تفسير قوله تعالى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)}
تفسير قوله تعالى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (ولولا فضل اللّه عليك ورحمته لهمّت طائفة منهم أن يضلّوك وما يضلّون إلّا أنفسهم وما يضرّونك من شيء وأنزل اللّه عليك الكتاب والحكمة وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل اللّه عليك عظيما (113)
هذا خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والطائفة هم طعمة هذا السارق، لأن بعضهم قد كان وقف على أنه سارق، وسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعذره.
فالتأويل - واللّه أعلم - لولا فضل اللّه عليك ورحمته بما أوحى إليك.
وأعلمك أمر هذا السارق لهمّت طائفة أن يضلوك، والمعنى في همّت طائفة منهم أن يضلوك. أي، فبفضل اللّه ورحمته صرف اللّه عنك أن تعمل ما همّت به الطائفة.
وقال بعضهم معنى " أن يضلوك " أن يخطّئوك في حكمك.
وقوله جلّ وعزّ: (وما يضلّون إلّا أنفسهم).
أي لأنهم هم يعملون عمل الضالين.
واللّه يعصم نبيه - صلى الله عليه وسلم - من متابعتهم.
والإضلال راجع عليهم وواقع بهم.
وقوله: (وما يضرّونك من شيء).
أي مع عصمة اللّه إياك، ونصره دينه دين الحق.
وقوله: (وأنزل اللّه عليك الكتاب والحكمة).
أي بين في كتابه ما فيه الحكمة التي لا يقع لك معها ضلال). [معاني القرآن: 2/103-104]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم وقف الله تعالى نبيه على مقدار عصمته له، وأنها بفضل من الله ورحمة وقوله تعالى: لهمّت معناه: لجعلته همها وشغلها حتى تنفذه، وهذا يدل على أن الألفاظ عامة في غير أهل النازلة، وإلا فأهل التعصب لبني أبيرق قد وقع همهم وثبت، وإنما المعنى: ولولا عصمة الله لك لكان في الناس من يشتغل بإضلالك، ويجعله هم نفسه أي كما فعل هؤلاء، لكن العصمة تبطل كيد الجميع، فيبقى الضلال في حيرهم، ثم ضمن وعد الله تعالى له أنهم «لا يضرونه شيئا»، وقرر عليه نعمه لديه، من إنزال الكتاب المتلو، والحكمة التي بعضها خوطب به وبعضها جعلت له سجية ملكها، وقريحة يعمل عنها، وينظر بين الناس بها، لا ينطق عن الهوى، وبهذين علمه ما لم يكن يعلم، وباقي الآية بيّن). [المحرر الوجيز: 3/21-22]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولولا فضل اللّه عليك ورحمته لهمّت طائفةٌ منهم أن يضلّوك وما يضلّون إلا أنفسهم وما يضرّونك من شيءٍ} قال الإمام ابن أبي حاتمٍ: أنبأنا هاشم بن القاسم الحرّانيّ فيما كتب إليّ، حدّثنا محمد بن سلمة، عن محمّد بن إسحاق. عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاريّ عن أبيه، عن جده قتادة بن النعمان -وذكر قصّة بني أبيرقٍ، فأنزل اللّه: {لهمّت طائفةٌ منهم أن يضلّوك وما يضلّون إلا أنفسهم وما يضرّونك من شيءٍ} يعني: أسير بن عروة وأصحابه. يعني بذلك لمّا أثنوا على بني أبيرقٍ ولاموا قتادة بن النّعمان في كونه اتّهمهم، وهم صلحاء برآء، ولم يكن الأمر كما أنهوه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ ولهذا أنزل اللّه فصل القضيّة وجلاءها لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم.
ثمّ امتنّ عليه بتأييده إيّاه في جميع الأحوال، وعصمته له، وما أنزل عليه من الكتاب، وهو القرآن، والحكمة، وهي السّنّة: {وعلّمك ما لم تكن تعلم} أي: [من] قبل نزول ذلك عليك، كقوله: {وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب [ولا الإيمان ولكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ. صراط اللّه الّذي له ما في السّماوات وما في الأرض ألا إلى اللّه تصير الأمور]} [الشّورى: 52، 53] وقال تعالى: {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمةً من ربّك} [القصص: 86]؛ ولهذا قال تعالى: {وكان فضل اللّه عليك عظيمًا} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/410]
* للاستزادة ينظر: هنا