دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الأيمان والنذور

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 محرم 1430هـ/22-01-2009م, 09:43 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تحريم اليمين الغموس وذكر يمين النبي صلى الله عليه وسلم


وعن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: كانتْ يَمينُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ)). رواهُ البخاريُّ.
وعنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: جاءَ أعرابيٌّ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، ما الْكَبَائِرُ؟ فذَكَرَ الحديثَ، وفيهِ: قُلْتُ: وما اليَمينُ الغَمُوسُ؟ قالَ: ((الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ)). أَخْرَجَهُ البخاريُّ.

  #2  
قديم 26 محرم 1430هـ/22-01-2009م, 10:14 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


6/1285 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي كَانَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَسَمِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ الأَلْفَاظَ الَّتِي كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْسِمُ بِهَا: ((لا، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ))، وَفِي رِوَايَةٍ: ((لا، وَمُصَرِّفِ الْقُلُوبِ))، ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ))، ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ))، ((وَاللَّهِ))، ((وَرَبِّ الْكَعْبَةِ)).
وَلابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: كَانَ إذَا اجْتَهَدَ فِي الْيَمِينِ قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ)). وَلابْنِ مَاجَهْ: كَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا: ((أَشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ)).
وَالْمُرَادُ بِتَقْلِيبِ الْقُلُوبِ: تَقْلِيبُ أَعْرَاضِهَا وَأَحْوَالِهَا، لا تَقْلِيبُ ذَاتِ الْقَلْبِ.
قَالَ الرَّاغِبُ: تَقْلِيبُ اللَّهِ الْقُلُوبَ وَالْبَصَائِرَ صَرْفُهَا عَنْ رَأْيٍ إلَى رَأْيٍ، وَالتَّقَلُّبُ: التَّصَرُّفُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ}.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْقَلْبُ جُزْءٌ مِن الْبَدَنِ، خَلَقَهُ اللَّهُ، وَجَعَلَهُ لِلإِنْسَانِ مَحَلَّ الْعِلْمِ وَالْكَلامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن الصِّفَاتِ الْبَاطِنَةِ، وَجَعَلَ ظَاهِرَ الْبَدَنِ مَحَلَّ التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ، وَوَكَّلَ بِهِ مَلَكاً يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ، وَشَيْطَاناً يَأْمُرُ بِالشَّرِّ، وَالْعَقْلُ بِنُورِهِ يَهْدِيهِ، وَالْهَوَى بِظُلْمَتِهِ يُغْوِيهِ، وَالْقَضَاءُ مُسَيْطِرٌ عَلَى الْكُلِّ، وَالْقَلْبُ يَتَقَلَّبُ بَيْنَ الْخَوَاطِرِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ، وَاللَّمَّةُ مِن الْمَلَكِ تَارَةً، وَمِن الشَّيْطَانِ أُخْرَى، وَالْمَحْفُوظُ مَنْ حَفِظَهُ اللَّهُ. ا هـ.
قُلْتُ: وَقَوْلُهُ: وَالْكَلامِ؛ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى إثْبَاتِ الْكَلامِ النَّفْسِيِّ، وَأَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا)) رَدٌّ وَنَفْيٌ لِلسَّابِقِ مِن الْكَلامِ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الإِقْسَامِ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَت الْهَادَوِيَّةُ؛ حَيْثُ قَالُوا: الْحَلِفُ بِاللَّهِ أَوْ بِصِفَةٍ لِذَاتِهِ أَوْ لِفِعْلِهِ لا يَكُونُ عَلَى ضِدِّهَا، وَيُرِيدُونَ بِصِفَةِ الذَّاتِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: لا بُدَّ مِنْ إضَافَتِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ كَعِلْمِ اللَّهِ، وَيُرِيدُونَ بِصِفَةِ الْفِعْلِ الْعَهْدَ وَالأَمَانَةَ إذَا أُضِيفَتْ إلَى اللَّهِ تعالى.
إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ في النَّهْيِ عَن الْحَلِفِ بِالأَمَانَةِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بِلَفْظِ: ((مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا))، وَذَلِكَ لأَنَّ الأَمَانَةَ لَيْسَتْ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى، بَلْ مِنْ فُرُوضِهِ عَلَى الْعِبَادِ. وَقَوْلُهُمْ: لا يَكُونُ عَلَى ضِدِّهَا، احْتِرَازٌ عَن الْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْمَشِيئَةِ، فَلا تَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ.
وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ -وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ- إلَى أَنَّ جَمِيعَ الأَسْمَاءِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ والسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَكَذَا الصِّفَاتُ، صَرِيحٌ فِي الْيَمِينِ، وَيَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ.
وَفَصَّلَت الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ، فَقَالُوا: إنْ كَانَ اللَّفْظُ يَخْتَصُّ بِاللَّهِ تَعَالَى؛ كَالرَّحْمَنِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَخَالِقِ الْخَلْقِ، فَهُوَ صَرِيحٌ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ، سَوَاءٌ قَصَدَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ أَطْلَقَ، وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ تَعَالَى وَعَلَى غَيْرِهِ، لَكِنْ يُقَيَّدُهُ؛ كَالرَّبِّ وَالْخَالِقِ، فَتَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ، إلاَّ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ غَيْرَهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ تَعَالَى وَعَلَى غَيْرِهِ عَلَى السَّوَاءِ، نَحْوُ: الْحَيِّ وَالْمَوْجُودِ، فَإِنْ نَوَى غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ أَطْلَقَ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ نَوَى بِهِ اللَّهَ تَعَالَى انْعَقَدَ عَلَى الصَّحِيحِ.


7/1286 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْكَبَائِرُ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: ((الْيَمِينُ الْغَمُوسُ)). وَفِيهِ: قُلْتُ: وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: ((الَّتِي يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو)؛ أَي: ابْنِ الْعَاصِ، (قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْكَبَائِرُ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ)، وَهِيَ: بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ آخِرَهُ مُهْمَلَةٌ.
(وَفِيهِ: قُلْتُ)، ظَاهِرُهُ أَنَّ السَّائِلَ ابْنُ عَمْرٍو رَاوِي الْحَدِيثِ، وَالْمُجِيبَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ غَيْرَ عَبْدِ اللَّهِ لِعَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ الْمُجِيبَ. وَالأَوَّلُ أَظْهَرُ.
(وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: الَّتِي يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ).
اعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِعَقْدِ قَلْبٍ وَقَصْدٍ، أَوْ لا، بَلْ تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ بِغَيْرِ عَقْدِ قَلْبٍ، إِنَّمَا يَقَعُ بِحَسَبِ مَا تَعَوَّدَهُ الْمُتَكَلِّمُ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِإِثْبَاتٍ أَوْ نَفْيٍ؛ نَحْوُ: وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ، وَلا وَاللَّهِ، فَهَذِهِ هِيَ اللَّغْوُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} كَمَا يَأْتِي دَلِيلُهُ. وَإِنْ كَانَتْ عَنْ عَقْدِ قَلْبٍ، فَيُنْظَرُ إلَى حَالِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَيَنْقَسِمُ بِحَسَبِهِ إلَى أَقْسَامٍ خَمْسَةٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الصِّدْقِ، أَوْ مَعْلُومَ الْكَذِبِ، أَوْ مَظْنُونَ الصِّدْقِ، أَوْ مَظْنُونَ الْكَذِبِ، أَوْ مَشْكُوكاً فِيهِ.
فَالأَوَّلُ: يَمِينٌ بَرَّةٌ صَادِقَةٌ، وَهِيَ الَّتِي وَقَعَتْ فِي كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى؛ نَحْوُ: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}، وَوَقَعَتْ فِي كَلامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَفَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعاً، وَهَذِهِ هِيَ الْمُرَادَةُ فِي حَدِيثِ: ((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يُحْلَفَ بِهِ))، وَذَلِكَ لِمَا يَتَضَمَّنُ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالثَّانِي: وَهُوَ مَعْلُومُ الْكَذِبِ، الْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَيُقَالُ لَهَا: الزُّورُ، وَالْفَاجِرَةُ، وَسُمِّيَتْ فِي الأَحَادِيثِ يَمِينَ صَبْرٍ، وَيَمِيناً مَصْبُورَةً.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: سُمِّيَتْ غَمُوساً؛ لأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ. فَعَلَى هَذَا هِيَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْحَدِيثِ بِالَّتِي يُقْتَطَعُ بِهَا مَالُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لا تَكُونُ غَمُوساً إِلاَّ إذَا اقْتُطِعَ بِهَا مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لا أَنَّ كُلَّ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ كَذِباً يَكُون غَمُوساً، وَلَكِنَّهَا تُسَمَّى فَاجِرَةً.
الثَّالِثُ: مَا ظُنَّ صِدْقُهُ، وَهُوَ قِسْمَانِ:
الأَوَّلُ: مَا انْكَشَفَ فِيهِ الإِصَابَةُ، فَهَذَا أَلْحَقَهُ الْبَعْضُ بِمَا عُلِمَ؛ إذْ بِالانْكِشَافِ صَارَ مِثْلَهُ.
وَالثَّانِي: مَا ظُنَّ صِدْقُهُ، وَانْكَشَفَ خِلافُهُ. وَقَدْ قِيلَ: لا يَجُوزُ الْحَلِفُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ؛ لأَنَّ وَضْعَ الْحَلِفِ لِقَطْعِ الاحْتِمَالِ، فَكَأَنَّ الْحَالِفَ يَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ مَضْمُونَ الْخَبَرِ، وَهَذَا كَذِبٌ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى ظَنِّهِ.
الرَّابِعُ: مَا ظُنَّ كَذِبُهُ، وَالْحَلِفُ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ.
الْخَامِسُ: مَا شُكَّ فِي صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ، وَهُوَ أَيْضاً مُحَرَّمٌ. فَتَخْلُصُ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَا عَدَا الْمَعْلُومَ صِدْقُهُ.
وَقَوْلُهُ: مَا الْكَبَائِرُ؟ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ مَعْلُوماً عِنْدَ السَّائِلِ أَنَّ فِي الْمَعَاصِي كَبَائِرَ وَغَيْرَهَا. وَقَد اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ؛ فَذَهَبَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا كَبَائِرُ. وَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إلَى أَنَّهَا تَنْقَسِمُ إلَى كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ}، وَقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ}.
قُلْتُ: وَلا يَخْفَى أَنَّهُ لا دَلِيلَ عَلَى تَسْمِيَةِ شَيْءٍ مِن الْمَعَاصِي صَغَائِرَ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ. وَقِيلَ: لا خِلافَ فِي الْمَعْنَى، إنَّمَا الْخِلافُ لَفْظِيٌّ؛ لاتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى أَنَّ مِن الْمَعَاصِي مَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، وَمِنْهَا مَا لا يَقْدَحُ فِيهَا. قُلْتُ: وَفِيهِ أَيْضاً تَأَمُّلٌ.
وَقَوْلُهُ: "فَذَكَرَ الْحَدِيثَ"، ذَكَرَ فِيهِ الإِشْرَاكَ بِاللَّهِ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلَ النَّفْسِ وَالْيَمِينَ الْغَمُوسَ.
وَقَدْ تَعَرَّضَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْدِيدِ الْكَبِيرَةِ، وَأَطَالَ نَقْلَ أَقَاوِيلِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَهِيَ أَقْوالٌ مَدْخُولَةٌ.
وَالحَقُّ أَنَّ الْكِبَرَ وَالصِّغَرَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ، فَلا يَتِمُّ الْجَزْمُ بِأَنَّ هَذَا صَغِيرٌ، وَهَذَا كَبِيرٌ، إلاَّ بِالرُّجُوعِ إلَى مَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى كِبَرِهِ، فَمَا نَصَّ علَى كِبَرِهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَمَا عَدَاهُ بَاقٍ عَلَى الإِبْهَامِ وَالاحْتِمَالِ.
وَقَدْ عَدَّ الْعَلائِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ الْكَبَائِرَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا بَعْدَ تَتَبُّعِهَا مِن النُّصُوصِ، فَأَبْلَغَهَا خَمْساً وَعِشْرِينَ، وَهِيَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالْقَتْلُ، وَالزِّنَى، وَأَفْحَشُهُ بِحَلِيلَةِ الْجَارِ، وَالْفِرَارُ مِن الزَّحْفِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ، وَالسِّحْرُ، وَالاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَالنَّمِيمَةُ، وَالسَّرِقَةُ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَاسْتِحْلالُ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَنَكْثُ الصَّفْقَةِ، وَتَرْكُ السُّنَّةِ، وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَمَنْعُ ابْنِ السَّبِيلِ مِنْ فَضْلِ الْمَاءِ، وَعَدَمُ التَّنَزُّهِ مِن الْبَوْلِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالتَّسَبُّبُ إلَى شَتْمِهِمَا، وَالإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ.
وَتُعِقِّبَ بِأَنَّ السَّرِقَةَ لَمْ يَرِدِ النَّصُّ بِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ، وَإِنَّمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: ((لا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ))، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: ((فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ)).
وَقَدْ جَاءَ فِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ النَّصُّ عَلَى الْغُلُولِ، وَهُوَ إخْفَاءُ بَعْضِ الْغَنِيمَةِ، بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ. وَجَاءَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَمَنْعِ الْفَحْلِ، وَلَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ.
وَجَاءَ فِي الأَحَادِيثِ ذِكْرُ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؛ كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ اسْتِطَالَةَ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ)). أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَنَحْوُهُ مِن الأَحَادِيثِ، وَلا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الذُّنُوبِ الْكَبِيرُ وَالأَكْبَرُ.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعاً، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالاً بِغَيْرِ حَقٍّ))، وَفِيهِ رَاوٍ مَجْهُولٌ.
وَقَدْ رَوَى آدَمُ بْنُ أَبِي إيَاسٍ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي، عَن ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفاً: كُنَّا نَعُدُّ الذَّنْبَ الَّذِي لا كَفَّارَةَ لَهُ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ، أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى مَالِ أَخِيهِ كَاذِباً؛ لِيَقْتَطِعَهُ.
قَالُوا: وَلا مُخَالِفَ لَهُ مِن الصَّحَابَةِ، لَكِنَّهُ تَكَلَّمَ ابْنُ حَزْمٍ فِي صِحَّةِ أَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَإِلَى عَدَمِ الْكَفَّارَةِ ذَهَبَتِ الْهَادَوِيَّةُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ إلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي شَرْحِ الْمُحَلَّى؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} الآيَةَ. وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ مَعْقُودَةٌ.
قَالُوا: وَالْحَدِيثُ لا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ حَتَّى تُخَصَّصَ الآيَةُ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لا يُكَفِّرُهَا إلاَّ التَّوْبَةُ، فَالْكَفَّارَةُ تَنْفَعُهُ فِي رَفْعِ إثْمِ الْيَمِينِ، وَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ مَا اقْتَطَعَهُ بِهَا مِنْ مَالِ أَخِيهِ، فَإِنْ تَحَلَّلَ مِنْهُ وَتَابَ مَحَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الإِثْمَ.

  #3  
قديم 26 محرم 1430هـ/22-01-2009م, 10:15 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


1189- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
1190- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْكَبَائِرُ؟... فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: ((الْيَمِينُ الْغَمُوسُ)). وَفِيهِ: قُلْتُ: وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: ((الَّتِي يُقْتَطَعُ بِهَا مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.


*مُفْرَداتُ الحديثِ:
- الكَبَائِرُ: جَمْعُ كَبِيرَةٍ، والمرادُ بها كبائرُ الذنوبِ وفواحِشُها.
- الغَمُوسُ: بفتحِ الغينِ المعجَمَةِ، سُمِّيَتْ غَمُوساً؛ لأنَّها تَغْمِسُ صاحبَها في النارِ.
*ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- اليَمِينُ الغَمُوسُ: هي اليَمِينُ على شيءٍ ماضٍ عالِماً كاذِباً في يَمِينِه، سُمِّيَتْ غَمُوساً؛ لأنَّها تَغْمِسُ الحالِفَ بها في الإِثمِ، ثُمَّ في النارِ.
2- حديثُ البابِ مِن أَدِلَّةِ تَحْرِيمِ اليمينِ الغَمُوسِ، وأنها مِن كبائرِ الذنوبِ، ويَزِيدُ إِثْمُها ويَعْظُمُ خَطَرُها حينَما يَقْتَطِعُ بها الحالِفُ مالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، وهو كاذبٌ.
3- اليَمينُ الغَمُوسُ لا كَفَّارَةَ فيها؛ لأنَّها أَعْظَمُ مِن أنْ تَمْحُوَ ذَنْبَها الكَفَّارَةُ، وهو مَذْهَبُ جمهورِ العلماءِ؛ لِمَا رَوَى البَيْهَقِيُّ عن ابنِ مَسْعُودٍ قالَ: (كُنَّا نَعُدُّ اليَمِينَ الَّتِي لاَ كَفَّارَةَ فِيهَا اليَمِينَ الغَمُوسَ).
وهي مِن الكبائرِ؛ للخَبَرِ، ويَجِبُ المبادَرَةُ بالتوبةِ النَّصُوحِ بأنْ لا يَعُودَ إليها.
4- أمَّا الحديثُ رَقْمُ (1189) فيَدُلُّ على القَسَمِ الذي كانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْسِمُ به، ويُوَاظِبُ عليه، وهو: ((لاَ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ)). والمرادُ بتقليبِ القلوبِ هو تقليبُ أَغْرَاضِها وأحوالِها، لا تَقْلِيبُ ذاتِ القَلْبِ.
قالَ الراغِبُ الأصفهانِيُّ: تَقْلِيبُ اللَّهِ القلوبَ والبصائِرَ هو صَرْفُها عن رَأْيٍ إلى رَأْيٍ آخَرَ؛ قالَ تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ} [النحل: 46].
قالَ ابنُ العَرَبِيِّ: القَلْبُ جُزْءٌ مِن البَدَنِ خَلَقَه اللَّهُ، وجَعَلَه للإنسانِ مَحَلَّ العِلْمِ والكلامِ.
5- أَقْسَمَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعِدَّةِ صِيَغٍ؛ منها: ((لاَ وَمُصَرِّفِ الْقُلُوبِ))، ((وَرَبِّ الْكَعْبَةِ))، ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ))، وإذَا اجْتَهَدَ قالَ: ((وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ)). وغيرُها مِن الصِّيَغِ، وكلُّها جاءَتْ بأحاديثَ صالحةٍ، واللَّهُ أعلمُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
اليمين, تحريم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:41 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir