دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب البيوع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1432هـ/21-03-2011م, 02:47 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَمَنْ وُكِّلَ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ لَم يَـبِـعْ وَلَمْ يَشْتَرِ مِنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَلاَ يَبِيعُ بَعَرَضٍ وَلاَ نَسَاءٍ وَلاَ بِغَيْرِ نَقْدِ البَلَدِ ......
قوله: «من وُكِّل في بيع أو شراء لم يبع ولم يشتر من نفسه وولده» إذا وكل في بيع فإنه لا يبيع على نفسه، ولا يبيع على ولده، ولا على والده، ولا على من لا تقبل شهادته له؛ لأنه متهم في ذلك، ولأنه لو أراد أن يبيعه على فلان لقال: اشتر مني هذا، واستغنى بذلك عن توكيله.
مثال ذلك: وكلت إنساناً أن يبيع البيت، قلت: وكلتك في بيع بيتي، باعه على ابنه، فإنه لا يصح البيع؛ لأنه متهم، فإذا كان لا تقبل شهادته لولده بالمال لاتهامه بذلك، فكذلك بيعه ما وكل فيه لولده فهو متهم، وإذا كان الوكيل الذي باع على ابنه ثقة عدلاً مرضياً، نقول: ولو كان؛ سداً للباب، ولئلا يقول قائل: لماذا صححتم بيع فلان على ولده ولم تصححوا بيع فلان؟ فنسد الباب، بل لا يبيع على أحد من الأصول كالأب والجد أو الفروع كولد الولد أو ولد البنت؛ لأنه متهم، والأمر في هذا سهل، وهو أن يستأذن من الموكل، فيقول له: إن ابني يريد البيت أتأذن أن أبيعه؟ إذا قال: نعم، انتهى الإشكال، واستثنى بعض العلماء من ذلك مسألتين:
الأولى: إذا كان البيع في المزايدة وانتهى الثمن على ولده أو نفسه فإن البيع يصح؛ لأنه ليس فيه تهمة.
مثاله: أعطاه ليبيع السيارة مزايدة بالحراج علناً، زادت ثم زادت ثم زادت، وآخر السعر صار على ولده وباعها عليه، فهذا ليس فيه اتهام، ولهذا استثنى بعض العلماء هذه المسألة، قال: في المناداة إذا انتهى السعر على ولده فلا بأس أن يبيع؛ وذلك لأنه لا تهمة.
الثانية: إذا حدد الموكل الثمن للوكيل وقال: بعها، قال: بكم أبيعها؟ قال: بعها بعشرة آلاف، وباعها على ولده بعشرة آلاف، فهذا يجوز؛ لأن الموكل حدد الثمن، فهو لا يريد أكثر من ذلك، فيصح أن يبيعها على ولده لانتفاء التهمة حينئذ.
ولكن لو أن الموكل قال للوكيل: بعها بعشرة آلاف بناءً على أن هذا أعلى سعر، وكانت السلع قد زادت لكن الموكل لم يعلم، فهل يجوز في هذه الحال أن يبيعها الوكيل على ولده؟
الجواب: لا؛ لأن هذا غش، والواجب أن يخبره إذا كان الوكيل يعلم أن قيمة الأشياء قد زادت، والموكل رجل جاهل بالأسعار، فعليه أن يبين له ويخبره بأن السلعة تساوي أكثر وجوباً؛ لأنه لو كتم وجعلها تباع بعشرة آلاف لكان غاشّاً، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((من غش فليس منا)) [(1)]؛ لأن بعض الناس ـ والعياذ بالله ـ يستغل سذاجة الموكل وجهله بالواقع ولا يخبره به فهذا حرام، هذا غش، عامِلْ الناسَ بما تحب أن يعاملوك به، لا تغشهم ولا تخدعْهم.
وإذا باع على بنته، فهي من الولد؛ لقوله ـ تعالى&#146>;ـ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ، فجعل الله الأنثى من الولد وهو كذلك.
وقال بعض العلماء: إنه يجوز أن يبيع على ولده ووالده وأمه وجدته وبنته وبنت بنته إلا إذا ظهرت المحاباة؛ لأنه وكله في البيع ولم يقل: لا تبع على هؤلاء، فاللفظ يشمل هؤلاء وهؤلاء، وهذا القول هو الصحيح إلا إذا كان شريكاً لهم؛ لأن حقيقة الأمر أنه باع على نفسه، وبناء عليه يجوز أن يبيع على إخوته وأعمامه وبني إخوته ما لم يكن شريكاً لهم.
مسألة: إذا كان لا يبيع على نفسه، فهل يجوز أن يوكل شخصاً يشتريها له؟
مثاله: أعطاه هذه السيارة لبيعها، قلنا: لا يصح البيع على نفسه، لكن قال: يا فلان لا يجوز أن أشتريها لنفسي، لكن وكلتك أن تشتريها لي، وصار الذي يزيد وكيله حتى انتهت عليه واشتراها، فهذا لا يجوز؛ لأنه حيلة، ووكيله قائم مقام نفسه.
وبناءً على أنه لا يجوز للوكيل أن يشتري السلعة لنفسه، فإنه لا يجوز أن يزيد في ثمنها.
مثاله: أخرجها أمام الناس وقال: من يريد أن يسوم بعشرة آلاف، أو باثني عشر ألفاً، وأراد هو أن يزيد لما قال واحد باثني عشر قال: بثلاثة عشر ألفاً أي: الوكيل وهو الذي يسمى الدلال، فهذا لا يجوز؛ لأنه لو زاد لا يمكن أن يشتريها، فيكون في زيادته هنا إضرار بالمشترين، وتضييق عليهم، فما دمت تعرف أنك لا يمكن أن تشتريها فإنه لا يجوز أن تزيد.
فإن أذن الموكل للوكيل أن يشتري فهنا يجوز أن يزيد؛ لأنه إذا أذن الموكل للوكيل أن يشتري فلا بأس، وحينئذ فإذا زاد في الثمن فقد زاد زيادة أذن له فيها، فصار ذلك صحيحاً.
قوله: «ولا يبيع بعرض» مثاله، قال: وكلتُك أن تبيع السيارة فبعتَها بعمارة، فالسيارة تساوي عشرة آلاف، والعمارة تساوي خمسة عشر ألفاً، فهذا لا يجوز، لأني إذا قلت: بعها يعني بدراهم، لا أقول: بعها ببيت.
مثال آخر: قال: بع هذه السيارة، فذهب وباعها بسيارة أخرى فهذا لا يجوز؛ لأني إذا قلت: بعها يعني بعها بدراهم ليس بعرض، وهلم جرّاً.
والفلوس من العَرَض عند الفقهاء، والأوراق النقدية من العرض؛ لأن النقد عندهم هو الدرهم والدينار فقط يعني الذهب والفضة، وعلى هذا فالأوراق النقدية عند الفقهاء عرض، فهل نقول: كلام المؤلف يدل على أني إذا قلت بع هذا البيت ـ مثلاً ـ وباعه بعشرة آلاف من الأوراق النقدية لم ينعقد البيع؛ لأنه باع بعرض نقول: هذا مقتضى كلام المؤلف؛ لأنهم صرحوا أنه لا يبيعها بالفلوس، ولكننا نقول: أصبحت النقود الورقية الآن عند الناس نائبة مناب الدينار والدرهم، فإذا باعها بالفلوس التي هي الأوراق صح البيع.
ولو قال الموكل: أنا قلت الدراهم والدنانير هي النقود، أما الأوراق هذه فتأتي بها عندي، وتأكلها الأرضة، والنار تحرقها، لا أريد هذا، لا بد أن تعطيني ذهباً أو فضة فلا يملك هذا؛ لأن العرف الآن المطرد أن هذه الأوراق قائمة مقام الذهب والفضة، بدل الدينار والدرهم.
قوله: «ولا نَسَاء» أي: بثمن مؤخر، سواء كان مؤجلاً أم غير مؤجل، فلا بد أن يكون نقداً يداً بيد، فعلى كلام المؤلف إذا باع شيئاً أذنت له في بيعه، ولم يقبض الثمن فإنه يكون ضامناً، لكن كلام المؤلف هنا ينبغي أن يقيد بما إذا لم يدل العرف على التأخير، والآن عند الناس لو بعت عليك شيئاً اليوم، يمكن أن تذهب به ولا آخذ الثمن منك إلا بعد يوم أو يومين، حسب كثرة الثمن وقلته، وحسب حال المشتري، إلا إذا كان المشتري لا يُعرف، فإنه إذا لم يبعه نقداً يداً بيد فهو ضامن؛ لأنه مفرِّط.
مثاله: إنسان عرض سيارة للمزايدة، فجاء أجنبي لا يعرفه وقال: السيارة تساوي عشرة، وأنا آخذها منك بأحد عشر ألفاً، فأخذها وذهب، فلا يمكن للوكيل أن يدعه يذهب بدون نقد، ولو فعل لكان ضامناً؛ لأنه مفرط.
وهل يبيع مؤجلاً؟ المؤجل غير النسأ، والنسأ هو تأخير القبض ولو كان غير مؤجل، والمؤجل تأخير الوفاء.
مثال ذلك: قلت: بعتك هذا الشيء بثمن يحل بعد شهر فهذا مؤجل، وبعتك هذا الشيء ولم أقبض الثمن فهذا نسأ؛ لأن فيه تأخيراً، وبعتك هذا الشيء بعشرة وأعطيتني إياها وأخذته فهذا يداً بيد.
فإن باع مؤجلاً فإن ذلك لا يصح ولو كان الثمن المؤجل أكثر.
قوله: «ولا بغير نقد البلد» نقد البلد عندنا الآن الريال السعودي، فهذا الرجل أخذ السلعة، وذهب وباعها بدولار، فهنا لا يصح البيع؛ لأنني إذا أذنت لك في البيع فبعت بالدولار فقد بعت بغير ما ينصرف الإطلاق إليه، والدولار عندنا ليس نقداً ولكنه سلعة، يزيد وينقص فإذا باع بالدولار لا يصح، وإذا باع بالجنيه المصري ـ مثلاً ـ فهذا لا يصح، وإذا وكله في مصر، وباع بالجنيه المصري فهنا يصح؛ لأنه نقد البلد.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا يبيع بغير نقد البلد ولو باع بنقد أغلى.
مثاله: وكلتك أن تبيع هذه السيارة وهي تساوي بنقد البلد مائة مليون وبالدولار ألف دولار وباعها بألف دولار، فهنا على كلام المؤلف لا يصح البيع؛ لأنه غير نقد البلد، مع أنه أغلى من نقد البلد، فهل نقول: إن كلام المؤلف مقيد بما إذا لم يكن النقد الذي باع به أغلى من نقد البلد؟ ربما يقال: إن الرجل إذا باعها بنقد أغلى فإننا نقول: هذا يصح؛ لأنه زاده خيراً، وكما لو قلت: بعها بدراهم فبعتها بدنانير، أليس عروة بن الجعد ـ رضي الله عنه ـ وكَّله الرسول صلّى الله عليه وسلّم يشتري له أضحية فأعطاه ديناراً، فاشترى أضحيتين وباع واحدة بدينار فرجع إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأضحية ودينار[(2)]، لم يخسر شيئاً، فأقره النبي صلّى الله عليه وسلّم على ذلك؟ فهذا يدل على أنه إذا كان تصرف الوكيل فيه خيرٌ للموكل فينبغي أن ينفذ؛ لأن مطالبة الموكل بنقد البلد مع أن ما باع به أغلى، ما هو إلا إضرار، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:((لا ضرر ولا ضرار)) [(3)].

وإِنْ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ المِثْلِ أَوْ دُونِ ما قَدَّرَهُ لَهُ أَوْ اشْتَرَى لَهُ بِأكثَرَ مِنْ ثَمَنِ المِثْلِ أَوْ ممَّا قَدَّرَهُ لَهُ صَحَّ وَضَمِنَ النَّقْصَ والزِّيادَةَ .....
قوله: «وإن باع بدون ثمن المثل» هذا تصرف مخالف للوكالة لكنه ليس مخالفاً لها في أصل العقد، بل في وصف العقد، ولهذا يصح ويضمن.
مثاله: قال له: بع سيارتي، وكانت هذه السيارة يُباع مثلها بأربعين ألفاً، فباعها بخمسة وثلاثين ألفاً.
يقول المؤلف: إن البيع صحيح؛ لأنه تعلق به حق لإنسان وهو المشتري فلا نبطل حقه بسوء تصرف غيره، ولأن الوكالة لم تتعد البيع، أي: لم يهبه لأحد أو يعطه إياه مضاربة أو يوقفه؛ بل باعه لكنه خالف في الوصف؛ لأنني من حين أقول: بع السيارة إنما أريد أن تبيعها بثمن المثل، فعلى هذا يصح البيع ويضمن الوكيل النقص؛ لأنه من المعلوم أن الإذن المطلق ينصرف إلى ما تعارف عليه الناس وهو ثمن المثل، فالوكيل باعها بخمسة وثلاثين ألفاً وقيمتها في السوق أربعون ألفاً، إذاً تبقى السيارة مع المشتري؛ لأن البيع صحيح، وعلى الوكيل أن يضمن لصاحب السيارة خمسة آلاف ريال، التي هي قيمة النقص، فإن عفا عنه فالحق له.
وظاهر كلام المؤلف أنه ضامن مطلقاً حتى وإن اجتهد وتصرف تصرفاً تاماً، لكن تبين أن السلع قد زادت وهو لا يعلم، والصحيح أنه لا يضمن في هذه الحال لأنه مجتهد وحريص، بل لو باع الموكل في هذه الحال لَعَذَرَ نفسه، كذلك ـ أيضاً ـ الوكيل، ولو قلنا بأنه يضمن في هذه الحال ما استقامت الوكالة أبداً؛ لأن كل وكيل يقول: يحتمل أن تكون القيمة قد زادت ولم أدرِ، فإذا كان الرجل قد اجتهد وتحرى ولكن أتى أمرٌ بغير اختياره ولا يحتمل تفريطه، فالصواب أنه لا ضمان عليه.
قوله: «أو دون ما قدره له» هذه الصورة الثانية بأن قال: بع هذه السيارة بأربعين ألفاً، ومثلها في السوق بخمسة وثلاثين ألفاً، فباعها بخمسة وثلاثين، كما هو سعرها في السوق، يقول المؤلف: إن البيع صحيح، وعليه ضمان النقص بكل حال وهو خمسة آلاف؛ لأن صاحب السيارة حدد الثمن فقال: بع بأربعين، وهذا باع بخمسة وثلاثين، فإذا قال الوكيل: أنا بعت بثمن المثل ولا تساوي أكثر من هذا، قلنا: لكن الموكل حدد لك.
فإذا قال قائل: لماذا لا يبطل العقد من أصله؟
قلنا: لأن هذا الرجل لم يخالف في أصل العقد؛ لأن الوكيل أراد أن يبيعها فباعها، ولا ضرر عليه إلا في النقص وسوف يُضمن.
قوله: «أو اشترى له بأكثر من ثمن المثل» هذه الصورة الثالثة، مثاله قلت لرجل: اشترِ لي مسجلاً فذهب واشترى مسجلاً بأربعمائة ريال وهو يساوي مائتين يصح الشراء؛ لأنه تعلق به حق ثالث، لكن الوكيل يضمن الزيادة.
قوله: «أو مما قدره له صح» هذه الصورة الرابعة، قال له: اشتر لي ـ مثلاً ـ ساعة ماركة كذا، وهي تباع بأربعين ريالاً، لكن صاحب الساعات صاحب للوكيل، فاشتراها بخمسة وأربعين، فنقول: الشراء صحيح؛ لأنه حصل مقصود الموكل، والزيادة عن ثمن المثل نُضمِّنُها الوكيلَ وهي خمسة الريالات.
لو قال الوكيل: الموكل قَدَّرَ لي أربعين لكن السعر زاد، واشتريتها بما تساويه كما هو معلوم في جميع محلات بيع الساعات أن قيمتها تساوي خمسة وأربعين؟
نقول: لكن الموكل حدد لك، لماذا لم ترجع إليه وتخبره أن القيمة زادت ثم تنظر، هل يستمر في التوكيل أو لا؟
قوله: «وضمن النقص» هذا فيما إذا باع بدون ثمن المثل، أو دون ما قدره له، ضمن النقص.
قوله: «والزيادة» هذا فيما إذا اشترى بأكثر من ثمن المثل، أو مما قدره له، وهذا يسمى عند البلاغيين (اللف والنشر المرتب)، وأحياناً يكون اللف والنشر غير مرتب، فيبدأ بالثاني ثم الأول.
مثاله قال الله ـ تعالى ـ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: 106] ، هذا لف ونشر غير مرتب، وقوله ـ تعالى ـ: {{فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا}}، ثم قال: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} [هود: 105 ـ 108] هذا لف ونشر مرتب.
فإذا قال قائل: ما هو الأصل أن يكون اللف والنشر مرتباً أو أن يكون غير مرتب؟
قلنا: الأصل أن يكون مرتباً؛ لكنه يأتي أحياناً غير مرتب لنكتة بلاغية تظهر عند التأمل، فالمؤلف هنا مشى على اللف والنشر المرتب.

وإِنْ بَاعَ بِأَزْيَدَ أَوْ قَالَ: بِـعْ بِكَذَا مُؤَجَّلاً فَبَاعَ بِهِ حَالًّا، أو اشْتَرِ بِكَذَا حالًّا فَاشْتَرى بِهِ مُؤَجَّلاً، ولا ضَررَ فِيهِمَا صَحَّ وإِلاَّ فَلاَ.
قوله: «وإن باع بأزيد» أي: أزيد من ثمن المثل فإنه يصح، كما لو عَيّن واحداً واشترى اثنين، والثاني قد جاءت به السنة، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم طلب من الجعد بن عروة ـ رضي الله عنه ـ أن يشتري أضحية بدينار فاشترى شاتين، ثم باع واحدة بدينار وأقره الرسول صلّى الله عليه وسلّم[(4)]، وقد يقال: إن هذا يمكن فيه المنازعة؛ لأن هذا أقره الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فنقول: إقرار الرسول صلّى الله عليه وسلّم له وعدم قوله: لا تَعُد، يدل على أن مثل ذلك جائز.
مثال ما إذا باع بأزيد مما قدره له: قال: يا فلان بِعْ هذه الساعة بأربعين درهماً، فذهب وباعها بخمسة وأربعين، وجاء وقال له: خذ الخمسة والأربعين، فهذا يصح وإن عين، فإن أبى قال له الوكيل: أعطني الخمسة، وقدِّرْ أنك بعتها بأربعين.
لكن لو عَيّن من يبيعها عليه فقال: بعها على فلان بأربعين، ثم باعها عليه بخمسة وأربعين، فهنا لا يصح؛ لأن تعيين الموكل للشخص يدل على أنه أراد بذلك محاباة الشخص، وهذا لما باعها بأزيد فوت على الموكل غرضه، وحينئذ نقول: لا يصح، ارجع إليه ورد عليه الخمسة، أو نقول بأسوأ الأمرين: إن البيع غير صحيح.
قوله: «أو قال بع بكذا مؤجلاً فباع به حالًّا، أو اشتر بكذا حالًّا فاشترى به مؤجلاً ولا ضرر فيهما صح وإلا فلا» هاتان مسألتان:
الأولى: «بع بكذا مؤجلاً فباع به حالًّا» قال: يا فلان خذ هذه الساعة بعها بأربعين درهماً لكنها مؤجلة إلى سنة، فذهب الوكيل وباعها بأربعين نقداً وجاء بالأربعين، فقال له الموكل: أنا قلت لك: بعها بأربعين مؤجلة إلى سنة، قال: هذا أحسن لك، أنا أتيت لك بالأربعين وبدلاً من أن تنتظر الوفاء لمدة سنة، الآن حصل الوفاء، فيقول المؤلف: يصح بشرط ألا يكون هناك ضرر.
وعُلِمَ من كلامه أنه إذا كان هناك ضرر فالبيع غير صحيح، وصورة الضرر أن يكون هذا الموكل يريد السفر، وليس راجعاً إلى البلد إلا بعد سنة، ويعلم أنه لو أخذ الدراهم الآن ضاعت منه، فله غرض في التأجيل، فالغرض هو ألا يضيع ماله، فنقول: في هذه الحال لا يصح البيع؛ لأن الموكل له غرض في التأجيل وأنت فوت عليه غرضه.
مثال آخر: أن يكون هذا الموكل في بلد فيه ولاة ظلمة يسطون على الناس، ومن وجدوا عنده مالاً ضربوا عليه ضرائب، أو أخذوا ماله، وهو يقول: لو أخذت الثمن حالًّا، ووضعته عندي، فجاءت أعين الظلمة وقالوا: هذا الرجل عنده مال وتسلطوا عليه، فهذا غرض صحيح، قال: أنا قلت لك بعه مؤجلاً؛ لأن الولاة الظلمة قد نشروا أعينهم في البلد، ومن رأوا عنده مالاً أخذوه أو جعلوا عليه ضريبة، وأنا لا أريد ذلك، نقول: هذا فيه ضرر فَبَيْعُهُ نقداً فيه ضرر على الموكِّل.
الخلاصة: أنه إذا قال: بع بكذا مؤجلاً فباع به حالاً فالبيع صحيح، ويُلزم الموكل بقبض الثمن، إلا إذا كان في ذلك ضرر فالبيع غير صحيح ولا يلزم الموكل بقبض الثمن، وضربنا مثالين للضرر.
الثانية: «اشتر بكذا حالًّا فاشترى به مؤجلاً» مثاله: قال: يا فلان هذه أربعون درهماً ـ والدرهم هو النقد من الفضة ـ اشتر لي ساعة بأربعين درهماً وعيَّن الساعة، فذهب الوكيل واشترى ساعة مؤجلة إلى سنة بأربعين درهماً، ورد الأربعين درهماً إلى الموكل، وقال ـ الحمد الله ـ جاءك ساعة بأربعين درهماً مؤجلة، وانتفع بدراهمك الآن، وإذا جاءت السنة فأوف، فهذا يصح بشرط ألا يكون هناك ضرر، والأحسن للناس التعجيل، حتى لو كان لك حق على شخص مؤجل، وقلت: يا فلان عندي لك عشرة آلاف إلى سنة، يكفيني منك ثمانية آلاف نقداً فأعطني ثمانية آلاف، فهذا يجوز، مع أنه أخذ عن العشرة ثمانية، فكُلٌّ يرغب التعجيل إلا أن يكون هناك ضرر.
الضرر أن هذا الموكل يقول: إذا جاءت الفلوس عندي فأنا رجل يدي خرقاء لا تمسك الدراهم، فيمكن أن أعمل وليمة لأصدقائي اليوم بأربعين ريالاً وأخسرها، فهذا ضرر علي، وهذا غرض صحيح، وكثير من الناس إذا كانت الدراهم عنده يضيعها.
فالخلاصة: أنه إذا باع بأقل من ثمن المثل أو مما قدر له فالبيع صحيح، وعليه ضمان النقص.
وإذا اشترى بأكثر مما قدر له أو بأكثر من ثمن المثل فالشراء صحيح، وعليه ضمان الزيادة.
وهذا إذا كانت المخالفة في الكمية، أما في الكيفية بأن قال: بع بكذا مؤجلاً فباع به حالًّا أو اشتر بكذا حالًّا فاشترى به مؤجلاً، فإننا نقول: يصح؛ لأنه هنا ليس فيه زيادة ولا نقص، إلا إذا كان في ذلك ضرر على الموكل فإنه لا يصح، والذي يقدر الضرر أهل الخبرة، فإذا قالوا: إن هذا الغرض الذي ذكره الموكل صحيح، وأن في التعجيل ضرراً، أو في التأخير ضرراً عمل به.



[1] أخرجه مسلم في الإيمان/ باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((من غشنا فليس منا))، (101) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[2] سبق تخريجه ص(323).
[3] سبق تخريجه ص(37).
[4] سبق تخريجه ص(323).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحكام, تصرف

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:23 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir