18/753 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنِ اشْتَرَى طَعَاماً فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْهُ)؛ أَيْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنِ اشْتَرَى طَعَاماً فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَقَدْ وَرَدَ فِي الطَّعَامِ أَنَّهُ لا يَبِيعُهُ مَن اشْتَرَاهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِن الصَّحَابَةِ، وَوَرَدَ فِي أَعَمَّ مِن الطَّعَامِ حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَشْتَرِي بُيُوعاً، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا، وَمَا يَحْرُمُ عَلَيَّ؟ قَالَ: ((إِذَا اشْتَرَيْتَ شَيْئاً فَلا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ)).
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلْعَةُ حَيْثُ تُبْتَاعُ، حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ. وَأَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ إلاَّ التِّرْمِذِيَّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنِ ابْتَاعَ طَعَاماً فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ)). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلا أَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ إلاَّ مِثْلَهُ.
فَدَلَّت الأَحَادِيثُ أَنَّهُ لا يَجُوزُ بَيْعُ أَيِّ سِلْعَةٍ شُرِيَتْ إلاَّ بَعْدَ قَبْضِ الْبَائِعِ لَهَا وَاسْتِيفَائِهَا.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالطَّعَامِ لا غَيْرِهِ مِن الْمَبِيعَاتِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْمَنْقُولِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ؛ فَإِنَّهُ فِي السِّلَعِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ ذِكْرَ حُكْمِ الْخَاصِّ لا يُخَصُّ بِهِ الْعَامُّ، وَحَدِيثُ حَكِيمٍ عَامٌّ، فَالْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَأَنَّهُ لا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقاً، وَهُوَ الَّذِي دَلَّ لَهُ حَدِيثُ حَكِيمٍ، وَاسْتَنْبَطَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ: صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي. وَنَحْوَهُ لِلْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الشَّيْءَ مُكَايَلَةً وَقَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ، لَمْ يَجُزْ تَسْلِيمُهُ بِالْكَيْلِ الأَوَّلِ حَتَّى يَكِيلَهُ عَلَى مَن اشْتَرَاهُ ثَانِياً، وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْكَيْلِ الأَوَّلِ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ، وَلَعَلَّ عِلَّةَ الأَمْرِ بِالْكَيْلِ ثَانِياً لِتَحَقُّقِ مَا يَجُوزُ مِن النَّقْصِ بِإِعَادَةِ الْكَيْلِ لإِذْهَابِ الْخِدَاعِ. وَحَدِيثُ الصَّاعَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ بَيْعُ الْجُزَافِ، إلاَّ أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ جُزَافاً، وَلَفْظُهُ: كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِن الرُّكْبَانِ جُزَافاً، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ. أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلاَّ التِّرْمِذِيَّ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: يَجُوزُ بَيْعُ الصُّبْرَةِ جُزَافاً، لا نَعْلَمُ فِيهِ خِلافاً، وَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ بَيْعِ الْجُزَافِ حُمِلَ حَدِيثُ الصَّاعَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الطَّعَامَ كَيْلاً وَأُرِيدَ بَيْعُهُ، فَلا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ كَيْلِهِ لِلْمُشْتَرِي.