النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: مَعْرِفَةُ المَوَالِي مِنَ الرُّوَاةِ وَالعُلَمَاءِ
وَهُوَ مِنَ المُهِمَّاتِ, فَرُبَّمَا نُسِبَ أَحَدُهُمْ إِلَى القَبِيلَةِ, فَيَعْتَقِدُ السَّامِعُ أَنَّهُ مِنْهُمْ صَلِيبَةً, وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مَوَالِيهِمْ. فَيُمَيَّزُ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ, وَإِنْ كَانَ قَدْ وَرَدَ فِي الحَدِيثِ: (مَوْلَى القَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ).
وَمِنْ ذَلِكَ أَبُو البَخْتَرِيِّ (الطَّائِيُّ) وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ فَيْرُوزَ, وَهُوَ مَوْلَاهُمْ. وَكَذَلِكَ أَبُو العَالِيَةِ (الرِّيَاحِيُّ). وَكَذَلِكَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ (الفَهْمِيُّ). وَكَذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ (القُرَشِيُّ), وَهُوَ مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ. وَهَذَا كَثِيرٌ.
فَأَمَّا مَا يُذْكَرُ فِي تَرْجَمَةِ البُخَارِيِّ: أَنَّهُ (مَوْلَى الجُعْفِيِّينَ) فَلِإِسْلَامِ جَدِّهِ الأَعْلَى عَلَى يَدِ بَعْضِ الجُعْفِيِّينَ.
وَكَذَلِكَ الحَسَنُ بْنُ عِيسَى المَاسَرْجِسِيُّ يُنْسَبُ إِلَى وَلَاءِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المُبَارَكِ, بِأَنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ, وَكَانَ نَصْرَانِيًّا.
وَقَدْ يَكُونُ بِالحَلِفِ, كَمَا يُقَالُ فِي نَسَبِ الإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ (مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ), وَهُوَ حِمْيَرِيٌّ أَصْبَحِيٌّ صَلِيبَةً, وَلَكِنْ كَانَ جَدُّهُ مَالِكُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ حَلِيفًا لَهُمْ, وَقَدْ كَانَ عَسِيفًا عِنْدَ طَلحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ أَيْضًا, فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ كَذَلِكَ.
وَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ سَادَاتِ العُلَمَاءِ فِي زَمَنِ السَّلَفِ مِنَ المَوَالِي, وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ لَمَّا تَلَقَّاهُ نَائِبُ مَكَّةَ أَثْنَاءَ الطَّرِيقِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ, قَالَ لَهُ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ مِنْ أَهْلِ الوَادِي؟ قَالَ: ابْنُ أَبْزَى, قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنَ المَوَالِي, فَقَالَ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ r يَقُولُ:إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا العِلمِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ.
وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ أَنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ قَالَ لَهُ: مَنْ يَسُودُ مَكَّةَ؟ فَقُلتُ: عَطَاءٌ, قَالَ: فَأَهْلَ اليَمَنِ؟ قُلتُ: طَاوُسٌ, قَالَ: فَأَهْلَ الشَّامِ؟ فَقُلتُ: مَكْحُولٌ, قَالَ: فَأَهْلَ مِصْرَ؟ قُلتُ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ, قَالَ: فَأَهْلَ الجَزِيرَةِ؟ فَقُلتُ: مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ, قَالَ: فَأَهْلَ خُرَاسَانَ؟ قُلتُ: الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ, قَالَ: فَأَهْلَ البَصْرَةِ؟ فَقُلتُ: الحَسَنُ بْنُ أَبِي الحَسَنِ, قَالَ: فَأَهْلَ الكُوفَةِ؟ فَقُلتُ: إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ, وَذَكَرَ أَنَّهُ يَقُولُ لَهُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ أَمِنَ العَرَبِ أَمْ مِنَ المَوَالِي؟ فَيَقُولُ: مِنَ المَوَالِي, فَلَمَّا انْتَهَى قَالَ: يَا زُهْرِيُّ, وَاللَّهِ لَتَسُودَنَّ المَوَالِي عَلَى العَرَبِ حَتَّى يُخْطَبَ لَهَا عَلَى المَنَابِرِ، وَالعَرَبُ تَحْتَهَا, فَقُلتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ, إِنَّمَا هُوَ أَمْرُ اللَّهِ وَدِينُهُ, فَمَنْ حَفِظَهُ سَادَ, وَمَنْ ضَيَّعَهُ سَقَطَ.
قلت: وَسَأَلَ بَعْضُ الأَعْرَابِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ, فَقَالَ: مَنْ هُوَ سَيِّدُ هَذِهِ البَلدَةِ؟ قَالَ: الحَسَنُ بْنُ أَبِي الحَسَنِ البَصْرِيُّ, قَالَ: أَمَوْلًى هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: فَبِمَ سَادَهُمْ؟ فَقَالَ: بِحَاجَتِهِمْ إِلَى عِلمِهِ وَعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إِلَى دُنْيَاهُمْ, فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: هَذَا لَعَمْرُ أَبِيكَ هُوَ السُّؤْدُدُ.