دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العام للمفسر > منتدى المسار الثاني

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 شعبان 1443هـ/24-03-2022م, 04:32 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,806
افتراضي مجلس مذاكرة القسم السادس من تفسير سورة آل عمران

مجلس مذاكرة القسم السادس من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 75-92)



حرّر القول في واحدة من المسألتين التاليتين:
1: معنى الربّانيّ في قوله تعالى: {ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}.
2: معنى قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)}.



تعليمات:
- دراسة تفسير سورة آل عمران سيكون من خلال مجالس المذاكرة ، وليست مقررة للاختبار.
- مجالس المذاكرة تهدف إلى تطبيق مهارات التفسير التي تعلمها الطالب سابقا.
- لا يقتصر تفسير السورة على التفاسير الثلاثة الموجودة في المعهد.
- يوصى بالاستفادة من التفاسير الموجودة في جمهرة العلوم، وللطالب أن يستزيد من غيرها من التفاسير التي يحتاجها.

- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.



تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 1 محرم 1444هـ/29-07-2022م, 09:48 PM
صلاح الدين محمد صلاح الدين محمد غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 1,868
افتراضي

حرّر القول في واحدة من المسألتين التاليتين:
1: معنى الربّانيّ في قوله تعالى: {ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}.
اختلف أهل العلم من المفسرين في معنى الرباني إلى أقوال:
الأول: الحكيم العالم. وهو قول ابن عباس, وأبو رزين, والحسن, ومجاهد, وقتادة, والسدي, ويحيى بن عقيل, والضحاك, وعطاءٍ الخراسانيّ، وعطيّة العوفيّ، والرّبيع بن أنسٍ . ذكره ابن عطية وابن كثير.
وأخرج قول ابن عباس:
- ابن جرير في تفسيره عن ابن سنانٍ القزّاز، قال: حدّثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: حدّثنا أبو كدينة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاس في قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: كونوا حكماء فقهاء.
وأخرج قول أبو رزين:
- ابن جرير في تفسيره من طرق عن عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ: {كونوا ربّانيّين} قال: حكماء علماء.
وأخرج قول الحسن:
- ابن جرير في تفسيره عن يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن عوفٍ، عن الحسن، في قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: كونوا فقهاء علماء.
وأخرج قول مجاهد:
- ابن جرير في تفسيره عن القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني القاسم، عن مجاهدٍ، قوله: {ولكن كونوا ربّانيّين} قال: فقهاء.
وأخرج قول قتادة:
- ابن جرير في تفسيره عن بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولكن كونوا ربّانيّين} قال: كونوا فقهاء علماء.
وأخرج قول السدي:
- ابن جرير في تفسيره عن محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {كونوا ربّانيّين} أمّا الرّبّانيّون: فالحكماء الفقهاء.
وأخرج قول يحيى بن عقيل:
- ابن جرير في تفسيره عن المنجاب، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن يحيى بن عقيلٍ، في قوله: الرّبّانيّون والأحبار، قال: الفقهاء العلماء.
وأخرج قول الضحاك:
- ابن جرير في تفسيره عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {كونوا ربّانيّين} يقول: كونوا فقهاء علماء.
الثاني: حكماء أتقياء. وهو قول سعيد بن جبير, والحسن. ذكره ابن كثير.
وأخرج قول سعيد بن جبير:
- ابن جرير في تفسيره عن يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدّثنا فضيل بن عياضٍ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: حكماء أتقياء.
الثالث: هم ولاة النّاس وقادتهم.وهو قول ابن أبي زيد. ذكره ابن عطية.
وأخرج قول ابن أبي زيد:
- ابن جرير في تفسيره عن يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت ابن زيدٍ، يقول في قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: الرّبّانيّون: الّذين يربون النّاس، ولاة هذا الأمر، يربونهم: يلونهم وقرأ: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار} قال: الرّبّانيّون: الولاة، والأحبار: العلماء.
الدراسة:
اختلف أهل العلم في معنى الرباني إلى عدة أقوال والخلاف راجع إلى نسبة الرباني إلى ماذا؟:
- فمن قائل إنه راجع إلى الرب من حيث هو العالم ما علمه، العامل بطاعته، المعلم للناس ما أمر به، وزيدت الألف والنون مبالغة كما قالوا، لحياني وشعراني في النسبة إلى اللحية والشعر، وإلى هذه النسبة ترجع معاني القول الأول والثاني في معنى الرباني.
- ومن قائل منسوب إلى الربان وهو معلم الناس، وعالمهم السائس لأمرهم، مأخوذ من رب يرب إذا أصلح وربى، وزيدت فيه هذه النون كما زيدت في غضبان وعطشان، ثم نسب إليه رباني, وإلى هذه النسبة يرجع المعنى للقول الثالث في معنى الرباني.
- ورجح ابن جرير القول بأن الرباني منسوب إلى الربان فقال: وأولى الأقوال عندي بالصّواب في الرّبّانيّين أنّهم جمع ربّانيّ، وأنّ الرّبّانيّ المنسوب إلى الرّبّان: الّذي يربّ النّاس، وهو الّذي يصلح أمورهم ويربّها، ويقوم بها ومنه قول علقمة بن عبدة:
وكنت امرأً أفضت إليك ربابتي = وقبلك ربّتني فضعت ربوب
يعني بقوله: ربّتني: ولي أمري والقيام به قبلك من يربّه ويصلحه، فلم يصلحوه، ولكنّهم أضاعوني فضعت.
- ثم جمع ابن جرير بين هذه الأقوال جميعا فقال: فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا، وكان الرّبّان ما ذكرنا، والرّبّانيّ: هو المنسوب إلى من كان بالصّفة الّتي وصفت، وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين، يربّ أمور النّاس بتعليمه إيّاهم الخير، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم، وكان كذلك الحكيم التّقيّ للّه، والوليّ الّذي يلي أمور النّاس على المنهاج الّذي وليه المقسطون من المصلحين أمور الخلق بالقيام فيهم، بما فيه صلاح عاجلهم وآجلهم، وعائدة النّفع عليهم في دينهم ودنياهم؛ كانوا جميعًا مستحقّين أنّهم ممّن دخل في قوله عزّ وجلّ {ولكن كونوا ربّانيّين}.
فالرّبّانيّون إذًا، هم عماد النّاس في الفقه والعلم وأمور الدّين والدّنيا، ولذلك قال مجاهدٌ: وهم فوق الأحبار، لأنّ الأحبار هم العلماء. والرّبّانيّ: الجامع إلى العلم والفقه البصر بالسّياسة والتّدبير والقيام بأمور الرّعيّة، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم.
- كما جمع بين هذه الأقوال ابن عطية فقال: فجملة ما يقال في الرباني إنه العالم بالرب والشرع المصيب في التقدير من الأقوال والأفعال التي يحاولها في الناس.
والله أعلم

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 ربيع الأول 1444هـ/1-10-2022م, 09:17 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

مجلس مذاكرة القسم السادس من تفسير سورة آل عمران


صلاح الدين محمد أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 ربيع الأول 1444هـ/17-10-2022م, 11:23 PM
إيمان جلال إيمان جلال غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 380
افتراضي

حرّر القول في واحدة من المسألتين التاليتين:
1: معنى الربّانيّ في قوله تعالى: {ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}.

جاء عن أهل العلم عدة أقوال في معنى "ربانيين" يمكن اختصارها إلى أربعة أقوال هي:
القول الأول: فقهاء علماء حكماء حلماء.
أما بلفظ فقهاء علماء حكماء: فقد قاله مجاهد في تفسيره
وأما بلفظ حلماء علماء: فقد قاله أبو رزين ورواه عبد الرزاق وابن أبي حاتم
وأما بلفظ حكماء علماء: فقد قاله عبد الله بن مسعود وسفيان الثوري في تفسيره، وأبو رزين، وقتادة ورواه ابن جرير وابن المنذر
وأما بلفظ فقهاء علماء: فقد قاله ابن عباس وأبي رزين وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة ويحيى بن عقيل وعطاء الخرساني ورواه سعيد بن منصور، والرملي الذي نقل تفسير عطاء، والدارمي في مسنده، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وقال: وروي عن الربيع بن أنس وعطية نحو ذلك، كما رواه ابن زمنين.
وأما بلفظ الفقهاء المعلَّمون: فقد قاه ابن عباس وسعيد بن جبير ورواه ابن المنذر وابن أبي حاتم
وأما بلفظ حلماء فقهاء: فقد قاله ابن عباس ورواه البخاري،
وبلفظ فقهاء: قاله مجاهد ورواه ابن جرير،
وبلفظ حكماء فقهاء: قاله ابن عباس والسدي ورواه ابن جرير،
وبلفظ حلماء علماء حكماء: قاله ابن عباس ورواه ابن أبي حاتم
وأما بلفظ (حق على كل من قرأ القرآن أن يكون فقيها): قاله الضحاك ورواه الدارمي في مسنده وابن المنذر
وأما بلفظ المجموعون من العلماء. قاله عمر بن واصل ورواه التستري في تفسيره
واستدل التستري بقول علي رضي الله عنه: الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق. رواه التستري في تفسيره.

وقال سهل: الربانيون هم العالمون في الدرجة من العلم بالعلم. كما قال محمد بن الحنفية، لما مات عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: لقد مات هذا اليوم رباني هذه الأمة. رواه التستري في تفسيره.
تخريج الأقوال:
أما قول عبد الله بن مسعود: فقد رواه ابن المنذر من طريق شعبة عن عاصم عن زر عنه رضي الله عنه أنه قال: حكماء علماء.

وأما قول ابن عباس:
- فقد رواه عنه البخاري معلقا بلفظ: حلماء فقهاء.
- ورواه ابن جرير من طريق محمد بن سعد عن أبيه عن عمه عن أبي عمه عن أبيه عنه أنه قال: حكماء فقهاء.
- ورواه ابن جرير بذات اللفظ من طريق أبي كدينة عن عطاء عن سعيد بن جبير عنه.
- ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق بشر عن أبي ورق عن الضحاك عنه أنه قال: الفقهاء العلماء.
- ورواه ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق قيس عن عطاء عن سعيد عنه أنه قال: الفقهاء المعلمون.
- ورواه ابن أبي حاتم من طريق سليمان بن معاذ عن سماك عن عكرمة عنه أنه قال: حلماء علماء حكماء.

وأما قول أبي رزين:
- فقد رواه عبد الرزاق من طريق معمر عن منصور بن المعتمر عنه أنه قال: حلماء علماء. ورواه ابن المنذر عنه بلفظ: روي عنه.
- ورواه ابن جرير من عدة طرق وابن المنذر عن منصور عنه أنه قال: حكماء علماء.
- ورواه سعيد بن منصور من طريق جرير عن منصور عنه أنه قال: فقهاء علماء.

وأما قول سعيد بن جبير: فقد رواه الدارمي في مسنده من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْه أنه قال: علماء فقهاء. كما رواه ابن المنذر بذات اللفظ عنه دونما إسناد بقوله (وروي عنه).

وأما قول مجاهد:
- فقد رواه ابن جرير وسعيد بن منصور من طريق ابن أبي نجيح عنه أنه قال: هم الفقهاء العلماء وهم فوق الأحبار.
- ورواه عبد الرحمن الهمذاني في تفسير مجاهد من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه أنه قال: فقهاء علماء حكماء.
- ورواه ابن جرير من عدة طرق عنه أنه قال: فقهاء.

وأما قول الضحاك:
- فقد رواه الدارمي وابن جرير وابن المنذر عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله الخرساني عنه بلفظ: حَقٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا.
- ورواه ابن جرير من طريق عبيد بن سليمان عنه أنه قال: فقهاء علماء.

وأما قول الحسن:
- فقد رواه ابن جرير وابن المنذر من طريق عوف عنه أنه قال: فقهاء علماء.

وأما قول قتادة:
- فقد رواه ابن جرير فقال: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عنه أنه قال: فقهاء علماء.
- ورواه ابن جرير عن معمر عنه أنه قال: علماء حكماء.

وأما قول يحيى بن عقيل: فقد رواه ابن جرير من طريق بشر بن عمارة عن أبي حمزة الثمالي عنه أنه قال: الفقهاء العلماء.

وأما قول السدي: فقد رواه ابن جرير من طريق أسباط عنه أنه قال: حكماء فقهاء.

وأما قول عطاء والربيع بن أنس وعطية: فقد رواه عنهم ابن أبي حاتم دونما إسناد بقولهم: العلماء الفقهاء.

توجيه القول:
قال الراغب الأصفهاني:
- الرباني منسوب إلى الرب: أي الصاحب، ويقال: رَبُّ الدّار، ورَبُّ الفرس لصاحبهما، وعلى ذلك قول الله تعالى: "اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ".وقوله تعالى: "ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ".
- وقيل منسوب إلى الرب الذي هو المصدر، وهو الذي يربّ العلم كالحكيم، وقيل: منسوب إليه، ومعناه، يربّ نفسه بالعلم، وكلاهما في التحقيق متلازمان، لأنّ من ربّ نفسه بالعلم فقد ربّ العلم، ومن ربّ العلم فقد ربّ نفسه به.
- وقيل: هو منسوب إلى الرّبّ، أي: الله تعالى، فالرباني كقولهم: إلهيّ، وزيادة النون فيه كزيادته في قولهم: لحيانيّ، وجسمانيّ. قال عليّ رضي الله عنه: (أنا ربّانيّ هذه الأمّة) والجمع ربّانيّون.
- وقيل منسوب إلى الربان: وهو المتخصصُ بالعلم الذي يربُّه باستفادته وإفادته، وفعلان أكثر ما يجيء عن فَعِل للمبالغة نحو نعسان.
- وقيل أن لفظ (رباني) في الأصل سرياني، وأخلق بذلك، قلما يوجد في كلامهم.

قال التستري في تفسيره: لأنه عالم من علمه. واستدل بقوله تعالى: "من أنبأك هذا، قال نبأني العليم الخبير". فنسبه إلى النبوة بما علمه الله عزَّ وجلَّ. وكل من أنبأك بخبر موافق للكتاب والسنة فهو منبئ.
وفيه حديث ابن الحنفية لما توفي عبد الله بن عباس قال: (مات رباني هذه الأمة) قال أبو عبيد: سمعت رجلًا عالمًا بالكتب يقول: الربانيون العلماء بالحلال والحرام.
وقال ابن عرفة: قال أحمد بن يحيى: إنما قيل للعلماء ربانيون، لأنهم يربون العلم، أي: يقومون به. ومنه الحديث: (ألك عليك نعمة/ تربها).

القول الثاني: الحكماء الأتقياء. قاله سعيد بن جبير ورواه ابن جرير.
تخريج الأقوال:
أما قول سعيد بن جبير: فقد رواه عنه ابن جرير بقوله: حدّثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدّثنا فضيل بن عياضٍ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: حكماء أتقياء.
توجيه القول:
في الكلام عن (الحكماء) يقال به ما قيل في توجيه القول السابق، في النسبة والمعنى.
أما فيما يتعلق ب (الأتقياء): فهو بلازم القول، فالتقوى هي ثمرة العلم الذي يتعلمه العالم وطالب العلم، وقد نظم البخاري عنوان بابه بقوله: بابا العلم قبل القول والعمل.
قال الأزهري: هم أرباب العلم الذين يعملون بما يعلمون.

القول الثالث: ولاة الناس وقادتهم. قاله ابن زيد وذكره ابن جرير ورجحه.
قال ابن زيد: الرّبّانيّون: الّذين يربون النّاس، ولاة هذا الأمر، يربونهم: يلونهم وقرأ: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار} قال: الرّبّانيّون: الولاة، والأحبار: العلماء. رواه ابن جرير.
تخريج القول:
فقول ابن زيد: فقد رواه ابن جرير فقال: حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت ابن زيدٍ، يقول في قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: الرّبّانيّون: الّذين يربون النّاس، ولاة هذا الأمر، يربونهم: يلونهم وقرأ: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار} قال: الرّبّانيّون: الولاة، والأحبار: العلماء.

توجيه القول:
وعلى هذا القول: فإن (ربانيين) منسوبة إلى:
- التربية، وهو إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حدّ التمام، يقال رَبَّهُ، وربّاه ورَبَّبَهُ.
- الربان: الذي يرب الناس، وهو الّذي يصلح أمورهم ويربّها، ويقوم بها ومنه قول علقمة بن عبدة:
وكنت امرأً أفضت إليك ربابتي = وقبلك ربّتني فضعت ربوب
يعني بقوله: ربّتني: ولي أمري والقيام به قبلك من يربّه ويصلحه، فلم يصلحوه، ولكنّهم أضاعوني فضعت.
يقال منه: ربّ أمري فلانٌ فهو يربّه ربًّا وهو رابّه، فإذا أريد به المبالغة في مدحه قيل: هو ربّان، كما يقال: هو نعسان، من قولهم: نعس ينعس، وأكثر ما يجيء من الأسماء على فعلان ما كان من الأفعال ماضيه على فعل مثل قولهم: هو سكران وعطشان وريّان، من سكر يسكر، وعطش يعطش، وروي يروى، وقد يجيء ممّا كان ماضيه على فعل، يفعل نحو ما قلنا من نعس ينعس، وربّ يربّ.
قال البخاري: وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ.
وقال ابن زيد: مدبِّري أمر الناس في الولاية بالإِصلاح.
- الرب: وهو من كان فوقه في السيادة والرياسة.
وفي حديث ابن عباس مع ابن الزبير، رضي الله عنهم: لأن يربني بنو عمي، أحب إلي من أن يربني غيرهم، أي يكونون علي أمراء وسادة متقدمين، يعني بني أمية، فإنهم إلى ابن عباس في النسب أقرب من ابن الزبير.
يقال: ربه يربه أي كان له ربا. ذكره ابن منظور.

القول الرابع: أهل عبادة وأهل تقوى لله. فقد قاله الحسن ورواه ابن أبي حاتم، وقاله مقاتل في تفسيره.
تخريج القول:
وأما قول الحسن: فقد رواه ابن أبي حاتم بقوله: حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن مصور قال: سألت الحسن عن قوله: ولكن كونوا ربّانيّين يقول: كونوا أهل عبادةٍ، وأهل تقوى للّه.
قال مقاتل في تفسيره: متعبدين لله عزوجل.
والقول هذا مبني على أن (ربانيين):
- مشتقة من الربوبية: قال محمد بن سوار: الربّاني الذي لا يختار على ربه أحداً سواه. رواه التستري في تفسيره.
قال الزبيدي: الرباني الذي يعبد الرب.

الدراسة:
قال ابن جرير: فإذا كان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين، يربّ أمور النّاس بتعليمه إيّاهم الخير، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم، وكان كذلك الحكيم التّقيّ للّه، والوليّ الّذي يلي أمور النّاس على المنهاج الّذي وليه المقسطون من المصلحين أمور الخلق بالقيام فيهم، بما فيه صلاح عاجلهم وآجلهم، وعائدة النّفع عليهم في دينهم ودنياهم؛ كانوا جميعًا مستحقّين أنّهم ممّن دخل في قوله عزّ وجلّ {ولكن كونوا ربّانيّين}.
فالرّبّانيّون إذًا، هم عماد النّاس في الفقه والعلم وأمور الدّين والدّنيا، ولذلك قال مجاهدٌ: وهم فوق الأحبار، لأنّ الأحبار هم العلماء. والرّبّانيّ: الجامع إلى العلم والفقه البصر بالسّياسة والتّدبير والقيام بأمور الرّعيّة، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم.
قَالَ ثَعْلَب: إِنَّمَا قيل للفقهاء الربانيون؛ لأَنهم يربون الْعلم، أَي يقومُونَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو عمر عَن ثَعْلَب: الْعَرَب تَقول: رجل رباني وربي إِذا كَانَ عَالما عابدا معلما.
قال ابن منظور في اللسان:
كَانُوا يُرَبُّونَ المُتَعَلِّمينَ بِصغار العُلوم، قبلَ كبارِها. والرَّبَّانِيُّ: الْعَالِمُ الرَّاسِخُ فِي العِلم وَالدِّينِ، أَو الَّذِي يَطْلُب بِعلْمِه وجهَ اللهِ، وَقِيلَ: العالِم، العامِلُ، المُعَلِّمُ؛ وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّ: الْعَالِي الدَّرجةِ فِي العِلمِ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ رَجُلًا عَالِمًا بالكُتب يَقُولُ: الرَّبَّانِيُّون العُلَماءُ بالحَلال والحَرام، والأَمْرِ والنَّهْي. قَالَ: والأَحبارُ أَهلُ الْمَعْرِفَةِ بأَنْباءِ الأُمَم، وَبِمَا كَانَ وَيَكُونُ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وأَحْسَب الكلمَة لَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ، إِنما هِيَ عِبْرانية أَو سُرْيانية؛ وَذَلِكَ أَن أَبا عُبَيْدَةَ زَعَمَ أَن الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ الرَّبَّانِيّين؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وإِنما عَرَفَها الْفُقَهَاءُ وأَهل الْعِلْمِ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ لِرَئِيسِ المَلَّاحِينَ رُبَّانِيٌّ «2»؛ وأَنشد:
صَعْلٌ مِنَ السَّامِ ورُبَّانيُ

وقال الزجاج: معلمي الناس وهذا كله ألفاظ مختلفة عن معنى واحد، بيَّن تعالى أنه لن يصطفي علام الغيوب لرسالته
من يعلم من حاله أنه يكذب، وأن يأمر الناس أن يعبدوه. وإلى هذا أشار بقوله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).

وعليه:
فكل الأقوال يحتملها اللفظ ولا تعارض، فالرباني هنا هو صاحب العلم، وصاحب الحلم، وصاحب الحكمة، وصاحب الفقه، وهو الذي يربي العلم والفقه والحلم والحكمة في نفسه، وتربيه أيضا الحكمة والعلم والفقه والحلم، وعلمهم هذا هو من علم الرب.
والرباني من يعلم غيره ويوجهه وينصحه، ويعمل بما علم فيتقي الله ربه به، وهو أهل العبادة، يربي نفسه وغيره.
ويؤيده قوله تعالى: " مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ" فالعالم الرباني هو الذي يربي نفسه بالعلم، ويربيه العلم، فيظهر عليه العمل وعلى رأسه الخشية والتقوى، ويربي غيره بالعلم، فلا يدعو الناس ليكونوا عبيدا له، ولكن عبادا لله وحده لا شريك له.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 3 ربيع الثاني 1444هـ/28-10-2022م, 11:10 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع التقويم


إيمان جلال أ+
أحسنت بارك الله ونفع بك.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 ربيع الثاني 1444هـ/12-11-2022م, 12:41 AM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي

2: معنى قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)}.



جاءت هذه الآية من سورة آل عمران في سياق إقامة الحجة على الناس عامة وأهل الكتاب خاصة بأن الله عز وجل أخذ الميثاق على جميع الأنبياء ومعهم أممهم باتباع الرسل الذين يأتون بعدهم ونصرتهم، وفي ضمن هذا بيان وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وتصديقه ونصرته؛ فمن أعرض عن هذا الاتباع فقد حكم الله عليهم بالفسق.
قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)}
ثم قال الله عز وجل مستنكرًا عليهم إعراضهم ومقيمًا عليهم الحجة: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)}
ودين الله في هذه الآية هو دين الإسلام؛ دين جميع الأنبياء، الذي لا يقبل الله عز وجل غيره، كما قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام}، ومعناه الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله؛ ولا يمكن أن يتحقق هذا المعنى حتى يتبع الناس رسل الله الذين أرسلهم إليهم وأيدهم بالآيات والبينات، وشرع لهم الشرائع ليعملوا بها، حتى خُتِم الأنبياء بمحمد صلى الله عليه وسلم وشريعة الإٍسلام فوجب على جميع الناس اتباعه ولا ينفعهم ما هم عليه من شرائع مهما ادعوا إيمانهم بالله عز وجل !
عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفس محمد بيده، ‌لا ‌يسمع ‌بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار». رواه مسلم.
واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا}
ويمكن تصنيف الخلاف في هذه المسألة بحسب الخلاف في المسائل التالية:
أولا: المقصود بالإسلام في قوله تعالى:{ وله أسلم}
ثانيًا: معنى الاسم الموصول (من) في هذه الآية، هل هو للعاقل فقط أم يشمل العاقل فيكون مخصوصًا بالملائكة والجن والإنس أو غير العاقل فيعم جميع المخلوقات.
ثالثًا: معنى الإكراه في {وكرها}

وسأركز في تحرير معنى الآية على المسألة الأولى، وأصنف بقية المسائل على الأقوال فيها، وبالله التوفيق:
المقصود بالإسلام في قوله تعالى:{ وله أسلم}:
القول الأول: الإسلام بمعنى الخضوع لله عز وجل:
فيكون معنى الآية على هذا القول:
أن عموم من في السماوات لله عز وجل خاضعين لله عز وجل؛ ومنهم من خضع طوعًا وهم الملائكة والمؤمنون- على القول بأن (من) في هذه الآية خاصة فيمن يعقل- ومنهم من خضع قهرًا لأنه تحت قهر الله وسلطانه وتدبيره لا ينفك عنه، وهم الكفار من الجن والإنس.
ويتحقق معنى الخضوع طوعًا في جميع مخلوقات الله عز وجل عدا من كفر من الثقلين.
قال الله تعالى: {وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ بَل لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلّٞ لَّهُۥ ‌قَٰنِتُونَ}[البقرة: 116]
وقال الله تعالى:{وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلّٞ لَّهُۥ ‌قَٰنِتُونَ ٢٦} [الروم: 26]
والقنوت الطاعة، وعلى القول بأن (ما) لغير العاقل، و (من) للعاقل؛ فكلا الآيتين يعمان كل المخلوقات، إلا أن قنوت الكافر يكون بخضوعه تحت حكم الله وقهره وسلطانه.



وقال الله تعالى:{لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيۡءٍ إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِۦۚ وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ (14) وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ‌طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ (15)} [الرعد: 14-15]
وقال: {أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٖ ‌يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَٰلُهُۥ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَٱلشَّمَآئِلِ سُجَّدٗا لِّلَّهِ وَهُمۡ دَٰخِرُونَ (48) وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَآبَّةٖ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ (49)} [النحل: 48-49]
وقال: {قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ (10) ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا ‌طَآئِعِينَ(11)} [فصلت: 9-11]
وكل هذه الآيات فيها دلالة على خضوع جميع المخلوقات لله عز وجل، وفي آية سورة فُصلت بيان أن السماوات والأرض خضعا لله عز وجل طوعًا؛ فتبين أنه لم يخضع كرهًا إلا الكافر!
ثم اختلف المفسرون -على هذا القول- في معنى الإسلام طوعا وكرهًا على أقوال تتوافق ولا تتعارض:
القول الأول: الإقرار بأن الله هو الخالق المستحق للعبادة؛ فأما المؤمن فيخلص العبودية لله عز وجل، وأما الكافر فيشرك معه غيره، وهو قول أبي العالية، ورواية عن ابن عباس ورواية عن مجاهد.
قول ابن عباس رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن عمرو بن سعيدٍ السّكونيّ فيما كتب إليّ، ثنا بقيّة حدّثني معاوية بن يحيى، عن أبي سنانٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا قال: المعرفة.
قول أبي العالية رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أبي جعفرٍ عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون} قال: كلّ آدميٍّ قد أقرّ على نفسه بأنّ اللّه ربّي وأنا عبده، فمن أشرك في عبادته فهذا الّذي أسلم كرهًا، ومن أخلص لله العبوديّة فهو الّذي أسلم طوعًا.
قول مجاهد رواه سفيان الثوري في تفسيره عن ابن جريج وغيره عن مجاهد، ورواه ابن جرير في تفسيره عن سفيان عن منصور عن مجاهد أنه قال في قوله: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها} قال: هي كقوله: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الآية: 83]

القول الثاني: سجود المؤمن طوعًا، وسجود ظل الكافر لله عز وجل، وهو رواية عن مجاهد.
روى مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً} قال: سجود المسلم ظلّه وروحه طائعًا، وسجود ظلّ الكافر وهو كارهٌ. ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد نحوه.
وروى ابن جرير عن سوّار بن عبد اللّه، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: الطّائع: المؤمن، وكرهًا: ظلّ الكافر.
وروى ابن جرير من طريق حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: سجود وجهه وظلّه طائعًا.
ورواه ابن المنذر عن علي بن المبارك، قال: حدثنا زيد، قال: حدثنا ابن ثور، عن ابن جريج، عن مجاهد: {طوعا وكرها} قال " سجود المؤمن كله وحمده طائعا، قال: وسجود ظل الكافر وهو كاره). بلا واسطة بين ابن جريج ومجاهد.

القول الثالث: إسلام الكاره حين أُخذ منه الميثاق فأقر به، وهو رواية عن ابن عباس.
قال ابن جرير حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: حين أخذ الميثاق
وفيها إشارة إلى قول الله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين}

القول الرابع: تحقق الخضوع لله عز وجل في جميع خلقه، وهو رواية عن ابن عباس وقول عامر الشعبي، واختاره الزجاج.
أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح عن معاوية عن علي عن ابن عباس أنه قال: قوله: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: عبادتهم لي أجمعين طوعًا وكرهًا)، وزاد ابن المنذر: (وهو قوله عز وجل: {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها})
وأما قول الشعبي: قال ابن جرير: حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن عامرٍ: {وله أسلم من في السّموات والأرض} قال: استقاد كلّهم له.

قال الزجاج في معاني القرآن: (ويجوز أن يكون واللّه أعلم - على معنى وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعا وكرها - أي: خضعوا من جهة ما فطرهم عليه ودبرهم به، لا يمتنع ممتنع من جبلّة جبل عليها، ولا يقدر على تغييرها أحب تلك الجبلّة أو كرهها.
{وإليه يرجعون} يدل على تصديق هذا القول لأن المعنى إنّه بدأكم على إرادته شئتم أو أبيتم.
وهو يبعثكم كما بدأكم. فالتأويل: أتبغون غير الدين الذي هذه صفته).

القول الثاني: الدخول في دين الإسلام:
فيكون معنى الآية على هذا القول: أن من في السماوات أسلموا لله طوعًا، ومن في الأرض منهم من دخل في الإسلام طوعًا ومنهم من دخل كرهًا، ومعنى الاسم الموصول (من) على هذا القول للعاقل.
ثم اختُلف في كيفية هذا الإكراه على أقوال:
الأول: أسلموا كرهًا بعد القتال بالسيف؛ وسُمي كرها وإن كان طوعًا لأنه جاء بعد قتال، وهو قول الحسن وقاله الفراء وابن قتيبة وأبو جعفر النحاس ونص عليه الزجاج احتمالا.
قول الحسن رواه ابن جرير عن محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} الآية كلّها، فقال: أكره أقوامٌ على الإسلام، وجاء أقوامٌ طائعين.

وهذا الإسلام ينفع صاحبه ما دام صادقًا فيه، وفي الحديث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل) رواه البخاري.
وفُسر بأنهم الأسرى يدخلون الإسلام بعدما يرون صحته، وقيل من يدخلون الإسلام بعد القتال.
ولكن علة هذا القول في تفسير الآية أنه لا يدخل فيه من لم يدخل في دين الإسلام، وظاهر الآية العموم، فيلزم على هذا القول حمل المعنى على إرادة الخصوص.
قال ابن عطية: (وهذا قول الإسلام فيه هو الذي في ضمنه الإيمان، والآية ظاهرها العموم، ومعناها الخصوص، إذ من أهل الأرض من لم يسلم طوعا ولا كرها على هذا الحد)

الثاني: أسلم حين رأى بأس الله، مثل الموت، قاله قتادة،
ورواية عن مجاهد.
قول قتادة رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها} قال: (أما المؤمن فأسلم طوعا وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله قال فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا)، ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من نفس الطريق نحوه.
ورواه ابن جرير من طريق سعيدٌ، عن قتادة، قوله: (أفغير دين اللّه تبغون) الآية، فأمّا المؤمن فأسلم طائعًا، فنفعه ذلك، وقبل منه؛ وأمّا الكافر فأسلم كارهًا، حين لا ينفعه ذلك، ولا يقبل منه.
قول مجاهد رواه ابن المنذر عن موسى، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها} قال " أما المؤمن فأسلم طائعا، وأما الكافر فما أسلم حتى يأتي بأس الله {فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا}
قال ابن عطية: (ويلزم على هذا أن كل كافر يفعل ذلك، وهذا غير موجود إلا في أفراد).

الترجيح:
القول الأول أظهر وأقوى في إقامة الحجة على الكافرين، ولفظ الآية أقرب لمعنى العموم، ويمكن أن تأتي (من) لغير العاقل، كما قال الأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة في كتابه دراسات لأسلوب القرآن الكريم: (12 - «من» لا يعني بها في خبر ولا استفهام ولا جزاء إلا من يعقل واستعملت في غير العاقل لتنزيله منزلته، أو للتغليب). اهـ
فإذا كان غير العاقل مثل السماوات والأرض قالتا : (أتينا طائعين)؛ فهما في منزلة من يعقل مقارنة بالكافر الذي أبى واستكبر، والله أعلم.
ويكون في الآية على القول الأول إقامة للحجة على الكافرين ففيها:
1. الإنكار عليهم بطلب دين غير دين الله عز وجل: {أفغير دين الله يبغون}
2. بيان خضوع جميع خلق الله عز وجل له وحده، سواء خضعوا طوعًا أو كرهًا؛ فالكافر لا يخرج بكفره عن هذا الخضوع.
3. مرجع الخلق لله عز وجل وحده، وهو يحاسب عباده المكلفين على ما قدموا، فإذا كان هذا واقع الأمر فكيف يطلبون دينًا غير دين الله عز وجل، الذي سيرجعون إليه ويحاسبهم عليه، كما قال تعالى في ختام الآية: {وإليه يُرجعون}
4. تقديم الجار والمجرور في {وله} و {وإليه} للحصر؛ فليس غير الله عز وجل تخضع له جميع المخلوقات، وليس لغيره المرجع والمآب.
فاللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 ربيع الثاني 1444هـ/23-11-2022م, 06:04 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع التقويم


صفية الشقيفي أ+
أحسنت بارك الله ونفع بك.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 صفر 1445هـ/14-09-2023م, 09:43 AM
رولا بدوي رولا بدوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 341
افتراضي

تحرير القول في الآية: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)
هذه الآية تقيم الحجة على كل من حاد عن الطريق، و أختُلف في المخاطب فيها و المراد من ألفاظها، و لبيان المعنى نبين أسباب الاختلاف و نوجهها حتى نخلص للمعنى المراد منها.
بداية؛ سبب الاختلاف في من هو المخاطب ما ورد من قراءات في الآية، و وعليه نشرع ببيان القراءات و توجيهها :
1- على وجه الخطّاب؛ قرأ بها عامّة قرّاء الحجاز من مكّة والمدينة وقرّاء الكوفة: (أفغير دين اللّه تبغون)، (وإليه ترجعون)، ذكره ابن جرير و هو أولى بالصواب عنده، و حجته في ذلك سياق الكلام كما عبر عنه فقال: لأنّ الآية الّتي قبلها خطابٌ لهم، فإتباع الخطّاب نظيره أولى من صرف الكلام إلى غير نظيره، و الخطاب عنده لأهل الكتاب.
• و ذكره النحاس في معاني القرآن: و قال المعنى: قل لهم يا محمد أفغير دين الله تبغون.
• و ذكر نفس المعنى بن عبد الغفار الفارسيّ في كتابه الحجة للقراء السبعة : و الدلالة عنده على هذا القول ؛قوله تعالى: قل آمنا بالله [آل عمران/ 84]
و قال : ويؤكّد التاء في (ترجعون) أنّهم كانوا منكرين للبعث، ويدل على ترجعون إلي مرجعكم [آل عمران/ 55].
و قوله هذا فيه إشارة أن من يوجه لهم الخطاب من الرسول صلى الله عليه و سلم من أنكروا البعث و هم المشركين.
• و ذكر ابن زنجلة في كتابه حجة القراءات حجة أخرى لمن قرأ بالتاء: قول قبلها {أأقررتم وأخذتم} فيكون نسقوا مخاطبة على مخاطبة وقال قوم يجوز أن يكون ابتدأ خطابا مجددا على تأويل قل لهم يا محمّد أفغير دين الله تبغون أيها المخاطبون فكان خطابا عاما لليهود وغيرهم من النّاس.
• وقد قال بهذا التوجيه مكي بن أبي طالب القَيْسِي في الكشف عن وجوه القراءات السبع، لكن جعل المخاطبون على لسان النبي صلى الله عليه و سلم هم الكفار المنكرون للبعث ويؤكد القراءة بالتاء في «ترجعون» قوله: {إليه مرجعكم} «الأنعام 60» فالتاء كالكاف.
• و خالف التوجيه هذا ابن خالويه الهمَذاني في إعراب القراءات السبع وعللها:
و وجه المعنى بأنه: يا محمد أفغير دين الله تبغون: وإليه ترجعون، فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.
2- الخبر عن الغائب؛ وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز: {أفغير دين اللّه يبغون}، {وإليه يرجعون} بالياء كلتيهما، ذكره ابن جرير.
• وجه ابن خالويه الهمَذاني هذه القراءة في إعراب القراءات السبع وعللها: قال إن المعنى الإخبار عن الكفار
• و هو ما وجهها به بن عبد الغفار الفارسيّ في كتابه الحجة للقراء السبعة و أضاف أنّه على تقدير: قل: كأنّه قل لهم: أفغير دين الله يبغون، وإليه يرجعون؟!
و الحجة عنده أنّهم غيب فجاء على لفظ الغيبة وكذلك: وإليه يرجعون..
والمعنى على الوعيد، أي: أيبغون غير دين الله، ويزيغون عن دينه مع أنّ مرجعهم إليه فيجازيهم على رفضهم له.وأخذهم ما سواه .
و قوله هذا فيه إشارة إلى كون الآية خبرًا عمن يؤمنون باليوم الآخر، و هم أهل الكتاب.
• و جعل أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة في كتابه حجة القراءات
أنه خبرًا عن اليهود .
• و قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي وجوه القراءات السبع أن حجة من جعل الآية إخبار عن غيب أنهم لم يكونوا بالحضرة، وأيضًا فإن قبله ذكر غيب، في قوله: {فأولئك هم الفاسقون} «82» وقوله: {فمن تولى بعد ذلك} فجرى الكلام الذي بعده على أوله في الغيبة.

3- قراءة {أفغير دين اللّه يبغون} على وجه الخبر عن الغائب، وإليه ترجعون بالتّاء على وجه المخاطبة؛ قرأ بها أبو عمرو، و وجه ابن خالويه الهمَذاني في إعراب القراءات السبع وعللها هذه القراءة إلى أن هذا تفريق بين اللفظين لاختلاف المعنيين، فقرأ: {أفغير دين الله يبغون} يعني الكفار {وإليه ترجعون} أنتم والكفار،وأرجع ذلك لما عبر به أن أبو عمرو أحذق القراء.
بينما وجه ابن زنجلة في كتابه( حجة القراءات)، أن حجة أبو عمرو : أن الخطاب قد انقضى بالفصل بينه وبين ذلك بقوله {فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} 82 ثمّ قال {أفغير دين الله يبغي الفاسقون} فيكون الكلام نسقا واحدًا.
* و يظهر من مجموع ما ذكرنا و الله أعلم : أن المراد هو أمر للرسول صلى الله عليه و سلم يخاطب به من يعاصرونه، و يدخل في الخطاب ابتداءً أهل الكتاب، و يقوي ذلك سياق الآيات، الذي في معرض الحديث عن أهل الكتاب، و أن الآية مقصدها الإنكار عليهم و هم يؤمنون بيوم الحساب، و أيضًا قد يضاف لذلك ما نقله الثعلبي في تفسيره عن ابن عباس إن صح، قال: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: اخْتَصَمَ أهْلُ الكِتابَيْنِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيما اخْتَلَفُوا بَيْنَهم مِن دِينِ إبْراهِيمَ، كُلُّ فِرْقَةٍ زَعَمَتْ أنَّها أوْلى بِدِينِهِ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: ”كِلا الفَرِيقَيْنِ بَرِيءٌ مِن دِينِ إبْراهِيمَ“ . فَغَضِبُوا وقالُوا: واللَّهِ ما نَرْضى بِقَضائِكَ، ولا نَأْخُذُ بِدِينِكَ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿أفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾
و يشمل الخطاب أيضًا الكفار وغيرهم من الناس، ممن لم يؤمنوا بيوم القيامة و ينكرون البعث، أو آمنوا به و حادوا عن الطريق، يؤيد ذلك ما ذكرنا في توجيه القراءات.
و قد قال ابن عطية في تفسيره: والتوقيف بقوله أفغير إنما هو لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم من الأحبار والكفار.
و مقصد الآية ؛ بداية الإنكار على من يطلب غير دين الله(الإسلام) دينًا مع ظهور الآيات (أفغير دين الله يبغون) ، و ختمت بوعيد أنهم إلي الله يرجعون فيحاسبون على ما طلبوا من دون الله، سواء كانوا مؤمنين بذلك، فهو تذكير فيه وعيد لهم، أم لم يؤمنوا فهو خبر لهم يحمل الوعيد.
و هذا الإنكار عليهم يعظم بما قال تعالى ( وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا )
و اختُلِف في معنى الإسلام المراد في الآية؟ و فيمن أسلم؟، و المراد من الإسلام طوعا و كرها ؟
و الاختلاف في المعنى المراد للإسلام يرجع للمعنى اللغوي و الاصطلاحي للإسلام، و بيان ذلك فيما يلي:
أولًا: الإسلام لغة: هو الانقياد والخضوع والذل؛ يقال: أسلم واستسلم؛ أي: انقاد
مختار الصحاح" (5/ 1952)، و"لسان العرب" (12/ 293).
و في المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم (مؤصَّل ببيان العلاقات بين ألفاظ القرآن الكريم بأصواتها وبين معانيها) قال الدكتور محمد حسن حسن جبل: أسلم الشيء إليه: دفعه إليه (كلَّه أو سالمًا). وكذا سلّمه (إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: )ـ٢٣٣ وكذا ما في النساء: ٩٢]\ وقريب منه معنى الانقياد لأنه تسليم نَفْس، ومنه تسليم النفْس لله (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: ٨٣]: استسلم وانقاذ وهو معنى (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) آل عمران: ١٩و قال : وبهذا المعنى كل صيغة (أسلم) ماضيها ومضارعها وأمرها ومصدرها واسم الفاعل منها.
ثانيًا: الإسلام اصطلاحًا.
في حديث جبريل قال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسولُ الله ﷺ: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعتَ إليه سبيلًا، قال: صدقتَ، فعجبنا له: يسأله ويُصدقه
قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تُؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقتَ، إلى آخر الحديث)
و روى ابن أبي حاتم عن ابو العالية قال: حَدَّثَنا أبِي، ثَنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ قَوْلُهُ: ﴿إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ﴾ قالَ الرَّبِيعُ: ثَنا أبُو العالِيَةِ قالَ: الإسْلامُ الإخْلاصُ لِلَّهِ وحْدَهُ، وعِبادَتُهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وإقامُ الصَّلاةِ، وإيتاءُ الزَّكاةِ، وسائِرُ الفَرائِضِ لَها تَبَعٌ.
و هنا جمع الربيع بن أنس رضي الله عنه بين الإسلام و الإيمان، و هو ما أجمله قول شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ ومن أصول أهل السنة والجماعة: أن الدين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح)
ثالثًا: الفرق بين الإسلام و الإيمان:
ذكر أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني في كتابه (اعتقاد أئمة الحديث) أقوال أهل العلم في الفرق بين الإسلام والإيمان، فقال:
1- منهم من قال: إن الإيمان قول وعمل، والإسلام فعل ما فرض على الإنسان أن يفعله، إذا ذكر كل اسم مضمومًا إلى الآخر، فقيل: المؤمنون والمسلمون جميعا، مفردين أريد بأحدهما معنى لم يرد بالآخر، وإن ذكر أحد الاسمين شمل الكل وعمهم.
2- وكثير منهم قالوا: الإسلام والإيمان واحد، قال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ٨٥] فلو أن الإيمان غيره لم يقبل منه، وقال: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ - فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: ٣٥ - ٣٦]
3- ومنهم من ذهب إلى أن الإسلام مختص بالاستسلام لله والخضوع له والانقياد لحكمه فيما هو مؤمن به، كما قال: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: ١٤] وقال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: ١٧] وهذا أيضًا دليل لمن قال هما واحد
4- المراد بالإسلام في الآية:
أ‌. الخشوع الذي يلزم منه الخضوع لله بالعبوديّة و الاقرار له بإفراد الرّبوبيّة، والانقياد له بإخلاص التّوحيد والألوهيّة، قاله ابن جرير.
و هذا قد يعود إلى أن الإسلام و الإيمان شئ واحد، أو لإنفراد الإسلام بالذكر عند من قال أنهما ليسا شيئًا واحدًا.
ما يؤيد هذا المعنى:
• ما رواه ابن جرير وابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: عبادتهم لي أجمعين طوعًا وكرهًا.
رواية علي بن ابي طلحة عن ابن عباس مرسلة و ذكر العلماء أنه لا يتابع تفسيره عن ابن عباس، قال أحمد بن حنبل على بن أبي طلحة الذي يروي تفسير، ممن قال بذلك؛أحمد بن حنبل ، أبو أحمد الحاكم الكبير، يحيى بن معين.
• و ما رواه ابن ابي حاتم:
حدّثنا أبي ثنا عثمان بن الهيثم، ثنا يحيى بن عبد الرّحمن العصريّ عن الحسن في قوله: وله أسلم من في السماوات والأرض قال: في السّماء الملائكة طوعًا، وفي الأرض الأنصار وعبد القيس طوعًا.

• قاله مجاهد:
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه و ابن جرير من طريق ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: الطّائع: المؤمن، وكرهًا: ظلّ الكافر.
الشاهد : الطائع المؤمن.
ليث و غن كان من طبقة الضعفاء ، فقد روى عنه هنا المعتمر بن سليمان و قد وثقه العلماء.

• ما روي عن أبي العالية:
أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن أبي جعفر، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: كلّ آدميٍّ قد أقرّ على نفسه بأنّ اللّه ربّي وأنا عبده، فمن أشرك في عبادته فهذا الّذي أسلم كرهًا، ومن أخلص لله العبوديّة فهو الّذي أسلم طوعًا، الشاهد فيه ( من أخلص لله العبودية فهو أسلم طوعًا)..
• ما روي عن عامر
روى ابن أبي حاتم عنه قال: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن جابرٍ عن عامرٍ وله أسلم من في السماوات قال: استقادتهم له.
و من لطيف ما ذكر الراغب الأصفهاني في تفسيره قوله: حمل (أَسْلَمَ) على الاستسلام وعلى الاعتقاد والإِقرار باللسان، والتزام الأحكام_ عبر عن الإنقياد و العبادة_، له أسلم من في السموات طوعاً، وهو أن علمهم بوحدانية الله وصفاته ضرورة لا استدلال، وعامّة أهل الأرض كرهاً بمعنى أن الحجة أكرهتهم وألجأتهم كقولك: الدلالة أكرهتني على القول بهذه المسائل، وليس هذا من الكره المذموم.
ب‌. المعنى المراد الثاني الذي ذكره أهل العلم في معنى الإسلام: الاستسلام و الاقرار له بإفراد الرّبوبيّة، دون الانقياد له بإخلاص التّوحيد والألوهيّة، كما ذكر ابن جرير فإسلام الكاره هو إقراره بأنّ اللّه خالقه وربّه، وإن أشرك معه في العبادة غيره.
• و هو قول مجاهد و أبو العالية
• قول مجاهد:رواه سفيان [الثوري] عن ابن جريجٍ وغيره عنه قال:{وله أسلم من في السّموات والأرض} قال: هو كقوله: {ولئن سألتهم من خلق السّموات والأرض ليقولنّ اللّه}، و رواه ابن جرير.
• رواه وكيعٌ في تفسيره( كما ذكر ابن كثير ) ، عن سفيان، عن منصورٍ، عنه به، أخرجه ابن جرير في تفسيره .
• أخرجه عبد بن حميد عنه كما ذكر السيوطي في الدر المنثور و لم أتوصل له.

• ما روي عن أبي العالية:
• أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن أبي جعفر، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: كلّ آدميٍّ قد أقرّ على نفسه بأنّ اللّه ربّي وأنا عبده، فمن أشرك في عبادته فهذا الّذي أسلم كرهًا، ومن أخلص لله العبوديّة فهو الّذي أسلم طوعًا.
الشاهد فيه( ففمن أشرك في عبادته فهذا الي ألم كرهًا)
• و يقع تحت هذا المعنى قول من قال أنه المعرفة، و هو قول ابن عباس و أبو سنان.
• قول ان عباس: رواه ابن أبي حاتم في تفسيره قال أخْبَرَنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ السَّكُونِيُّ فِيما كَتَبَ إلَيَّ، ثَنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي مُعاوِيَةُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أبِي سِنانٍ، عَنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولَهُ أسْلَمَ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ طَوْعًا وكَرْهًا﴾ قالَ: المَعْرِفَةُ.
• قول أبوسنان:و رواه ابن جرير عنه فقال : حَدَّثَنا أبِي، ثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ إسْماعِيلَ، أخْبَرَنِي أبِي، ثَنا أبُو سِنانٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولَهُ أسْلَمَ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ طَوْعًا وكَرْهًا﴾ قالَ: المَعْرِفَةُ لَيْسَ أحَدٌ سَألَهُ إلّا عَرَفَهُ.

ت‌. المراد بالإسلام طوعًا أوكرهًا:
1- الخضوع للفطرة التي خلق الله عليها الخلق، بين الزجاج في كتابه معاني القرآن هذا القول فقال: خضعوا من جهة ما فطرهم عليه ودبرهم به، لا يمتنع ممتنع من جبلّة جبل عليها، ولا يقدر على تغييرها أحب تلك الجبلّة أو كرهها.
و قال راغب الأصفهاني في تفسيره، أن إسلامهم كرهًا هو مقتضى العقل و التمييز التي هى دلائل الفطرة التي فطروا عليها.
و رأى ابن كثير ـن هذا القول أقوى: المراد الاستسلام : المؤمن مستسلمٌ بقلبه وقالبه للّه، والكافر مستسلمٌ للّه كرها، فإنّه تحت التّسخير والقهر والسّلطان العظيم، الّذي لا يخالف ولا يمانع.
و يعود هذا المعنى للمعنى اللغوي للإسلام، و من صوره :
1- ما كان حين أخذ الميثاق:
قاله ابن عباس:
- قال وكيعٌ في تفسيره( كما ذكر ابن كثير)، عن سفيان، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: حين أخذ الميثاق ( رواه ابن جرير و ابن المنذر في تفسيرهما).
2- السجود ؛ قاله مجاهد، روى ابن جريرو ابن أبي حاتم من طريق أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {طوعًا وكرهًا} قال: سجود المؤمن طائعًا، وسجود الكافر وهو كارهٌ
* بين مجاهد في قول آخر أن السجود يكون للظل؛ روى ابن جرير و ابن المنذر من طريق ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {كرهًا} قال: سجود المؤمن طائعًا، وسجود ظلّ الكافر وهو كارهٌ.
* رواه عنه ابن جرير بإسناد آخر و ألفاظ قريبة، قال: حدّثنا سوّار بن عبد اللّه، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: الطّائع: المؤمن، وكرهًا: ظلّ الكافر.
* و هناك رواية عن مجاهد فيها سجود وجهه و ظله طائعًا، قال ابن جرير :حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: سجود وجهه وظلّه طائعًا، _و لعل المراد هو سجود المؤمن.
* و هو يقارب قول ما رواه مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً} قال: سجود المسلم ظلّه وروحه طائعًا، وسجود ظلّ الكافر وهو كارهٌ.
3- الإسلام كرها خوف السيف، قاله الحسن، عكرمة، مطر الوراق.
ابن جرير ؛ عنى بذلك إسلام من أسلم من النّاس كرهًا حذر السّيف على نفسه.
- الدليل :
• ما روي عن الحسن:
روى ابن جريرفي تفسيره قال: - حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} الآية كلّها، فقال: أكره أقوامٌ على الإسلام، وجاء أقوامٌ طائعين.
• ما روي عن عكرمة
روى ابن أبي حاتم قال: حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا عمر بن عليٍّ، عن سعيد بن المرزبان، عن عكرمة وله أسلم من في السماوات والأرض قال: أسلم من في السّموات والأرض ثمّ استأنف طوعًا وكرهًا، فمن أسلم منهم كرهًا: مشركوا العرب والسّبايا، ومن دخل الإسلام كرهًا.
• ما روي عن مطر الوراق:
- روى ابن جرير في تفسيره قال: حدّثني الحسن بن قزعة الباهليّ، قال: حدّثنا روح بن عطاءٍ، عن مطرٍ الورّاق، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون} قال: الملائكة طوعًا، والأنصار طوعًا، وبنو سليمٍ وعبد القيس طوعًا، والنّاس كلّهم كرهًا.
• و قريبًا من هذا الأثر ما حكى الديلمي(509) عن أنس في الفردوس بمأثور الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها} قال: الملائكة أطاعوه في السماء والأنصار وعبد القيس أطاعوه في الأرض
• و نقل ابن كثير حديثًا في معناه غرابةٌ كما ذكر، رواه الطبراني في كتابه المعجم الكبير ، رواه الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ فقال: حدّثنا أحمد بن النّضر العسكريّ، حدّثنا سعيد بن حفصٍ النّفيلي، حدّثنا محمّد بن محصن العكّاشيّ، حدّثنا الأوزاعيّ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا} أمّا من في السّماوات فالملائكة، وأمّا من في الأرض فمن ولد على الإسلام، وأمّا كرهًا فمن أتي به من سبايا الأمم في السّلاسل والأغلال، يقادون إلى الجنّة وهم كارهون".
و قد ذكر السُّيُوطِيُّ في الدر المنثور أن إسناده ضعيف.
• و نقله عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : في مجمع الزوائد ( عن ابن عباس عن الرسول صلى الله عليه و سلم، و قال رواه الطّبرانيّ، وفيه محمّد بن محصّنٍ العكّاشيّ، وهو متروكٌ.
• و ذكر الفراء و الزجاج و النحاس في كتبهم في معاني القرآن؛ أن السنة في أهل الأرض أن يقاتلوا إن لم يسلموا، و في كلام الزجاج تفصيل، قال : لما كانت السنة فيمن فرض قتاله من المشركين أن يقاتل حتى يسلم سمي ذلك كرها، وإن كان يسلم حين يسلم طائعا، إلا أن الوصلة كانت إلى ذلك بكره، ونصب {طوعا} مصدرا، وضع موضع الحال.
كأنه أسلموا طائعين ومكرهين، كما تقول جئتك ركضا ومشيا، وجئت راكضا وماشيا.

• قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ في كتابه( تأويل مشكل القرآن): في تفسير قوله تعالى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ) : يستسلم من في السموات من الملائكة، ومن في الأرض من المؤمنين طوعا، ويستسلم من في الأرض من الكافرين كرها من خوف السيف.
{وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} مستسلمة.
وهو مثل قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)
3- الكافر أسلم كرهًا في حال المعاينة، حينَ لا ينفعه إسلامٌ، قاله قتادة .
• روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ في تفسيره؛ قال نا معمر عن قتادة في قوله تعالى وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها قال أما المؤمن فأسلم طوعا وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله قال فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا)، و رواه عنه ابن جرير و ابن ابي حاتم به.
• و أخرجه عبد بن حميد كما ذكر السيوطي في الدر المنثور.
* و روى ابن جرير و ابن ابي حاتم من طريق بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: (أفغير دين اللّه تبغون) الآية، فأمّا المؤمن فأسلم طائعًا، فنفعه ذلك، وقبل منه؛ وأمّا الكافر فأسلم كارهًا، حين لا ينفعه ذلك، ولا يقبل منه.

• و نقل قول قتادة ابن عطية و عقب عليه فقال: ويلزم على هذا أن كل كافر يفعل ذلك، وهذا غير موجود إلا في أفراد.
خلاصة الأقوال
يظهر مما سبق و الله أعلم أن هذه الآية تحتمل كل ما ذكر، فالمعاني التي ذكرت لا تتعارض، و يمكن جمعها، و العبرة بعموم اللفظ و ليس بخصوص السبب؛ هذه الآية فيها أمر للرسول أن يخاطب كل من حاد عن الفطرة التي هي الإسلام، ممن عاصروه من أهل الكتاب من يؤمن بيوم الحساب، و من الكفار الذين أنكروا البعث، منكرًا عليهم فعلهم، و مقيم عليهم الحجة بإسلام من أسلم من أهل السماء من الملائكة و من أهل الأرض، الذين أسلموا طوعًا و أقبلوا على الله مستسلمين، موحدين ،خاضعين، طائعين، و من كان طريقه للإسلام ما أقيم عليه من حجة أكرهته على الإسلام، و الاستسلام و الإنقياد لله، أو من كان السيف سببًا لإسلامه، أو من أسلم كرهًا و روحه تخرج حين عاين العذاب، و قد فات الأوان، كل هؤلاء أسلموا كرهًا بما أخذ عليهم من عهد يوم الذر، و بسجود ظلالهم لله طوعًا، و إن كان الخطاب لمعاصري الرسول صلى الله عليه و سلم، فهو حجة على كل من كان ديدنهم بعده.
و ذيلت الآية بالتذكير بيوم البعث وعدًا و وعيدًا، وعدًا لمن أطاع فينصر يوم القيامة و ينال موعود الله له، و و وعيد لمن حاد و هو يرى البينات و أقيمت عليه الحجج و أخذ عليه يوم الذر العهد.


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 9 جمادى الآخرة 1445هـ/21-12-2023م, 03:13 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رولا بدوي مشاهدة المشاركة
تحرير القول في الآية: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)
هذه الآية تقيم الحجة على كل من حاد عن الطريق، و أختُلف في المخاطب فيها و المراد من ألفاظها، و لبيان المعنى نبين أسباب الاختلاف و نوجهها حتى نخلص للمعنى المراد منها.
بداية؛ سبب الاختلاف في من هو المخاطب ما ورد من قراءات في الآية، و وعليه نشرع ببيان القراءات و توجيهها :
1- على وجه الخطّاب؛ قرأ بها عامّة قرّاء الحجاز من مكّة والمدينة وقرّاء الكوفة: (أفغير دين اللّه تبغون)، (وإليه ترجعون)، ذكره ابن جرير و هو أولى بالصواب عنده، و حجته في ذلك سياق الكلام كما عبر عنه فقال: لأنّ الآية الّتي قبلها خطابٌ لهم، فإتباع الخطّاب نظيره أولى من صرف الكلام إلى غير نظيره، و الخطاب عنده لأهل الكتاب.
• و ذكره النحاس في معاني القرآن: و قال المعنى: قل لهم يا محمد أفغير دين الله تبغون.
• و ذكر نفس المعنى بن عبد الغفار الفارسيّ في كتابه الحجة للقراء السبعة : و الدلالة عنده على هذا القول ؛قوله تعالى: قل آمنا بالله [آل عمران/ 84]
و قال : ويؤكّد التاء في (ترجعون) أنّهم كانوا منكرين للبعث، ويدل على ترجعون إلي مرجعكم [آل عمران/ 55].
و قوله هذا فيه إشارة أن من يوجه لهم الخطاب من الرسول صلى الله عليه و سلم من أنكروا البعث و هم المشركين.
• و ذكر ابن زنجلة في كتابه حجة القراءات حجة أخرى لمن قرأ بالتاء: قول قبلها {أأقررتم وأخذتم} فيكون نسقوا مخاطبة على مخاطبة وقال قوم يجوز أن يكون ابتدأ خطابا مجددا على تأويل قل لهم يا محمّد أفغير دين الله تبغون أيها المخاطبون فكان خطابا عاما لليهود وغيرهم من النّاس.
• وقد قال بهذا التوجيه مكي بن أبي طالب القَيْسِي في الكشف عن وجوه القراءات السبع، لكن جعل المخاطبون على لسان النبي صلى الله عليه و سلم هم الكفار المنكرون للبعث ويؤكد القراءة بالتاء في «ترجعون» قوله: {إليه مرجعكم} «الأنعام 60» فالتاء كالكاف.
• و خالف التوجيه هذا ابن خالويه الهمَذاني في إعراب القراءات السبع وعللها:
و وجه المعنى بأنه: يا محمد أفغير دين الله تبغون: وإليه ترجعون، فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.
2- الخبر عن الغائب؛ وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز: {أفغير دين اللّه يبغون}، {وإليه يرجعون} بالياء كلتيهما، ذكره ابن جرير.
• وجه ابن خالويه الهمَذاني هذه القراءة في إعراب القراءات السبع وعللها: قال إن المعنى الإخبار عن الكفار
• و هو ما وجهها به بن عبد الغفار الفارسيّ في كتابه الحجة للقراء السبعة و أضاف أنّه على تقدير: قل: كأنّه قل لهم: أفغير دين الله يبغون، وإليه يرجعون؟!
و الحجة عنده أنّهم غيب فجاء على لفظ الغيبة وكذلك: وإليه يرجعون..
والمعنى على الوعيد، أي: أيبغون غير دين الله، ويزيغون عن دينه مع أنّ مرجعهم إليه فيجازيهم على رفضهم له.وأخذهم ما سواه .
و قوله هذا فيه إشارة إلى كون الآية خبرًا عمن يؤمنون باليوم الآخر، و هم أهل الكتاب.
• و جعل أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة في كتابه حجة القراءات
أنه خبرًا عن اليهود .
• و قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي وجوه القراءات السبع أن حجة من جعل الآية إخبار عن غيب أنهم لم يكونوا بالحضرة، وأيضًا فإن قبله ذكر غيب، في قوله: {فأولئك هم الفاسقون} «82» وقوله: {فمن تولى بعد ذلك} فجرى الكلام الذي بعده على أوله في الغيبة.

3- قراءة {أفغير دين اللّه يبغون} على وجه الخبر عن الغائب، وإليه ترجعون بالتّاء على وجه المخاطبة؛ قرأ بها أبو عمرو، و وجه ابن خالويه الهمَذاني في إعراب القراءات السبع وعللها هذه القراءة إلى أن هذا تفريق بين اللفظين لاختلاف المعنيين، فقرأ: {أفغير دين الله يبغون} يعني الكفار {وإليه ترجعون} أنتم والكفار،وأرجع ذلك لما عبر به أن أبو عمرو أحذق القراء.
بينما وجه ابن زنجلة في كتابه( حجة القراءات)، أن حجة أبو عمرو : أن الخطاب قد انقضى بالفصل بينه وبين ذلك بقوله {فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} 82 ثمّ قال {أفغير دين الله يبغي الفاسقون} فيكون الكلام نسقا واحدًا.
* و يظهر من مجموع ما ذكرنا و الله أعلم : أن المراد هو أمر للرسول صلى الله عليه و سلم يخاطب به من يعاصرونه، و يدخل في الخطاب ابتداءً أهل الكتاب، و يقوي ذلك سياق الآيات، الذي في معرض الحديث عن أهل الكتاب، و أن الآية مقصدها الإنكار عليهم و هم يؤمنون بيوم الحساب، و أيضًا قد يضاف لذلك ما نقله الثعلبي في تفسيره عن ابن عباس إن صح، قال: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: اخْتَصَمَ أهْلُ الكِتابَيْنِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ï·؛ فِيما اخْتَلَفُوا بَيْنَهم مِن دِينِ إبْراهِيمَ، كُلُّ فِرْقَةٍ زَعَمَتْ أنَّها أوْلى بِدِينِهِ، فَقالَ النَّبِيُّ ï·؛: ”كِلا الفَرِيقَيْنِ بَرِيءٌ مِن دِينِ إبْراهِيمَ“ . فَغَضِبُوا وقالُوا: واللَّهِ ما نَرْضى بِقَضائِكَ، ولا نَأْخُذُ بِدِينِكَ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ï´؟أفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَï´¾
و يشمل الخطاب أيضًا الكفار وغيرهم من الناس، ممن لم يؤمنوا بيوم القيامة و ينكرون البعث، أو آمنوا به و حادوا عن الطريق، يؤيد ذلك ما ذكرنا في توجيه القراءات.
و قد قال ابن عطية في تفسيره: والتوقيف بقوله أفغير إنما هو لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم من الأحبار والكفار.
و مقصد الآية ؛ بداية الإنكار على من يطلب غير دين الله(الإسلام) دينًا مع ظهور الآيات (أفغير دين الله يبغون) ، و ختمت بوعيد أنهم إلي الله يرجعون فيحاسبون على ما طلبوا من دون الله، سواء كانوا مؤمنين بذلك، فهو تذكير فيه وعيد لهم، أم لم يؤمنوا فهو خبر لهم يحمل الوعيد.
و هذا الإنكار عليهم يعظم بما قال تعالى ( وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا )
و اختُلِف في معنى الإسلام المراد في الآية؟ و فيمن أسلم؟، و المراد من الإسلام طوعا و كرها ؟
و الاختلاف في المعنى المراد للإسلام يرجع للمعنى اللغوي و الاصطلاحي للإسلام، و بيان ذلك فيما يلي:
أولًا: الإسلام لغة: هو الانقياد والخضوع والذل؛ يقال: أسلم واستسلم؛ أي: انقاد
مختار الصحاح" (5/ 1952)، و"لسان العرب" (12/ 293).
و في المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم (مؤصَّل ببيان العلاقات بين ألفاظ القرآن الكريم بأصواتها وبين معانيها) قال الدكتور محمد حسن حسن جبل: أسلم الشيء إليه: دفعه إليه (كلَّه أو سالمًا). وكذا سلّمه (إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: )ـظ¢ظ£ظ£ وكذا ما في النساء: ظ©ظ¢]\ وقريب منه معنى الانقياد لأنه تسليم نَفْس، ومنه تسليم النفْس لله (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: ظ¨ظ£]: استسلم وانقاذ وهو معنى (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) آل عمران: ظ،ظ©و قال : وبهذا المعنى كل صيغة (أسلم) ماضيها ومضارعها وأمرها ومصدرها واسم الفاعل منها.
ثانيًا: الإسلام اصطلاحًا.
في حديث جبريل قال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسولُ الله ï·؛: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعتَ إليه سبيلًا، قال: صدقتَ، فعجبنا له: يسأله ويُصدقه
قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تُؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقتَ، إلى آخر الحديث)
و روى ابن أبي حاتم عن ابو العالية قال: حَدَّثَنا أبِي، ثَنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ قَوْلُهُ: ï´؟إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُï´¾ قالَ الرَّبِيعُ: ثَنا أبُو العالِيَةِ قالَ: الإسْلامُ الإخْلاصُ لِلَّهِ وحْدَهُ، وعِبادَتُهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وإقامُ الصَّلاةِ، وإيتاءُ الزَّكاةِ، وسائِرُ الفَرائِضِ لَها تَبَعٌ.
و هنا جمع الربيع بن أنس رضي الله عنه بين الإسلام و الإيمان، و هو ما أجمله قول شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ ومن أصول أهل السنة والجماعة: أن الدين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح)
ثالثًا: الفرق بين الإسلام و الإيمان:
ذكر أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني في كتابه (اعتقاد أئمة الحديث) أقوال أهل العلم في الفرق بين الإسلام والإيمان، فقال:
1- منهم من قال: إن الإيمان قول وعمل، والإسلام فعل ما فرض على الإنسان أن يفعله، إذا ذكر كل اسم مضمومًا إلى الآخر، فقيل: المؤمنون والمسلمون جميعا، مفردين أريد بأحدهما معنى لم يرد بالآخر، وإن ذكر أحد الاسمين شمل الكل وعمهم.
2- وكثير منهم قالوا: الإسلام والإيمان واحد، قال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ظ¨ظ¥] فلو أن الإيمان غيره لم يقبل منه، وقال: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ - فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: ظ£ظ¥ - ظ£ظ¦]
3- ومنهم من ذهب إلى أن الإسلام مختص بالاستسلام لله والخضوع له والانقياد لحكمه فيما هو مؤمن به، كما قال: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: ظ،ظ¤] وقال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: ظ،ظ§] وهذا أيضًا دليل لمن قال هما واحد
4- المراد بالإسلام في الآية:
أ‌. الخشوع الذي يلزم منه الخضوع لله بالعبوديّة و الاقرار له بإفراد الرّبوبيّة، والانقياد له بإخلاص التّوحيد والألوهيّة، قاله ابن جرير.
و هذا قد يعود إلى أن الإسلام و الإيمان شئ واحد، أو لإنفراد الإسلام بالذكر عند من قال أنهما ليسا شيئًا واحدًا.
ما يؤيد هذا المعنى:
• ما رواه ابن جرير وابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: عبادتهم لي أجمعين طوعًا وكرهًا.
رواية علي بن ابي طلحة عن ابن عباس مرسلة و ذكر العلماء أنه لا يتابع تفسيره عن ابن عباس، قال أحمد بن حنبل على بن أبي طلحة الذي يروي تفسير، ممن قال بذلك؛أحمد بن حنبل ، أبو أحمد الحاكم الكبير، يحيى بن معين.
• و ما رواه ابن ابي حاتم:
حدّثنا أبي ثنا عثمان بن الهيثم، ثنا يحيى بن عبد الرّحمن العصريّ عن الحسن في قوله: وله أسلم من في السماوات والأرض قال: في السّماء الملائكة طوعًا، وفي الأرض الأنصار وعبد القيس طوعًا.

• قاله مجاهد:
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه و ابن جرير من طريق ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: الطّائع: المؤمن، وكرهًا: ظلّ الكافر.
الشاهد : الطائع المؤمن.
ليث و غن كان من طبقة الضعفاء ، فقد روى عنه هنا المعتمر بن سليمان و قد وثقه العلماء.

• ما روي عن أبي العالية:
أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن أبي جعفر، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: كلّ آدميٍّ قد أقرّ على نفسه بأنّ اللّه ربّي وأنا عبده، فمن أشرك في عبادته فهذا الّذي أسلم كرهًا، ومن أخلص لله العبوديّة فهو الّذي أسلم طوعًا، الشاهد فيه ( من أخلص لله العبودية فهو أسلم طوعًا)..
• ما روي عن عامر
روى ابن أبي حاتم عنه قال: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن جابرٍ عن عامرٍ وله أسلم من في السماوات قال: استقادتهم له.
و من لطيف ما ذكر الراغب الأصفهاني في تفسيره قوله: حمل (أَسْلَمَ) على الاستسلام وعلى الاعتقاد والإِقرار باللسان، والتزام الأحكام_ عبر عن الإنقياد و العبادة_، له أسلم من في السموات طوعاً، وهو أن علمهم بوحدانية الله وصفاته ضرورة لا استدلال، وعامّة أهل الأرض كرهاً بمعنى أن الحجة أكرهتهم وألجأتهم كقولك: الدلالة أكرهتني على القول بهذه المسائل، وليس هذا من الكره المذموم.
ب‌. المعنى المراد الثاني الذي ذكره أهل العلم في معنى الإسلام: الاستسلام و الاقرار له بإفراد الرّبوبيّة، دون الانقياد له بإخلاص التّوحيد والألوهيّة، كما ذكر ابن جرير فإسلام الكاره هو إقراره بأنّ اللّه خالقه وربّه، وإن أشرك معه في العبادة غيره.
• و هو قول مجاهد و أبو العالية
• قول مجاهد:رواه سفيان [الثوري] عن ابن جريجٍ وغيره عنه قال:{وله أسلم من في السّموات والأرض} قال: هو كقوله: {ولئن سألتهم من خلق السّموات والأرض ليقولنّ اللّه}، و رواه ابن جرير.
• رواه وكيعٌ في تفسيره( كما ذكر ابن كثير ) ، عن سفيان، عن منصورٍ، عنه به، أخرجه ابن جرير في تفسيره .
• أخرجه عبد بن حميد عنه كما ذكر السيوطي في الدر المنثور و لم أتوصل له.

• ما روي عن أبي العالية:
• أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن أبي جعفر، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: كلّ آدميٍّ قد أقرّ على نفسه بأنّ اللّه ربّي وأنا عبده، فمن أشرك في عبادته فهذا الّذي أسلم كرهًا، ومن أخلص لله العبوديّة فهو الّذي أسلم طوعًا.
الشاهد فيه( ففمن أشرك في عبادته فهذا الي ألم كرهًا)
• و يقع تحت هذا المعنى قول من قال أنه المعرفة، و هو قول ابن عباس و أبو سنان.
• قول ان عباس: رواه ابن أبي حاتم في تفسيره قال أخْبَرَنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ السَّكُونِيُّ فِيما كَتَبَ إلَيَّ، ثَنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي مُعاوِيَةُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أبِي سِنانٍ، عَنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ï´؟ولَهُ أسْلَمَ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ طَوْعًا وكَرْهًاï´¾ قالَ: المَعْرِفَةُ.
• قول أبوسنان:و رواه ابن جرير عنه فقال : حَدَّثَنا أبِي، ثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ إسْماعِيلَ، أخْبَرَنِي أبِي، ثَنا أبُو سِنانٍ في قَوْلِهِ: ï´؟ولَهُ أسْلَمَ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ طَوْعًا وكَرْهًاï´¾ قالَ: المَعْرِفَةُ لَيْسَ أحَدٌ سَألَهُ إلّا عَرَفَهُ.

ت‌. المراد بالإسلام طوعًا أوكرهًا:
1- الخضوع للفطرة التي خلق الله عليها الخلق، بين الزجاج في كتابه معاني القرآن هذا القول فقال: خضعوا من جهة ما فطرهم عليه ودبرهم به، لا يمتنع ممتنع من جبلّة جبل عليها، ولا يقدر على تغييرها أحب تلك الجبلّة أو كرهها.
و قال راغب الأصفهاني في تفسيره، أن إسلامهم كرهًا هو مقتضى العقل و التمييز التي هى دلائل الفطرة التي فطروا عليها.
و رأى ابن كثير ـن هذا القول أقوى: المراد الاستسلام : المؤمن مستسلمٌ بقلبه وقالبه للّه، والكافر مستسلمٌ للّه كرها، فإنّه تحت التّسخير والقهر والسّلطان العظيم، الّذي لا يخالف ولا يمانع.
و يعود هذا المعنى للمعنى اللغوي للإسلام، و من صوره :
1- ما كان حين أخذ الميثاق:
قاله ابن عباس:
- قال وكيعٌ في تفسيره( كما ذكر ابن كثير)، عن سفيان، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: حين أخذ الميثاق ( رواه ابن جرير و ابن المنذر في تفسيرهما).
2- السجود ؛ قاله مجاهد، روى ابن جريرو ابن أبي حاتم من طريق أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {طوعًا وكرهًا} قال: سجود المؤمن طائعًا، وسجود الكافر وهو كارهٌ
* بين مجاهد في قول آخر أن السجود يكون للظل؛ روى ابن جرير و ابن المنذر من طريق ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {كرهًا} قال: سجود المؤمن طائعًا، وسجود ظلّ الكافر وهو كارهٌ.
* رواه عنه ابن جرير بإسناد آخر و ألفاظ قريبة، قال: حدّثنا سوّار بن عبد اللّه، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: الطّائع: المؤمن، وكرهًا: ظلّ الكافر.
* و هناك رواية عن مجاهد فيها سجود وجهه و ظله طائعًا، قال ابن جرير :حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: سجود وجهه وظلّه طائعًا، _و لعل المراد هو سجود المؤمن.
* و هو يقارب قول ما رواه مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً} قال: سجود المسلم ظلّه وروحه طائعًا، وسجود ظلّ الكافر وهو كارهٌ.
3- الإسلام كرها خوف السيف، قاله الحسن، عكرمة، مطر الوراق.
ابن جرير ؛ عنى بذلك إسلام من أسلم من النّاس كرهًا حذر السّيف على نفسه.
- الدليل :
• ما روي عن الحسن:
روى ابن جريرفي تفسيره قال: - حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} الآية كلّها، فقال: أكره أقوامٌ على الإسلام، وجاء أقوامٌ طائعين.
• ما روي عن عكرمة
روى ابن أبي حاتم قال: حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا عمر بن عليٍّ، عن سعيد بن المرزبان، عن عكرمة وله أسلم من في السماوات والأرض قال: أسلم من في السّموات والأرض ثمّ استأنف طوعًا وكرهًا، فمن أسلم منهم كرهًا: مشركوا العرب والسّبايا، ومن دخل الإسلام كرهًا.
• ما روي عن مطر الوراق:
- روى ابن جرير في تفسيره قال: حدّثني الحسن بن قزعة الباهليّ، قال: حدّثنا روح بن عطاءٍ، عن مطرٍ الورّاق، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون} قال: الملائكة طوعًا، والأنصار طوعًا، وبنو سليمٍ وعبد القيس طوعًا، والنّاس كلّهم كرهًا.
• و قريبًا من هذا الأثر ما حكى الديلمي(509) عن أنس في الفردوس بمأثور الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها} قال: الملائكة أطاعوه في السماء والأنصار وعبد القيس أطاعوه في الأرض
• و نقل ابن كثير حديثًا في معناه غرابةٌ كما ذكر، رواه الطبراني في كتابه المعجم الكبير ، رواه الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ فقال: حدّثنا أحمد بن النّضر العسكريّ، حدّثنا سعيد بن حفصٍ النّفيلي، حدّثنا محمّد بن محصن العكّاشيّ، حدّثنا الأوزاعيّ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا} أمّا من في السّماوات فالملائكة، وأمّا من في الأرض فمن ولد على الإسلام، وأمّا كرهًا فمن أتي به من سبايا الأمم في السّلاسل والأغلال، يقادون إلى الجنّة وهم كارهون".
و قد ذكر السُّيُوطِيُّ في الدر المنثور أن إسناده ضعيف.
• و نقله عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : في مجمع الزوائد ( عن ابن عباس عن الرسول صلى الله عليه و سلم، و قال رواه الطّبرانيّ، وفيه محمّد بن محصّنٍ العكّاشيّ، وهو متروكٌ.
• و ذكر الفراء و الزجاج و النحاس في كتبهم في معاني القرآن؛ أن السنة في أهل الأرض أن يقاتلوا إن لم يسلموا، و في كلام الزجاج تفصيل، قال : لما كانت السنة فيمن فرض قتاله من المشركين أن يقاتل حتى يسلم سمي ذلك كرها، وإن كان يسلم حين يسلم طائعا، إلا أن الوصلة كانت إلى ذلك بكره، ونصب {طوعا} مصدرا، وضع موضع الحال.
كأنه أسلموا طائعين ومكرهين، كما تقول جئتك ركضا ومشيا، وجئت راكضا وماشيا.

• قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ في كتابه( تأويل مشكل القرآن): في تفسير قوله تعالى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ) : يستسلم من في السموات من الملائكة، ومن في الأرض من المؤمنين طوعا، ويستسلم من في الأرض من الكافرين كرها من خوف السيف.
{وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} مستسلمة.
وهو مثل قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)
3- الكافر أسلم كرهًا في حال المعاينة، حينَ لا ينفعه إسلامٌ، قاله قتادة .
• روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ في تفسيره؛ قال نا معمر عن قتادة في قوله تعالى وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها قال أما المؤمن فأسلم طوعا وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله قال فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا)، و رواه عنه ابن جرير و ابن ابي حاتم به.
• و أخرجه عبد بن حميد كما ذكر السيوطي في الدر المنثور.
* و روى ابن جرير و ابن ابي حاتم من طريق بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: (أفغير دين اللّه تبغون) الآية، فأمّا المؤمن فأسلم طائعًا، فنفعه ذلك، وقبل منه؛ وأمّا الكافر فأسلم كارهًا، حين لا ينفعه ذلك، ولا يقبل منه.

• و نقل قول قتادة ابن عطية و عقب عليه فقال: ويلزم على هذا أن كل كافر يفعل ذلك، وهذا غير موجود إلا في أفراد.
خلاصة الأقوال
يظهر مما سبق و الله أعلم أن هذه الآية تحتمل كل ما ذكر، فالمعاني التي ذكرت لا تتعارض، و يمكن جمعها، و العبرة بعموم اللفظ و ليس بخصوص السبب؛ هذه الآية فيها أمر للرسول أن يخاطب كل من حاد عن الفطرة التي هي الإسلام، ممن عاصروه من أهل الكتاب من يؤمن بيوم الحساب، و من الكفار الذين أنكروا البعث، منكرًا عليهم فعلهم، و مقيم عليهم الحجة بإسلام من أسلم من أهل السماء من الملائكة و من أهل الأرض، الذين أسلموا طوعًا و أقبلوا على الله مستسلمين، موحدين ،خاضعين، طائعين، و من كان طريقه للإسلام ما أقيم عليه من حجة أكرهته على الإسلام، و الاستسلام و الإنقياد لله، أو من كان السيف سببًا لإسلامه، أو من أسلم كرهًا و روحه تخرج حين عاين العذاب، و قد فات الأوان، كل هؤلاء أسلموا كرهًا بما أخذ عليهم من عهد يوم الذر، و بسجود ظلالهم لله طوعًا، و إن كان الخطاب لمعاصري الرسول صلى الله عليه و سلم، فهو حجة على كل من كان ديدنهم بعده.
و ذيلت الآية بالتذكير بيوم البعث وعدًا و وعيدًا، وعدًا لمن أطاع فينصر يوم القيامة و ينال موعود الله له، و و وعيد لمن حاد و هو يرى البينات و أقيمت عليه الحجج و أخذ عليه يوم الذر العهد.

بارك الله فيكِ ونفع بكِ، أشكر لكِ جهدكِ في تحرير هذه المسألة، وهي مرتبطة بعلوم عدة كما أشرتِ أهمها العقيدة، والوقف والابتداء.
* أما العقيدة فلمعرفة معنى الإسلام لغة وشرعًا، وعلى المعنى الشرعي فله معنى عام وهو دين الأنبياء جميعا، ومعنى خاص وهو ما بُعث به النبي صلى الله عليه وسلم؛ وعليه يمكن تصنيف الأقوال في معنى الإسلام طوعا وكرها، وقد فرقتِ بينها تحت مسألتين (معنى الإٍسلام، ومعنى الإسلام طوعًا وكرها) ولعلكِ إذا راجعتِ المسألة من كتب العقيدة يتضح لكِ الأمر أكثر، وأحيلكِ على هذه المصادر:
شرح ابن عثيمين لثلاثة الأصول وفيها: (معرفة دين الإسلام بالأدلة)
http://afaqattaiseer.net/vb/showpost...85&postcount=6
شرح الشيخ عبد العزيز الداخل لمعنى الإسلام (مادة شرح ثلاثة الأصول)
https://www.afaqattaiseer.net/vb/sho...17&postcount=4
وقال الشيخ عبد العزيز الداخل في موضع آخر من شرحه لثلاثة الأصول:
"قوله:(وَدَلِيلُ الإِنَابَةِ قَوْلُهُ تَعَالى:{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ}[الزمر: 54]الآية).
· الأمر بالإنابة دليل على أنه عبادة يجب إخلاصها لله تعالى.
{وأسلموا له} [الزمر: 54] قال ابن جرير: (يقول: واخضعوا له بالطاعة والإقرار بالدين الحنيفي)
- جمع ابن جرير بين المعنى اللغوي والشرعي للإسلام؛ فلفظ الإسلام يُطلق ويراد به الخضوع والإذعان، ويُطلق ويراد به دين الإسلام، وهما متلازمان.
- على المعنى الأول المراد بالإسلام الخضوع والإذعان لله تعالى والانقياد إليه وترك محادته ومعصيته.
وعلى المعنى الثاني:المراد: ادخلوا في دين الإسلام، ودين الإسلام مبناه على الخضوع والانقياد لله وحده لا شريك له". اهـ

وكل ما كان داخلا في المعنى الشرعي يصح إطلاق المعنى اللغوي عليه، وليس العكس؛ لأن الخلق كلهم خاضعون لله عز وجل لا يخرجون عن سلطانه وتدبيره وإن لم ينقادوا إليه بالطاعة.
والصور التي وضعتيها تحت ( المعنى اللغوي للإسلام) تدخل في المعنى الشرعي لكن منها ما ينفع المرء مثل إسلامه خوف السيف - إن صدقوا- كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: (عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل)؛ فهم وإن أسلموا بعد الأسر أو بسبب السيف إلا أنه إذا صدقوا إسلامهم وثبتوا عليه فاستحقوا الجنة، والتقييد بالصدق لقول الله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17)}

وممن ذكرتِ من كان إسلامه لا ينفعه إما لأنه كان قبل الاختبار وذلك حين أخذ الله الميثاق من جميع الناس وهم في الذر كما قال تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى}
أو لا ينفعهم لأنه كان وقت الاحتضار، مثل إسلام فرعون حال الغرق، وكما قال الله تعالى: {فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين. فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون}

* وأما الوقف والابتداء:
على القول بالوقف على (وله أسلم من في السماوات) ثم يبدأ (والأرض طوعا وكرها)
فيكون إسلام أهل السماوات جميعًا طوعًا، وافتراق أهل الأرض.

ولما كان السؤال في معنى الآية كاملة فأحب أن تبدأي ببيان المسائل غير الخلافية أو ما كان الخلاف فيها من قبيل خلاف التنوع، على سبيل الاختصار، فتبينيها في مساق واحد ولكِ أن تستفيدي من طريقة الشيخ السعدي رحمه الله، وتسوقينها بتسلسل حسب ترتيبها في الآية تنتقلين من مسألة لأخرى بسلاسة، مثل معنى الاستفهام وغرضه والمقصودون بها مع الإشارة للخلاف في القراءات على الغيبة والخطاب، وعلى قراءة (يبغون) الإشارة إلى فائدة الالتفات في الآية وفيها الإعراض عنهم بعد مخاطبتهم جزاء إعراضهم عن دين الله، وهكذا ...
ثم الوقوف على المسألة الخلافية في الآية وهي معنى الإسلام طوعا وكرها، والتأصيل لها قبل بيان الأقوال فيها ببيان معنى الإسلام لغة وشرعا.
* أما رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فأحيلكِ على قول الشيخ عبد العزيز الداخل في دورة تدوين التفسير:
https://www.afaqattaiseer.net/vb/sho...70&postcount=4

التقويم: ب+
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مذاكرة, مجلس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:23 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir