دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الفتوى الحموية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27 محرم 1430هـ/23-01-2009م, 08:02 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل فهو جامع بين التعطيل والتمثيل

وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ فَرِيقَيِ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ فَهُوَ جَامِعٌ بَيْنَ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ؛ أَمَّا المُعَطِّلُونَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصَفَاتِهِ إِلا مَا هُوَ اللائِقُ بِالْمَخْلُوقِ، ثُمَّ شَرَعُوا فِي نَفْيِ تِلْكَ المَفْهُومَاتِ، فَقَدْ جَمَعُوا بَيْنَ َالتَّعْطِيلِ والتَّمْثِيلِ، مَثَّلُوا أَوَّلاً، وَعَطَّلُوا آخِرًا، وَهَذَا تَشْبِيهٌ وَتَمْثِيلٌ مِنْهُمْ لِلْمَفْهُومِ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بِالْمَفْهُومِ مِنْ أَسْمَاءِ خَلْقِهِ وَصِفَاتِهِمْ، وَتَعْطِيلٌ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ اللاَّئِقَةِ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى(1).
فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ القَائِلُ: لَوْ كَانَ اللَّهُ فَوْقَ العَرْشِ لَلَزِمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَكْبَرَ مِنَ العَرْشِ، أَوْ أَصْغَرَ أَوْ مُسَاوِيًا، وَكُلُّ ذَلِكَ من المُحَالٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الكَلامِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مِنْ كَوْنِ اللَّهِ عَلَى العَرْشِ إِلاَّ مَا يَثْبُتُ لأَيِّ جِسْمٍ كَانَ عَلَى أَيِّ جِسْمٍ كَانَ، وَهَذَا اللازِمُ تَابِعٌ لِهَذَا المَفْهُومِ.
أما اسْتِوَاءٌ يَلِيقُ بِجَلالِ اللَّهِ وَيَخْتَصُّ بِهِ، فَلا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنَ اللَّوَزِمِ البَاطِلَةِ الَّتِي يَجِبُ نَفْيُهَا، كما يلزم من سائر الأجسام.
وَصَارَ هَذَا مِثْلَ قَوْلِ المُمَثِّلِ: إِذَا كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعٌ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا، أَوْ عَرَضًا، وَكِلاهُمَا مُحَالٌ: إِذْ لاَ يُعْقَلُ مَوْجُودٌ إِلاَّ هَذَانِ.
وقَوْلِهِ: إِذَا كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى العَرْشِ فَهُوَ مُمَاثِلٌ لاسْتِوَاءِ الإِنْسَانِ عَلَى السَّرِيرِ أَو الفَلَكِ؛ إِذْ لاَ يُعْلَمُ الاسْتِوَاءُ إِلا هَكَذَا، فَإِنَّ كِليهُمَا مَثَّلَ وَكِليهُمَا عَطَّلَ حَقِيقَةَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ، وَامْتَازَ الأَوَّلُ بِتَعْطِيلِ كُلِّ اسم للاسْتِوَاءِ الْحَقِيقِيِّ، وَامْتَازَ الثَّانِي بِإِثْبَاتِ اسْتِوَاءٍ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ المَخْلُوقِينَ.
وَالْقَوْلُ الفَاصِلُ: هُوَ مَا عَلَيْهِ الأُمَّةُ الوَسَطُ: مِنْ أَنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ اسْتِوَاءً يَلِيقُ بِجَلالِهِ وَيَخْتَصُّ بِهِ، فَكَمَا أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُثْبَتَ لِلْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ خَصَائِصُ الأَعْرَاضِ الَّتِي لعِلْمِ المَخْلُوقِينَ وَقُدْرَتِهِمْ، فَكَذَلِكَ هُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ العَرْشِ وَلا يُثْبُتُ لِفَوْقِيَّتِهِ خَصَائِصُ فَوْقِيَّةِ المَخْلُوقِ عَلَى المَخْلُوقِ وَلوازمُهَا(2).


  #2  
قديم 27 محرم 1430هـ/23-01-2009م, 08:04 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

(1) والمعنى: أنَّهم أُتُوا مِن فَهْمِهِمُ الرَّدِيءِ؛ فإنَّهم ما فَهِمُوا مِن النصوصِ إلا التشبيهَ لأسماءِ اللَّهِ وصفاتِه بالخَلْقِ، فلهذا عَطَّلُوا ونَفَوُا الصفاتِ، فلم يَفْهَمُوا مِن اسمِه السميعِ والبَصيرِ والعليمِ والحكيمِ والقديرِ، ومِن وَصْفِه بالوجهِ واليَدِ ونحوِ ذلك إلاَّ مُشَابَهَةَ المخلوقينَ، فأُتُوا مِن هذا السبيلِ، وأُتُوا مِن فَهْمِهِم الباطِلِ، ثُمَّ فَرُّوا مِن هذا التشبيهِ بزَعْمِهم، ووَقَعُوا في تشبيهٍ أقبحَ، وفي تمثيلٍ أقبحَ، حتَّى شَبَّهُوا اللَّهَ بالمَعْدُومَاتِ والجَمَادَاتِ والناقصاتِ، فصارَ تَشْبِيهُهم هذا الأخيرُ أشدَّ مِن التشبيهِ الذي فَرُّوا مِنه، ولهذا صَارُوا في غايةٍ مِن البُطْلاَنِ. وهكذا سنَّةُ اللَّهِ في أهلِ الباطلِ، ما فَرُّوا مِن شيءٍ إلا وَقَعُوا في أبطلَ مِنه وأشَرَّ مِنه. نَسْأَلُ اللَّهَ العافِيَةَ.
(2) وهذا هو الواجبُ، ولهذا دَرَجَ أهلُ السُّنَّةِ على ذلك، فأَثْبَتُوا للهِ العُلُوَّ والاستواءَ فوقَ العرشِ على الوجهِ اللائقِ به، مِن دونِ أنْ يُشَابِهَ خَلْقَه في اسْتِوَائِهم على سُطُوحِهِم أو على فُلْكِهِم، أو نحوِ ذلك، فهكذا وَصْفُه بأنَّه سميعٌ، وبأنَّه بصيرٌ، وبأنَّه عليمٌ، وبأنَّه قديرٌ، لا يَلْزَمُ مِنه مشابهةُ المخلوقينَ؛ فإنَّ عِلْمَ المخلوقينَ يَعْتَرِيه الجَهْلُ، والنِّسْيَانُ، وقُدْرَتَهم يَعْتَرِيها الضعفُ والعَجْزُ، وسَمْعَهُم يَعْتَرِيه الصَّمَمُ، وأبصارَهم يَعْتَرِيها العَمَى والضعْفُ، أما سمعُ اللَّهِ وبَصَرُه فهو كاملٌ، لا يَعْتَرِيه نَقْصٌ سبحانه وتعالى، وهكذا عِلْمُه؛ = فإنَّه مُلازمٌ لذاتِه، فهو عالمٌ بكُلِّ شيءٍ دائِماً، ولا يَعْتَرِي هذا العلمَ نِسْيَانٌ؛ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} ولا يَعْتَرِيه جَهْلٌ سبحانه، فهو العالمُ بكلِّ شيءٍ.
وهكذا قُدْرَتُه كاملةٌ لا يَعْتَرِيها شيءٌ مِن النقصِ، بخلافِ المخلوقينَ؛ فإنَّهم مَحَلُّ نقصٍ أوَّلاً وآخِراً.


  #3  
قديم 20 صفر 1434هـ/2-01-2013م, 11:33 AM
سليم سيدهوم سليم سيدهوم غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: ليون، فرنسا
المشاركات: 1,087
افتراضي شرح الفتوى الحموية الكبرى للشيخ يوسف الغفيص


[وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل: فهو جامع بين التعطيل والتمثيل].

هذه قاعدة عند المصنف: أن كل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل جامع بين التعطيل والتمثيل؛ وذلك لأن نفاة الصفات الذين هم المعطلة سواء كانوا نفاة للصفات نفياً محضاً كالجهمية وأئمة المعتزلة أو نفوا ما هو من الصفات كالصفات الفعلية عند الأشاعرة، يقال: إنهم لم ينفوا هذا النوع من الصفات بتقريرهم هم إلا لأنهم ظنوا -بل أوجبوا- أن إثباتها يستلزم التشبيه، أي: امتنع عندهم ثبوت هذه الصفات إلا مشابهةً للمخلوقين، فهم شبهوا أولاً وعطلوا آخراً، وإلا لو فقهوا أن هذه الصفات اتصف الرب سبحانه وتعالى بها، وببداهة العقول يعلم امتناع أن يكون الباري سبحانه وتعالى مشابهاً لشيء من المحدثات، فإن من عرف الله حق معرفته، وعرف أنه ليس كمثله شيء، وأنه لا يحاط به علماً عرف أن هذه الصفات لا يمكن لأحد أن يدرك كيفيتها.
ويمكن أن توضح هذه القاعدة عند المصنف بتقرير آخر، وهي أن يقال: إن المخالفين ظنوا أن العلم بالصفة من جهة معناها يستلزم العلم بها من جهة كيفيتها، أي: أنهم رأوا أن بين العلمين تلازماً في هذا الباب، وهذا التلازم الذي ظنوه هو محل الوهم عندهم، وإلا لو حققوا الفرق بين العلم بالمعنى والعلم بالكيفية -كما عليه السلف رحمهم الله- لما تحصل لهم هذا الإشكال.
إذاً: دعوى أن هذا الإثبات تشبيه يدل على أن الكيفية معلومة، فمن قال: إن إثبات الصفة يدل على التشبيه أو يستلزم التشبيه، قيل: هذا الحكم فرع عن إمكان العلم بالكيفية، والعلم بالكيفية علم ممتنع، فلا بد من التفريق بين العلم بالمعنى والعلم بالكيفية، ولهذا ترى أن مالكاً رحمه الله صار قوله قاعدةً في هذا لما قال: الاستواء معلوم فهذا علم بالمعنى، قال: والكيف مجهول هذا نفي للعلم بالكيفية، فهذا التفريق هو الذي التزمه أئمة السلف وهو مما يظهر حذقهم العقلي والشرعي في هذا التقرير، أما أنه حذق شرعي فلأن الله أخبرنا بهذه الصفات ولم يخبرنا بكيفيتها، وكيفيته سبحانه وتعالى لا يحاط بها ولا يعلمها أحد من الخلق لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.
فإن قال قائل: وهل أخبرنا الله بمعانيها؟

الجواب
نعم؛ لأنه لو لم يكن ذكرها في القرآن مضافةً إلى الله يقصد به المعاني المعروفة من جهة الإشراك العام لما كان لهذا الخطاب في القرآن معنى؛ ومما يدل على هذا أن كل صفة جاءت في القرآن إنما جاءت في سياق يناسبها، فإذا ذكر الله من كفر به وقتل الأنبياء قال: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الفتح:6] وإذا ذكر توبة المؤمنين قال: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:117] فيذكر سبحانه من أسمائه وصفاته ما يناسب المقام؛ مما يدل على أن هذه الصفات على معانيها الظاهرة في القرآن، وإذا قيل: على معانيها الظاهرة فلا يعنى بذلك المعاني التي تضاف إلى المخلوقين، فإن هذه المعاني تليق بالمخلوق.
إذاً هذه القاعدة قاعدة شريفة: أن المعطل مثّل أولاً، أي: لم يفهم من الصفات إلا اللائق بالمخلوق فذهب ينفيه.
أما الممثل فهو معطل؛ لأنه لما مثل صفات الخالق بصفات المخلوق عطلها عن معناها اللائق بها.
[أما المعطلون فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات؛ فقد جمعوا بين التعطيل والتمثيل، مثلوا أولاً وعطلوا آخراً، وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم، وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة بالله سبحانه وتعالى].
فلهذا وجدت نزعة التشبيه عند المعتزلة في باب الصفات من جهة أنهم لم يفهموا من الصفات إلا التشبيه، ولهذا كان من قواعد المعتزلة الكلامية: أن الأجسام متماثلة، وأن كل من اتصف بصفة فإنه يكون جسماً والأجسام متماثلة.
وهذه قاعدة ليس لها اعتبار، والإشكال أنهم لم يعتبروا الأشياء إلا بما عرفوه في قانونهم الأرضي، ومن المعلوم أن هذا القانون الذي يشاهدونه ليس لازماً في عالم الممكنات، ومن باب أولى ألا يكون لازماً بين الخالق والمخلوق، كما ذكر شيخ الإسلام في التدمرية المثلين لما قال: نعيم الجنة ونعيم الدنيا، فقد اشتركت في الأسماء ولم يلزم من ذلك الاشتراك في الحقائق أو الماهيات في نفس الأمر.
فهذا القانون الذي وعوه هو قانون انحداد ما يعرفونه من الممكنات، ومن هنا جاءوا اللوازم التي ادعوا أنها تلزم من إثبات الصفات، ومثال ذلك أنهم يقولون: إن الغضب غليان دم القلب -كما ذكر المصنف عن طائفة من الأشاعرة- فهذه اللوازم والتفسيرات للغضب أو لغيره من الصفات مبنية على مشاهدة المخلوقات، وهذا اللازم هو لازم لما يناسبه من المخلوقات، وإلا ليس هو قانوناً عقلياً.
فإنه إذا قيل: العقل يستلزم أن يكون الغضب غليان دم القلب إلخ، وهذا لا يليق بالله، قيل: اللازم ليس عقلياً، إنما لازم حسي مشاهد.
ولهذا لو أخذنا الجسم وقيل: إن هذا الجسم إذا أطلق يستقر، ولا يسقط إلى أسفل.
لقال قائل: إن هذا مخالف للعقل.
وهو -في حقيقته- ليس مخالفاً للعقل، لأن الضابط العقلي عند الناس الآن أن هذا الجسم إذا أطلق سقط إلى الأسفل، لكن هذا ليس لازماً عقلياً، إنما هو لازم حسي مشاهد، ولهذا إذا تجاوز هذا الجسم بعض المحيطات الأرضية التي يثبت فيها هذا النوع من الحركة ثم أطلق فإنه قد يصعد أو قد يذهب يميناً أو شمالاً أو قد يثبت في مكانه.
وهذه من القواعد التي عني بها شيخ الإسلام رحمه الله، وهو: أن العقل لا يعارض النقل، وأن الشبهات التي رأوها لوازم هي لوازم حسية، ومن هنا يقول: إن المعطلة ممثلة؛ لأن اللوازم التي يدعون أنها لوازم عقلية إنما هي لوازم مثالية حسية مشاهدة.
إذاً: فرق بين الضرورة العقلية والضرورة الحسية، فإن الضرورية الحسية لا قيمة لها؛ لأنها عبارة عن قانون داخل محيط الحس، وقد يكون هناك محيط حسي آخر لا يثبت فيه ما يراه الإنسان ضرورةً.
ومن الأمثلة التي توضح هذا أكثر: أنه لو أخذت إنساناً وغمرته في الماء؛ فإنه يموت، وسبب موته هو انقطاع النفس، لكن لو أخرجت سمكاً من الماء وتركته ساعة لمات، وسبب موته انقطاع النفس، فالإنسان داخل الماء ينقطع نفسه والسمك العكس.
وبهذا يتبين أن الإنسان قد يتصور بعض الاطرادات التي يظنها عقلية وهي -في حقيقتها- حسية.
وكفائدة عامة هنا: حتى الشبهات التي يذكرها الملاحدة تجاه دين الإسلام ككون الإنسان في قبره يعذب، فيقولون: كيف يعذب وهو مطمور بالطين والتراب إلخ؟ كيف يكون حياً يعذب إلخ؟ هذا كله راجع إلى قانون حسي شاهدوه، وهو أن الإنسان لابد أن يأكل ويشرب حتى لا يموت، لكن هذا ليس لازماً عقلياً؛ بل هو قانون حسي مشاهد، ولهذا الملائكة -كما يقول شيخ الإسلام رحمه الله -: صمط لا يأكلون ولا يشربون.
فهذا المعنى ينبغي لطالب العلم أن ينتبه له في الرد على أصناف المخالفين حتى الكفار، وهو: أن الضرورة العقلية ليست هي الضرورة الحسية، فإن الضرورة الحسية يمكن أن تتغير في محيط حسي آخر، فضلاً عن غير ذلك.
[فإنه إذا قال القائل: لو كان الله فوق العرش للزم إما أن يكون أكبر من العرش أو أصغر أو مساوياً، وكل ذلك من المحال، ونحو ذلك من الكلام، فإنه لم يفهم من كون الله على العرش إلا ما يثبت لأي جسم].
أي: إلا ما يعرفه مما يسميه ضرورة عقلية، وهو في نفس الأمر ضرورة حسية، فهو يقول: لو كان فوق العرش لكان مساوياً، أو لكان محتاجاً إلخ؛ لأنه يشاهد حال الإنسان وهو على السرير أو الدابة أو السفينة أو غير ذلك، فهو يعتبر الشواهد الحسية ويريد أن يمثل صفات الله بها، هذا هو معنى قول شيخ الإسلام أن المعطل ممثل.
[كان على أي جسم كان.
وهذا اللازم تابع لهذا المفهوم].

وهذا اللازم -أي: هذا اللازم الحسي- الذي زعم المخالفون أنه لازم عقلي، هو لازم حسي وليس لازماً عقلياً.
[أما استواء يليق بجلال الله تعالى ويختص به؛ فلا يلزمه شيء من اللوازم الباطلة التي يجب نفيها كما يلزم من سائر الأجسام، وصار هذا مثل قول الممثل: إذا كان للعالم صانع.
فإما أن يكون جوهراً أو عرضاً وكلاهما محال، إذ لا يعقل موجود إلا هذان.
أو قوله: إذا كان مستوياً على العرش فهو مماثل لاستواء الإنسان على السرير أو الفلك، إذ لا يعلم الاستواء إلا هكذا، فإن كليهما مثَّل، وكليهما عطل حقيقة ما وصف الله به نفسه، وامتاز الأول بتعطيل كل اسم للاستواء الحقيقي، وامتاز الثاني بإثبات استواء هو من خصائص المخلوقين].

وهذه فائدة، وهي: أن ما صح من اللوازم التي يزعمون أنها لوازم فهو لازم حسي، وهذا معنى قول شيخ الإسلام رحمه الله: إن كل معطل ممثل؛ لأنه استدعى لوازم حسية مثالية جسمانية محدثة، وأوجب أن تكون مطردة في الصفات التي أثبتها.
[والقول الفاصل: هو ما عليه الأمة الوسط: من أن الله مستو على عرشه استواء يليق بجلاله، ويختص به، فكما أنه موصوف بأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه سميع بصير، ونحو ذلك].
يستعمل المصنف رحمه الله هذه الصفات لأن الرسالة موجهة -في الغالب- لمتأخري الأشاعرة؛ لأن متأخري الأشاعرة يقرون بهذه الصفات: العلم والقدرة والسمع والبصر.
فيقول لهم: كما أنكم أقررتم بهذه الصفات ولم يلزم من الإقرار بها أن تكون كصفات المخلوق فكذلك القول في الاستواء وبقية الصفات.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
واحد, كم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir