دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 ذو الحجة 1429هـ/11-12-2008م, 11:27 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي المفهوم

وَالْمَفْهُومُ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، فَإِنْ وَافَقَ حُكْمُهُ الْمَنْطُوقَ فَمُوَافَقَةُ فَحْوَى الْخِطَابِ إنْ كَانَ أَوْلَى، وَلَحْنِهِ إنْ كَانَ مُسَاوِيًا، وَقِيلَ لَا يَكُونُ مُسَاوِيًا، ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامَانِ: دَلَالَتُهُ قِيَاسِيَّةٌ، وَقِيلَ لَفْظِيَّةٌ، فَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ: فهمت مِنْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ، وَهِيَ مَجَازِيَّةٌ مِنْ إطْلَاقِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ، وَقِيلَ نُقِلَ اللَّفْظُ لَهَا عُرْفًا.
وَإِنْ خَالَفَ فَمُخَالَفَةٌ، وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَسْكُوتُ تُرِكَ لِخَوْفٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَكُونَ الْمَذْكُورُ خَرَجَ لِلْغَالِبِ خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، أَوْ لِسُؤَالٍ، أَوْ حَادِثَةٍ، أَوْ لِلْجَهْلِ بِحُكْمِهِ، أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ، وَلَا يَمْنَعُ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ بِالْمَنْطُوقِ، بل قيل يعمه الْمَعْرُوضُ وَقِيلَ لَا يَعُمُّهُ إجْمَاعًا وَهُوَ صِفَةٌ كَالْغَنَمِ السَّائِمَةِ، أَوْ سَائِمَةِ الْغَنَمِ لَا مُجَرَّدِ السَّائِمَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَهَلْ المنفي غَيْرَ سَائِمَتِهَا، أَوْ غَيْرَ مُطْلَقِ السَّوَائِمِ قَوْلَانِ، وَمِنْهَا الْعِلَّةُ وَالظَّرْفُ وَالْحَالُ وَالْعَدَدُ وَشَرْطٌ وَغَايَةٌ وَإِنَّمَا، وَمِثْلُ لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ، وَفَصْلُ الْمُبْتَدَأِ مِنْ الْخَبَرِ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ، وَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ وَأَعْلَاهُ، لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ، ثُمَّ مَا قِيلَ إنه مَنْطُوقٌ بِالْإِشَارَةِ ثُمَّ غَيْرُهُ.

  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 12:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي



(وَالْمَفْهُومُ مَا) أَيُّ مَعْنًى (دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ) مِنْ حُكْمٍ وَمَحَلُّهُ كَتَحْرِيمِ كَذَا كَمَا سَيَأْتِي (فَإِنْ وَافَقَ حُكْمُهُ) الْمُشْتَمِلُ هُوَ عَلَيْهِ (الْمَنْطُوقَ) أَيْ الْحُكْمَ الْمَنْطُوقَ بِهِ (فَمُوَافَقَةُ) وَيُسَمَّى مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ أَيْضًا ثُمَّ هُوَ (فَحْوَى الْخِطَابِ) أَيْ يُسَمَّى ذَلِكَ (إنْ كَانَ أَوْلَى) مِنْ الْمَنْطُوقِ (وَلَحْنِهِ) أَيْ لَحْنِ الْخِطَابِ أَيْيُسَمَّى بِذَلِكَ (إنْ كَانَ مُسَاوِيًا) لِلْمَنْطُوقِ مِثَالُ الْمَفْهُومِ الْأُولَى تَحْرِيمُ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ الدَّالِّ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ الْمَنْطُوقِ لَا شِدِّيَّةَ الضَّرْبِ مِنْ التَّأْفِيفِ فِي الْإِيذَاءِ وَمِثَالُ الْمُسَاوِي تَحْرِيمُ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ نَظَرًا لِمَعْنَى آيَةِ {إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} فَهُوَ مُسَاوٍ لِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ لِمُسَاوَاةِ الْإِحْرَاقِ لِلْأَكْلِ فِي الْإِتْلَافِ (وَقِيلَ لَا يَكُونُ) الْمُوَافَقَةُ (مُسَاوِيًا) أَيْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا يُسَمَّى بِالْمُوَافَقَةِ الْمُسَاوِي وَإِنْ كَانَ مَثَلَ الْأُولَى فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَبِاسْمِهِ الْمُتَقَدِّمِ يُسَمَّى الْأَوَّلَ أَيْضًا عَلَى هَذَا وَفَحْوَى الْكَلَامِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ قَطْعًا وَلَحْنُهُ مَعْنَاهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلِتَعْرِفْنَهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} وَيُطْلَقُ الْمَفْهُومُ عَلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ أَيْضًا كَالْمَنْطُوقِ وَعَلَى هَذَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ كَغَيْرِهِ: الْمَفْهُومُ إمَّا أَوْلَى مِنْ الْمَنْطُوقِ بِالْحُكْمِ أَوْ مُسَاوٍ لَهُ فِيهِ (ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ) إمَامُ الْأَئِمَّةِ (وَالْإِمَامَانِ) أَيْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْإِمَامُ الرَّازِيُّ (دَلَالَتُهُ) أَيْ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ (قِيَاسِيَّةٌ) أَيْ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ الْأَوْلَى أَوْ الْمُسَاوِي الْمُسَمَّى بِالْجَلِيِّ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَالْعِلَّةُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ الْإِيذَاءُ. وَفِي الثَّانِي الْإِتْلَافُ وَلَا يَضُرُّ فِي النَّقْلِ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ عَدَمُ جَعْلِهِمَا الْمُسَاوِيَ مِنْ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إلَى الِاسْمِ لَا الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّسْمِيَةِ بِالْمُوَافَقَةِ وَلَا نَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ (وَقِيلَ) الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ (لَفْظِيَّةٌ) لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا لِفَهْمِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قِيَاسٍ (فَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ) مِنْ قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ فُهِمَتْ) أَيْ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ (مِنْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ) لَا مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ فَلَوْلَا دَلَالَتُهَا فِي آيَةِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهِمَا تَعْظِيمُهُمَا وَاحْتِرَامُهُمَا مَا فُهِمَ مِنْهَا مِنْ مَنْعِ التَّأْفِيفِ مَنْعُ الضَّرْبِ إذْ قَدْ يَقُولُ ذُو الْغَرَضِ الصَّحِيحِ لِعَبْدِهِ: لَا تَشْتُمْ فُلَانًا وَلَكِنْ اضْرِبْهُ وَلَوْلَا دَلَالَتُهُمَا فِي آيَةِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهَا حِفْظُهُ وَصِيَانَتُهُ مَا فُهِمَ مِنْهَا مِنْ مَنْعِ أَكْلِهِ مَنْعُ إحْرَاقِهِ إذْ قَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ: وَاَللَّهِ مَا أَكَلْت مَالَ فُلَانٍ وَيَكُونُ قَدْ أَحْرَقَهُ فَلَا يَحْنَثُ (وَهِيَ) أَيْ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (مَجَازِيَّةٌ مِنْ إطْلَاقِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ) فَأَطْلَقَ الْمَنْعَ مِنْ التَّأْفِيفِ فِي آيَةِ الْوَالِدَيْنِ وَأُرِيدَ الْمَنْعُ مِنْ الْإِيذَاءِ وَأُطْلِقَ الْمَنْعُ مِنْ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ فِي آيَتِهِ وَأُرِيدَ الْمَنْعُ مِنْ إتْلَافِهِ (وَقِيلَ نُقِلَ اللَّفْظُ لَهَا) أَيْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْأَعَمِّ (عُرْفًا) بَدَلًا عَنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الْأَخَصِّ لُغَةً فَتَحْرِيمُ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ وَتَحْرِيمُ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ مَنْطُوقِ الْآيَتَيْنِ وَإِنْ كَانَا بِقَرِينَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُوَافَقَةَ مَفْهُومٌ لَا مَنْطُوقٌ وَلَا قِيَاسِيٌّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ صَدْرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ تَارَةً مَفْهُومًا وَأُخْرَى قِيَاسِيًّا كَالْبَيْضَاوِيِّ فَقَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مَسْكُوتٌ، وَالْقِيَاسُ إلْحَاقُ مَسْكُوتٍ بِمَنْطُوقٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ يُقَالُ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مَدْلُولٌ لِلَّفْظِ وَالْمَقِيسَ غَيْرُ مَدْلُولٍ لَهُ
(وَإِنْ خَالَفَ حُكْمُ الْمَفْهُومِ الْحُكْمَ الْمَنْطُوقَ بِهِ فَمُخَالَفَةٌ) وَيُسَمَّى مَفْهُومَ مُخَالَفَةٍ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي التَّعْبِيرُ بِهِ فِي مَبْحَثِ الْعَامِّ (وَشَرْطُهُ) لِيَتَحَقَّقَ (أَنْ لَا يَكُونَ الْمَسْكُوتُ تُرِكَ لِخَوْفٍ) فِي ذِكْرِهِ بِالْمُوَافَقَةِ كَقَوْلِ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ لِعَبْدِهِ بِحُضُورِ الْمُسْلِمِينَ تَصَدَّقْ بِهَذَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيُرِيدُ غَيْرَهُمْ وَتَرَكَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُتَّهَمَ بِالنِّفَاقِ (وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ الْخَوْفِ كَالْجَهْلِ بِحُكْمِ الْمَسْكُوتِ كَقَوْلِك فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ وَأَنْتَ تَجْهَلُ حُكْمَ الْمَعْلُوفَةِ (وَ) أَنْ (لَا يَكُونَ الْمَذْكُورُ خَرَجَ لِلْغَالِبِ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} فَإِنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الرَّبَائِبِ فِي حُجُورِ الْأَزْوَاجِ أَيْ تَرْبِيَتُهُمْ (خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) فِي نَفْيِهِ هَذَا الشَّرْطَ لِمَا سَيَأْتِي مَعَ دَفْعِهِ (أَوْ) خَرَجَ الْمَذْكُورُ (لِسُؤَالٍ) عَنْهُ (أَوْ حَادِثَةٍ) تَتَعَلَّقُ بِهِ (أَوْ لِلْجَهْلِ بِحُكْمِهِ) دُونَ حُكْمِ الْمَسْكُوتِ. كَمَا لَوْ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ أَوْ قِيلَ بِحَضْرَتِهِ لِفُلَانٍ غَنَمٌ سَائِمَةٌ أَوْ خَاطَبَ مَنْ جَهِلَ حُكْمَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ دُونَ الْمَعْلُوفَةِ فَقَالَ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ (أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ خَرَجَ الْمَذْكُورُ لِغَيْرِ مَا ذَكَرَ (مِمَّا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ) كَمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} نَزَلَتْ كَمَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالَوْا الْيَهُودَ أَيْ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا شَرَطُوا لِلْمَفْهُومِ انْتِفَاءَ الْمَذْكُورَاتِ لِأَنَّهَا فَوَائِدُ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ فَائِدَةٌ خَفِيَّةٌ فَأُخِّرَ عَنْهَا وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ تَوْجِيهُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لِمَا نَفَاهُ مُخَالِفًا لِلشَّافِعِيِّ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ اللَّفْظِ فَلَا تُسْقِطُهُ مُوَافَقَةُ الْغَالِبِ. وَقَدْ مَشَى فِي النِّهَايَةِ فِي آيَةِ الرَّبِيبَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْقَيْدَ فِيهَا لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومٍ لَهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلَ بِمَفْهُومِهِ مِنْ أَنَّ الرَّبِيبَةَ الْكَبِيرَةَ وَقْتَ التَّزَوُّجِ بِأُمِّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فَقَدْ نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ دَاوُد كَمَا نَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ الْبَعِيدَةَ عَنْ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ وَرَوَاهُ عَنْهُ بِالسَّنَدِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ وَمَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْقَيْدَ لَيْسَ لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ. وَالْمَقْصُودُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِلْمَذْكُورِ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا وَيُعْلَمُ حُكْمُ الْمَسْكُوتِ فِيهَا مِنْ خَارِجٍ بِالْمُخَالَفَةِ كَمَا فِي الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ لِمَا سَيَأْتِي أَوْ الْمُوَافَقَةِ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ لِمَا تَقَدَّمَ وَفِي آيَتَيْ الرَّبِيبَةِ وَالْمُوَالَاةِ لِلْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الرَّبِيبَةَ حُرِّمَتْ لِئَلَّا يَقَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُمِّهَا التَّبَاغُضُ لَوْ أُبِيحَتْ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا فَيُوجَدُ نَظَرًا لِلْعَادَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ أَمْ لَا وَمُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِ الْكَافِرَ حُرِّمَتْ لِعَدَاوَةِ الْكَافِرِ لَهُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ سَوَاءٌ وَالَى الْمُؤْمِنَ أَمْ لَا.
وَقَدْ عَمَّ مَنْ وَالَاهُ وَمَنْ لَمْ يُوَالِهِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ} إلَى قَوْلِهِ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَمِنْ الْمَعْنَى الْمَعْلُومِ بِهِ الْمَسْكُوتِ لِلْمَنْطُوقِ نَشَأَ خِلَافٌ فِي أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَسْكُوتِ قِيَاسِيَّةٌ أَوْ لَفْظِيَّةٌ وَكَأَنَّ الْقَيْدَ لَمْ يُذْكَرْ حَكَاهُ فِي قَوْلِهِ:
(وَلَا يَمْنَعُ) أَيْمَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ (قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ بِالْمَنْطُوقِ) بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عِلَّةٌ جَامِعَةٌ لِعَدَمِ مُعَارَضَتِهِ بَلْ قِيلَ يَعُمُّهُ أَيْ الْمَسْكُوتَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْعِلَّةِ (الْمَعْرُوضُ) لِلْمَذْكُورِ مِنْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إذَا عَارَضَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَسْكُوتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْعِلَّةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ (وَقِيلَ لَا يَعُمُّهُ إجْمَاعًا) لِوُجُودِ الْعَارِضِ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ بِهِ قِيَاسًا. وَعَدَمُ الْعُمُومِ هُوَ الْحَقُّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْعِبَارَةُ بِخِلَافِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ هُنَا أَدْوَنُ مِنْ الْمَنْطُوقِ بِخِلَافِهِ هُنَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَلْ هُنَا انْتِقَالِيَّةٌ لَا إبْطَالِيَّةٌ (وَهُوَ صِفَةٌ) أَيْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ بِمَعْنَى الْحُكْمِ مَفْهُومُ صِفَةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْمُرَادُ بِهَا لَفْظٌ مُقَيِّدٌ لِآخَرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا اسْتِثْنَاءٍ وَلَا غَايَةٍ لَا النَّعْتَ فَقَطْ أَيْ أَخْذًا مِنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ أَدْرَجُوا فِيهَا الْعَدَدَ وَالظَّرْفَ مَثَلًا (كَالْغَنَمِ السَّائِمَةِ أَوْ سَائِمَةِ الْغَنَمِ) أَيْ الصِّفَةُ كَالسَّائِمَةِ فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ، وَفِي الثَّانِي مَنْ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ قَدَّمَ مِنْ تَأْخِيرٍ. وَكُلٌّ مِنْهَا يُرْوَى حَدِيثًا وَمَعْنَاهُ ثَابِتٌ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ {وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ} إلَخْ (لَا مُجَرَّدِ السَّائِمَةِ) أَيْ مَنْ فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ وَإِنْ رُوِيَ فَلَيْسَ مِنْ الصِّفَةِ (عَلَى الْأَظْهَرِ) لِاخْتِلَالِ الْكَلَامِ بِدُونِهِ كَاللَّقَبِ وَقِيلَ هُوَ مِنْهَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى السَّوْمِ الزَّائِدِ عَلَى الذَّاتِ بِخِلَافِ اللَّقَبِ فَيُفِيدُ نَفْيَ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ مُطْلَقًا كَمَا يُفِيدُ إثْبَاتَهَا فِي السَّائِمَةِ مُطْلَقًا وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى الثَّانِي حَيْثُ قَالَ الِاسْمُ الْمُشْتَقُّ كَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْقَاتِلِ وَالْوَارِثِ يَجْرِي مَجْرَى الْمُقَيَّدِ بِالصِّفَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَهَلْ النَّفْيُ) عَنْ مَحَلِّيَّةِ الزَّكَاةِ فِي الْمِثَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ (غَيْرَ سَائِمَتِهَا) وَهُوَ مَعْلُوفَةُ الْغَنَمِ (أَوْ غَيْرَ مُطْلَقِ السَّوَائِمِ) وَهُوَ مَعْلُوفَةُ الْغَنَمِ وَغَيْرِ الْغَنَمِ (قَوْلَانِ): الْأَوَّلُ: وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ يَنْظُرُ إلَى السَّوْمِ فِي الْغَنَمِ وَالثَّانِي إلَى السَّوْمِ فَقَطْ لِتَرْتِيبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ الْغَنَمِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَجَوَّزَ الْمُصَنِّفُ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ لَفْظُ الْغَنَمِ عَلَى وِزَانِهَا فِي مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ كَمَا سَيَأْتِي فَيُفِيدُ نَفْيَ الزَّكَاةِ عَنْ سَائِمَةِ غَيْرِ الْغَنَمِ وَأَنْ تَثْبُتَ فِيهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ يُعِيدُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ إلَى الْأَذْهَانِ. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الصِّفَةِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ (الْعِلَّةُ) نَحْوُ أَعْطِ السَّائِلَ لِحَاجَتِهِ أَيْ الْمُحْتَاجَ دُونَ غَيْرِهِ (وَالظَّرْفُ) زَمَانًا وَمَكَانًا نَحْوُ سَافِرْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَيْ لَا فِي غَيْرِهِ وَاجْلِسْ أَمَامَ فُلَانٍ أَيْ لَا وَرَاءَهُ (وَالْحَالُ) نَحْوُ أَحْسِنْ إلَى الْعَبْدِ مُطِيعًا أَيْ لَا عَاصِيًا (وَالْعَدَدُ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} أَيْ لَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ {إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ} أَيْ لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ (وَشَرْطٌ) عَطْفٌ عَلَى صِفَةٍ نَحْوُ {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} أَيْ فَغَيْرَ أُولَاتِ الْحَمْلِ لَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِنَّ (وَغَايَةٌ) نَحْوُ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} أَيْ فَإِذَا نَكَحَتْهُ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ بِشَرْطِهِ (وَإِنَّمَا) نَحْوُ {إنَّمَا إلَهُكُمْ اللَّهُ} أَيْ فَغَيْرُهُ لَيْسَ بِإِلَهٍ وَالْإِلَهُ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ (وَمِثْلُ لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ) مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَى نَفْيٍ وَاسْتِثْنَاءٍ نَحْوُ مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ، مَنْطُوقُهُمَا نَفْيُ الْعِلْمِ وَالْقِيَامِ عَنْ غَيْرِ زَيْدٍ وَمَفْهُومُهُمَا إثْبَاتُ الْعِلْمِ وَالْقِيَامِ لِزَيْدٍ (وَفَصْلُ الْمُبْتَدَأِ مِنْ الْخَبَرِ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ) نَحْوُ {أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاَللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} أَيْ فَغَيْرُهُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ أَيْ نَاصِرٍ (وَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ) عَلَى مَا سَيَأْتِي عَنْ الْبَيَانِيِّينَ كَالْمَفْعُولِ وَالْجَارِ وَالْمَجْرُورِ نَحْوُ {إيَّاكَ نَعْبُدُ} أَيْ لَا غَيْرَك {لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} أَيْ لَا إلَى غَيْرِهِ (وَأَعْلَاهُ) أَيْ أَعْلَى مَا ذَكَرَ مِنْ أَنْوَاعِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ (لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ) أَيْ مَفْهُومُ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ إذْ قِيلَ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ أَيْ صَرَاحَةً لِسُرْعَةِ تَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ (ثُمَّ مَا قِيلَ) إنَّهُ (مَنْطُوقٌ) أَيْ (بِالْإِشَارَةِ) كَمَفْهُومِ إنَّمَا وَالْغَايَةُ كَمَا سَيَأْتِي لِتَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ (ثُمَّ غَيْرُهُ) عَلَى التَّرْتِيبِ الْآتِي.

  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 12:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


ص: (والمفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق).
ش: قوله: (ما دل عليه اللفظ) جنس و (لا في محل النطق)، فصل يخرج به المنطوق، يشير بذلك إلى أن دلالته ليست وضعية، وإنما هي انتقالات ذهنية، فإنَّ الذهن ينتقل من فهم القليل إلى فهم الكثير، وذلك بطريق التنبيه بأحدهما على الآخر، وسمي مفهوماً؛ لأنَّه لا يفهم غيره وإلا لكان المنطوق أيضاًً مفهوماً، بل لما فهم من غير تصريح به، وقضية هذا أن يسمى دلالة الاقتضاء والإشارة مفهوماً، وعليه جرى بعضهم، لكن الجمهور خصوه بما فهم عندَ النطق على وجه يناقض المنطوق به أو يوافقه.
ص: (فإن وافق حكمه المنطوق فموافقة، وفحوى الخطاب: إن كانَ أولى منه ولحنه إن كانَ مساوياً، وقيل: لا يكون مساوياً).
ش: حكم غير المنطوق إما موافق لحكم المنطوق نفياً أو إثباتاً أو لا، والأولى مفهوم الموافقة وهل يشترط فيه الأولوية على قولين أحسنهما: لا، بل يكون أولى ومساوياً، ثمَّ إن كانَ أولى سمي فحوى الخطاب لأنَّ الفحوى ما يعلم من الكلام بطريق القطع كتحريم الضرب من قوله تعالى: {فلا تقل لهما أف} وإن كانَ مساوياً سمي لحن الخطاب أي معناه من قوله تعالى: {ولتعرفنهم في لحن القول} أي معناه كثبوت الوعيد في إتلاف مال اليتيم وإحراقه من قوله تعالى {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} الآية؛ لأنَّه مثل الأكل والثاني أنه يشترط فيه الأولوية، ولا يكون في المساوي، وهو قضية ما نقله إمام الحرمين عن الشافعي، وعزاه الهندي للأكثرين، والخلاف راجع إلى الاسم، ولا خلاف في الاحتجاج بالمساوي كالأولى.
ص: (ثم قالَ الشافعي والإمام دلالته قياسية، وقيل: لفظية، فقال الغزالي والآمدي: فهمت من السياق والقرائن، وهي مجازية من إطلاق الأخص على الأعم، وقيل: نقل اللفظ إليها عرفاً).
ش: ما حكاه عن الشافعي نقله الصيرفي وغيره، ثمَّ قيل: إن مراده، أنه قياس حقيقة، ولهذا ينظر فيه إلى المناسبة، وسماه القياس الجلي ونقله الرافعي في الأقضية عن الأكثرين، وقيل بل أراد أن يشبهه؛ لأنَّ الضرب لما لم يذكر في قَوْلِهِ تعالى: {فلا تقل لهما أف} وإنما استفيد علمه من ناحية المذكور أشبه علمنا بالفرع من ناحية أصله، وإليه مال ابن السمعاني، والقول بأن دلالته لفظية، قالَ الشيخ: أبو حامد الإسفراييني في كتابه في الأصول: إنه الصحيح من المذهب، ولهذا قالَ به منكرو القياس، ولأنَّه لو كانَ قياساً، لكنا لا نفهمه قبل ورود الشرع بالقياس، وأهل اللغة يفهمون من السياق ذلك، والمراد بكونه لفظياً، أن فهمه مستند إلى اللفظ، لا أن اللفظ تناوله، ثمَّ القائلون بذلك اختلفوا، فقال المحققون منهم كالغزالي والآمدي: فهمت من السياق والقرائن، ودلالة اللفظ عليه مجاز من باب إطلاق الأخص على الأعم، وهؤلاء يقولون: إن صيغ التنبيه بالأدنى على الأعلى موضوعة في الأصل للمجموع المركب من الأمرين، وهو ثبوت الحكم في ذلك الأدنى الذي هو مذكور وتأكيد ثبوته في الأعلى المسكوت عنه، وقالَ آخرون، إنها وإن كانت في الأصل موضوعة لثبوت الحكم في المذكور لا غير، لكن العرف الطارئ نقلها عنها إلى ثبوت الحكم في المذكور والمسكوت عنه معاً، وعلى هذا والذي قبله فلا يكون من المفهوم، بل منطوقاً به، وهذا الذي أخره المصنف وضعفه هو الذي ذكره في باب العموم حيث قالَ: وقد يعم اللفظ عرفاً كالفحوى.
فإن قلت: هل من تناف بينَ ثبوته بالمفهوم وثبوته بالقياس؟ ولم لا يكون إلحاق الضرب بالتأفيف باتفاقهما جميعاً؟ قلت: زعم الصفي أن الحق عدم تنافيهما لكون المفهوم مسكوتاً عنه، والقياس إلحاق مسكوت عنه بمنطوق، قالَ: والدلالة اللفظية إذا لم يرد بها المطابقة، ولا التضمن لا ينافيها القياس، وقد يقال: هما متنافيان؛ لأنَّ المفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق والمقيس ما لا يدل عليه اللفظ ألبتة.
واعلم أن إمام الحرمين في باب القياس من (البرهان) قد أشار إلى أن الخلاف لفظي، والظاهر أنه معنوي، ومن فوائده جواز النسخ به وسيأتي فيه خلاف في النسخ إن شاء الله تعالى.
ص: (وإن خالف فمخالفة، وشرطه ألا يكون المسكوت عنه ترك لخوف ونحوه، ولا يكون المذكور خرج للغالب، خلافاً لإمام الحرمين، أو لسؤال، أو حادثة، أو للجهل بحكمه أو غيره مما يقتضي التخصيص بالذكر).
ش: مفهوم المخالفة أن يكون المسكوت عنه مخالفاً للمنطوق، ويسمى دليل الخطاب، وله شروط منها ما يرجع للمسكوت، ومنها ما يرجع للمذكور، فمن الأول ألا تظهر أولوية ولا مساواة فيه، فيصير موافقة، ذكره ابن الحاجب وغيره، واستغنى المصنف عنه بما سبق، ومنه ألا يكون ترك ذكره لخوف، فإنَّ كانَ هناك خوف يمنع عن ذكر حال المسكوت عنه، فلا مفهوم له؛ لأنَّ الظاهر أن هذه فائدة التخصيص، واعلم أن كلام ابن الحاجب يقتضي عد هذا من شروط المذكور، وتقريره ألا يكون المذكور وأرداً لدفع خوف، فإنَّ ورد فلا مفهوم له، كما لو قيل لمن خاف ترك الصلاة أول الوقت: يَجُوز ترك الصلاة المفروضة في أول الوقت، فإنَّه لا يدل على عدم جواز تركها في غيره، ومن الثاني أن لا يكون المذكور خرج مخرج الغالب، أي: أن العادة جارية باتصاف المذكور بالوصف، كقوله تعالى {وربائبكم اللاتي في حجوركم} فإنَّه إنما ذكر هذا القيد لأنَّ الغالب كون الربيبة في الحجر، وقوله تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة} فذكر السفر لأنَّ الغالب أن يفقد فيه الكاتب، وهذا الشرط نقله إمام الحرمين عن الشافعي، ثمَّ قالَ: والذي أراه أن خروج الكلام على العرف لا يسقط التعليق بالمفهوم، لكن ظهوره أضعف من ظهوره غيره.
قلت: وإنما صارَ الشافعي إلى ذلك بناء على أصله، أن القيد لا بد له من فائدة، والفائدة منحصرة في نفي الحكم عما عدا المنطوق، فإذا لاح في التخصيص فائدة أخرى غير نفي الحكم تطرق الاحتمال إلى المفهوم، وعلى هذا فيصير عندَه مجملاً، كاللفظ المجمل، حتى لا يحكم بمخالفة ولا موافقة أشار إلى ذلك في (الرسالة) والإمام وإن لم يسقط التعلق به، لكنه قالَ: يضعف دلالته حتى لو عارضه دليل لم يبلغ في القوة ذلك المبلغ أسقطه، ووافقه ابن عبد السلام، وزاد فقالَ: ينبغي العكس، أي: لا يكون له مفهوم إلا إذا خرج مخرج الغالب، محتجاً بأن القيد إذا كانَ الغالب يدل عليه، فذكره حينئذ بغير فائدة أخرى، وهي المفهومية، بخلاف ما إذا لم يخرج مخرج الغالب، وأجاب في أماليه، بأن المفهوم إنما قلنا به لخلو القيد عن الفائدة لولاه، أمَّا إذا كانَ الغالب وقوعه، فإذا نطق باللفظ أولاً فهم القيد لأجل غلبته، فذكره بعد يكون تأكيداً لثبوت الحكم للمتصف بذلك القيد، فهذه فائدة أمكن اعتبار القيد فيها، فلا حاجة إلى المفهوم بخلاف غير الغالب.
ومنه: ألا يكون خرج لسؤال عن حكم إحدى الصفتين، مثل: إن سأل: هل في الغنم السائمة زكاة؟ فيقول: في الغنم السائمة الزكاة.
ومنه: ألا يخرج مخرج حادثة خاصة بالمذكور، كما لو قيل بحضرة النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لزيد غنم سائمة، فقالَ: فيها زكاة، فإنَّ القصد بيان الحكم فيه لا النفي عما عداه، ولك أن تقول: كيف جعلوا هنا السبب قرينة صارفة عن إعمال المفهوم، ولم يجعلوه صارفاً عن إعمال العام، بل قدموا اللفظ على السبب، وبتقدير أن يكون كما قالوه. فهلا جرى فيه خلاف العبرة بعموم اللفظ، أو بخصوص السبب؟ ثمَّ رأيت صاحب المسودة، حكى عن القاضي عن أصحابهم فيه احتمالين، ولعل الفارق أن دلالة المفهوم ضعيفة بخلاف اللفظ العام.
ومنه: ألا يكون المنطوق خرج لتقدير جهالة من المخاطب لحكم المسكوت عنه، فإنَّ خرج لذلك، كما لو علم شخص أن في المعلوفة زكاة ولم يعلمها في السائمة، فقال النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((في السائمة زكاة)) فلا مفهوم له؛ لأنَّ التخصيص حينئذ لإزالة جهل المخاطب لا لنفي الحكم عما عداه فلا مفهوم له، وقوله: (أو غيره مما يقتضي التخصيص) أي تخصيص حكم المنطوق بالذكر من الفوائد التامة التي لا تحتاج معها إلى تقدير فائدة أخرى، ويجمع ما سبق أن نقول، وشرطه ألا يظهر لتخصيص المنطوق بالذكر فائدة غير نفي الحكم عن المسكوت عنه، وعليه اقتصر في (المنهاج) لكن المصنف تابع ابن الحاجب في سرد الصور.
ص: (ولا يمنع قياس المسكوت بالمنطوق، بل قيل: يعمه المعروض، وقيل: لا يعمه إجماعاً).
ش: الضمير في قَوْلِهِ: لا يمنع عائد على قوله: (مما يقتضي التخصيص والمعنى أن شرطه، ألا يكون هناك شيء من الأسباب التي تقتضي تخصيص القيد بالذكر، ولا يمنع أن يقاس المسكوت على المنطوق، ويَجُوز عوده على التخصيص بالذكر، والمعنى: ولا يمنع التخصيص ـ والحالة هذه ـ بالذكر أن يلحق المسكوت بالمنطوق، إذا اقتضى القياس إلحاقه، والغرض من هذا مسألة حسنة، وهي أنا حيث لا نجعل القيد مخصصاً، فهل نقول: إن ما وراء ذي القيد كالمعلوفة في قولنا: الغنم السائمة ـ داخل في عموم قولنا: الغنم، وإن وجود لفظ السائمة كالمعدوم، إذ لا تأثير له في منع المعلوفة من الدخول تحت عموم لفظ الغنم؟ أو نقول: إنه منع دخوله تحت العموم، وبقي مسكوتاً عنه كما كان، إذ لا مفهوم ينفيه، ولا لفظ يقتضيه؟ والمختار الثاني، وادعى بعضهم فيه الإجماع وهو قضية قول ابن الحاجب في أثناء المسألة، وأجيب بأن ذلك فرع العموم ولا قائل به، وقالَ بعضهم بالأول، وإليه أشار المصنف بقوله: (بل قيل: يعمه المعروض) وأشار بقوله: (إجماعاً) إلى أن هذا القول قد ادعي قيام الإجماع عليه، فيكون ما وراءه خارقاً للإجماع، ولا فائدة في قَوْلِهِ: (وقيل: لا يعمه إجماعاً) إلا التنبيه على ذلك، وإلا نفى قوله: (ولا يمنع قياس المسكوت بالمنطوق) ما يفهم أن الإلحاق به قياس سائغ، وبهذا يخرج الجواب عمن اعترض على المصنف بأنه حكى قولاً بالتعميم، والإجماع في مقابله، وتحريره أنه لم يدع قيام الإجماع على مقابله، بل نقل أن بعضهم ادعى ذلك، وأما المعروض فهو اللفظ العام، وهو الغنم مثلاً، في قولنا: الغنم السائمة، إذ لفظ السائمة عارض له، وإنما قالَ: المعروض ولم يقل الموصوف، لئلا يتوهم اختصاص ذلك بمفهوم الصفة، وهو لا يختص به، إذ هذه الأمور تمنع القول بالمفهوم في الصفة والشرط وغيرهما، ولم يقيد المقيد؛ لأنَّ من يدعي أن اللفظ عام، وأنه لا ينافي العموم، فيَجُوز الإلحاق به قياساً لا يسلم وجود قيد، ويقول: لفظ السائمة ليس قيداً؛ لأنَّ ما جاء للتقييد، وإنما خرج لغرض وراء التقييد.
ص: (وهو صفة كالغنم السائمة أو سائمة الغنم لا مجرد السائمة على الأظهر).
ش: مفهوم الصفة، أن يذكر الاسم العام مقترناً بالصفة الخاصة، كقوله: (في الغنم السائمة زكاة) يفهم نفيها عن المعلوفة، وقوله: (لا وصية لوارث)، يفهم جوازها لغير الوارث، وليس المراد بالصفة النعت فقط، كما هو اصطلاح النحوي، ولهذا يمثلون بـ ((مطل الغني ظلم)) فجعل الغنى صفة، والتقييد فيه بالإضافة، وإنما غاير المصنف بينَ المثالين بالعطف بـ (أو) لينبه على تغايرهما فإنَّ كلام (المنهاج) يقتضي تساويهما ومختار المصنف خلافه، وإن لكل منهما مفهوماً غير المفهوم من الآخر، وبنى ذلك على أن مرادهم بالصفة تفسير لفظ مشترك المعنى، بلفظ آخر مختص ليس بشرط ولا استثناء ولا غاية قالَ: فإنَّ المقيد في: (في الغنم السائمة الزكاة) إنما هو الغنم، وفي: (في سائمة الغنم زكاة) إنما هو السائمة، فمفهوم الأول عدم الوجوب في الغنم المعلوفة، التي لولا التقيد بالسوم، لشملها لفظ الغنم، ومفهوم الثاني عدم وجوب الزكاة في سائمة غير الغنم كالبقر مثلاً، التي لولا تقييد السائمة بإضافتها إلى الغنم لشملها لفظ السائمة، وأما عدم وجوب الزكاة في الغنم المعلوفة بالنسبة إلى هذا التركيب الثاني، فإنَّه من باب مفهوم اللقب؛ لأنَّ قيد الغنم لم يشمل غيرها كالبقر مثلاً، فلم يخرج بالصفة التي لو أسقطت لم يختل الكلام، وأما قوله: لا مجرد السائمة، يشير به إلى أن صورة مفهوم الصفة المُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أن تذكر الذات العامة، ثمَّ تذكر إحدى صفتيها، كالمثالين المذكورين، أمَّا إذا ذكرت الصفة فقط، مثل السائمة فقط، هل هو كالصفة أو لا مفهوم له؟ لأنَّ الصفة إنما جعل لها مفهوم؛ لأنَّه لا فائدة لها إلا نفي الحكم، والكلام بدونها لا يختل، وأما الصفة المجردة فكاللقب يختل الكلام بدونه على قولين، حكاها الشيخ أبو حامد، وابن السمعاني وغيرهما، قالَ ابن السمعاني: وجمهور أصحاب الشافعي على التحاقه بالصفة وهذا خلاف ترجيح المصنف، وعلى الأول فلا ينبغي أن يفهم تساويهما، بل الصفة المقيدة بذكر موصوفها أقوى في الدلالة من الصفة المطلقة؛ لأنَّ المقيدة بذكر موصوفها كالنص، وقالَ الهندي: الخلاف في هذا أبعد؛ لأنَّ في صورة التخصيص بالصفة من غير ذكر العام، يمكن أن يكون الباعث للتخصيص هو عدم خطوره بالبال، وهذا الاحتمال إن لم يمنع في العام المرادف بالصفة الخاصة في معرض الاستدراك فلا شك في بعده جداً، وقيد الوصف بالذي يطرأ ويزال احترازاً عن الصفة اللازمة للجنس كالطعم لما يؤكل، نحو قوله عليه أفضل الصلاة والسلام: ((لا تبيعوا الطعام بالطعام)) فإنَّ هذا، ليس الخلاف فيه كالخلاف في تينك الصورتين، بل أبعد وهو قريب من الخلاف في التخصيص بالاسم.
ص: (وهل المنفي غير سائمتها أو غير مطلق السوائم قولان).
ش: لا خلاف أن المنفي غير السائمة، لكن اختلفوا هل هي غير سائمة الغنم أو غير سائمة كل شيء؟ مثاله: (إذا قالَ: في الغنم السائمة زكاة، هل يدل على نفي الزكاة عن المعلوفة مطلقاً من سائر الأجناس، سواء كانت معلوفة الغنم أو الإبل أو البقر أو يختص النفي عن ذلك الجنس، وهي معلوفة الغنم فقط؟ وهذا الخلاف حكاه الشيخ أبو حامد الإسفراييني في كتابه في (الأصول) والإمام في (المحصول) عن أصحابنا وصححا الثاني، ووجهه أن المفهوم نقيض المنطوق والمنطوق سائمة الغنم دون غيرها، قالَ المصنف: ولعل الخلاف مخصوص بصورة (في الغنم السائمة) أمَّا صورة سائمة الغنم، فقد قلنا: إن المنفي فيها سائمة غير الغنم، فالمنفي سائمة لا غير سائمة، والمنفي هناك غير سائمة، لكن غير سائمة، على الغنم أو غير سائمة على الخصوص؟ فيه القولان.
ص: (ومنها العلة، والظرف والحال، والعدد)
ش: الضمير في (منها) يعود إلى الصفة، وعادة الأصوليين، يغايرون بينَ الصفة وبين هذه المذكورات، وجعلها إمام الحرمين أقساما من الصفة وراجعه إليها فقالَ: ولو عبر معبر، عن جميع هذه الأنواع بالصفة، لكان ذلك منقدحاً، فإنَّ المحدود والمعدود موصوفان بعددهما وحدهما، والمخصوص بالكون في زمان أو مكان موصوف بالاستقرار فيها، فقول القائل: زيد في الدار أي: مستقر فيها وكائن فيها وكذا القتال يوم الجمعة أي: كائن فيه، وقد صرح به القاضي أبو الطيب في العدد، وقالَ: إنه قسم من الصفة لأنَّ قدر الشيء صفته، وأشار إليه ابن الحاجب أيضاًًَ، وجرى عليه المصنف.
ومنها مفهوم العلة، فهو تعليق الحكم بالعلة، نحو: ما أسكر كثيره فقليله حرام، مفهومه: أن ما لا يسكر كثيره لا يحرم، والفرق بينه وبين مفهوم الصفة: أن الصفة قد تكون تكملة العدد لا علة، وهي أعم من العلة، فإنَّ الزكاة لم تجب في السائمة لكونها تسوم، وإلا لوجبت الزكاة في الوحوش، وإنما وجبت لنعمة الملك وهو معَ السوم أتم منها، معَ العلف، كذا قاله القرافي، ولك أن تقول: انتفاء الحكم عن المسكوت لأجل انتفاء العلة المعلق عليها الحكم لا من ناحية المفهوم، والأصل عدم علة أخرى، وأما مفهوم الظرف فهو يتناول ظرف الزمان والمكان وهو حجة عندَ الشافعي كما قاله إمام الحرمين فالزمان كقوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} والمكان كقوله تعالى: {فاذكروا الله عندَ المشعر الحرام} وأما مفهوم الحال، أي: تقييد الخطاب بالحال، فكقوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} ذكره ابن السمعاني في (القواطع)، وقالَ: إنه كالصفة، وأما العدد، أي: تعلق الحكم بعدد مخصوص، كقوله تعالى: {فاجلدوهم ثمانين جلدة} وهو كالصفة كما نقله الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي، وكذا الماوردي في باب بيع الطعام قبل أن يستوفي، ومثله بقوله: في أربعين شاة، شاة، قوله: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً) وفي هذا الثاني نظر، وقد قالَ ابن الصباغ في (العدة): مذهب الشافعي أن مفهوم العدد حجة إلا إذا كانَ في ذكر المعدود تنبيه على ما يزاد عليه، كقوله: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً)، فإنَّه ينبه على أن ما زاد عليهما أولى بأن لا يحمل، قلت: وهذا قاله الشافعي في اختلاف الحديث، فقالَ: وفي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً))، دلالتان: إحداهما: أن ما بلغ قلتين فأكثر لم يحمل نجساً؛ لأنَّ القلتين إذا لم يتنجساً، لم ينجس أكثر منهما، وهذا يوافق حديث بئر بضاعة، والثانية: أنه إذا كانَ دون القلتين حمل النجاسة؛ لأنَّ قوله: إذا كانَ الماء كذا لم يحمل النجاسة، دليل على أنه إذا لم يكن كذا حمل النجاسة، وهذا يوافق حديث أبي هُرَيْرَةَ في غسل الإناء من الولوغ؛ لأنَّ آنيتهم كانت صغاراً، انتهى، وعلى هذا الثاني يحمل كلام الماوردي وأنه حجة بالنسبة إلى عدم النقصان لا الزيادة.
ص: (وشرط)
ش: هذا قسيم قوله: وهو صفة، ومفهوم الشرط هو تعليق الحكم على شرط، وهو يدل على انتفاء الحكم قبل وجود الشرط، وهو معنى قولهم: المعلق بالشرط عدم، قبل وجود الشرط، وإلا لكان التعليق بالشرط قبيحاً، واقتضى كلام الإمام فخر الدين أن الخلاف في أن عدم المشروط مستفاد من عدم الشرط، أو لا، وليس كذلك فإنَّ القاضي من المنكرين له، وهو قائل بعدم الشرط، لكن علة عدمه استصحاب الأصل، وغيره يعلله بعدم الشرط فالخلاف إنما هو في دلالة حرف الشرط على العدم عندَ العدم لا على أصل العدم عن العدم، فإنَّ ذلك ثابت بالأصل، قبل أن ينطق الناطق بكلام، وكذا القول في سائر المفاهيم، وهل المراد بالشرط الاصطلاحي أو اللغوي حتى يدخل فيه السبب في أنه يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم فيه بحث.
ص: (وغاية)
ش: مفهوم الغاية مد الحكم إلى غاية بإلى وحتى، فيدل على نفي الحكم عما بعدها لقوله تعالى: {وأتموا الصيام إلى الليل} {ولا تقربوهن حتى يطهرن} ونص الشافعي في (الأم) على القول به، ومنهم من أنكره، وقالَ: هو نطق بما قبل الغاية، وسكوت عما بعدها، فيبقى على ما كانَ عليه.
ص: (وإنما ومثل لا عالم إلا زيد، وفصل المبتدأ من الخبر بضمير الفصل وتقديم المعمول).
ش: مفهوم الحصر أنكره قوم، وقالَ آخرون هو من المنطوق، والجمهور على أنه من المفهوم ويدخل فيه صور منها: إنما، نحو: ((إنما الولاء لمن أعتق)) فإنَّه يفيد إثباته للمعتق، ونفيه عن غيره بالمفهوم، وسيذكر المصنف الخلاف فيه، ومنها المنفي بما أو بلا، والاستثناء، نحو لا عالم إلا زيد وما قام إلا زيد، صريح في نفي العلم عن غير زيد، ويقتضي إثبات العلم له، قيل بالمنطوق، وقد رأيت في كتاب ابن فورك الجزم به، وقالَ: فيه قضيتان، نفي وإثبات بخلاف النفي المجرد نحو: ((لا صيام لمن لم يبيت الصيام)) فإنَّه قضية واحدة لها مفهوم: انتهى.
والصحيح أنه بالمفهوم لما سنذكره وتمثيله بالاستثناء المفرغ يقتضي خلافه لو قلت: ما قام أحد إلا زيد، ولا فرق، ومنها ضمير الفصل بينَ المبتدأ والخبر نحو: زيد هو القائم يفيد ثبوت القيام له، ونفيه عن غيره بالمفهوم، وعليه قوله تعالى: {أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي} وقوله: {إن شانئك هو الأبتر} وهذا ذكره البيانيون ومنها: تقديم المعمول، نحو: {إياك نعبد وإياك نستعين} أي: نخصك بالعبادة والاستعانة، وبالغ البيانيون في إفادته الاختصاص، وسيأتي الخلاف فيه. وأطلق المعمول ليشمل المفعول والحال والظرف، وكذلك تقدم الخبر على المبتدأ نحو: تميمي أنا، وبه صرح صاحب (المثل السائر) وأنكر عليه صاحب (الفلك الدائر) وقالَ: لم يقل به أحد، واحتج أصحابنا على تعيين لفظتي التكبير والتسليم بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم} ومنعته الحنفية معتقدين أنه من قبيل المفاهيم، وزيفه إمام الحرمين بأن التعيين يستفاد من الحصر المدلول عليه بالمبتدأ والخبر، فإنَّ التحريم ينحصر في التكبير كانحصار زيد في صداقتك، إذا قلت: صديقي زيد، وقرر الشيخ بهاء الدين النحاس بأن المبتدأ لا يكون أعم من الخبر، لا تقول: الحيوان الإنسان، فإنَّ قلت: زيد صديقي، كانَ الخبر صالحاً لأنَّ يكون أعم من المبتدأ فيجعله كذلك، وكذلك قالُوا: لا يلزم انحصار الصداقة في زيد بخلاف قولك: صديقي زيد، فإنا لا يمكننا أن نجعل الخبر الذي هو زيد أعم من المبتدأ، فما بقي إلا أن نجعله مساوياً، وإلا كانَ الخبر أخص من المبتدأ وأنه غير جائز، وإذا كانَ مساوياً يلزم الانحصار، ضرورة صدق، أن كل من هو صديقي زيد حينئذ.
ص: (وأعلاه لا عالم إلا زيد ثمَّ ما قيل: إنه منطوق أي: بالإشارة ثمَّ غيره).
ش: أي: أقوى المفاهيم من باب الحصر النفي وإلا؛ لأنَّ إلا موضوعة للاستثناء وهو الإخراج، فدلالته على الإخراج بالمنطوق لا بالمفهوم، ولكن الإخراج من عدم القياس ليس هو غير القيام، بل قد يستلزمه، فلذلك كانَ من المفهوم، واعلم أن بعض الجدليين حكى خلافاً في الاستثناء، هل هو منطوق أو مفهوم؟ ورجح الأول بدليل أنه لو قالَ: ماله علي إلا دينار، كانَ ذلك إقراراً بالدينار حتى يؤاخذ به، ولولا أنه منطوق لما ثبتت المؤاخذة به؛ لأنَّ دلالة المفهوم لا تعتبر في الإقرار بالاتفاق، وقوله: (ثم ما قيل: إنه منطوق) أي: كأنها، وإنما قالَ: أي: بالإشارة للتنبيه على أنه ليس مراد القائل بكونه منطوقاً إنه منصوص، فذلك بعيد، بل مراده إشارة النص إليه، ولا شك أنه بهذا الاعتبار مرتفع عن رتبة المفاهيم، إذ دلالة النص أقوى من مفهومه، فإنَّ قلت: لا حاجة لقوله أولاً: (وأعلاه لا عالم إلا زيد) لأنَّ من الناس من قالَ: إنه منطوق، وقالَ القرافي: إنه الظاهر فهو داخل في قَوْلِهِ: (ما قيل: إنه منطوق) قلت: لا بد منه؛ لأنَّ القائل بالمنطوق في النفي، قيل إلا أن يدعي أنه منطوق، بخلاف إنما والغاية، ولهذا قالَ: أي بالإشارة والذي أحوجه إلى هذا أنه قصد إثبات تعاقب رتبها في المفهوم، وإن جعلناها من المفهوم، فليست دلالتها على السواء، وقوله: ثمَّ غيره أي: من أنواع الحصر الذي كما وهو ضمير الفصل وتقديم المعمول ويلحق به حصر المبتدأ في الخبر.

  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 12:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: والمفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق.
ش: خرج بقوله: (لا في محل النطق) المنطوق، وفهم منه أن دلالته ليست وضعية، وإنما هي انتقالات ذهنية، فإن الذهن ينتقل من فهم القليل إلى فهم الكثير، وعرفه بعضهم بأنه ما فهم عند النطق على وجه يناقض المنطوق به أو يوافقه.
ص: فإن وافق حكمه المنطوق فموافقة، فحوى الخطاب إن كان أولى، ولحنه إن كان مساوياً، وقيل: لا يكون مساوياً.
ش: قسم المفهوم إلى ما يوافق حكمه حكم المنطوق، وإلى ما يخالف حكمه حكمه.
فالأول: مفهوم الموافقة.
والثاني: مفهوم المخالفة.
ثم قسم مفهوم الموافقة إلى ما كان أولى بالحكم من المنطوق، وإلى ما كان مساوياً له.
فالأول: يسمى فحوى الخطاب، كدلالة تحريم التأفيف على تحريم الضرب، والفحوى ما يعلم من الكلام بطريق القطع.
والثاني: وهو المساوي، كالأذى بما يساوي التأفيف يسمى لحن الخطاب، أي معناه من قوله تعالى: {ولتعرفنهم في لحن القول} أي معناه، وهذا التقسيم مبني على أنه لا يشترط في مفهوم الموافقة الأولوية وهو المختار عند المصنف، وقيل: يشترط، فلا يكون مساوياً وهو مقتضى نقل إمام الحرمين عن الشافعي، وعزاه الصفي الهندي للأكثرين، والخلاف في التسمية، واتفقوا على الاحتجاج بالمساوي كالأولى.
ص: ثم قال الشافعي والإمامان: دلالته قياسية، وقيل: لفظية، فقال الغزالي والآمدي: فهمت من السياق والقرائن وهي مجازية من إطلاق الأخص على الأعم، وقيل: نقل اللفظ لها عرفاً.
ش: في دلالة مفهوم الموافقة ثلاثة مذاهب.
الأول: أنها من باب القياس، نص عليه الشافعي في (الرسالة) وذهب إليه الإمام فخر الدين، وحكاه المصنف في النسخة القديمة عن إمام الحرمين أيضاً، فقال: (قال الإمام الشافعي والإمامان) واعتمد في ذلك نقل بعضهم عن (البرهان) له أنه نقله فيه عن معظم الأصوليين، وهذا وهم فالذي حكاه في (البرهان) عن معظم الأصوليين أنها دلالة مفهوم، والله أعلم.
الثاني: أنها ليست قياسية بل لفظية، فهمت من السياق، والقرائن وهي مجازية، ونوع العلاقة فيها إطلاق الأخص على الأعم، وبهذا قال الغزالي والآمدي.
الثالث: أنها لفظية حقيقية، نقل اللفظ في العرف من وضعه الأصلي لثبوت الحكم في المذكور خاصة إلى ثبوت الحكم في المذكور والمسكوت معاً.
قال الشارح: وهذا الذي أخره المصنف وضعفه هو الذي ذكره المصنف في العموم حيث قال: وقد يعم اللفظ عرفا كالفحوى.
قلت: لعله مثل به هناك لهذا القسم على رأي مرجوح، والله أعلم.
ص: وإن خالف فمخالفة، وشرطه أن لا يكون المسكوت ترك لخوف ونحوه، ولا يكون المذكور خرج للغالب، خلافاً لإمام الحرمين، أو لسؤال أو حادثة أو للجهل بحكمه أو غيره مما يقتضي التخصيص بالذكر.
ش: هذا قسيم لقوله أولاً: (فإن وافق حكم المنطوق) أي، وإن خالف حكم المسكوت عنه حكم المنطوق فهو مفهوم مخالفة، ويسمى دليل الخطاب، وللاحتجاج به شروط:
أحدها: أن لا يكون المسكوت إنما ترك ذكره لخوف ونحوه، فالخوف هو المانع من الذكر فلا يكون المفهوم معتبراًَ.
قال الشارح: وكلام ابن الحاجب يقتضي عد هذا من شروط المذكور، أي لا يرد المذكور لدفع خوف،ـ فإن ورد لذلك فلا مفهوم له.
الثاني: ألا يكون المذكور خرج مخرج الغالب، فما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له، فإنه إنما خص بالذكر لغلبة حضوره في الذهن، كذا نقله إمام الحرمين عن الشافعي، ثم نازع فيه، وقال: الذي أراه أن ذلك لا يسقط التعلق بالمفهوم ولكن ظهوره أضعف من ظهور غيره، وقال ابن عبد السلام: إن القاعدة تقتضي العكس، وهو أن الوصف إذا خرج مخرج الغالب يكون له مفهوم، بخلاف ما إذا لم يكن غالباً، وذلك لأن الوصف الغالب على الحقيقة تدل العادة على ثبوته لتلك الحقيقة، فالمتكلم يكتفي بدلالة العادة على ثبوته لها عن ذكر اسمه، فذكره له إنما هو ليدل على سلب الحكم عما عداه لانحصار غرضه فيه، فإذا لم يكن عادة فقد يقال: إن غرض المتكلم بتلك الصفة إفهام السامع ثبوت هذه الصفة لهذه الحقيقة، وأجاب في أماليه بأن المفهوم إنما قلنا به لخلو القيد عن الفائدة لولاه، أما إذا كان الغالب وقوعه فإذا نطق باللفظ أولا فهم القيد لأجل غلبته، فذكره بعده يكون تأكيداً لثبوت الحكم للمتصف بذلك القيد، فهذه فائدة أمكن اعتبار القيد فيها فلا حاجة إلى المفهوم بخلاف غير الغالب.
وأجاب القرافي بأن الوصف إذا كان غالباً كان ملازماً لتلك الحقيقة في الذهن فذكره إياه مع الحقيقة عند الحكم عليها لحضوره في ذهنه، لا لتخصيص الحكم به، بخلاف غير الغالب.
الثالث: أنه لا يخرج المذكور جواباً لسؤال كأن يسأل هل في الغنم السائمة زكاة؟ فيجاب: في الغنم السائمة زكاة.
الرابع: أن لا يخرج مخرج حادثة، كما لو قيل: (لزيد غنم سائمة) فيقال: فيها زكاة.
الخامس: أن لا يكون المنطوق إنما ذكر لجهل المخاطب بحكمه، كأن يعلم حكم المعلوفة بالنسبة إلى الزكاة ويجهل حكم السائمة، فيذكر حكمها، والضابط لهذه الشروط وما في معناها أن لا يظهر لتخصيص المنطوق بها، بالذكر فائدة غير نفي الحكم عن المسكوت عنه، وعلى ذلك اقتصر البيضاوي وتبع المصنف ابن الحاجب في سردها.
ص: ولا يمنع قياس المسكوت بالمنطوق، بل قيل: يعمه المعروض، وقيل: لا يعمه إجماعاً.
ش: إذا ظهر للتخصيص بالذكر فائدة غير اختصاص الحكم به، كأن يعلم أن قوله: (في سائمة الغنم الزكاة) خرج جواباً لسؤال عن السائمة ـ جاز لنا أن نقيس المسكوت عنه وهي المعلوفة على السائمة في الحكم، وهو وجوب الزكاة، إذا وجد شرط القياس، ولا يكون التخصيص بالذكر في هذه الحالة مانعاً من القياس، فالضمير في قوله: (ولا يمنع) عائد على قوله: (ما يقتضي التخصيص بالذكر أو على التخصيص).
ثم حكى المصنف خلافاً في أن اللفظ المعروض في هذه الحالة كالغنم هل يعم المعلوفة فيستغني بذلك عن القياس أو لا يعمه، بل هو مسكوت عنه، وإنما عبر بالمعروض لأن السوم عارض له، ولم يعبر بالموصوف لئلا يتخيل اختصاص ذلك بالصفة، وأشار بقوله: (إجماعاً) إلى أن بعضهم حكى الإجماع على القول الثاني، وهو ابن الحاجب، فإنه قال في أثناء المسألة: وأجيب بأن ذلك فرع العموم، ولا قائل به، ولا يقال: كيف يحكي الإجماع على قول حكاه بصيغة التمريض، لأن حكاية الإجماع من تتمة هذه القولة التي عبر عنها بـ (قيل) وحاصله نقل حكاية الإجماع عن بعضهم.
ص: وهو صفة كالغنم السائمة أو سائمة الغنم، لا مجرد السائمة على الأظهر، وهل المنفي غير سائمتها أو غير مطلق السوائم؟ قولان.
ش: شرع في ذكر مفاهيم المخالفة، فمنها:
مفهوم الصفة، وهو تعليق الحكم بإحدى صفتي الذات، فهو عند القائل بمفهوم الصفة يدل على انتفاء الحكم عند انتفاء تلك الصفة، وذكر له المصنف ثلاثة أمثلة:
أحدها: في الغنم السائمة الزكاة.
ثانيها: وهو لفظ الحديث (في سائمة الغنم الزكاة) وبين الصيغتين فرق في: المعنى، فمقتضى الأولى عدم الوجوب في الغنم المعلوفة التي لولا القيد بالسوم لشملها لفظ الغنم، ومقتضى الثانية: عدم الوجوب في سائمة غير الغنم كالبقر مثلاً التي لولا تقييد السائمة بإضافتها إلى الغنم لشملها لفظ السائمة، كذا قال المصنف.
والحق عندي أنه لا فرق بينهما فإن قولنا: (سائمة الغنم) من إضافة الصفة إلى موصوفها، فهو في المعنى كالأولى، فالغنم موصوفة، والسائمة صفة على كل حال، وقد عرف أنه ليس المراد بالصفة هنا النعت، ولهذا مثل بقوله عليه الصلاة والسلام: ((مطل الغني ظلم)) والتقييد فيه بالإضافة لكنه في المعنى صفة، فإن المراد به المطل الكائن من الغني لا من الفقير.
ثالثها: أن يقتصر على ذكر الصفة من غير ذكر الذات، كقولنا: (في السائمة الزكاة) واختلف في أن ذلك من مفهوم الصفة، كالمثالين قبله، أو لا مفهوم له كاللقب، بخلاف المثالين قبله، فإنه لا فائدة فيهما لذكر الصفة إلا نفي الحكم، والكلام بدونها لا يختل، حكاه الشيخ أبو حامد وابن السمعاني وغيرهما، وحكى ابن السمعاني الأول عن جمهور الشافعية، على خلاف ما رجحه المصنف، ثم نقل المصنف خلافاً في المثالين الأولين، هل المنفي فيهما غير سائمة الغنم، أو غير مطلق السوائم؟ فعلى الأول: إنما يدل على نفي الزكاة عن معلوفة الغنم، وعلى الثاني يدل على نفي الزكاة عن كل معلوفة ولو من الإبل أو البقر، وصحح الشيخ أبو حامد في كتابه في الأصول وصاحب (المحصول) الأول، لأن المنطوق سائمة الغنم، والمفهوم نقيضه.
قال المصنف: ولعل الخلاف مخصوص تصوره في الغنم السائمة، أما صورة سائمة الغنم، فقد قلنا: إن المنفي فيها سائمة غير الغنم، فالمنفي سائمة لا غير سائمة، والمنفي هناك غير سائمة، لكن غير سائمة على العموم أو غير سائمة على الخصوص؟ فيه القولان.
ص: ومنها العلة والظرف والعدد والحال.
ش: هذه الأنواع من مفهوم الصفة، وإن غاير الأصوليون بينها وبين الصفة.
وقال إمام الحرمين: ولو عبر عن جميع هذه الأنواع بصفة لكان منقدحاً، فإن المحدود والمعدود موصوفان بعددهما وحدهما، والمخصوص بالكون في زمان أو مكان موصوف بالاستقرار فيهما.
وسبقه إليه في العدد القاضي أبو الطيب، فقال: إنه قسم من الصفة، لأن قدر الشيء صفته، وأشار إليه ابن الحاجب أيضاً، فالضمير في قوله: (منها) يعود على الصفة، فمثال مفهوم العلة قوله عليه الصلاة والسلام: ((ما أسكر كثيره فقليله حرام)) فمفهومه أن ما لا يسكر كثيره لا يحرم، وفرق القرافي بينه وبين مفهوم الصفة، بأن الصفة قد تكون مكملة للعلة لا علة، وهي أعم من العلة، فإن وجوب الزكاة في السائمة ليس للسوم وإلا لوجبت في الوحوش، وإنما وجبت لنعمة الملك، وهو مع السوم أتم منه مع العلف، ومثال مفهوم ظرف الزمان قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} والمكان كقوله تعالى: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام} ومثال العدد قوله تعالى: {فاجلدوهم ثمانين جلدة} والمحكي عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه حجة.
وحكاه إمام الحرمين عن الجمهور، لكن جزم البيضاوي تبعاً للقاضي أبي بكر وإمام الحرمين وغيرهما أنه ليس بحجة.
أما مفهوم المعدود كقوله عليه الصلاة والسلام: ((أحلت لنا ميتتان ودمان)) فليس بحجة كما ذكره السبكي، وفرق بينه وبين مفهوم العدد بأن العدد يشبه الصفة، لأن قولك: في خمس من الإبل، في قوة قولك: في إبل خمس، تجعل الخمس صفة للإبل وهي إحدى صفتي الذات، لأن الإبل قد تكون خمساً وأقل وأكثر، فلما قيد وجوب الشاة بالخمس فهم أن غيرها بخلافه، فإذا قدمت لفظ العدد كان الحكم كذلك، والمعدود لم يذكر معه أمر زائد يفهم منه انتفاء الحكم عما عداه، فصار كاللقب.
واللقب لا فرق فيه بين أن يكون واحداً أو مثنى، ألا ترى أنك لو قلت: رجال لم يتوهم أن صيغة الجمع عدد، ولا يفهم منها ما يفهم من التخصيص بالعدد، فكذلك المثنى، لأنه اسم موضوع لاثنين كما أن الرجال اسم موضوع لما زاد، انتهى.
ومثال مفهوم الحال قوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}.
ص: وشرط.
ش: وهو معطوف على قوله: (صفة) أي ومن المفاهيم مفهوم الشرط، وهو تقييد الحكم بما هو مقرون بحرف شرط، وهو أقوى من مفهوم الصفة، فإنه قال به بعض من لا يقول بمفهوم الصفة كابن سريج.
ص: وغاية.
ش: ومنها مفهوم الغاية، وهو تقييد الحكم بغاية كـ (إلى) و(حتى) كقوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} و{ولا تقربوهن حتى يطهرن}.
ص: وإنما ومثل لا عالم إلا زيد، وفصل المبتدأ من الخبر بضمير الفصل وتقديم المعمول.
ش: ومنها مفهوم الحصر: فيه مذاهب.
أحدها: إنكاره.
والثاني: أنه من المنطوق.
والثالث: أنه من المفهوم، وبه قال الجمهور، وله صيغ منها: (إنما) فالجمهور على أنها تدل على الحصر، ومعناه إثبات الحكم في المذكور، ونفيه عما عداه، وكلام ابن دقيق العيد في شرح العمدة يقتضي الاتفاق عليه.
واختار الآمدي أنها لا تفيد الحصر بل تأكيد الإثبات فقط، ونقله أبو حيان عن البصريين.
ومنها: النفي والإثبات، سواء كان النفي بـ (لا) أو (ما) نحو: لا عالم إلا زيد، وما قام إلا زيد، وقد يفهم من تمثيله بالاستثناء المفرغ أن التام نحو قولك: ما قام أحد إلا زيد، بخلافه، وليس كذلك.
ومنها: ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر، كقولك: زيد هو العالم، فيفيد ثبوت العلم له ونفيه عن غيره بالمفهوم، ومنه: (إن شانئك هو الأبتر}
ومنها تقديم المعمول نحو: {إياك نعبد وإياك نستعين} أي لا غيرك، ودخل في المعمول الحال والظرف وتقديم الخبر نحو: تميمي أنا.
ص: وأعلاه: لا عالم إلا زيد، ثم ما قيل: منطوق أي بالإشارة، وهو إنما، ثم غيره.
ش: أعلى أنواع الحصر، أي أقواها النفي والإثبات نحو: (لا عالم إلا زيد) لأن (إلا) موضوعة للاستثناء، وهو الإخراج، فدلالته على الإخراج بالمنطوق، لكن الإخراج من عدم القيام ليس هو عين القيام، بل قد يستلزمه فلذلك كان من المفهوم، وبعد النفي والإثبات ما ذهب بعضهم إلى أن دلالته بالمنطوق كـ (إنما) فإن قلت: القسم الأول داخل في هذا لأنه قيل: إنه بالمنطوق، لعلة التنبيه.
قلت: ذاك قيل: إنه منطوق بالنص ودلالة (إنما) قيل: إنها منطوق بالإشارة كما ذكره المصنف، أي بإشارة النص إليه، لا بنفس النص، ثم بعد ذلك غيره من أنواع الحصر، وهو ضمير الفصل، وتقديم المعمول كما تقدم.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المفهوم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:30 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir