دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 06:32 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي المخصص المنفصل

القِسْمُ الثَّانِي: المُنْفَصِلُ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالحِسِّ وَالعَقْلُ خِلَافًا لِشُذُوذٍ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ تَسْمِيَتَهُ تَخْصِيصًا وَهُوَ لَفْظِيٌّ، وَالأَصَحُّ جَوَازُ تَخْصِيصِ الكِتَابِ بِهِ وَالسُّنَّةُ بِهَا وَبِالكِتَابِ وَالكِتَابُ بِالمُتَوَاتِرَةِ، وَكَذَا بِخَبَرِ الوَاحِدِ عِنْدَ الجُمْهُورِ، وَثَالِثُهَا إنْ خُصَّ بِقَاطِعٍ وَعِنْدِي عَكْسُهُ، وَقَالَ الكَرْخِيُّ بِمُنْفَصِلٍ، وَتَوَقَّفَ القَاضِي وَبِالقِيَاسِ خِلَافًا للإِمَامِ مُطْلَقًا وَللجُبَّائِيِّ إنْ كَانَ خَفِيًّا وَلِابْنِ أَبَانَ إنْ لَمْ يُخَصَّ مُطْلَقًا، وَلِقَوْمٍ إنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ مُخَصَّصًا مِنْ العُمُومِ، وَللكَرْخِيِّ إنْ لَمْ يُخَصَّ بِمُنْفَصِلٍ، وَتَوَقَّفَ إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَبِالفَحْوَى، وَكَذَا دَلِيلُ الخِطَابِ فِي الأَرْجَحِ بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ وَتَقْرِيرِهِ فِي الأَصَحِّ، وَالأَصَحُّ أَنَّ عَطْفَ العَامِّ عَلَى الخَاصِّ، وَرُجُوعَ الضَّمِيرِ إلى البَعْضِ وَمَذْهَبَ الرَّاوِي وَلَوْ صَحَابِيًّا وَذِكْرَ بَعْضِ أَفْرَادِ العَامِّ لَا يُخَصِّصُ، وَأَنَّ العَادَةَ بِتَرْكِ بَعْضِ المَأْمُورِ تُخَصِّصُ إنْ أَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ الإِجْمَاعُ، وَأَنَّ العَامَّ لَا يُقْصَرُ عَلَى المُعْتَادِ، وَلَا عَلَى مَا وَرَاءَهُ بَلْ تُطْرَحُ لَهُ العَادَةُ السَّابِقَةُ وَأَنَّ نَحْوَ قَضَى بِالشُّفْعَةِ للجَارِ لَا يَعُمُّ وِفَاقًا للأَكْثَرِ.

  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 07:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ الْمُخَصَّصِ (الْمُنْفَصِلُ) أَيْ مَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ لَفْظٍ أَوْ غَيْرِهِ وَبَدَأَ بِالْغَيْرِ لِقِلَّتِهِ فَقَالَ (يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْحِسِّ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ عَلَى عَادٍ {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} أَيْ تُهْلِكُهُ فَإِنَّا نُدْرِكُ بِالْحِسِّ أَيْ الْمُشَاهَدَةِ مَا لَا تَدْمِيرَ فِيهِ كَالسَّمَاءِ (وَالْعَقْلُ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فَإِنَّا نُدْرِكُ بِالْعَقْلِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ - تَعَالَى - لَيْسَ خَالِقًا لِنَفْسِهِ (خِلَافًا لِشُذُوذٍ) مِنْ النَّاسِ فِي مَنْعِهِمْ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ قَائِلِينَ إنَّ مَا نَفَى الْعَقْلُ حُكْمَ الْعَامِّ عَنْهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَامُّ ; لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ (وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (تَسْمِيَتَهُ تَخْصِيصًا) نَظَرًا إلَى أَنَّ مَا تَخَصَّصَ بِالْعَقْلِ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ بِالْحُكْمِ (وَهُوَ) أَيْ الْخِلَافُ (لَفْظِيٌّ) أَيْ عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ، وَالتَّسْمِيَةُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى الْعَقْلِ فِيمَا نَفَى عَنْهُ حُكْمَ الْعَامِّ وَهَلْ يُسَمَّى نَفْيُهُ لِذَلِكَ تَخْصِيصًا فَعِنْدَنَا نَعَمْ، وَعِنْدَهُمْ لَا وَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي التَّخْصِيصِ بِالْحِسِّ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِهِ) أَيْ بِالْكِتَابِ وَقِيلَ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} فَوَّضَ الْبَيَانَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّخْصِيصُ بَيَانٌ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِقَوْلِهِ لَنَا الْوُقُوعُ كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} الشَّامِلُ لِأُولَاتِ الْأَحْمَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} فَإِنْ قَالَ الْمَانِعُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّخْصِيصُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ قُلْنَا: الْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَبَيَانُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْدُقُ بِالْبَيَانِ بِمَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْك الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (وَالسُّنَّةُ بِهَا) أَيْ بِالسُّنَّةِ وَقِيلَ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} فَقَصَرَ بَيَانَهُ عَلَى الْقُرْآنِ لَنَا الْوُقُوعُ كَتَخْصِيصِ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ {فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ} بِحَدِيثِهِمَا {لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ}
(وَ) السُّنَّةُ (بِالْكِتَابِ) وَقِيلَ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} جَعَلَهُ مُبَيِّنًا لِلْقُرْآنِ فَلَا يَكُونُ الْقُرْآنُ مُبَيِّنًا لِلسُّنَّةِ قُلْنَا: لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُمَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى}، وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ قَوْله تَعَالَى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْك الْقُرْآنَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} وَإِنْ خَصَّ مِنْ عُمُومِهِ مَا خَصَّ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ (وَالْكِتَابُ بِالْمُتَوَاتِرَةِ) وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الْفِعْلِيَّةِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْآتِي إنَّ فِعْلَ الرَّسُولِ لَا يُخَصِّصُ. (وَكَذَا) يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ (بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ) مُطْلَقًا، وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَتَرَكَ الْقَطْعِيَّ بِالظَّنِّيِّ، قُلْنَا: مَحَلُّ التَّخْصِيصِ دَلَالَةُ الْعَامِّ، وَهِيَ ظَنِّيَّةٌ، وَالْعَمَلُ بِالظَّنَّيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا (وَثَالِثُهَا) قَالَ ابْنُ أَبَانَ يَجُوزُ (إنْ خُصَّ بِقَاطِعٍ) كَالْعَقْلِ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُخَصَّ، أَوْ خُصَّ بِظَنِّيٍّ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا خُصَّ بِاللَّفْظِ حَقِيقَةٌ، قَالَ الْمُصَنِّفُ (: وَعِنْدِي عَكْسُهُ) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ حَيْثُ فُرِّقَ بَيْنَ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ: يَجُوزُ إنْ خُصَّ بِظَنِّيٍّ ; لِأَنَّ الْمُخَرَّجَ بِالْقَطْعِيِّ لَمَّا لَمْ تَصِحَّ إرَادَتُهُ كَانَ الْعَامُّ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ فَيُلْحَقُ بِمَا لَمْ يُخَصَّ (وَقَالَ الْكَرْخِيُّ) يَجُوزُ إنْ خُصَّ (بِمُنْفَصِلٍ) قَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُخَصَّ أَوْ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ فَالْعُمُومُ فِي الْمُتَّصِلِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَخْصُوصَ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ حَقِيقَةٌ (وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ عَنْ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ لَنَا الْوُقُوعُ كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} إلَخْ الشَّامِلِ لِلْوَلَدِ الْكَافِرِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ {لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ} وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي تَخْصِيصِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيِّ ثُمَّ الْبَيْضَاوِيِّ زِيَادَةً عَلَى إمَامِهِ. (وَ) يَجُوزُ التَّخْصِيصُ لِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ (بِالْقِيَاسِ) الْمُسْتَنِدِ إلَى نَصٍّ خَاصٍّ وَلَوْ كَانَ خَبَرَ وَاحِدٍ (خِلَافًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيُّ فِي مَنْعِهِ ذَلِكَ (مُطْلَقًا) بَعْدَ أَنْ جَوَّزَهُ حَذَرًا مِنْ تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى النَّصِّ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ (وَلِلْجُبَّائِيِّ) أَبِي عَلِيٍّ فِي مَنْعِهِ ذَلِكَ (إنْ كَانَ) الْقِيَاسُ (خَفِيًّا) لِضَعْفِهِ بِخِلَافِ الْجَلِيِّ وَسَيَأْتِيَانِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْجُبَّائِيُّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَقَدْ مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحَيْهِ (وَلِابْنِ أَبَانَ إنْ لَمْ يُخَصَّ مُطْلَقًا) بِخِلَافِ مَا خُصَّ فَيَجُوزُ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ حِينَئِذٍ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْجَوَازَ هُنَا، وَقَيَّدَهُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ بِالْقَاطِعِ كَمَا تَقَدَّمَ ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَهُ أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يَكُنْ رَاوِيهِ فَقِيهًا (وَ) خِلَافًا (لِقَوْمٍ) فِي مَنْعِهِمْ (إنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ) أَيْ أَصْلُ الْقِيَاسِ وَهُوَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ (مُخَصَّصًا) بِفَتْحِ الصَّادِ (مِنْ الْعُمُومِ) أَيْ مُخْرَجًا مِنْهُ (بِنَصٍّ) بِأَنْ لَمْ يُخَصَّ أَوْ خُصَّ مِنْهُ غَيْرُ أَصْلِ الْقِيَاسِ بِخِلَافِ أَصْلِهِ فَكَأَنَّ التَّخْصِيصَ بِنَصِّهِ (وَلِلْكَرْخِيِّ) فِي مَنْعِهِ (إنْ لَمْ يُخَصَّ بِمُنْفَصِلٍ) بِأَنْ لَمْ يُخَصَّ أَوْ خُصَّ بِمُتَّصِلِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ لِضَعْفِ دَلَالَةِ الْعَامِّ حِينَئِذٍ (وَتَوَقَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) عَنْ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ لَنَا أَنَّ إعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا، وَقَدْ خُصَّ مِنْ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} الْأَمَةُ فَعَلَيْهَا نِصْفُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ} وَالْعَبْدُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَةِ النِّصْفُ أَيْضًا.(وَ) يَجُوزُ التَّخْصِيصُ (بِالْفَحْوَى) أَيْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَإِنْ قُلْنَا: الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ قِيَاسِيَّةٌ بِأَنْ يُقَالَ: مَنْ أَسَاءَ إلَيْك فَعَاقِبْهُ، ثُمَّ يُقَالَ: إنْ أَسَاءَ لَك زَيْدٌ فَلَا تَقُلْ لَهُ أُفٍّ (وَكَذَا دَلِيلُ الْخِطَابِ) أَيْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ (فِي الْأَرْجَحِ) وَقِيلَ لَا ; لِأَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ بِالْمَنْطُوقِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُقَدَّمَ عَلَيْهِ مَنْطُوقٌ خَاصٌّ لَا مَا هُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَالْمَفْهُومُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ إعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا وَقَدْ خَصَّ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ {الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ} بِمَفْهُومِ حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ {إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ}. (وَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ وَتَقْرِيرِهِ فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا، كَمَا لَوْ قَالَ: الْوِصَالُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ثُمَّ فَعَلَهُ أَوْ أَقَرَّ مَنْ فَعَلَهُ وَقِيلَ: لَا يُخَصِّصَانِ بَلْ يَنْسَخَانِ حُكْمَ الْعَامِّ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ تَسَاوِي النَّاسِ فِي الْحُكْمِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ أَوْلَى مِنْ النُّسَخِ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْمَال الدَّلِيلَيْنِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ عَطْفَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ) وَعَكْسَهُ الْمَشْهُورُ (لَا يُخَصِّصُ) الْعَامَّ وَقِيلَ يُخَصِّصُهُ أَيْ يَقْصُرُهُ عَلَى ذَلِكَ الْخَاصِّ لِوُجُوبِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ قُلْنَا فِي الصِّفَةِ مَمْنُوعٌ مِثَالُ الْعَكْسِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ {وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ} يَعْنِي كَافِرٌ حَرْبِيٌّ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى قَتْلِهِ بِغَيْرِ الْحَرْبِيِّ فَقَالَ الْحَنَفِيُّ: يُقَدَّرُ الْحَرْبِيُّ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ فِي صِفَةِ الْحُكْمِ فَلَا يُنَافِي مَا قَالَ بِهِ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، وَمِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ: لَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِكَافِرٍ وَلَا الْمُسْلِمُ بِكَافِرٍ فَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْأَوَّلِ الْحَرْبِيُّ فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الثَّانِي الْحَرْبِيُّ أَيْضًا لِوُجُوبِ الِاشْتِرَاكِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّمْثِيلُ بِالْحَدِيثِ لِمَسْأَلَةِ: إنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْعَامِّ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَى الْأَصَحِّ.
(وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ (رُجُوعَ الضَّمِيرِ أَوْ الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُهُ أَيْ يَقْصُرُهُ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ حَذَرًا مِنْ مُخَالَفَةِ الضَّمِيرِ لِمَرْجِعِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي الْمُخَالَفَةِ لِقَرِينَةٍ مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} فَضَمِيرُ بُعُولَتِهِنَّ لِلرَّجْعِيَّاتِ وَيَشْمَلُ قَوْلُهُ وَالْمُطَلَّقَاتُ مَعَهُنَّ الْبَوَائِنَ وَقِيلَ لَا وَيُؤْخَذُ حُكْمُ الْبَوَائِنِ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ (مَذْهَبَ الرَّاوِي) لِلْعَامِّ بِخِلَافِهِ لَا يُخَصِّصُهُ (وَلَوْ) كَانَ (صَحَابِيًّا) وَقِيلَ يُخَصِّصُهُ مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ كَانَ صَحَابِيًّا وَقِيلَ إنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ غَيْرُ الرَّاوِي لِلْعَامِّ بِخِلَافِهِ يُخَصِّصُهُ أَيْضًا أَيْ يَقْصُرُهُ عَلَى مَا عَدَا مَحَلَّ الْمُخَالَفَةِ ; لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصْدُرُ عَنْ دَلِيلٍ، قُلْنَا: فِي ظَنِّ الْمُخَالِفِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ اتِّبَاعُهُ ; لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا كَمَا سَيَأْتِي، مِثَالُهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ {مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ} مَعَ قَوْلِهِ: إنْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ مَنْ الشَّرْطِيَّةَ لَا تَتَنَاوَلُ الْمُؤَنَّثَ كَمَا هُوَ قَوْلٌ تَقَدَّمَ.(وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ (ذِكْرَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ) بِحُكْمِ الْعَامِّ (لَا يُخَصِّصُ) الْعَامَّ، وَقِيلَ: يُخَصِّصُهُ أَيْ يَقْصُرُهُ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ بِمَفْهُومِهِ ; إذْ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إلَّا ذَلِكَ قُلْنَا مَفْهُومُ اللَّقَبِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْبَعْضِ نَفْيُ احْتِمَالِ تَخْصِيصِهِ مِنْ الْعَامِّ مِثَالُهُ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ {أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ} مَعَ حَدِيثِ مُسْلِمٍ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةٍ مَيْتَةٍ فَقَالَ: هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ فَقَالُوا: إنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ: إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا}. وَرَوَى مُسْلِمٌ الْأَوَّلَ بِلَفْظِ {: إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ} وَالْبُخَارِيُّ الثَّانِيَ بِلَفْظِ {هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا} إلَخْ وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْعَادَةَ بِتَرْكِ بَعْضِ الْمَأْمُورِ) بِهِ أَوْ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ (تُخَصِّصُ) الْعَامَّ أَيْ تَقْصُرُهُ عَلَى مَا عَدَا الْمَتْرُوكَ أَوْ الْمَفْعُولَ (إنْ أَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِأَنْ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ وَعَلِمَ بِهَا وَلَمْ يُنْكِرْهَا (أَوْ الْإِجْمَاعُ) بِأَنْ فَعَلَهَا النَّاسُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ عَلَيْهِمْ، وَالْمُخَصِّصُ فِي الْحَقِيقَةِ التَّقْرِيرُ أَوْ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ بِخِلَافِ مَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَانِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهَا ; لِأَنَّ فِعْلَ النَّاسِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الشَّرْعِ، وَهَذَا تَوَسُّطٌ لِلْإِمَامِ الرَّازِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ بَيْنَ إطْلَاقِ بَعْضِهِمْ التَّخْصِيصَ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا إجْمَاعٌ فِعْلِيٌّ، وَبَعْضِهِمْ عَدَمَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ فِعْلَ النَّاسِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْعَامَّ لَا يُقْصَرُ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَلَا عَلَى مَا وَرَاءَهُ) أَيْ وَرَاءَ الْمُعْتَادِ (بَلْ تُطْرَحُ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِّ فِي الثَّانِي (الْعَادَةُ السَّابِقَةُ) عَلَيْهِ فَيَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ فِي الْقِسْمَيْنِ، وَقِيلَ: يُقْصَرُ عَلَى مَا ذُكِرَ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ كَانَ عَادَتُهُمْ تَنَاوُلَ الْبُرِّ ثُمَّ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَقِيلَ: يُقْصَرُ الطَّعَامُ عَلَى الْبُرِّ الْمُعْتَادِ، وَالثَّانِي كَمَا لَوْ كَانَ عَادَتُهُمْ بَيْعَ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُتَفَاضِلًا ثُمَّ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَقِيلَ: يُقْصَرُ الطَّعَامُ عَلَى غَيْرِ الْبُرِّ الْمُعْتَادِ، وَالْأَصَحُّ لَا فِيهِمَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ نَحْوَ) قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ هُوَ لَفْظٌ لَا يُعْرَفُ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ {قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِوَارِ} وَهُوَ مُرْسَلٌ (لَا يَعُمُّ) كُلَّ جَارٍ وَنَحْوَهُ (وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ) وَقِيلَ: يَعُمُّ ذَلِكَ ; لِأَنَّ قَائِلَهُ عَدْلٌ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ وَالْمَعْنَى فَلَوْلَا ظُهُورُ عُمُومِ الْحُكْمِ مِمَّا صَدَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْتِ هُوَ فِي الْحِكَايَةِ لَهُ بِلَفْظٍ عَامٍّ كَالْجَارِ قُلْنَا: ظُهُورُ عُمُومِ الْحُكْمِ بِحَسَبِ ظَنِّهِ، وَلَا يَلْزَمُنَا اتِّبَاعُهُ فِي ذَلِكَ، وَنَحْوُ قَضَى إلَخْ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ {إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَقِيلَ يَعُمُّ كُلَّ غَرَرٍ.

  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 07:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


(ص) القسم الثاني: المنفصل، يجوز التخصيص بالحس والعقل خلافا لشذوذ ومنع الشافعي تسميته تخصيصا وهو لفظي.
(ش) المنفصل: هو ما استقل بنفسه ولم يحتج في ثبوته إلى ذكر لفظ العام معه بخلاف المتصل وهو ثلاثة: الحس، والعقل والدليل السمعي فمثال التخصيص بالحس – والمراد به الواقع بالمشاهدة - قوله تعالى {وأوتيت من كل شيء} وإنما كان هذا تخصيصا بالحس، لأنها لم تؤت السماوات والأرض ولا ملك سليمان، ومثال التخصيص بدليل العقل ضروريا كان أو نظريا، فالأول كقوله تعالى:{خالق كل شيء} وإنما كان هذا تخصيصا بالعقل، لقيام الدليل الدال على خروج الذات والصفات العلية، والثاني كتخصيص {ولله على الناس حج البيت من استطاع} لغير الطفل والمجنون، لعدم فهمهما الخطاب وخالف بعض الناشئة – كما قال إمام الحرمين – في التخصيص بالعقل وهذا هو ظاهر كلام الشافعي رضي الله عنه، في (الرسالة) وحكاه جمع من أصحابنا خلافا محققا ورده المصنف إلى الخلاف في التسمية واختاره القرافي قال:لأن خروج هذه الأمور من هذا العموم لا ينازع فيه مسلم غير أنه لا يسمى بالتخصيص إلا ما كان باللفظ أما بقاء العموم على عمومه فلا يقوله أحد ويشهد له قول الأستاذ أبي منصور: أجمعوا على صحة دلالة العقل على خروج شيء عن حكم العموم، واختلفوا في تسميته تخصيصا وذهب جماعة إلى أن الخلاف معنوي، لأن العام المخصوص بدليل العقل – على قول من يجوز تخصيصه به ويجري فيه الخلاف السابق في أنه حقيقة فيه أو مجاز وعلى قول من لا يجوز تخصيصه به – فلا، بل هو عندهم حقيقة بلا خلاف كذا قاله الصفي الهندي: قلت: أو يكون عنده من باب العام المراد به الخصوص، لا من باب العام المخصوص فيجيء فيه الكلام السابق في كونه حقيقة أو مجازا وجعل أبو الخطاب – من الحنابلة – مأخذ الخلاف التحسين والتقبيح العقلي فإن صح ذلك كانت هذه فائدة ثانية.
وقوله: (خلافا لشذوذ) هو عائد إلى ما يليه، وهو: العقل فإن التخصيص بالحس لا نعلم فيه خلافا، نعم ينبغي أن يطرقه خلاف من المنكرين لإسناد العلم إلى الحواس،لأنها عرضة الآفات والتخيلات واعلم أن الإمام في أول (البرهان) حكى خلافا في تقديم العقل على الحس فقال: ومما خاضوا فيه تقديم ما يدرك بالحواس على ما يدرك بالعقل، وهو اختيار شيخنا أبي الحسن، وقدم القلانسي من أصحابنا: المعقولات بالأدلة النظرية على المحسوسات من حيث إن العقل مرجع المقولات ومحلها ومرجع المحسوسات إلى الحواس وهي عرضة الآفات. انتهى. وينبغي جريان مثل هذا الخلاف هنا، إذا تعارض اللفظ بين أن يكون مخصوصا بالعقل أو بالحس، أيهما يخصص به ولم يتعرضوا لذلك.
(ص) والأصح جواز تخصيص الكتاب به، والسنة بها وبالكتاب والكتاب بالمتواتر.
(ش) فيها أربع صور:
أحدها: يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب خلافا لبعض الظاهرية لنا:
وقوعه قال الله تعالى:{والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} وهذا عام في أولات الأحمال وغيرهن وقد خص {أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}
الثانية: يجوز تخصيص السنة المتواترة بها خلافا لداود وطائفة حيث قالوا: يتعارضان لا ينبي أحدهما على الآخر، حكاه الشيخ أبو حامد، وقال القرافي: وتصوير هذه المسألة في السنتين المتواترتين في زمننا عسير لفقد المتواتر، حتى قال بعض الفقهاء: ليس في السنة متواتر، إلا حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) قلت: إنما تواتر من أحد الطرفين، ولو مثل بحديث: ((من كذب علي متعمدا)). لكان أقرب، قال: وإنما تصور هذه المسألة في عصر الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، فإن الأحاديث كانت في زمنهم متواترة لقرب العهد بالمروي عنه، وشدة القيام بالرواية وشمل إطلاق المصنف تخصيص الآحاد منها بمثلها، ودليله الوقوع ما في حديث: ((لا زكاة فيما دون خمسة أوسق)). فتخصص بقوله: ((فيما سقت السماء العشر)).
الثالثة: يجوز تخصيص السنة متواترة كانت أو آحادا بالكتاب، خلافا لبعض أصحابنا، واختاره القفال الشاشي في كتابه فقال: متى وردت السنة عامة، وفي الكتاب ما يخرج بعض ذلك عن حكم السنة، وعلم أنه لا نسخ فيهما – فالسنة مرتبة على الكتاب وتكون الآية مبينة للسنة، على معنى أن الكتاب لما ورد بما ورد به منه وكانت السنة غير منسوخة تبين بذلك أن السنة إنما أطلق القول فيها مطابقا لما في الآية ومرتبا عليها، انتهى. وحاصله أنه يجعل السنة عاما أريد به الخصوص، لا عاما مخصوصا، ولا يرجع الخلاف إلى اللفظ.
الرابعة: يجوز تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة قال الآمدي: لا أعلم فيه خلافا وصرح الهندي فيه بالإجماع ومنهم من حكى خلافا في السنة الفعلية.
(ص) وكذا بخبر الواحد عند الجمهور، وثالثها: إن خص بقاطع وعندي عكسه، وقال الكرخي: بمنفصل، وتوقف القاضي.
(ش) فيه صورتان:
إحداهما: يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد إذ لا بد من إعمال الخاص، وإلا لزم إبطاله مطلقا، وحكاه ابن الحاجب عن الأئمة الأربعة لكن الحنفية ينكرونه.
الثاني: المنع مطلقا، ونقله ابن برهان عن طائفة من المتكلمين.
الثالث: قاله عيسى بن أبان: إنه لا يجوز في العام الذي لم يخصص، ويجوز فيما خصص لأن دلالته تضعف، وشرط أن يكون الذي خص به دليلا قطعيا.
الرابع: عكسه، يعني إن خص بقاطع لم يتطرق إليه التخصيص بالآحاد، وإلا فجائز أن يقدم على تخصيصه بالآحاد، وهذا الاحتمال من تفقه المصنف ولم يقل به أحد، ووجهه فيما لم يخص بقاطع أنه يخص بالآحاد لأن غالب العمومات مخصصة، حتى قيل: ما من عام يقبل التخصيص إلا وقد خص، وقيل: لا يعمل بالعام حتى يبحث عن الخاص فيما لم يظهر تخصيص العام يكتفى بالعموم لاعتضادها بالغالب والظاهر أن العام مخصوص فيقدم على تخصيصه) (بها وهذا الخلاف فيما إذا كان العام قد خص بقاطع فإن لم يبق غالب ولا ظاهر فكيف يقدم على تخصيصه) ثانيا بالظن؟ وبهذا فارق العام النسخ، فإن الخاص غالب على العام وليس النسخ غالبا على الأحكام، بل الغالب غير منسوخ.
والخامس: إن خص قبله بدليل منفصل جاز، وإن لم يخص أو كان بمتصل لم يجز، قاله الكرخي، وشبهته أن تخصيصه بمنفصل يصيره مجازا كما هو رأيه وإذا كان مجازا ضعف فيسلط عليه التخصيص.
والسادس: الوقف، قيل: بمعنى لا أدري، وقيل: بمعنى أنه يقع التعارض في ذلك القدر الذي دل العموم على إثباته والخصوص على نفيه، فتوقف عن العمل وهذا ظاهر كلام القاضي في (التقريب).
تنبيه: هذا الخلاف موضعه في خبر الواحد الذي لم يجمعوا على العمل به، فإن أجمعوا عليه كقوله (لا ميراث لقاتل). و (لا وصية لوارث) ونهيه عن الجمع بين المرأة وعمتها فيجوز تخصيص العموم به بلا خلاف، لأن هذه الأخبار بمنزلة المتواتر لانعقاد الإجماع على حكمها وإن لم ينعقد على روايتها، نبه عليه ابن السمعاني.
(ص) وبالقياس خلافا للإمام: مطلقا، والجبائي: إن كان خفيا (ولابن أبان: إن لم يخص مطلقا) ولقوم: إن لم يكن أصله مخصصا من العموم، وللكرخي: إن لم يخص بمنفصل، وتوقف أما الحرمين.
(ش) الثانية: في جواز تخصيص العموم من الكتاب والسنة بالقياس أي بقياس نص خاص كما قاله الغزالي فيه مذاهب: أحدها: الجواز مطلقا وبه قالت الأئمة الأربعة وغيرهم.
والثاني: المنع مطلقا، واختاره الإمام في المعالم لكنه في المحصول اختار الجواز واستدل لترجيحه فيكون له في المسألة رأيان فلا يصح الجزم عنه بأحدهما إلا إذا علم المتأخر.
والثالث: يجوز تخصيصها بالقياس الجلي دون الخفي، وهو رأي ابن سريج.
قال القفال: ولا معنى له إذا حقق، لأن العمل بها يلزمه، فمن جوز التخصيص بأحدهما جوز التخصيص بالآخر، ونقله المصنف عن الجبائي والمعروف عن الجبائي المنع وتقدم العام على القياس مطلقا.
والرابع: أنه إن كان ذلك الأصل المقيس عليه مخرجا من ذلك العموم بنص جاز وإلا فلا.
والخامس: إن تطرق إليهما التخصيص جاز وإلا فلا قاله الكرخي.
والسادس: الوقف في القدر الذي تعارضا فيه والرجوع إلى دليل آخر سواهما وهو قول القاضي، وإمام الحرمين في كتبه الأصولية، لكنه في مسألة بيع اللحم بالحيوان من (النهاية) قال: يخص الظاهر بالقياس الجلي إذا كان التأويل لا ينبو عن النص، بشرط أن يكون القياس صدر من غير الأصل الذي ورد فيه الظاهر فإن لم يتجه قياس من غير مورد الظاهر لم تجز إزالة الظاهر– يعني مستنبط منه يتضمن تخصيصه وقصره على بعض المسميات.
وفي المسألة مذهب سابع: وهو أن يرجح أحدهما بغلبة الظن بحسب القوة والضعف فتارة يكون العموم أرجح، لظهور قصد العموم فيه، ويكون القياس المعارض قياس سنة مثلا، فمثل هذا لا يشكك في تقديم العموم عليه، وتارة يكون بالعكس فإن تعارضا، فالوقف وهذا هو اختيار الغزالي وغيره من المحققين، وقال ابن دقيق العيد: إنه مذهب جيد.
تنبيه: هذا الخلاف فيما إذا كان العام من الكتاب والسنة متواترا فإن كان خبر واحد جرى الخلاف في الترتيب وأولى بالجواز من ذلك، ومن ذلك تخرج طريقة قاطعة هنا بالجواز، وكلام القرافي يشير إلى تصوير القياس بما إذا كان أصله ثابتا بالتواتر فإن كان ثابتا بأخبار الآحاد كان المنع من التخصيص به أقوى، لضعف أصله.
(ص) وبالفحوى.
(ش) أي بمفهوم الموافقة ومقتضى كلام المصنف وغيره الاتفاق فيه وبه صرح في (شرح المختصر) وهو ظاهر إذا قلنا: دلالته لفظية، فإن جعلناها قياسية فيتجه أن يكون على الخلاف في المسألة قبلها، وأولى هنا بالتخصيص لما قيل فيه، إنه من قبيل اللفظ، والظاهر أنه يجوز قطعا، وإن قلنا: دلالته معنوية، لأنه أقوى دلالة من المنطوق على ثبوت الحكم، إذ الحكم فيه أولى بالثبوت، ونفيه مع ثبوت حكم المنطوق يعود نقصا على الفرض في الأكثر، بخلاف نفي الحكم عن بعض المنطوق وإثباته في البعض.
تنبيه يستفاد من عطف المصنف هذه المسألة على ما سبق أن الفحوى ليست من باب القياس لكنه في باب المفهوم، نقل عن الشافعي رضي الله عنه، أنها قياسية، وقيل: لفظية وقيل: كونها قياسا مجيء الخلاف في التخصيص بالقياس.
(ص) وكذا دليل الخطاب في الأرجح
(ش): أي مفهوم المخالفة ووجه التخصيص به أن دلالته خاصة، فلو قدم العموم عليه عمل بالعموم فيما عدا المفهوم، والعمل بالدليلين أولى من إلغاء أحدهما، مثاله قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه)) رواه ابن ماجه بمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا)). وكما في المتعة فإن مفهوم قوله تعالى:{لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن} يقتضي أنه لا متعة للممسوسة وقوله تعالى:{وللمطلقات متاع} يقتضي إيجاب المتعة للممسوسة وللشافعي رضي الله عنه، في إيجاب المتعة لها قولان، وهو يؤيد كلام ابن السمعاني في (القواطع) فإنه يقتضي أن الخلاف قولان للشافعي رضي الله عنه، قال: وأظهرهما الجواز، واختار غيره المنع لأنه أضعف دلالة من المنطوق لا محالة، فكان التخصيص به تقديما للأضعف على الأقوى، وهو غير جائز، والخلاف إذا قلنا: إنه حجة، فإن قلنا: ليس بحجة، امتنع قطعا.
(ص) وبفعله عليه السلام.
(ش) إذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظ عام في تحريم، ثم فعل بعضه – كان ذلك تخصيصا للفظ العام، إلا أن اختصاصه بما فعل خلافا للكرخي قال ابن السمعاني: ولذلك لم يخص النهي عن استقبال القبلة وباستدباره في التخلي باستدبراه صلى الله عليه وسلم بالمدينة الكعبة، وقد خصت الصحابة قوله عليه الصلاة والسلام في الجمع بين الجلد والرجم، بفعله في رجم ماعز والغامدية من غير جلد، هكذا ذكر الأصحاب وعندي أن هذا بالنسخ أشبه.
وقال بعضهم: صورة المسألة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داخلا تحت ذلك العموم كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة بعد العصر)) ثم صح عنه الصلاة بعده، فتبين بهذا الفعل أنه مخصص من ذلك العموم، فأما إذا لم يتناول خطابه إلا أمته فقط مثل: ((لا تواصلوا)) ثم وجدناه يواصل فلا يكون ذلك تخصيصا له بل خصوصا به إذا لم يتناوله ذلك العموم إلا أن يقوم دليل بمساواته لأمته في ذلك الحكم.
(ص) وتقريره في الأصح.
(ش) تقريره صلى الله عليه وسلم واحدا من أمته على خلاف مقتضى العموم – تخصيص لذلك العموم في حق ذلك الواحد، وأما في حق غيره فإن تبين في ذلك الواحد معنى حمل عليه كل من شاركه في تلك العلة، وإن لم يتبين، فالمختار عند ابن الحاجب أنه لا يتعدى إلى غيره، وخالفه المصنف في شرحه واختار التعميم وإن لم يظهر المعنى، ما لم يظهر ما يقتضي التخصيص ثم إن استوعبت الأفراد كلها فهو نسخ وإلا فتخصيص.
تنبيه: لم يذكر المصنف التخصيص بالإجماع مع أنه مذكور في (المختصر) و(المنهاج) لأن التخصيص في الحقيقة بدليل الإجماع لا بنفس الإجماع وكان في أصل المصنف هنا: والأصح: أن مخالفة الأمة تتضمن ناسخا، ثم ضرب عليه، وألحقه بباب النسخ، وسنذكره هناك إن شاء الله تعالى.
وكان قياسه هنا أن يقول: إن عمل الأمة في بعض أفراد العام بما يخالفه يتضمن تخصيصا.
(ص) وإن عطف العام على الخاص ورجوع الضمير إلى البعض ومذهب الراوي ولو صحابيا وذكر بعض أفراد العام، لا يخصص.
(ش) فيه صور:
أحدها: عطف العام على الخاص لا يوجب تخصيص العام كقوله تعالى:{واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} فكان هذا للمطلقات ثم قال:{وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}.
وهو عام في المطلقات، والمتوفى عنهن فلا يكون هذا العطف تخصيصا للعام كما لا يكون عطف الخاص على العام يوجب تخصيص العام، واعلم: أن هذه المسألة قل من ذكرها وقد وجدتها في كتاب أبي بكر القفال الشاشي في الأصول ومثلها بآية الطلاق الكريمة، أما عطف الخاص على العام، فلا يوجب تخصيص العام عندنا خلافا للحنفية، وقد سبقت في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهد)) ويمكن أن يجري هذا الخلاف في مسألة الكتاب، لأن المأخذ اشتراك المتعاطفين في الأحكام.
الثانية: إذا ذكر عاما ثم عقبه بضمير يختص ببعض ما تناوله – لم يوجب ذلك تخصيص العام. خلافا لإمام الحرمين كقوله تعالى:{والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} ثم قوله تعالى:{وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} فإن ذلك يختص بالرجعيات فلا يوجب تخصيص التربص بهن بل يعم البائن والرجعية.
الثالث: مذهب الراوي سواء الصحابي وغيره لا يخصص العموم الذي رواه خلافا للحنفية.
والحنابلة وقال بعضهم: يخص مطلقا وإن كان غير صحابي، لأن المجتهد المتبحر في الأدلة يجوز أن يطلع على حديث. يدل على قرائن تدله على تخصيص ذلك العام، كما في الصحابي وبعضهم: إن كان الراوي صحابيا.
ولنا أن العموم حجة ومذهب الصحابي ليس بحجة فلا يجوز تخصيصه به, وإذا ثبت هذا في الصحابي فغيره أولى للاتفاق على أن قوله ليس بحجة والتخصيص بغير دليل لا يجوز، واعلم: أن ما صور به المصنف المسألة هو الصحيح، وبه صرح إمام الحرمين، لكن شرط كون الراوي من الأئمة ولم يذكر المصنف هذا القيد استغناء بقوله: (مذهب) وجعل الآمدي وابن الحاجب موضوعها في الصحابي يعمل بخلاف العام سواء كان هو الراوي للعام أم لا، لا في راوي الخبر مطلقا، وقصره القرافي على مخالفة الصحابي إذا كان راويا للعام، والأول أولى، فإن القائلين بأن مذهب الصحابي حجة، يخصون العموم به على خلاف فيه،وإن لم يكن راويا، ولهذا جعلها سليم الرازي في (التقريب) مسألتين:
إحداهما: التخصيص بقول الصحابي وخص الخلاف فيه بما إذا لم يعلم انتشاره وإن انتشر وانقرض العصر كان التخصيص به لأنه إما إجماع أو حجة.
الثانية: أنه يروي الصحابي خبراً عاما ثم يصرفه إلى الخصوص، فلا يحمل عليه على القول المزيد خلافا لأبي حنيفة، ومثل الماوردي المسألة بحديث (الولوغ) فإن أبا هريرة روى السبع، وأفتى بالثلاث، وبحديث: (من بدل دينه فاقتلوه) فإن ابن عباس رواه، وأفتى بأن المرتدة لا تقتل وهذا الثاني أحسن، لأن الأول ليس من باب العموم، فإن قيل: قد خص الشافعي تحريم الاحتكار بالأقوات، لأن حديث: (من احتكر فهو خاطئ ) رواه سعيد بن المسيب وكان يحتكر الزيت فقيل له: فقال: إن معمرا راوي الحديث كان يحتكر. رواه مسلم قلنا: من هنا خرج بعضهم قولا للشافعي رضي الله عنه، أن مذهب الراوى يخصص العموم، لكن المعروف عنه: المنع، وكأنه استنبط من النص معنى يخصصه، ورأى العلة الاضرار، فخصه بالأقوات وعضد ذلك بمذهب الصحابي.
الرابعة: إذا حكم على العام بحكم، ثم أفرد منه فردا وحكم عليه، بذلك الحكم بعينه، فلا يكون ذلك تخصيصا للعام أي حكما على باقي أفراده بنقيض ذلك مثال قوله: (أيما إهاب دبغ فقد طهر) مع قوله صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة: ((هلا أخذتم إهابها فدبغتموه)).
وقال أبو ثور: التعبير بذلك الفرد يدل بمفهومه على التخصيص وهذا ضعيف لأنه مفهوم لقب، و(الشاة) لقب وقد ينازع في هذا لأن الشاة لم تقع في لفظ الشارع وليس هذا من أبي ثور قولا بمفهوم اللقب كما توهم بعضهم، لأنه لا يعرف عنه القول به ولكنه يجعل ورود الخاص بعد تقدم العام قرينة في أن المراد بذلك العام هذا الخاص، ويجعل العام كالمطلق والخاص كالمقيد، وحينئذ فهو عنده من باب العام الذي أريد به الخصوص، لا من باب العام المخصوص فتفطن لذلك، ثم لا يخفى أن صورة المسألة إذا كان الخاص موافقا لحكم العام، فإن كان له مفهوم يخالفه كالصفة فهي مسألة تخصيص العموم بالمفهوم وقد سبقت
(ص) وإن العادة بترك بعض المأمور تخصص إن أقرها النبي صلى الله عليه وسلم أو الإجماع وأن العام لا يقصر على المعتاد ولا على ما وراءه بل تطرح له العادة السابقة.
(ش) التخصيص بالعادة مما اختلف فيه نقل الإمام الرازي والآمدي وأتباعهما فذكر الإمام أن العادة تخصص، وعكس الآمدي وابن الحاجب فمن الناس من أجراه على ظاهره، ومنهم من حاول الجمع بينهما ظانا تواردهما على محل واحد والصواب أن للمسألة صورتين:
إحداهما: وهي التي تكلم فيها صاحب (المحصول) وأتباعه، أن يوجب النبي صلى الله عليه وسلم أو يحرم شيئا بلفظ عام، ثم يرى من بعد العادة جارية بترك بعضها أو بفعله، فالمختار كما قال في (المحصول): إنه إن علم جريان العادة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مع عدم منعه منها فتخصيص والمخصوص في الحقيقة تقريره وإن علم عدم جريانها لم يخص إلا أن يجمع عليه فيصح ويكون المخصص هو الإجماع لا العادة، وإن جهل فاحتمالان.
الثانية: وهي التي تكلم فيها الآمدي وابن الحاجب، أن تكون العادة جارية على ورود العام بفعل معين كأكل طعام معين مثلا، ثم إنه – عليه السلام – ينهاهم عنه بلفظ يتناوله، كما لو قال: حرمت الربا في الطعام فهل يكون النهي مقتصرا على ذلك الطعام فقط أو يجري على عمومه ولا تأثير للعادة فيه؟ والحق الثاني وعندهم: إن الذي جرت به العادة مرادا قطعا، وإنما الخلاف في أن غيره هل هو مراد معه؟ وقال ابن دقيق العيد: الصواب التفصيل بين العادة الراجعة إلى الفعل وإلى القول فما رجع إلى الفعل يمكن أن يرجح فيه العموم على العادة مثل أن يحرم بيع الطعام بالطعام، وتكون العادة بيع البر، فلا يخص عموم اللفظ بهذه العادة الفعلية.
وأما ما يرجع إلى القول فمثل أن يكون أهل العرف اعتادوا تخصيص اللفظ ببعض موارده اعتيادا يسبق الذهن فيه إلى ذلك الخاص، فإذا أطلق اللفظ العام فيقوى تنزيله على الخاص المعتاد، لأن الظاهر أنه إنما يدل باللفظ على ما ساغ استعماله فيه، لأنه المتبادر إلى الذهن.
(ص) وإن نحو: (قضى بالشفعة للجار) لا يعم، وفاقا للأكثر.
(ش) لأن ما ذكره ليس لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم بل حكاية فعله، ويحتمل أن يكون قضاؤه لجار كان بصفة يختص بها، وقد يتأيد بقول الشافعي رضي الله عنه، وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال وخالف ابن الحاجب: فاختار أنه يعم الجار مطلقا، وإنما ذكره الآمدي بحثا فأقامه ابن الحاجب مذهبا وارتضاه وقال: وقال الشيخ في (شرح العنوان): اختار بعض الفقهاء عموم نحو: (قضى بالشفعة للجار) على عدالة الصحابي، ومعرفته باللغة، ومواقع اللفظ، مع وجوب أن تكون الرواية على وفق السماع من غير زيادة ولا نقصان، ومنهم من قال: لا يعم، لأن الحجة في المحكي، ولا عموم للمحكي، والحق التفصيل: فإن كان المحي فعلا لو شوهد لم يجز حمله على العموم، فلذلك وجه وإن كان فعلا لو حكي لكان دالا على العموم، فعبارة الصحابي عنه يجب أن تكون مطابقة للقول لما تقدم من معرفته وعدالته.
تنبيهان:
الأول: قد يتخيل أن هذه المسألة مكررة مع قوله في باب العموم: (أن الفعل المثبت ليس بعام) وليس كذلك، ولهذا أطلق ابن الحاجب أن الفعل المثبت ليس بعام في أقسامه ثم ذكر (قضى بالشفعة للجار) واختار أنه يعم، والفرق أن الفعل لا صيغة له حتى يتمسك بعمومه، بخلاف القضاء والأمر والنهي، فإنه لا يصدر إلا عن صيغة وقد يفهم الراوي منها العموم فيرويه على ذلك.
الثاني: أن هذا لا يختص بـ (قضى) بل يجري في نحو نهى عن بيع الغرر ونكاح الشغار.
وأمر بقتل الكلاب كما قاله الغزالي وخالفه غيره، وقطع هنا بالتعميم لأن (أمر) و(نهى) عبارة عن أنه وقع منه خطاب بالتكليف، ولما لم يذكر مأمورا ولا منهيا علم أن المخاطب به الكل.

  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 07:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: القسم الثاني المنفصل يجوز التخصيص بالحس والعقل خلافا لشذوذ ومنع الشافعي تسميته تخصيصا وهو لفظي.
ش: لما فرغ من المخصصات المتصلة ذكر المنفصلة، وهي التي تستقل أي لا يحتاج معها إلى ذكر العام، وهي ثلاثة: الحس، والعقل، والدليل السمعي، فالأول الحس، والمراد به المشاهدة، وإلا فالدليل السمعي من المحسوسات إذ هو مدرك بحاسة السمع وقد جعله قسيما له نحو قوله تعالى: {وأوتيت من كل شيء} لأنا نشاهد أشياء لم تؤت منها كالسماوات وملك سليمان.
والثاني: العقل ضروريا كان كقوله تعالى: {الله خالق كل شيء} لخروج الذات والصفات العلية عن ذلك، أو نظريا كتخصيص {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} بغير الطفل والمجنون لعدم فهمهما الخطاب، وخالف في التخصيص بالعقل فريق وهو ظاهر كلام الشافعي في (الرسالة) فمنهم من جعله خلافا محققا ومنهم من جعله لفظيا، وإليه ذهب القرافي والمصنف، لأن خروج هذه الأمور من العموم لا نزاع فيه، إلا أنه لا يسمى تخصيصا إلا ما كان باللفظ.
ص: والأصح جواز تخصيص الكتاب به، والسنة بها وبالكتاب والكتاب بالمتواتر وكذا بخبر الواحد عند الجمهور وثالثها: إن خص بقاطع وعندي عكسه وقال الكرخي: بمنفصل، وتوقف القاضي وبالقياس خلافا للإمام مطلقا، وللجبائي: إن كان خفيا ولابن أبان إن لم يخص مطلقا ولقوم إن لم يكن أصله مخصصا من العموم، وللكرخي إن لم يخص بمنفصل، وتوقف إمام الحرمين، وبالفحوى وكذا دليل الخطاب على الأصح وبفعله صلى الله عليه وسلم وتقريره في الأصح.
ش: في التخصيص بالدليل السمعي مسائل:
الأولى: يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب خلافا لبعض الظاهرية ويرده تخصيص قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} وبقوله: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}
الثانية: يجوز تخصيص السنة بالسنة خلافا لداود وطائفة، حيث قالوا: يتعارضان، وهذا يشمل تخصيص المتواترة بالمتواترة، والآحاد بالآحاد، وتصوير الأول في زمننا عسر كما قال القرافي لفقد التواتر، قال: وإنما يتصور في عصر الصحابة والتابعين فإن الأحاديث كانت في زمانهم متواترة لقرب العهد وشدة العناية بالرواية. انتهى.
ومثاله في الآحاد تخصيص قوله عليه الصلاة والسلام: ((فيما سقت السماء العشر)) بقوله: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)) أما تخصيص المتواترة بالآحاد فهي مثل تخصيص الكتاب بها، وسيأتي ذكره.
الثالثة: يجوز تخصيص السنة متواترة كانت أو آحادا بالكتاب خلافا لبعض أصحابنا.
الرابعة: يجوز تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة بالإجماع كما حكاه الصفي الهندي، وقال الآمدي: لا أعلم فيه خلافا ومنهم من حكى خلافا في السنة الفعلية.
الخامسة: في تخصيص الكتاب بخبر الواحد مذاهب.
أحدها وبه قال الجمهور: الجواز مطلقا فإنا لو لم نعمل الخاص لزم إبطاله مطلقا، وحكاه ابن الحاجب عن الأئمة الأربعة.
قال الشارح: لكن الحنفية ينكرونه.
الثاني: المنع مطلقا، حكاه ابن برهان عن طائفة من المتكلمين.
الثالث: الجواز إن خص قبل ذلك بدليل قطعي وإلا فلا، قاله عيسى بن أبان.
الرابع: وهو من تخريج المصنف: عكسه، وهو المنع إن خص قبل ذلك بقطعي وإلا جاز، ووجهه أن غالب العمومات مخصوصة، فأقدمنا على تخصيص ما لم يخص قبل ذلك بالآحاد، أخذا بالغالب بخلاف المخصوص بقاطع، فإنه قد يحصل الغرض من دخوله في الغالب بذلك التخصيص.
الخامس: وبه قال الكرخي: الجواز إن خص قبله بدليل منفصل فإن لم يخص أو خص بمتصل لم يجز.
السادس: الوقف بمعنى عدم العلم، أو بمعنى وقوع التعارض في القدر الذي دل العموم على إثباته، والخصوص على نفيه، فيتوقف على العمل، وهذا ظاهر كلام القاضي أبي بكر في (التقريب).
تنبيهان:
أحدهما: ذكر ابن السمعاني أن محل هذا الخلاف في خبر الواحد الذي لم يجمعوا على العمل به فإن أجمعوا على العمل به خص الكتاب به بلا خلاف كالمتواتر وقد يقال: الدال على التخصيص حينئذ إنما هو الإجماع.
ثانيهما: هذا الخلاف جار في تخصيص السنة المتواترة بالآحاد، كما صرح به القاضي أبو بكر، وإن لم يتعرض له المتأخرون كالإمام وابن الحاجب.
السادسة: في جواز تخصيص عموم الكتاب أو السنة بالقياس مذاهب:
أحدها: الجواز مطلقا وبه قال الأئمة الأربعة والأشعري.
الثاني: المنع مطلقا حكاه المصنف عن الإمام وهو اختياره في (المعالم) لكنه اختار الأول في (المحصول).
الثالث: المنع إن كان القياس خفيا، فإن كان جليا جاز، حكاه المصنف عن أبي علي الجبائي، والمعروف عنه المنع مطلقا، وإنما التفصيل لابن سريج.
الرابع: المنع إن لم يكن أصل ذلك القياس مخرجا من ذلك العموم بنص، فإن كان مخرجا منه جاز.
الخامس: المنع إن لم يخص أو خص بمتصل، فإن خص بمنفصل جاز قاله الكرخي.
السادس: الوقف في القدر الذي تعارضا فيه والرجوع إلى دليل آخر غيرهما وبه قال إمام الحرمين أي في كتبه الأصولية، لكنه قال في النهاية في مسألة بيع اللحم بالحيوان: يخص الظاهر بالقياس الجلي إذا كان التأويل لا ينبو عن النص، بشرط أن يكون القياس صدر من غير الأصل الذي ورد فيه الظاهر، فإن لم يتجه قياس من غير مورد الظاهر لم تجز إزالة الظاهر بمعنى مستنبط منه يتضمن تخصيصه وقصره على بعض المسميات.
تنبيه: محل الخلاف في القياس المظنون، أما المقطوع فيجوز تخصيصه به قطعا كما أشار إليه الإبياري شارح (البرهان).
السابعة: يجوز التخصيص بالفحوى أي مفهوم الموافقة كما إذا قال: من أساء إليك فعاقبه، ثم قال: إن أساء إليك زيد فلا تقل له: أف.
ومقتضى كلام المصنف وغيره: الاتفاق عليه، وصرح به الآمدي لكنه أطلق الكلام في المفهوم.
أما التخصيص بدليل الخطاب – وهو مفهوم المخالفة – فالأرجح جوازه كتخصيص قوله عليه الصلاة والسلام: ((الماء لا ينجسه شيء)) بمفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا).
الثامنة: يجوز التخصيص بفعله عليه الصلاة والسلام كأن يرد عنه لفظ عام في تحريم شيء، ثم يفعل بعضه فيكون فعله تخصيصا للفظ العام إلا أن يتبين اختصاصه به خلافا للكرخي، مثاله: نهيه عليه الصلاة والسلام عن استقبال القبلة بغائط أو بول ثم فعله ذلك في البنيان.
أما تقريره عليه الصلاة والسلام واحدا من أمته على خلاف مقتضى العموم فهو تخصيص لذلك العموم في حق ذلك الواحد، وكذا غيره ممن شاركه في العلة إن تبين المعنى في ذلك فإن لم يتبين فالمختار عند ابن الحاجب أنه لا يتعدى إلى غيره، وخالفه المصنف في شرحه واختار التعميم، وإن لم يظهر المعنى ما لم يظهر ما يقتضي التخصيص، ثم إن استوعبت الأفراد كلها فهو نسخ، وإلا فتخصيص.
تنبيه: لم يذكر المصنف هنا التخصيص بالإجماع مع كونه في (المختصر) و(المنهاج) لأن المخصص دليل الإجماع، لا نفس الإجماع، وكان في أصل المصنف هنا: (والأصح أن مخالفة الأمة تتضمن ناسخا) ثم ضرب عليه وألحقه بباب النسخ، وسيأتي هناك، وكان ينبغي أن يقول هنا: وإن عمل الأمة في بعض أفراد العام بما يخالفه يتضمن تخصيصا.
ص: وأن عطف العام على الخاص لا يخصص، ورجوع الضمير أو البعض ومذهب الراوي ولو صحابيا وذكر بعض أفراد العام لا يخصص.
ش: فيه مسائل:
الأولى: عطف العام على الخاص، لا يقتضي تخصيص العام كقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} فإنه عام في المطلقات، والمتوفى عنهن، وإن كان قد عطف على ما هو خاص بالمطلقات، وهو قوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} وهذه مسألة غريبة ذكرها القفال الشاشي ومثلها بهذه الآية، وهي عكس المسألة المشهور ة في عطف الخاص على العام وتلك خلافية بيننا وبين الحنفية، ومدركهم هناك في التخصيص وهو اشتراك المتعاطفين في الأحكام يقتضي طرد خلافهم هنا، وتعبير المصنف يقتضي أن فيها خلافا، والله أعلم.
الثانية: إذا عقب العام بضمير يختص ببعض أفراده لم يوجب تخصيصه مثل قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} ثم قال: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} فالمطلقات عام في الرجعيات والبوائن والضمير في قوله: {وبعولتهن} يختص بالرجعيات هذا مذهب الأكثرين واختاره الغزالي والآمدي وابن الحاجب وغيرهم، وحكى القرافي عن الشافعي تخصيصه به، وهو منقول عن أكثر الحنفية، واختار الإمام في (المحصول) الوقف.
الثالثة: لا يجوز التخصيص بمذهب الراوي للحديث عندنا، وعند الجمهور خلافا للحنفية وحكاه الشارح عن الحنابلة أيضا، وفرق بعضهم بين أن يكون صحابيا فتخصص بمذهبه وبين غير الصحابي فلا ومثل في (المحصول) ذلك بحديث أبي هريرة في الأمر بالغسل من ولوغ الكلب سبعا مع فتواه بثلاث وفيه نظر من وجهين:
أحدهما: أن ذلك لم يصح عن أبي هريرة.
ثانيهما: أن ذلك ليس من باب العموم، فإن العدد نص لا عموم فيه، والتخصيص فرع العموم وقرره الشيخ علاء الدين الباجي، بأن لفظ الكلب مفرد معرف بأل فهو عام يشمل كلب الزرع وغيره وأبو هريرة يرى الاقتصار في كلب الزرع على ثلاث، لكن لا نعرف عن أبي هريرة هذه التفرقة، والأحسن تمثيل ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: (من بدل دينه فاقتلوه)) فإن مذهب راويه ابن عباس أن المرأة لا تقتل بالردة، وهو مذهب أبي حنيفة أيضا، وقد مثل به ابن برهان والصفي الهندي.
الرابعة: ذكر فرد من أفراد العام والحكم عليه بمثل الحكم على العام لا يخص العام خلافا لأبي ثور، وذلك كقوله عليه الصلاة والسلام في شاة مولاة ميمونة: ((دباغها طهورها)) فإنه ذكر بعض أفراد ما دخل تحت قوله عليه الصلاة والسلام: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) فلا يقتضي تخصيص الحكم بذلك الفرد، واختلف في تحرير مذهب أبي ثور، فذكر ابن برهان وإمام الحرمين أن مفهوم حديث مولاة ميمونة إخراج ما لا يؤكل لحمه ونقل عنه في (المحصول) أن مفهومه إخراج جلود غير الشاة، وعلى كل حال فقد رده الجمهور بأنه مفهوم لقب، وهو غير معمول به عند الأكثرين ومن هنا نقل عن أبي ثور القول بمفهوم اللقب، ومقتضى هذا تسليم التخصيص حيث كان المفهوم معمولا به كأن يقول: (اقتلوا المشركين) ثم يقول: (اقتلوا المشركين المجوس) فإن مفهوم الصفة حجة، وبهذا صرح أبو الخطاب الحنبلي ويلزم من هذا تخصيص قولنا: ذكر بعض أفراد العموم لا يخصص، وفهم من قول المصنف، (ولو بأخص من حكم العموم) أنه لا فرق بين أن يذكر لذلك الفرد جميع حكم العام أو بعض حكمه، كما لو لم يذكر في حديث مولاة ميمونة إلا بعض أحكام الطهارة كالصلاة فيه أو بيعه، ولم يتعرض الشارح لذكر ذلك، والله أعلم.
ص: وأن العادة بترك بعض المأمور تخصص إن أقرها النبي صلى الله عليه وسلم أو الإجماع وأن العام لا يقصر على المعتاد، ولا على ما وراءه بل تطرح له العادة السابقة.
ش: اختلف النقل في أن العادة تخصيص أم لا؟ فنقل الإمام فخر الدين وأتباعه أنها تخصيص، وعكسه الآمدي وابن الحاجب ولم يتوارد النقلان على محل واحد، وعلى ذلك مشى المصنف.
فكلام الإمام وهو المذكور أولا فيما إذا ورد من الشارع لفظ عام ووجدنا العادة جارية لإخراج بعض أفراده كالنهي عن بيع الطعام بالطعام متفاضلا إذا جرت العادة ببيع بعض الأطعمة متفاضلا فتكون العادة مخصصة للعموم ودالة على جواز التفاضل في بيع ذلك الطعام، إن كانت تلك العادة موجودة في عصره عليه الصلاة والسلام وأقرهم عليهم، وكذا إذا دل على جواز بيع ذلك النوع بجنسه مع التفاضل الإجماع، وكلام الآمدي وابن الحاجب، وهو المذكور ثانيا فيما إذا ورد النهي عن بيع الطعام بالطعام، وجرت العادة بأن لا يباع من الطعام إلا القمح، فهل يختص النهي به أو يشمل كل ما صدق عليه اسم الطعام؟
قال أبو حنيفة: يختص به، وقال الجمهور: لا، فلا يختص الحكم بالمعتاد ولا بما وراء المعتاد، بل تطرح تلك العادة ويؤخذ بالعموم فالكلام الأول في إخراج المعتاد عن غير المعتاد والثاني: في إدخال غير المعتاد مع المعتاد في حكمه، وحمل ابن دقيق العيد الكلام الثاني على العادة الفعلية، كما مثلناه.
أما القولية فكأن يعتاد أهل العرف تخصيص اللفظ ببعض موارده اعتبارا يسبق الذهن بسببه إلى ذلك الخاص، فإذا أطلق العام قوي تنزيله على الخاص المعتاد، لأن الظاهر إنما يدل باللفظ على ما شاع استعماله فيه لأنه المتبادر إلى الذهن.
ص: وأن نحو قضى بالشفعة للجار لا يعم وفاقا للأكثر.
ش: ذهب الأكثرون – كما حكاه الآمدي وغيره – إلى أن قول الصحابي: قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة للجار، لا يفيد العموم لأن ما ذكره ليس لفظ الرسول بل حكاية لفعله، ويحتمل أن قضاءه كان لجار بصفة يختص بها.
والحجة في المحكي وقد يكون خاصا فيتوهمه عاما، واختار الآمدي وابن الحاجب عمومه، لأن الظاهر أنه روى كما سمع من غير زيادة ولا نقص، وقال ابن دقيق العيد في (شرح العنوان) الحق الأول، إن كان المحكي فعلا لو شوهد لم يجز حمله على العموم.
والثاني: إن كان قولاً لو حكي لكان دالاً على العموم.
فإن قلت: هذه المسألة مفهومة من قوله فيما تقدم: إن الفعل المثبت ليس بعام.
قلت: الفعل لا صيغة له حتى يتمسك بعمومه بخلاف القضاء ونحوه، فإنه لا يصدر إلا عن صيغة وقد يفهم الراوي منها العموم، فيرويه على ذلك.
تنبيه:
طرد الغزالي هذا في مثل نهي عن بيع الغرر ونكاح الشغار وأمر بقتل الكلاب.
وتبعه شيخنا الإسنوي في (التمهيد) وجزم بعضهم هنا بالتعميم لأن (أمر) و(نهي) يدلان على ورود خطاب مكلف، ولما لم يذكر مأمورا ولا منهيا علم أن المخاطب به الكل.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المخصص, المنفصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir