدأٌ، و(حَبِيبُها) خبرُه، وليسَ في البيتِ تقديمٌ ولا تأخيرٌ، ووَجْهُه عندَه أنَّ كُلَّ وَاحدٍ مِن المبتدأِ صَالحٌ للابتداءِ به، والأصلُ عدمُ التقديمِ والتأخيرِ، فيُجعَلُ أَوَّلُهما مُبتدأً وثانِيهُما خَبراً.


  #4  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

[مَوَاضِعُ تَأَخُّرِ الخَبَرِ وُجُوبًا]:

128 - وَالأَصْلُ فِي الأَخْبَارِ أَنْ تُؤَخَّرَا = وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ إِذْ لَا ضَرَرَا

(وَالأَصْلُ فِي الأَخْبَارِ أَنْ تُؤَخَّرَا): عَنِ المبتدَآتِ؛ لأنَّ الخَبَرَ يُشْبِهُ الصفَةَ منْ حيثُ إنَّهُ مُوافِقٌ في الإعرابِ لِمَا هو لهُ دالٌّ على الحقيقةِ أو على شيْءٍ مِنْ سَبَبِيِّهِ ولَمَّا لَمْ يَبلغْ دَرَجَتَهَا في وجوبِ التأخيرِ تَوَسَّعُوا فيهِ (وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ إِذْ لَا ضَرَرَا) في ذلك، نحوُ: "تَمِيمِيٌّ أَنَا" و"مَشْنُوءٌ مَنْ يَشْنَؤُكَ" فإنْ حَصَلَ في التقديمِ ضرَرٌ فلِعَارِضٍ؛ كما سَتَعْرِفُهُ:
129 - فَامْنَعْهُ حِينَ يَسْتَوِي الجُزْآنِ = عُرْفًا وَنُكْرًا عَادِمَيْ بَيَانِ
130 - كَذَا إِذَا مَا الفِعْلُ كَانَ الخَبَرَا = أَوْ قُصِدَ اسْتِعْمَالُهُ مُنْحَصِرَا
131 - أَوْ كَانَ مُسْنَدًا لِذِي لامِ ابْتِدَا = أَوْ لَازِمَ الصَّدْرِ كَمَنْ لِي مُنْجِدًا
إذَا تقرَّرَ ذلك (فَامْنَعْهُ) أي: تقديمَ الخَبَرِ (حِينَ يَسْتَوِي الجُزْءانِ) يعنِي المبتدَأَ والخَبَرَ (عُرْفًا وَنُكْرًا) أيْ: في التعريفِ والتنكيرِ (عَادِمَيْ بَيَانِ) أيْ: قَرِينَةٍ تُبَيِّنُ المرادَ نحوَ: "صَدِيقي زَيْدٌ" و"أَفْضَلُ مِنْكَ أَفْضَلُ مِنِّي" لِأجلِ خوفِ اللبْسِ، فإنْ لم يَسْتَوِيَا نحوُ: "رَجُلٌ صَالِحٌ حَاضِرٌ". أوِ اسْتَوَيَا وَاجِدَيْ بَيَانٍ – أيْ: قَرِينَةٍ تُبَيِّنُ المرادَ نحوُ: "أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ" جَازَ التقديمُ؛ فتقولُ: "حَاضِرٌ رَجُلٌ صَالِحٌ". و"أبُو حَنِيفَةَ أَبُو يُوسُفَ" للعِلْمِ بِخَبَرِيَّةِ المُقَدَّمِ ومنهُ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
153 - بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا = بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الأَبَاعِدِ
أي: بنُو أبنائِنَا مثلُ بَنِينَا
و(كَذَا) يَمتنعُ التقديمُ (إذَا مَا الفِعْلُ) مِنْ حيثُ الصورةُ المحسوسةُ وهو الذي فاعِلُهُ ليسَ محسوسًا بلْ مُسْتَتِرًا (كَانَ الخَبَرَا) لِإيهَامِ تقديمِهِ – والحالةُ هذه – فاعِلِيَّةُ المبتدَأِ، فلا يُقالُ في نحوِ: "زَيْدٌ قَامَ": قَامَ زَيْدٌ، على أنَّ زَيْدًا مُبتدَأٌ بلْ فاعلٌ فإنْ كانَ الخبرُ ليسَ فِعلًا في الحِسِّ: بأنْ يكونَ لهُ فاعلٌ محسوسٌ مِنْ ضميرٍ بارِزٍ أوِ اسْمٍ ظاهِرٍ نحوَ: "الزَّيْدَانِ قَامَا" و"الزَّيْدُونَ قَامُوا" و"زَيْدٌ قَامَ أَبُوهُ" جازَ التقديمُ فتقولُ: "قَامَا الزَّيْدَانِ" و"قَامُوا الزَّيْدُونَ" و"قَامَ أَبُوهُ زَيْدٌ" للأمْنِ مِنَ المَحْذُورِ المذكورِ إلا على لُغةِ: "أَكَلُونِي البَرَاغِيثُ" وَليسَ ذلك مَانِعًا مِنْ تقديمِ الخبرِ؛ لأنَّ تقديمَ الخبرِ أكثرُ مِنْ هذه اللغةِ والحمْلُ على الأكثرِ راجحٌ، قالَهُ في (شَرْح التَّسْهِيلِ).
وأصْلُ التركِيبِ: كذا إذَا مَا الخبرُ كانَ فِعلًا، لأنَّ الخبرَ هو المُحَدَّثُ عنهُ؛ فَلا يَحسُنُ جعْلُهُ حديثًا لكِنَّهُ قَلَبَ العِبارَةَ لضرُورَةِ النَّظْمِ ولِيعُودَ الضميرُ على أقرَبِ مذكورٍ في قولِهِ: (أَوْ قُصِدَ اسْتِعْمَالُهُ مُنْحَصِرَا) أيْ: وكذا يَمتنعُ تقديمُ الخبرِ إذا استُعْمِلَ منْحَصِرًا، نحوُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ}؛ إذْ لَوْ قُدِّمَ الخَبَرُ – والحالةُ هذه – لانْعَكَسَ المعنَى المقصُودُ ولأَشْعَرَ التركيبُ حينئذٍ بانحِصَارِ المُبْتَدَأِ.
فإنْ قُلتَ: المَحْذُورُ مُنتفٍ إذا تقدَّمَ الخبرُ المحصورُ بِإلا معَ "إلا".
قُلْتُ: هو كذلك إلا أنَّهُمْ أَلْزَمُوهُ التأخيرَ حَمْلًا على المحصورِ بإنَّّمَا، وأمَّا قولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
154 - فَيَا رَبِّ هَلْ إِلَّا بِكَ النَّصْرُ يُرْتَجَى = عَلَيْهِمْ؟ وَهَلْ إِلَّا عَلَيْكَ المُعَوَّلُ؟
فَشَاذٌّ.
وَكذَا يَمتنعُ تقديمُ الخبرِ إذا كانتْ لامُ الابتداءِ داخلةً على المبتدَأِ نحوُ: "لَزَيْدٌ قَائِمٌ" كما أشارَ إليهِ بقولِهِ: (أَوْ كَانَ) أيِ: الخبرُ (مُسْنَدًا لِذِي لَامِ ابْتِدَا)؛ لِاستِحقاقِ لامِ الابتدَاءِ الصدْرَ، وَأَمَّا قولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
155 - خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ = يَنَلِ العَلَاءَ وَيُكْرِمِ الأَخْوَالَا
فَشَاذٌّ أو مُؤَوَّلٌ:
فقيلَ: اللَّامُ زائدةٌ وقيلَ: اللامُ داخِلَةٌ على مبتدَأٍ محذوفٍ أيْ: لَهُوَ أَنْتَ.
وقيلَ: أصْلُهُ لَخَالِي أنْتَ، أُخِّرَتِ اللَّامُ لِلضرُورَةِ.
(أَوْ) مُسْنَدًا لمبتدَأٍ (لَازِمِ الصَّدْرِ) كاسْمِ الاستفهامِ والشرْطِ والتعَجُّبِ و"كَمْ" الخَبَرِيَّةِ (كَمَنْ لِي مُنْجِدًا) و"مَنْ يَقُمْ أُحْسِنْ إِلَيْهِ" و"مَا أَحْسَنَ زَيْدًا" و"كَمْ عَبِيدٍ لِزَيْدٍ" ومنهُ قولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
كَمْ عَمَّةٍ لَكَ يَا جَرِيرُ وَخَالَةٍ = فَدْعَاءَ قَدْ حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي
وفي معنَى اسمِ الاستفهامِ والشرطِ ما أُضِيفَ إليهِمَا نحوُ: "غُلَامُ مَنْ عِنْدَكَ؟" و"غُلَامُ مَنْ يُقِمْ أُقِمْ مَعَهُ" فهذه خمسُ مَسَائِلَ يَمتنعُ فيها تقديمُ الخبرِ.
تنبيهٌ: يجبُ أيضًا تأخيرُ الخبرِ المقرُونِ بالفاءِ نحوِ: "الَّذِي يَأْتِينِي فَلَهُ دِرْهَمٌ" قَالَهُ في (شَرْحِ الكَافِيَةِ). وهذا شُرُوعٌ في المسائلِ التي يجبُ فيها تقديمُ الخبرِ.
[مَوَاضِعُ تَقَدُّمِ الخَبَرِ وُجُوبًا]:
132 - وَنَحْوُ "عِنْدِي دِرْهَمٌ" وَ"لِي وَطَرْ" = مُلْتَزَمٌ فيهِ تَقَدُّمُ الخَبَرْ
133 - كَذَا إِذَا عَادَ عليهِ مُضْمَرُ = مِمَّا بِهِ عَنْهُ مُبِينًا يُخْبِرُ
134 - كَذَا إِذَا يَسْتَوْجِبُ التَّصْدِيرَا = كَأَيْنَ مَنْ عَلِمْتُهُ نَصِيرًا
135 - وَخَبَرَ المَحْصُورِ قَدِّمْ أَبَدَا = كَـ (مَا لَنَا إِلَّا اتِّبَاعُ أَحْمَدَ )
(وَنَحْوُ "عِنْدِي دِرْهَمٌ" وَ"لِي وَطَرْ") و"قَصَدَكَ غُلَامُهُ رَجَلٌ" (مُلْتَزَمٌ فيهِ تَقَدُّمُ الخَبَرْ) رفعًا لِإيهَامِ كونِهِ نَعتًا في مقامِ الاحتمالِ؛ إذْ لوْ قُلْتَ: "دِرْهَمٌ عِنْدِي" و"وَطَرٌ لِي" و"رَجُلٌ قَصَدَكَ غُلَامُهُ" احتمَلَ أنْ يكونَ التابعُ خبَرًا للمبتدَأِ وأنْ يكونَ نَعْتًا لهُ؛ لِأنَّهُ نَكِرَةٌ مَحْضَةٌ وحاجةُ النكرةِ إلى التخصِيصِ ليُفيدَ الإخْبارُ عنهَا فائدةً يُعْتَدُّ بِمِثْلِهَا ـ: آكَدُ مِنْ حَاجَتِهَا إلى الخَبَرِ؛ ولهذا لوْ كانَتِ النكرةُ مُخْتَصَّةً (+جَازَ) تقدِيمُهَا نحوُ {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} و(كَذَا) يُلتَزَمُ تَقَدُّمُ الخبرِ (إذَا عَادَ عليهِ مُضْمَرُ* مِمَّا) أيْ: مِنَ المبتدَأِ الذي (بِهِ) أيْ: بالخبرِ (عَنْهُ) أيْ: عَنْ ذلك المُبْتَدَأِ (مُبِينًا يُخْبَرُ) والمعنَى: إنَّهُ يجبُ تقديمُ الخبرِ إذا عادَ عليهِ ضميرٌ مِنَ المبتدَأِ نحوُ: "عَلَى التَّمْرَةِ مِثْلُهَا زُبْدًا". وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
156 - أَهَابُكَ إِجْلَالًا وَمَا بِكَ قُدْرَةٌ = عَلَيَّ وَلَكِنْ مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيبُهَا
فلا يَجوزُ "مِثْلُهَا زُبْدًا عَلَى التَّمْرَةِ" ولا "حَبِيبُهَا مِلءُ عَيْنٍ" لِمَا فيهِ مِنْ عَوْدِ الضميرِ على مُتأَخِّرٍ لَفْظًا ورُتبةً.
وقدْ عَرَفْتَ أنَّ قولَهُ: "عَادَ عَلَيْهِ" هو على حَذْفِ مضافٍ أيْ: عَادَ عَلَى مُلَابِسِهِ.
و(كَذَا) يُلتزمُ تقدُّمُ الخَبَرِ (إذَا يَستوجِبُ التصديرَا) بأنْ يكونَ اسْمَ استفهامٍ أوْ مضافًا إليهِ (كَأَيْنَ مَنْ عَلِمْتُهُ نَصِيرَا) و"صَبِيحَةَ أيِّ يَوْمٍ سَفَرُكَ".
(+وَخَبَرَ) المُبتدَأِ (المحصورِ) فيهِ بإلا أو بإنَّمَا (قَدِّمْ أَبَدَا) عَلى المبتدَأِ (كـ: "مَا لَنَا إِلَّا اتِّبَاعُ أَحْمَدَا) و"إنَّما عِنْدَكَ زَيْدٌ" لِمَا سَلَفَ.
تنبيهٌ: كذلك يجِبُ تقديمُ الخبرِ إذا كانَ المبتدَأُ "أنْ" وصِلَتَهَا نحوَ: "عِنْدِي أَنَّكَ فَاضِلٌ". إذْ لَوْ قُدِّمَ المبتدأُ لالتَبَسَتْ أنْ المفتوحةُ بالمكسورةِ وأنَّ المؤكدةُ بالتي هي لُغةٌ في "لعَلَّ" ولهذا يجوزُ ذلك بعدَ "أمَّا" كقولِهِ [مِنَ البَسِيطِ]:
157 - عِنْدِي اصْطِبَارٌ وَأَمَّا أَنَّنِي جَزِعٌ = يَوْمَ النَّوَى فَلِوَجْدٍ كَادَ يَبْرِينِي
لأنَّ "إنَّ" المكسورةَ و"لعَلَّ" لا يَدخلانِ هُنا: اهـ.


  #5  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

تقديمُ الخبَرِ جَوَازاً
128- والأصْلُ في الأخبارِ أن تُؤَخَّرَا = وجَوَّزُوا التقديمَ إذْ لا ضَرَرَا
للخبرِ مِن حيثُ التقديمُ والتأخيرُ ثلاثُ حالاتٍ:
الأُولَى: التأخيرُ عن المُبْتَدَأِ، وهذا هو الأصْلُ.
الثانيةُ: وُجوبُ التأخيرِ.
الثالثةُ: وُجوبُ التقديمِ.
أمَّا الحالةُ الأُولَى: فإنَّ الأصْلَ في الخبَرِ أنْ يَتأخَّرَ عن المُبْتَدَأِ؛ لأنه وَصْفٌ له في المعنى، فاستَحَقَّ التأخيرَ كالوصْفِ، ويَجوزُ تقديمُه على المُبْتَدَأِ إذا لم يَجِبْ تأخيرُه، ولم يَجِبْ تقديمُه، نحوُ: محمَّدٌ رسولُ اللَّهِ، فيَجُوزُ تقديمُ الخبَرِ على المُبْتَدَأِ؛ إذ لا مانِعَ مِن تقديمِه، قالَ تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}، وقالَ تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
فتقديمُ الخبَرِ في الآيتيْنِ مِن قَبيلِ الجائزِ.
وهذا معنى قولِهِ: (والأصْلُ في الأخبارِ..)؛ أيْ: والأصْلُ والغالِبُ في الأخبارِ أنْ تُؤَخَّرَ عن مُبْتَدَآتِها، وجَوَّزَ النَّحْوِيُّونَ التقديمَ إذا لم يَتَرَتَّبْ عليه فَسادٌ لَفْظِيٌّ أو مَعْنَوِيٌّ على ما سيُبَيَّنُ إنْ شاءَ اللَّهُ.
تأخيرُ الْخَبَرِ وُجُوباً
129- فامْنَعْهُ حِينَ يَسْتَوِي الْجُزءَانِ = عُرْفاً ونُكْراً عَادِمَيْ بَيانِ
130- كذا إذا ما الفعْلُ كان الْخَبَرَا = أو قُصِدَ استعمالُهُ مُنْحَصِرَا
131- أو كان مُسْنَداً لذي لامِ ابْتِدَا = أو لازمِ الصدْرِ كمَن لي مُنْجِدَا
ذَكَرَ في هذه الأبياتِ الحالةَ الثانيةَ، وهي وُجوبُ تأخُّرِ الخبَرِ وتَقَدُّمِ المُبْتَدَأِ، وذلك في أربعةِ مَواضِعَ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ كلٌّ مِن المُبْتَدَأِ والخبرِ مَعْرِفَةً أو نَكِرَةً صالحةً لِجَعْلِها مُبْتَدَأً؛ لِوُجودِ مُسَوِّغٍ، ولا قَرينةَ تُبَيِّنُ المُبْتَدَأَ مِن الخبرِ، فيُؤَخَّرُ الخبرُ؛ لِئَلاَّ يَلْتَبِسَ بالمُبْتَدَأِ لو قُدِّمَ.
فمِثالُ المَعْرِفَةِ: خالدٌ زَميلِي، فالمرادُ مِن هذا المِثالِ الإخبارُ عن خالدٍ بأنه زَمِيلِي؛ لِأَنَّ السامعَ يَعْرِفُ خالِداً، ولكنَّه يَجْهَلُ عَلاقتَه بي؛ لأَنَّ الغالبَ في المُبْتَدَأِ أنْ يكونَ معلوماً للسامعِ، والخبرِ مجهولاً له، فلو قُلتَ: زَميلِي خالدٌ، لم يَصِحَّ المِثالُ على الاعتبارِ السابقِ، إذ لا قَرينةَ تُبَيِّنُ أنَّ (زَمِيلِي) خبَرٌ مُقَدَّمٌ؛ لأنه صالحٌ لأَنْ يكونَ مُبْتَدَأً، ويكونُ المرادُ: أنه يَعْرِفُ (زميلي) ولكنَّه يَجْهَلُ اسمَه، فصارَ هناك فرْقٌ بينَ الْجُملتينِ.
ومِثالُ النَّكِرَةِ: أكبرُ مِنكَ سِنًّا أكْثَرُ مِنكَ تَجْرِبَةً؛ فإنَّ كُلاًّ مِن المُبْتَدَأِ والخبرِ نَكِرَةٌ، وكلٌّ مِنْهُما مُتَخَصِّصٌ بالمجرورِ بعدَه، فلو قُدِّمَ الخبَرُ لأَوْقَعَ في لَبْسٍ؛ إذ لا تُوجَدُ قَرينةٌ تُعَيِّنُه وتُمَيِّزُه مِن المُبْتَدَأِ، فيَخْتَلِطُ المحكومُ بالمحكومِ عليه ويَفْسُدُ المعنَى.
فإنْ وُجِدَ قَرينةٌ لَفظيَّةٌ نحوُ: رَجُلٌ فَصيحٌ حاضرٌ، أو معنويَّةٌ نحوُ: أخِي أبي في الشفَقَةِ - جازَ تقديمُ الخبرِ، فتقولُ: حاضرٌ رجلٌ فَصيحٌ، وأبي في الشفََقِة أخي؛ لأَنَّ الوصْفَ في المِثالِ الأوَّلِ عَيْنُ المُبْتَدَأِ، وفي الثاني يُعْلَمُ أنَّ المرادَ الحكْمُ على الأخِ بأنه كالأبِ في الشفَقَةِ، ولا يُعْقَلُ العكْسُ، والمحكومُ عليه هو المُبْتَدَأُ، فيكونُ (أخي) مُبْتَدَأً تَقَدَّمَ أو تأخَّرَ، ومِن ذلك قولُ الشاعرِ:
بَنُونَا بَنُو أبائِنَا وبَنَاتُنَا = بَنُوهُنَّ أبناءُ الرجالِ الأباعِدِ
أيْ: بنو أبنائِنا مِثْلُ بَنِينَا، ولا يُرادُ العكْسُ؛ إذ يَصيرُ المعنَى: أنَّ بَنِيهِمْ مثلُ بَنِي أبنائِهم، فالقرينةُ الْمَعْنَوِيَّةُ سَوَّغَتْ تقديمَ الخبَرِ (بَنُونَا)، وتَأخيرَ المُبْتَدَأِ (بَنُو أبنائِنا).
الْمَوْضِعُ الثاني: أنْ يكونَ الخبرُ جُملةً فِعليَّةً، فاعِلُها ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ يَعودُ على المُبْتَدَأِ، نحوُ: الدنيا تَفْنَى، قالَ تعالى: {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ}، ولو قُدِّمَ الخبرُ لصارَ مِن بابِ الفعلِ والفاعلِ، لا مِن بابِ المُبْتَدَأِ والخبرِ.
فإنْ رَفَعَ الفِعْلُ اسْماً ظاهراً أو ضميراً بَارِزاً جازَ التقديمُ، نحوُ: خالدٌ قَدِمَ والدُه، والْمُحَمَّدَانِ سَافَرا.
الموضِعُ الثالِثُ: أنْ يكونَ الخبرُ محصوراً فيه المُبْتَدَأُ بإنما، نحوُ: إنما الناسُ أعداءٌ لِمَا يَجهلُونَ، أو بإلاَّ، نحوُ: ما الكتابُ إلاَّ جَليسٌ لا يُمَلُّ؛ قالَ تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ}، وقالَ تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ}، فلا يَجُوزُ تقديمُ الخبرِ؛ لأَنَّ المقصورَ عليه معَ (إنَّمَا) هو الْمُؤَخَّرُ، ومعَ (إلاَّ) ما بعدَها، فلو قُدِّمَ لم يُعْلَمْ أنه مقصورٌ عليه مُقَدَّمٌ، فيَحْصُلُ لَبْسٌ.
الموضعُ الرابعُ: أنْ يكونَ المُبْتَدَأُ مُسْتَحِقًّا للتصديرِ؛ إمَّا بنَفْسِه أو بغيرِه :
فالأوَّلُ كأسماءِ الاستفهامِ، نحوُ: مَن فاتحُ بلادِ السِّنْدِ؟ قالَ تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، وأسماءِ الشرْطِ، نحوُ: مَن يَفْعَلِ الخيرَ يَجِدْ ثوابَه، قالَ تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.
والثاني كالمُبْتَدَأِ المقتَرِنِ بلامِ الابتداءِ، نحوُ: لَيَدٌ كاسِبَةٌ خيرٌ مِن يدٍ عاطِلَةٍ، قالَ تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}.
وإلى هذه المواضِعِ الأربعةِ أَشَارَ بقولِه: (فامْنَعْهُ حينَ يَستوِي الْجُزءانِ.. إلخ)؛ أي: امْنَعْ تَقَدُّمَ الخبرِ إذا اسْتَوَى (الجزءانِ)؛ أي: المُبْتَدَأُ والخبرُ في التعريفِ والتنكيرِ، ولا قَرينةَ تُبَيِّنُ أنَّ هذا مُبْتَدَأٌ وهذا خَبَرٌ، وكذا امنَعْ تَقَدُّمَ الخبرِ إذا كانَ الفعْلُ معَ فاعلِه أو نائبِه هو الخبرَ، وهذا يَقْتَضِي وُجوبَ تأخيرِ الخبَرِ الفِعْلِيِّ مُطْلَقاً، وقد عَلِمْتَ أنَّ المَنْعَ في صورةٍ واحدةٍ، والجوازَ في صُورتيْنِ.
وكذا امْنَعْ تَقَدُّمَ الخبَرِ إذا قُصِدَ استعمالُ هذا الخبَرِ مُنْحَصِراً فيه مُبْتَدَؤُه؛ كما في قَصْرِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ على الإنذارِ في قولِه تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ}، فلا يَتَعَدَّاهُ إلى هِدايةِ التوفيقِ.
وكذلك امْنَعْ تَقَدُّمَ الخبرِ إذا كان خَبَراً عن مُبْتَدَأٍ ذي لامِ ابتداءِ (أو لازِمِ الصدْرِ)؛ أيْ: أو كانَ خَبَراً عن مُبْتَدَأٍ لازِمِ الصدْرِ، (كَمَنْ لِي مُنْجِدَا)، وهذا مِثالٌ للاستفهامِ، ويَلْحَقُ به ما أُضيفَ إلى ما له الصَّدارةُ، نحوُ: سَيَّارَةُ مَنِ الموجودةُ؟ فيَجِبُ تقديمُ المُبْتَدَأِ؛ لأنه اكْتَسَبَ الصدارةَ بإضافتِه إلى مُسْتَحِقِّها، وهو (مَن) الاستفهاميَّةُ.
تقديمُ الخبرِ وُجُوباً
132- ونحوُ عِندِي دِرهمٌ ولي وَطَرْ = مُلْتَزَمٌ فيهِ تَقدُّمُ الْخَبَرْ
133- كذا إذا عادَ عليهِ مُضْمَرُ = مِمَّا بهِ عنهُ مُبِيناً يُخْبَرُ
134- كذا إذا يَستوجِبُ التَّصديرَا = كأينَ مَن عَلِمْتَه نَصِيرَا
135- وخَبَرَ المحصورِ قَدِّمْ أَبَدَا = كما لَنا إلاَّ اتِّباعُ أَحْمَدَا
ذَكَرَ في هذه الأبياتِ الحالةَ الثالثةَ، وهي وُجوبُ تقديمِ الخبرِ على المُبْتَدَأِ؛ وذلك في أربعةِ مَوَاضِعَ:
الأَوَّلُ: أنْ يكونَ المُبْتَدَأُ نَكِرَةً ليسَ لها مُسَوِّغٌ إلاَّ تَقَدُّمَ الخبرِ، وهو ظرْفٌ أو جارٌّ ومجرورٌ، فالأوَّلُ نحوُ: بعدَ الضِّيقِ فَرَجٌ، قالَ تعالى: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}، والثاني نحوُ: في الإيجازِ بَلاغةٌ، قالَ تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}، وإنما وَجَبَ تقديمُ الخبرِ هنا؛ لأنه لو أُخِّرَ لتَوَهَّمَ السامعُ أنه صِفَةٌ لا خبرٌ؛ لأَنَّ النَّكِرَةَ أحْوَجُ إلى الصِّفَةِ منها إلى الخبرِ، ولَبَقِيَ ينتَظِرُ الخبرَ.
فإنْ كانَ للنكرةِ مُسَوِّغٌ جازَ التقديمُ والتأخيرُ، نحوُ: رَجُلٌ عالِمٌ عِندي، وعندي رجُلٌ عالِمٌ، ومنه قولُه تعالى: {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ}.
فالظرْفُ خبرٌ لا صِفَةٌ؛ لأَنَّ النكِرَةَ لَمَّا وُصِفَتْ ضَعُفَ طَلَبُها للظرْفِ.
الثانِي: أنْ يكونَ في المُبْتَدَأِ ضميرٌ يَعُودُ على بعضِ الخبرِ، نحوُ: لِمَجَالِسِ العلْمِ رُوَّادُها؛ قالَ تعالى: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}، وإنما وَجَبَ تقديمُ الخبرِ؛ لأنه لو أُخِّرَ لعادَ الضميرُ على مُتَأَخِّرٍ لفْظاً ورُتبةً، وهو ممنوعٌ هنا.
الثالثُ: أنْ يكونَ الخبرُ له صَدْرُ الكلامِ في جُملتِه، ومما له الصَّدارةُ أسماءُ الاستفهامِ، نحوُ: متى السفَرُ؟ قالَ تعالى: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ}.
الرابعُ: أنْ يكونَ الخبرُ مَحصوراً في المُبْتَدَأِ بإنما أو بإِلاَّ، نحوُ: إنما القائدُ خالدٌ، وما الهادي إلاَّ اللَّهُ، قالَ تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ}، وقالَ تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ}، فلا يَجوزُ تقديمُ المُبْتَدَأِ وتَأخيرُ الخبرِ؛ لِئَلاَّ يَخْتَلَّ الْحَصْرُ المطلوبُ ويَخْتَلِفَ المرادُ.
وإلى هذه المواضِعِ الأربعةِ أَشَارَ بقولِه: (ونحوُ عِنْدِي دِرهمٌ.. إلخ)؛ أي: الْتَزِمْ تقديمَ الخبرِ في كلِّ مِثالٍ جاءَ فيه المُبْتَدَأُ نَكِرَةً، ولا مُسَوِّغَ لها إلاَّ تَقَدُّمُ الخبرِ، (والوَطَرُ: الغرَضُ والحاجةُ)، وكذا يُلْتَزَمُ تقدُّمُ الخبرِ (إذا عادَ عليه)؛ أيْ: على بعضِ الخبرِ ضَميرٌ، (ممَّا به)؛ أي: مِن المُبْتَدَأِ الذي (يُخْبَرُ) به (عنه)؛ أيْ: عن المُبْتَدَأِ حالَ كونِ الخبرِ مُفَسِّراً هذا الضميرَ العائدَ عليه، وكذا يُلْتَزَمُ تقدُّمُ الخبرِ إذا كان يَلْزَمُ تصديرُه في الكلامِ، نحوُ (أينَ مَن عَلِمْتَهُ نَصيراً) فأينَ اسمُ استفهامٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ مَبْنِيٌّ على الفتْحِ في مَحَلِّ رفعٍ، و(مَن) اسمٌ موصولٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعِ مُبْتَدَأٍ مُؤَخَّرٍ، وكذا يَجِبُ تقديمُ خبرِ المحصورِ فيه؛ أيْ: خبرِ المُبْتَدَأِ الذي وقَعَ فيه الحصْرُ، مِثْلُ: (ما لنا إلاَّ اتِّبَاعُ أحمدَا)، فـ (لنا) خبرٌ مُقَدَّمٌ، و(اتِّبَاعُ أَحْمَدَا) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ ومُضافٌ إليه، والألِفُ في (أَحْمَدَ) للإطلاقِ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الخبر, تقديم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:34 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir