دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > القضاء

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 06:48 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي [ تحريم شهادة الزور ]

وعن أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ((أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ - ثَلَاثًا - ؟ قُلْنَا: بَلَى يا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فقالَ: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ)) فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ .

  #2  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 12:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُه : وكان متَّكِئًا فجَلَسَ .
فيه حُجَّةٌ لمن قالَ : الجلوسُ للنائمِ والقعودُ للقائمِ .

  #3  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 12:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الْحَدِيثُ التَّاسِعُ والستُّونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
وعنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ- ثَلَاثًا-؟ قُلْنَا: بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فقالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ)) فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: تقسيمُ الذنوبِ إلى كبائرَ وصغائرَ، فالكبيرةُ ما فيها حدٌّ فى الدنيا، أوْ وعيدٌ في الآخرةِ، أوْ لَعْنَةٌ، أوْ غَضَبٌ، أوْ نَفْيُ دخولِ جَنَّةٍ، والصَّغَائِرُ مَا عَدَا ذلكَ.
الثَّانِيَةُ: أنَّ الشِّرْكَ أَعْظَمُ الذنوبِ؛ لأنَّهُ صَدْرُ الكبائرِ، وهوَ الذنبُ الذي لا يُغْفَرُ.
الثَّالِثَةُ: عِظَمُ عُقُوقِ الوالدَيْنِ، حيثُ قَرَنَ حَقَّهُمَا بحقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
الرَّابِعَةُ: خَطَرُ شهادةِ الزورِ، حيثُ اهْتَمَّ بها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِيهَا قَطْعُ الحقِّ عنْ صاحبِهِ، وإدخالُ الظُّلْمِ على المَشْهُودِ لهُ، والكَذِبُ والبُهْتَانُ في مَقَامِ الحُكْمِ، وتَضْلِيلُ القُضَاةِ، إلى غيرِ ذلكَ من المَفَاسِدِ.
الْخَامِسَةُ: حُسْنُ تَعْلِيمِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيثُ أَلْقَى عليهم هذهِ المَسَائِلَ المُهِمَّةَ بطريقةِ التنبيهِ.

  #4  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 12:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الحديثُ الحادي والسبعونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
371- عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُـولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :((أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ - ثلاثًا- ؟ قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ : الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ : أَلَا وَقَوْلَ الزُّورِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ)) فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا : لَيْتَهُ سَكَتَ .(199)
_____________________
(199) المعنى الإجماليُّ :
يعظُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابَهُ، مبيِّنًا لهم مهلكاتِ الذنوبِ، وموبقاتِ المعاصي بطريقِ التنبيهِ ليستعدُّوا لتلقِّي العلمَ وتتفَتَّحَ أسماعُهم لقبولِه فقال : ((أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟ يُكَرِّرُ ذَلِكَ عليهم ثلاثًا؛ ليشتاقُوا إليهِ فَيَعْلَقَ بأَذهانِهم . قُلنا: بَلَى يا رسولَ اللهِ . فابتدأَ بأعظمِ الذنوبِ وأشدِّها خطرًا، وَهُوَ الشركُ بمَن أسبغَ عليكَ أنواعَ النِّعَمِ ودفعَ عنكَ أصنافَ النِّقَمِ .
فهل جزاؤُه أن يُشْرَكَ معهُ فِي عِبادتِهِ غيرُهُ ؟ فمَن أشركَ فجزاؤُه الخلودُ فِي النارِ وبئسَ القرارُ .
ثم يُثَنِّي بحقِّ أعظمِ الناسِ عليكَ مِنَّةً، وأكبرِهم حقًّا، وهما الوالدانِ اللَّذانِ جعلَهما اللهُ السببَ فِي وُجودِكَ فِي هذهِ الحياةِ، وَأَوْلَيَاكَ من البرِّ وَالعطفِ وَاللُّطْفِ فِي ضعفِكَ وصغرِكَ، ما لا تقدرُ عَلَى مُكَافَأَتِهِ .
فمِنْ أكبرِ الكبائرِ، وأعظمِ الذنوبِ، جحدُ حقِّهما، وتناسي فضلِهما، ومقابلةُ هَذَا الإحسانِ الكبيرِ بالعُقُوقِ وَالكُفْرانِ .
يُحَدِّثُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابَهُ بهذهِ المواعظِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ .
فلما أرادَ أن يحذِّرَهم من شهادةِ الزُّورِ، اهتمَّ وتحفَّزَ، فاعتدلَ فِي جِلْسَتِهِ لِعِظَمِ الأمرِ وَجَلَلِ الخَطْبِ فقال : ((أَلَا وَقَوْلَ الزُّورِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ )) .
فما زالَ يُكَرِّرُها ويحذِّرُ منها حتى اشتدَّ بهِ الأمرُ وتمنَّى الصحابةُ أن يَسْكُتَ؛ لِمَا حَصَلَ عندَهُ من التأثُّرِ وَالتحمُّسِ عِنْدَ ذِكْرِها؛ لِمَا فِي هَذِه الشهادةِ [الآثمةِ] من الأضرارِ الكثيرةِ وَالمفاسدِ الكبيرةِ: من تضليلِ الحُكَّامِ عن صوابِ الحكمِ، ومن قطعِ حقِّ المحِقِّ، ومن إدخالِ الظلمِ عَلَى المبطِلِ، ومن الكذبِ عِنْدَ القضاةِ وفي مقامِ الحكمِ، إِلَى غيرِ ذلكَ من المفاسدِ التي يَطُولُ عدُّها، ولا يمكنُ حصرُها . نسألُ اللهَ العافيةَ منها .
مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ :
1- تقسَّمُ الذنوبُ إِلَى كبائرَ وصغائرَ، ويدلُّ له أيضًا قولُهُ تعالى : (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) .
2- اختلفَ العلماءُ فِي تمييزِ الكبيرةِ من الصغيرةِ .
وأحسنُ ما حُدَّتْ بهِ الكبيرةُ ما قالَهُ شيخُ الإسلامِ ((ابنُ تيميةَ)) : ((إِنَّهَا ما فيه حَدٌّ فِي الدُّنْيَا، أَوْ وعيدٌ فِي الآخرةِ، أَوْ خُتِمَ بلعنةٍ، أَوْ غضبٍ،أو نفيِ إيمانٍ أَوْ دخولِ جنةٍ )) فهو الكبيرةُ .
3- إنَّ أعظمَ الذنوبِ الشركُ باللهِ؛ لأنَّه جعلَهُ صدرَ الكبائرِ وَقَدْ قَالَ تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) وهل هنا أشدُّ من جَحْدِ نِعَمِ الربِّ تَباركَ وتعالى، بِصَرْفِ شيءٍ من عِبادتِهِ إِلَى غيرِهِ ؟!
4- عِظَمُ حقوقِ الوالدينِ؛ إِذْ قُرِنَ حقُّهما بحقِّ اللهِ تعالى.
وقد ذَكرَ اللهُ تعالى حقَّهما مَعَ حقِّه فِي كثيرٍ من مواضعِ القرآنِ الكريمِ (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) إِلَى غيرِ ذلكَ من الآياتِ .
5- خطرُ شهادةِ الزورِ وقولِ الزورِ وتحريمُه، فقد اهتمَّ بهما النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باعتدالِ هيئتِهِ، وتكريرِ التحذيرِ منهما؛ لِمَا فيهما من المفاسدِ العظيمةِ: من قطعِ حقِّ صاحبِ الحقِّ، وإدخالِ الظُّلْمِ عَلَى المشهودِ لهُ، وَالكذبِ، وَالبهتانِ، وتضليلِ القضاةِ، فَيَحْكُمُوا بما هُوَ خلافُ الحقِّ فِي الباطنِ، إِلَى غيرِ ذلكَ من المفاسدِ العُظْمَى .
6- اهتمَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لشهادةِ الزورِ؛ لأنَّ الناسَ يَتَساهَلُونَ فيها فيَجترئُونَ عليها أكثرَ ممَّا يَجترئُونَ عَلَى غيرِها من المعاصي .
7- نصحُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتبليغُهُ لِأُمَّتِهِ كلَّ ما ينفعُهم، وتحذيرُه مما يضرُّهم . فصلُواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ .
8- حُسنُ تعليمِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينما ألقى عليهم هَذِه المسائلَ المهمَّةَ بطريقِ التنبيهِ؛ ليكونَ أَعْلَقَ فِي أذهانِهم، وأرسخَ فِي قلوبِهم .
9- يُرادُ بعقُوقِ الوالدينِ، كلُّ ما يَكرهانِ من الأقوالِ وَالأفعالِ . وَالنَّهْيُ عن عقوقِهما يستلزمُ برَّهما، وَهُوَ القيامُ بما يُحِبَّانِهِ - غيرَ معصيةِ اللهِ - وَالبرُّ بهما فِي الحياةِ وبعدَ وفاتِهما .
وجاءَ النَّهْيُ عن عقوقِهما بأقلِّ مراتبِه - وَهُوَ التَّأَفُّفُ - إشارةً إِلَى ما فوقَه من أنواعِ الأذى .

  #5  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 12:47 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

377 - الحديثُ الخامسُ: عن أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ: ((أَلَا أُنْبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟)) -ثلاثاً- قُلْنَا: بلَى يا رسولَ اللهِ، قال: ((الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ)) وكانَ مُتَّكِئًا فجلسَ، وقالَ: ((أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ)). فما زالَ يُكَرِّرُهَا حتَّى قلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ.
فيه مسائلُ، الأُولَى: قد يَدُلُّ الحديثُ على انقسامِ الذُّنوبِ إلى صغائرَ وكبائرَ. وعليه أيضاً يَدُلُّ قولُـهُ تعالَى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ ) "النِّسَاءُ: مِن الآيةِ31" وفي الاستدلالِ بهذا الحديثِ على ذلكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَن قالَ: " كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرَةٌ" فالكبائرُ والذُّنوبُ عندَه مُتَوَارِدَانِ على شيءٍ واحدٍ. فيصيرُ كأنَّه قيلَ: ألَا أُنَبِّئُكُمْ بأكبرِ الذُّنوبِ. وعن بعضِ السَّلفِ: أنَّ كلَّ مَا نهَى اللهُ عزَّ وجلَّ عنه فهوَ كبيرةٌ. وظاهرُ القرآنِ والحديثِ على خِلَافِهِ. ولعلَّه أخذَ "الْكَبِيرةَ" باعتبارِ الوضعِ اللُّغويِّ ونَظَرَ إلى عِظَمِ المخالفةِ للأمرِ والنَّهيِ. وسمَّى كلَّ ذنبٍ كبيرةً.
الثَّانيةُ: يَدُلُّ على انقسامِ الكبائرِ في عِظَمِهَا إلى كبيرٍ وأكبرَ، لقولـِهِ علَيْه السَّلامُ: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟" وذلكَ بِحَسْبِ تفاوتِ مَفَاسِدِهَا. ولا يَلْزَمُ من كَوْنِ هذه أكبرَ الكبائرِ اسْتِوَاءُ رُتَبِهَا أيضاً في نفسِها، فإنَّ الإشراكَ باللهِ أعظمُ كبيرةً من كلِّ مَا عدَاهُ من الذُّنوبِ المذكورةِ في الأحاديثِ الَّتي ذُكِرَ فيها الكبائرُ.
الثالثةُ: اختلفَ الناسُ في الكبائرِ، فمنهمْ مَن قَصَدَ تعريفَهَا بِتِعْدَادِهَا. وذَكَرُوا في ذلكَ أعدادًا من الذُّنوبِ ومَن سلكَ هذه الطريقةَ فَلْيَجْمَعْ مَا وَرَدَ في ذلكَ في الأحاديثِ، إِلَّا أنَّه لا يستفيدُ بذلكَ الْحَصْرِ. ومن هذا قيلَ: إنَّ بعضَ السَّلفِ قيلَ له: "إنَّها سَبْعٌ" فقالَ: "إنَّها إلى السَّبعِينَ أقربُ منها إلى السَّبْعِ" ومنهمْ مَن سلكَ طريقَ الْحَصْرِ بالضَّوابطِ، فقيلَ عن بعضِهِمْ: إنَّ كلَّ ذنبٍ قُرِنَ به وَعِيدٌ، أو لَعْنٌ، أو حَدٌّ فهوَ من الكبائرِ. فَتَغْيِيرُ مَنَارِ الأرضِ كبيرةٌ؛ لاقترانِ اللَّعْنِ بهِ. وكذَا قَتلُ المؤمنِ؛ لاقترانِ الوعيدِ بهِ. وَالْمُحَارَبَةُ، وَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةُ وَالْقَذْفُ كبائرُ؛ لاقترانِ الحدودِ بها، واللَّعْنَةِ ببعضِهَا. وسَلَكَ بعضُ الْمُتَأَخِّرِينَ طريقًا. فقالَ: إذا أردْتَ معرفةَ الفرقِ بَيْنَ الصَّغائرِ والكبائرِ فَاعْرِضْ مَفْسَدَةَ الذَّنبِ على مفاسدِ الكبائرِ المنصوصِ عليْهَا. فإنْ نَقَصَتْ عن أقلِّ مَفَاسِدِ الكبائرِ، فهيَ من الصَّغائرِ. وإنْ ساوَتْ أَدْنَى مَفَاسِدِ الكبائرِ، أو أَرْبَتْ عليْهِ، فهيَ من الكبائرِ، وَعَدَّ من الكبائرِ: شَتْمُ الرَّبِّ تباركَ وتعالَى، أو الرَّسولِ، والِاسْتِهَانَةُ بالرُّسلِ، وتكذيبُ واحدٍ منهمْ، وَتَضْمِيخُ الكعبةِ بِالْعَذِرَةِ، وإلقاءُ المصحفَ في القاذوراتِ، فهذا من أكبرِ الكبائرِ، ولم يُصَرِّح الشَّرعُ بأنَّهُ كبيرةٌ، وهذا الَّذي قالَهُ داَخِلٌ عندِي فيمَا نصَّ عليه الشَّرعُ بالكفرِ. إنْ جعلْنَا المُرادَ بالإشراكِ باللهِ مُطْلقَ الْكُفْرِ، على مَا سَنُنَبِّهُ عليه. ولا بُدَّ -معَ هذا- من أمريْنِ:
أحدُهُمَا: أنَّ الْمَفْسَدَةَ لا تُؤْخَذُ مُجَرَّدَةً عمَّا يَقْتَرِنُ بها من أمرٍ آخرَ؛ فإنَّه قد يقعُ الغلطُ في ذلكَ. ألَا تَرَى أنَّ السَّابقَ إلى الذِّهْنِ أنَّ مَفْسَدَةَ الخمرِ: السُّكْرُ وَتَشْوِيشُ العقلِ، فإنْ أخذْنَا هذا بِمُجَرَّدِهِ. لَزِمَ منه أنْ لا يكونَ شُرْبُ الْقَطْرَةِ الواحدةِ كبيرةً، لِخَلَائِهَا عن الْمَفْسَدَة ِالمذكورةِ لكنَّها كبيرةٌ فإنَّها -وإنْ خَلَتْ عن الْمَفْسَدَةِ المذكورةِ- إِلَّا أنَّه يَقْتَرِنُ بها مَفْسَدَةُ الإقدامِ وَالتَّجَرُّؤِ على شُرْبِ الكثيرِ الْمُوقِعِ في الْمَفْسَدَةِ، فبهذا الاقترانِ تَصِيرُ كبيرةً.
والثَّانِي:أَنَّا إذا سَلَكْنَا هذا الْمَسْلَكَ فقد تكونُ مَفْسَدَةُ بعضِ الوسائلِ إلى بعضِ الكبائرِ مُسَاوِيًا لبعضِ الكبائرِ، أو زائدًا عليهَا. فإنَّ مَن أَمْسَكَ امرأةً مُحْصَنَةً لمَن يَزْنِي بهَا، أو مسلمًا معصومًا لمَن يقتلُهُ، فهوَ كبيرةٌ أعظمُ مَفْسَدَةً من أَكْلِ مالِ الرِّبَا، أو أكْلِ مالِ اليتيمِ، وهُمَا منصوصٌ عليهما. وكذلكَ لو دَلَّ على عَوْرَةٍ من عَوْرَاتِ المسلمينَ تُفْضِي إلى قَتْلِهِمْ، وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ، وَأَخْذِ أموالِهِمْ، كانَ ذلكَ أعظمَ من فرارِهِ من الزَّحفِ، والفرارُ من الزَّحفِ منصوصٌ عليه، دونَ هذه. وكذلكَ تفعلُ -على هذا القولِ الذي حَكَيْنَاهُ من أنَّ الكبيرةَ مَا رُتِّبَ عليها اللَّعْنُ، أو الحَدُّ، أو الوَعِيدُ- فَتُعْتَبَرُ الْمَفَاسِدُ بالنِّسبةِ إلى مَا رُتِّبَ عليه شيئًا من ذلكَ، فما ساوَى أَقَلَّها، فهوَ كبيرةٌ، وما نَقَصَ عن ذلكَ فليسَ بكبيرةٍ.
الرَّابعةُ: قولـُهُ عليهِ السلامُ: "الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ" يُحْتَمَلُ أنْ يُرَادَ به مُطْلَقُ الكفرِ، فيكونُ تخصيصُهُ بالذِّكرِ لِغَلَبَتِهِ في الوجودِ، لا سِيَّمَا في بلادِ العربِ، فَذُكِرَ تنبيهًا على غيرِهِ. وَيُحْتَمَلُ أنْ يُرَادَ بهِ: خُصُوصُهُ، إلَّا أنَّه يُرَدُّ على هذا الاحتمالِ: أنَّهُ قد يظهرُ أنَّ بعضَ الكفرِ أعظمُ قُبْحًا من الإشراكِ. وهوَ كفرُ التَّعْطِيلِ. فبهذا يَتَرَجَّحُ الاحتمالُ الأوَّلُ.
الخامسةُ: عُقُوقُ الوالديْنِ معدودٌ من أكبرِ الكبائرِ في هذا الحديثِ، ولا شكَّ في عِظَمِ مَفْسَدَتِهِ؛ لِعِظَمِ حقِّ الوالدينِ إلَّا أنَّ ضَبْطَ الواجبِ من الطَّاعةِ لهما، والْمُحَرَّمُ من الْعُقُوقِ لهما فيهِ عُسْرٌ، وَرُتَبُ الْعُقُوقِ مُخْتَلِفَةٌ.
قالَ شيخُنَا الإمامُ أبُو محمَّدِ بنُ عبدِ السلامِ: ولم أقفْ في عُقُوقِ الوالديْنِ، ولا فيمَا يَخْتَصَّانِ بهِ من الحقوقِ، على ضابطٍ أَعْتَمِدُ عليْهِ. فإنَّ مَا يَحْرُمُ في حقِّ الأجانبِ فهوَ حرامٌ في حقِّهِمَا، ومَا يجبُ للأجانبِ فهوَ واجبٌ لهُمَا. فلا يَجِبُ على الولدِ طَاعَتَهُمَا في كلِّ مَا يَأْمُرَانِ بهِ، ولا في كلِّ مَا يَنْهَيَانِ عنهَ باتِّفاقِ العلماءِ. وقد حُرِّمَ على الولدِ السَّفرُ إلى الجهادِ بغيرِ إذنِهِمَا، لِمَا يَشُقُّ عليهِمَا من تَوَقُّعِ قتلِهِ، أو قطعِ عضوٍ من أعضائِهِ، ولشدَّةِ تَفَجُّعِهِمَا على ذلكَ. وقد أُلْحِقَ بذلكَ كلُّ سفرٍ يخافَانِ فيهِ على نفسِهِ، أو على عضوٍ من أعضائِهِ. وقد ساوَى الوالدانِ الرَّقيقَ في النَّفقةِ والكسوةِ والسُّكْنَى. انتهَى كلامُهُ.
والفقهاءُ قد ذَكَرُوا صورًا جزئيَّةً، وتكلَّمُوا فيها منثورةً، لا يَحْصُلُ منهَا ضابط ٌ كليٌّ. فليسَ يَبْعُدُ أن يُسْلَكَ في ذلكَ مَا أشرْنَا إليهِ في الكبائرِ، وهوَ أنَّ تُقَاسَ المصالحُ في طرفِ الثبوتِ بالمصالحِ الَّتي وَجَبَتْ لأجلِهَا، والْمَفَاسِدُ في طرفِ الْعَدَمِ بِالمَفَاسِدِ الَّتي حُرِّمَتْ لأجلِهَا.
السَّادسةُ: اهتمامُهُ عليْهِ السَّلامُ بأمرِ شهادةِ الزُّورِ، أو قولِ الزُّورِ: يُحْتَمَلُ أنْ تكونَ؛ لِأَنَّهَا أسهلُ وُقُوعًا على الناسِ، والتَّهَاوُنُ بهَا أكثرُ. فَمَفْسَدَتُهَا أيْسَرُ وُقُوعًا، ألَا تَرَى أنَّ المذكورَ معهَا: هوَ الإشراكُ باللهِ ؟ ولا يقعُ فيهِ مسلمٌ، وعُقُوقُ الوالديْنِ: وَالطَّبْعُ صارفٌ عنهُ. وأمَّا قولُـهُ:"الزُّورِ" فإنَّ الحَوَامِلَ عليْهِ كثيرةٌ، كالعداوَةِ وغيرِهَا. فَاحْتِيجَ إلى الاهتمامِ بتعظِيمِهَا. وليسَ ذلكَ لِعِظَمِهَا بالنسبةِ إلى مَا ذُكِرَ معهَا، وهوَ الإشراكُ قطعًا "وقولُ الزُّورِ، وشَهَادةُ الزُّورِ" ينبغِي أنْ يُحْمَلَ قولُـهُ: "الزُّورِ" على شهادةِ الزُّورِ، فإنَّا لو حَمَلْنَاهُ على الإطلاقِ: لَزِمَ أنْ تكونَ الْكِذْبَةُ الواحدةُ مُطْلَقًا كبـيرةً، وليسَ كذلكَ. وقد نصَّ الفقهاءُ على أنَّ الْكِذْبَةَ الواحدةَ ومَا يُقَارِبُهَا لا تُسْقِطُ العدالةَ. ولو كانَتْ كبيرةً لَأُسْقِطَتْ، وقد نصَّ اللهُ تعالَى على عِظَمِ بعضِ الْكَذِبِ. فقالَ: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) "النساءِ:112" وَعِظَمُ الكَذِبِ ومراتبُهُ تتفاوتُ بِحَسْبِ تفاوتِ مَفَاسِدِهِ. وقد نصَّ في الحديثِ الصَّحيحِ على أنَّ الْغِيبَةَ والنَّمِيمَةَ كبيرةٌ، وَالْغِيبَةُ عندِي تختلفُ بِحَسْبِ المقولِ والمغتابِ بهِ، فَالْغِيبَةُ بِالْقَذْفِ كبيرةٌ، لإيجابِهَا الْحَدَّ. ولا تُسَاوِيهَا الْغِيبَةُ بِقُبْحِ الْخِلْقَةِ مثلًا، أو قُبْحِ بعضِ الهيئْةِ في اللِّباسِ مَثلًا. واللهُ أعلمُ.

  #6  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 12:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

..............................

  #7  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 07:09 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا)) . قلنا: بلى يا رسول الله . قال: ((الإشراك بالله وعقوق الوالدين)) . وكان متكئا فجلس فقال: ((ألا وقول الزور ، وشهادة الزور)) . فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت .

الشيخ: ...سقط ... يتعلق بالقضاء , فالحديث الأول يتعلق بالشهادة , شهادة الزور وقول الزور . والحديث الثاني يتعلق بكيفية القضاء , كيف يقضي القاضي بين اثنين إذا تنازعا .
فأما الحديث الأول فأخبر بأن شهادة الزور من أكبر الكبائر , يقول: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر)) . قالوا: بلى يا رسول الله . قال: ((الإشراك بالله وعقوق الوالدين)) . وكان متكئا فجلس فقال: ((ألا وقول الزور , ألا وشهادة الزور)) . فمازال يكررها حتى قالوا: ليته سكت .
الكبائر: هي الذنوب الكبيرة التي تحتاج إلى التوبة , فمنها ما لا يغفر إلا بالتوبة كالشرك ، ومنها ما يكون تحت المشيئة كالكبائر التي دون الشرك....

الوجـه الثانـي
... فقوله: ((ألا أنبئكم)) . يعني ألا أخبركم بأكبر الكبائر . قد عرفوا أن الذنوب فيها كبائر وفيها صغائر , وأن الكبائر منها كبير ومنها أكبر , فكأنه أراد أن يخبرهم بالأكبر ، بالأكبر من الكبائر ، بأكبر الكبائر , فلما قالوا: بلى , ابتدأ بإخبارهم , فقال: ((الإشراك بالله)) . لا شك أن الشرك بالله هو أكبر الكبائر ؛ وذلك لأنه يوجب الخلود في النار إن كان شركا أكبر ، أو يسبب دخولها إن كان أصغر , يقول الله تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} وغير ذلك من الآيات .
والمراد بالشرك هنا أن تجعل العبادة بين الله وبين غيره , أن يجعل العبادة أو بعضها مشتركا بين الخالق وبين بعض المخلوقين , يشرك المخلوق في حق الخالق , يجعل المخلوق شريكا لله , فيدعو الله ويدعو غيره ، ويخاف الله ويخاف غيره ، ويحب الله ويحب غيره , وما أشبه ذلك , وهو الذي ذكره ابن القيم بقوله:
والشرك فاحذره فشرك ظاهر ذا القسم ليس بقابل الغفران
وهو اتخاذ الند للرحمن أيا كان من حجر ، ومن إنسان
يدعوه ، أو يرجوه ، ثم يخافه ويحبه كمحبة الديان
يدعوه أو يرجوه ثم يخافه ويحبه كمحبة الديان
فهذا الشرك أخبر بأنه أكبر الكبائر .
الثاني: عقوق الوالدين ، الوالدان لهما حق كبير على ولدهما ، فالإحسان إليهما يقرن بالتوحيد ، وعقوقهما يقرن بالشرك , كثيرا ما يذكر الله تعالى حق الوالدين بعد حقه , كما في قوله: {أن اشكر لي ولوالديك} , وفي قوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} , وقال تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا} , لا تعبد إلا الله:هذا التوحيد ، وبالوالدين إحسانا: هذا هو البر ، فأعظم الحسنات التوحيد ، ثم البر ، وأعظم السيئات الشرك ثم العقوق .

والعقوق مشتق من العق ، وهو القطع ، والعاق كأنه قطع الصلة بينه وبين أبويه , فبدل الإحسان أساء إليهما , وبدل البرعقهما , وبدل أداء حقوقهما جحد فضلهما . ولا شك أن للوالدين حق كبير على ولدهما , ولذلك قال تعالى: {وبالولدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} تعليم من الله تعالى لكيفيه البر , فنهى بقوله: {لا تنهرهما} ، {ولا تقل لهما أف} , التأفيف أقل ما يتصور من القول السيء ، فعرف بذلك أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر .والأحاديث في ذم العقوق كثيرة معروفة.
وأما قوله: وكان متكئا فجلس . لما تكلم بأول الكلام كان متكئا على جدار ، أو نحوه , ولأهمية ما سوف يذكره استوى جالسا , جلس متربعا وأخذ يكرر قوله: ((ألا وشهادة الزور ، ألا وقول الزوروشهادة الزور)) . أخذ يكرر ذلك , ومع تكراره كأنهم أشفقوا عليه ، ورأوا أنه قد تأثر من الانفعال , حتى قالوا: ليته يسكت , أي: قد شق على نفسه بهذا التأثر, تمنوا أنه يسكت من شدة تكراره ، ومن شدة تأثره . ولا شك أنه لا يتأثر إلا من شيء له أهمية ,وهو دليل على أن قول الزور وشهادة الزور من أكبر الكبائر , ومن الأولى بالاهتمام ، وما ذاك إلا أنه أشفق على أمته أن يقعوا في قول الزور ، أو في شهادة الزور .
الزور: هو الكذب . معروف إلى الآن التزوير , التدليس ، والكذب في أمر من الأمور ، زور فلان على فلان يعني كذب عليه , وكتب عنه أنه قال: كذا ، أو قلد كتابته ، أو نحو ذلك ؛ حتى يظلمه ، ثم يطلق الزور على كل من كذب على غيره ، ولا شك أنه يعم الكذب على الله تعالى ، وعلى رسله , فإنه من أكبر الكبائر , وقد قرنه الله تعالى بالشرك في آية أخرى في سورة الحج , يقول تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} , اجتنبوا الرجس , الرجس هو الشرك , والزور هو الكذب . وكذلك مدح الذين يتجنبونه بقوله تعالى: {والذين لا يشهدون الزور} , قيل: لا يحضرونه وقيل: لا يشهدون به .

وبكل حال فهذا دليل على عظم الكلمة . مشاهدة الزور هي الشهادة عند القاضي كذبا وزورا وإثما , جعلها من أكبر الكبائر ؛ وما ذاك إلا أنه يترتب عليها مظالم ، فإن القاضي يبني على شهادة الشاهدين , فيحكم بما شهدا به , ومتى كانا كاذبين تحملا ذلك الإثم , فإذا اقتطع من هذا حقا بموجب شاهدين وهما كاذبين فهما الظالمان ، وهما الآثمان ، وهما الكاذبان , وعليهما جرم ذلك الظلم لا على القاضي ؛ لأنه بنى على شهادة غيره .
ولهذا روي عن شريح أحد قضاة الصحابة , كان قاضيا لعلي ولمن بعده , أوصى بعض القضاة بقوله: إن القضاء جمرة ؛ فاجعل بينك وبينها عودين يقيانك بها . فسئل ما هما العودان اللذان تأخذ بهما الجمرة ؟ فقال: الشاهدان . هما اللذان يقبضان هذه الجمرة ، إذا كنت تريد أن تقضي فكأنك تقطع جمرة من هذا لهذا ، فلا تمسها ولكن دع الذي يمسها غيرك ، وهما هذان الشاهدان ، فإذا كانا كاذبين فإنها هي التي تؤثمهما .
وقد وردت الأدلة في ذم شاهد الزور , حتى روي في بعض السنن:((لا تزول قدم شاهد الزور حتى يستوجب النار .. أو حتى يوجب الله له النار)) أي بمجرد شهادته , كأنه لما اقتطع بهذه الشهادة حقا لمسلم عاقبه الله بهذا العذاب , استحقاقه لعذاب النار وبئس القرار .

تساهل الناس في هذه الأزمنة في شهادة الزور ، فصاروا يشهدون بحمية, يشهد أحدهم حمية لقريبه ، أو تعصبا , أو نحو ذلك ، ويشهد بعضهم لمصلحة كأن يبذل له المشهود مالا حتى يشهد معه ، فيأخذ مالا دنيا دانيا مقابل أن يبيع دينه ، وأن يستوجب عذاب الله . وشر الناس من ظلم الناس للناس , لا ينتفع بهذا ، بل ينفع غيره ، ويضر نفسه , فلو فكر في أنه يوصم بأنه كاذب , يوصم بأنه آثم ، يوصم بأنه مزور ، وصمات كبيرة , هذا بعض ما يستحقه .يشتهر بعد ذلك أنه شاهد زور .
ويجب أن يشهر بأمره إذا علم بأنه شاهد زور . ذهب بعض العلماء إلى أنه يطاف به في الأسواق وفي الطرق , ويشهر , يقال: هذا شاهد الزور ، هذا شاهد الزور ؛ حتى يتجنبه الناس ، ويعرفون كذبه ، وأنه قد تعمَّدَ الكذب , فيرتدع الناس حتى لا يشهدوا مثلما شهادته ؛ مخافة الفضيحة ، وكذلك يعرفونه فلا يقبلونَ قوله ، ولا يقبلون معاملتَه ، فيبوء بعد ذلك بالذل والهوان .
يحب أن يتثبت الإنسان , فلا يشهد إلا بما استيقنه ؛ روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل: ((ترى الشمس)) ؟ قال: نعم . قال: ((على مثلها فاشهد أو دع)) . أي لا تشهد على شيء تتيقنه كما تتيقن أن هذه هي الشمس إذا طلعت , فلا تشهد وأنت شاك ، أو متوهم , لا تشهد بما لا تعلم . حكى الله عن إخوة يوسف أنهم قالوا: {وما شهدنا إلا بما علمنا وماكنا للغيب حافظين} , ذكروا أن شهادَتهم إنما هي بما وصلت إليه معرفتهم ، وبما رأوه , دون أن يعلموا حقائق الأمور .الشاهد يشهد بما ظهر له , فإن كان متيقنا أقدم ، وإلا أحجم .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تحريم, شهادة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:07 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir