في حديث أبي هريرةأن:امرأتين من هزيل اقتتلتا . أي تشاجرتا وتخاصمتا , فضربت إحداهما الأخرى بحجر ، وفي رواية: بعمود فسطاط , فقتلتها وما في بطنها .كانت المقتولة حاملا . بعض الرواة يقولوا: إنها بحجر , رمتها بحجر فأصابت بطنها ، فماتت ومات جنينها . وبعضهم يقول: ضربتها بعمود فسطاط . الفسطاط: الخيمة , وكانوا يجعلون عند مدخلها عمودا يعني عصا أو عصاوين ، يرفعان المدخل حتى يدخل معه ، وليس المراد العمود التي في وسط الخيمة التي ترتفع عليها ، فإن تلك كبيرة يصعب حملها ، فسروا عمود الفسطاط بأنها العصا التي تكون عند المدخل ، وهي عصا دقيقه يستطيع الواحد أن يحركها ، ويضرب بها .
ولو كان بعمود خيمة كبيرة لكان القتل عمدا ، لكن هذا قتل شبه العمد ، القتل بالشيء الذي لا يقتل غالبا ، فإن الضربة الواحدة بعصا لا تقتل في الغالب، إلا إذا صادفت مقتلا ، أو إذا كرر الضرب على موضع واحد ، أو ضرب بشدة وبقوة ، وكان قوي الضرب أو نحو ذلك ، ولكن المعتاد أن العصا المحمولة , التي يحملها الإنسان في يده يتوكأ عليها ، إذا ضرب بها إنسان فالغالب أن هذه الضربة لا توصل إلى القتل ، ولكنها تردي وتؤلم ، ولكن صادف أن هذه العصا قتلت هذه المرأة ، وقتلت ما في بطنها .
ترافعوا وتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فجعل هذا القتل شبه عمد , لم يجعله عمدا حتى يقتص من القاتلة ، بل جعله شبه عمد ، وجعل الدية فيه على العاقلة، العاقلة: هم قرابة الجاني , أي تحمل تلك الدية أقارب المرأة القاتلة.اتفق العلماء على أن دية الخطأ أو دية شبه العمد تكون على العاقلة ؛ حتى لا يتحمل القاتل أشياء عليه فيها ضرر ، فإنه قد يعجز مع عذره .
وكذلك أيضا معلوم أنه معذور حيث أنه لم يتعمد ، وبالأخص إذا كان مخطئا, وقد يحصل موت كثير بسبب الخطأ ، كحوادت الانقلاب والاصطدام ، ونحوه , فقد يموت معه عشرة أو عشرات ، لو تحمل ديتهم وحده لعجز ، فكان مما جاءت به الشريعة أن خفف عنه ، وجعل عليه بعض الدية جزء يسير ، أولم يجعل عليه شيء ، وجعلت على عاقلته الذين هم أقاربه . ولما كانت تحملها العاقلة ، والعاقلة ما جنت , قسمت على ثلاث سنين , قدر عليهم في كل سنة ثلثها ، تفرق على إخوة القاتل وبنيهم , أعمامه وبنوهم ، أبناء عمه وأبناء عم أبيه وبنيهم , وهكذا إلى الجد الخامس ، أو الجد السادس ، وربما إلى الجد السابع أو الثامن ، إذا قلوا يقسم عليهم , هذا معنى تحمل العاقلة للدية , دية الخطأ ودية شبه العمد .
في هذا الحديث ، أنه لما حكم بالدية على العاقلة , عند ذلك حكم أيضا بدية الجنين: السقط ، أنه غرة, غرة, عبد أو أمة ، وأن الذي يحمله نفس الجاني, العاقلة لا تحمل الصلح ولا تحمل الإقرار ، ولا تحمل العمد ولا تحمل الاعتراف ، ولا تحمل ما دون الثلث ، فلذلك أنكر ولي المرأة , أنكر أن يهدى هذا السقط ، وتكلم بهذا الكلام ، بقوله: كيف نفدي من لا أكل ولا شرب ولا استهل ؟! فمثل ذلك يطل . هكذا تلفظ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((إنما هذا من إخوان الكهان ؛ من أجل سجعه الذي سجع)) .
معروف أن الكهان يتعاطوا السجع في كلامهم ، وهو الكلام المتوازن , وهذا الكلام فيه سجع كما سمعنا: كيف نفدي من لا أكل , ولا شرب ولا استهل , فمثل ذلك يطل . يعني الجنين ، أنه ما أكل ، مات قبل أن يحتاج إلى الأكل ، ولا شرب ، ولا استهل: عندما ولد ما ظهر أنه استهل , واستهلال المولود هو أن يصيح ساعة ولادته ، فهذا ما استهل , فمثل ذلك يطل , يطل: يعني يهدر ويترك ويهمل ، ولا يكون له دية ، هذا معنى أنه يطل ، فالنبيصلى الله عليه وسلم أنكر عليه كلامه وقال: ((إنه من إخوان الكهنة)) .ونكمل بعد الأذان .