النوع الرابع والعشرون
الإدغام
وهو على قسمين:
الأول: إدغام الحرف في مثله، والثاني: أن يدغم في مقاربه.
والأول على ضربين:
أحدهما: أن يجتمع المثلان في كلمة.
والثاني: أن يجتمعا في كلمتين.
قال في التيسير: اعلم أن أبا عمرو لم يدغم المثلين في كلمة إلا في موضعين لا غير: أحدهما في البقرة: {مناسككم}. والثانية في المدثر: {ما سلككم}. وأظهر ما عداهما، نحو: {جباههم} و{وجوههم}.
فأما المثلان إذا كانا من كلمتين فإنه يدغم الأولى في الثانية منهما سواء سكن ما قبله أو تحرك في جميع القرآن، إلا قوله – تعالى – في لقمان: {فلا يحزنك كفره} فإنه لم يدغمه، لكون النون ساكنة قبل الكاف فهي تخفى عندها، وإذا كان الأول من المثلين مشددا أو منونا، أو كان تاء الخطاب أو المتكلم {لم يدغمه أيضا} فإن كان معتلا ففيه خلاف.
قال أبو عمرو: لا أعلم خلافا في الإدغام في قوله:
{ويا قوم من ينصرني}.
{ويا قوم ما لي}، وهو من المعتل.
واعترض أبو شامة بأن قوله: {ويا قوم} من المعتل، مردود بأن اللغة الفصيحة "يا قوم" بحذف الياء، وصاحبها لا يثبت الياء بحال، فصارت الياء كالعدم من حيث التزم حذفها، ولأن الياء المحذوفة من {يا قوم} ليست من أصل الكلمة، بل هي من ضمير المضاف إليه، بخلاف المحذوفة في {يبتغ} ونحوه.
فأما {آل لوط} حيث وقع، فعامة البغداديين يأخذون فيه بالإظهار، وعلله ابن مجاهد بقلة حروف الكلمة.
قال أبو عمرو: وقد أجمعوا على إدغام {لك كيدا} في يوسف وهو أقل حروفا، من "آل" لأنه على حرفين، فدل ذلك على صحة الإدغام فيه.
قال أبو عمرو الداني: وإذا صح الإظهار فيه فلا اعتلال عينه إذا كانت هاء، فأبدلت همزة، ثم قلبت ألفا لا غير – يعني: أنها تغير مرة بعد أخرى والإدغام تغير آخر، فعدل عنه خوفا من أن يجتمع على كلمة قليلة الحروف تغيرات كثيرة -.
قال أبو شامة: وهذا القول في إبدال هائه همزة، وإن اعتمد عليه جماعة فهو مجرد دعوى، وحكمة لغة العرب تأبى ذلك، إذ كيف يبدل من الحرف السهل وهو الهاء، حرف مستثقل، وهو الهمزة التي من عادتهم الفرار منها حذفا وإبدالا وتسهيلا.
وقال أبو الحسن بن شنبوذ وغيره: إنها أبدلت من واو، وهذا هو الصحيح الجاري على القياس، فيكون أصل الكلمة "أول" كما أن أصل "قال" "قول"، فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا.
القسم الثاني: الحرفان المتقاربان، وهو على ضربين – أيضا – أن يكونا في كلمة أو كلمتين.
قال في التيسير: اعلم أنه لم يدغم من المتقاربين في كلمة إلا القاف في الكاف التي تكون في ضمير جمع المذكرين إذا تحرك ما قبل القاف لا غير، وأظهر ما عداها مما قبل القاف الساكن ما قبلها، وهما ليسا جمعا، فأما ما كان من المتقاربين في كلمتين فإنه أدغم من ذلك حروفا معدودة ستة عشر حرفا أوضحها في التيسير، وقد جمعتها في بيتين، وقسمتهما فيهما شطرين، ويفهم من أوائل الكلم ما جر بحرفين:
حميد مجيد قادر وتفضل = جميل رحيم دلنا بوجوده
كريم لطيف يا سر ضياء نوره = شهدنا ثنايا ويا بسعوده
قال: وقد حصلنا جميع ما أدغمه أبو عمرو من الحروف المتحركة فوجدناه على مذهب ابن مجاهد وأصحابه ألف حرف ومائتي حرف وثلاثة وسبعين حرفا، وعلى ما أقرأناه ألف حرف.
وثلاثمائة حرف وخمسة أحرف، وجميع ما وقع فيه الاختلاف بين أهل الأداء اثنان وثلاثون حرفا.
[مواقع العلوم: 96-99]