دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 06:51 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي النسخ

(النسخ): اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ رَفْعٌ أَوْ بَيَانٌ، المُخْتَارُ رفع الحُكْمَ الشَّرْعِيَّ بِخِطَابٍ فَلَا نَسْخَ بِالعَقْلِ، وَقَوْلُ الإِمَامِ مَنْ سقط رِجْلَاهُ نُسِخَ غَسْلُهُمَا مَدْخُولٌ وَلَا بِالإِجْمَاعِ وَمُخَالَفَتَهُمْ تَتَضَمَّنُ نَاسِخًا، وَيَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ نَسْخُ بَعْضِ القُرْآنِ تِلَاوَةً وَحُكْمًا أَوْ أَحَدَهُمَا فَقَطْ، وَنَسْخُ الفِعْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ وَالنَّسْخُ بِالقُرْآنٍ لِقُرْآنٍ وَسُنَّةٍ وَبِالسُّنَّةِ للقُرْآنِ وَقِيلَ يَمْتَنِعُ بِالآحَادِ وَالحَقُّ لَمْ يَقَعَ إلَّا بِالمُتَوَاتِرَةِ، وقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحَيْثُ وَقَعَ بِالسُّنَّةِ فَمَعَهَا قُرْآنٌ أَوْ بِالقُرْآنِ فَمَعَهُ سُنَّةٌ عَاضِدَةٌ تُبَيِّنُ تَوَافُقَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالقِيَاسِ، وَثَالِثُهَا إنْ كَانَ جَلِيًّا، وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ الصلاة وَالسَّلَامُ، وَالعِلَّةُ مَنْصُوصَةٌ، وَنَسْخُ القِيَاسِ فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَشَرْطُ نَاسِخِهِ إنْ كَانَ قِيَاسًا أَنْ يَكُونَ أَجْلَى وِفَاقًا للإِمَامِ وخلافًا للآمدي.

  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 08:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


النسخ
(اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ رَفْعٌ) لِلْحُكْمِ (أَوْ بَيَانٌ) لِانْتِهَاءِ أَمَدِهِ (وَالْمُخْتَارُ) الْأَوَّلُ لِشُمُولِهِ النَّسْخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ وَسَيَأْتِي جَوَازُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ رَفَعَ (الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ) أَيْ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالْفِعْلِ (بِخِطَابٍ) فَخَرَجَ بِالشَّرْعِيِّ أَيْ الْمَأْخُوذِ مِنْ الشَّرْعِ رَفْعُ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَيْ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْعَقْلِ، وَبِخِطَابٍ الرَّفْعُ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَالْغَفْلَةِ، وَكَذَا بِالْعَقْلِ وَالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَهُمَا لِيُنَبِّهَ عَلَى مَا فِيهِمَا بِقَوْلِهِ (فَلَا نَسْخَ بِالْعَقْلِ وَقَوْلُ الْإِمَامِ) الرَّازِيُّ (مَنْ نُسِخَ رِجْلَاهُ نُسِخَ غَسْلُهُمَا) فِي طَهَارَتِهِ (مَدْخُولٌ) أَيْ فِيهِ دَخْلٌ أَيْ عَيْبٌ حَيْثُ جَعَلَ رَفْعَ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْعَقْلِ لِسُقُوطِ مَحَلِّهِ نَسْخًا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلِاصْطِلَاحِ وَكَوْنُهُ تَوَسَّعَ فِيهِ (وَلَا) نَسْخَ (بِالْإِجْمَاعِ) ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَيَأْتِي ; إذْ فِي حَيَاتِهِ الْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ: دُونَهُمْ وَلَا نَسْخَ بَعْدَ وَفَاتِهِ (وَ) لَكِنَّ (مُخَالَفَتَهُمْ) أَيْ الْمُجْمِعِينَ لِلنَّصِّ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ (تَتَضَمَّنُ نَاسِخًا) لَهُ وَهُوَ مُسْتَنَدُ إجْمَاعِهِمْ (وَيَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ نَسْخُ بَعْضِ الْقُرْآنِ تِلَاوَةً وَحُكْمًا أَوْ أَحَدَهُمَا فَقَطْ) وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ نَسْخُ بَعْضِهِ كَكُلِّهِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ فِي الْبَعْضِ نَسْخُ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ وَالْعَكْسُ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ فَإِذَا قُدِّرَ انْتِفَاءُ أَحَدِهِمَا لَزِمَ انْتِفَاءُ الْآخَرِ قُلْنَا: إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا رُوعِيَ وَصْفُ الدَّلَالَةِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُرَاعَ فِيهِ ذَلِكَ فَإِنَّ بَقَاءَ الْحُكْمِ دُونَ اللَّفْظِ لَيْسَ يُوصَفُ كَوْنُهُ مَدْلُولًا لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَدْلُولٌ لِمَا دَلَّ عَلَى بَقَائِهِ وَانْتِفَاءِ الْحُكْمِ دُونَ اللَّفْظِ لَيْسَ بِوَصْفِ كَوْنِهِ مَدْلُولًا، فَإِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَيْهِ وَضْعِيَّةٌ لَا تَزُولُ، وَإِنَّمَا يَرْفَعُ النَّاسِخُ الْعَمَلَ بِهِ وَقَدْ وَقَعَ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَهَذَا مَنْسُوخُ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ، فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا فَهَذَا مَنْسُوخُ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِ الْمُحْصَنَيْنِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهُمَا الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ، وَمَنْسُوخُ الْحُكْمِ دُونَ التِّلَاوَةِ كَثِيرٌ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} لِتَأَخُّرِهِ فِي النُّزُولِ عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ، وَإِنْ تَقَدَّمَهُ فِي التِّلَاوَةِ.
(وَ) يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ (نَسْخُ الْفِعْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) مِنْهُ بِأَنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ أَوْ دَخَلَ وَلَمْ يَمْضِ مِنْهُ مَا يَسْعَهُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ التَّكْلِيفِ قُلْنَا: يَكْفِي لِلنَّسْخِ وُجُودُ أَصْلِ التَّكْلِيفِ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، وَقَدْ وَقَعَ النَّسْخُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فِي قِصَّةِ الذَّبِيحِ، فَإِنَّ الْخَلِيلَ أُمِرَ بِذَبْحِ ابْنِهِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ {يَا بُنَيَّ إنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِأَنِّي أَذْبَحُك} إلَخْ ثُمَّ نُسِخَ ذَبْحُهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذَبْحٍ عَظِيمٍ} وَاحْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ فِيهِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ حَالِ الْأَنْبِيَاءِ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ مِنْ مُبَادَرَتِهِمْ إلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُوَسَّعًا.
(وَ) يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ (النَّسْخُ بِقُرْآنٍ لِقُرْآنٍ وَسُنَّةٍ) وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} جَعَلَهُ مُبَيِّنًا لِلْقُرْآنِ فَلَا يَكُونُ الْقُرْآنُ مُبَيِّنًا لِلسُّنَّةِ، قُلْنَا: لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُمَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى} وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ قَوْله تَعَالَى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} وَإِنْ خُصَّ مِنْ عُمُومِهِ مَا نُسِخَ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ.
(وَ) يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ النَّسْخُ (بِالسُّنَّةِ) مُتَوَاتِرَةً أَوْ آحَادًا (لِلْقُرْآنِ) وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} وَالنَّسْخُ بِالسُّنَّةِ تَبْدِيلٌ مِنْهُ قُلْنَا لَيْسَ تَبْدِيلًا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى} وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ قَوْله تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} (وَقِيلَ يَمْتَنِعُ) نَسْخُ الْقُرْآنِ (بِالْآحَادِ) ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ مَقْطُوعٌ، وَالْآحَادُ مَظْنُونٌ قُلْنَا مَحَلُّ النَّسْخِ الْحُكْمُ وَدَلَالَةُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ ظَنِّيَّةٌ (وَالْحَقُّ لَمْ يَقَعَ) نَسْخُ الْقُرْآنِ (إلَّا بِالْمُتَوَاتِرَةِ) وَقِيلَ وَقَعَ بِالْآحَادِ كَحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ {لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ} فَإِنَّهُ نَاسِخُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ تَوَاتُرِ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ لِلْمُجْتَهِدِينَ الْحَاكِمِينَ بِالنَّسْخِ لِقُرْبِهِمْ مِنْ زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَحَيْثُ وَقَعَ) نَسْخُ الْقُرْآنِ (بِالسُّنَّةِ فَمَعَهَا قُرْآنٌ) عَاضِدٌ لَهَا يُبَيِّنُ تَوَافُقَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (أَوْ) نَسْخُ السُّنَّةِ (بِالْقُرْآنِ فَمَعَهُ سُنَّةٌ عَاضِدَةٌ لَهُ تُبَيِّنُ تَوَافُقَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) هَذَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرِّسَالَةِ لَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إلَّا كِتَابُهُ ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْسَخُهَا إلَّا سُنَنُهُ ، وَلَوْ أَحْدَثَ اللَّهُ فِي أَمْرٍ غَيْرَ مَا سَنَّ فِيهِ رَسُولُهُ لَسَنَّ رَسُولُهُ مَا أَحْدَثَ اللَّهُ حَتَّى يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ أَنَّ لَهُ سُنَّةً نَاسِخَةً لِسُنَّتِهِ أَيْ مُوَافَقَةً لِلْكِتَابِ النَّاسِخِ لَهَا إذْ لَا شَكَّ فِي مُوَافَقَتِهِ لَهُ كَمَا فِي نَسْخِ التَّوَجُّهِ فِي الصَّلَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ الثَّابِتِ بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَك شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وَقَدْ فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الْقِسْمُ ظَاهِرٌ فِي الْفَهْمِ وَالْوُجُودِ، وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ فِي الْفَهْمِ مُحْتَاجٌ إلَى بَيَانِ وُجُودِهِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ صَدْرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ نَسْخُ الْكِتَابِ إلَّا بِالْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ سُنَّةٌ نَاسِخَةٌ لَهُ وَلَا نَسْخُ السُّنَّةِ إلَّا بِالسُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ كِتَابٌ نَاسِخٌ لَهَا أَيْ لَمْ يَقَعْ النَّسْخُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ إلَّا، وَمَعَهُ مِثْلُ الْمَنْسُوخِ عَاضِدٌ لَهُ، وَلَمْ يُبَالِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الَّذِي فَهِمَهُ، وَحَكَاهُ عَنْهُ بِكَوْنِهِ خِلَافَ مَا حَكَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تُنْسَخُ السُّنَّةُ بِالْكِتَابِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَلَا الْكِتَابُ بِالسُّنَّةِ، قِيلَ جَزْمًا، وَقِيلَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ ذَلِكَ بِالسَّمْعِ فَلَمْ يَقَعْ، أَوْ بِالْعَقْلِ فَلَمْ يَجُزْ ؟ وَقَالَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بَعْضٌ وَبَعْضٌ اسْتَعْظَمَ ذَلِكَ مِنْهُ لِوُقُوعِ نَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ دَافِعٌ لِمَحَلِّ الِاسْتِعْظَامِ وَسَكَتَ عَنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ فَيَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرَةِ بِمِثْلِهَا وَالْآحَادِ بِمِثْلِهَا وبالمتواترة وَكَذَا الْمُتَوَاتِرَةُ بِالْآحَادِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْآحَادِ وَمِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ نَسْخُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ الرَّجُلُ يَعْجَلُ عَنْ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يُمْنِ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَ إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ} بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ {إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ} زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ {وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ} لِتَأَخُّرِ هَذَا عَنْ الْأَوَّلِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَقُولُونَ: الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ رُخْصَةٌ رَخَّصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْغُسْلِ بَعْدَهَا} وَمِنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ مَا تَقَدَّمَ مَنّ نَسْخِ قَوْله تَعَالَى {مَتَاعًا إلَى الْحَوْلِ} بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}.
(وَ) يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ النَّسْخُ لِلنَّصِّ (بِالْقِيَاسِ) لِاسْتِنَادِهِ إلَى النَّصِّ فَكَأَنَّهُ النَّاسِخُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ حَذَرًا مِنْ تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى النَّصِّ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ (وَثَالِثُهَا) يَجُوزُ (إنْ كَانَ) الْقِيَاسُ (جَلِيًّا) بِخِلَافِ الْخَفِيِّ لِضَعْفِهِ (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ (إنْ كَانَ) الْقِيَاسُ (فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ (وَالسَّلَامُ وَالْعِلَّةُ مَنْصُوصَةٌ) بِخِلَافِ مَا عِلَّتُهُ مُسْتَنْبَطَةٌ لِضَعْفِهِ وَمَا وُجِدَ بِعُذْرٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِانْتِفَاءِ النَّسْخِ حِينَئِذٍ قُلْنَا تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ مُخَالِفَهُ كَانَ مَنْسُوخًا. (وَ) يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ (نَسْخُ الْقِيَاسِ) الْمَوْجُودِ (فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ ; لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى نَصٍّ فَيَدُومُ بِدَوَامِهِ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ دَوَامِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ دَوَامُ حُكْمِ النَّصِّ بِأَنْ يُنْسَخَ (وَشَرْطُ نَاسِخِهِ إنْ كَانَ قِيَاسًا أَنْ يَكُونَ أَجْلَى) مِنْهُ (وِفَاقًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيُّ وَخِلَافًا لِلْآمِدِيِّ فِي اكْتِفَائِهِ بِالْمُسَاوِي فَلَا يَكْفِي الْأَدْوَنُ جَزْمًا لِانْتِفَاءِ الْمُقَاوَمَةِ، وَلَا الْمُسَاوِي لِانْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الْآمِدِيُّ: تَأَخُّرُ نَصِّهِ مُرَجَّحٌ ; إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَأَخُّرِ نَصِّ الْقِيَاسِ النَّاسِخِ عَنْ نَصِّ الْقِيَاسِ الْمَنْسُوخِ بِهِ وَعَنْ النَّصِّ الْمَنْسُوخِ بِهِ كَمَا لَا يَخْفَى.

  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 08:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


(ص) النسخ: اختلف في أنه رفع أو بيان.
(ش) أكثر المحققين من الأصوليين على أنه رفع، وبه قال القاضي والغزالي ومعناه أنه لولا طريان النسخ لبقى الحكم، إلا أنه زال لطريان الناسخ، وذهب الأستاذ أبو إسحاق وإمام الحرمين وأكثر الفقهاء إلى أنه بيان ومعناه أن الخطاب الأول انتهى بذاته في ذلك الوقت ثم حصل بعده حكم والدليل الذي يرد مبينا للحكم الجديد يعرف ذلك بيان، وأنكروا كونه رفعا، بناء على أن الحكم راجع إلى كلام الله تعالى، هو قديم، والقديم لا يرتفع وأجيب بأن المرفوع تعلق الحكم النسبي لا ذاته، وحاصله أنهم اتفقوا على أن الحكم السابق انعدم، لانعدام تعلقه لا لانعدام ذاته إذ الحكم قديم، واتفقوا على أن الحكم اللاحق عنده يتحقق عدم الأول، لكن اختلفوا في عدم الأول، هل يضاف إلى وجود الثاني فيقال: إنما ارتفع الأول بوجود الثاني، فهو حينئذ رافع له، أو لا يضاف إليه بل يقال: الأول انتهى، لأنه من نفس الأمر لم يكن له صلاحية الدوام لكونه مغيا عند الله تعالى إلى غاية معلومة، فيكون النسخ بيانا لها؟ وهو كالخلاف الكلامى في أن زوال الأعراض بالذات أو بالضد؟ فإن من قال ببقائها. قال: إنما ينعدم المتقدم لطريان الطارئ (ولولاه لبقي، ومن لم يقل ببقائها قال: إنه ينعدم بنفسه ثم يحدث الضد الطارئ) وليس له تأثير في إعدام الضد الأول.
وكالخلاف الفقهي في الزائل العائد، فإن القائل بأنه كالذي لم يزل – يجعل العود بيانا لاستمرار حكم الأول، والقائل بأنه كالذي لم يعد – يقول: ارتفع الحكم بالزوال فلا يرتفع حكمه بالعود، وبهذا يظهر وهم من ظن أن النزاع لفظي.
(ص) والمختار رفع الحكم الشرعي بخطاب.
(ش) هذا أقرب الحدود على القول بأنه رفع، فخرج بالرفع: المباح بحكم الأصل، إذ ليس حكما شرعيا ولهذا رد الأصحاب ما نقل عن مالك أن الكلام كان مباحا في الصلاة في ابتداء الإسلام على الإطلاق، ثم نسخ بما لا يتعلق بمصلحة الصلاة، بالإجماع وبقي ما سواه على أصل الإباحة، فقالوا: هذا ليس بنسخ، لأن إباحة الكلام لم تكن بخطاب من جهة الشرع، وإنما كان الناس منه على الأصل، ويخرج أيضا: ابتداء إيجاب العبادة من الشرع يزيل حكم العقل من براءة الذمة ولا يسمى نسخا وقوله: بخطاب: يشمل النسخ باللفظ والمفهوم، إذ يجوز النسخ بذلك كما سيأتي وخرج به الرفع بالنوم والغفلة والموت والجنون.
تنبيهان: قد يشكل على الحصر في الخطاب جواز النسخ بالفعل، وقد جعل الأئمة منه نسخ الوضوء مما مست النار بأكل الشاة ولم يتوضأ ولا خطاب فيه، وهو كثير ثم رأيت المصنف قال: قولنا: بخطاب، لا ينافيه قولنا بعد ذلك أن المتأخر من أقواله وأفعاله ناسخ (لأنه لم يرد بالخطاب إلا ما يقابل الفعل، ولأن المراد بالناسخ هناك ما دل على النسخ، لا أنه نفسه ناسخ) والفعل نفسه لا ينسخ، وإنما يدل على نسخ سابق، ولا يمكن أن يكون فعلا ناسخا، لأن له أزمنة متعاقبة فلو كان هو الناسخ لما تحقق نسخ إلا بعد انقضائه فكان قبل انقضائه واقفا على وجه باطل، وهذا محال. انتهى. ولا يخفى ما فيه من الخروج عن ظاهر كلام الأصحاب مع أنه قد أطلق على الفعل تخصيصا كما سبق في باب التخصيص ولم يذكر فيه هذا التأويل. الثاني: علم من اقتصار المصنف على هذا أن قول ابن الحاجب متأخر فيخرج نحو: صل عند كل زوال إلى آخر الشهر لا حاجة إليه، فإن هذا ليس يرفع، لأن الحكم لم يثبت بأول الكلام إذ الكلام بآخره فكيف يرفع. والاستغناء عنه بقولنا: بخطاب، فإنه لا بد أن يتأخر عن الذي رفعه، وعدل عن قوله: بدليل شرعي، إلى: خطاب – ليفرع عليه المسألة الآتية.
(ص) فلا نسخ بالعقل، وقول الإمام: من سقط رجلاه نسخ غسلهما – مدخول.
(ش) علم من قوله: الحكم الشرعي بخطاب أنه لا بد أن يكون الحكمان – أعني الناسخ والمنسوخ – شرعيين، لأن العجز يزيل التعبد الشرعي، ولا يقال: إنه نسخ، ولا يكون النسخ بالعقل وخالف فيه الإمام فقال في (المحصول): من سقط رجلاه فقد نسخ عنه غسلهما، وهو مدخول إذ لا خطاب، وزوال الحكم لزوال سببه لا يكون نسخا، ولكن الخلاف فيه سهل لرجوعه إلى التسمية.
(ص) ولا بالإجماع، ومخالفتهم تتضمن ناسخا.
(ش) هذا ألحقه المصنف بخطه على الحاشية وضرب عليه في باب التخصيص، لأن المسألة هنا أمس، وحاصله أنه لا يقع النسخ بالإجماع، لأنه لا ينعقد إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتصور أن ينسخ ما كان من الشرعيات في زمنه، وبعده لا نسخ، فأما الإجماع بما يخالف النص الخاص أو العام بالكلية، فلا يكون إجماعهم ناسخا لذلك النص، بل يكون إجماعهم تضمن ناسخا اقتضى ذلك، وهو مستند الإجماع وحاصله أن النسخ بدليل الإجماع لا بنفس الإجماع، وعلى هذا ينزل نص الشافعي رضي الله عنه، الذي نقله البيهقي في (المدخل)، أن النسخ كما يثبت بالخبر يثبت بالإجماع.
(ص) ويجوز على الصحيح نسخ بعض القرآن تلاوة وحكما أو أحدهما فقط.
(ش) مثال نسخهما معا ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها: (كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحرمن) فنسخن بخمس معلومات ومثال نسخ الحكم دون التلاوة الاعتداد في الوفاة بالحول، لقوله تعالى:{متاعا إلى الحول غير إخراج} نسخ بقوله تعالى:{يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} ومثال نسخ التلاوة دون الحكم ما رواه الشافعي رضي الله عنه، وغيره عن عمر – رضي الله عنه - كان فيما أنزل: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهم البتة) قال ابن السمعاني: ومنع قوم من نسخ اللفظ مع بقاء حكمه، ومن نسخ الحكم مع بقاء لفظه، لأنه يؤدي إلى أن يبقى الدليل ولا مدلول والآخر يؤدي إلى أن يرتفع الأصل ويبقى التابع، والصحيح هو الجواز، لأن التلاوة والحكم في الحقيقة شيئان مختلفان، فجاز نسخ إحداهما وتبقية الآخر كالعبادتين تنسخ إحداهما دون الأخرى، وظاهر كلام المصنف طرد الخلاف في نسخهما معا وعليه عبارة ابن الحاجب وقال في شرحه: الخلاف في نسخهما معا لا يتجه إلا لمن يمنع نسخ القرآن من حيث هو، والمقصود بهذا الخلاف الخاص إنما هو نسخ التلاوة دون الحكم وبالعكس وإنما ذكروا نسخهما لضرورة التقسيم وإن كان لا يخالف فيه أحد ممن يجوز وقوع النسخ في القرآن وعلم من قوله: بعض القرآن امتناع نسخ كل القرآن وهو إجماع.
(ص) ونسخ الفعل قبل التمكن.
(ش) إذا أوجب شيئا ثم نسخه قبل التمكن من الفعل فالجمهور على الجواز وقال القاضي في (التقريب): إنه قول جميع أهل الحق، ونقل ابن السمعاني عن الصيرفي وأكثر الحنفية المنع، وتصوير المصنف ذكره الغزالي وغيره، وصورها أبو الحسين بالنسخ قبل وقت الفعل، وتبعه ابن الحاجب والأحسن أن يقال قبل مضي مقدار ما يسعه( من وقت، ليشمل ما إذا حضر وقت العمل ولكن لم يمض مقدار ما يسعه) فإن هذه الصورة من محل النزاع، وعبارة المصنف تشملها، والقائلون بالجواز أرادوا أنه نسخ الخطاب الذي لم يتقدم به عمل البتة، وحينئذ فلا يتوجه نقل الإمام، فإن المراد نسخ الحكم المتلقى من الخطاب قبل التمكن من مقتضاه البتة.
(ص) والنسخ بالقرآن لقرآن وسنة.
(ش) يجوز نسخ القرآن بالقرآن بالإجماع كالعدتين ويجوز القرآن للسنة كالتوجه لبيت المقدس، إذا قلنا إنه كان ثابتا بالسنة فإنه نسخ بالقرآن، وكذلك المباشرة بالليل كانت محرمة على الصائم بالسنة ثم نسخت بالقرآن قال ابن السمعاني: وذكر الشافعي رضي الله عنه، في (الرسالة) ما يدل على أن نسخ السنة بالقرآن لا يجوز ولوح في موضع آخر بالجواز فخرجه أكثر أصحابنا على قولين:
أحدهما: لا يجوز، وهو الأظهر من مذهبه، والثاني: يجوز وهو الأولى بالحق فإن النبي صلى الله عليه وسلم صالح المشركين عام الحديبية، على أن ما جاءه من المشركات مسلمة يردها إليهم، ثم نسخها الله تعالى بقوله:{فلا ترجعوهن إلى الكفار} وترك الصلوات يوم الخندق حتى مضى هوي من الليل ثم صلاها على الترتيب. ثم نسخ بقوله تعالى:{وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} الآية.
(ص) وبالسنة للقرآن وقيل: ممتنع بالآحاد والحق لم يقع إلا بالمتواترة وقال الشافعي: حيث وقع بالسنة فمعها قرآن، أو بالقرآن فمعه سنة عاضدة له تبين توافق الكتاب والسنة.
(ش) يجوز النسخ بالسنة للقرآن متواترا أو آحادا أما الآحاد: فنقل جماعة الاتفاق على الجواز، ونقل بعضهم المنع، والحق أنها مسألة خلافية وممن حكى الخلاف فيها القاضي أبو بكر وغيره، واختاروا الجواز، وجعلوا القول بالمنع ساقطا، لكن عزاه بعضهم للأكثرين، وأنهم فرقوا بينه وبين تخصيص العام، المتواتر بالآحاد، أن التخصيص بيان وجمع بين الدليلين والنسخ رفع وإبطال، فإن قلت: كيف ساغ للمصنف تمريض قول الأكثرين؟ قلت: لأنهم إنما أنكروا الوقوع ولم ينكروا الجواز إلا الأقلون، وكلامه في الجواز، وهذا وارد على عبارة ابن الحاجب، قال في شرحه: والأكثرون نفوا الوقوع وخالف جماعة من الظاهرية. وفصل القاضي والغزالي فقالا بوقوعه في زمان النبي صلى الله عليه وسلم دون ما بعده، ونقل القاضي الإجماع على المنع فيما بعده قال: وإنما اختلفوا في زمانه، وقال أبو الحسين في (المعتمد): إن قيل: فقد قبلوا خبر الواحد في نسخ حكم معلوم، نحو قبول أهل قباء نسخ القبلة، قيل: ذلك جائز في العقل وفي صدر الإسلام. قال أصحابنا: ولولا إجماع الصحابة على المنع لجوزناه. وقد قال أبو علي الجبائي: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان أخبرهم بنسخ القبلة وأنه ينفذ إليهم بنسخها فلانا، وأعلمهم صدقه فكانوا قاطعين على صدقه، فلم ينسخوا القبلة إلا بخبر معلوم، وأما المتواتر فالمشهور الجواز أيضا إذ هما جميعا وحي من الله تعالى، ويوجبان العلم والعمل، وإنما اختلفا في أن السنة نقص منها الإعجاز، كذا وجهه ابن عطية، وقيل: لا ينسخ وإنما يكون حكم القرآن مؤقتا، ثم تأتي السنة مستأنفة من غير أن يتناوله نسخ، قال ابن عطية: وهذا لا يستقيم، لأنا نجد السنة ترفع ما استقر من حكم القرآن على حد النسخ ولا يرد ذلك نظر ولا يتحوم منه أصل.
واعلم أن المنصوص للشافعي رضي الله عنه المنع، وظاهره إنما نفى الوقوع فقط، والحق الوقوع لكن وراء الوقوع أمر آخر، وهو أنه إذا وقع نسخ السنة بالكتاب فعلى أي وجه يكون؟ هل يشترط اقتران سنة معاضدة للكتاب ناسخة؟ وإذا وقع نسخ الكتاب بالسنة هل يشترط العاضد؟ فهذا هو محل كلام الشافعي رضي الله عنه وحاصله أنه لا يقع نسخ السنة إلا بالكتاب والسنة جميعا، لتقوم الحجة على الناس بالأمرين معا، ولئلا يتوهم انفراد أحدهما عن الآخر، فإن الكل في الحقيقة من عند الله تعالى، ولكن لبيان حكم الله تعالى طريقان: طريقة الكتاب وطريقة السنة، فليجتمعان هنا دفعا لهذا التوهم، ولتقوم الحجة على الناس بهما، ولأمر ثالث وهو: انتقال المكلفين من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سنته (وفي ذلك فائدة الاطلاع على عظمة النبي صلى الله عليه وسلم في نسخ القرآن بسنته، وأما العكس فانتقال الناس من سنة إلى سنة) كما يترتب عليه الأجر العظيم، لأن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، والنبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب السنة الحسنة كلها، فله الأجور أبدا لا تتناهى فإذا نسخ الله تعالى سنة نسختها سنة ليتحصل له هذا الأجر، ودليل هذا كله الاستقراء وإنه لم يقع إلا على هذا الوجه، هذا تقرير كلام المصنف، وكلام الشافعي رضي الله عنه في (الرسالة) يقتضي أن السنة لا يثبت نسخها إلا بسنة، ولا ينعقد الإجماع على أنها منسوخة إلا مع ظهور الناسخ، قال: فإن قال: أيحتمل أن تكون له سنة مأثورة وقد نسخت، ولا تؤثر له السنة التي نسختها؟ فلا يحتمل هذا، وكيف يحتمل أن يؤثر ما وضع فرضه، ويترك ما يلزم فرضه، ولو جاز هذا خرجت عامة السنن بأن يقولوا لعلها منسوخة وليس ينسخ فرض أبدا إلا إذا أثبت مكانه فرض فإن قال: فهل تنسخ السنة بالقرآن؟ قيل: لو نسخت السنة بالقرآن كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فيه سنة تبين أن سننه الأولى منسوخة بسنته الآخرة حتى تقوم الحجة على الناس بأن الشيء ينسخ بمثله.
(ص) وبالقياس، وثالثها: إن كان جليا، والرابع: إن كان في زمنه عليه الصلاة والسلام والعلة منصوصة.
(ش) صورة النسخ بالقياس أن ينص على إباحة التفاضل في الأرز مثلا، فهل ينسخ بالمستنبط من نهيه عليه الصلاة والسلام عن الأصناف الستة أو عن بيع الطعام مثلا بمثل؟ اختلفوا فيه على مذاهب.
أحدها: الجواز مطلقا، وجرى عليه المصنف.
والثاني: المنع مطلقا وهو المذهب المنصوص للشافعي رضي الله عنه، كما رأيته في كلام أبي إسحاق المروزي، وهو الموافق لما سبق عنه أن النسخ لا يكون إلا بجنسه، فلا ينسخ الكتاب إلا بالكتاب والسنة إلا بالسنة، وقال القاضي حسين: إنه المذهب، وابن السمعاني: إنه الصحيح، لأن القياس لا يستعمل مع عدم النص، فلا يجوز أن ينسخ النص وعزاه القاضي أبو بكر للأكثرين واختاره، وجعل المانع السمع لا العقل.
والثالث: يجوز بالقياس الجلي دون غيره.
قال الأنماطي: وهذا في الحقيقة يرجع إلى ما قبله، لأنه القياس الجلي في معنى النص.
$والرابع: إن كان في زمنه عليه الصلاة والسلام وعلته منصوصة جاز، وإلا فلا واختاره الآمدي وجعل ذلك الهندي محل وفاق، أعني المنع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم قال: وينبغي أن يكون الخلاف بالنسبة إلى حكم ثابت بالقياس، إذ الثابت بالنص لا ينسخ بالقياس الظني، وأما بالقياس القطعي سواء نص على علته أم لا، كقياس الأمة على العبد في التقويم فإنه يجوز لأنه في معنى النص على الحكم وأما الثابت بالإجماع فلا يمكن نسخه به، لأن الإجماع لا ينسخ كما لا ينسخ. واقتضى كلام ابن السمعاني تخصيص الخلاف في نسخه لأخبار الآحاد، خاصة وقد أورد على المصنف أنه كيف يجتمع تجويزه هذا، مع قوله – تبعا للأصوليين – في القياس على المستنبط أن لا تكون معارضة في الأصل بمعارض وإذا كانت المعارضة تقطعها عن العمل فقياس المستنبط ملغى عند المعارضة وإذا كان ملغى لا يكون ناسخا، قال المصنف: وهذا السؤال لا يختص بنا، بل هو على من جوز النسخ بالقياس، واشترط في العلة أن لا تعارض في الأصل، قال: ونحن إذا قلنا: ينسخ، فلا نريد به إلا القياس المعتبر الصحيح، ولا يكون صحيحا معتبرا، إلا إذا سلمت العلة فيه عن معارض في الأصل، فلا مناقضة بين الكلامين، ونحن لم نقل: إن القياس ينسخ وإن كانت علته مستنبطة، بل أطلقنا بأنه ناسخ، وإنما يكون ناسخا إذا كان معتبرا، وإنما يعتبر إذا سلمت علته عن المعارضة.
(ص) ونسخ القياس في زمنه عليه الصلاة والسلام وشرط ناسخه إن كان قياسا أن يكون أجلى وفاقا للإمام وخلافا للآمدي.
(ش) ذهب عبد الجبار وغيره إلى أنه لا يجوز نسخ القياس لأنه مستنبط من أصل فما دام حكم الأصل باقيا، وجب بقاء حكم الفرع، وجوزه الجمهور لكن في زمن النسخ، وهو زمنه صلى الله عليه وسلم لأن طريق النسخ حاصل وهو الوحي، فأما بعد الرسول فلا يتصور نسخه، لأنه إما أن ينسخ بنص حادث وهو مستحيل، أو بنص كان موجودا من قبل لكن المجتهد المستنبط لعلة القياس غفل عنه، فباطل لأنه تبين فساد القياس من أصله، فلا نسخ، وإما أن ينسخ بالإجماع وهو باطل لما ذكرنا وصورة المسألة أن يقول الشارع: حرمت المفاضلة في البر لأنه مطعوم فهذا نص منه على الحكم وعلته، فإذا قلنا: هذا إذن في القياس فقاسوا الأرز على البر فعاد وقال بعد ذلك: بيعوا الأرز بالأرز متفاضلا، جاز، قالوا: ولا يشترط أن يكون ناسخه النص كما مثلنا بل يجوز بالقياس أيضا بأن ينص على حكم آخر على ضد حكم أصل ذلك القياس، وشرط الإمام الرازي وغيره في هذا الناسخ: أن يكون أجلى بأن تكون الأمارة الدالة على علية المشترك بين هذا الأصل والفرع راجحة على الأمارة الدالة على علية المشترك بين الأصل والفرع، وفي المسألة مذهب ثالث صار إليه كثير من الحنابلة كأبي الخطاب: الفرق ما بين ما علته منصوصة، فهو كالنص ينسخ كما ينسخ به، وإن كانت مستنبطة فلا، ومتى وجدنا نصا بخلافه تبينا فساد القياس واختاره الآمدي قال الهندي: وينبغي أن يكون موضع الخلاف في أنه هل يمكن نسخه بدون نسخ أصله؟ أما نسخه مع نسخ أصله، أو نسخ أصله ولم يتعرض لنسخه ففيه خلاف الحنفية، إذ جوزوا صوم رمضان بنية من النهار قياسا على ما ثبت من نسخه صوم عاشوراء بنية من النهار، حين كان واجبا مع زوال حكمه بالنسخ وبقاء الفرع على حاله لكن لا يكون هذا النسخ إلا بالنص، لأن حكم النص لا ينسخ بالقياس، قلت: سيأتي في قول المصنف: والمختار أن نسخ حكم الأصل لا يبقى معه الفرع، وكان ينبغي جمعهما في موضع واحد.

  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 08:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: النسخ: اختلف في أنه رفع أو بيان والمختار رفع الحكم الشرعي بخطاب فلا نسخ بالعقل وقول الإمام من سقط رجلاه نسخ غسلهما مدخول ولا بالإجماع ومخالفتهم تتضمن ناسخا.
ش: النسخ يطلق في اللغة على الإزالة، وعلى النقل، فقيل: مشترك بينهما، وقيل: حقيقة في الأول، وقيل: في الثاني.
وأما في الاصطلاح فاختلف في أنه رفع أو بيان، فقال بالأول القاضي أبو بكر وطائفة، وبالثاني الأستاذ أبو إسحاق وطائفة.
ومعنى الأول: أن المزيل لحكم الأول هو الناسخ إذ لولا وروده لاستمر
ومعني الثاني: أنه انتهى بذاته، ثم حصل بعده حكم، لأنه عند الله مغيا بغاية معلومة.
فالناسخ بيان لها، واختار المصنف الأول، وارتضى في تعريفه أنه رفع الحكم الشرعي بخطاب، فخرج بالحكم الشرعي رفع البراءة الأصلية، كتحريم، أو إيجاب ما هو على البراءة الأصلية، لم يرد فيه قبل ذلك حكم، فإنه لا يسمى نسخا.
وتناول قوله: (بخطاب) اللفظ والمفهوم، وأورد عليه النسخ بالفعل كنسخ الوضوء مما مست النار بأكل الشاة ولم يتوضأ وأجيب عنه بأن الفعل نفسه لا ينسخ وإنما يدل على نسخ سابق وخرج به الرفع بالنوم أو الغفلة أو الجنون أو الموت، وعلم من ذلك أنه لا نسخ بالعقل فمن سقطت عنه العبادة لعجزه عنها لا يقال: إنها نسخت في حقه، ومن ذلك رد على الإمام فخر الدين في قوله في (المحصول): إن من سقطت رجلاه فقد نسخ عنه غسلهما، لأن زوال الحكم لزوال محله أو سببه ليس نسخا، وكذلك الإجماع لا ينسخ به، لأنه لا ينعقد في زمنه عليه الصلاة والسلام، ولا نسخ بعده، فإن أجمعوا على مخالفة نص فهو دال على ناسخ سواه، فالنسخ بدليله لا به، وعلى هذا يحمل قول الشافعي: إن النسخ كما يثبت بالخبر يثبت بالإجماع، وقد كان المصنف رحمه الله تعالى ذكر هذا في التخصيص ثم ضرب عليه هناك وألحقه هنا فإنه محله.
ص: ويجوز على الصحيح نسخ بعض القرآن تلاوة وحكما أو أحدهما فقط.
ش: خرج بالبعض الجميع، فلا يجوز نسخ جميع القرآن بالاتفاق ومثال نسخ التلاوة والحكم ما في (صحيح مسلم) عن عائشة رضي الله عنها: (كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس) ومثال نسخ التلاوة دون الحكم: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة) كان في القرآن كما رواه النسائي.
والمراد بالشيخ والشيخة المحصن والمحصنة، ومثال عكسه نسخ عدة الوفاة بالحول المدلول عليه بقوله تعالى: {متاعا إلى الحول غير إخراج} بقوله تعالى: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} والمعروف أن الخلاف في نسخ أحدهما فقط، وعبارة المصنف تبعا لابن الحاجب تقتضي جريانه في نسخهما معا لكنه قال في شرحه: الخلاف في نسخهما معا لا يتجه إلا ممن يمنع نسخ القرآن من حيث هو، والمقصود بهذا الخلاف الخاص إنما هو نسخ التلاوة دون الحكم وبالعكس وإنما ذكروا نسخهما لضرورة التقسيم، وإن كان لا يخالف فيه أحد ممن يجوز وقوع النسخ في القرآن.
قلت: والمانع من وقوع النسخ في بعض القرآن مطلقا هو أبو مسلم الأصفهاني، وذكر ابن التلمساني في شرح (المعالم) أنه الجاحظ، وفيه نظر، فليست كنية الجاحظ أبا مسلم بل أبو عثمان، وأبو مسلم شخص آخر من المعتزلة معروف.
ص: ونسخ الفعل قبل التمكن.
ش: الجمهور على أنه يجوز نسخ الشيء بعد وجوبه أو ندبه قبل التمكن من فعله، سواء أكان قبل مجيء وقته أو بعده، ولكن لم يمض منه ما يمكن فعله فيه، وخالف في ذلك المعتزلة وبعض الحنفية والحنابلة فأما نسخه بعد خروج وقته بلا عمل فمتفق على جوازه وكذلك في الوقت بعد مضي زمن يسعه كما صرح بنفي الخلاف فيه ابن برهان وإمام الحرمين والغزالي، لكن مقتضى كلام ابن الحاجب في أثناء الخلاف جريان الخلاف فيه، وحكى الصفي الهندي المنع في هذه الصورة عن الكرخي.
ص: والنسخ بالقرآن لقرآن وسنة وبالسنة للقرآن وقيل يمتنع بالآحاد والحق لم يقع إلا بالمتواترة قال الشافعي وحيث وقع بالسنة فمعها قرآن أو بالقرآن فمعه سنة عاضدة له تبين توافق الكتاب والسنة.
ش: فيه مسائل:
الأولى: يجوز نسخ القرآن بالقرآن إجماعا، كما تقدم في عدتي الوفاة.
الثانية: يجوز نسخ السنة بالقرآن كالتوجه لبيت المقدس إذا قلنا إنه كان ثابتا بالسنة، فإنه نسخ بالقرآن، وكذا مباشرة الصائم ليلا حرمت بالسنة ثم نسخ تحريمها بالقرآن، والمشهور عن الشافعي منعه، ونسبه الرافعي لاختيار أكثر أصحابنا.
الثالثة: نسخ القرآن بالسنة له صورتان.
إحداهما: أن تكون متواترة، والمشهور جواز وقوعه ومنعه الشافعي.
والمشهور عنه الجزم بمنعه، كذا نقله إمام الحرمين والآمدي وابن الحاجب والنووي وغيرهم.
وذكر البيضاوي أن له في ذلك قولين، والظاهر أنه إنما نفى الوقوع فقط.
الثانية: أن تكون آحادا والمشهور جوازه عقلا، وحكى الآمدي وغيره الاتفاق عليه، لكن الخلاف ثابت، نقله القاضي أبو بكر وغيره، والمشهور عدم وقوعه، وحكى إمام الحرمين عليه إجماع الأمة لكن مخالفة بعض الظاهرية في هذا مشهورة وكأنه ما اعتد بخلافهم لكن ذهب القاضي أبو بكر والغزالي إلى وقوعه في زمنه عليه الصلاة والسلام دون ما بعده، ثم قال الشافعي: (حيث وقع نسخ القرآن بالسنة فلا بد أن يكون مع السنة قرآن يعضدها على النسخ، وحيث وقع نسخ السنة بالقرآن فلا بد أن يكون مع القرآن سنة موافقة له على النسخ) وعبارته في (الرسالة): (فإن قيل: فهل تنسخ السنة بالقرآن؟. قيل: لو نسخت السنة بالقرآن كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فيه سنة تبين أن سنته الأولى منسوخة بسنته الأخيرة حتى تقوم الحجة على الناس بأن الشيء ينسخ بمثله) انتهى.
وفائدته في الصورة الأولى الاطلاع على عظمة النبي صلى الله عليه وسلم في نسخ القرآن بسنته، وفي عكسه، انتقال الناس من سنة إلى سنة لما يترتب عليه من الأجر العظيم، لأن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
ص: وبالقياس وثالثها: إن كان جليا، والرابع: إن كان في زمنه عليه والسلام والعلة منصوصة.
ش: هل يجوز النسخ بالقياس، كأن يرد نص بإباحة بيع الأرز بالأرز متفاضلا لم يرد جريان الربا في السنة المنصوصة فتنسخ الإباحة المتقدمة بالقياس على السنة المنصوصة؟ فيه مذاهب:
أحدها: الجواز مطلقا، وكلام المصنف يقتضي ترجيحه.
الثاني: المنع مطلقا، وبه قال الأكثرون كما حكاه القاضي أبو بكر واختاره، وحكاه أبو إسحاق المروزي عن نص الشافعي وقال القاضي حسين: إنه المذهب.
الثالث: أنه يجوز بالقياس الجلي دون غيره.
الرابع: يجوز إن كان في زمنه عليه الصلاة والسلام، وكانت علته منصوصة وإلا فلا، واختاره الآمدي وجعل الصفي الهندي المنع بعد وفاته عليه الصلاة والسلام محل وفاق.
تنبيه:
أورد على المصنف أنه كيف يجتمع تجويزه هذا مع قوله تبعا لغيره في القياس على المستنبطة أن لا تكون معارضة في الأصل بمعارض. فإذا كانت المعارضة تقطعها عن العمل فقياس المستنبطة ملغى عند المعارضة فلا يكون ناسخا.
وأجاب عنه المصنف بأنا لم نقل: إن القياس ينسخ، وإن كانت علته مستنبطة بل أطلقنا أنه ناسخ وإنما يكون ناسخا إذا كان معتبرا، وإنما يعتبر إذا سلمت علته عن المعارضة.
قلت: إطلاقه أولا النسخ بالقياس ثم تفصيله في القول الرابع بين أن يكون علته منصوصة أم لا، يدل على اختياره النسخ بالقياس ولو كانت علته مستنبطة والله أعلم.
ص: ونسخ القياس في زمنه عليه الصلاة والسلام وشرط ناسخه إن كان قياسا أن يكون أجلى، وفاقا للإمام، وخلافا للآمدي.
ش: الجمهور على جواز نسخ القياس لكن بشرط أن يكون ذلك في زمنه عليه الصلاة والسلام لاستحالته بعده، ثم قد يكون ناسخه نصا كأن يقول: حرمت المفاضلة في البر لأنه مطعوم فيقاس عليه الأرز فنقول بعد ذلك: بيعوا الأرز بالأرز متفاضلا، وقد يكون قياسا بأن ينص على حكم آخر على ضد حكم أصل ذلك القياس.
واشترط الإمام فخر الدين فيما إذا كان قياسا أن يكون الثاني أجلى بأن يترجح أمارته على أمارة الأول، ووافقه المصنف – ولم يتشرط الآمدي ذلك – ومنع القاضي عبد الجبار وغيره نسخ القياس لأنه مستنبط من أصل، فحكم الفرع باق ببقاء حكم الأصل، واختار الآمدي مذهبا ثالثا، وهو الجواز فيما علته منصوصة والمنع في المستنبطة.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
النسخ

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:07 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir