دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > القضاء

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 06:47 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي [ حكم القاضي لا يبيح محرماً ]

عن أمِّ سلمةَ رَضِيَ اللهُ عنهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فقالَ: ((أَلاَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَإِنَّمَا يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِن بَعْضٍ، فَأَحْسَبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ، فَمَن قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قَطْعَةٌ مِن النَّارِ فَلْيَحْمِلْهَا، أَو يَذَرْهَا)) .

  #2  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 12:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الْحَدِيثُ السَّابِعُ والستُّونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ أمِّ سلمةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فقالَ: ((أَلَا إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنَّمَا يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسَبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قطْعَةٌ مِن النَّارِ فَلْيَحْمِلْهَا، أَو يَذَرْهَا)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ، لا يَطَّلِعُ من الغَيْبِ إلَّا ما أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ.
الثَّانِيَةُ: أنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ في أمورِ الأحكامِ ما يَجُوزُ على غيرِهِ؛ لأنَّهُ يَحْكُمُ بالظاهرِ من البَيِّنَةِ واليَمِينِ ونحوِ ذلكَ، والسرائرُ إلى اللَّهِ تَعَالَى.
الثَّالِثَةُ: فِيهِ تَسْلِيَةٌ للحكامِ، فإنْ كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدْ يَظُنُّ غَيْرَ الصَّوَابِ لِقُوَّةِ حُجَّةِ الخصْمِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى.
الرَّابِعَةُ: أنَّ حُكْمَ الحاكمِ في الظاهرِ لا في الباطنِ، فلا يُحِلُّ حَرَامًا، فإذا حَكَمَ لهُ الحاكِمُ بما ليسَ لهُ فلا يَحِلُّ لهُ بالحُكْمِ.
الْخَامِسَةُ: الوعيدُ الشديدُ على مَنْ أَخَذَ أموالَ الناسِ بالدَّعَاوَى الباطلةِ.

  #3  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 12:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الحديثُ التاسعُ والستونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
369- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فقَالَ: ((أَلَا إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَإِنَّمَا يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فأَحْسِبَ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِيَ لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قَطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيَحْمِلْهَا، أَوْ يَذَرْهَا)) .(197)
________________
(197) الغريبُ :
جَلَبَةٌ : بفتحِ الجيمِ وَاللامِ وَالباءِ الموحَّدةِ، هِيَ اختلاطُ الأصواتِ .
لِيَذَرْها : لِيَتْرُكْهَا، و[أو] ليست للتخييرِ، بلْ للتهديدِ وَالوعيدِ .
المعنى الإجماليُّ :
سمعَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصواتَ خُصُومٍ مختلِطَةً؛ لِمَا بينهم من المنازعةِ وَالمشاجرةِ عِنْدَ بابِهِ، فخرجَ إليهم؛ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ فقال :
((إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَلَا أُخْبِرُ بِبَوَاطِنِ الْأُمُورِ؛ لِأَعْلَمَ الصَّادِقَ مِنْكُمْ مِنَ الْكَاذِبِ، وَإِنَّمَا يَأْتِيني الْخَصْمُ لِأَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، وَحُكْمِي مَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَسْمَعُهُ مِنْ حُجَجِ الطَّرَفَيْنِ وَبَيِّنَاتِهِمْ وأيْمانِهِمْ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ يَكُونُ أَبْلَغَ وَأَفْصَحَ وأبْيَنَ مِنْ بَعْضٍ فَأَحْسِبَ أنَّهُ صَادِقٌ مُحِقٌّ، فَأَقْضِيَ لَهُ)) .
معَ أنَّ الحقَّ - فِي الباطنِ - بجانبِ خصمِهِ، فاعْلَمُوا أنَّ حُكْمِي فِي ظَوَاهِرِ الأمورِ لا بواطنِها، فلنْ يُحِلَّ حرامًا؛ وَلِذَا فإنَّ مَنْ قَضَيْتُ لهُ بحقِّ غيرِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أنَّهُ مُبْطِلٌ، فإنَّما أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، فَلْيَحْمِلْها إنْ شاءَ، أَوْ لِيَتْرُكْهَا . فَعِقَابُ ذَلِكَ رَاجِعٌ عَلَيْهِ، وَاللهُ بِالْمِرْصَادِ لِلظَّالِمِينَ )) .
مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ :
1- فيه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَعْلَمُ الغيْبَ وَالأمورَ الباطنةَ إلَّا بتعليمِ اللهِ له، ونبَّهَ عَلَى ذلكَ بقولِهِ :[إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ].
فلا يجوزُ أن يُرفعَ فوقَ قدرهِ الرفيعِ، الذي جعلَهُ اللهُ لهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
2- أنَّهُ يجوزُ عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أمورِ الأحكامِ، ما يجوزُ عَلَى غيرِهِ . فإنَّهُ إنَّما يَحْكُمُ بينَ الناسِ بالظاهرِ، وَاللهُ يتولَّى السرائرَ، فَهُوَ يَحْكُمُ بالبيِّنَةِ وَاليمينِ ونحوِ ذلكَ من أحكامِ الظاهِرِ، مَعَ إمكانِ كونِهِ فِي الباطنِ خلافَ ذلكَ …
3- إنَّما كُلِّفَ بالحُكْمِ بالظاهرِ، مَعَ إمكانِ إطْلَاعِ اللهِ إيَّاهُ عَلَى الباطنِ، فيَحكُمُ بيقينِ نفسِهِ من غيرِ حُجَّةٍ أَوْ يمينٍ؛ ليكونَ قدوةً وتشريعًا لِأُمَّتِهِ .
4- فيه تسليةٌ وعزاءٌ للحُكَّامِ .
فإنَّهُ إذا كَانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ يظنُّ غيرَ الصوابِ لقُوَّةِ حُجَّةِ الخصمِ فَيَحْكُمُ لهُ، فإنَّ غيرَهُ من بابِ أَوْلَى وَأَحْرَى .
5- اتَّفَقَ الأصوليُّونَ عَلَى أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُقَرُّ عَلَى خطأٍ فِي الأحكامِ . فكيفَ التوفيقُ بين هَذَا الإجماعِ وهَذَا الحديثِ ؟
قال النوويُّ : وَالجوابُ : أنَّهُ لا تَعَارُضَ؛ لأنَّ مرادَ الأصوليِّينَ فيما حَكَمَ فيه باجتهادِهِ .
وأَمَّا الذي فِي الحديثِ، فمعناهُ إذا حَكَمَ بغيرِ اجتهادٍ كالبيِّنَةِ، فهَذَا إذا وقعَ منهُ ما يخالفُ ظاهرُهُ باطنَهُ لا يُسَمَّى الحُكْمُ خطأً، بل الحكمُ صحيحٌ بناءً عَلَى ما استقرَّ بهِ التكليفُ، وَهُوَ وجوبُ العملِ بالشاهدَيْنِ مثلًا، فإن كانا شاهدَيْ زُورٍ أَوْ نحوَ ذلكَ، فالتقصيرُ منهما، بخلافِ ما إذا أخطأَ فِي الاجتهادِ، فإنَّ هَذَا الذي حكمَ بهِ ليسَ هُوَ حُكمَ الشرعِ .
6- إنَّ حُكمَ الحاكمِ لا يحيلُ ما فِي الباطنِ، ولا يُحِلُّ حرامًا، وهوَ مذهبُ جماهيرِ علماءِ المسلمينَ، وفقهاءِ الأمصارِ، ومنهم الأئمَّةُ الثلاثةُ: مالكٌ، وَالشافعيُّ، وأحمدُ .
فإذا حكمَ لهُ الحاكمُ بالزوجةِ التي يَعْلَمُ أَنَّهَا ليستْ لهُ زوجةً، فلا تحلُّ لهُ، أَوْ بالمالِ الذي يَعلمُ أنَّهُ مبطِلٌ فِي دعواهُ، فلا يَحلُّ لهُ، ونحوُ ذلكَ .
7- التقييدُ بـ(( المُسْلِمِ)) خرجَ مخرجَ الغالبِ، وإلَّا فمثلُهُ الذِّمِّيُّ والمعاهدُ .
8- قولُهُ : [فليحملْها أَوْ ليذرْها] فيه تهديدٌ شديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ عَلَى منْ أَخَذَ أموالَ الناسِ بالدعاوي الكاذبةِ وَالحِيَلِ المحرَّمَةِ، فهَذَا التعبيرُ شبيهٌ بقولِهِ تعالى : (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ) .
9- قَالَ شيخُ الإسلامِ : الصحابةُ إذا تَكَلَّمُوا باجتهادِهم يُنَزِّهُونَ شَرْعَ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن خَطَئِهم وخطأِ غيرِهم كما قَالَ ابنُ مسعودٍ فِي المُفَوِّضَةِ : أقولُ فيهِا بِرَأْيِي، فإنْ يكنْ صوابًا فَمِنَ اللهِ، وإنْ يكنْ خَطَأً فَمِنِّي ومِنَ الشيطانِ، وَاللهُ ورسولُهُ بَرِيئَانِ منهُ وَكَذَلِكَ رُوِي عن الصِّدِّيقِ فِي الكَلَالَةِ، وكذلكَ عن عُمرَ .

  #4  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 12:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

375 - الحديثُ الثَّالثُ: عن أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ سمعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ ببابِ حجرتِهِ. فخرجَ إليهِمْ. فقالَ: ((أَلَا إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّمَا يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبَ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِيَ لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ، فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا".
فيهِ دليلٌ على إجراءِ الأحكامِ على الظَّاهرِ، وإعلامِ الناسِ بأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ في ذلكَ كغيرِهِ. وإنْ كانَ يَفْتَرِقُ معَ الغيرِ في اطِّلَاعِهِ على مَا يُطْلِعُهُ اللهُ عزَّ وجلَّ عليْهِ من الْغُيُوبِ الباطنةِ. وذلكَ في أمورٍ مخصوصةٍ، لا في الأحكامِ العامَّةِ. وعلى هذا يَدُلُّ قولُـهُ عليْهِ السَّلامُ: ((إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ)) وقد قَدَّمْنَا في أَوَّلِ الكتابِ: أنَّ الْحَصْرَ في "إِنَّمَا" يكونُ عامًّا، ويكونُ خاصًّا، وهذا من الخاصِّ، وهوَ فيمَا يَتَعَلَّقُ بالْحُكْمِ بالنِّسبةِ إلى الحُجَجِ الظَّاهرةِ.
وَيَسْتَدِلُّ بهذا الحديثِ مَن يَرَى أنَّ القضاءَ لا يَنْفَذُ في الظَّاهرِ والباطنِ معاً مُطْلَقًا، وأنَّ حُكْمَ القاضِي لا يُغَيِّرُ حُكْمًا شرعيًّا في الباطنِ.
واتَّفَقَ أصحابُ الشَّافعيِّ على أنَّ القاضِيَ الْحَنَفِيَّ إذا قضَى بِشُفْعَةِ الجارِ: للشَّافعِ أَخْذُهَا في الظَّاهرِ. واختلَفُوا في حِلِّ ذلكَ في الباطنِ لهُ على وجهيْنِ.
والحديثُ عامٌّ بالنِّسبةِ إلى سائرِ الحقوقِ. والَّذي يتَّفقُونَ عليهِ -أعنِي أصحابَ الشَّافعيِّ- أنَّ الْحُجَجَ إذا كانَتْ باطلةً في نفس ِالأمرِ، بحَيْثُ لو اطَّلَعَ عليهَا القاضِي لم يَجُزْ له الْحُكْمُ بهَا: أنَّ ذلكَ لا يُؤَثِّرُ. وإنَّما وَقَعَ الترَدُّدُ في الأمورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ إذا خالفَ اعتقادُ القاضِي اعتقادَ المحكومِ له، كما قُلْنَا في شُفْعَةِ الجارِ.

  #5  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 12:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

..........................

  #6  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 07:01 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
عن أم سلمة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته , فخرج إليهم فقال: ((ألا إنما أنا بشر ، وإنما يأتيني الخصم , فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له ، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار , فليحملها أو يذرها)) .
الشيخ: يتعلق حديث أم سلمة بقضاء القاضي بحسب ما ظهر له . في هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم ، أي خصوم ببابه سمعهم يختصمون ، وكانت خصومتهم في مواريث بينهم قد اندرثت ، واشتبه عليهم حق هذا بهذا ، فاختلفوا وكل منهم يدعي أنه أولى وأن الحق له , ترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقبل أن يحكم بينهم ، أو أن يسمع كلامهم ، وعظهم بهذه الموعظة:

أولا: أخبرهم بأنه بشر , والله تعالى قد وصفه بذلك , قال تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي} , البشر: نوع الإنسان , أي أنا إنسان مثلكم , لست ملكا ولست خلقا آخر , قال الله تعالى عنه: {قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا} , اختص بالوحي , بأن ينزل عليه الوحي من الله تعالى ، وأما علم الغيب فلا يعمله كما قال الله عنه: {قل إني لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} , أخبر بأنه بشر , والبشر لا يعلم إلا ما أطلعه الله عليه , البشر لا يعلم الغيب , يأتي عليه ما يأتي على البشر ، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم سها مرة في صلاته ، ولما انصرف قال: ((إنما أنا بشر مثلكم , أنسى كما تنسون , فإذا نسيت فذكروني)) .

ثانيا: أخبرهم بأنه يحكم بما قد يسمع ، وأن بعضهم قد يكون أقوى حجة ، وأبلغ من الآخر ، وهذا شيء مشاهد أن الخصمين قد يكون أحدهما قوي البيان , قوي اللسان , كثير الكلام , كلامه يفصل الأشياء ، ويبين ما لم يكن بيانا واضحا ، ويظهر الأمور ؛ فحتى يوهم من يسمعه أن الحق باطل ، وأن الباطل حق , ويسحر مَن سمعه ويخلبه , ولعل هذا ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إن من البيان لسحرا)) يعني أن بعض البيان ..بعض الناس الذي أعطاه الله لَسَنا وقوة بيان قد يظهر الحق في صورة باطل ، والباطل في صوة حق , فيتوهم من يسمعه أن الحق معه ، وأنه صادق , فهذا معنى قوله: ((إن بعضكم قد يكون ألحن بحجته من بعض)) يعني أقوى وأقدر على إظهار حجته ، بينما الآخر عييا كضعيف اللسان لا يقدر على بيان حجته , وقد يكون الصواب معه فينقلب الحق عليه ، وينقلب الباطل حقا ، والحق باطلا , فيتوهم القاضي أن هذا هو الصادق ، وأن هذا ليس بصادق .
ولأجل ذلك على القاضي أن يتأنى ، وألا يأخذ الكلام على عواهنه ، وألا يصدق من يقول بمجرد القول , بمجرد الكلمة ، بل عليه التأني والتثبت إلى أن يتضح له الحق ، ويظهر له جليا . وبعد الأذان نكمل الكلام على الحديثين .
وكأنه صلى الله عليه وسلم ينبه القضاة على ألا يعجلوا في البت في القضية ؛ حتى يسمعوا كل ما له صلة بهذه القضية ، وألا يصدقوا من كان بليغا في المقال ، ومن كان كثير الكلام حتى يتبين صدقه وأحقية ما قال , ويأخذ أيضا ما لدى الطرف الثاني ويتثبت في ذلك , فيعرف بعد ذلك القاضي كيف يقضي .
وقد ذكرنا أن عليا رضي الله عنه كان من أقضى الصحابة , حتى روي عليه أنه قال: ((وأقضاكم علي)) . وأنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذاسمعت كلام الخصم فلا تقضي له حتى تسمع كلام الثاني ؛ فإنك ستعرف كيف تقضي)) . قال علي: فما زلت قاضيا .
في هذا الحديث أنه أخبر بأنه صلى الله عليه وسلم يحكم بما يظهر له ، وأن بعض الخصمين قد يكون كاذبا , يعلم كذب نفسه , يعلم أنه طلب ما ليس له بحق ، وأنه اعتدى على حق غيره , إما أنه جحد حقا عليه لخصمه ، وإما أنه عرف تعديه ، تعديه على ملك غيره ،وأخذه مما لا يستحقه , أخذه من ملك لا حق له فيه , أو نحو ذلك ، فلا شك أنه إذا عرف ذلك ، ثم تقدم إلى القاضي ، وأراد أن يأخذ بقدر ما يدعيه , فإنه ظالم , سواء أتى بشهود زور كذبوا في شهادتهم ، أو حلف يمينا فاجرة , يعرف فجوره فيها أو أكثر من القول , ومن التظلم ، ومن إظهار الصدق ، وأنه صادق , ومن إظهار أن الصواب معه حتى توهم من يسمعه بأنه مظلوم ، وبأنه صادق في قوله , فحكم له الحاكم بمجرد قوله , وهو في الحقيقة ظالم وليس بمظلوم ، وهو يعلم من نفسه ذلك , لا يحل له ما أخذ , يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فمن قطعت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار , فليأخذها أو ليدعها)) .

هكذا وعظ هذين الخصمين , أخبر بأن.. أنت أيها الخصم الذي تعرف ظلمك ، وتعرف عدوانك , إذا كنت عارفا بأن هذا لا يحل لك , إذا كنت تعرف بأنك معتد في حجتك , معتد في قضيتك ، وبأن أخاك وخصمك مظلوم معتدى عليه , معتدى على حقه , فكيف مع ذلك تقدم على هذا , إن هذا الذي أخذته ولو استمتعت به في الدنيا ، فإنه سيكون وبالا عليك ، وستعذب به عذابا وبيلا .
وقد ثبت أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((من اقتطع مال أخيه بيمين هو فيها كاذب لقي الله وهو عليه غضبان)) قيل: يا رسول الله ، وإن كان شيئا يسيرا . قال: ((وإن كان قضيبا من أراك)) . يعني عود سواك قدر ما يقبضه القابض , ما قيمة هذا العود السواك؟! إذا حلف أنه له وهو ليس لهلقي الله وهو عليه غضبان , الله تعالى إذا غضب على عبده فلا يقوم لغضبه شيء .

وبعد ذلك نعرف أن هذا واجب القضاة أن ينصحوا الخصوم ، وأنه واجب على الخصوم , أن الخصم عليه ألا يقدم على خصومة ، وهو يعلم أنه لا حق له ، لا حق له في هذه الدعوة التي يدعيها على مال أخيه ، بل هو معتد , هو ظالم , هو خاطىء في تقدمه بهذه الدعوة . وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم الاعتداء على الحق , حتى قال: ((من اغتصب شبرا من الأرض طوقه من سبع أراضين)) . شبرا من الأرض إذا أخذه بغير حقه جُعل طوقا في عنقه يوم القيامة , ماذا يفعل ؟ هل يستطيع أن يحمله من سبع أراضين ؟! في بعض الروايات:((خسف به إلى سبع أراضين)) . ذلك على وجه التخويف من الاغتصاب , إذا كان هذا في اغتصاب الأرض .

كذلك أيضا فاغتصاب الأموال الأخرى يأتي بها يحملها , ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى ظهره بعير له رغاء - يعني قد أخذه بغير حق - يقول: يا محمد يا محمد , فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك: لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى رقبته بقرة لها خوار ، لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى رقبته شاة لها يعار- يعني ثغاء -لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى رقبته رقاع تخفق)) . يعني من رقاع الأكسية ونحوها , قد أخذها بغير حق . وهكذا بقية الأموال , إنما مثل بها أنه يأتي بها يوم القيامة .

فالقاضي عليه أن يذكر الخصوم ، وأن يبين لهم قبل أن يحكم بأنك أيها الظالم تعرف ظلمك ، وتعرف اعتداءك ، وتعلم أنه لاحق لك في هذا , ولكن حملك عليه الجشع , حملك عليه التعدي , فلا حق لك فيه فترفق , ارفق بنفسك ؛ فإن هذا الذي تأخذه تأتي به يوم القيامة ، كذلك أيضا تعذب به , يكون قطعة من نار ، ولو حكم به القاضي , فحكم القاضي إنما هو على الظاهر ؛ لأنه لا يعلم بواطن الأمور , فلا يصيره الحكم حلالا , قال الله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام} أي: ترفعوها إلى الحكام ، ثم تستدلوا بحكم الحاكم بأنه حلال , حكم الحاكم لا يغيرها ، ولا يجعل الحرام حلالا ، بل هو حرام عليك , ولو حكم به عشرون قاضيا , هو لا يزال حراما , حق أخيك المسلم الذي أخذته عدوانا وظلما لا يصيره حكم الحاكم حلالا .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
القاضي, حكم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:19 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir