دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 11:54 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الأمر

(الأمر) (أ م ر) حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ، وَقِيلَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، قِيلَ وَبَيْنَ الشيء والشَّأْنِ وَالصِّفَةِ، وَحَدُّهُ اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ بِغَيْرِ كَفٍّ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ عُلُوٌّ، وَلَا اسْتِعْلَاءٌ، وَقِيلَ يُعْتَبَرَانِ، وَاعْتَبَرَتْ الْمُعْتَزِلَةُ وَأَبُو إسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَالسَّمْعَانِيُّ الْعُلُوَّ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَالْإِمَامُ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ الِاسْتِعْلَاءَ، وَاعْتَبَرَ أَبُو عَلِيٍّ وَابْنُهُ إرَادَةَ الدَّلَالَةِ بِاللَّفْظِ عَلَى الطَّلَبِ وَالطَّلَبُ بَدِيهِيٌّ، وَالْأَمْرُ غَيْرُ الْإِرَادَةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ.

  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 05:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


الأمـر
أَيْ هَذَا مَبْحَثُهُ وَهُوَ نَفْسِيٌّ وَلَفْظِيٌّ وَسَيَأْتِيَانِ. (أ م ر) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ الْمُنْتَظِمُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْرُفِ الْمُسَمَّاةِ بِأَلْفٍ مِيمٍ رَاءٍ وَيُقْرَأُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي مُفَكَّكًا (حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ) أَيْ الدَّالِّ عَلَى اقْتِضَاءِ فِعْلٍ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِصِيغَةِ افْعَلْ نَحْوُ {وَأْمُرْ أَهْلَك بِالصَّلَاةِ أَيْ قُلْ لَهُمْ صَلُّوا (مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ) نَحْوُ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي تَعْزِمُ عَلَيْهِ لِتَبَادُرِ الْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ مِنْ لَفْظِ الْأَمْرِ إلَى الذِّهْنِ وَالتَّبَادُرُ عَلَامَةٌ لِلْحَقِيقَةِ (وَقِيلَ) هُوَ (لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ) بَيْنَهُمَا كَالشَّيْءِ حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ حَقِيقِيٌّ. (وَقِيلَ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا قِيلَ وَبَيْنَ الشَّأْنِ وَالصِّفَةِ وَالشَّيْءِ) لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهَا أَيْضًا نَحْوُ {إنَّمَا أَمْرُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ} أَيْ شَأْنُنَا لِأَمْرٍ مَا يَسُودُ مَنْ يَسُودُ أَيْ لِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ لِأَمْرٍ مَا جَدَعَ قَصِيرٌ أَنْفَهُ أَيْ لِشَيْءٍ وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ فِيهَا مَجَازٌ إذْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَفْظَةُ قِيلَ بَعْدَ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَبِهَا يُسْتَفَادُ حِكَايَةُ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ الْأَشْهَرُ مِنْهُ بَيْنَ الْخَمْسَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ حَقِيقَةٌ فِي كَذَا حَدُّ اللَّفْظِيِّ بِهِ. وَأَمَّا النَّفْسِيُّ وَهُوَ الْأَصْلُ أَيْ الْعُمْدَةُ فَقَالَ فِيهِ (وَحَدُّهُ اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْكَفِّ (بِغَيْرِ) لَفْظِ (كَفٍّ) فَتَنَاوَلُ الِاقْتِضَاءِ أَيْ طَلَبُ الْجَازِمِ وَغَيْرِ الْجَازِمِ لِمَا لَيْسَ بِكَفٍّ وَلِمَا هُوَ كَفٌّ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِكُفَّ وَمِثْلُهُ مُرَادِفُهُ كَاتْرُكْ وَذَرْ بِخِلَافِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ لَا تَفْعَلْ فَلَيْسَ بِأَمْرٍ وَسُمِّيَ مَدْلُولُ كَفٍّ أَمْرًا لَا نَهْيًا مُوَافَقَةً لِلدَّالِّ فِي اسْمِهِ وَيُحَدُّ النَّفْسِيُّ أَيْضًا بِالْقَوْلِ الْمُقْتَضِي لِفِعْلِ إلَخْ وَكُلٌّ مِنْ الْقَوْلِ وَالْأَمْرِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اللَّفْظِيِّ وَالنَّفْسِيِّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ فِي الْكَلَامِ الْآتِي فِي مَبْحَثِ الْإِخْبَارِ. (وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ فِي مُسَمَّى الْأَمْرِ نَفْسِيًّا أَوْ لَفْظِيًّا حَتَّى يُعْتَبَرَ فِي حَدِّهِ أَيْضًا (عُلُوٌّ) بِأَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ عَالِيَ الرُّتْبَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْهُ (وَلَا اسْتِعْلَاءٌ) بِأَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ بِعَظَمَةٍ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ دُونَهُمَا قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ:
((أَمَرْتُكَ أَمْرًا جَازِمًا فَعَصَيْتَنِي = وَكَانَ مِنْ التَّوْفِيقِ قَتْلُ ابْنِ هَاشِمٍ))
هُوَ رَجُلُ بَنِي هَاشِمٍ خَرَجَ مِنْ الْعِرَاقِ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَمْسَكَهُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَمْرٌو بِقَتْلِهِ فَخَالَفَهُ وَأَطْلَقَهُ لِحِلْمِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى فَأَنْشَدَهُ عَمْرٌو الْبَيْتَ فَلَمْ يُرِدْ بِابْنِ هَاشِمٍ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيُقَالُ أَمَرَ فُلَانٌ فُلَانًا بِرِفْقٍ وَلِينٍ (وَقِيلَ يُعْتَبَرَانِ) وَإِطْلَاقُ الْأَمْرِ دُونَهُمَا مَجَازِيٌّ. (وَاعْتَبَرَتْ الْمُعْتَزِلَةُ) غَيْرُ أَبِي الْحُسَيْنِ (وَأَبُو إسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالسَّمْعَانِيُّ الْعُلُوَّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ) مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ (وَالْإِمَامُ) الرَّازِيُّ (وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ الِاسْتِعْلَاءَ) وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ حَدَّ اللَّفْظِيَّ كَالْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّ النَّفْسِيَّ كَالْآمِدِيِّ. (وَاعْتَبَرَ أَبُو عَلِيٍّ وَابْنُهُ) أَبُو هَاشِمٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ زِيَادَةً عَلَى الْعُلُوِّ (إرَادَةَ الدَّلَالَةِ بِاللَّفْظِ عَلَى الطَّلَبِ) فَإِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَمْرًا لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الطَّلَبِ كَالتَّهْدِيدِ وَلَا مُمَيِّزَ سِوَى الْإِرَادَةِ قُلْنَا اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الطَّلَبِ مَجَازِيٌّ بِخِلَافِ الطَّلَبِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ إرَادَتِهِ (وَالطَّلَبُ بَدِيهِيٌّ) أَيْ مُتَصَوَّرٌ بِمُجَرَّدِ الْتِفَاتِ النَّفْسِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِأَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يُفَرِّقُ بِالْبَدِيهَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَالْإِخْبَارِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِبَدَاهَتِهِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ تَعْرِيفَ الْأَمْرِ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ تَعْرِيفٌ بِالْأَخْفَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فِطْرِيٌّ (وَالْأَمْرُ) الْمَحْدُودُ بِاقْتِضَاءِ فِعْلٍ إلَخْ (غَيْرُ الْإِرَادَةِ) لِذَلِكَ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِالْإِيمَانِ وَلَمْ يُرِدْهُ مِنْهُ لِامْتِنَاعِهِ (خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ) فِيمَا ذُكِرَ فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوا الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ إنْكَارُ الِاقْتِضَاءِ الْمَحْدُودِ بِهِ الْأَمْرُ قَالُوا إنَّهُ الْإِرَادَةُ.

  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 05:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


الجزء الثاني
باب الأوامر والنواهي
(باب الأمر والنهي)

(ص) الأمر: أم ر، حقيقة في القول المخصوص مجازا في الفعل، وقيل: للقدر المشترك وقبل مشترك بينهما قيل وبين الشأن والصفة والشيء.
(ش) نبه بقوله: (أم ر) أنه لا يعني بالأمر مدلوله كما هو المتعارف في الإخبار عن اللفظ إن تلفظ به والمراد مدلوله، بل المراد بلفظ الأمر، كما يقال: زيد اسم، وضرب فعل ماض، ومن: حرف جر. وهذا اللفظ حقيقة في القول: المخصوص. المراد بالقول الصيغة: والمراد بالمخصوص: الطالب للفعل، وهو: افعل وما يجري مجراه وهو قسم من أقسام الكلام، وقد يطلق على الفعل نحو: زيد في أمر عظيم إذا كان في سفر أو غيره، وقوله تعالى:{أتعجبين من أمر الله}، {حتى إذا جاء أمرنا} ثم اختلفوا على مذاهب.
أحدها: وهو قول الأكثرين: أن لفظ الأمر حقيقة في القول المخصوص، مجاز في الفعل وغيره.
وإلا لزم الاشتراك والمجاز خير منه.
الثاني: أنه مشترك بين القول والفعل، بالاشتراك اللفظي، لأنه أطلق عليهما والأصل الحقيقة وعزاه في (المحصول) لبعض الفقهاء، وعزاه ابن برهان إلى كافة العلماء.
والثالث: أنه متواطئ فيكون موضوعا للقدر المشترك بين الفعل والقول دفعا للاشتراك والمجاز، واعلم: أن هذا القول لا يعرف قائله وإنما ذكره صاحب (الإحكام) على سبيل الفرض والالتزام، أي لو قيل: فما المانع منه، لهذا حكاه ابن الحاجب ثم قال في آخر المسألة: وأيضا فإنه قول حادث هنا، وإذا علمت هذا تعجبت من المصنف في حكايته وترك ما قبله.
والرابع: أنه مشترك بينهما أي بين القول الفعل – وبين الشأن لقوله تعالى:{وما أمر فرعون برشيد} والصفة كقول الشاعر: لأمر ما يسود من يسود أي لصفة من صفات الكمال، والشيء كقولنا: تحرك هذا الجسم لأمر، أي:لشيء وهذا ما عزاه المصنف لأبي الحسين البصري، فإنه قال في (المعتمد): وأنا أذهب إلى أن قول القائل: (أمر) مشترك بين الصفة والشيء والطرائق وبين جملة الشأن والطرائق، وبين القول المخصوص. انتهى.
وقضيته: أنه مشترك عنده بين خمسة أشياء لكنه في (شرح المعتمد): فسر الشأن والطريق بمعنى واحد، فتكون الأقسام عنده أربعة، فلهذا حذف المصنف الطريق لكن عليه نقد، فإنه يقتضى أنه مشترك عنده بين هذه المفاهيم، ومن جملتها الفعل بخصوصه، وأبو الحسين لم يتعرض للفعل بخصوصه، وإنما تعرض للشأن والطريق كما تراه، وبهذا اعترض الأصفهاني على صاحب (التحصيل) و(المنتخب) فإنهما عبرا بعبارة المصنف، ولهذا لم يتعرض في (المحصول) للفعل في حكايته عن أبي الحسين.
(ص) وحده: اقتضاء فعل غير كف مدلول عليه بغير كف.
(ش) البحث في الأمر في مقامين:
أحدهما: في لفظه وقد سبق.
والثاني: في مدلوله والكلام الآن فيه وقد اختلف فيه فذهب نفاة الكلام النفسي إلى أنه عبارة عن اللفظ الطالب للفعل، وذهب المثبتون إلى تفسيره بالمعنى الذهني، وهو: ما قام بالنفس من الطلب، لأن الأمر بالحقيقة هو ذلك الاقتضاء واللفظ دال عليه وعليه جرى المصنف، ولهذا صدر الحد بالاقتضاء دون القول، فاقتضاء الفعل جنس يشمل الأمر والنهي، والمراد بالاقتضاء ما قام بالنفس من الطلب فخرج ما ليس باقتضاء كالإباحة في قوله تعالى:{وإذا حللتم فاصطادوا} والتعجب في:{فأتوا بسورة} وأمثالهما، فالصيغة صيغة أمر في هذه المواضع إلا أنه ليس بأمر على الحقيقة لعدم الاقتضاء وقوله: (غير كف) فقيل: خرج به النهي فإنه وإن كان فعل أيضا، ولكن فعل هو كف، لأن مقتضاه كف النفس عن الفعل.
وقوله: (مدلول عليه بغير كف) هذا قيد زاده على ابن الحاجب فإنه قد يرد عليه نحو: كف نفسك عن كذا فإنه أمر بالكف مع أنه ليس غير كف، بل هو لاقتضاء فعل هو كف وحينئذ فيكون مدلوله مجرورا صفة لكف المضاف إليه في قوله: غير كف، والمعنى أن الفعل الذي يقتضيه الأمر فعل خاص وهو غير كف، ولا نريد غير مطلق الكف، بل غير كف خاص وهو المدلول عليه بغير كف، أما المدلول عليه بقولك كف أو أمسك ونحوه فهو أمر، فإذن ليس فعل هو كف غير أمر، بل إنما يكون غير أمر إذا دل عليه بلفظ غير قولنا: اكفف ونحوه مثل لا تفعل ونحوه، ولمن يعتني بابن الحاجب أن يقول: أراد غير كف عن الفعل الذي انتفت منه صيغة الاقتضاء فلا يرد عليه اكفف ونحوه.
(ص) ولا يعتبر فيه علو ولا استعلاء، وقيل: يعتبران واعتبرت المعتزلة وأبو إسحاق الشيرازي وابن الصباغ والسمعاني: العلو. واعتبر أبو الحسين والإمام والآمدي وابن الحاجب: الاستعلاء.
(ش) في اعتبار العلو والاستعلاء في الأمر أربعة مذاهب.
أصحها: عدم اعتبارهما ونقله في (المحصول) عن الأصحاب، لإمكان أن يقوم بذات الأدنى طلب من الأعلى ويتخيل أنه يأمره ويتبعه والفرق بين العلو والاستعلاء أن العلو: كون الأمر في نفسه أعلى درجة، والاستعلاء: أن يجعل نفسه عاليا بكبرياء أو غيره، وقد لا يكون في نفس الأمر كذلك. فالعلو: من الصفات العارضة للناطق، والاستعلاء: من صفات كلامه.
والثاني: يعتبران وبه جزم ابن القشيري.
والثالث: يعتبر العلو، وبه قالت المعتزلة وجمع من أصحابنا وقالوا:لا يصدق إلا به، بأن يكون الطالب أعلى رتبة من المطلوب منه، فإما أن يكون مساويا له فهو التماس أو دونه فسؤال.
الرابع: يعتبر الاستعلاء دون العلو وأفسد البيضاوي المذهبين بقوله تعالى حكاية عن قول فرعون لقومه في مجلس المشاورة: {ماذا تأمرون} ومعلوم انتفاء العلو، إذ كان فرعون في تلك الحالة أعلى رتبة منهم وقد جعلهم آمرين له. وانتفاء الاستعلاء إذ لم يكونوا مستعلين عليه، وهذا بناء منه على أن معنى الأمر في الآية، القول المخصوص وليس كذلك، وإنما المراد الصورة. نعم قوله تعالى:{الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} يقتضي مجامعة الأمر، مع أن الآمر أدون رتبة. وأفسد مذهب أبي الحسين بأن كثيرا من آيات الأمر في القرآن في غاية التلطف ونهاية الاستجلاب بتذكير المنعم والوعيد بالنعم. كما في قوله تعالى:{اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم} وقوله: {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم} إلى غير ذلك من الآيات المنافية للاستعلاء وإلا يلزمه إخراجها عن الأوامر.
(ص) واعتبر أبو على وابنه إرادة الدلالة باللفظ على الطلب.
(ش) مذهب الفقهاء أن الأمر أمر بصيغته ولا ينعكس كمن معه إرادة أخرى لأن هذه الصيغة وضعت لمعنى فلا يفتقر في إفادتها إياه إلا الإرادة كسائر الألفاظ الدالة على معانيها، وذهب أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم وعبد الجبار، وأبو الحسين إلى اعتبار إرادة الدلالة بها على الأمر، وعلى هذا قالوا: لا تكون صيغة التهديد أمرا، ولا يكون المعلوم من الله موته على الكفر، مأمورا بالإيمان لانتفاء الدلالة على الطلب، فإن شرط الدلالة على الطلب، كون المدلول عليه بالصيغة مرادا فحيث لم يرد لم تكن الصيغة دالة على الطلب لانتفاء شرطه واحتجوا بأن الصيغة كما ترد للطلب ترد للتهديد مع خلوه عن الطلب فلا بد من مميز بينهما ولا مميز سوى الإرادة وأجيب بأن المميز حاصل بدون الإرادة لأن صيغة الأمر حقيقة في القول، مجاز في الفعل، وهذا كاف في التمييز واعلم أن ابن برهان قال: الإرادات ثلاث:
إحداها: إرادة إيجاد الصيغة، احترازا عن النائم وهو متفق على اعتبارها.
وثانيها: إرادة صرف اللفظ عن غير جهة الأمر إلى جهة الأمر احترازا عن التهديد ونحوه فاختلف أصحابنا فاعتبرها المتكلمون ولم يعتبرها الفقهاء وقالوا: الصيغة محمولة على الأمر.
وثالثها: إرادة فعل المأمور به والامتثال: احترازا عن الحاكي والمبلغ وهذه مسألة خلاف بيننا وبين من ذكر من المعتزلة وهذه غير طريقة المصنف.
(ص) والطلب بديهي.
(ش) لما أخذوا في الحد الاقتضاء، وهو الطلب أورد عليهم أن الطلب أخفى من الأمر فهو تعريف بالأخفى، فأجابوا بالمنع. فإن الطلب بديهي التصور فإن كل أحد يفرق بالبداهة بين طلب الفعل وطلب الترك وبينهما وبين المفهوم من الخبر لأنه من الأمور الوجدانية كالجوع والشبع وهذا النوع من الاستدلال عولوا عليه في مواضع كثيرة في إثبات بداهة الشيء وهو ضعيف لأنه لا يلزم من الحكم بالشيء والتفرقة بينه وبين غيره بالبديهة أن يكون ذلك الشيء معلوما بكنه حقيقته بالبديهة نعم، يلزم منه أن يكون معلوما من بعض الوجوه بالبديهة، وذلك لا يلزم بداهته فإن قيل: البديهي لا يفتقر إلى الدليل وأنتم قد استدللتم عليه قلنا: قد يكون التصور بديهيا ولا يفتقر حصوله إلى تصور آخر وبداهته لا تكون بديهية ولهذا حدوا البديهي من التصورات بالذي لا يفتقر في حصوله إلى تصور آخر ليعلم بالحد ماهيته ولا يقدح ذلك في بداهته غير ذاتية وإنما القادح في بداهته، توقف حصوله على أمور أخر، وقد فسروا الطلب بأنه الأمر القائم بالنفس يجري مجرى العلم والقدرة وسائر الصفات القائمة به، وهذه الصيغة المخصوصة دالة عليه.
(ص) والأمر غير الإرادة خلافا للمعتزلة.
(ش) لا خلاف بيننا وبين المعتزلة أن الأمر دل على الطلب وإنما اختلفوا في حقيقة الطلب فعند المعتزلة: هو إرادة المأمور به، وعندنا: هو شيء غير الإرادة وأنه يقوم بالنفس معنى سوى إرادة الفعل المأمور به فإنا نجد الآمر يأمر بما لا يريده لأن الإيمان من الكفار مطلوب بالإجماع، ومنهم من أخبر الله بأنه لا يؤمن فكان إيمانه محالاً؛ لإخبار الله بعدمه، والمحال لا يكون مراد الله تعالى ولأن الطلب قد يتحقق بدون الإرادة لأنه يجتمع مع كراهته، ولأنه لو كان الأمر الإرادة، لوجب وجود أوامر الله تعالى كلها، فإن إرادة الفعل، تخصيصه بحال حدوثه فإذا لم يوجد لم يتخصص به فإن قيل: هلا قال المصنف: وهو غير الإرادة فإنه أخص وكما عبر به في (المنهاج) قلنا: كل منهما صحيح، لأن الأمر دال على الطلب النفساني والطلب مدلول الأمر، فصح أن يقال: الأمر غير الإرادة، وأن يقال: الطلب غير الإرادة، لكن تعبير المصنف أولى، لأن الطلب كله ليس هو أمرا عند المعتزلة بل أمر خاص وهو مع العلو. فلهذا صرح بلفظ الأمر، لأنه محل الخلاف لا الطلب مع الإرادة.

  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 05:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: الأمر (أم ر) حقيقة في القول المخصوص، مجاز في الفعل، وقيل: للقدر المشترك، وقيل: مشترك بينهما وبين الشأن والصفة والشيء.
ش: إنما عبر بقوله: (أم ر) ليبين أنه ليس المراد بالأمر هنا مدلوله بل لفظه، وفي ذلك مذاهب.
أحدها: أنه حقيقة في القول المخصوص، والمراد بالقول الصيغة، وبالمخصوص الطالب للفعل، وسيأتي تعريفه وهو إما فعل أمر، أو اسم فعل، أو فعل مضارع مقرون باللام، فإن أطلق الأمر على الفعل نحو قولك: زيد في أمر عظيم، كان مجازاً وإلا لزم الاشتراك، والمجاز أولى منه.
القول الثاني: أنه حقيقة في القدر المشترك بين القول والفعل، دفعاً للاشتراك والمجاز، فيكون من باب المتواطئ.
قال الشارح: ولا يعرف قائله، وإنما ذكره في الأحكام على سبيل الفرض والالتزام، أي لو قيل: فما المانع؟ ولهذا قال ابن الحاجب: إنه قول حادث هنا.
القول الثالث: أنه مشترك بينهما، أي بين القول المخصوص والفعل والشأن كقوله تعالى: {وما أمر فرعون برشيد} والصفة كقوله: لأمر ما يسود من يسود، أي لصفة من صفات الكمال، والشيء، كقولنا: تحرك هذا الجسم لأمر، أي لشيء، حكاه المصنف عن أبي الحسين البصري.
قال الشارح: وعليه نقد، فإن أبا الحسين لم يتعرض للفعل بخصوصه، إنما ذكر الشأن وقد اعترض بذلك الأصفهاني على صاحبي (المنتخب) و(التحصيل)، ولذلك لم يذكر في (المحصول) عن أبي الحسين الفعل في ذلك.
ص: وحده اقتضاء فعل غير كف مدلول عليه بغير كف.
ش: الكلام المتقدم في الأمر بحسب ما يقتضيه لفظه، وهنا بحسب ما يقتضيه مدلوله.
فقوله: (اقتضاء فعل)، أي طلب فعل، وهو جنس يشمل الأمر والنهي، ويخرج الإباحة وغيرها مما يستعمل فيه صيغة الأمر، وليس أمراً.
وقوله: (غير كف) فصل خرج به النهي، فإنه طلب فعل، وهو كف.
وقوله: (مدلول عليه بغير كف) صفة لقوله (كف) وهو قيد زاده المصنف على ابن الحاجب لإدخال نحو، قولنا: كيف نفسك عن كذا، أو أمسك عن كذا، فإنه أمر مع أنه يخرج بقولنا: (غير كف) فبين أن الكف الذي أريد إخراجه ما دل عليه غير كف، أما طلب فعل هو كف دل عليه كف، فإنه ليس نهياً بل أمرا، وعلم أن هذا التعريف مبني على إثبات الكلام النفسي، فمن نفاه عرف الأمر بأنه القول الطالب للفعل.
ص: ولا يعتبر فيه علو ولا استعلاء وقيل: يعتبران، واعتبرت المعتزلة وأبو إسحاق الشيرازي وابن الصباغ والسمعاني العلو، واعتبر أبو الحسين والإمام والآمدي وابن الحاجب الاستعلاء.
ش: في اعتبار العلو والاستعلاء في الأمر أربعة مذاهب.
أصحها: عدم اعتبارهما.
والثاني: اعتبارهما، وبه قال ابن القشيري والقاضي عبد الوهاب.
والثالث: اعتبار العلو، فإن كان مساويا له فهو التماس أو دونه فسؤال.
والرابع: اعتبار الاستعلاء، والمراد بالعلو كون الطالب أعلى رتبة من المطلوب منه، وبالاستعلاء، أن يكون الطلب بغلظة، وإظهار تعاظم، فالعلو صفة للمتكلم، والاستعلاء صفة للكلام.
ص: واعتبر أبو علي وابنه إرادة الدلالة باللفظ على الطلب.
ش: ذهب أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم إلى أنه يعتبر في الأمر إرادة الدلالة بلفظه على الطلب ليخرج صيغة التهديد، ومن سبق في العلم القديم موته على الكفر، فالإرادة هي المميزة، ولم يعتبر الأكثرون ذلك، وقالوا: يحصل التمييز بأن الصيغة حقيقية في الطلب، فإن أريد غيره فهو مجاز لا بد له من قرينة.
ص: والطلب بديهي.
ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، فإنه أورد على ذكر الاقتضاء ـ وهو الطلب في تعريف الأمر ـ أن الطلب أخفى من الأمر، فهو تعريف بالأخفى، فأجيب عنه بأن الطلب بديهي التصور، بأن كل أحد يفرق بالبديهة بين طلب الفعل وطلب الترك والخبر، فهو وجداني كالجوع والشبع.
ص: والأمر غير الإرادة خلافاً للمعتزلة.
ش: ذهبت المعتزلة إلى أن الأمر بالشيء هو إرادة فعله، وقال أصحابنا، بل هو غيرها، فإن الميت على كفره مأمور بالإيمان بلا شك، وهو غير مراد منه، إذ لو أريد منه لم يتخلف، كذا قرره بعضهم، واعترض بأنه مصادرة على المطلوب لأنهم يقولون: يقع غير المراد، ويراد ما لا يقع! تعالى الله عن جهلهم، فالأولى تقدير أن الإيمان غير مراد منهم بأنه ممتنع لسبق العلم القديم بانتفائه، والممتنع غير مراد بالاتفاق منا ومنهم، كما قال في (المحصول).
وتعبير المصنف بالأمر أولى من تعبير غيره بالطلب، لأن الطلب ليس كله أمراً عند المعتزلة، بل أمر خاص وهو مع العلو.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأمر

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:34 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir