دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > أنموذج جليل لابن أبي بكر الرازي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ربيع الأول 1432هـ/4-03-2011م, 02:58 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي سورة الإسراء

سورة الإسراء
فإن قيل: كيف قال تعالى: (بعبده ليلًا) ولم يقل بنبيه أو
برسوله أو بحبيبه أو بصفيه ونحو ذلك مع أن المقصود من ذلك الإسراء تعظيمه وتبجيله؟
قلنا: إنما سماه عبدا في أرفع مقاماته وأجلها وهو هذا، وقوله تعالى: (فأوحى إلى عبده ما أوحى) لئلا تغلط فيه أمته وتضل (فيه كما) ضلت أمة المسيح به فدعته إلهًا، وقيل: لئلا يتطرق إليه الكبر والعجب.
فإن قيل: الإسراء لا يكون إلا بالليل فما فائدة ذكر الليل؟
قلنا: فائدته أنه ذكر منكرًا ليدل على قصر الزمان الذي كان فيه الإسراء والرجوع، مع أنه كان من مكة إلى بيت المقدس، مسيرة أربعين ليلة، وذلك لأن التنكير يدل على البعضية، ويؤيده قراءة عبد الله وحذيفة (من الليل) أي من بعض الليل كقوله تعالى: (ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك) فإنه أمر بالقيام في بعض الليل.
فإن قيل: أي حكمة من نقله عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس ثم العروج به من بيت المقدس إلى السماء وهلا عرج به من مكة إلى السماء دفعة واحدة؟
قلنا: لأن بيت المقدس محشر الخلائق، فأراد الله تعالى أن تطأها قدمه ليسهل على أمته يوم القيامة وقوفهم عيها ببركة أثر قدمه، الثاني: أن بيت المقدس مجمع أرواح الأنبياء، فأراد الله تعالى أن
[أنموذج جليل: 269]
يشرفهم بزيارته عليه الصلاة والسلام. الثالث: أنه أسرى به إلى بيت المقدس ليشاهد من أحواله وصفاته ما يخبر به كفار مكة صبيحة
تلك الليلة، فيدلهم إخباره بذلك مطابقًا لما رأوا وشاهدوا على صدقه في حيث الإسراء.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (باركنا حوله) ولم يقل باركنا عليه أو باركنا فيه، مع أن البركة في المسجد تكون أكثر من خارج المسجد وحوله خصوصًا المسجد الأقصى؟
قلنا: أراد (بها) البركة الدنيوية بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة، وذلك حوله لا فيه، وقيل: أراد بالبركة الدينية، فإنه مقر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومتعبدهم، ومهبط الوحي والملائكة، وإنما قال تعالى: (باركنا حوله) لتكون بركته أعم وأشمل، فإنه أراد بما حوله ما أحاط به من أرض الشام وما قاربه منها، وذلك أوسع من مقدار بيت المقدس، ولأنه إذا كان هو الأصل وقد بارك في لواحقه وتوابعه من البقاع كان هو مباركا فيه بالطريق الأولى، خلاف العكس، وقيل: المراد البركة الدنيوية والدينية ووجهها ما مر.
وقيل: المراد باركنا حوله من بركة نشأت منه فعمت جميع الأرض، لأن مياه الأرض كلها أصل انفجارها من تحت الصخرة التي في بيت المقدس.
فإن قيل: ما وجه ارتباط قوله تعالى: (إنّه كان عبدًا شكورًا) بما قبله ومناسبته له؟
قلنا: معناه لا تتخذوا من دوني ربًا فتكونوا كافرين، ونوح كان عبدا
[أنموذج جليل: 270]
شكورا وأنتم من آمن به وحمل معه، فتأسوا به في الشكر كما تأسى به آباؤكم.
فإن قيل: (وإن أسأتم فلها) ولم يقل فعليها كما قال تعالى: (من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها)؟
قلنا قيل اللام هنا بمعنى على كما في قوله تعالى: (وتلّه للجبين) وقوله تعالى: (ويخرّون للأذقان) وقيل معنى فلها رجاء الرحمة أي فلها مخلص بالتوبة والاستغفار والصحيح أن اللم هنا على بابها لأنها للاختصاص، وقيل عامل مخصص بجزاء عمله حسنة كانت أو سيئة، وقد سبق مثل هذا مستوفى في آخر سورة البقرة في قوله تعالى: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)
فإن قيل: كيف قال تعالى هنا: (وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين) وقال في قصة مريم وعيسى عليهما السلام (وجعلناها وابنها آيةً للعالمين) (وجعلنا ابن مريم وأمّه) مع أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان وحده آيات شتى حيث كلم الناس في المهد، وكان يحيى الميت، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق الطير بإذن الله إلى غير ذلك من الآيات، وأمه وحدها كانت آية حيث حملت من غير فحل؟
[أنموذج جليل: 271]
قلنا: إنما أراد به الآية التي كانت مشتركة بينهما ولم يتم إلا بها، وهي ولادة ولد من غير فحل، بخلاف الليل والنهار والشمس والقمر، الثاني: أن لفظ الآية الأخرى محذوفة إيجازًا واختصارًا تقديره: وجعلناها آية وابنها آية، وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية.
فإن قيل: كيف قال تعالى (وجعلنا آية النّهار مبصرةً)
(والإبصار) من صفات ما له حياة، والمراد بآية النهار إما الشمس أو النهار نفسه وكلاهما غير مبصرة؟
قلنا: المبصرة في اللغة بمعنى المضيئة، نقله الجوهري وقال غيره:
معناه بينة واضحة مضيئة، ومنه قوله تعالى: (وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً) أي آية واضحة مضيئة وقوله تعالى: (فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً) الثاني: معناه مبصرًا بها إن كانت الشمس أو فيها إن كانت النهار، ومنه قوله تعالى: (والنّهار مبصرًا) أي مبصرًا فيه ونظيره قولهم ليل نائم ونهار صائم أي ينام فيه ويصام فيه، الثالث: أنه فعل رباعي منقول بالهمزة عن الثلاثي الذي هو بصر بالشيء أي علم به فهو بصير أي عالم معناه أنها تجعلهم بصراء فيكون أبصره، بمعنى بصره، وعلى هذا حمل الأخفش قوله تعالى: (فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً) أي تبصرهم فتجعلهم بصراء، الرابع: أن بعض الناس زعم أن الشمس حيوان له حياة وبصر
[أنموذج جليل: 272]
وقدرة، وهو متحرك بإرادته في امتثال أمر الله تعالى كما يتحرك الإنسان.
فإن قيل: ما الفائدة في ذكر عدد السنين في قوله تعالى: (ولتعلموا عدد السّنين والحساب) مع أنه لو اقتصر على قوله: "لتعلموا الحساب " دخل فيه عدد السنين إذ هو من جملة الحساب؟
قلنا: العد كله موضع الحساب كبدن الإنسان موضوع الطب إدخال المكلفين وموضوع الفقه، وموضوع كل علم مغاير له وليس جزء منه، كبدن الإنسان ليس جزءا من الطب، ولا أفعال المكلفين جزءا من الفقه، فكذا العدد ليس جزءا من الحساب، وإنما ذكر عدد
السنين وقدمه على الحساب لأن المقصود الأصلي من محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة علم عدد الشهور والسنين، ثم يتفرع من ذلك علم حساب التاريخ وضرب المدد والآجال.
فإن قيل: كيف قال تعالى هنا: (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا) وقال في موضع آخر: (وكفى بنا حاسبين)؟
قلنا: مواقف القيامة مختلفة، ففي موقف يكل الله تعالى حسابهم إلى أنفسهم وعلمه محيط به، وفى موضع يحاسبهم هو، وقيل: هو الذي يحاسبهم لا غيره، وقال تعالى: (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا)
أي يكفيك أنك شاهد على نفسك بذنوبها عالم بذلك، فهو توبيخ وتقريع لا أنه تفويض لحساب العبد إلى نفسه، وقيل: من يرد مناقشته في الحساب يحاسبه بنفسه، ومن يرد مسامحته فيه يكل
[أنموذج جليل: 273]
حسابه إليه.
فإن قيل: قوله تعالى: (ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى) يرد ما جاء في الأخبار أن في يوم القيامة يؤخذ من حسنات المغتاب والمديون ويزاد في حسنات رب الدين، والشخص الذي اغتيب، فإن لم تكن لهما حسنات يوضع عليهما من سيئات خصميهما، وكذلك جاء هذا في سائر المظالم؟
قلنا: المراد من الآية أنها لا تحمله اختيارًا ردًا على الكافرين حيث قالوا للذين آمنوا: (اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم...الآيتان)
والمراد من الخبر أنها تحمله كرهًا فلا تنافى بينهما، وقد سبق مرة (هذا) في آخر سورة الأنعام.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها)
وقال في آية أخرى: (قل إنّ اللّه لا يأمر بالفحشاء)؟
قلنا: فيه إضمار تقديره: أمرناهم بالطاعة ففسقوا، وقال الزجاج ومثله قولهم: أمرته فعصاني، وأمرته فخالفني، لا يفهم منه الأمر بالمعصية ولا الأمر بالمخالفة، الثاني: أن معناه كثرنا مترفيها يقال: أمرته - بالقصر والمد - بمعنى كثرته وقد قرئ بهما، ومنه الحديث: خير المال مهرة مأمورة وسكة مأبورة، أي كثير النتاج والنسل، الثالث: أن معناه أمرنا مترفيها - بالتشديد - يقال أمرت
[أنموذج جليل: 274]
فلانا بمعنى أمرته أي جعلته أميرا فمعنى الآية سلطناهم بالإمارة، ويعضد هذا الوجه قراءة من قرأ أمرنا - بالتشديد - وقال الزمخشري رحمه الله لا يجوز أن يكون معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا، لأن حذف ما لا دليل عليه في اللفظ غير جائز فكيف يقدر حذف ما قام الدليل في اللفظ على نقيضه، وذلك أن قوله: "ففسقوا " يدل على أن المأمور به المحذوف هو الفسق وهو كلام مستفيض، يقال: أمرته فقام وأمرته فقعد وأمرته فقرأ لا يفهم منه إلا المأمور به، القيام والقعود والقراءة بخلاف قولهم أمرته فعصاني وأمرته فخالفني حيث لا يكون المأمور به المحذوف المعصية والمخالفة، لأن ذلك مناف للأمر مناقض له، ولا يكون ما يناقض لأمر وينافيه مأمورًا به فيكون المأمور به في هذا الكلام غير مدلول عليه ولا منوي، والمتكلم بمثل هذا لا ينوى لأمره مأمورًا به بل كأنه قال: كان منى أمر فلم تكن منه طاعة أو فكانت منه مخالفة كما تقول: مر زيدًا يطعمك، وكما تقول فلان يأمر وينهي ويعطى ويمنع ويصل ويقطع ويضر وينفع فإنك لا تنوى فيه مفعولا.
فإن قيل: على هذا حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم أفسقوا وهذا لا يكون من الله تعالى، فلا يقدر الفسق محذوفًا ولا مأمورًا به؟
قلنا: الفسق المحذوف المقدر مجار عن إترافهم وصب النعم عليهم صبًا أفضى بهم إلى جعلها ذريعة إلى المعاصي ووسيلة إلى اتباع الشهوات، فكأنهم أمروا بذلك، لما كان السبب في وجوده الإتراف وفتح باب النعم.
فإن قيل: لم لا يكون ثبوت العلم بأن الله تعالى لا يأمر بالفحشاء،
[أنموذج جليل: 275]
وإنما يأمر بالطاعة والعدل والخير دليلًا على أن ألمراد أمرناهم بالطاعة ففسقوا؟
قلنا: لو جاز مثل هذا الإضمار والتقدير لكان المتكلم مريدًا من مخاطبة علم الغيب، لأنه أضمر ما لا دليل عليه في اللفظ، بل أبلغ، لأنه أضمر في اللفظ ما يناقضه وينافيه، وهو قوله: "ففسقوا"
فكأنه أظهر شيئًا وادعى إضمار نقيضه. فكان صرف الأمر إلى ما ذكرنا من المجاز هو الوجه، هذا كله كلام الزمخشري رحمه الله، ولا أعلم أحدًا من أئمة التفسير صار إليه غيره، ثم أنه أيده فقال ونظيره أمر شاء في أن مفعوله استفاض فيه الحذف لدلالة ما بعده
عليه، تقول: لو شاء فلان لأحسن إليك، ولو شاء لأساء إليك، تريد لو شاء الإحسان لأحسن ولو شاء الإساءة لأساء، فلو ذهبت تضمر خلاف ما أظهرت وتعنى لو شاء الإساءة لأحسن إليك، ولو
شاء الإحسان لأساء إليك، وتقول قد دلت حال من أسندت إليه المشيئة أنه من أهل الإحسان دائمًا أو من أهل الإساءة دائمًا، فيترك
الظاهر المنطوق به ويضمر ما دلت عليه حال صاحب المشيئة لم تكن على سداد.
فإن قيل: على الوجه الأول لو كان المضمر المحذوف الأمر بالطاعة لما كان مخصوصًا بالمترفين، لأن أمر الله تعالى بالطاعة عام للمترفين وغيرهم؟
قلنا: أمر الله تعالى بالطاعة وإن كان عامًا، ولكن لما كان صلاح الأمراء والرؤساء وفسادهم مستلزما لصلاح الرعية وفسادها غالبًا خصتهم بالذكر، ويؤيد هذا ما جاء في الخبر: صلاح الوالي صلاح الرعية وفساد الوالي فساد الرعية.
[أنموذج جليل: 276]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 ربيع الأول 1432هـ/4-03-2011م, 02:59 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: قوله تعالى: (من كان يريد العاجلة...الآية) (يدل) على أن من لم يزهد في الدنيا ولم يتركها كان من أهل النار والأمر بخلافه؟
قلنا: المراد من كان يريد بإسلامه وطاعته وعبادته الدنيا لا غير، ومثل هذا لا يكون إلا كافرًا أو منافقًا، ولهذا قال ابن جرير هذه الآية لمن لا يوقن بالمعاد، فأما من أراد الدنيا قدر ما يتزود به إلى الآخرة كيف يكون مذمومًا، مع أن الاستغناء عن الدنيا بالكلية وعن جميع ما فيها لا يتصور في حق البشر، ولو كانوا أنبياء، فعلم أن المراد ما قلنا.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (وما كان عطاء ربّك محظورًا)
أي ممنوعًا، ونحن نرى ونشاهد في الواقع أن واحد أعطاه قناطير مقنطرة وآخر منعه حتى الدانق والحبة؟
قلنا: المراد بالعطاء هنا الرزق والله تعالى سوى في ضمان الرزق وإيصاله بين البر والفاجر والمطيع والعاصي ولم يمنع الرزق على العاصي بسبب عصيانه، فلا تفاوت بين العباد في أصل الرزق، وإنما التفاوت بينهم في مقادير الإملاك.
فإن قيل: كيف منع الله تعالى الكفار التوفيق والهداية ولم يمنعهم الرزق؟
قلنا: لأنه لو منعهم الرزق لهلكوا وصار ذلك حجة لهم يوم القيامة،
[أنموذج جليل: 277]
بأن يقولوا لو أمهلتنا ورزقتنا لبقينا أحياء فآمنا، الثاني: أنه لو أهلكهم بمنع الرزق لكان قد عاجلهم بالعقوبة، فيتعطل معنى اسمه الحليم عن معناه لأن الحليم هو الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه، الثالث: أن منع الطعام والشراب من صفات البخلاء والأخساء، والله تعالى منزه عن ذلك، وقيل: إعطاء الرزق لجميع العبيد عدل وعدل الله تعالى عام، وهبة التوفيق والهداية فضل، وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
فإن قيل: ما فائدة قوله: "عندك " في قوله تعالى: (إمّا يبلغنّ عندك الكبر)؟
قلنا: فائدته أنهما يكبران في بيته وكنفه ويكونان كلا عليه لا كافل لهما غيره، وربما تولى منهما من المشاق ما كانا يتوليان منه في حال الطفولة.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (ولا تقربوا الزّنا) ولم يقل ولا تزنوا؟
قلنا: لو قال ولا تزنوا كان نهيًا عن الزنا لا عن مقدماته كاللمس والمعانقة والقبلة ونحو ذلك، ولما قال: "ولا تقربوا) كان نهيًا عنه
وعن مقدماته، لأن فعل المقدمات قربان للزنا.
فإن قيل: الإشارة بقوله تعالى: (كلّ ذلك كان سيّئه) إلى ماذا على قراءة التنوين؟
[أنموذج جليل: 278]
قلنا: الإشارة إلى كل ما هو منهي عنه من جميع ما ذكر من قوله تعالى: (وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه) إلى هذه الآية، لا إلى جميع ما ذكر، فإن فيه حسنًا وسيئًا، وقال أبو على: هو إشارة إلى قوله تعالى: "ولا تقف" وما بعده لأنه لا حسن فيه.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ) وقوله: "من فيهن " يتناول الآدميين كلهم، والمراد به العموم كما هو مقتضى الصيغة بدليل تأكيده بقوله تعالى بعده: (وإن من شيءٍ إلّا يسبّح بحمده). والتسبيح هو التنزيه من كل ما لا يليق بصفات جلاله وكماله، والكفار يضيفون إليه الزوج والولد والشريك وغير ذلك فأين تسبيحهم؟
قلنا: الضمير في قوله تعالى: "ومن فيهن " راجع إلى السموات فقط، الثاني: أنه راجع إلى السموات والأرض والمراد بقوله تعالى: "ومن فيهن " يعنى من المؤمنين، فيكون عامًا أريد به الخاص، وعلى هذا يكون المراد بالتسبيح المسند إلى (من فيهن) التسبيح بلسان المقال، الثالث: أن المراد به التسبيح بلسان الحال، حيث يدل على وجود الصانع وعظيم قدرته ونهاية حكمته، فكأنها تنطق بذلك وتنزهه عما لا يجوز عليه ولا يليق به من السوء، ويؤيده قوله تعالى بعده: (وإن من شيءٍ إلّا يسبّح بحمده) والتسبيح العام لجميع الموجودات إنما هو التسبيح بلسان الحال.
[أنموذج جليل: 279]
فإن قيل: لو كان المراد هو التسبيح بلسان الحال لما قال: (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) لأن التسبيح بلسان الحال مفهوم لنا أي مفهوم ومعلوم؟
قلنا: الخطاب بقوله تعالى: (ولكن لا تفقهون تسبيحهم)
للكفار، وهم مع تسبيحهم بلسان الحال لا يفقهون تسبيح الموجودات على ما ذكرنا من التفسير، لأنهم لما جعلوا لله شركاء وزوجًا وولدًا دل ذلك على عدم فهمهم تسبيح الموجودات وتنزيهها، وعدم اتضاح
دلائل الوحدانية لهم لأن الله تعالى طبع على قلوبهم.
فإن قيل: (من فيهن) وهم الملائكة والثقلان يسبحون حقيقة والسموات والأرض والجمادات تسبح مجازًا، فكيف جمع بين إرادة الحقيقة والمجاز في لفظ واحد، وهو قوله تعالى: "تسبح "؟
قلنا: التسبيح المجازى بلسان الحال حاصل من الجميح فيحمل عليه دفعًا لما ذكرتم من المحذور.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده)
والمستعمل الشائع دعائه فاستجاب لأمره أو بأمره أي أجاب؟
قلنا: قال ابن عباس: المراد بقوله: "بحمده " بأمره، وقال سعيد بن جبير: إذا دعا الله الخلائق للبعث يخرجون من قبورهم، وهم ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون سبحانك اللهم وبحمدك، وقال
[أنموذج جليل: 280]
غيره: وهم يقولون: (الحمد للّه الّذي صدقنا وعده) فعلى هذا تكون الباء بمعنى مع كما في قوله تعالى: (تنبت بالدّهن)
وقوله تعالى: (وسبّح بحمد ربّك).
فإن قيل: كيف أجمل ذكر الأنبياء كلهم بقوله تعالى: (ولقد فضّلنا بعض النّبيّين على بعضٍ) ثم خص داود بالذكر، فقال: (وآتينا داوود زبورًا)؟
قلنا: لأنه اجتمع له ما لم يجتمع لغيره من الأنبياء، وهو الرسالة والكتابة والخطابة والخلافة والملك والقضاء في زمن واحد، قال الله تعالى: (وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) قال تعالى: (يا داوود إنّا جعلناك خليفةً في الأرض) الثاني:
قوله تعالى: (ولقد فضّلنا بعض النّبيّين على بعضٍ) إشارة إلى تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى:
(وآتينا داوود زبورًا) دلالة على وجه تفضيله، وهو أنه خاتم الأنبياء وأن أمته خير الأمم، لأن ذلك مكتوب في زبور داود عليه الصلاة والسلام واليه الإشارة بقوله تعالى: (ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون)
[أنموذج جليل: 281]
يعنى محمدًا عليه الصلاة والسلام وأمته.
فإن قيل: لم نكر الزبور هنا وعرفه في قوله تعالى: (ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر)؟
قلنا: يجوز أن يكون الزبور من الاعلام التي تستعمل بالألف واللام وبغيرهما كالعباس والفضل والحسن والحسين ونحوهما، الثاني: أنه
نكره لأنه أراد وآتينا داود بعض الزبور وهي الكتب، الثالث: أنه نكره لأنه أراد به ما ذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الزبور فسمى ذلك زبورًا، لأنه بعض الزبور كما سمى بعض القرآن قرآنًا فقال تعالى: (وقرآنًا فرقناه...الآية) وقال: (بما أوحينا إليك هذا القرآن) وأراد به سورة يوسف عليه الصلاة والسلام، قال: (وقرآن الفجر) أي القرآن المتلو في صلاة الفجر.
فإن قيل: قوله تعالى: (فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم) مغن عن قوله تعالى: (ولا تحويلًا) لأنهم إذا لم يستطيعون كشف الضر لا يستطيعون تحويله، لأن تحويل الضر نقله من محل وإثباته في محل آخر، ومنه تحويل الفراش والمتاع وغيرهما، وكشف الضر
[أنموذج جليل: 282]
مجرد إزالته ومن لا يقدر على ألإزالة وحدها فكيف يقدر على الإزالة مع الإثبات؟
والمراد بالآية كشف الفقر والمرض والقحط ونحوها؟
قلنا: التحويل له معنيان أحدهما ما ذكرتم والثاني: التبديل، ومنه قولهم حولت القميص قباء والفضة خاتمًا وأريد بالتبديل هنا الكشف لأن في الكشف المنفى في الآية تبديلا، فإن المرض متى
كشف يبدل بالصحة، والفقر متى كشف يبدل بالغنى، والقحط متى كشف يبدل بالخصب، وكذا جميع الأضداد فأطلق التبديل وأراد به الكشف، إلا أنه لم يرد به كشف الضر لئلا يلزم التكرار، بل أراد به مطلق الكشف الذي هو الإزالة، فلا يستطيعون كشف الضر عنكم ولا كشف ما، ولهذا لم يقل ولا تحويله، وهذا الجواب مما فتح الله تعالى على به من خزائن وجوده، ونظيره ما ذكرناه في سورة النحل في قول تعالى: (ويعبدون من دون اللّه ما لا يملك لهم رزقًا من السّماوات والأرض شيئًا ولا يستطيعون).


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 ربيع الأول 1432هـ/4-03-2011م, 02:59 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: قوله تعالى: (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلّا أن كذّب بها الأوّلون...الآية)
فيها أسئلة أولها: أن الله تعالى لا يمنعه
عما يريده مانع، فإن أراد إرسال الآيات كيف يمنعه تكذيب الأمم الماضية؟
وإن لم يرد إرسالها كان وجود تكذيبهم وعدمه سواء، وكان عدم الإرسال لعدم الإرادة، الثاني: أن الإرسال يتعدى بنفسه قال
الله تعالى: (إنّا أرسلنا نوحًا إلى قومه) فأي حاجه إلى
[أنموذج جليل: 283]
الباء؟
الثالث: أن المراد بالآيات هنا ما اقترحه أهل مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جعل الصفا ذهبًا، وإزالة جبال مكة ليتمكنوا من الزراعة، وإنزال كتاب مكتوب من السماء ونحو ذلك.
وهذه الآيات ما أرسلت إلى الأولين ولا شاهدوها فكيف كذبوها؟
الرابع: تكذيب الأولين لا يمنع إرسالها إلى الآخرين لجواز أن لا يكذب الآخرون، الخامس: أي مناسبة وارتباط بين صدر الآية وقوله تعالى: (وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً)؟
السادس: ما معنى وصف الناقة بالإبصار؟
السابع: إن الظلم يتعدى بنفسه قال الله تعالى: (ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه) فأي حاجة إلى الباء، وهلا قال فظلموها يعنى بالعقر والقتل؟
الثامن: أن قوله تعالى: (وما نرسل بالآيات إلّا تخويفًا) يدل على الإرسال بها وقوله تعالى: (وما منعنا أن نرسل بالآيات) يدل على عدم الإرسال بها؟
قلنا: الجواب على الأول: أن المنع مجاز عبر به عن ترك الإرسال بالآيات، كأنه تعالى قال: وما كان سبب ترك الإرسال بالآيات إلا أن كذب بها الأولون، (وعن) الثاني: أنى الباء لتعدية الإرسال إلى المرسل به، لا إلى المرسل لأن المرسل محذوف وهو الرسول.
تقديره: وما منعنا أن نرسل الرسول بالآيات، والإرسال يتعدى إلى المرسل نفسه وإلى المرسل به بالباء، وإلى المرسل إليه بالى قال الله
[أنموذج جليل: 284]
تعالى: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطانٍ مبينٍ (96) إلى فرعون وملئه) وعن الثالث: أن الضمير في قوله تعالى: (بها) عائد إلى جنس الآيات المقترحة لا إلى هذه
الآيات المقترحة كأنه تعالى قال: وما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحها أهل مكة إلا تكذيب من قبلهم بالآيات المقترحة يريد المائدة والناقة ونحوهما مما اقترحه الأولون على أنبيائهم، (وعن) الرابع: أن سنة الله تعالى في عباده أن من اقترح آية على الأنبياء وأتوه بها فلم يؤمن عجل الله هلاكه، والله تعالى لم يرد هلاك مشركي مكة لأنه تعالى علم أنه يولد منهم من يؤمن، أو لأنه قضى وقدر في سابق علمه بقاء من بعث إليهم محمد عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة، فلو أرسل بالآيات التي اقترحوها فلم يؤمنوا لأهلكهم، وحكمته اقتضت عدم إهلاكهم، فلذلك لم يرسل بها فيصير معنى الآية وما منعنا أن نرسل بالآيات المقترحة عليك إلا أن كذب بالآيات المقترحة الأولون فأهلكوا فربما كذب بها قومك فأهلكوا.
(وعن) الخامس: أنه تعالى لما أخبر أن الأولين كذبوا بالآيات المقترحة عين منها واحدة وهي ناقة صالح عليه الصلاة والسلام، لأن آثار ديارهم المهلكة في بلاد العرب قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم. (وعن) السادس: أن معنى مبصرة دالة كما
[أنموذج جليل: 285]
يقال الدليل مرشد وهاد، وقيل: مبصرًا بها كما يقال: ليل نائم ونهار صائم أي ينام فيه ويصام فيه، وقيل: معناه مبصرة يعنى أنها تبصر الناس صحة نبوة صالح عليه الصلاة والسلام، ويعضد هذا قراءة من قرأ مبصرة بفتح الميم والضاد أي تبصرة، وقيل: مبصرة صفة لآية محذوفة تقديره: آية مبصرة أي مضيئة بينة، (وعن) السابع: أن الباء ليست لتعدية الظلم - هنا - إلى الناقة بل معناه فظلموا أنفسهم بقتلها أو بسببها، وقيل: الظلم - هنا -
الكفر، فمعناه فكفروا بها، فلما ضمن الظلم معنى الكفر عداه تعديته.
(وعن) الثامن: أن المراد بالآيات ثانيًا العبر والدلالات لا الآيات التي اقترحها أهل مكة.
فإن قيل: كيف قال: (والشّجرة الملعونة في القرآن)
وليس في القرآن لعن شجرة ما؟
قلنا: فيه إضمار تقديره: والشجرة الملعونة المذكورة في القرآن، الثاني: أن معناه الملعون آكلوها وهم الكفرة، الثالث: أن الملعونة بمعنى المذمومة كذا قاله ابن عباس رضي الله عنهما وهي مذمومة في القرآن بقول تعالى: (إنّ شجرت الزّقّوم (43) طعام الأثيم) وبقوله تعالى: (طلعها كأنّه رءوس الشّياطين). الرابع: أن العرب تقول لكل طعام مكروه أو ضار ملعون، وفى القرآن الإخبار عن
[أنموذج جليل: 286]
ضررها وكراهتها، الخامس: أن اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد، فالملعون هو المطرود عن رحمة الله تعالى، المبعد عنها، وهذه الشجرة مطرودة مبعدة عن مكان رحمة الله تعالى وهو الجنة، لأنها في قعر جهنم، وهذا الإبعاد والطرد مذكور في القرآن بقوله تعالى: (إنّها شجرةٌ تخرج في أصل الجحيم)
وقال بن الأنباري: سميت ملعونة لأنها مبعدة عن منازل أهل الفضل.
فإن قيل: كيف خص أصحاب اليمين بقراءة كتابهم بقوله تعالى: (فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم)
ولم خصهم بنفي الظلم عنهم بقوله تعالى: (ولا يظلمون فتيلًا)
مع أن أصحاب الشمال يقرءون كتابهم ولا يظلمون أيضًا؟
قلنا: إنما خص أصحاب اليمين بذكر القراءة لأن أصحاب الشمال إذا رأوا ما في كتبهم من الفضائح والقبائح أخذهم من الحياء والخجل والخوف ما يوجب حبسة اللسان، وتتعتع الكلام، والعجز عن إقامة
الحروف فتكون قراءتهم كلا قراءة، وأما أصحاب اليمين فأمرهم على عكس ذلك، لا جرم أنهم يقرءون كتابهم أحسن قراءة وأبينها ولا يقنعون بقراءتهم وحدهم حتى يقول القارئ لأهل المحشر: (هاؤم اقرءوا كتابيه) وأما قوله تعالى: (ولا يظلمون فتيلًا) فهو عائد إلى كل الناس لا إلى أصحاب اليمن،
[أنموذج جليل: 287]
الثاني: أنه عائد إلى أصحاب اليمين خاصة، وإنما خصهم بذلك لأنهم يعلمون أنهم لا يظلمون، ويعتقدون ذلك بخلاف أصحاب الشمال فإنهم يعتقدون أو يظنون أنهم يظلمون، ويعضد هذا الوجه قوله تعالى: (ومن يعمل من الصّالحات وهو مؤمنٌ فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا).
فإن قيل: كيف قال موسى عليه الصلاة والسلام لفرعون: (قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء) يعنى الآيات (إلّا ربّ السّماوات والأرض بصائر) يعنى بينات وحججًا واضحات، وفرعون لم يعلم ذلك لأنه لو علم ذلك لم يقل لموسى: (إنّي لأظنّك يا موسى مسحورًا)
أي مخدوعًا أو قد سحرت أو ساحرًا. مفعول بمعنى فاعل على اختلاف الأقوال، بل كان يؤمن به، وكيف يعلم ذلك وقد طبع الله على قلبه وأضله وحال بينه وبين الهدى الرشاد ولهذا قرأ علي رضي الله عنه "لقد علمت " بضم التاء، وقال: والله ما علم عدو الله، ولكن موسى هو الذي علم، واختار الكسائي وثعلب قراءة على ونصراها بأنه لما نسب موسى إلى أنه مسحورًا علمه بصحة عقله بقوله: "لقد علمت "؟
[أنموذج جليل: 288]
قلنا: معناه لقد علمت لو نظرت نظرًا صحيحًا أو لقد علمت نظرًا إلى الحجة والبرهان ولكنك معاند مكابر تخشى فوات دعوى الإلهية لو صدقتني، فكان فرعون ممن أضله الله على علم، ولهذا بلغ ابن عباس قراءة علي رضي الله عنهما ويمينه فاستدل بقوله تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًّا).
فإن قيل: كيف قال موسى عليه الصلاة والسلام: (وإنّي لأظنّك يا فرعون مثبورًا) وموسى كان عالمًا بذلك لا شك عنده فيه؟
قلنا: قال أكثر المفسرين: الظن هنا بمعنى العلم، كما في قوله تعالى: (الّذين يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم) وإنما أوتى بلفظ الظن ليعارض ظن فرعون بظنه، كأنه قال إن ظننتني مسحورًا فأنا أظننك مثبورًا، والمثبور الهالك والمصروف عن الخير أو الملعون أو الخاسر.
فإن قيل: كيف كرر تعالى الإخبار بالخرور الحالين، وهما خروجهم في حال كونهم ساجدين، وفى حال كونهم باكيين؟
قلنا: إنه أراد بالخرور الأول الخرور في حال سماع القرآن أو قراءته، وبالخرور الثاني: الخرور في سائر الحالات وباقيها.
فإن قيل: الحمد إنما يكون على نعمة أنعم الله بها على العبد كما في قوله تعالى: (الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن)
[أنموذج جليل: 289]
و(الحمد للّه الّذي هدانا لهذا) و(الحمد للّه الّذي خلق السّماوات والأرض) لأن فيها من المنافع لنا ما لا يعد ولا يحصى، فأي نعمة حصلت لنا من كون الله تعالى لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك ولا ناصر حتى قال تعالى: (وقل الحمد للّه الّذي لم يتّخذ ولدًا...الآية)؟
قلنا: النعمة في ذلك أن الملك إذا كان له ولد وزوج فإنما ينعم على عبيده بما يفضل عن ولده وزوجه، وإذا لم يكن له ولد وزوج كان جميع إنعامه وإحسانه مصروفًا إلى عبيده فكان نفى اتخاذ الولد مقتضيًا مزيد الإنعام عليهم، وأما نفى الشريك فلأنه يكون أقدر على الإنعام على عبيده لعدم المزاحم، وأما نفى النصير فلأنه يدل على القوة والاستغناء، وكلاهما يقتضى القدرة على زيادة الإنعام.
[أنموذج جليل: 290]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإسراء, سورة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir