دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الرسالة التدمرية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 07:07 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي رأس الأمر مطلقاً: شهادة أن لا إله إلا الله

وَرَأَسُ الْإِسْلاَمِ مُطْلَقًا شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَبِهَا بَعَثَ اللَّهُ جَمِيعَ الرُّسُلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)، وَقَالَ تَعَالَى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)، وَقَالَ تَعَالَى عَنِ الخَلِيلِ: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ: ( قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ)، وَقَالَ تَعَالَى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)، وَقَالَ تَعَالَى: ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ)، وَذُكِرَ عَنْ رُسُلِهِ: كَنُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ: ( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِهِ) وَقَالَ عَنْ أَهْلِ الْكَهْفِ: (إِنَّهُمْ فِتِْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبْطنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا هَؤُلاَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا)، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونُ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ.

  #2  
قديم 7 ذو الحجة 1429هـ/5-12-2008م, 03:59 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تقريب التدمرية للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

فَصْلٌ
وَلاَ يَتِمُّ الإِسلامُ إلا بالبراءةِ مما سواهُ كمَا قالَ اللهُ تعالى عنْ إبراهيمَ الخليلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ*إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ*وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)([1]). وبَيَّنَ أَنَّ لنَا فيهِ أُسْوَةٌ حسنةٌ فقالَ تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)([2]). وقالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ)([3]). وقالَ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ*فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)([4]). وقالَ تعالى: (لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)([5]).

والبراءَةُ نوعَانِ:
الأوَّلُ: براءةٌ مِنْ عَمَلٍ.
الثَّانِي: بَرَاءَةٌ مِنْ عَامِلٍ.
فأَمَّا البراءةُ منَ العَمَلِ: فتَجبُ منْ كلِّ عمَلٍ محرَّمٍ سواءٌ كانَ كُفْراً، أمْ دونَهُ فيَبْرَأُ المؤمنُ منَ الشِّركِ، والزِّنَى، وشُرْبِ الخمرِ ونحوِ ذلكَ بحيثُ لا يَرضاهُ ولا يُقرُّهُ، ولاَ يَعمَلُ بِهِ، لأَنَّ الرِّضا بذلكَ، أَوْ إقرارَهُ، أَوِ العملَ بِهِ مُضَادَّةٌ للهِ تعالى ورضاً بمَا لاَ يرْضَاهُ.
وأَمّا البراءةٌ مِنَ العاملِ: فإنْ كانَ عملُهُ كفْراً وَجَبَت البراءةُ منهُ بكلِّ حالٍ منْ كلِّ وجْهٍ لِمَا سَبَقَ منَ الآياتِ الكريمةِ، ولأنَّهُ لمْ يَتَّصِفْ بما يَقتَضِي وَلاءَهُ.

وإنْ كانَ عملُهُ دونَ الكُفْرِ وَجَبَت البراءةُ منْهُ منْ وجهٍ دونَ وجهٍ فَيُوَالى بمَا مَعَهُ مِنَ الإِيمانِ والعملِ الصَّالحِ، ويَتبرَّأُ منْهُ بمَا مَعَهُ منَ المعاصِي؛ لأنَّ الفسوقَ لاَ يُنافِي أصْلَ الإِيمانِ، فقدْ يكونُ في الإِنسانِ خِصَالُ فُسوقٍ، وخِصالُ طاعةٍ، وخِصَالُ إيمانٍ، وخِصَالُ كُفْرٍ كمَا قالَ اللهُ تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ*إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)([6]). فَجَعَلَ اللهُ تعالى الطَّائِفَتَيْنِ المُقْتَتِلَتَيْنِ إخوةً لِلطَّائفةِ المصلِحةِ، ووَصَفَهمْ بالإِيمانِ معَ أنَّ قتالَ المؤمنِ لأخيهِ منْ خِصالِ الكُفْرِ لقولِ النَّبيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ". ولمْ تكنْ هذِهِ الخصلةُ الكُفْريَّةُ منافيةً لأصْلِ الإِيمانِ ولاَ رافعةً للأخَّوةِ الإِيمانيَّةِ. ولاَ ريْبَ أنَّ الأخوَّةَ الإِيمانيَّةَ مقتَضِيةٌ للمحبَّةِ والولايَةِ ويَقْوَى مقْتَضَاهَا بحسْبِ قوَّةِ الإِيمانِ والاسْتِقامَةِ.
وهذَا الأصْلُ أعني أنَّهُ قدْ يَجْتَمِعُ في الإِنسانِ خِصلةُ إيمانٍ، وخِصْلةُ كُفْرٍ – هُوَ ما دلَّ عليْهِ الكتابُ، والسُّنَّةُ، وكانَ عليْهِ السَّلَفُ والأَئمَّةُ، فتكونُ المحبَّةُ والولايَةُ تابعةً لما مَعَهُ منْ خِصالِ الإيمانِ، والكراهةُ والعداوةُ تابعةً لِمَا عندَهُ منْ خِصالِ الكُفْرِ.

([1]) سورة الزخرف، الآيات: 26-28.

([2]) سورة الممتحنة، الآية: 4.

([3]) سورة الممتحنة، الآية: 1.

([4]) سورة المائدة، الآيتان: 51، 52.

([5]) سورة المجادلة، الآية: 22.

([6]) سورة الحجرات، الآية: 9.


  #3  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 06:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التحفة المهدية للشيخ: فالح بن مهدي الدوسري


الشرح: . . . وأما الإسلامُ الخاصُّ فهو كما فَسَّرَه رسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في حديثِ جبريلَ: الإسلامُ أن تَشهدَ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن محمَّداً رسولُ اللهِ الخ. (رواه مسلمٌ)، وروى الإمامُ أحمدُ عن بَهزِ بنِ حكيمٍ عن أبيه عن جدِّه أنه قالَ: واللهِ يا رسولَ اللهِ ما أَتيتُك حتى حلَفْتُ عددَ أصابعي هذه أن لا آتِيَكَ فبالذي بَعثكَ بالحقِّ ما بُعِثتَ به؟ قالَ: الْإِسْلاَمُ. قالَ: وما الإسلامُ؟ قالَ: أَنْ تُسْلِمَ قَلْبَكَ لِلَّهِ، وَأَنْ تُوجِّهَ وَجْهَكَ إلى اللهِ، وَأَنْ تُصَلِّيَ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِنْ عَبْدٍ أَشْرَكَ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ. الحديثُ وذَكرَ اللهُ تعالى عن موسى أنه قالَ: {يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} وأَخبرَ تعالى عن السحرَةِ أنهم قالوا لفرعونَ: {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}، وقالَ تعالى عن المسيحِ: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}، وقالَ تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}، وكما قالَ عن نوحٍ أنه قالَ لقومِه: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، وقالَ تعالى عن إبراهيمَ: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، وقالَ تعالى عن يوسفَ الصدِّيقِ: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسِْلماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}، وقالَ عن بلقيسَ: { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. فالإسلامُ عندَ الجميعِ هو الاستسلامُ للهِ وهو الخضوعُ له والعبوديَّةُ له، كما يقولُ أهلُ اللغةِ: أَسلَمَ الرجلُ إذا استسلمَ، وحينئذٍ فرأْسُ جميعِ الأديانِ هو الشَّهادةُ بوحدانيَّةِ اللهِ دونَ مَن سواه كما في آيةِ النحلِ والأنبياءِ والشعراءِ والممتحَنةِ، وآيتَي الزُّخرفِ ولقد أَخبرَ اللهُ تعالى عن كلِّ رسولٍ بأنه أمَرَ قومَه بعبادةِ اللهِ وحدَه كما حَكَى ذلك عن نوحٍ وهودٍ وصالحٍ، وإخوانِهم من الأنبياءِ، قالَ اللهُ تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، وقالَ: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، وقالَ سبحانَه: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، وقالَ عن شُعَيبٍ: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ من إِلَهٍ غَيْرُهُ}، وأَخْبَرَ سبحانَه عن أهلِ الكهفِ أنهم قالوا: {لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً}.

و (الخُلَّةُ) أعلى مراتبِ المحبَّةِ، {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} أي جَعلَ إبراهيمُ كلمةَ التوحيدِ باقيةً في ذرِّيَّتِه بأن وصَّاهم بها كما في قولِه سبحانَه: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (والكهفُ) جمْعُه كهوفٌ وهو الغارُ المتَّسِعُ في الجبلِ {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي قوَّيْناها على قولِ الحقِّ. {لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً} أي قوْلاً ذا شَططٍ أي إفراطاً في الكفرِ إن دعَوْنا إلهاً غيرَ اللهِ.

  #4  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 06:22 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التوضيحات الأثرية للشيخ: فخر الدين بن الزبير المحسِّي


دعوةُ الرُّسُلِ إلى توحيدِ العِبادةِ.
قولُه: ( ورأسُ الإسلامِ مُطْلقًا شَهادةُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وبها بُعِثَ جميعُ الرُّسُلِ، كما قالَ تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } وقالَ تعالى:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ } وقالَ عن الخليلِ: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

وقالَ تعالى عنه: { أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ } وقالَ تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ * إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ، وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَه } وقالَ: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }.

وذَكَرَ عن رسُلِه- كنوحٍ وهُودٍ وصالِحٍ وغيرِهم - أنهم قالوا لقومِهم { اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } وقالَ عن أهلِ الكَهْفِ: { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا } إلى قولِه:{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا} وقد قالَ سبحانَه: { إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } ذَكَرَ ذلك في مَوضعينِ من كتابِه )

التوضيحُ

بَعَثَ اللهُ جميعَ رُسُلِه إلى تحقيقِ كلمةِ الشهادةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لتوحيدِ الألوهيَّةِ-أي:إفرادِ اللهِ تعالى بالعِبادةِ-فهنا نَذْكُرُ أدِلَّةَ ذلك،ثم توضيحٌ مُخْتَصَرٌ لكلمةِ التوحيدِ:
أوَّلاً: الأدلَّةُ:-
قولُه تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ }.
وقولُه: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَ أَنَا فَاعْبُدُونِ}.
وقولُه: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ.. }.
وقولُه: { قَالَ أَفَرَءَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ}.
وقولُه: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ}.
وقولُه: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}.
وقالَ عن نوحٍ وهُودٍ وصالحٍ وغيرِهم: { اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.
وقالَ عن أصحابِ الكهْفِ: { وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَا مِن دُونِهِ إِلَهًا }.
وقولُه: { إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} في مُوْضِعَيْنِ من سورةِ النِّساءِ.
ثانيًا: شَرْحُ كلمةِ " لا إلهَ إلا اللهُ ":
سَبَقَ الكلامُ عن شروطِها، ونَذْكُرُ الآنَ بعضَ الفوائدِ:
1) (لا ) نافيةٌ للجِنْسِ.2)(إله ) اسمُ" لا "،ومعناه معبودٌ 3) خبرُها مقَدَّرٌ اخْتُلِفَ في تقديرِه على أقوالٍ منها:

أ) قيلَ الخبَرُ تقديرُه( موجودٌ ).
ب) وقيلَ التقديرُ (خالِقٌ).
ج)وقالَ بعضُهم (لا إلهَ معبودٌ).
د)وقالَ بعضُهم لا يُقَدَّرُ شيءٌ؛لأنه أَصْرَحُ في النفيِ والتوحيدِ.
هـ)أمَّا أهْلُ السُّنَّةِ فقالوا: المعنى:لا إلهَ بحقٍّ إلا اللهُ؛لقولِه تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ}

مُنَاقَشَةُ الأقوالِ الأُخرى:
مَن قالَ: التقديرُ( موجودٌ ) فقولُه باطلٌ؛ لأنَّ الآلِهَةَ الموجودةَ كثيرةٌ،فيَجِبُ تقديرُ ما يُمَيِّزُ الإلهَ الحقَّ.
ومَن قَدَّرَ (الخالِقَ ) فقد وَحَّدَ في الربوبيَّةِ فقط،وليس هذا هو المقصودَ من الكلمةِ، وهذا عندَ المُتَكَلِّمينَ،وسيأتي تفصيلُه.
ومَن قَدَّرَ (المعبودَ ) فقولُه باطِلٌ من وَجهينِ:
1- أنَّ المعبوداتِ كثيرةٌ. 2- أنَّ الإلهَ بمعنى المعبودِ فيُصْبِحُ الكلامُ: لا معبودَ معبودٌ.

ومَن قالَ: لا يُقَدَّرُ شيءٌ، وهم بعضُ الْمُعْتَزِلَةِ فقد خَالَفَ ضرورةَ اللغةِ.
فهذه الكلمةُ تَتَضَمَّنُ إثباتَ العِبادةِ للهِ ونَفْيَها عما سواه، وجميعُ ما سَبَقَ من الأدلَّةِ هي معنى هذه الكلمةِ وقولُه: { اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} أي:اعْبُدُوا اللهَ دونَ ما سواه مِن المعبوداتِ فإنَّ الطاغوتَ من الطُّغْيَانِ،وهو كل ما يُتَجاوَزُ فيه الْحَدُّ، وكذلك قولُه تعالى على لِسانِ الرُّسُلِ{ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } إثباتُ العِبادةِ للهِ ونفيُها عمَّن سواه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأمر, رأس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:55 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir