دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 05:39 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي حكم الأشياء قبل ورود الشرع

وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ، بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ إلَى وُرُودِهِ، وحكمت المعتزلة العقل، فَإِنْ لَمْ يَقْضِ فَثَالِثُهَا لَهُمْ الْوَقْفُ عَنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ

  #2  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 10:34 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي منع الموانع للقاضي: عبد الوهاب السبكي


السؤال الثالث: ما معنى قولكم: (بل الأمر موقوف إلى ورده) عقب: (ولا حكم قبل الشرع).
. . .
وأما قولنا: (بل الأمر موقوف إلى وروده) عقب قولنا: (ولا حكم قبل الشرع) فإنا نبهنا به على دقيقة، وهي أن شيخنا أبا الحسن – سقى الله عهده صوب الرحمة والرضوان – نفى الحكم قبل الشرع، وليس معنى ذلك نفي العلم به كما توهمه البيضاوي وغيره، بل نفيه نفسه.
وأعني بنفيه نفسه: نفي وقوعه علماً، وجعله موقوفاً إلى البعثة.
ووقع في عبارات كثير من أئمتنا اختيار الوقف في هذه المسألة، وتوهم متوهمون أنه غير القول بنفي الأحكام وليس كذلك، بل مرادهم بالوقف أن الأمر موقوف على ورود السمع، وأن الحكم منتف ما لم يرد فهم يعنون بالوقف غير ما تعنيه المعتزلة من عدم الدراية ونحوها. وهذا قد قررناه في (شرح المختصر) فلا حاجة إلى الإعادة هنا، وحظ هذا المكان أن نقول: أردنا بقولنا: (بل الأمر موقوف إلى وروده) مع قولنا: ولا حكم قبل الشرع) أن القول بالوقف لا ينافي القول بانتفاء الأحكام رأساً، لأن معناه إرجاء الأمر وتأخيره إلى البعث وهذا من محاسن هذا الكتاب التي لا تجدها في غيره.

  #3  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 10:35 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(وَلَا حُكْمَ) مَوْجُودٌ (قَبْلَ الشَّرْعِ) أَيْ الْبَعْثَةِ لِأَحَدٍ مِنْ الرُّسُلِ لِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ حِينَئِذٍ مِنْ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذَّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} أَيْ وَلَا مُثِيبِينَ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الثَّوَابِ بِذِكْرِ مُقَابِلِهِ مِنْ الْعَذَابِ الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ فِي تَحْقِيقِ مَعْنَى التَّكْلِيفِ وَانْتِفَاءِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْخِطَابُ السَّابِقُ بِانْتِفَاءِ قَيْدٍ مِنْهُ وَهُوَ التَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ (بَلْ الْأَمْرُ) أَيْ الشَّأْنُ فِي وُجُودِ الْحُكْمِ (مَوْقُوفٌ إلَى وُرُودِهِ) أَيْ الشَّرْعِ أَشَارَ بِهَذَا كَمَا قَالَ إلَى أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ مِنَّا فِي الْأَفْعَالِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِالْوَقْفِ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِمَنْ نَفَى مِنَّا الْحُكْمَ فِيهَا وَبَلْ هُنَا لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ إلَى آخَرَ وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى الْأَوَّلِ إذْ تَوَقُّفُ الْحُكْمِ عَلَى الشَّرْعِ مُشْتَمِلٌ عَلَى انْتِفَائِهِ قَبْلَهُ وَوُجُودُهُ بَعْدَهُ. وَحَكَّمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الْعَقْلَ) فِي الْأَفْعَالِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَمَا قَضَى بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ضَرُورِيٌّ كَالتَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ أَوْ اخْتِيَارِيٌّ لِخُصُوصِهِ بِأَنْ أَدْرَكَ فِيهِ مَصْلَحَةً أَوْ مَفْسَدَةً أَوْ انْتِفَاءَهُمَا فَأَمْرُ قَضَائِهِ فِيهِ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ الضَّرُورِيَّ مَقْطُوعٌ بِإِبَاحَتِهِ. وَالِاخْتِيَارِيُّ لِخُصُوصِهِ يَنْقَسِمُ إلَى الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ إنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَفْسَدَةٍ فِعْلُهُ فَحَرَامٌ كَالظُّلْمِ أَوْ تَرْكُهُ فَوَاجِبٌ كَالْعَدْلِ أَوْ عَلَى مَصْلَحَةٍ فِعْلُهُ فَمَنْدُوبٌ كَالْإِحْسَانِ أَوْ تَرْكُهُ فَمَكْرُوهٌ وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَصْلَحَةٍ أَوْ مَفْسَدَةٍ فَمُبَاحٌ. (فَإِنْ لَمْ يَقْضِ) الْعَقْلُ فِي بَعْضٍ مِنْهَا لِخُصُوصِهِ بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ كَأَكْلِ الْفَاكِهَةِ فَاخْتُلِفَ فِي قَضَائِهِ فِيهِ لِعُمُومِ دَلِيلِهِ عَلَى أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (فَثَالِثُهَا لَهُمْ الْوَقْفُ عَنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ) أَيْ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مَحْظُورٌ أَوْ مُبَاحٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ; لِأَنَّهُ إمَّا مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَمَحْظُورٌ أَوْ لَا فَمُبَاحٌ وَهُمَا الْقَوْلَانِ الْمَطْوِيَّانِ دَلِيلُ الْحَظْرِ أَنَّ الْفِعْلَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ اللَّهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذْ الْعَالَمُ أَعْيَانُهُ وَمَنَافِعُهُ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَدَلِيلُ الْإِبَاحَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْعَبْدَ وَمَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَلَوْ لَمْ يُبِحْ لَهُ كَانَ خَلْقُهُمَا عَبَثًا أَيْ خَالِيًا عَنْ الْحِكْمَةِ وَوَجْهُ الْوَقْفِ عَنْهُمَا تَعَارُضُ دَلِيلَيْهِمَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَهُمْ أَيْ لِلْمُعْتَزِلَةِ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ مِنْ أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ فُقَهَائِنَا أَيْ كَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْحَظْرِ وَبَعْضِهِمْ بِالْإِبَاحَةِ فِي الْأَفْعَالِ قَبْلَ الشَّرْعِ إنَّمَا هُوَ لِغَفْلَتِهِمْ عَنْ تَشَعُّبِ ذَلِكَ عَنْ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ مَا ابْتَغَوْا مَقَاصِدَهُمْ وَأَنَّ قَوْلَ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا أَيْ كَالْأَشْعَرِيِّ فِيهَا بِالْوَقْفِ مُرَادُهُ بِهِ نَفْيُ الْحُكْمِ فِيهَا أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ.


  #4  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 10:36 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


ص: (ولا حُكْمَ قبلَ الشرعِ،بل الأمرُ موقوفٌ إلى وُرُودِهِ).
ش: الفرعُ الثاني في حكمِ الأشياءِ قبلَ الشرعِ، وقد ذَهَبَ أَئِمَّتُنا إلى أنَّه لا حُكْمَ فيها؛ فإنَّ الحكمَ عندَهم عبارةٌ عن الخِطابِ؛ كما تَقَدَّمَ، والأحكامُ هي نَفْسُ الشريعةِ، فلا تَثْبُتُ الشريعةُ قبلَ ثُبُوتِها، ثمَّ ظاهرُ كلامِ المصنِّفِ انتفاءُ الحُكْمِ نفسِه؛ أي: أنَّ الحكمَ مُنْتَفٍ ما لم تَرِدِ البَعْثَةُ،وهو ما قالَه النَّوَوِيُّ في (شرحِ المُهَذَّبِ): إِنَّه الصحيحُ عندَ أَصْحَابِنا. وقيلَ: المرادُ عَدَمُ العِلْمِ بالحُكْمِ؛ أي: أنَّ لهما حُكْماً قبلَ وُرُودِ الشرعِ، لكِنَّا لا نَعْلَمُهُ، قالَ البيضاويُّ: وهذا مرادُ الشيخِ بالوقفِ في هذه المسألةِ؛ لأنَّ الحكمَ عندَه قديمٌ، فتفسيرُ الوقفِ بعدمِ الحكمِ يَلْزَمُ منه حدوثُ الحكمِ، وهو خلافُ مَذْهَبِهِ. والصوابُ ما جَرَى عليه المصنِّفُ؛ فإنَّه المنقولُ.
وقد قالَ القاضي أبو بَكْرٍ في (مُخْتَصَرِ التقريبِ): صارَ أهلُ الحقِّ إلى أنَّه لا حُكْمَ قبلَ وُرُودِ الشرعِ. وعَبَّرُوا عن نَفْيِ الأحكامِ بالوقفِ، ولم يُرِيدُوا بذلكَ الوقفِ الذي يكونُ حُكْماً في بعضِ مسائلِ الشرعِ، وإنَّما عَنَوْا به انتفاءَ الأحكامِ، وذَكَرَ مِثْلَه الإمامُ في (البُرْهَانِ) والغزاليُّ وابنُ السمعانِيِّ وغيرُهم من الأصحابِ، وإنما قالَ المصنِّفُ: بل الأمرُ موقوفٌ إلى وُرُودِهِ؛ دَفْعاً لِتَوَهُّمِ مَن ظَنَّ أنَّ القولَ بالوقفِ غيرُ القولِ بنفيِ الأحكامِ، وليسَ كذلك،بل مُرَادُهم بالوقفِ أنَّ الأمرَ موقوفٌ على وُرُودِ الشرعِ، وأنَّ الحكمَ مُنْتَفٍ ما لم يَرِدِ الشرعُ.
ص: (وحَكَّمَتِ المُعْتَزِلَةُ العقلَ، فإنْ لم يَقْضِ فثَالِثُها لهم: الوقفُ عن الحَظْرِ والإِبَاحَةِ).
ش: هذا من المصنِّفِ تحريرٌ لنقلِ مذهبِ الاعتزالِ؛ فإنَّ الإمامَ الرَّازِيَّ عَمَّمَ الخلافَ عنهم في جميعِ الأفعالِ، وليسَ كذلك، بل الأفعالُ الاختياريَّةُ عندَهم تَنْقَسِمُ إلى ما يَقْضِي العقلُ فيها بِحُسْنٍ أو قُبْحٍ، فيُتَّبَعُ فيها حُكْمُ العقلِ، وتَنْقَسِمُ إلى الأحكامِ الخمسةِ بِحَسَبِ تَرَجُّحِ الحُسْنِ أو القُبْحِ وتَعَادُلِهِما، ولا خِلافَ عندَهم في هذا، وإليه أشارَ بقولِهِ: (وحَكَّمَتِ المُعْتَزِلَةُ العقلَأي: فيما يَقْضِي فيه العقلُ، ودَلَّ عليه قولُه بعدَه: (فإنْ لم يَقْضِ)، وإنَّما الخلافُ فيما لا يَقْضِي العقلُ فيه بِحُسْنٍ ولا قُبْحٍ؛كفُضُولِ الحاجاتِ والتنَعُّمَاتِ هل هو واجبٌ أو مُبَاحٌ أو الوَقْفُ؟ ثلاثةُ مذاهبَ، والقائلون بالحَظْرِ - كما قالَه ابنُ التِّلِمْسَانِيِّ - لا يُرِيدُونَ به باعتبارِ صفةٍ في المَحَلِّ، بل حَظْرٌ احتياطيٌّ، كما يَجِبُ اجتنابُ المنكوحةِ إذا اخْتَلَطَتْ بأجنبيَّةٍ، والقائلونَ بالوقفِ أرادوا وقفَ حِيرَةٍ. وطريقُ البحثِ معَهم في هذه المسألةِ والتي قبلَها: أنَّ كلَّ احتمالٍ عَيَّنُوه، وبَنَوْا عليه حُكْماً قابَلْنَاهُم بِنَقِيضِهِ، فنُعَارِضُ شُبَهَ القائلينَ بالإباحةِ بِشُبَهِ القائلينَ بالحَظْرِ،وشُبَهَ الواقفينَ بِشُبَهِهِمَا.
تنبيهاتٌ:
الأوَّلُ: تحريرُ النقلِ عنهم هكذا تَابَعَ فيه الآمِدِيَّ، قالَ القَرافِيُّ: وإطلاقُ الإمامِ الخلافَ عنهم يُنَافِي قواعدَهم؛ فإنَّ القولَ بالحَظْرِ مُطْلَقاً يَقْتَضِي تحريمَ إنقاذِ الغَرِيقِ ونحوِهِ، والقولُ بالإباحةِ مُطْلَقاً يَقْتَضِي إباحةَ القتلِ والفسادِ، أمَّا ما لم يَطَّلِعِ العقلُ على مَفْسَدَتِه أو مَصْلَحَتِهِ فيُمْكِنُ أنْ يَجِيءَ فيه الخلافُ.
قالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ كلامَ أبي الحُسَيْنِ في (المُعْتَمَدِ) وقد حَكَى عن شِيعَةِ المُعْتَزِلَةِ الخلافَ مُطْلَقاً من غيرِ تَقْيِيدٍ، وهو أعلمُ بِمَذْهَبِ القومِ، فرَجَعْتُ إلى طريقةِ الإمامِ.
الثاني: قولُه: (وحَكَّمَتِ المعتزلةُ العقلَ) يَقْتَضِي أنَّ مَذْهَبَهم أنَّ العقلَ مُنْشِئُ الحكمِ مُطْلَقاً، وليسَ كذلك، بل التحقيقُ في النقلِ عنهم أنَّهم قالُوا: الشرعُ مُؤَكِّدٌ لحكمِ العقلِ فيما أَدْرَكَهُ مِن حُسْنِ الأشياءِ وقُبْحِها؛كحُسْنِ الصدقِ النافعِ والإيمانِ، وقبحِ الكَذِبِ الضارِّ والكُفرانِ،وليسَ مُرَادُهُم أنَّ العقلَ يُوجِبُ أو يُحَرِّمُ، وقد لا يَسْتَقِلُّ بذلك، بل يُحْكَمُ به بواسطةِ وُرُودِ الشرعِ بالحُسْنِ والقُبْحِ؛ كحُكْمِهِ بِحُسْنِ الصلاةِ في وقتِ الظهرِ وقُبْحِها في وقتِ الاستواءِ.
الثالِثُ: يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلى استشكالِ قولِ المصنِّفِ (لهم)؛ فإنَّ الخِلافَ أيضاًً يُحْكَى عن جماعةٍ مِن أصحابِنا؛ كابنِ أبي هُرَيْرَةَ وغيرِهِ، والذي فَعَلَه المصنِّفُ هو الصوابُ؛ لأنَّ الخلافَ المَحْكِيَّ عن أصحابِنا في ذلك إنما هو لِمُقْتَضَى الدليلِ الشرعيِّ الدالِّ على ذلكَ بعدَ مَجِيءِ الشرعِ، لا بِمُجَرَّدِ العقلِ، وليسَ خِلافُهم في أصلِ التحسينِ والتقبيحِ بالعقلِ، وصارَ الفرقُ بينَهم وبينَ أصحابِنا في هذا الخلافِ مِن ثلاثةِ أوجهٍ:
أَحَدُها: أنَّهم خَصُّوا هذه الأقوالَ بما لا يَقْضِي العقلُ فيه بِحُسْنٍ ولا قُبْحٍ، وأمَّا ما يَقْضِي فيَنْقَسِمُ إلى الأحكامِ الخمسةِ؛ ولهذا نَسَبَهُم أصحابُنا إلى التناقُضِ في قولِ مَن رَجَّحَ الإباحةَ أو الحَظْرَ؛ لأنَّ ذلك عندَهم يَسْتَنِدُ إلى دليلِ العقلِ، وفَرْضُ المسألةِ فيما لم يَظْهَرْ للعقلِ حُسْنُهُ ولا قُبْحُهُ، وأمَّا أصحابُنا فأقوَالُهُم في جميعِ الأفعالِ، هذا على طريقةِ الآمِدِيِّ ومَن تَابَعَهُ.
والثاني: أنَّ مُعْتَمَدَهُم دليلُ العقلِ، ومُعْتَمَدُ أصحابِنا الدليلُ الشرعيُّ؛ إمَّا على التحريمِ؛ لقولِهِ تعالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ}. ومفهومُه أنَّ المتقدِّمَ قبلَ الحِلِّ هو التحريمُ، فدَلَّ على أنَّ حُكْمَ الأشياءِ كلِّها على الحَظْرِ، وإمَّا على الإباحةِ؛ لِقَوْلِهِ تعالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}، وقولِهِ تعالَى: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}؛ وذلك يَدُلُّ على الإذنِ في الجميعِ، وأمَّا الوقفُ فلِتَعَارُضِ الأدِلَّةِ، فهذه المَدَارِكُ الشرعيَّةُ الدالَّةُ على الحالِ قبلَ وُرُودِ الشرائِعِ، فلو لم تَرِدْ هذه النصوصُ لقالَ الأصحابُ: لا عِلْمَ لنا بتحريمٍ ولا إباحةٍ، ولقالَتِ المُعْتَزِلَةُ: المُدْرِكُ عِنْدَنا العَقْلُ، فلا يَضُرُّ عدمُ ورودِ الشرائِعِ.
والثالثُ: أنَّ الوَاقِفِينَ أَرَادُوا وَقْفَ حِيرَةٍ؛كما قَالَه ابنُ التِّلِمْسَانِيِّ، وأمَّا أَصْحَابُنا فأَرَادُوا به انتفاءَ الحكمِ على ما سَبَقَ.


  #5  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 10:37 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: ولا حكم قبل الشرع بل الأمر موقوف إلى وروده وحكمت المعتزلة العقل فإن لم يقض فثالثها لهم الوقف عن الحظر والإباحة.
ش: مذهب أئمتنا أنه لا حكم قبل ورود الشرع، وظاهر كلام المصنف انتفاء الحكم نفسه، وهو الذي حكاه القاضي أبو بكر في (مختصر التقريب) عن أهل الحق، وقاله الإمام في (البرهان) والغزالي، وقال النووي: إنه الصحيح عن أصحابنا.
وقيل: المراد عدم العلم بالحكم أي: إن لها حكماً قبل ورود الشرع، لكنا لا نعلمه، وقال البيضاوي، إنه مراد الأشعري بالوقف في هذه المسألة، لأن الحكم عنده قديم، فتفسير الوقف بعدم الحكم يلزم منه حدوث الحكم، وهو خلاف مذهبه، وقول المصنف: (بل الأمر موقوف إلى وروده) دفع به توهم ما قاله البيضاوي، وبين أن مرادهم بالوقف أن الأمر موقوف إلى ورود الشرع، وأن الحكم منتف قبل وروده، وذهبت المعتزلة إلى أن ما قضى فيه العقل بحسن أو قبح، اتبع فيه حكمه، وانقسم إلى الأحكام الخمسة، فما قضى بحسنه إن لم يرجح فعله على تركه، فهو المباح، وإن ترجح فإن ألحق الذم على تركه فهو الواجب، وإلا فهو المندوب، وما قضى بقبحه إن قضي بالذم على فعله فالحرام، وإلا فالمكروه، وإن لم يقض فيه بشيء ففيه ثلاثة مذاهب: أحدها: الحظر، والثاني: الإباحة، والثالث: الوقف.
قال ابن التلمساني: والقائلون بالحظر لا يريدون أنه باعتبار صفة في المحل، بل حظر احتياطي، كما يجب اجتناب المنكوحة إذا اختلطت بأجنبية، والقائلون بالوقف أرادوا وقف حيرة، هكذا حرر الآمدي وابن الحاجب موضع الخلاف، وأطلقه في (المحصول) وقال القرافي: إطلاقه الخلاف ينافي قواعدهم، إذ الحظر يقتضي تحريم إنقاذ الغريق، والإباحة تقتضي إباحة القتل، أما ما لم يطلع العقل على مفسدته أو مصلحته فيمكن أن يجيء فيه الخلاف، ثم رأيت كلام أبي الحسين، في (المعتمد) حكى عنهم الخلاف من غير تقييد، وهو أعلم بمذهبهم فرجعت إلى طريقة الإمام.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأشياء, حكم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir