قول المرجئة بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب
قال المصنف رحمه الله: [ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله] . هذه الجملة تؤثر عن بعض المرجئة، وإن كان شيخ الإسلام رحمه الله يقول: (وهذه الجملة تحكى عن غلاة المرجئة، ولا أعلم أحداً من الأعيان المعروفين صح عنه القول بهذه الجملة)، ولكن الأشعري في (مقالاته) وأبو محمد ابن حزم في (الفِصل) نسبا هذه الجملة إلى مقاتل بن سليمان ، إلا أن هذا لا يصح عنه، فـشيخ الإسلام رحمه الله لم يكن خفياً عليه ما قاله الأشعري و ابن حزم أنها قول لـمقاتل بن سليمان ، ولهذا قال في منهاج السنة النبوية: (وينسب هذا لـمقاتل بن سليمان عند بعض أهل المقالات ولكنها لا تصح عنه)، فهذه جملة يقال: إنها تنسب لغلاة المرجئة ولا يصح عن معين أنه التزم هذا المذهب.
من أصول العبادة: الخوف والرجاء
قال المصنف رحمه الله: [ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم ونخاف عليهم ولا نقنِّطهم] . هذا من مقامات العبادة وهو: مقام الرجاء ومقام الخوف، وعبادته سبحانه وتعالى عند أهل السنة معتبرة بثلاثة أصول: الأصل الأول: الاستحقاق، ومن أخص مقاماته المحبة، ومعنى هذا أن الله سبحانه وتعالى يُعبد ويُسأل ويُدعى ويُتقرب إليه استحقاقاً، أي: لكونه مستحقاً للعبادة، وهذا هو أشرف أصول العبادة. الأصل الثاني: الرجاء، وهو أصل واسع. الأصل الثالث: الخوف، وهو أصل واسع أيضاً، أي: واسع المتعلق، وعليه: فإن من يفسر الرجاء برجاء الجنة ويكون مدار كلامه إذا ذكر الرجاء على مدار الجنة وثواب الآخرة، فلا شك أن تفسيره يكون قاصراً، فإن من أخص مقامات الرجاء رجاء محبته سبحانه وتعالى، ورجاء رضاه سبحانه وتعالى، إلى غير ذلك، ومن مقامات الرجاء رجاء الجنة. وكذلك الخوف، فكما أن الخوف من النار من الخوف الشرعي الذي شرعه الله ورسوله، إلا أن من مقامات الخوف أيضاً الخوف من سخطه وغضبه سبحانه وتعالى. فيكون فقه هذين الأصلين: (الخوف والرجاء) لا يختص بالنعيم أو بالعذاب المادي، بل بما يتعلق بما بين العبد وبين ربه من محبته ورضاه أو سخطه وغضبه ومقته، والعبد كما أنه يرجو النعيم في الجنة فإنه قبل ذلك وأهم من ذلك يرجو محبة الله سبحانه وتعالى ورضاه، ولهذا قال سبحانه وتعالى لما ذكر النعيم: {وَرِضْوَانٌ مِنَ الله أَكْبَرُ} [التوبة:72] ، فالرضا أعظم من هذا النعيم الذي أعده الله سبحانه وتعالى، وإن كان طلب النعيم والخوف من العذاب مشروعاً. ومن هدي أهل السنة أنهم يرجون للمحسنين أي: من استقاموا على الإيمان ظاهراً وباطناً، ويخافون على المسيئين وهم من حقق أصل الإيمان ولكنهم اقترفوا ما اقترفوا من الكبائر، فهؤلاء المسيئون يُخاف عليهم، ولكن لا يعطلون من مقام الرجاء، وأهل الإحسان وإن كان يُرجى لهم إلا أنهم لا يعطلون من مقام الخوف، ولكن الأصل في أهل الإحسان هو الرجاء، والأصل في أهل الإساءة هو الخوف، وأما أن يقصر أهل الإساءة على مقام الخوف وحده فلا، بل يُخاف عليهم ويرجى لهم، ولهذا لما ذكر الله سبحانه وتعالى العصاة قال: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى الله أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة:102] . ......