دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > ثلاثة الأصول وأدلتها

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 شوال 1429هـ/28-10-2008م, 07:22 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي المسائل الثلاث

اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ تَعَلُّمُ ثَلاَثِ هذِهِ المَسَائِلِ والعَمَلُ بِهِنَّ:
الأُولَى:أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقنَا وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً؛ بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ.
والدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إنَّا أَرْسَلْنَا إلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيكُم كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً}[المزمل:14-15].

الثَّانِيَةُ:أَنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحـدٌ فِي عِبَادَتِهِ،
لاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا غَيرُهُمَا، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى: {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}[الجن:18].
الثَّالِثَةُ:أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ وَوَحَّدَ اللهَ لاَ يَجُوزُ لَهُ مُوَالاَةُ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانَ أَقْرَبَ قَرِيبٍ، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى: {لاَ تَجِدُ قَوماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُمْ أَو أَبْنَآءَهُمْ أَو إِخْوَانَهُمْ أَو عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ ألا إنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ}[المجادلة:22].


  #2  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 11:08 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

(1) هذهِ المسائلُ الثلاثُ منْ أهمِّ المسائلِ التي تتعلَّقُ بالتوحيدِ وحقوقِهِ.

(2) اللَّهُ خَلَقَ الخلْقَ ليعبدُوهُ فلمْ يخلقْهُم هَمَلاً، ولا سُدًى، ولا عَبَثًا.
لكنَّهُ خلقَهُم لأمرٍ عظيمٍ، ولحكمةٍ عظيمةٍ فيها سعادَتُهُم، وفيها نجاتُهُم، وهيَ أنْ يعبدُوا اللَّهَ وحدَه لا شريكَ لهُ، كما قالَ تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} وهذهِ العِبَادَةُ أمرَهُم اللَّهُ بها:
- في قولِهِ سبحانَهُ: {يَأَيُّها النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُم}.
- وفي قولِهِ تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}.
- وفي قولِهِ: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}.
- وفي قولِهِ: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}.
- وفي قولِهِ: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}.
في آياتٍ كثيرةٍ أمرَهُمْ فيها بالعبادةِ، وهيَ توحيدُهُ جلَّ وعلا، وتخصيصُهُ بالعبادةِ من دعاءٍ وخوفٍ ورجاءٍ وتوكُّلٍ ورغبةٍ ورهبةٍ وصلاةٍ وصومٍ وغيرِ ذلكَ.
فهوَ المُسْتَحِقُّ للعبادةِ جلَّ وعلا، دونَ كلِّ ما سواهُ.
ويدخلُ في ذلكَ فعلُ الأوامرِ، وتركُ النواهي، فأداءُ الأوامرِ التي أمرَكَ اللَّهُ بها ورسولُه، وتركُ النواهي التي نهاكَ اللَّهُ عنها ورسولُهُ، كلُّ هذا داخلٌ في العبادةِ، وهذا هوَ الإسلامُ، وهوَ الدينُ وهوَ الإيمانُ وهوَ الهدى، فلا تُصَلِّ إلاَّ للَّهِ، ولا تَرْكَعْ إلاَّ لهُ ولا تَذْبَحْ إلاَّ لَهُ، ولا تَدْعُ إلاَّ إيَّاهُ، ولا تَتَوَكَّلْ إلاَّ عليهِ، إلى غيرِ هذا مِنَ العِبَادَاتِ.
أمَّا الاستعانةُ بحاضرٍ قادرٍ فيما يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فهذا ليسَ بعبادةٍ كَمَا قالَ سبحانَهُ في قِصَّةِ موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} فإنَّ موسى قادرٌ على أنْ يُغِيثَهُ.
أمَّا دعاءُ الميتِ، ودعاءُ الغائبِ الذي لا يَسْمَعُ كَلاَمَكَ، أو دعاءُ الصنمِ، أو الجنِّ، أو الأشجارِ، ونحوِها فهذا شركُ المشركينَ، وهو الشركُ الأكبرُ الذي قالَ اللَّهُ فيهِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
- وقالَ تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
- وقالَ سبحانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
- وقالَ سبحانَهُ: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وإِلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}.
فاللَّهُ خلقَنا ورزقَنا ولمْ يتركنا هملاً بلْ أمرَنا بتوحيدِهِ وطاعتِهِ وتركِ معصيتِهِ.

(3) وأرسلَ إلينا رسولاً هوَ محمدٌ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بكلِّ ما تقدمَ، وأنزلَ عليهِ القرآنَ بذلكَ، لنستقيمَ على ما فيهِ منَ الهدى، ونعملَ بما فيهِ من الأوامرِ، ونَنْتَهِيَ عمَّا فيهِ من النواهي، وعلى يدِ محمدٍ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ خاتمِ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلِينَ، جاءَ ليعلِّمَ النَّاسَ دينَهُم.
فَهُوَ خاتمُ الأنبياءِ وإمامُهُم وأفضلُهم.

(4) فمنْ أطاعَ هذا الرسولَ واستقامَ على دينِهِ فلهُ الجنَّةُ، ومنْ عصى هذا الرسولَ وحادَ عنْ دينِهِ فلَهُ النارُ، كما قالَ تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُم}، يعني: بأعمالِكُم.. {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} فهوَ مرسلٌ عليهِ الصلاةُ والسلامُ.
{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذًا وَبِيلاً} أيْ أخذْنا فرعونَ أخذًا وبيلاً في الدنيا بالغرقِ وفي الآخرةِ بالنارِ.

(5) هذهِ المسألةُ الثانيةُ إنَّما هيَ تحقيقٌ للمسألةِ الأُولى، أنْ تعلمَ أنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى أنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحَدٌ في عبادتِهِ، كما أنَّهُ الخالقُ الرازقُ المُحْيِي المميتُ، الذي خلقَكَ وأعطاكَ النعمَ، فهوَ سبحانَهُ لا يَرْضَى أنْ يُشْرَكَ معهُ أحدٌ منَ الخلقِ، لا نبيٌّ مُرْسَلٌ، ولا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ولا غيرُهما؛ لأنَّ العبادةَ حقُّ اللَّهِ وحدَه:
- كما قالَ تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}.
- وكما قالَ تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
لأنَّ الإشراكَ بِهِ هوَ أعظمُ الذنوبِ، وقدْ جَاء في الآياتِ الكثيرةِ، الأمرُ بإخلاصِ العبادةِ للَّهِ وحدَه، والنهيُ عنْ عبادةِ ما سواهُ، فتَجْمَعُ بينَ أمرَيْنِ، فتُؤْمِنُ بأنَّ اللَّهَ هوَ الخالقُ الرازقُ المُحْيِي المميتُ، وتؤمنُ بأنَّهُ سبحانَهُ هوَ المستحقُّ للعبادةِ منْ ذبحٍ وصلاةٍ وصومٍ وغيرِ ذلكَ من العباداتِ، كما قالَ سبحانَهُ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ واحدٌ} وقالَ سبحانه: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}.

(6) وهذهِ هيَ المسألةُ الثالثةُ، وهيَ منْ أهمِّ الواجباتِ أنْ يَعْلَمَ كلُّ مسلمٍ ومسلمةٍ أنَّه لا يجوزُ لهُ أن يُوالِيَ المُشْرِكينَ أو يُحِبَّهُم، فكلُّ مَنْ أطاعَ اللَّهَ ورسولَهُ ووحَّدَ اللَّهَ جلَّ وعلا يَلْزَمُهُ أن يُعادِيَ الكُفَّارَ ويُبْغِضَهُم في اللَّهِ، ولا يجوزُ لهُ موالاتُهُم ومحبتُهُم:
- لقولِهِ تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا} أيْ لاَ تَجِدُ يا محمدُ قومًا أَهْلَ إِيمانٍ صادقٍ يُوادُّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ ورسولَهُ.
- وقالَ تعالى: {يَا أَيُّها الَّذينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمينَ}.
- وقالَ عزَّ وجلَّ: {قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاؤُا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَداوةُ وَالبَغْضَاءُ أبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}.
فلا بدَّ مِنَ البغضاءِ والعداوةِ لأعداءِ اللَّهِ، ومودةِ المؤمنينَ ومحبتِهِم، هكذا المؤمنُ يُحِبُّ أولياءَ اللَّهِ، ويَتَعَاونُ معَهُم على الخيرِ، ويَكْرَهُ أعداءَ اللَّهِ ويُبْغِضُهم ويُعَادِيهِم في اللَّهِ، وإنْ دعاهُم إلى اللَّهِ، وإنْ أقرَّهُم في بلادِهِ وأخذَ منهُم الجزيةَ كولِيِّ الأمرِ؛ لأنَّ الرسولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذَ الجزيةَ من اليهودِ والنَّصارَى والمَجُوسِ، وأَخْذُ الجزيةِ منهُم فيهِ عونٌ للمسلمينَ، لا مَحَبَّةٌ لهُم.
وتؤخذُ الجزيةُ منهُم إذا لمْ يَدْخُلُوا في الإسلامِ، ولا يُقاتَلون بلْ يُقَرُّونَ مع بُغْضِهِم في اللَّهِ، وعدمِ موالاتِهم.
فإنْ أبَوُا الإسلامَ والجزيةَ قُوتِلوا معَ القدرةِ.
وهذا خاصٌّ بأهلِ الكتابِ والمجوسِ، أما بقيةُ الكفارِ فلا تُقبَلُ منهُم الجزيةُ، بلْ يُقاتَلُون حتَّى يدخلُوا في الإسلامِ كالوَثَنِيِّينَ والشُّيُوعِيِّينَ وغيرِهم من أصنافِ الكَفَرةِ معَ القدرةِ على ذلكَ:
- لقولِ اللَّهِ سبحانَهُ: {وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للَّهِ}.
- وقولِهِ سبحانَهُ: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
- وقولِهِ سبحانَهُ: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُم وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ.
ومرادُهُ سبحانَهُ معَ القدرةِ على ذلكَ؛ لقولِهِ عزَّ وجلَّ: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}.
وقولِهِ سبحانَهُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} الآيةَ، ولأنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُقَاتِلِ المُشْرِكِينَ حتَّى قَوِيَ على ذلكَ، ثمَّ قالَ تعالى في آخرِ الآيةِ: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} أيْ: قَوَّاهُم بقوةٍ منهُ.


  #3  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 11:11 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

(1) وَدَلِيلُ ذلكَ - أَعْنِي أنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا - سَمْعِيٌّ وَعَقْلِيٌّ:
أمَّا السَّمْعِيُّ فكثيرٌ ومنهُ:
- قولُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ}.
- وقولُهُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} الآيَةَ.
- وقولُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ}.
- وقولُهُ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ}.
- وقولُهُ: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}.
- وَقَوْلُهُ: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}.
- وقولُهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}.
- وقولُهُ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} إلى غيرِ ذلكَ منَ الآياتِ.
أمَّا الدليلُ العَقْلِيُّ على أنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا؛ فقدْ جَاءَت الإشارةُ إليهِ في قولِهِ تَعَالَى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}.
فإنَّ الإنسانَ لمْ يَخْلُقْ نَفْسَهُ؛ لأنَّهُ قَبْلَ وُجُودِهِ عَدَمٌ، والعدمُ ليسَ بشيءٍ، وما ليسَ بشيءٍ لا يُوجِدُ شَيْئًا، ولمْ يَخْلُقْهُ أَبُوهُ، ولا أُمُّهُ، ولا أَحَدٌ من الخَلْق.
ولمْ يَكُنْ لِيَأْتِيَ صُدْفَةً بدونِ مُوجِدٍ؛ لأنَّ كلَّ حادثٍ لا بُدَّ لهُ مِنْ مُحْدِثٍ، ولأَنَّ وُجُودَ هذهِ المخلوقاتِ على هذا النظامِ البديعِ والتَّنَاسُقِ المُتَآلِفِ يَمْنَعُ مَنْعًا بَاتًّا أنْ يكونَ صُدْفَةً؛ إذ الموجودُ صُدْفَةً ليسَ على نظامٍ في أصلِ وجودِهِ، فكيفَ يكونُ مُنْتَظِمًا حالَ بَقَائِهِ وَتَطَوُّرِهِ؟!
فَتَعَيَّنَ بهذا أنْ يكونَ الخالقُ هوَ اللَّهَ وحدَهُ، فلا خَالِقَ ولا آمِرَ إلاَّ اللَّهُ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}.
ولمْ يُعْلَمْ أنَّ أَحَدًا من الخلقِ أَنْكَرَ رُبُوبِيَّةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى إلاَّ على وَجْهِ المُكَابَرَةِ كما حَصَلَ منْ فِرْعَونَ.
وعندَما سَمِعَ جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ سُورَةَ الطُّورِ، فَبَلَغَ قولَهُ تَعَالَى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَوكانَ جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكًا فقالَ: (كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ، وذلكَ أَوَّلُ ما وَقَرَ الإيمانُ في قَلْبِي).
(2) أَدِلَّةُ هذهِ المسألةِ كثيرةٌ منَ الكتابِ والسُّنَّةِ والعَقْلِ.
أمَّا الكتابُ:
- فقالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}.
- وقالَ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ}.
- وقولُهُ: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ}، والآياتُ في هذا كثيرةٌ.
وأمَّا السُّنَّةُ: فَمِنْهَا قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجَنِينِ ( يُبْعَثُ إليهِ مَلَكٌ، فَيُؤْمَرُ بأربعِ كلماتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ ) .
وأمَّا الدليلُ العقليُّ على أنَّ اللَّهَ رَزَقَنَا؛ فَلأَِنَّنَا لا نَعِيشُ إلاَّ على طعامٍ وشرابٍ، والطعامُ والشرابُ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، كما قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ}.
ففي هذهِ الآياتِ بَيَانُ أنَّ رِزْقَنَا طَعَامًا وَشَرَابًا مِنْ عندِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
(3) هذا هوَ الواقعُ الَّذِي تَدُلُّ عليهِ الأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ والعقليَّةُ.
أمَّا السَّمْعِيَّةُ؛ فمنها:
- قولُهُ تَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}.
- وقولُهُ: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى}.
وأمَّا العَقْلُ؛ فَلأَِنَّ وجودَ هذهِ البشريَّةِ لِتَحْيَا، ثُمَّ تَتَمَتَّعَ كمَا تَتَمَتَّعُ الأنعامُ، ثُمَّ تَمُوتَ إلى غيرِ بعثٍ ولا حِسَابٍ، أمرٌ لا يَلِيقُ بِحِكْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بلْ هوَ عَبَثٌ مَحْضٌ، ولا يُمْكِنُ أنْ يَخْلُقَ اللَّهُ هذهِ الخليقَةَ، وَيُرْسِلَ إليها الرُّسُلَ، وَيُبِيحَ لنا دِمَاءَ المُعَارِضِينَ المُخَالِفِينَ للرُّسُلِ عليهِم الصلاةُ والسلامُ، ثمَّ تَكُونُ النتيجةُ لا شيءَ، هذا مُسْتَحِيلٌ على حِكْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
(4) أيْ: أنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَ إلَيْنَا - مَعْشَرَ هذهِ الأمةِ، أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْنَا آياتِ ربِّنَا، وَيُزَكِّينَا، وَيُعَلِّمُنَا الكتابَ والحكمةَ، كما أَرْسَلَ إلى مَنْ قَبْلَنَا، قالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ}.
ولا بُدَّ أنْ يُرْسِلَ اللَّهُ الرُّسُلَ إلى الخَلْقِ؛ لِتَقُومَ عليهم الحُجَّةُ، وَلِيَعْبُدُوا اللَّهَ بما يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ.
قالَ اللَّهُ تبارَكَ وتَعَالَى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلى إِبْرَاهِيمَ وإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ للنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.
ولا يُمْكِنُ أنْ نَعْبُدَ اللَّهَ بما يَرْضَاهُ إلاَّ عنْ طريقِ الرُّسُلِ عليهم الصلاةُ والسلامُ؛ لأنَّهم هم الذينَ بَيَّنُوا لنا ما يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، وما يُقَرِّبُنَا إليهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَبِذَلِكَ كانَ منْ حكمةِ اللَّهِ أنْ أَرْسَلَ إلى الخلقِ رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، الدليلُ قولُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلاً}.
(5) هذا حَقٌّ مُسْتَفَادٌ منْ:
- قولِهِ تَعَالَى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَسَارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلمُتَّقِينَ}.
- ومِنْ قولِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
- ومِنْ قولِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}.
- وقولِهِ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}.
- وقولِهِ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}، والآياتُ في ذلكَ كثيرةٌ.
ومِنْ قولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى))، فَقِيلَ: وَمَنْ يَأْبَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي دَخَلَ النَّارَ)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
(6) هذا أَيْضًا حَقٌّ مُسْتَفَادٌ منْ:
- قولِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}.
- وقولِهِ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا}.
- وقولِهِ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}.
- ومِنْ قولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديثِ السابقِ: ((وَمَنْ عَصَانِي دَخَلَ النَّارَ)).
(7) أي : المَسْأَلَةُ الثانيَةُ مِمَّا يَجِبُ علينا عِلْمُهُ ، أنَّ اللَّهَ سبحانَهُ وتَعَالَى لا يَرْضَى أنْ يُشْرَكَ مَعَهُ في عبادتِهِ أَحَدٌ، بلْ هوَ وحدَهُ المُسْتَحِقُّ للعبادةِ.
ودليلُ ذلكَ ما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ منْ قولِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}.
فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى أنْ يَدْعُوَ الإنسانُ معَ اللَّهِ أحدًا، واللَّهُ لا يَنْهَى عنْ شيءٍ إلاَّ هُوَ لا يَرْضَاهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى:
- وقالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}.
- وقالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.
فالكفرُ والشِّرْكُ لا يَرْضَاهُ اللَّهُ سبحانَهُ وتَعَالَى، بلْ إنَّمَا أَرْسَلَ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ الكُتُبَ؛ لِمُحَارَبَةِ الكفرِ والشركِ والقضاءِ عليهِمَا؛ قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}.
وإذا كانَ اللَّهُ لا يَرْضَى بالكفرِ والشركِ فإنَّ الواجبَ على المؤمنِ أنْ لا يَرْضَى بهما؛ لأنَّ المؤمنَ رِضَاهُ وَغَضَبَهُ تَبَعُ رِضَا اللَّهِ وَغَضَبِهِ، فَيَغْضَبُ لِمَا يُغْضِبُ اللَّهَ، وَيَرْضَى بِمَا يَرْضَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وكذلكَ إذا كانَ اللَّهُ لا يَرْضَى الكفرَ ولا الشِّرْكَ؛ فإنَّهُ لا يَلِيقُ بِمُؤْمِنٍ أنْ يَرْضَى بهما.
والشِّرْكُ أَمْرُهُ خَطِيرٌ:
- قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
- وقالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.
- وقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ)).
(8) أي : المسألةُ الثالثةُ مِمَّا يَجِبُ علينا عِلْمُهُ: الْوَلاءُ وَالْبَرَاءُ.
والولاءُ والبراءُ أصلٌ عظيمٌ جاءَتْ فيهِ النصوصُ الكثيرةُ:
- قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً}.
- وقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
- وقالَ سبحانَهُ وتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
- وقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
- وقالَ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} الآيَةَ.
ولأنَّ مُوَالاَةَ مَنْ حادَّ اللَّهَ ومُدَارَاتَهُ تَدُلُّ على أنَّ ما في قلبِ الإنسانِ من الإيمانِ باللَّهِ ورسولِهِ ضعيفٌ؛ لأنَّهُ ليسَ من العقلِ أنْ يُحِبَّ الإنسانُ شيئًا هوَ عدوٌّ لِمَحْبُوبِهِ.
ومُوَالاَةُ الكُفَّارِ تكونُ بمُناصَرَتِهِم وَمُعَاوَنَتِهِم على ما هم عليهِ من الكُفْرِ والضلالِ.
ومُوَادَّتُهُم تكونُ بفعلِ الأسبابِ التي تَكُونُ بها مَوَدَّتُهُم، فَتَجِدُهُ يُوَادُّهُم؛ أيْ: يَطْلُبُ وُدَّهُم بكلِّ طريقٍ، وهذا لا شَكَّ يُنَافِي الإيمانَ كُلَّهُ أوْ كَمَالَهُ.
فالواجبُ على المؤمنِ مُعَادَاةُ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ورسولَهُ، ولوْ كانَ أَقْرَبَ قريبٍ إليهِ، وَبُغْضُهُ والبعدُ عنهُ، ولكنْ هذا لا يَمْنَعُ نَصِيحَتَهُ وَدَعْوَتَهُ لِلْحَقِّ.


  #4  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 11:15 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حاشية ثلاثة الأصول للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

المتن:

اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ
(1) تَعَلُّمُ ثَلاَثِ هذِهِ المَسَائِلِ والعَمَلُ بِهِنَّ
(2): الأُولَى: أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقنَا
(3) وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً
(4)؛ بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً
(5) فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ
(6) وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ
(7)والدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إنَّا أَرْسَلْنَا إلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيكُم(8) كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرعَوْنَ رَسُولاً (9) (14) فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ(10) فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً(11)} .
الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحـدٌ فِي عِبَادَتِهِ(12)، لاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ(13) وَلا غَيرُهُمَا، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى: {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}(14) .
الثَّالِثَةُ: أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ وَوَحَّدَ اللهَ(15) لاَ يَجُوزُ لَهُ مُوَالاَةُ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ(16) وَلَو كَانَ أَقْرَبَ قَرِيبٍ(17)، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى:
{لاَ تَجِدُ قَوماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ(18) وَلَو كَانُوا آبَاءَهُمْ أَو أَبْنَآءَهُمْ أَو إِخْوَانَهُمْ أَو عَشِيرَتَهُمْ(19) أُولَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ(20) وأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ(21) وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا(22) رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ(23) أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ(24) ألا إنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ(25)} .



الحاشية :
(1) مُكلَّفٌ، مِن ذكَرٍ وأنثَى، حرٍّ وعبْدٍ، وُجُوبًا عَيْنِيًّا، يُعَاقَبُ المرءُ على تركِه.
(2) أيْ: مَعْرِفَتُهُنَّ واعْتِقَادُ معانِيهِنَّ، والعملُ بِمَدْلُولِهِنَّ، فإنَّ العَمَلَ هو ثَمَرَةُ العِلْمِ.
(3) أيْ: أَوْجَدَنا بعدَ أن لم نكُنْ شيئًا لِعبادَتِه، ورَزَقَنا النِّعَمَ لنَسْتَعِينَ بها على مَا خَلَقَنَا لَه.
(4) أيْ: مُهْمَلِين مُعَطَّلِين سُدًى، شِبْهَ البهائِمِ، لا نُؤْمَرُ ولا نُنْهَى:
- قالَ تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}.
- وقالَ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لاَ تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لاَ إِلهَ إلاَّ هُوَ}.
- وفي الحديثِ القُدُسِيِّ: ((ابْنَ آدَمَ خَلَقْتُكَ لأَجْلِي، وَخَلَقْتُ كُلَّ شَيْءٍ لأَجْلِكَ فَلاَ تَلْعَبْ)) بلْ خَلَقَنَا لنَعْبُدَه وحدَه لا شريكَ له.
(5) هو: محمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أرْسَلَه اللَّهُ بالهُدَى ودينِ الحقِّ، وهذا أصْلٌ عظيمٌ مِن أصولِ الدينِ، يَجِبُ علينا معرِفَتُه واعتقادُه، والعَمَلُ بِمُقْتَضَاه.
(6) لأنَّ طاعتَه طاعَةٌ للَّهِ {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ}، {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ}.
(7) أعاذَنَا اللَّهُ مِنْها {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}، وقدْ أَمَرَنَا اللَّهُ بطاعتِه ونَهَانا عن مَعْصِيَتِه في غيرِ موْضِعٍ مِن كتابِه.
(8) معشرُ الثَّقَلَيْن بأعْمَالِكم يومَ القيامَةِ، وقالَ تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} عَدْلاً {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.
(9) هو: موسَى كَلِيمُ الرحمنِ، عليه السلامُ، كمَا أخْبَرَ اللَّهُ به في غيرِ موْضِعٍ مِن كتابِه.
(10) أيْ: عَصَى فِرْعَونُ رسولَ اللَّهِ موسى عليه السلامُ، وأَبَى إلاَّ التمَادِيَ في الكُفْرِ والطُّغْيانِ.
(11) شديدًا مُهْلِكًا، وذلك بإغْراقِه وجنودِه في البحْرِ، فلمْ يَفْلِت منْهُم أحدٌ، ثمَّ بعدَ ذلك في عذابِ البَرْزَخِ إلى يومِ القيامةِ، ثمَّ عذابِ النارِ، قالَ تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} أيْ: يُعْرَضُون عليها في البَرْزَخِ، يُعَذَّبون بها، (غُدُوًّا) أولَ النهَارِ، (وعَشِيًّا) آخِرَه {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ} فهذه عاقِبَةُ العاصِين للرسلِ، وجزاءُ المخالِفين لأمرِهِم، أيْ: فاحْذَروا أنْتُم أَيُّهَا الأمَّةُ، أنْ تَعْصُوا نَبِيَّكُم محمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيَحِلَّ بكم كمَا حَلَّ بِهِم مِن عِقابِ اللَّهِ وأليمِ عذابِهِ، في الدُّنْيا والبَرْزَخِ، وفي الآخِرةِ، نعوذُ باللَّهِ من ذلك، وفي القرآنِ آياتٌ كثيرةٌ، في بيانِ سعادةِ مَن أطاعَ الرسلَ، وشقاوةِ من عَصَاهم.
(12) فهو سبحانه المسْتَحِقُّ لها وحدَه، ومَن سِواه لا يَسْتَحِقُّ شيئًا مِنْها، وفي الحديثِ القُدُسِيِّ: ((إِنِّي وَالجِنَّ وَالإِنْسَ فِي نَبَأٍ عَظِيمٍ، أَخْلُقُ وَيُعْبَدُ غَيْرِي، وَأَرْزُقُ وَيُشْكَرُ سِوَايَ، أَتَقَرَّبُ إِلَيْهِمْ بِالنِّعَمِ، وَيَتَبَغَّضُونَ إِلَيَّ بِالمَعَاصِي)).
ولأنَّ الشركَ أظلمُ الظلْمِ، قالَ تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} والظلْمُ: وضْعُ الشيءِ في غيرِ موضِعِه، وسمَّى اللَّهُ المشرِكَ ظالِمًا؛ لأنَّه وَضَعَ العِبادةَ في غيرِ موضِعِها، وصرَفَها لغيرِ مُسْتَحِقِّها.
وأخبرَ تعالى: أنَّه لا يَرْضَى لعبادِه الكفرَ، وإنَّما يَرْضَى لهم الإسلامَ، كما قالَ تعالَى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} وفي الحديثِ: ((إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)) الحديثَ.
(13) أيْ: لا يَرْضَى سبحانَه أنْ يُجْعَلَ لَه شريكٌ في عبادَتِه؛ لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ عندَه، ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، يَعْني: فَضْلاً عن غيرِهما مِن سائرِ المخلوقاتِ، فإذا لم يَرْضَ بعبادةِ مَن كانَ قَريبًا منه كالملائِكَةِ، ولا نَبيًّا مُرْسَلاً وهم أفضَلُ الخلْقِ، فغيرُهم بطريقِ الأَوْلَى؛ لأنَّ العبادةَ لا تصْلُحُ إلاَّ للَّهِ وحدَه، فكَمَا أنَّه المتَفَرِّدُ بالخلْقِ والرِّزْقِ والتدبيرِ، فهو المسْتَحِقُّ للعبادَةِ وحدَه، دونَ مَن سِواه.
(14) أيْ: وأنَّ المواضِعَ التي بُنِيَت للصلاةِ والعبادةِ وذِكْرِ اللَّهِ، أو أعضاءَ السجودِ للَّهِ، (فلا تَدْعُوا) نَهْيٌ عامٌّ لجميعِ الخلْقِ؛ الإنْسِ والجنِّ فيها أو بها مَعَ اللَّهِ أحَدًا.
و(أَحَدًا) نكِرَةٌ في سياقِ النهْيِ، شمِلَت جَمِيعَ ما يُدْعَى من دونِ اللَّهِ، سواءٌ كانَ المَدْعُوُّ مِن دونِ اللَّهِ صَنَمًا أو وَلِيًّا، أو شجَرَةً أو قَبْرًا، أو جِنِّيًّا أو غيرَ ذلك؛ فإنَّ دعاءَ غيرِ اللَّهِ هو الشرْكُ الأكْبَرُ، والذنبُ الذي لا يُغْفَرُ إلاَّ بالتوبَةِ مِنْه، قالَ تعالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}، {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}.
(15) أي: المسألةُ الثالثةُ مِن المسائلِ الثلاثِ، التي يجِبُ على المكلَّفِ مَعْرِفَتُها واعْتِقَادُها، والعَمَلُ بِمُوجَبِها، أنَّ مَن أطَاعَ الرسولَ فيما أمَرَ بِهِ، واجْتَنَبَ ما نَهَى عنه، ووَحَّدَ اللَّهَ في عبادَتِه.
(16) بلْ يَجِبُ عليه أنْ يُصَارِمَهم، ويُقاطِعَهم، ويُعادِيَهم أشدَّ المعَاداةِ.
والمُحَادُّون للَّهِ هم الكافِرون باللَّهِ، وقدْ حَرَّمَ اللَّهُ مُوالاتَهم على كلِّ مسلمٍ ومسلِمَةٍ.
والموالاةُ: المُوادَّةُ والصداقةُ، ضِدُّ المعاداةِ.
والمحادَّةُ هي: المجانبةُ والمخالَفَةُ، والمُغَاضَبَةُ والمعاداةُ، ولها أيْضًا عندَ أهلِ العلْمِ معنيان:
أحدُهما: أنَّ الكفارَ كانوا في حَدٍّ، والمؤمنون في حَدٍّ، المؤمنون في حَدِّ اللَّهِ ورسولِه، وهو الإيمانُ، والمشرِكون في حدِّ إبليسَ وجنودِه، وهو الكفرُ.
والقولُ الثاني: أنَّه ليسَ بينَ الكافرين والمسلمين إلاَّ الحديدُ، يعني: القتالَ بالحديدِ.
(17) أيْ: ولو كانَ مَن حَادَّ اللَّهَ ورسولَه ابْنَك، أو أبَاك أو أخَاك، أو عَشِيرَتَك، فإنَّ اللَّهَ قطَعَ التَّواصُلَ، والتَّوادُدَ والتَّعَاقُلَ والتَّوارُثَ، وغيرَ ذلك مِن الأَحْكَامِ، والعَلاَئِقَ، وقُرْبَ الأنْسابِ بينَ المُسْلِمينَ والكُفَّارِ؛ فإِنَّ القُرْبَ إنَّما هو في الحَقِيقَةِ قُرْبُ الدِّينِ، لاَ قُرْبُ النَّسَبِ.
فالمُسْلِمُ ولو كَانَ بَعِيدَ الدَّارِ، فهو أَخُوكَ في اللَّهِ، والكَافِرُ ولو كَانَ أَخَاكَ في النَّسَبِ، فَهُو عَدُوُّكَ في الدِّينِ، وحَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُوَالاَتُهُم، بَلْ يَجِبُ اتِّخَاذُهُم أَعْدَاءً وبُغَضَاءَ.
(18) خِطَابٌ للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّه لاَ يَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ باللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ الإيمانَ الوَاجِبَ، يُوَادُّونَ، أيْ: يُوالُونَ ويُحِبُّونَ، مَن حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَه، وهُم الكَافِرُونَ، وإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ قَرِيبٍ.
فَلاَ يَجْتَمِعُ الإيمانُ ومَحَبَّةُ أَعْدَاءِ اللَّهِ، بَلْ لاَ تَجِدُ المُؤْمِنينَ إلاَّ مُحَادِّينَ مَن حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَه، مُعَادِينَ مَن عَادَى اللَّهَ ورَسُولَه فإنَّ المُوادَّةَ (المُحَابَّةَ) مُفَاعَلَةٌ مِن المَحَبَّةِ.
ولاَ رَيْبَ أنَّ الإِيمَانَ الوَاجِبَ يُوجِبُ مُحَادَّةَ مَن حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَه، كَمَا أَنَّه يَسْتَلْزِمُ مَحَبَّةَ مَن يُحِبُّ اللَّهَ ورَسُولَه، ومُوالاَتَهم، فَمَن والَى الكَافِرينَ فَقَدْ تَرَكَ واجِبًا مِن واجِبَاتِ الإيمَانِ، واسْتَحَقَّ أنْ يُنْفَى عنه الإيمانُ، كَمَا في النُّصُوصِ.
وأَمَّا مَن تَرَكَ مُوالاَةَ المُؤْمِنينَ فَقَدْ تَرَكَ واجِبًا مِن واجِبَاتِ الإيمَانِ، واسْتَحَقَّ أنْ يُنْفَى عنه الإيمانُ، ولاَ يَلْزَمُ مِن نَفْيِهِ عَنْهم أنْ يَنْتَفِيَ بالكُلِّيَّةِ.
(19) أيْ: لاَ يُوادُّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَه، ولو كَانُوا الأَقْرَبِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لاَ يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} أَصْدِقَاءً وأَصْحَابًا {مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} الآيةَ.
وقَالَ: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} إلى قَولِهِ: {أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} وخَتَمَها بقولِهِ: {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} فَسَمَّاهُم فاسِقِينَ بذلك.
(20) أيْ: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُوادُّوهُم، أَثْبَتَ اللَّهُ في قُلُوبِهم الإيمانَ وأَرْسَاهُ، فهي مُوقِنَةٌ مُخْلِصَةٌ، وكَتَبَ لَهُم السَّعَادَةَ، وزَيَّنَ الإيمَانَ في بَصَائِرِهِم.
(21) أيْ: قَوَّاهُم بِنَصْرٍ منه، ونَوَّرَ قُلُوبَهُم بالإيمانِ وبالقُرْآنِ وحُجَجِهِ، وسَمَّى نَصْرَه إيَّاهُم رُوحًا؛ لأَِنَّ بِهِ حَيِيَ أَمْرُهُم.
(22) الجَنَّةُ: اسْمٌ لِدَارٍ جَمَعَتْ أَنْواعَ النَّعِيمِ، التي أَعْلاَها النَّظَرُ إلى وَجْهِ اللَّهِ الكَرِيمِ، ويُدْخِلُهُم، أيْ: يُسْكِنُهُم جَنَّاتٍ في دَارِ كَرَامَتِهِ، التي أُعِدَّتْ للمُتَّقِينَ، وسُمِّيَتْ باسْمِ البَسَاتِينِ؛ لأَِنَّها أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ، وأَنْهَارٌ جَارِيَةٌ، وقُصُورٌ عَالِيَةٌ، تَجْرِي مِن تَحْتِ أَشْجَارِهَا ومَسَاكِنِهَا المِيَاهُ في الأَنْهَارِ.
وفي الحَدِيثِ: ((أَنْهَارُ الجَنَّةِ فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ)) (خَالِدِينَ) دَائِمِينَ (فِيهَا) {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً}.
(23) وهذا أَعْلَى مَرَاتِبِ النَّعِيمِ، وفيه سِرٌّ بَدِيعٌ، وهو: أنَّهم لَمَّا أَسْخَطُوا القَرَائِبَ، والعَشَائِرَ في اللَّهِ، عَوَّضَهُم اللَّهُ بالرِّضَى عنهم، وأَرْضَاهُم عنه بِمَا أَعْطَاهُم مِن النَّعِيمِ المُقِيمِ، والفَوْزِ العَظِيمِ، والفَضْلِ العَمِيمِ.
(24) لَمَّا ذَكَرَ هذه النِّعَمَ: أَتْبَعَها بِمَا يُوجِبُ تَرْكَ المُوَالاَةِ لأَِعْدَاءِ اللَّهِ، فَقَالَ: {أُولَئِكَ} أيْ: المُوالُونَ أولياءَ اللَّهِ، المُصَارِمُونَ أَعْدَاءَ اللَّهِ، هم: {حِزْبُ اللَّهِ} وأَنْصَارُه في أَرْضِهِ، وعِبَادُه المُقَرَّبُونَ، وأَهْلُ كَرَامَتِهِ.
(25) الفَائِزُونَ في الدُّنيا والآخِرَةِ، النَّاجُونَ يومَ القِيَامَةِ، وفي الحَديثِ: ((اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ لِفَاجِرٍ، وَلاَ لِفَاسِقٍ عِنْدِي يَدًا، وَلاَ نِعْمَةً، فَإِنِّي وَجَدْتُ فِيمَا أَوْحَيْتَهُ إِلَيَّ: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ})) وظَهَرَ بِهَذا أنَّه يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلمٍ مُقَاطَعَةُ المُشْرِكِينَ ومُنَابَذَتُهُم.


  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 11:19 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حصول المأمول لفضيلة الشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

(1) ثم ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسائلَ أُخرَى مُفَرَّعَةً علَى ما تَقَدَّمَ فقالَ: (اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ) وهذا دعاءٌ مِن الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللهُ يَدُلُّ علَى حِرْصِهِ ونَفْعِهِ لأخيهِ الْمُسْلِمِ كما تَقَدَّمَ.
(2) قولُهُ: (أَنَّهُ يَجِبُ علَى كلِّ مُسْلِمٍ ومُسلِمَةٍ تَعَلُّمُ هذه الْمَسائلِ الثلاثِ والعَمَلُ بِهِنَّ).هذه الْمَسائلُ الثلاثُ مُجْمَلُها:
الأولَى: في توحيدِ الرُّبوبيَّةِ.
والثانيَةُ: في توحيدِ الأُلوهِيَّةِ.
والثالثةُ: في الوَلاءِ والْبَرَاءِ.
وهذه الْمَسائلُ الثلاثُ مَسائلُ عَظيمةٌ لا بُدَّ مِنْ تَعَلُّمِها والعمَلِ بها؛ لأنَّها قاعدةُ الدِّينِ وأساسُ العَقيدةِ.
(3) فـ (الأُولَى) التي هيَ توحيدُ الرُّبوبيَّةِ (أَنَّ اللهَ خَلَقَنا ورَزَقَنا ولم يَتْرُكْنا هَمَلاً)هذه ثلاثةُ أُمورٍ:
(4) الأَوَّلُ: أنَّ اللهَ تعالَى خَلَقَنا، والدليلُ علَى أنَّ اللهَ خَلَقَنا هوَ السمْعُ والعَقْلُ.
أمَّا السمْعُ فآياتُهُ كَثيرةٌ كقولِهِ تعالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}، وقولِهِ تعالَى: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}.
أمَّا العقلُ فقدْ دَلَّ عليهِ قولُ اللهِ تعالَى في سورةِ الطُّورِ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}، ففي هذه الآيَةِ دليلٌ عقليٌّ علَى أنَّهُ لا بُدَّ مِنْ خالِقٍ، وأنَّهُ لم يُوجَدْ هذا الكونُ صُدْفَةً؛ لأنَّ القِسْمَةَ العقليَّةَ تَقتضِي ثلاثةَ أُمورٍ لا رابعَ لها:
- إمَّا أننا خُلِقْنَا بدونِ خالقٍ، وهذا لا يُمْكِنُ؛ لأنَّ الْخَلْقَ لا بُدَّ أن يَتَعَلَّقَ بخالِقٍ كالتحريكِ يَتَعَلَّقُ بِمُحَرِّكٍ، فلا يُمكِنُ للشيءِ أن يَتَحَرَّكَ مِنْ مَكانِهِ إلاَّ بوُجودِ مُحَرِّكٍ لهُ، وهذا أَمْرٌ ضَروريٌّ يَعرِفُهُ العُقلاءُ.
فكَوْنُنا خُلِقْنَا بدونِ خالِقٍ هذا لا يُمْكِنُ، والناسُ بِمُقْتَضَى عُقولِهم - حتَّى الْمُعانِدونَ مِنهم - يَعْرِفون هذا.
فلوْ قِيلَ لشخصٍ: إنَّ هناكَ قَصْرًا مِن القصورِ الذي جُهِّزَ بكلِّ ما تَشتهيهِ الأَنْفُسُ وتَتَمَنَّاهُ، ولكنَّ هذا القَصْرَ وُجِدَ صُدفةً بدونِ بِناءٍ ولا إِعدادٍ؛ لبَادَرَ الناسُ إلَى التكذيبِ، وقالُوا: هذا لا يُمْكِنُ؛ لأنَّ القَصْرَ يَحتاجُ إلَى بِناءٍ، وما فيهِ يَحتاجُ إلَى إعدادٍ، فلا بدَّ مِنْ عُمَّالٍ وصُنَّاعٍ.
الأمرُ الثاني: أننا خَلَقْنَا أنْفُسَنا، وهذا أَشَدُّ فَسادًا ممَّا قَبْلَهُ؛ لأننا مَعدومونَ، والْمَعدومُ لا يُمْكِنُ أنْ يكونَ قادرًا علَى إيجادِ نفسِهِ؛ لأنَّ العَدَمَ نقْصٌ، والخَلْقَ كمالٌ، فكيفَ يكونُ الناقصُ كاملاً، هذا لا يُمْكِنُ، فيَتَعَيَّنُ:
الأمْرُ الثالثُ وهوَ: أنَّهُ لا بدَّ لنا مِنْ خالقٍ وهوَ الربُّ القادِرُ.
ولهذا قالَ تعالَى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} يعنِي: هلْ هم خُلِقوا هكذا دونَ خالقٍ؟ هذا الأمرُ الأوَّلُ، أمْ هم الخالقونَ؟ يعني: لأنفسِهم، هذا الأمرُ الثاني، والأمرُ الثالثُ لم تَذْكُرْهُ الآيَةُ؛ لأنَّهُ إذا امْتَنَعَ الأمرُ الأوَّلُ والثاني يَتعيَّنُ الأمرُ الثالثُ.
وقدْ وَرَدَ في الحديثِ أنَّ رجلاً مُشْرِكًا سَمِعَ هذه الآيَةَ فدَخَلَ الإيمانُ في قَلْبِهِ وهوَ جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ كما في (صحيحِ البخاريِّ) أنَّهُ جاءَ في مَوضوعِ أُسارَى بَدْرٍ والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يَقرأُ في صلاةِ الْمَغرِبِ بسورةِ الطُّورِ، فمَرَّت الآيَةُ وجُبيرٌ يَسمعُ، فيقولُ مُعَبِّرًا عنْ نفسِهِ: (كادَ قَلبِي أنْ يَطيرَ، ومُنذُ ذلكَ الوقتِ وَقَرَ الإيمانُ في قَلْبِي)؛ لأنَّهُ مِنْ أهلِ اللِّسَانِ والفَصاحةِ والبلاغةِ، فعَرَف الآيَةَ ومعناها وما تَدُلُّ عليهِ؛ فوَقَرَ الإيمانُ في قَلْبِهِ.

(5) قولُهُ: (ورَزَقَنا).هذا الأمرُ الثاني مِمَّا يَتَعَلَّقُ بتوحيدِ الربوبيَّةِ.
والدليلُ علَى أنَّ اللهَ تعالَى رَزَقَنا آياتٌ كثيرةٌ مِن القرآنِ الكريمِ:
- كقولِ اللهِ تعالَى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}.
- وقولِهِ تعالَى: {إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}.
- وقولِهِ تعالَى: {إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} إلَى غيرِ ذلكَ مِن الآياتِ.
والرِّزْقُ: اسمٌ لما يَسُوقُهُ اللهُ إلَى الحيوانِ فيَأْكُلُهُ، قالَ في (القاموسِ): الرِّزْقُ - بالكسْرِ -: ما يَنْتَفِعُ بهِ كلُّ مُرتَزِقٍ.
والرِّزْقُ نوعانِ:
خاصٌّ: وهوَ الرزْقُ الحلالُ للمؤمِنينَ، وهذا هوَ الرزْقُ النافعُ الذي لا تَبِعَةَ فيهِ إذا كانَ عَوْنًا علَى طاعةِ اللهِ تعالَى، قالَ تعالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
عامٌّ: وهوَ ما بهِ قِوامُ البَدَنِ، سواءٌ كانَ حلالاً أوْ حَرامًا، وسواءٌ كانَ الْمَرزوقُ مُسلِمًا أوْ كافرًا، قالَ تعالَى: {وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا}.

(6) وقولُهُ: (ولم يَتْرُكْنا هَمَلاً) هذا الأمرُ الثالثُ.
والهمَلُ بالتحريكِ: هوَ السُّدَى المتروكُ ليلاً ونهارًا، ولم يَرِد اللفظُ هذا في القرآنِ الكريمِ، إنَّمَا الذي وَرَدَ في القرآنِ الكريمِ: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى}، ووَرَدَ في القرآنِ الكريمِ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ}.
فالهَمَلُ، والسُّدَى، والعبَثُ، بمعنًى واحدٍ، وهوَ المتروكُ الذي لا يُؤْمَرُ ولا يُنْهَى.
والدليلُ مِن السمْعِ علَى أنَّ اللهَ تعالَى لم يَتْرُكْنَا سُدًى هوَ ما تَقَدَّمَ.
أمَّا الدليلُ مِن العقلِ فإنَّ اللهَ جلَّ وعلا حكيمٌ، فقدْ خَلَقَنَا ورَزَقَنا، وأَرْسَلَ إلينا الرُّسُلَ، وأَنزلَ عليهم الكُتبَ، وأَوْجَبَ علينا طاعتَهم، وأَمَرَنا بقِتالِ المعانِدينَ، فلوْ لم يكنْ هناكَ حسابٌ ولا عِقابٌ، ولا ثَوابٌ ولا جَزاءٌ؛ لكان هذا مِن العبَثِ الذي يُنَزَّهُ اللهُ تعالَى عنه.
فاللهُ تعالَى شَرَعَ هذه الأمورَ لِمَعادٍ يُحاسَبُ عليهِ الإنسانُ، المحسِنُ بإحسانِهِ، والْمُسيءُ بإساءتِهِ، فهذا الدليلُ العقليُّ يَدُلُّ علَى أنَّ اللهَ تعالَى لم يَتْرُكْنا هَمَلاً، وأنَّ الجزاءَ الأُخْرَوِيَّ تَعْقُبُهُ الحياةُ الأَبَدِيَّةُ، وهيَ الحياةُ الحقيقيَّةُ كما في قولِهِ تعالَى: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} سَمَّاها حياةً معَ أنَّ الدنيا حياةٌ، لكنَّها حياةٌ إلَى زوالٍ وانقضاءٍ.
وأمَّا حياةُ البقاءِ والخلودِ فهيَ الحياةُ في الدارِ الآخِرَةِ، إمَّا في عذابٍ سَرْمَدِيٍّ، وإمَّا في نَعيمٍ دائمٍ، نَسألُ اللهَ الكريمَ مِنْ فَضْلِهِ.

(7) قولُهُ: (بَلْ أَرْسَلَ إلينا رَسولاً، فمَنْ أطاعَهُ دخَلَ الجنَّةَ، ومَنْ عَصاهُ دَخَلَ النارَ).
هذا دليلٌ علَى أنَّ اللهَ تعالَى لم يَتْرُكْنا هَمَلاً، والْمُرَادُ بالرسولِ هوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، والْمُرَادُ بقولِ المُصَنِّفِ (أَرْسَلَ إلينا) أيْ: مَعشرَ الأُمَّةِ.
وقدْ جاءَ في القرآنِ الكريمِ آيَةٌ عظيمةٌ تُبَيِّنُ الغايَةَ مِنْ بَعثةِ الرسولِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، قالَ تعالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ}.
فالغايَةُ مِنْ إرسالِ الرسُلِ: طاعتُهم واتِّبَاعُهم فيما جاءوا بهِ عن اللهِ تعالَى.
وأمَّا الحكمةُ مِنْ إرسالِ الرسُلِ فهيَ هِدايَةُ البَشَرِيَّةِ إلَى الصراطِ المستقيمِ، وبيانُ عِبادةِ اللهِ تعالَى علَى الوجهِ الْمَرضيِّ؛ لأنَّ العقلَ البشريَّ لا يَسْتَقِلُّ بمَعْرِفَةِ ذلكَ والتلَقِّيَ لا يُمْكِنُ عن اللهِ تعالَى إلاَّ بواسِطَةِ الرُّسُلِ، فالرُّسُلُ واسطةٌ بينَ اللهِ تعالَى وبينَ الخلْقِ.
والرسولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ هوَ الذي يُشَرِّعُ للأمَّةِ بعدَ تَشريعِ اللهِ تعالَى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ}.
(8) ثم بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ مآلَ الطائعينَ والعُصاةِ بقولِهِ: (فمَنْ أَطاعَهُ دَخَلَ الجنَّةَ، ومَنْ عصاهُ دَخَلَ النارَ).
وهذا دَلَّ عليهِ القرآنُ الكريمُ في آياتٍ كثيرةٍ، قالَ تعالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّين وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}، وفي الجانبِ الآخَرِ: {وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا}.
وعنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: ((كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: ((مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى)).

(9) قولُهُ: (والدليلُ قولُهُ تعالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلاً}) هذا دليلٌ علَى المسألةِ الأخيرةِ وهيَ قولُهُ: (بلْ أَرْسَلَ إلينا رَسولاً).
والْخِطابُ في قولِهِ تعالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ}، يعني: لكُفَّارِ قُريشٍ، والْمُرَادُ: سائرُ الناسِ.
{رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ}، يعني: شاهدًا علَى أعمالِكم، كما في قولِهِ تعالَى: {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}.
وقولِهِ تعالَى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} هوَ موسَى عليهِ الصلاةُ والسلامُ، وعَدَمُ تَعيينِهِ؛ لعَدَمِ دخلهِ في التشبيهِ، أوْ لأنَّهُ معلومٌ غَنِيٌّ عن البيانِ.
والمقصودُ مِنْ هذه الآيَةِ - واللهُ أَعْلَمُ - تَذكيرُ هذه الأُمَّةِ بهذه النِّعمةِ العظيمةِ، وهيَ إرسالُ هذا النبيِّ الكريمِ، وتَحذيرُها أن تَفعلَ مِثلَ ما فَعَلَ قومُ فِرعونَ فيُصيبَهم ما أصابَهم.
والمعنَى: أنَّ اللهَ جلَّ وعَلاَ أَرْسَلَ إليكم رَسولاً كما أَرسلَ إلَى فِرعونَ رَسولاً، فانْظُرُوا ماذا كانَ مَوقفُ فِرعونَ وقومِهِ مِن الرسولِ؛ لأنَّ سُنَّةَ اللهِ واحدةٌ لا تَتغيَّرُ ولا تَتَبَدَّلُ.
قالَ تعالَى: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلاً}، وأَصْلُ الوَبيلِ في اللغةِ بمعنَى: الثقيلِ الشديدِ، كما وَرَدَ عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
تقولُ العَرَبُ: كَلأٌَ وَبيلٌ، وطَعامٌ وَبيلٌ؛ أيْ: ثقيلٌ رَديءُ العُقْبَى، والطعامُ الذي يُسْتَمْرَأُ تَهْضِمُهُ الْمَعِدَةُ بِراحةٍ وفي وقتٍ قصيرٍ، أمَّا إذا كانَ الطعامُ لا يُسْتَمْرَأُ فإنَّ الْمَعِدةَ لا تَهْضِمُهُ بسُهولةٍ، وتَحتاجُ إلَى وقتٍ أطولَ، وقدْ يكونُ لهُ عَواقبُ وَخيمةٌ.
وقدْ قالَ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: (الحقُّ ثَقيلٌ مَرِيٌّ، والباطلُ خَفيفٌ وَبِيٌّ)، يعني: عاقِبتُهُ وَخيمةٌ.
أمَّا الحقُّ فإنَّهُ - وإنْ كانَ الإنسانُ يَحْسَبُ أنَّهُ ثَقيلٌ عليهِ - فهوَ مَرِيٌّ خَفيفٌ، عاقِبتُهُ حَميدةٌ.
فاللهُ تعالَى أَخَذَ فِرعونَ أَخْذًا شَديدًا مُهْلِكًا؛ وذلكَ بإغراقِهِ وجُنودِهِ في البحرِ فلم يُفْلِتْ مِنهم أَحَدٌ، ثمَّ بعدَ ذلكَ في عذابِ الْبَرْزَخِ إلَى يومِ القيامةِ، ثمَّ عَذابِ النارِ، قالَ تعالَى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}. (10)

قولُ المُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللهُ: (الثانيَةُ: أنَّ اللهَ لا يَرْضَى أنْ يُشْرَكَ معه أحدٌ في عِبادتِهِ، لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ)
هذه المسألةُ الثانيَةُ، وهيَ في تَوحيدِ الأُلوهيَّةِ.
والمعنَى: أنَّ اللهَ جلَّ وعلا يُوجِبُ علَى الْمُكَلَّفِينَ إفرادَهُ بالعِبادةِ؛ لأنَّهُ هوَ الْمُسْتَحِقُّ للعِبادةِ وَحدَهُ لا شَريكَ لهُ؛ لأنَّهُ سُبحانَهُ وتعالَى هوَ الخالقُ الرازقُ، لهُ الْمُلْكُ والأَمْرُ، فلا يَرْضَى سُبحانَهُ وتعالَى أنْ يُشْرَكَ معه أحدٌ مهما بلَغَ هذا الشخصُ مِن الطَّهارةِ والعُلُوِّ والرِّفعةِ، لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.
وإذا كانَ اللهُ تعالَى لا يَرْضَى أن يُشْرَكَ معه لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وهم مُقرَّبونَ إلَى اللهِ تعالَى، ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وقد اصطفاهم اللهُ سُبحانَهُ وتعالَى، فإنَّ غيرَهم مِن الْخَليقةِ مِنْ بابِ أَوْلَى؛ لأنَّ العِبادةَ لا تَصْلُحُ إلاَّ للهِ تعالَى، وصَرْفَها لغيرِ اللهِ ظُلْمٌ، قالَ تعالَى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
واللهُ جلَّ وعلا لا يَرْضَى لعِبادِهِ الكُفْرَ، وإنَّمَا يَرْضَى لهم الإسلامَ، كما قالَ تعالَى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}.

(11) قولُهُ: (والدليلُ قولُهُ تعالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا}) المساجِدُ: جَمْعُ مَسجِدٍ، وهوَ كلُّ مَوْضِعٍ بُنِيَ للصلاةِ والعِبادةِ وذِكْرِ اللهِ تعالَى، والدليلُ علَى هذا المعنَى قولُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في قِصَّةِ الأعرابيِّ الذي بالَ في الْمَسجِدِ: ((إِنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لاَ يَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا بُنِيَ لِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَلِلصَّلاَةِ)).
وهذه وَظيفةُ الْمَساجِدِ، وهذه الإضافةُ في الآيَةِ إضافةُ تَشريفٍ وتَخصيصٍ، ويكونُ المعنَى علَى التخصيصِ: إنكم إذا دَخَلْتُم المساجِدَ للعِبادةِ فلا تَدْعُوا فيها معَ اللهِ أحدًا؛ لأنَّها بُيوتُ اللهِ، فكيفَ تَدْخُلُ بيتَهُ وتَدْعو معه غيرَهُ؟.
وقولُهُ تعالَى: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا}
{أَحَدًا} نَكِرَةٌ، والنكِرَةُ في سِياقِ النهيِ تُفيدُ العُمومَ؛ أيْ: فلا تَدْعُوا معَ اللهِ أحدًا كائنًا مَنْ كانَ، لا مَلَكًا مُقَرَّبًا، ولا نَبِيًّا مُرْسلاً، وما دونَ ذلكَ مِنْ بابِ أَوْلَى، كما تَقَدَّمَ.

(12) قولُ المُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللهُ: (الثالثةُ: أنَّ مَنْ أَطاعَ الرسولَ وَوَحَّدَ اللهَ لا يَجوزُ لهُ مُوالاةُ مَنْ حادَّ اللهَ ورسولَهُ).
هذه المسألةُ الثالثةُ ومَوضوعُها: الولاءُ والْبَرَاءُ، والمعنَى: أنَّ مَنْ أطاعَ الرسولَ فيما أَمَرَ، واجْتَنَبَ ما عنه نَهَى وزَجَرَ، ووَحَّدَ اللهَ سُبحانَهُ، فهذه هيَ العَقيدةُ الإسلاميَّةُ، ومِنْ أصولِ هذه العقيدةِ: أن يُوَالِيَ أَهْلَها، ويُبْغِضَ أهلَ الشرْكِ ويُعادِيَهم، قالَ تعالَى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ} الآيَةَ.
وعن ابنِ عباس رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ: الْحُبُّ فِي اللهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللهِ)).
فالحُبُّ في اللهِ، والْمُوالاةُ في اللهِ، والْمُعاداةُ في اللهِ: مِنْ مُقْتَضَيَاتِ مِلَّةِ إبراهيمَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، ومِنْ لَوازِمِ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
والدليلُ علَى هذا - أيْ: علَى الثاني - قولُ اللهِ تعالَى كما ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ...} الآيَةَ.
ومعنَى قولِ المؤلِّفِ رَحِمَهُ اللهُ: (ولا يَجوزُ لهُ مُوالاةُ مَنْ حادَّ اللهَ ورسولَهُ) أيْ: عادَى اللهَ ورسولَهُ هذا معنَى الْمُحَادَّةِ، وأَصْلُ الْمُحَادَّةِ في اللغةِ: أنْ تكونَ في جانِبٍ، والشخصُ الذي تُعانِدُهُ في جانِبٍ آخَرَ، ولا رَيْبَ أن مَنْ لم يُطِع اللهَ ورسولَهُ فإنَّهُ يَصْدُقُ عليهِ أنَّهُ مُحَادٌّ للهِ ورسولِهِ، كأنَّهُ بتَصَرُّفِهِ هذا في جانبٍ، واللهُ سُبحانَهُ ورسولُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في جانبٍ آخَرَ.
والْمُوالاةُ معناها: الْمُصادَقَةُ والْمُوَادَّةُ والْمَحَبَّةُ، وهيَ تُشْعِرُ بالقُرْبِ والدُّنُوِّ مِن الشيءِ.

(13) وقولُهُ: (وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ قَريبٍ) أي: الولدِ والوالدِ؛ لأنهما أَقرَبُ قَريبٍ للإنسانِ، إمَّا الأصلُ وإمَّا الفَرْعُ، ثمَّ يأتي بعدَ هذا الإخوانُ وهم الأَعوانُ، ثمَّ بعدَ هذا تأتي بَقِيَّةُ القَرابةِ.
لكن في بابِ الْمُوالاةِ وفي بابِ المعاداةِ لا قِيمةَ للنَّسَبِ، فأَخوكَ في العقيدةِ هوَ أخوكَ الحقيقيُّ، وعَدُوُّكَ الحقيقيُّ هوَ عَدُوُّكَ في العَقيدةِ.
فأَخوكَ الحقُّ هوَ أخوكَ في العقيدةِ ولوْ كانَ في أَقْصَى الدنيا.
وعدُوُّكَ الحقُّ هوَ عَدُوُّكَ في العَقيدةِ ولوْ كانَ أَقربَ قَريبٍ؛ إذ ليسَ هناكَ اعتبارٌ للأنسابِ في مِيزانِ الإسلامِ، إنَّمَا الاعتبارُ بهذه العَقيدةِ؛ ولهذا أَكَّدَ اللهُ تعالَى هذا المعنَى وضَرَبَ الأمثلةَ ببَعْضِ القَرابةِ.

(14) فقالَ تعالَى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا}، والفعلُ {لا تَجِدُ} بضمِّ الدالِ، وإذا كانتْ مَضمومةً فهذا نَفْيٌ، ويقولُ علماءُ البلاغةِ: إنَّ النفيَ أَبْلَغُ مِن النهيِ؛ لأنَّ النهيَ مُتَعَلِّقٌ بالْمُسْتَقْبَلِ، والنفيَ مُتَعَلِّقٌ بالماضي والْمُستقبَلِ، فيكونُ المعنَى: لا تَجِدُ في أيِّ وقتٍ مِن الأوقاتِ قومًا يؤمِنون باللهِ واليومِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حادَّ اللهَ ورسولَهُ.

(15) ومعنَى {يُؤْمِنونَ بِاللهِ} أيْ: يؤمِنون الإيمانَ الصحيحَ الذي يَتَوَافَقُ فيهِ الظاهِرُ معَ الباطِنِ.
وهذا يُفيدُ أنَّ الْمِعيارَ الصحيحَ لِمُعَادَاةِ الكُفَّارِ هوَ الإيمانُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، وهذا يُوجِبُ علَى الإنسانِ أن يَتَفَقَّدَ إيمانَهُ، فإن حَصَلَ عندَهُ مَيْلٌ أوْ رُكونٌ لِمَنْ يُحَادُّ اللهَ ورسولَهُ؛ فعليهِ أنْ يُرَاجِعَ نفسَهُ ويَتَأَمَّلَ في إيمانِهِ؛ لأنَّ مُوالاتَهم قدْ تكونُ دليلاً علَى فَقْدِ الإيمانِ بالكُلِّيَّةِ، أوْ علَى ضَعْفِهِ علَى حَسَبِ ما يَقومُ بالقَلْبِ.
وعلَى أيِّ حالٍ فمُوالاتُهم أَمْرُها خَطيرٌ؛ لأنَّ اللهَ جلَّ وعلا نَفَى اجتماعَ الإيمانِ معَ مُوَادَّتِهم فقالَ سُبحانَهُ: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوآدُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ}.
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ: (فأَخْبَرَ أنكَ لا تَجِدُ مُؤمِنًا يُوَادُّ الْمُحَادِّينَ للهِ ورسولِهِ، فإنَّ نفسَ الإيمانِ يُنافِي مُوَادَّتَهُ، كما يَنْفِي أحَدُ الضِّدَّيْنِ الآخَرَ، فإذا وُجِدَ الإيمانُ انْتَفَى ضِدُّهُ وهوَ مُوالاةُ أعداءِ اللهِ، فإذا كانَ الرجُلُ يُوالِي أَعداءَ اللهِ بقَلْبِهِ كانَ ذلكَ دَليلاً علَى أنَّ قَلْبَهُ ليسَ فيهِ الإيمانُ الواجِبُ).
(16) وقولُهُ تعالَى: {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} أيْ: لا يُوادُّونَ مَنْ حادَّ اللهَ ورسولَهُ ولوْ كانوا الأقربينَ.
وقولُهُ: {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}، قالَ الراغبُ: (العشيرةُ: اسمٌ لكلِّ جماعةٍ مِنْ أقاربِ الرجُلِ الذينَ يَتَكَثَّرُ بهم) ا. هـ.
وقالَ الأَلُوسيُّ: (وليسَ الْمُرَادُ بمَنْ ذَكَرَ خُصوصَهم، وإنَّمَا الْمُرَادُ الأقاربُ مُطْلَقًا، وقَدَّمَ الآباءَ؛ لأنَّهُ يَجِبُ علَى أبنائِهم طَاعتُهم ومُصاحَبتُهم في الدنيا بالمعروفِ، وثَنَّى بالأبناءِ؛ لأنَّهُم أَعْلَقُ بهم لكونِهم أَكبادَهم، وثَلَّثَ بالإخوانِ؛ لأنَّهُم الناصرونَ لهم.. وخَتَمَ بالعشيرةِ؛ لأنَّ الاعتمادَ عليهم والتناصُرَ بهم بعدَ الإخوانِ غالبًا).

(17) ثم ذَكَرَ سُبحانَهُ أنَّهُ جازاهم بخمسةِ أشياءَ، وبَدَأَ تعالَى بأَلْطَافِهِ الدنيويَّةِ فقالَ جلَّ وعلا: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} أيْ: جَمَعَهُ في قلوبِهم وثَبَّتَهُ وأَرساهُ، فهيَ قلوبٌ مؤمِنةٌ مُخْلِصَةٌ لا تُؤَثِّرُ فيها الشُّبَهُ ولا الشُّكوكُ.(18) {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} أيْ: قَوَّاهُم {بِرُوحٍ مِنْهُ} أيْ: بنورٍ وهُدًى ومَدَدٍ إلهيٍّ، وإحسانٍ رَبَّانِيٍّ، وسَمَّاهُ اللهُ رُوحًا؛ لأنَّهُ سببٌ للحياةِ الطَّيِّبَةِ.

(19) ثمَّ ذَكَرَ آثارَ رَحمتِهِ الأُخْرَوِيَّةِ فقالَ سُبحانَهُ: {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} وهيَ دارُ كَرامتِهِ، فيها ما لا عينٌ رأتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قلبِ بَشَرٍ.

(20) {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ} هذا استئنافٌ جَرَى مَجْرَى التعليلِ، والمعنَى: أنَّ اللهَ يُحِلُّ عليهم رِضوانَهُ بطَاعَتِهم إياهُ في الدنيا.
(21) {وَرَضُوا عَنْهُ} في الآخِرةِ بإدخالِهِ إيَّاهم الجنَّةَ وما فيها مِن الكَراماتِ، وهذا أعلَى مَراتبِ النَّعِيمِ.
قالَ ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: (وفيهِ سِرٌّ بَديعٌ وهوَ أنَّهُم لَمَّا أَسْخَطُوا الأقاربَ والعشائرَ في اللهِ عَوَّضَهم اللهُ بالرِّضا عنهم، وأَرضاهُم عنه بما أعطاهُم مِن النعيمِ الْمُقيمِ، والفَوْزِ العظيمِ، والفَضْلِ العميمِ).
(22) وقولُهُ تعالَى: {أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ} إضافةُ تَشريفٍ ببيانِ اختصاصِهم بهِ تعالَى.
(23) {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الفلاحُ: هوَ الفَوْزُ والظَّفَرُ بسعادةِ الدنيا ونعيمِ الآخِرةِ، وذُكِرَتْ كلمةُ {حِزْبُ اللهِ} في الأَوَّلِ لبيانِ اختصاصِهم بهِ تعالَى كما مَرَّ، والثانيَةِ لبيانِ اختصاصِهم بسعادةِ الدارَيْنِ.
ومُوالاةُ الكُفَّارِ لها مَظَاهِرُ مُتعدِّدَةٌ يَكْثُرُ ظُهورُها مِنْ زَمَنٍ إلَى زَمَنٍ آخَرَ، ولْنَذْكُرْ أَهَمَّ هذه الْمَظاهِرِ، فمَتَى تَلَبَّسَ بها أوْ بشيءٍ مِنها إنسانٌ مسلِمٌ فعليهِ أن يَعْلَمَ أنَّهُ قدْ والاهم بقَدْرِ ما قامَ بهِ مِنْ هذه الْمَظاهِرِ.
قالَ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}.
فمِنْ هذه المَظاهِرِ:
أوَّلاً: الرضا بكُفْرِ الكافرينَ وعَدَمُ تَكفيرِهم، أو الشكُّ في كُفْرِهم، أوْ تَصحيحُ أيِّ مَذْهَبٍ مِنْ مَذاهبِهم الكافِرَةِ.
ثانيًا: التَّشَبُّهُ بهم بعَادَاتِهم وأَخلاقِهم وتقالِيدِهم؛ لأنَّهُ ما تَشَبَّهَ بهم إلاَّ لأنَّهُ مُعْجَبٌ، والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يَقولُ: ((مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)).
ثالثًا: الاستعانةُ بهم، والثِّقَةُ بهم، واتخاذُهم أعوانًا وأنصارًا.
رابعًا: مُعاونتُهم ومُناصرَتُهم.
خامسًا: مُشارَكَتُهم في أعيادِهم بإعانتِهم، إما بالحضورِ أوْ بالتهنئةِ.
سادسًا: التَّسَمِّي بأسمائِهم.
سابعًا: السفَرُ إلَى بلادِهم لغيرِ ضَرورةٍ، بلْ للنُّزْهَةِ ومُتْعَةِ النفسِ.
ثامِنًا: الاستغفارُ لهم والترَحُّمُ عليهم إذا ماتَ مِنهم مَيِّتٌ.
تاسعًا: مُجامَلَتُهم ومُدَاهَنَتُهُم في الدِّينِ.
عاشرًا: استعارةُ قَوانِينِهم ومَناهِجِهم في حُكْمِ الأُمَّةِ وتَربيَةِ أبنائِها.
فهذه بعضُ مَظاهِرِ مُوالاةِ الكُفَّارِ، والمسألةُ تَحتاجُ إلَى بيانٍ أَكْثَرَ، وفيما ذَكَرْنا كفايَةٌ إنْ شاءَ اللهُ.


  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 11:24 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح معالي الشيخ :صالح بن عبدالعزيزبن محمد آل الشيخ (مفرغ)



[وجوب تعلم هذه المسائل الثلاث]
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذه المسائل الثلاث التي ذكرها الشيخ رحمه الله تعالى صلة لما قبلها، وتمهيد لما بعدها، فأعاد وكرر بقوله: (اعلم رحمك الله)، وفي هذا ما فيه من التلطف بالمتعلمين. (اعلم أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل) مع المسائل الأربع التي سبقت.
وهذه المسائل يجب أن يتعلمها كل مسلم وكل مسلمة؛ لأن فيها بيان أصل الدين وقاعدة الدين.
[شرح المسألة الأولى]
الأولى من تلكم المسائل: أن الله جل جلاله خلق الخلق لغاية، لم يخلقهم لغير غاية، لم يخلقهم سدىً ولا عبثاً - سبحانه وتعالى عما يصفون - بل إنما خلق الخلق لغاية، قال جل وعلا: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}، وقال جـل وعـلا: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} يعني: لغير غاية ولغير حكمة! {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} وأنه لن يكون بعث بعد خلقكم، وأنه لن يكون إرجاع لكم إلى من خلقكم! وهذا فيه قدح، في حكمة الله جل وعلا.
لذلك قال جل وعلا بعدها: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} تعالى عما يصفه به المبطلون، تعالى عما يظنه عليه الجاهلون القادحون في حكمته.
فإذاً؛ الخلق مخلوقون لغاية، ما هذه الغاية؟ هي ما بينها في قوله جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}، الله جل وعلا ما خلق الجن والإنس إلا لغاية واحدة، وهي الابتلاء: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} الاختبار، اختبار في أي شيء؟ في عبادته؛ هل يُعْبَد وحده لا شريك له، أم يَتخذ المخلوقُ - هذا - آلهةً أخرى مع الله جل وعلا؟ وهذه مسألة - ولا شك - عظيمة.
الإنسان خلق لهذه الغاية، لكن يحتاج إلى من يبصره بهذه الغاية، ويعلمه القصد من خلقه، ويعلمه كيف يصل إلى عبادة ربه على الوجه الذي يرضى به الله جل وعلا عنه.
فبعث الله جل وعلا رسلاً مبشرين ومنذرين، يدلون الخلق إلى وعلى خالقهم، يعرفونهم بمن يستحق العبادة وحده، ويعرفونهم بالطريق التي أَذِنَ مَن خلقهم أن يعبدوه بها.
قال جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ} أي: نبينا محمد عليه الصلاة والسلام {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} وقال جل وعلا: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً}.
فكل أمة قد خلا فيها نذير، كما قال جل وعلا: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} نذير ينذرهم ويبشرهم، يبشر من أطاعه، وينذر من النار، ويخوف من النار: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.
فثبت بهذه النصوص أن الله جل وعلا لم يترك الخلق وشأنهم بعد أن خلقهم، بل بعث لهم رُسلاً يعلمونهم ويهدونهم، ويبصرونهم الطريق التي يرضى الله جل وعلا بها، أن يعبدوه بها، دون ما سواها من الطرق الموصلة.
وتلكم الطريق طريقٌ واحدة؛ ليست بطرق متعددة، كما قال جل وعلا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فهو صراط واحد، وهناك صُرط أخرى، هي صُرط أهل الضلال والجهل والغواية والهوى، أما الطريق الموصل إلى الله جل وعلا، فهو طريق المرسلين، الذي جاءوا به من عند الله جل وعلا، وهو دين الإسلام العام، كما قال جل وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}؛ الاستسلام لله جل وعلا - بالتوحيد - والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
الرُّسل بينوا للناس هذه الغاية، ودلوهم على عبادة الله جل وعلا وحده دون ما سواه، فقامت العداوة بين الرسل وبين أقوامهم في هذا الأصل، حيث إن الخلق يريدون أن يعبدوا الله جل وعلا بالطريقة التي يحبون، لا بالطريقة التي يحبها الله جل وعلا.
ولهذا قال بعض أئمة السلف: (ليس الشأن أن تُحِب، ولكن الشأن أن تُحَب) أي: ليس الشأن أن تحب الله، فإن محبة الله جل وعلا يدعيها المشركون، يدعيها الضالون، كل قوم بُعثت إليهم الرُّسل يدَّعون أنهم يريدون وجه الله، يريدون ما عند الله، يحبونه، وربما يتصدقون ويُصلون ويدعون ويصِلون ويتقربون، وما فِعل أهل الجاهلية -جاهلية العرب- منا ببعيد، لكن ليس الشأن أن يحب المحب ربه، ولكن الشأن أن يحب العبدَ ربُه، الشأن أن يحب الله جل وعلا العبد، متى يكون ذلك؟ لابد أن يبحث العبد عن سبيل محبة الله جل وعلا له.
هذا السبيل بينه الله جل وعلا في قوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} زعماً {فَاتَّبِعُونِي} طاعة {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.
فإذاً: سبيل محبة الله للعبد هي طاعة الرُّسُل واتباع الرسل، وخاتم المرسلين: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ببعثته وبرسالته نسخت جميع الرسالات، ونسخت جميع الكتب من قبله عليه الصلاة والسلام.
فبقي للناس طريق واحد يَصِلون به إلى ربهم جل وعلا، ألا وهو: طريق محمد عليه الصلاة والسلام؛ إذ هو الواسطة العملية باتباعه في الوصول إلى الله جل وعلا، فمن اتبع واهتدى بغير هدي النبي عليه الصلاة والسلام - هذا النبي الخاتم - فهو من الضالين الذين تَنَكَّبوا سبيل الحق.
هذا الأصل الأول، وهذه المسألة الأولى: عظيمة جداً؛ لأنها إذا استقرت في قلب العبد قادته إلى كل خير، يعلم أنه ما خلق إلا لغاية، ما هذه الغاية؟
هي عبادة الله جل وعلا وحده دون ما سواه.
كيف أعرف طرق هذه العبادة؟
باتباع النبي عليه الصلاة والسلام.
فتلخص الدين في هذه المسألة العظيمة.
وما أحسن قول شمس الدين ابن القيم في (نونيته)، بعد أبيات قال:
فلواحدٍ كن واحداً في واحــدٍ أعني سبيـــل الحق والإيمـان
(فلواحدٍ): لله جل وعلا وحده دون ما سواه، (كن واحداً): في قصدك وإرادتك وتوجهك وطلبك، (في واحدٍ): في طريق واحد.
قال بعدها: (أعني سبيل الحق والإيمان) الذي هو سبيل النبي عليه الصلاة والسلام.
[شرح المسألة الثانية]
المسألة الثانية: (أن الله جل وعلا لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل):
فالكل عبيد لله جل وعلا، فالله جل وعلا إنما يرضى التوحيد، يرضى أن يُعبد وحده دون ما سواه، فمن أشرك مع الله جل وعلا إلهاً آخر فقد نقض الغاية العملية التي كُلِّف بها، من خلقه ومن إيجاده.
قال جل وعلا: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} فلا تدعوا دعاء مسألة، ودعاء عبادة مع الله أحدا.
المساجد يُفعل فيها شيئان:
- سؤال الله، دعاء الله جل وعلا دعاء المسألة، هذا نوع.
والثاني: عبادة الله جل وعلا بأنواع العبادات؛ من الصلاة الفرض والنفل، ومن التلاوة، ومن الذكر، ومن التعلم والتعليم، ونحو ذلك.
قال جل وعلا: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} المساجد أقيمت لله جل وعلا، لعبادته وحده دون ما سواه، {فَلا تَدْعُوا} لا دعاء مسألة أحداً غير الله، ولا تدعوا دعاء عبادة أحداً غير الله، فكما أن المصلي لا يصلي إلا لله، فكذلك في المسجد وفي غيره فلا يسأل ولا يدعو إلا الله جل وعلا.
دعاء المسألة هو الذي يسميه العامة -أو يسميه الناس- الدعاء، وهو المقصود به إذا قيل: دعا فلان؛ يعني: سأل الله جل وعلا؛ قال: اللهم أعطني، اللهم قني، اللهم اغفر لي، ونحو ذلك؛ هذا يسمى: دعاء مسألة.
أما دعاء العبادة فهو العبادة نفسها؛ لأن المتعبد لله جل وعلا - بصلاة أو بذكر- هو سائل، سائل لله جل وعلا؛ لأنه إنما عبد وصلى، أو صام أو زكى أو ذكر أو تلا؛ رغبةً في الأجر، كأنه سأل الله جل وعلا الثواب؛ لهذا يقال: الدعاء قسمان:
- دعاء مسألة.
- ودعاء عبادة.
قال جل وعلا: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} فقال في أول الآية: {ادْعُونِي}، وقال في آخرها: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} فدل على أن الدعاء عبادة، أو هو العبادة؛ ولهذا فسر السلف قوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} الاستجابة هنا فسرت بتفسيرين:
- (أَسْتَجِبْ) بمعنى: أُعطكم ما سألتم.
- أو أُثبكم، ادعوني أُثبكم، إذا كانت بهذا التقدير: ادعوني أُثبكم؛ فيكون الدعاء هنا دعاء بمعنى العبادة؛ لأنها هي المتعلق بها الثواب.
وإذا كانت الاستجابة هنا - يعني: الإجابة - بمعنى: إعطاء السُّؤل؛ فيكون الدعاء هنا دعاء مسألة.
وهذه المسألة مقررة تقريراً واضحاً في كتب أهل العلم؛ ألا وهي: أن قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} أنه يشمل نوعي الدعاء: دعاء المسألة ودعاء العبادة.
وقد جاء في الحديث الصحيح، عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الدعاء هو العبادة))، وفي معناه؛ ما جاء عن أنس مرفوعاً: ((الدعاء مخ العبادة))
الله جل وعلا لا يرضى أن يشرك معه أحد، قد يُتوهم أن المخلوق إذا بلغ إلى غاية عظيمة أنه يمكن أن يُوصِل إلى الله جل وعلا؛ باتخاذه واسطة، باتخاذه وسيلة.
وأعلى المخلوقات مقاماً عند الخلق الملائكة والرُّسل والأنبياء، لهذا نفى الشيخ رحمه الله تعالى، هذين فقال: (الله جل وعلا لا يرضى أن يشرك معه أحد؛ لا ملك مقرب ولا نبي مرسل)
(لا ملك مقرب) حتى ولو كان جبريل الذي هو سيد الملائكة وأشرفهم وأعظمهم. (ولا نبي مرسل) حتى النبي عليه الصلاة والسلام.
دليل ذلك: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}.
وجه الاستدلال: أن {أَحَداً} نكرة جاءت في سياق النهي، وقد تقرر أن النكرات إذا أتت في سياق النفي أو النهي أو الشرط أو الاستفهام، فإنها تعم، قال: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} يدخل في (أحد) الملائكة، ويدخل فيه الأنبياء.
هذا الأصل يجب على كل مسلم ومسلمة أن يعلمه علماً يقينياً لا شك فيه ولا شبهة، بدليله، وهو قوله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}، فلا يخطر على قلب المسلم أو المسلمة أنه يمكن أن يدعو غير الله، أو أن يستغيث بغير الله، أو أن يتوجه إلى غير الله، بأي نوع من أنواع العبادات؛ حتى ولو كان المتوجه إليه مَلَكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً.
ومن المتقرر أن ثَمَّ فرقاً بين النبي والرسول، فليس كل نبي رسولاً، بينما كل رسولٍ نبي.
وقول الشيخ هنا: (ولا نبي مرسل)؛ لأن الرسالة أرفع درجة من النبوة، والفرق بينهما:
أن النبي: هو من أوحيَ إليه بشرع وأمر بتبليغه إلى قوم موافقين له، أو لم يؤمر بالتبليغ.
والرسول: هو من أوحِي إليه بشرع أو كتاب، وأُمر بتبليغه إلى قوم مخالفين.
فإذاً: النبي مرسل، وقد يكون مرسلاً إلى نفسه، لكنه ليس بالرسول بالمعنى الأخص، وبهذا يتضح المقام، وذلك لقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} فأثبت أن الرسول مرسل، وأن النبي أيضاً يقع عليه الإرسال، قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ} فالرسول يقع عليه الإرسال، {وَلا نَبِيٍّ} أيضاً النبي يقع عليه الإرسال، يعني: يؤمر بأن يبلغ ذلك، لمن؟
لمن يوافقه هذا النبي، مثل أنبياء بني إسرائيل، إذا مات فيهم نبي خلفه نبي يبلغ من يوافقه في عقيدته، من يوافقه في اتباعه لشريعة الرسول الذي قبله.
إذا بلغ موافقاً، وكان هذا التبليغ مأموراً به من الله جل وعلا، ومعه شرع أو بعض شرع؛ فإن هذا نبي.
وقد لا يكون مأموراً بتبليغه إلى قوم موافقين، فقد يُبَلِّغ نفسه.
وعلى هذا يحمل - في أحد تفاسير أو شروح العلماء- ما جاء في الحديث: ((أن النبي يأتي يوم القيامة وليس معه أحد)) قد يكون لأنه لم يُستجب له، وقد يكون لأنه إنما أُمر أو أوحي إليه لنفسه لا لغيره.
[شرح المسألة الثالثة]
المسألة الثالثة: أن من وحد الله، وأطاع الرسول، واتبع دين الإسلام؛ لا يجوز له أن يوالي من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب، ولو كان ذلك أباه أو أمه أو أخاه أو أخته أو قريبه:
- وذلك لقول الله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} إلى آخر الآية.
- وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} .
- وقال جل وعلا: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} لما ذكر اليهود والنصارى، {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}.
فأصل الدين الذي هو من معنى كلمة التوحيد: الولاء والبراء، الولاء للمؤمنين وللإيمان، والبراءة من المشركين والشرك.
ولهذا يُعرِّف علماؤنا الإسلام بأنه: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
وههنا تنبيه: أنه في بعض نسخ كتاب الشيخ عرَّف الإسلام بهذا، وقال في آخره: (والخلوص من الشرك وأهله).
والمعروف عنه في النسخ الصحيحة التي قُرئت على العلماء: (البراءة من الشرك وأهله)؛ لأن البراءة تشمل الخلوص وزيادة، وهي الموافقة لقول الله جل وعلا: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي}.
فهنا قال: لا يجوز لمن وحد الله، وأطاع الرسول، واتبع دين الإسلام؛ أن يوالي أحداً من المشركين.
الموالاة معناها: أن تتخذه ولياً، وأصلها من الوَلاية، والوَلاية هي المحبة، قال جل وعلا: {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} يعني: هنالك المحبة والمودة والنصرة لله الحق، فأصل الموالاة: المحبة والمودة، ولهذا استدل بقوله: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ} ففسر الموالاة بأنها الموادة، وهذا معناه أن أصل الموالاة في القلب، وهو محبة الشرك، أو محبة أهل الشرك والكفر، فأصل الدين: أن من دخل في (لا إله إلا الله) فإنه يحب هذه الكلمة وما دلت عليه من التوحيد، ويحب أهلها، ويبغض الشرك المناقض لهذه الكلمة، ويبغض أهله.
فكلمة الولاء والبراء هي معنى الموالاة والمعاداة، وهي بمعنى الحب والبغض، فإذا قيل: الولاء والبراء في الله، هو بمعنى الحب والبغض في الله، وهو بمعنى الموالاة والمعاداة في الله، ثلاثة بمعنى واحد.
فأصله القلب - محبة القلب - إذا أحب القلب الشرك صار موالياً للشرك، إذا أحب القلب أهل الشرك صار موالياً لأهل الشرك، كذلك إذا أحب القلب الإيمان صار موالياً للإيمان، إذا أحب القلب الله صار موالياً لله، إذا أحب القلب الرسول صار وليّاً وموالياً للرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا أحب القلب المؤمنين صار موالياً وولياً للمؤمنين، قال جل وعلا: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} يعني: من يحب وينصر الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون.
موالاة المشركين والكفار محرمة، وكبيرة من الكبائر، وقد تصل بصاحبها إلى الكفر والشرك، ولهذا ضبطها العلماء بأن قالوا: تنقسم الموالاة إلى قسمين:
الأول: التولي.
والثاني: الموالاة.
أما التولي فهو الذي جـاء في قوله تعـالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} تولاه تولياً.
التولي معناه: محبة الشرك وأهل الشرك، محبة الكفر وأهل الكفر، أو نصرة الكفار على أهل الإيمان؛ قاصداً ظهور الكفر على الإسلام، بهذا الضابط يتضح معنى التولي.
والتولي -كما ذكرت لكم- تولي الكفار والمشركين كفر أكبر، وإذا كان من مسلم فهي ردة.
ما معنى التولي؟
معناه: محبة الشرك وأهل الشرك -لاحظ الواو- يعني: أن يحب الشرك وأهل الشرك جميعاً مجتمعة، أو ألا يحب الشرك؛ ولكن ينصر المشرك على المسلم؛ قاصداً ظهور الشرك على الإسلام، هذا الكفر الأكبر الذي إن فعله مسلم صار ردة في حقه، والعياذ بالله.
القسم الثاني: موالاة.
والموالاة محرمة، من جنس محبة المشركين والكفار؛ لأجل دنياهم، أو لأجل قراباتهم، أو لنحو ذلك.
وضابطه: أن تكون محبة أهل الشرك لأجل الدنيا، ولا يكون معها نصرة؛ لأنه إذا كان معها نصرة على المسلم بقصد ظهور الشرك على الإسلام؛ صار تولياً، من القسم المكفر.
فإن أحب المشرك أوالكافر لدنياه، وصار معه نوع موالاة؛ لأجل الدنيا؛ فهذا محرم ومعصية وليس كفراً، دليل ذلك: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} قال علماؤنا رحمهم الله تعالى: أثبت الله جل وعلا في هذه الآية أنه حصل ممن ناداهم باسم الإيمان اتخاذ المشركين والكفار أولياء بإلقاء المودة لهم، وذلك كما جاء في (الصحيحين) وفي التفسير في قصة حاطب المعروفة، حيث إنه أرسل بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهذه عظيمة من العظائم- للمشركين؛ لكي يأخذوا حذرهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كُشِف الأمر قال عمر رضي الله عنه للنبي عليه الصلاة والسلام: (يا رسـول اللـه! دعني أضرب عنق هذا المنافق)، قال النبي عليه الصلاة والسلام لعُمر: ((اتركه يا عمر، يا حاطب ما حملك على هذا؟)) فدل على اعتبار القصد، ((ما حملك على هذا؟)).
لأنه إن كان قصد ظهور الشرك على الإسلام، وظهور المشركين على المسلمين؛ فهذا يكون نفاقاً وكفراً، وإن كان له مقصدٌ آخر فله حكمه، قال عليه الصلاة والسلام مستبيناً الأمر: ((ما حملك يا حاطب على هذا؟)) قال: يا رسول الله! والله ما حملني على هذا محبة الشرك وكراهة الإسلام، ولكن ما من أحدٍ من أصحابك إلا وله يد يحمي بها ماله في مكة، وليس لي يدٌ أحمي بها مالي في مكة؛ فأردت أن يكون لي بذلك يدٌ أحمي بها مالي في مكة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((صدقكم)).
الله جل وعلا قال في بيان ما فعل حاطب: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} يعني حاطباً، فَفِعْله ضلال، وما منع النبي عليه الصلاة والسلام من إرسال عمر أو ترك عمر إلا أن حاطباً لم يخرج من الإسلام بما فعل، ولهذا جاء في رواية أخرى قال: ((إن الله اطلع على أهل بدر، فقال: افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم)) قال العلماء: (لعلمه جل وعلا بأنهم يموتون ويبقون على الإسلام).
دلت هذه الآية، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}، مع بيان سبب نزولها من قصة حاطب؛ أن إلقاء المودة للكافر لا يسلب اسم الإيمان؛ لأن الله ناداهم باسم الإيمان، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} مع إثباته جل وعلا أنهم ألقوا المودة.
ولهذا استفاد العلماء من هذه الآية ومن آية سورة المـائدة: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ومن آية المجادِلة التي ساقها الشيخ: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلى أن الموالاة تنقسم إلى:
- تولٍّ.
- وموالاة.
الموالاة الاسم العام؛ منه تولٍّ وهو المُكفِّر بالضابط الذي ذكرت لك، ومنه موالاة وهي نوع المودة لأجل الدنيا ونحو ذلك.
والواجب أن يكون المؤمن محباً لله -جل وعلا- ولرسوله وللمؤمنين، وألا يكون في قلبه مودة للكفار، ولو كان لأمور الدنيا، إذا عامل المشركين أو عامل الكفار في أمور الدنيا؛ إنما تكون معاملة ظاهرة، بدون ميل القلب ولا محبة القلب، لِمَ؟
لأن المشرك حمل قلباً فيه مسبة الله جل وعلا؛ لأن المشرك سابٌّ الله جل وعلا بفعله، إذ اتخذ مع الله -جل وعلا- إلهاً آخر، والمؤمن متولٍّ لله -جل وعلا- ولرسوله وللذين آمنوا؛ فلا يمكن أن يكون في قلبه موادة لمشرك حَمَل الشرك، والعياذ بالله.
[شرح مجمل للمسائل الثلاث]
هذه الثلاث مسائل من المهمات العظيمات:
الأولى: أن يعلم المرء الغاية من خلقه، وإذا علم الغاية؛ أن يعلم الطريق الموصلة لإنفاذ هذه الغاية.
الثانية: أن يعلم أن الطريق واحدة، وأن الله جل وعلا لا يرضى الشرك بـه؛ حتى بالمقربين عنده، والذين لهم المقامات العالية عنده جل وعلا، لا يرضى أن يُشرك معه أحد.
الثالثة: أن لا يكون في قلب الموحد الذي وحد الله، وأطاع الرسول، وخلص من الشرك؛ ألا يكون في قلبه محبة للمشركين.
هذه الثلاث هي أصول الإسلام، بأحدِ الاعتبارات.
أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن تحققوا بها قولاً وعملاً؛ واعتقاداً وانقياداً.


  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 11:25 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي العناصر

بيان المسائل الثلاث

- فائدة التلطف للمتعلم
- أهمية تعلم هذه المسائل الثلاث
وجوب تعلم هذه المسائل الثلاث
شرح المسألة الأولى وهي: (أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً...)
- بيان الدليل السمعي والعقلي على أن الله عز وجل هو الخالق وحده
- دلالة الكتاب والسنة والعقل على أن الله عز وجل هو الرزاق
- تعريف (الرزق)
- أنواع الرزق
الأدلة السمعية والعقلية على أن الله تعالى لم يخلقنا هملاً
- معنى قوله: (ولم يتركنا هملا)
- الحكمة من خلق الخلق
- الغاية من إرسال الرسل
- الحكمة من إرسال الرسل
- الأدلة على أنه تعالى أرسل إلينا رسولاً
- الأدلة على أن من أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم دخل الجنة ومن عصاه دخل النار
- تفسير قول الله تعالى: ( إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم ...) الآية
شرح المسألة الثانية وهي: أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا نبي مرسل ولا ملك مقرب
- الله تعالى هو المستحق للعبادة وحده
- الله تعالى لا يرضى الشرك والكفر
- بيان خطر الشرك
- عقوبة من مات مشركاً
شرح المسألة الثالثة وهي: أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب
- موضوع المسألة الثالثة
- البراء أصل عظيم من أصول الدين
- بيان معنى الموالاة
- بيان معنى المحادة
- حكم موالاة الكفار
- بم تكون موالاة الكفار
- دعوة الكافر واللين معه لا تقتضي مودته
- مظاهر موالاة الكفار
- تفسير قول الله تعالى : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ...) الآية


  #8  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 11:27 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الأسئله

الأسئلة


س1: عدد المسائل الثلاث باختصار.
س2: اذكر الدليل السمعي والعقلي على أن الله عز وجل هو الذي خلقنا وحده.
س3: اذكر دليلاً من الكتاب والسنة والعقل على أن الله عز وجل هو وحده الذي رزقنا.
س4: بين الدليل السمعي والعقلي على أن الله تعالى لم يخلقنا هملاً.
س5: اذكر دليلاً على أن الله عز وجل أرسل إلينا رسولاً.
س6: اذكر دليلاً على أن من أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم دخل الجنة.
س7: اذكر دليلاً على أن من عصى الرسول صلى الله عليه وسلم دخل النار.
س8: اذكر الدليل على أن الله عز وجل وحده المستحق للعبادة، وأنه لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته.
س9: ما عقوبة من مات مشركاً ؟
س10: لم سمي الشرك ظلماً ؟
س11: ما معنى الولاء والبراء ؟
س12: ما حكم موالاة الكفار ؟ وهل تنافي الإيمان كله أو كماله الواجب ؟
س13: من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، اذكر ما يشهد لهذه الجملة مما درست.
س14: فسر باختصار الآيات التالية :-
أ. {إنّا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم .. } الآية.
ب. {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا}.
ج. {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله … } الآية.


  #9  
قديم 28 رجب 1430هـ/20-07-2009م, 06:59 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل

السؤال الأول : ذكر الشيخ : مساجد الله , وحزب الله , انها اضافة تشريف مامعنى هذا؟

الجواب : إن مايضيفه الله عز وجل إلى نفسه من مخلوقاته فهو أشرف من غيره ، لذلك تكون هذه الإضافة تشريف له ففي قول الله تعالى: (فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها) اختصت هذه الناقة بهذه الإضافة الشريفة في القرآن الكريم فكان لها مزية وشرف على غيرها من النوق ، مع أن هذه الناقة مخلوقة ، وسائر النوق مخلوقة كذلك ، لكن لأن الله أضافها إلى نفسه شرفت بهذه الإضافة , وسأضرب مثالاً يوضح معنى إضافة التشريف
لو كان لدى ملك من ملوك الدنيا عدد من الشعراء المقربين منه ثم قال لأحدهم: يا فلان أنت شاعر الملك.
ألا تكون هذه الإضافة تشريفاً له على غيره من الشعراء ، مع أنهم كلهم شعراء للملك .




السؤال الثاني (أ) : من شرح الشيخ الفوزان :
اقتباس:
وقوله تعالى : { كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً } ، هو موسى - ع ليه الصلاة والسلام - وعدم تعيينه ؛ لعدم دخوله في التشبيه أو لأنه معلوم غني عن البيان

الكلام واضح ، ولكن أشكل عليَّ وجه عدم دخول موسى في التشبيه ، لأن المفهوم من السياق دخوله ، كيف لم يدخل في التشبيه ؟ ولِمَ ؟
الجواب : عبارته في الكتاب الأصل وفي روح المعاني: (وعدم تعيينه لعدم دخله في التشبيه) ظنها بعض المراجعين خطأ فأراد تصحيحها فأدخل الواو

وهذا التوجيه أخذه الألوسي من أبي السعود بلفظه وزاد عليه التوجيه الثاني
ومراده أن ذكر الوصف لبيان أن الحكم معلق به فعصيانهم للرسول هو عصيان لمن أرسله ، فاستحقاقهم للعقوبة ليس لأنهم عصوا موسى لشخصه ، وإنما لوصفه ، أي لأنه رسول من الله فعصيانه عصيان لله تعالى
يوضح ذلك قول الألوسي بعدها عند قوله تعالى: {فعصى فرعون الرسول} : (وفي إعادة فرعون والرسول مظهرين تفظيع لشأن عصيانه وأن ذلك لكونه عصيان الرسول لا لكونه عصيان موسى)
فقوله: (وعدم تعيينه لعدم دخله) أي أن تعيين الاسم لا دخل له في استحقاق العقوبة ، ولذلك لو أرسل لهم غير موسى عليه السلام لوجبت طاعته واستحقوا العقوبة بمعصيته.
وهذا التعبير: (لا دخل له) أو (لعدم دخله في كذا) من التعبيرات التي شاعت في القرون المتأخرة وتداولها حتى بعض الشراح في كتب علوم اللغة ، ولا أعلم له شاهداً من كلام العرب في عصر الاحتجاج.


(ب) من الممكن أن تكون هناك أساليب عربية تستحدث في قرون متأخرة وتَدْخُل في فصيح اللغة ، أم أنها كما ذكرتم شيوع لا استحداث ؟

الجواب : ههنا ثلاثة أمور:
1- الأسلوب.
2- العبارة، وهي الجملة.
3- المفردة.
فالأساليب كأسلوب الاستفهام وأسلوب الشرط ، وأسلوب التهكم ، وأسلوب التقرير ... إلخ
هذه تسمى أساليب في اصطلاح علماء البلاغة وفي أكثر استعمالات المفسرين وشراح الحديث وعلماء اللغة والأصوليين.
والنظر في الأسلوب هو من جهة المعنى لا من جهة المفردات ولا العبارات التي هي الجمل، وإن كان لبعض الأساليب بعض المفردات المشتهرة فيها.
وأما العبارات فهي جمل مركبة من عدة مفردات وهذا التركيب قد يكون فصيحاً وقد يكون غير فصيح ،
ولفصاحته شرطان:
الأول: أن تكون المفردات المستعملة فيه فصيحة.
الثاني: أن يكون التركيب صحيحاً جارياً على سنن العرب في كلامهم.
ولذلك فإن التعبير إذا حوى مفردات غير فصيحة فهو غير فصيح.
وإذا حوى مفردات فصيحة وكان التركيب مخالفاً لقواعد اللغة أو غير مسموع سماعاً صحيحاً فالتعبير غير فصيح. وفي هذه المسألة تفصيلات تبحث في علم فقه اللغة.
لكن مما ينبغي أن أشير إليه : أن التعبير قد يكون جديداً مستحدثاً لكنه جارٍ على قواعد اللغة فيكون من التعبيرات الفصيحة
ومن أظهر الدلائل على صحة هذا الأمر ما يسمى بالنحت وهو اشتقاق مفردة من مجموع مفردات جملة فصيحة؛ كالحوقلة - مثلاً - مشتقة من (لا حول ولا قوة إلا بالله) ويتصرف منها أفعال: حوقل يحوقل حوقلة
والنحت المستساغ لا يشترط أن يكون سماعياً - أي مما قالته العرب في عصر الاحتجاج-.


السؤال الثالث : في المسألة الأولى قال المصنف ( بل أرسل إلينا رسولا فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار ) واستدل بقوله تعالى
{إنَّا أَرْسَلْنَا إلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيكُم كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً}[المزمل:14-15].
سؤالي لم نظر هنا بفرعون بالذات مع أن فرعون قال "أنا ربكم الأعلى " وكان كافرا من كل الوجوه
وقريش كانت تؤمن بجانب الربوبية لكن لم يؤمنوا بجانب الألوهية ؟
الجواب :
الشاهد من الدليل قوله تعالى: {إنا أرسلنا إليكم رسولاً ... } ، وهذا يثبت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر عاقبة من عصى الرسول دليل آخر على أن من يعص الرسول فسيعاقب على عصيانه ، ولذلك أعاد لفظ الرسول في قوله: (فعصى فرعون الرسول) ولم يرمز له بالضمير مع تقدم ذكره، ولم يذكره باسمه مع شهرته، لبيان أن الحكم متعلق بالوصف لا بالشخص.
وكل من عصى الرسول فهو مستحق للعقاب سواء كان مقراً بالربوبية أو جاحداً لها.


  #10  
قديم 25 محرم 1433هـ/20-12-2011م, 03:34 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل

السؤال الرابع : قال الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى : (وهذا خاصٌّ بأهلِ الكتابِ والمجوسِ، أما بقيةُ الكفارِ فلا تُقبَلُ منهُم الجزيةُ، بلْ يُقاتَلُون حتَّى يدخلُوا في الإسلامِ كالوَثَنِيِّينَ والشُّيُوعِيِّينَ وغيرِهم من أصنافِ الكَفَرةِ معَ القدرةِ على ذلكَ).
هل هذا إمّا السيف أو الإسلام ؟ يعني ليس له خيار آخر . مثال (الهجرة من بلاد الإسلام ... عدم إظهار شعائره ....إلخ ) لا بد من قتاله ؟ وقوله تعالى (لا اكراه في الدين ) كيف يفسر في هذه الحالة؟
الجواب :
هذا الحكم هو للجماعة الممتنعة القادرة على القتال ، فإنهم يخيرون بين ثلاثة أمور:
الأمر الأول: الدخول في الإسلام وتمكين المسلمين من تحكيم شرع الله في تلك البلاد وإقامة حدود الله ومحو آثار الشرك وتعظيم الطواغيت.
الأمر الثاني: دفع الجزية ، وفي تخصيص هذا الحكم بالطوائف الثلاث (اليهود والنصارى والمجوس) خلاف بين أهل العلم على قولين.
الأمر الثالث: القتال لامتناعهم من تمكين المسلمين من تحكيم شرع الله في البلاد.
وتجوز مصالحتهم ومهادنتهم بحسب ما تقتضيه المصلحة الشرعية، وقد فتح المسلمون عدداً من البلدان في صدر الإسلام صلحاً دون قتال، وأعطوا الأمان لأهلها.

والمشركون إذا أبوا الدخول في الإسلام وأبو دفع الجزية ومصالحة المسلمين فإنهم بذلك قد اختاروا القتال في سبيل الطاغوت وحمايته، كما قال الله تعالى: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا}
أما إذا لم يختاروا القتال وجنحوا للسلم واحترموا شروط المسلمين فإنهم لا يقاتَلون.
والجزية على نوعين:
جزية صلح، وجزية عنوة؛ فأما جزية الصلح فهي التي تكون بسبب مهادنة بين المسلمين والمشركين إذا لم يريدوا القتال ولم يريدوا الدخول في الإسلام، وكانت لديهم قوة وشوكة.
وأما جزية العنوة فهي التي يفرضها المسلمون على المشركين، ولها أحكام في الشريعة لا تخرج عن مقتضى العدل والإحسان.
وهي لا تؤخذ من الفارّ ولا يحمَّل الحاضر جزية الفارّ من البلد.
وينبغي أن يفرَّق في هذا بين الجماعة الممتنعة التي لها سلطان على بلد من البلدان التي تلي المسلمين وهم يحمون الطاغوت ويصدون عن سبيل الله، وبين الأفراد الذين لا حكم لهم ولا سلطان.
ولذلك إذا فتح المسلمون بلداً من البلدان وأزاحوا حكام ذلك البلد من المشركين لم يكرهوا أهل ذلك البلد على الدخول في الإسلام، ومن وقع منهم في الأسر جازت مفاداته والمنّ عليهم بلا فداء، ومن استرق منهم فله حكم الرقيق من المعاملة الحسنة وإطعامهم وكسوتهم مما يطعم منه مواليهم وعدم تكليفهم ما لا يطيقون.



السؤال الخامس : أشكل علي في مسألة الموالاة: ما ذكره الشيخ صالح آل شيخ في ضابط التولي، وذلك في قوله: "وضابطه: محبة الشرك وأهل الشرك، أو محبة الكفر وأهل الكفر، أو نصرة الكفار على أهل الإسلام؛ قاصداً ظهور الكفر على الإسلام" انتهى.
ألا يلزم من هذا التقييد أعني: قصد ظهور الكفر على الإسلام: فتح الباب للذين يظاهرون الكفار على المسلمين بحجة أن فاعل ذلك لا يقصد ظهور الكفر على الإسلام، وإنما هي المصالح الاقتصادية وغيرها. أرجو من فضيلتكم توضيح مراد الشيخ صالح بذلك التقييد؛ لأنه قد أشكل علي.
الجواب :
الذي يظاهر الكفار على المسلمين لأجل المصالح الاقتصادية هو ممن باع دينه بعرض من الدنيا وارتد عن الإسلام بسبب مناصرته للكفار.
والحكم متعلق بالموالاة المعروف معناها لغة وشرعاً فمتى تحققت موالاة الكفار تحققت الردة بذلك عن دين الإسلام، قال الله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} وقال: {بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً . الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين}
وقال: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة}
والاستثناء في هذه الآية منقطع.
والمقصود أن من والى الكفار وناصرهم على المسلمين فهو مرتد عن دين الإسلام .
لكن مما ينبغي التنبه له والتنبيه عليه أن هذا العمل لا يحكم بردة صاحبه إلا إذا توفرت الشروط وزالت الموانع من التكفير:
فمن الشروط:
1: أن يقصد المناصرة والموالاة ؛ لأن العمل بالنيات؛ أما من عمل عملاً لا يقصد به المناصرة ولا يعلم أنه يؤدي إلى نصرة الكفار وهزيمة المسلمين أو الإضرار بهم فلا يحكم بكفره ، وذلك لعدم قصده.
مثال ذلك: رجل أدلى بمعلومات مهمة عن بعض مواطن الضعف لدى الجيش المسلم وهذه المعلومات استفاد منها الكفار في إلحاق هزيمة شديدة بالمسلمين، لكن هذا المسلم الذي أدلى بهذه المعلومات إنما ذكرها لرجل يظنه من المسلمين وهو منافق موالٍ للكفار فأوصل المنافق هذه المعلومات للكفار فاستفادوا منها.
فما فعله المسلم ليس بردةٍ، وإنما الردة ما فعله المنافق.
أما المقابل الذي يجنيه من تحقق فيه وصف الموالاة فهو غير مؤثر في الحكم ؛ فلو أن رجلاً من الكفار المحاربين طلب من مسلم عارف ببعض أسرار الجيش المسلم أن يخبره ببعض تلك الأسرار ووعده على ذلك مبلغاً كبيراً من المال فأخبره بذلك لأجل المال فهو مرتد عن دين الإسلام خائن لله ولرسوله وللمؤمنين، ولو كان قصده المال، وهو ممن باع دينه بعرض من الدنيا.
2: الاختيار، فلو أن مسلماً تعرض للحبس والتعذيب حتى أخبر بشيء من الأسرار الحربية مكرهاً فهو غير مرتد ؛ لأن الإكراه عذر مانع من التكفير.
3: أن تكون المناصرة لمعنى يتعلق بالدين ، فلو كانت المناصرة لأمر عارض يجوز معه الاستعانة بالكفار على دفع ظلم وعدوان بعض البغاة من المسلمين فهي ليست موالاة للكفار.
مثال ذلك: عصابة لصوص من فساق المسلمين يقومون بالسلب والنهب والقتل وانتهاك الأعراض، وعظم شرهم وضررهم على المسلمين وغيرهم في بلد من البلدان؛ ولم يكن لدى المسلمين في ذلك البلد من القوة والمعرفة ما يدفعون به عن أنفسهم شر هذه العصابة المجرمة إلا أن يستعينوا على ذلك بقوم من الكفار على عهد بينهم مقتصر على دفع أذية هذه العصابة ؛ فإن الاستنصار بأؤلئك الكفار مباح للضرورة والحاجة في هذه الحالة؛ وهم في حقيقة الأمر لم يستنصروا بهم على محاربة الإسلام والمسلمين ، وإنما على محاربة السلب والنهب والإفساد في الأرض.

وينبغي أن يفرق بين قصد الموالاة ، والعمل الذي يفهم من الموالاة ؛ فمن قصد الموالاة وتحقق فيه وصفها فهو كافر مرتد عن دين الإسلام، وأما من عمل عملاً يفهم منه موالاة الكفار
فلا يتعجل بالحكم على صاحبه حتى يتثبت من الأمر فقد يكون لديه شبهة تمنع من الحكم بتكفيره، ولذلك تثبَّت النبي صلى الله عليه وسلم من حاطب وسأله عن قصده ولم يتعجل الحكم عليه.

وانظر هنا لمزيد من التفصيل في مسألة البراءة من الكفار.
http://www.afaqattaiseer.com/vb/showthread.php?t=14492


السؤال السادس :
هل تعليق صورة بلد من بلاد الكفار في البيت يخالف الولاء و البراء؟
الجواب :

إذا كانت تلك الصور تعود إلى طبيعة الأرض ونحو ذلك فلا حرج من تعليقها ما لم تتضمن صور ذوات أرواح.
وأما إذا كانت الصور لما يرمز للشرك والكفر كالصلبان والكنائس ونحو ذلك ؛ فتعليقه محرم لا يجوز؛ وهو قادح في الولاء والبراء؛ فإن كان عن رضاً بالكفر وإعجاب به فهو ردة عن دين الإسلام ، والعياذ بالله، وإن كان لمعنى آخر كجمال صنعته ونحو ذلك فتعليقه محرم أيضاً لكن لا يحكم بردة صاحبه.
وفي سُننِ التِّرْمذيِّ أن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم رَأَى في عُنقِ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ صَلِيبًا من ذَهَبٍ فقال له: ((يا عَدِيُّ، اطْرَحْ عنكَ هذا الوَثَنَ)).


السؤال السابع :
فالحب في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله : من مقتضيات ملة إبراهيم – عليه الصلاة والسلام -، ومن لوازم دين محمد ، والدليل على هذا (أي : على الثاني) قول الله تعالى كما ذكر المصنف "لا تجد قوما يؤمنون بالله ..... "الآية.
ما معنى مقتضى ملة إبراهيم عليه السلام ؟ وهل هناك فرق بين اللوازم والمقتضيات ؟

الجواب :

أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم في مواضع في القرآن الكريم
فقال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }
وقال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
ومن ما تأكدت معرفته من ملة إبراهيم عليه السلام إعلان البراءة من الشرك والمشركين وإبداء العداوة لهم أبدا حتى يؤمنوا ويجتنبوا الشرك كما قال تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}
واللوازم هي المقتضيات.


السؤال الثامن :
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( فأخبر أنك لا تجد مؤمناً يواد المحادين لله ورسوله، فإن نفس الإيمان ينافي موادته، كما ينفي أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان انتفى ضده وهو موالاة أعداء الله، فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب ).
هل هذا يعني أنه من أتصف بإحدى المظاهر الدالة على موالاة الكفرة (أقصد المظاهر العشرة التي ذكرها الشيخ الفوزان في الشرح) يفقد الايمان الواجب ؟ وهل اذا فقد الايمان الواجب يكفر والعياذ بالله ؟ وهل نحكم عليه بالكفر بعد إقامة الحجة عليه ؟
الجواب :

ما يسميه بعض العلماء مؤخراً مظاهر موالاة المشركين هو على قسمين:
القسم الأول: ما يتحقق فيه أنه ناقض من نواقض الإسلام ؛ وذلك يكون بأحد أمرين:
الأمر الأول: محبة الكفار والرضا بكفرهم وموافقتهم عليه.
الأمر الثاني: مناصرتهم على المسلمين.
فهذان الأمران من نواقض الإسلام، ومظاهر هذين الأمرين وصورهما كثيرة متعددة ؛ وكل مظهر تحقق فيه أحد هذين الوصفين فهو ناقض من نواقض الإسلام.
ومن أمثلة ذلك:
1: التجسس على المسلمين لصالح الكفار.
2: إمداد الكفار بالمال والسلاح وإعانتهم في حربهم على المسلمين.
3: حضور أعيادهم الكفرية محبة لما هم عليه من الكفر بالله عز وجل.

وأما القسم الثاني: فهو ما لا يتحقق فيه أحد الوصفين السابقين ، وإنما هو من مظاهر التساهل في التعامل مع الكفار ، ولا يصل بصاحبه إلى أن يتخذ الكفار أولياء من دون المؤمنين
فلا يحبهم لكفرهم ولا يستنصر بهم على المسلمين ولا ينصرهم في حربهم على المسلمين.
فهذا التساهل محرم وهو من الفسوق ، وبعض العلماء يعبر عنه بأنه نوع موالاة أي أن فيه شيء من معنى الموالاة وإن لم يكن صريحاً في الموالاة.
وهذا القسم له أمثلة منها:
1: التعاون مع الكفار على الفسق والفجور لغرض الاستمتاع المحرم وأكل المال المحرم.
2: اتخاذ بطانة من الكفار يستشيرهم ويأنس بهم.
3: حضور أعياد الكفار لغرض الاستمتاع المحرم بفسقهم وغنائهم.

فهذه المظاهر هي خطر على أصحابها ويخشى عليهم إذا استرسلوا فيها أن يستجرهم الشيطان إلى صريح الموالاة فيرتكبوا ناقضاً من نواقض الإسلام.
وفي هذا الدرس مزيد تفصيل فراجعه إن شئت:
http://www.afaqattaiseer.com/vb/showthread.php?t=14533


السؤال التاسع :
قد دكر الشيخ عبد الله الفوزان أن الرزق قسمان خاص وعام وقال: إن الخاص هو الرزق الحلال للمؤمنين , هل هدا يعني أن أن الرزق الدي يسوقه الله للكفرة حرام ولو كان بطريقة شرعية أي ليس فيه ربا أو نحوه من الكسب الحرام ؟
الجواب :

الرزق الذي يسوقه الله للكفرة هو فتنة لهم كما قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ, نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ} ، وقال تعالى: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}
وقال تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا}

فالكفار يُفتنون بما سخره الله لهم من الرزق فإن شكروا نعمة الله بأن أسلموا وعبدوا الله وحده لا شريك له واجتنبوا عبادة الطاغوت كانوا من المؤمنين الشاكرين ، وأثابهم الله على شكرهم نعمته ثواباً عظيماً.
وإن تمادوا في الكفر كانوا غير شاكري نعمة الله؛ فيستحقون العقاب على كفرهم ومقابلتهم نعمة الله بما يغضبه.
ومن جنى منهم المال برباً أو غصب أو سرقة أو غير ذلك من الوجوه المحرمة استحقَّ العقاب على ما اقترف من ذلك مع استحقاه العقاب على كفره.
والكفار يتفاوتون في العقوبة والعذاب بحسب مبلغ كفرهم وإجرامهم كما قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}
وقال تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}
وقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}


السؤال العاشر :قال تعالى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} السؤال أريد دليلا من القرآن على أن الرزق يشمل حتى مخلوقات السماء كالطيور
الجواب :يدل لذلك عموم قول الله تعالى: {وما من دابّة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين}
وقوله: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم}
والدابة إذا أطلقت شملت كل حيوان يدبّ على الأرض على الصحيح ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى إخراج الطير من الدواب واستدلوا بقول الله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم}
وهذا القول ضعيف لأن العطف هنا ليس لإخراج الطير من الدواب، فإن الطير وإن طار ما طار فإنه يعود ويدبّ على الأرض ، وفي الحديث الصحيح المتفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خمس من الدوابّ كلهن فاسق يقتلن في الحلّ والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور)).
فعدّ الغراب والحدأة من الدواب وهما من الطيور، بل بدأ بهما، وهذا نص على دخول الطير في جملة الدواب، ويكون العطف في الآية من باب عطف الخاص على العام، أو لبيان متعلّق الرزق في السماء وفي الأرض، والسماء هنا العلو.
وقال الله تعالى للنحل وهو من جنس ما يطير: {ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاْ}
وفي الحديث الصحيح: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطانا)).
ثم إن الطير إنما يأكل مما أخرج الله له من الرزق؛ فهو مرزوق بهذا الاعتبار
.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المسائل, الثلاث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:08 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir