دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة البناء في التفسير > منتدى المسار الثالث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 شعبان 1443هـ/23-03-2022م, 02:54 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,805
افتراضي مجلس مذاكرة القسم الأول من سير أعلام المفسرين

مجلس القسم الأول من دورة "سير أعلام المفسرين"
لفضيلة الشيخ عبد العزيز الداخل -حفظه الله.


اختر مفسّراً من المفسرين الذين درست سيرهم واكتب عنه رسالة تعريفية مختصرة ( في حدود صفحة إلى ثلاث صفحات ) تبيّن فيها أهم ما ورد في سيرته
والفوائد التي استفدتها من دراستك لسيرته.


- لايسمح بتكرار اختيار المفسر إلا بعد تغطية جميع المفسرين.

تعليمات:
- المطلوب كتابة رسالة دعوية - بأسلوبك - في سيرة المفسر الذي اخترته، ونهدف من خلال هذا الواجب إلى تنمية مهارة الطالب في توظيف ما تعلمه في المجالات الدعوية.
- يمكنك التركيز على جانب محدد من سيرة المفسر، مع التعريف العام بأهم ما ورد في سيرته.
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- يمنع منعًا باتّا نسخ الأجوبة من مواضع الدروس ولصقها لأن الغرض تدريب الطالب على التعبير عن الجواب بأسلوبه، ولا بأس أن يستعين ببعض الجُمَل والعبارات التي في الدرس لكن من غير أن يكون اعتماده على مجرد النسخ واللصق.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.



تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.


نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 ذو الحجة 1443هـ/28-07-2022م, 10:54 PM
جوري المؤذن جوري المؤذن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 215
افتراضي

سأكتب -بإذن الله- عن سيرة الصحابي : معاذ بن جبل -رضي الله عنه- .

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 2 محرم 1444هـ/30-07-2022م, 07:32 PM
جوري المؤذن جوري المؤذن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 215
افتراضي

رسالة تعريفية مختصرة عن سفير سيد الأنبياء و قدوة العلماء الصحابي الجليل : معاذ بن جبل -رضي الله عنه- .
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، أما بعد :
إن الله -تعالى- أكرم عباده باصطفاء بعض من خلقه وفضلهم على غيرهم لينهلوا من علمهم وأخلاقهم ويكونوا قدوة حسنة لهم في حياتهم ، يسيروا سيرهم و يحملوا رايتهم من بعدهم ، كما جاء في صحيح البخاري في حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :" خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... " . فالنبي -عليه الصلاة والسلام- فاضل بين المسلمين على أساس قوة التدين وقوة الإيمان ، وبيّن في هذا الحديث أن خير القرون قرنه الذي هو فيه وهم الصحابة ، فالصحابة هم أفضل المسلمين ؛ لأنهم عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام- و وضح لهم أمور الدين وأخذوها عنه مباشرة ، ومن هؤلاء الصحابة الكرام الصحابي الجليل : معاذ بن جبل -رضي الله عنه- .

اسمه ونسبه :
هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن كعب بن عمرو ، أبو عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي الأوْدي ، البدري . روى الواقدي عن رجاله أن معاذ شهد بدراً او له عشرون سنة أو إحدى وعشرون .
قال شباب : أمه هي هند بنت سهل من بني رفاعة ، ثم من جهينة ، ولأمه ولد من الجد بن قيس .


إسلامه :
أسلم معاذ بن جبل -رضي الله عنه- شاباً على يد الداعية المكي مصعب بن عمير بعد العقبة الأولى بالمدينة ، قال عطاء : أسلم معاذ و له ثمان عشرة سنة . سافر إلى مكة و بايع النبي -عليه الصلاة والسلام- بيعة العقبة الثانية ، وكان إسلامه ذا أثر عظيم فبعد مبايعته النبي -عليه الصلاة والسلام- و عودته من مكة إلى المدينة كان يخرج ليلاً يكسر أصنام بني سلمة ويخرج داعياً اليهود إلى الإسلام ، ويقول لهم : يا معشر يهود ، اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد -عليه الصلاة والسلام- ونحن أهل شرك ، و تخبروننا أنه مبعوث ، و تصفونه لنا بصفته . فكان من أثر ذلك أن أسلم رجل كبير من رجال يثرب و هو عمرو بن الجموح .


جمال خلقه وأخلاقه :
معاذ بن جبل رزقه الله ومنّ عليه بجمال المخبر والمظهر فهو سفير سيد الأنبياء و قدوة العلماء و أسوة العقلاء و أحد الفقهاء العظماء و الزهاد الأتقياء والعبّاد الأخفياء ، سيد الشباب الصلحاء ومقدّم الشجعان الأصفياء ، كان جواداً كريماً بلغ من كرمه أنه خرج من ماله لله -تعالى- مرتين ، و من قوله -رضي الله عنه- في ذلك :" من جعل الله غناه في قلبه فقد هُدي ومن لا فليس بنافعته دنياه " . و كان يمتاز عن غيره بحدة الذكاء وقوة العارضة -البديهة- ، و روعة البيان وعلو الهمة ، فهذا بعض من جمال أخلاقه و مخبره .
أما ما أوتيه من جمال الخلق والمظهر، فكان -رضي الله عنه- طويلاً ، حسناً جميلاً ، بهي الطلعة ، حسن الثغر ، أكحل العينين، مجموع الحاجبين ، جعد الشعر ، براق الثنايا ، إذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ . روى أبو مسلم الخولاني قال : أتيت مسجد دمشق فإذا حلقة فيها كهول من أصحاب محمد -عليه الصلاة والسلام- و إذا شاب فيهم أكحل العين براق الثنايا ، كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى ، فقلت لجليس لي : من هذا ؟! فقال : معاذ بن جبل .



صحبة معاذ بن جبل للنبي -عليه الصلاة والسلام- :
كان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- في صحبة الرسول الكريم وملازماً له ملازمة المحب لحبيبه ، فتربّى في مدرسة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وتخرّج على يديه فنهل العلم من ينابيعه الغزيرة ، وتحلّى بجميل الصفات والسمات من خير قدوة . وكان الأثر العظيم لهذه الصحبة والملازمة أن نال شرف محبة رسول الله -عليه الصلاة و السلام- ، وأعظِم به من شرف !
وفي ذلك يقول معاذ بن جبل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخذ بيده يوماً ثم قال : "يا معاذ إني لأحبك" فقال له معاذ : "بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا احبك" قال -عليه الصلاة والسلام- : "أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" . و كان معاذ بن جبل ممن حظيَ بثناء رسول الله ، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "نعم الرجل معاذ بن جبل" .



علمه و تعليمه :
لا شك أن ملازمة معاذ بن جبل لرسول الله كان لها الأثر العظيم في جعله منارة في العلم وأحد فقهاء عصره وأكثرهم أخذاً للقران ، فلما قدم الرسول الكريم على المدينة مهاجراً لزمه معاذ ملازمة الظل لصاحبه ، فأخذ عنه القرآن وتلقّى عليه شرائع الإسلام ، حتى أصبح من أقرأ الصحابة لكتاب الله ، ومن أعظمهم فقهاً . و اختاره رسول الله ليُعلّم المسلمين الداخلين في الإسلام حديثاً أمور دينهم ، فقد نال معاذ بن جبل شرف شهادة رسول الله له بالعلم والفقه ، فقال -عليه الصلاة والسلام "أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل" . كما نال ثقة رسوله الكريم بما لديه من العلم و الفقه بإرساله إلى اليمن للقضاء ، فعن معاذ بن جبل قال : "لما بعثني النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لي : كيف تقضي إن عرض القضاء ؟ قلت : أقضي بما في كتاب الله ، فإن لم يكن فبما قضى به رسول الله ، قال فإن لم يكن فيما قضى به الرسول ؟ قال : اجتهد رأيي ولا آلو . فضرب صدري وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله" .
وكان يشكر نعمة العلم بنشره بين المسلمين وتعليمهم إياه فكان خير معلم للمسلمين ، وفي ذلك روى الشعبي قال : حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال : كنا عند عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- جلوساً ، فقال : إن معاذاً كان أمةً قانتاً لله حنيفاً ولم يكُ من المشركين . فقال فروة : فقلت في نفسي : غلط أبو عبد الرحمن ، إنما قال الله -عز وجل- "إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله" [النحل:120] . فقال ابن مسعود -رضي الله عنه- : إن معاذاً كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكُ من المشركين . فقال : يا أبا عبد الرحمن ! نسيتها . قال : لا ، نسي من نسي ، ما نسيت ، [وهل سمعتني ذكرت إبراهيم؟] و لكنّا كنا نشبه معاذاً بإبراهيم -عليه السلام- . هل تدري ما الأمة ، و ما القانت ؟ قال فروة : الله أعلم . قال : إن الأمة معلم الخير ، و القانت المطيع لله و للرسول ، وكان معاذ يعلّم الناس الخير ، و مطيعاً لله ولرسوله -صلى الله عليه و سلم- .


أعماله في خدمة الإسلام والمسلمين :
إن المسلم المخلص في إسلامه ، المحبّ لدينه يسعى لرفع كلمة التوحيد وإعلاء شأن دينه وخدمته بكل ما يستطيع بذله ، وكل ذلك يتمثّل في معاذ بن جبل فكان له -رضي الله عنه- عدة أعمال عظيمة قدمها للإسلام والمسلمين زادته فضلاً وإحساناً ، ومن أول الأعمال وأجلّها : جمع القرآن ، فهو بهذا العمل نال الشرف في عهد رسول الله ، قال أنس بن مالك -رضي الله عنه- :" جمع القرآن على عهد رسول الله أربعة من الأنصار: أبي بن كعب ، و زيد ، و معاذ بن جبل ، و أبو زيد أحد عمومتي " .
وتقلّد معاذ -رضي الله عنه- أعمال أخرى عظيمة ، منها :
- الإفتاء في زمن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وخليفتيه أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- . فعن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال : كان الذين يفتون على عهد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة من المهاجرين : عمر ، وعثمان ، وعلي . وثلاثة من الأنصار : أبي بن كعب ، و معاذ ، وزيد .
وقال نيار الأسلمي -رضي الله عنه- : كان عمر -رضي الله عنه- يستشير في خلافته إذا حزبه أمر أهل الشورى ، و من الأنصار : معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت .
- تعليم الناس القرآن والشرائع في مكة واليمن بأمر من رسول الله -عليه الصلاة والسلام- .
- كان عاملاً للنبي -عليه الصلاة والسلام -على الجند باليمن .
- كان جابياً للزكاة في زمن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ، وخليفتيه من بعده .



وفاته :
لا شك أن المسلمين بفقدهم لمعاذ بن جبل فقدوا رجلاً عظيماً كان جبلاً راسخاً في العلم ، لكن الله حفظ سيرته وعلمه و جعلهما باقية لمن جاء بعده ، ومما جاء في وفاته ما رواه ابن أبي الدنيا في المحتضرين : لما نزل بمعاذ -رضي الله عنه- الموت جعل يبكي ، فقيل له : أتبكي وقد صحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- و أنت ، وأنت ؟ فقال : ما أبكي جزعاً من الموت أن حلّ بي ، ولا دنيا تركتها بعدي ، ولكن بكائي أن الله قبض قبضتين ، فجعل واحدة في الجنة ، و واحدة في النار ، فلا أدري في أي القبضتين أكون ؟ .
توفي -رضي الله عنه- عام طاعون عمواس وهو ابن ثمانية وثلاثين .
واختلف في سنة وفاته ، قال يزيد بن عبيدة : توفي معاذ سنة سبع عشرة ، وقال المدائني وجماعة : سنة سبع أو ثمان عشرة .



من أهم الفوائد التي استفدتها من دراسة سيرة الصحابي الجليل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- ما يلي :
1-الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- يورث البركة والرفعة وعلو الشأن للمسلم .
2-الإخلاص لله -تعالى- في القول والعمل سبب في محبة الله لعبده .
3-أن المسلم الحق لا تبعثه غزارة العلم على التكبر ، بل تجعله أكثر تواضعاً وليناً مع أخوانه .
4-من صدق في نشر العلم و تعليمه صرف همته في ذلك وبذل كل الوسائل في تحقيق مراده .
5-أن المسلم الذي يصدق لقاء ربه فإنه يستعد لذلك بالتزود من الأعمال الصالحة وطلب مرضاة الله .
6-تحري المعلم الفاضل للصغار والناشئة ، فهو ليس معلم للعلوم فقط ، بل قدوة لهم في الصفات والتعاملات .



بعد قراءة سيرة معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يشتاق القلب لمرافقة معلم البشرية محمد -عليه الصلاة والسلام- الذي جعل من أصحابه الكرام مشاعل هدى ونور لمن بعدهم ، فأنعم وأكرم بهم من رجال نشروا دين الإسلام و أعلوا كلمة الحق ، وكانوا خير مثال لنا وخير قدوة . -نسأل الله -تعالى- أن يجمعنا بهم في جنات النعيم- .



-وصلّ اللهم وسلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين- .


المراجع

أبو عبدالله شمس الدين الذهبي. (13 3, 2015). سير أعلام النبلاء. تم الاسترداد من المكتبة الوقفية: https://waqfeya.net/book.php?bid=591
أحمد عبدالعزيز الحمدان. (1437). سير أعلام الصحابة والقرابة. جدة: الأمة.
عبدالرحمن رأفت الباشا. (15 10, 2008). صور من حياة الصحابة. تم الاسترداد من المكتبة الوقفية: https://waqfeya.net/book.php?bid=1416

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 8 محرم 1444هـ/5-08-2022م, 08:01 PM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جوري المؤذن مشاهدة المشاركة
رسالة تعريفية مختصرة عن سفير سيد الأنبياء و قدوة العلماء الصحابي الجليل : معاذ بن جبل -رضي الله عنه- .
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، أما بعد :
إن الله -تعالى- أكرم عباده باصطفاء بعض من خلقه وفضلهم على غيرهم لينهلوا من علمهم وأخلاقهم ويكونوا قدوة حسنة لهم في حياتهم ، يسيروا سيرهم و يحملوا رايتهم من بعدهم ، كما جاء في صحيح البخاري في حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :" خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... " . فالنبي -عليه الصلاة والسلام- فاضل بين المسلمين على أساس قوة التدين وقوة الإيمان ، وبيّن في هذا الحديث أن خير القرون قرنه الذي هو فيه وهم الصحابة ، فالصحابة هم أفضل المسلمين ؛ لأنهم عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام- و وضح لهم أمور الدين وأخذوها عنه مباشرة ، ومن هؤلاء الصحابة الكرام الصحابي الجليل : معاذ بن جبل -رضي الله عنه- .

اسمه ونسبه :
هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن كعب بن عمرو ، أبو عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي الأوْدي ، البدري . روى الواقدي عن رجاله أن معاذ شهد بدراً او له عشرون سنة أو إحدى وعشرون .
قال شباب : أمه هي هند بنت سهل من بني رفاعة ، ثم من جهينة ، ولأمه ولد من الجد بن قيس .


إسلامه :
أسلم معاذ بن جبل -رضي الله عنه- شاباً على يد الداعية المكي مصعب بن عمير بعد العقبة الأولى بالمدينة ، قال عطاء : أسلم معاذ و له ثمان عشرة سنة . سافر إلى مكة و بايع النبي -عليه الصلاة والسلام- بيعة العقبة الثانية ، وكان إسلامه ذا أثر عظيم فبعد مبايعته النبي -عليه الصلاة والسلام- و عودته من مكة إلى المدينة كان يخرج ليلاً يكسر أصنام بني سلمة ويخرج داعياً اليهود إلى الإسلام ، ويقول لهم : يا معشر يهود ، اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد -عليه الصلاة والسلام- ونحن أهل شرك ، و تخبروننا أنه مبعوث ، و تصفونه لنا بصفته . فكان من أثر ذلك أن أسلم رجل كبير من رجال يثرب و هو عمرو بن الجموح .


جمال خلقه وأخلاقه :
معاذ بن جبل رزقه الله ومنّ عليه بجمال المخبر والمظهر فهو سفير سيد الأنبياء و قدوة العلماء و أسوة العقلاء و أحد الفقهاء العظماء و الزهاد الأتقياء والعبّاد الأخفياء ، سيد الشباب الصلحاء ومقدّم الشجعان الأصفياء ، كان جواداً كريماً بلغ من كرمه أنه خرج من ماله لله -تعالى- مرتين ، و من قوله -رضي الله عنه- في ذلك :" من جعل الله غناه في قلبه فقد هُدي ومن لا فليس بنافعته دنياه " . و كان يمتاز عن غيره بحدة الذكاء وقوة العارضة -البديهة- ، و روعة البيان وعلو الهمة ، فهذا بعض من جمال أخلاقه و مخبره .
أما ما أوتيه من جمال الخلق والمظهر، فكان -رضي الله عنه- طويلاً ، حسناً جميلاً ، بهي الطلعة ، حسن الثغر ، أكحل العينين، مجموع الحاجبين ، جعد الشعر ، براق الثنايا ، إذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ . روى أبو مسلم الخولاني قال : أتيت مسجد دمشق فإذا حلقة فيها كهول من أصحاب محمد -عليه الصلاة والسلام- و إذا شاب فيهم أكحل العين براق الثنايا ، كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى ، فقلت لجليس لي : من هذا ؟! فقال : معاذ بن جبل .



صحبة معاذ بن جبل للنبي -عليه الصلاة والسلام- :
كان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- في صحبة الرسول الكريم وملازماً له ملازمة المحب لحبيبه ، فتربّى في مدرسة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وتخرّج على يديه فنهل العلم من ينابيعه الغزيرة ، وتحلّى بجميل الصفات والسمات من خير قدوة . وكان الأثر العظيم لهذه الصحبة والملازمة أن نال شرف محبة رسول الله -عليه الصلاة و السلام- ، وأعظِم به من شرف !
وفي ذلك يقول معاذ بن جبل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخذ بيده يوماً ثم قال : "يا معاذ إني لأحبك" فقال له معاذ : "بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا احبك" قال -عليه الصلاة والسلام- : "أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" . و كان معاذ بن جبل ممن حظيَ بثناء رسول الله ، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "نعم الرجل معاذ بن جبل" .



علمه و تعليمه :
لا شك أن ملازمة معاذ بن جبل لرسول الله كان لها الأثر العظيم في جعله منارة في العلم وأحد فقهاء عصره وأكثرهم أخذاً للقران ، فلما قدم الرسول الكريم على المدينة مهاجراً لزمه معاذ ملازمة الظل لصاحبه ، فأخذ عنه القرآن وتلقّى عليه شرائع الإسلام ، حتى أصبح من أقرأ الصحابة لكتاب الله ، ومن أعظمهم فقهاً . و اختاره رسول الله ليُعلّم المسلمين الداخلين في الإسلام حديثاً أمور دينهم ، فقد نال معاذ بن جبل شرف شهادة رسول الله له بالعلم والفقه ، فقال -عليه الصلاة والسلام "أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل" . كما نال ثقة رسوله الكريم بما لديه من العلم و الفقه بإرساله إلى اليمن للقضاء ، فعن معاذ بن جبل قال : "لما بعثني النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لي : كيف تقضي إن عرض القضاء ؟ قلت : أقضي بما في كتاب الله ، فإن لم يكن فبما قضى به رسول الله ، قال فإن لم يكن فيما قضى به الرسول ؟ قال : اجتهد رأيي ولا آلو . فضرب صدري وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله" .
وكان يشكر نعمة العلم بنشره بين المسلمين وتعليمهم إياه فكان خير معلم للمسلمين ، وفي ذلك روى الشعبي قال : حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال : كنا عند عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- جلوساً ، فقال : إن معاذاً كان أمةً قانتاً لله حنيفاً ولم يكُ من المشركين . فقال فروة : فقلت في نفسي : غلط أبو عبد الرحمن ، إنما قال الله -عز وجل- "إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله" [النحل:120] . فقال ابن مسعود -رضي الله عنه- : إن معاذاً كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكُ من المشركين . فقال : يا أبا عبد الرحمن ! نسيتها . قال : لا ، نسي من نسي ، ما نسيت ، [وهل سمعتني ذكرت إبراهيم؟] و لكنّا كنا نشبه معاذاً بإبراهيم -عليه السلام- . هل تدري ما الأمة ، و ما القانت ؟ قال فروة : الله أعلم . قال : إن الأمة معلم الخير ، و القانت المطيع لله و للرسول ، وكان معاذ يعلّم الناس الخير ، و مطيعاً لله ولرسوله -صلى الله عليه و سلم- .


أعماله في خدمة الإسلام والمسلمين :
إن المسلم المخلص في إسلامه ، المحبّ لدينه يسعى لرفع كلمة التوحيد وإعلاء شأن دينه وخدمته بكل ما يستطيع بذله ، وكل ذلك يتمثّل في معاذ بن جبل فكان له -رضي الله عنه- عدة أعمال عظيمة قدمها للإسلام والمسلمين زادته فضلاً وإحساناً ، ومن أول الأعمال وأجلّها : جمع القرآن ، فهو بهذا العمل نال الشرف في عهد رسول الله ، قال أنس بن مالك -رضي الله عنه- :" جمع القرآن على عهد رسول الله أربعة من الأنصار: أبي بن كعب ، و زيد ، و معاذ بن جبل ، و أبو زيد أحد عمومتي " .
وتقلّد معاذ -رضي الله عنه- أعمال أخرى عظيمة ، منها :
- الإفتاء في زمن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وخليفتيه أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- . فعن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال : كان الذين يفتون على عهد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة من المهاجرين : عمر ، وعثمان ، وعلي . وثلاثة من الأنصار : أبي بن كعب ، و معاذ ، وزيد .
وقال نيار الأسلمي -رضي الله عنه- : كان عمر -رضي الله عنه- يستشير في خلافته إذا حزبه أمر أهل الشورى ، و من الأنصار : معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت .
- تعليم الناس القرآن والشرائع في مكة واليمن بأمر من رسول الله -عليه الصلاة والسلام- .
- كان عاملاً للنبي -عليه الصلاة والسلام -على الجند باليمن .
- كان جابياً للزكاة في زمن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ، وخليفتيه من بعده .



وفاته :
لا شك أن المسلمين بفقدهم لمعاذ بن جبل فقدوا رجلاً عظيماً كان جبلاً راسخاً في العلم ، لكن الله حفظ سيرته وعلمه و جعلهما باقية لمن جاء بعده ، ومما جاء في وفاته ما رواه ابن أبي الدنيا في المحتضرين : لما نزل بمعاذ -رضي الله عنه- الموت جعل يبكي ، فقيل له : أتبكي وقد صحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- و أنت ، وأنت ؟ فقال : ما أبكي جزعاً من الموت أن حلّ بي ، ولا دنيا تركتها بعدي ، ولكن بكائي أن الله قبض قبضتين ، فجعل واحدة في الجنة ، و واحدة في النار ، فلا أدري في أي القبضتين أكون ؟ .
توفي -رضي الله عنه- عام طاعون عمواس وهو ابن ثمانية وثلاثين .
واختلف في سنة وفاته ، قال يزيد بن عبيدة : توفي معاذ سنة سبع عشرة ، وقال المدائني وجماعة : سنة سبع أو ثمان عشرة .



من أهم الفوائد التي استفدتها من دراسة سيرة الصحابي الجليل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- ما يلي :
1-الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- يورث البركة والرفعة وعلو الشأن للمسلم .
2-الإخلاص لله -تعالى- في القول والعمل سبب في محبة الله لعبده .
3-أن المسلم الحق لا تبعثه غزارة العلم على التكبر ، بل تجعله أكثر تواضعاً وليناً مع أخوانه .
4-من صدق في نشر العلم و تعليمه صرف همته في ذلك وبذل كل الوسائل في تحقيق مراده .
5-أن المسلم الذي يصدق لقاء ربه فإنه يستعد لذلك بالتزود من الأعمال الصالحة وطلب مرضاة الله .
6-تحري المعلم الفاضل للصغار والناشئة ، فهو ليس معلم للعلوم فقط ، بل قدوة لهم في الصفات والتعاملات .



بعد قراءة سيرة معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يشتاق القلب لمرافقة معلم البشرية محمد -عليه الصلاة والسلام- الذي جعل من أصحابه الكرام مشاعل هدى ونور لمن بعدهم ، فأنعم وأكرم بهم من رجال نشروا دين الإسلام و أعلوا كلمة الحق ، وكانوا خير مثال لنا وخير قدوة . -نسأل الله -تعالى- أن يجمعنا بهم في جنات النعيم- .



-وصلّ اللهم وسلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين- .


المراجع

أبو عبدالله شمس الدين الذهبي. (13 3, 2015). سير أعلام النبلاء. تم الاسترداد من المكتبة الوقفية: https://waqfeya.net/book.php?bid=591
أحمد عبدالعزيز الحمدان. (1437). سير أعلام الصحابة والقرابة. جدة: الأمة.
عبدالرحمن رأفت الباشا. (15 10, 2008). صور من حياة الصحابة. تم الاسترداد من المكتبة الوقفية: https://waqfeya.net/book.php?bid=1416
أحسنت نفع الله بك
أ+

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19 صفر 1445هـ/4-09-2023م, 01:32 AM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

عقل وحكمة .... شجاعة وإقدام...رقة ورحمة.. زهد وورع
علم وعبادة... تربية وتعليم ... إبداع وإحكام
علم مبارك.. تعليم مبارك.. بيوت مباركة... كلها وأكثر اجتمعت في بطل قصتنا اليوم..

إنه الإسلام إذا هذب أصحابه..إنها البركة إذا حلت...إنه التوفيق إذا حصل..
إنه الصحابي الجليل..
أبو الدرداء، عويمرُ بن زيدِ بن قيسِ بن عيشةَ بنِ أميةَ بن مالكِ بنِ عامرةَ بن عديّ بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري.



قصة البداية
اجتهد عبد الله بن رواحه -وهو أخو أبي الدرداء لأمه- رضي الله عنهما، في ترغيبه في الإسلام، حتى وصل به الأمر إلى أن دخل هو ومحمد بن مسلمة بيته فسرقا صنمه الذي كان يعبده في الجاهلية؛ فرجع أبو الدرداء فجعل يجمع صنمه ذلك، ويقول: (ويحك! هلا امتنعت! ألا دفعت عن نفسك؟)
فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أحداً أو يدفع عن أحدٍ دفع عن نفسه ونفعها.
فقال أبو الدرداء: أعدّي لي في المغتسل ماء؛ فجعلت له ماء فاغتسل، وأخذ حلَّته فلبسها، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فنظر إليه ابن رواحة مقبلاً؛ فقال: (هذا أبو الدرداء ما أراه جاء إلا في طلبنا).
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، إنما جاء ليسلم؛ فإنَّ ربي عز وجل وعدني بأبي الدرداء أن يسلم)1.


في كل ميدان صولة
أسلم رضي الله عنه بعد بدر فحسن إسلامه...
وكان معطاء باذلا له في كل موطن خير سهم نافذ 2..
فإن ذكر الجهاد فهو "نعم الفارس" ... شهد الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم وشارك في فتوح الشام وقاد السرايا.
وإن ذكر الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والوعظ، والحث على عمل الخير.. ذكرنا أنه كان لا يدع فرصة إلا دعا فيها للخير، وذكر فيها ووعظ، ومن ذلك أنه كان يقص على الجند3 ..
وإن ذكرت العبادة فقد اجتهد فيها وأكثر على نفسه حتى أمره سلمان الفارسي بالاقتصاد، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، وأقرّ النبي صلى الله عليه وسلم سلمان على ذلك.
وإن ذكرت العناية بكتاب الله تعلما وتعليما.. فقد قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم وأقبل على القرآن حتى كان خامس خمسة من الأنصار جمعوا القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم، كما أنه كان من أكثر الصحابة تعليما للقرآن رضي الله عنه وأرضاه
وإن ذكر التعليم عموما فقد تصدى له لما استقرت الولاية للمسلمين على الشام فنزل حمص فعلم بها
وإن ذكر القضاء والإمارة فقد اختاره الخليفة الراشد عمر بن الخطاب قاضيا في دمشق ونائبا عن الأمير معاوية إذا غاب
وإن ذكر الزهد والورع فقد دلت أفعاله على إعراضه عما لا نفع فيه، وإقباله على عمل الآخرة، مع تواضع وخوف من النفاق.

وإن ذكر الثبات...
فقد بقي قاضياً، ومعلّماً للقرآن، وآمراً بالمعروف، وناهياً عن المنكر، ومجتهداً في العبادة، والنصح، والتعليم، حتى توفي رضي الله عنه وأرضاه، وقد نشر في الشام علماً غزيراً مباركاً.

شجاعة وإقدام
الجهاد في سبيل الله...القتال من أجل إعلاء كلمة التوحيد..
بذل النفس نصرة للدين...
أن يخرج المرء بنفسه وماله مستشعرا أنه قد لا يعود منها بشيء!!
أمور لا تتأتى إلا لمؤمن صادق قوي الإيمان..
قد تبدو ميسرة مقدور عليها لكن الواقع يصدق ويكذب..
ضرب لنا الصحابي الجليل أبو الدرداء في باب الجهاد أروع الأمثلة، وأبلى في الجهاد في سبيل الله بلاء حسنا مع النبي صلى الله عليه والخلفاء من بعده..
حتى استحق أن يمتدحه صلى الله عليه وسلم بقوله: "نعم الفارس عويمر"
شهد رضي الله عنه أحداً؛ وأبلى فيها بلاء حسناً
روى ابن عساكر في تاريخ دمشق: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يردَّ من على الجبل؛ فردّهم وحده!!
قال شريح بن عبيد: لما هزم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد كان أبو الدرداء يومئذ فيمن فاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس، فلما أظلهم المشركون من فوقهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم ليس لهم أن يعلونا) فثاب إليه يومئذ ناس؛ فانتدبوا وفيهم عويمر أبو الدرداء حتى إذا دحضوهم عن مكانهم الذي كانوا فيه، وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم الفارس عويمر) وقال: (حكيم أمتي عويمر)5
وشهد ما بعد أحد من المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم..
ثم جاهد في زمان أبي بكر وعمر وعثمان، فشهد فتح دمشق وحمص، وقاد بعض السرايا في فتوح الشام، وكان على رأس جيش في فتح دمشق، وغزا في البحر في أوّل خلافة عثمان، وكان ممن شهد فتح قبرص، وكان يرابط أحياناً ببيروت.

قلب حي متفكر..
قال جبير: "ورأيته يبكي، والسبي يفرق" 6
القوة والشجاعة التي تجلت من خلال هذه السيرة العطرة لم تؤثر على هذا الصحابي المؤمن رقيق القلب المتفكر حاضر الدمعة
لم يكتسب من سيفه الذي ظل مرفوعا حدة في الطبع
ولم تصبغ الدماء والأشلاء -التي طالما عاينها- قلبه بالجمود والجفاف
بقي أبو الدرداء مؤمنا رقيقا متفكرا متدبرا خاشعا
يرق قلبه في مواطن الرقة وتسيل أدمعه خوفا ومهابة ورحمة
قال جبير: "لما افتتح المسلمون قبرس، وفرّق بين أهلها، فقعد بعضهم يبكي إلى بعض، وبكى أبو الدرداء"، فقلت: "ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأذلّ الشرك وأهله؟
قال: "دعنا منك يا جبير! ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا تركوا أمره! بينا هم أمة قاهرة قادرة إذ تركوا أمر الله عز وجل فصاروا إلى ما ترى" 7

أبو الدرداء المعلم رضي الله عنه
نستلهم من سير هؤلاء الأكابر مفاتيح النجاح والأسباب التي ينال بها المعلم وسام التميز

بدءا من ثني الركب في مجالس العلماء، والحرص على تحصيل العلم في زمن مبكر، والإقبال عليه ونبذ كل ما يعوقه..

وقد كان لصحابينا الجليل قصب السبق في ذلك...

فقد أقبل بعد إسلامه على القرآن والعبادة، وفتح له فيهما حتى جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

عن أنس بن مالك، قال: "مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد" 8
وحدث أبو الدرداء عن تخليه عما يشغله عن العلم قائلا: (كنت تاجراً قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أردت أن أجمع بين التجارة والعبادة؛ فلم يجتمعا لي، فأقبلت على العبادة، وتركت التجارة) 9
وقال عن همته في طلب العلم:(لو أعيتني آية من كتاب الله عز وجل، فلم أجد أحداً يفتحها عليَّ إلا رجلاً ببِرْكِ الغُمَاد10 لرحلت إليه)11.

وامتدادا للتضحيات وتحمل المشاق في نقل العلم وتبليغه، واحتساب الأجر في مهنة لا يحقق السبق فيها طالب الدنيا، وإنما هي لمن كان قلبه معلق بما عند الله..

عن محمد بن كعب القرظي قال: (جمع القرآن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل وعبادة بن صامت وأبيّ بن كعب وأبو أيوب وأبو الدرداء، فلما كان زمن عمر بن الخطاب كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إنَّ أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم؛ فأعِنّي يا أميرَ المؤمنين برجالٍ يعلمونهم؛ فدعا عمرُ أولئك الخمسة فقال لهم: إنَّ إخوانكم من أهل الشام قد استعانوني بمن يعلّمهم القرآن ويفقههم في الدين؛ فأعينوني رحمكم الله بثلاثة منكم، إن أحببتم فاستهموا وإن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا؛ فقالوا: ما كنا لنتساهم؛ هذا شيخ كبير لأبي أيوب، وأمَّا هذا فسقيم لأبيّ بن كعب؛ فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء 12) 13.


وانتهاء بابتكار الطرق والأساليب لاستيعاب الأعداد المقبلة مع المحافظة على الجودة وضمان امتداد الأثر


قال سويد بن عبد العزيز التنوخي: (كان أبو الدرداء إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، ويجعل على كل عشرة منهم عريفاً، ويقف هو قائماً في المحراب يرمقهم ببصره، وبعضهم يقرأ على بعض، فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفهم، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء، فسأله عن ذلك)14.

وقال: (وكان ابن عامر عريفاً على عشرة، وكان كبيراً فيهم، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر، وقام مقامه مكانه، وقرأ عليه جمعيهم، فاتخذه أهل الشام إماماً، ورجعوا إلى قراءته15)

وعن أبي عبيد الله مُسْلِم بن مِشْكَم كاتبِ أبي الدرداء قال: قال لي أبو الدرداء: اعدد من يقرأ عندنا يعني في مجلسنا هذا: (فعددت ألفاً وستمائة ونيفاً؛ فكانوا يقرأون ويتسابقون عشرة عشرة، لكل عشرة منهم مقرئ)
(وكان أبو الدرداء قائما يستفتونه في حروف القرآن، يعني المقرئين فإذا أحكم الرجل من العشرة القراءة تحول إلى أبي الدرداء، وكان أبو الدرداء يبتدئ في كل غداة إذا انفتل من الصلاة؛ فيقرأ جزءا من القرآن، وأصحابه محدقون به يسمعون ألفاظه؛ فإذا فرغ من قراءته جلس كل رجل منهم في موضعه، وأخذ على العشرة الذين أضيفوا إليه، وكان ابنُ عامر مقدما فيهم 16)

مع ما يصحب ذلك من الغيرة على الدين والحرص على الإصلاح، والنصح في كل موضع، والحث على طلب العلم وإتقانه.

عن أم الدرداء قالت: دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: (والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنهم يصلون جميعا)17.
عن أبي الزيات القشيري قال: دخلنا على أبي الدرداء نعوده؛ فدخل علينا أعرابي؛ فقال: ما لأميركم؟! وأبو الدرداء يومئذ أمير.
قلنا: هو شاكٍ.
قال: والله ما اشتكيت قط!
أو قال: ما صدعت قط.
فقال أبو الدرداء: (أخرجوه عني ليمت بخطاياه، ما أحبّ أنَّ لي بكل وصبٍ وُصِبْتُه حمر النعم، وإنَّ وَصَبَ المؤمن يكفر خطاياه)18.
وقال رضي الله عنه: (تعلموا العلم قبل أن يفتقر إليكم، فإن أعبد الناس رجل عالم، إن احتيج إليه نفع بعلمه، وإن استغني عنه نفع نفسه بالعلم الذي جعله الله عنده، فما مال علمائكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون؟ فلو أن العالم أراد أن يزداد علماً لازداد وما نقص العلم شيئاً، ولو أراد الجاهل أن يتعلم لوجد العلم)19.

وقال: (العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير فيما سواهما)20.

نظرة.. في النصوص أعلاه تعلمنا أسرار تصدر المعلمين الأكفاء فنلحظ:

- المسابقة في تحصيل العلم وتعليمه..
- مفارقة الأوطان ومناطق الراحة في سبيل نشر العلم..
- الابتكار في طرق التعليم لاستيعاب الأعداد بأبسط الوسائل..
- الأثر المبارك الناتج عن هذا السبق:

ومن ذلك ابن عامر قارئ أهل الشام أحد القراء السبعة..
والعدد الكبير من الطلاب الذين رووا عنه القراءة والتفسير ومنهم
زوجته أمّ الدرداء الصغرى، وخليد بن سعد السلاماني، وراشد بن سعد الحبراني، وخالد بن معدان، وعبد الله بن عامر اليحصبي على خلاف فيه، وفضالة بن عبيد، وأبو إدريس الخولاني، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن قيس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ومحمد بن المنكدر، ومرثد بن سمي الخولاني، وجبير بن نفير، ومعدان بن أبي طلحة، وعبادة بن نسي الكندي، وصالح بن نبهان مولى التوأمة بنت أمية بن خلف، وحميد بن عقبة، وعطاء بن يسار المدني، وأبو صالح السمان، وخليد بن عبد الله العصري، وعبد الرحمن بن مسعود الفزاري.
وغيرهم

أبو الدرداء القاضي رضي الله عنه:
في أوائل إمارة معاوية رضي الله عنه على الشام تولى أبو الدرداء قضاء دمشق بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عن سعيد بن عبد العزيز قال: (عمر أمّر أبا الدرداء على القضاء يعني بدمشق، وكان القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب) 21
وعن يحيى بن سعيد قال: استُعمل أبو الدرداء على القضاء؛ فأصبح يهنئونه فقال: (أتهنئوني بالقضاء، وقد جعلت على رأس مهواة منزلتها أبعد من عدن أبين؟!! ولو علم الناس ما في القضاء لأخذوه بالدول رغبة عنه وكراهية له، ولو يعلم الناس ما في الأذان لأخذوه بالدول رغبة فيه وحرصا عليه)22.


أبو الدرداء.. الزاهد الورع
لم تشغله الدنيا ولم يكن جمع متاعها أكبر همه، وتمثل سيرة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم في التخقق منها والاقبال على الآخرة
عن أم الدرداء أنَّ أبا الدرداء كان يجيء بعد ما يصبح فيقول: (أعندكم غداء؟) فإن لم يجد قال: (فأنا إذا صائم)23.

قال أبو الدرداء: (بُعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا تاجر؛ فأردت أن يجتمع مع العبادة فلم يجتمعا؛ فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة، والذي نفس أبي الدرداء في يده ما أحبّ أنَّ لي اليوم حانوتاً على باب المسجد لا تخطئني فيه صلاة، أربح فيه كلَّ يوم أربعين ديناراً أتصدق في سبيل الله!
قيل له: لم يا أبا الدرداء؟!! وما تكره من ذاك؟!!
قال: (شدة الحساب)24

عن أم الدرداء قالت: قلت لأبي الدرداء: ألا تبتغي لأضيافك ما يبتغي الرجال لأضيافهم؟
فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أمامكم عقبة كؤوداً، لا يجاوزها المثقلون؛ فأحبّ أن أتخفف لتلك العقبة)25

عن أمّ الدرداء، قالت: قال لي أبو الدرداء: لا تسألي الناس شيئاً.
قالت: فقلت: فإن احتجت؟
قال: (فإن احتجت فتتبعي الحصادين فانظري ما سقط منهم فاخبطيه ثم اطحنيه ثم كليه، ولا تسألي الناس شيئاً).
عن أم الدرداء، قالت: (لقد رأيت أبا الدرداء ينفخ النار تحت قدرنا هذه حتى تسيل دموع عينيه)26.

ولم يجعل همه رضا السلطان والتزلف له
عن أمُّ الدرداء أنَّ أبا الدرداء أتى باب معاوية، فاستأذن فلم يؤذن له، فرجع إلى جلسائه، ثم عاد فلم يؤذن له، فقال: (من يغش سُدّة السلطان يقم ويقعد، ومن يجد باباً مغلقاً يجد إلى جانبه باباً فيحاً رحباً، إن دعا أجيب، وإن سأل أعطي).27

وكان رضي الله عنه شديد الورع والتحرز من الحقوق
عن معاوية بن قرة قال: كان لأبي الدرداء جمل يقال له دمون، فكان إذا أعاره قال: هو يحمل كذا وكذا، فلا تحملوا عليه إلا كذا وكذا؛ فلما كان عند انقضاء هلاكه، قال: (دمّون! لا تخاصمني عند ربي، فإني كنت لا أحملك إلا طاقتك)28.

قلبه معلق بالجنة يعمل لأجلها في صحته وتتمثل له في مرضه
عن معاوية بن قرة أن أبا الدرداء اشتكى؛ فدخل عليه أصحابه فقالوا: ما تشتكي؟
قال: (أشتكي ذنوبي)، قالوا: فما تشتهي؟، قال:(أشتهي الجنة)، قالوا: ألا ندعو لك طبيبا؟
قال: (هو الذي أضجعني)29.


الأسرة المباركة
تزوّج أبو الدرداء امرأتين كنيتا أمَّ الدرداء:

أم الدرداء الأولى:
خيرة بنت أبي حدرد الأسلمية رضي الله عنها، وهي أم الدرداء الكبرى وهي صحابية روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وأنجب منها أبو الدرداء: ابنته الدرداء، وابنيه: بلالاً، ويزيد. وتوفيت رضي الله عنها في حياته.
ابنته الدرداء:
خطب يزيد بن معاوية ابنته الدرداء، فرده وزوجها لصفوان بن عبد الله
فسار ذلك في الناس أن يزيد خطب إلى أبي الدرداء فردَّه، وخطب إليه رجلٌ من ضعفاء المسلمين فأنكحه.
فقال أبو الدرداء: (إني نظرت للدرداء، ما ظنكم بالدرداء إذا قامت على رأسها الخصيان، ونظرت إلى بيوت يلتمع فيها بصرها؟! أين دينها منها يومئذ؟!) 30 .

بلال بن أبي الدرداء:
كان قاضياً على دمشق في زمن يزيد بن معاوية وبقي على القضاء حتى زمن عبد الملك بن مروان.
أم الدرداء الثانية:
هُجيمة بنت حييّ الوصابية رحمها الله، والأوصاب بطن من حمير، وهي أمّ الدرداء الصغرى ت 81 ه
، وكانت فقيهة عالمة زاهدة، ذات حسن وبهاء، وجلالةِ قَدْرٍ، وحُرْمةٍ وافرة.
روت عن زوجها أبي الدرداء فأكثرت عنه، وروت عن عائشة، وأبي هريرة رضي الله عنهم.
وروى عنها: جبير بن نفير، وأبو قلابة الجرمي، ولقمان بن عامر الوصابي، ورجاء بن حيوة، ومولاها خليد، وصالح بن زيتون، وميمون بن مهران، وغيرهم كثير.
كانت رحمها الله يتيمة في حَجر أبي الدرداء، تختلف معه في ثوبين تصلي في صفوف الرجال، وتجلس في حِلَق القرّاء تعلَّم القرآن حتى قال لها أبو الدرداء يوماً: (الحقي بصفوف النساء)31.
قال لهاأبو الدرداء يوما: (إذا غضبتِ أرضيتُك، وإذا غضبتُ فأرضيني؛ فإنك إنْ لم تفعلي ذلك؛ فما أسرع ما نفترق)32.
تزوّجها أبو الدرداء رضي الله عنه وهي صغيرة، وكانت شديدة المحبة له، ولما مات لم تتزوّج بعده.
لما حضرته الوفاة قالت له: إنك خطبتني إلى أبويَّ في الدنيا؛ فأنكحوك وإني أخطبك إلى نفسك في الآخرة.
قال: (فإن أردت ذلك؛ فكنتُ أنا الأول فلا تتزوجي بعدي)
فمات أبو الدرداء، وكان لها جمالٌ وحُسْن؛ فخطبها معاوية؛ فقالت: ((لا والله لا أتزوّج زوجاً في الدنيا حتى أتزوّج أبا الدرداء إن شاء الله في الجنة))، فقال لها معاوية (عليك بالصيام).
عمّرت رحمها الله حتى أدركت خلافة عبد الملك بن مروان.
وكانت رحمها الله فقيهة.. فكانوا يجتمعون في بيتها يقرأ عليهم خليد بن سعد وكان رجلاً قارئاً
وكانت حكيمة ناصحة ...قالت يوما لإسماعيل بن عبيد الله: يا إسماعيل كيف نام رجلٌ تحت وسادته عشرة آلاف؟
قال قلت لها: بل كيف ينام إن لم يكن تحت رأسه عشرة آلاف؟
فقالت: (سبحان الله! ما أراك إلا ستبلى بالدنيا) 33، فابتلي بالدنيا
وكانت تقية نقية... قيل لها يوما: إنه قد نالَ منك رجلٌ عند عبد الملك قالت: (إن نُؤبن بما فينا؛ فطال ما زُكِّينا بما ليس فينا)34.
وكانت لها حُرْمة وجلالة عجيبة.. وكان عبد الملك بن مروان كثيراً ما يجلس إلى أمّ الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق وهو خليفة؛ فجلس إليها مرّةً من المرار؛ فقالت له: يا أمير المؤمنين بلغني أنك شربت الطلاء بعد العبادة والنسك! قال: إي والله يا أمَّ الدرداء، والدماء قد شربتها) 35

أخوة الصدق
آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي36 ؛ فكان في تآخيهما بركة ونفع لهما وللمسلمين.
عن أم الدرداء، قالت: قدم علينا سلمان؛ فقال: أين أخي؟
قلت: في المسجد.
فأتاه؛ فلما رآه اعتنقه 37.

زار سلمان أبا الدرداء يوما، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟
قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا.
فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال: كل؟
قال: فإني صائم.
قال: ما أنا بآكل حتى تأكل.
قال: فأكل؛ فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم.
قال: نم، فنام.
ثم ذهب يقوم فقال: نم.
فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن، فصليا؛ فقال له سلمان: (إنَّ لربّك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه).
فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق سلمان).38

وقال مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي: أن هلمَّ إلى الأرض المقدسة؛ فكتب إليه سلمان: (إنَّ الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدّس الإنسان عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيبا تداوي؛ فإن كنت تبرئ فنعمّا لك. وإن كنت متطبباً؛ فاحذر أن تقتل إنساناً فتدخل النار)
فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما، وقال: (ارجعا إليَّ أعيدا عليَّ قصّتكما، متطبب والله) 39



قصة النهاية
مات أبو الدرداء رضي الله عنه بعد مرض أصابه في آخر حياته.
وبقي رضي الله عنه – حتى وهو في أشد ساعات المرض- ناصحا واعظا متفكرا رقيق القلب، كما كان في حياته
يظهر ذلك جليا في مرويات أصحابه عن هذه الساعة التي فقدنا فيها هذا الصحابي الجليل بجسده وبقي لنا الكثير من علمه ومروياته ومواعظه وسيرته العطرة وسيرة أهله وتلاميذه وعلومهم
عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: صحبت أبا الدرداء أتعلّم منه، فلما حضره الموت قال: آذنِ الناس بموتي، فآذنت الناس بموته، فجئت وقد ملئ الدار وما سواه.
قال: فقلت: قد آذنتُ الناس بموتك، وقد مُلئ الدار، وما سواه.
قال: أخرجوني فأخرجناه.
قال: أجلسوني.
قال: فأجلسناه.
قال: يا أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين يتمّهما أعطاه الله ما سأل معجلاً أو مؤخراً).
وأضاف رضي الله عنه واعظا مذكرا رغم المرض
يا أيها الناس! إياكم والالتفات؛ فإنّه لا صلاة لملتفت؛ فإن غُلبتم في التطوّع، فلا تُغلبنّ في الفريضة). 40
(حافظوا على هاتين الصلاتين - يعني صلاة العشاء، والصبح -، ألا اسمعوا وبلغوا من خلفكم: لو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على مرافقكم وركبكم) 41.
لاحظ..
كيف كان جل وصيته في الصلاة..

ومع هذه السيرة العطرة، ومع هذا الجهاد في شتى المجالات، والتصدر في كل مواطن الفضل، وهذه المكانة الرفيعة التي يعجز عن التطلع للوصول إليها أشد الناس جلدا
كان لا يأمن على قلبه من النفاق!

عن جُبير بن نفير قال: دخلت على أبي الدرداء منزله بحمص؛ فإذا هو قائم يصلي في مسجده؛ فلما جلس يتشهد جعل يتعوّذ بالله من النفاق؛ فلما انصرف قلت له: غفر الله لك يا أبا الدرداء! ما أنت والنفاق ما شأنك وشأن النفاق؟!!
فقال: (اللهم غُفْراً -ثلاثاً- لا يأمن البلاء من يأمن البلاء، والله إنَّ الرجل ليفتن عن ساعة واحدة فيقلب عن دينه)42.

وظل خائفا وجلا لم يغتر بعمله حتى وافته المنية رضي الله عنه وأرضاه
عن أم الدرداء أنه أغمي على أبي الدرداء، فأفاق فإذا بلال ابنه عنده، فقال: (قم فاخرج عني)، ثم قال: (من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ من يعمل لمثل ساعتي هذه؟ {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون} أتيتم).
ثم أغمي عليه، فلبث لبثاً ثم يفيق؛ فيقول مثل ذلك، فلم يزل يرددها حتى 43.

كان موته رضي الله عنه بعد موت ابن مسعود رضي الله عنهما، واختلف في سنة وفاته فقيل31 ، وقيل 32 ، وقيل 33قبل مقتل عثمان رضي الله عنه بسنتين، وقيل في آخر خلافته قبل أن يقتل بقليل، ودفن رضي الله عنه بمقبرة دمشق44

رءاه بعد موته.. عوف بن مالك الأشجعي في المنام: رأيت في المنام كأني أتيت مرجاً أخضر فيه قبة من أدم، حولها غنم ربّض تجتر وتبعر العجوة؛ فقلت: لمن هذه؟
فقيل لي: لعبد الرحمن بن عوف؛ فانتظرته حتى خرج من القبة.
قال: (يا عوف بن مالك! هذا ما أعطى الله سبحانه بالقرآن؛ فلو أشرفت على هذه الثنية لرأيت ما لا ترى عينك، ولسمعت ما لم تسمع أذنك، ولا يخطر على قلبك، أعده الله عزّ وجل لأبي الدرداء لأنه كان يدفع الدنيا بالراحتين والنحر) 45.



مات رضي الله عنه بعد أن حقق في العلم مرتبة عالية شهد له ببلوغها الصحابة والتابعين


عن يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا.
قال: أجلسوني، فقال: (إنَّ العلمَ والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما - يقول ثلاث مرات - فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهودياً، ثم أسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه عاشر عشرة في الجنة46) .

وكان عبد الله بن مسعود يقول: علماء الناس ثلاثة: واحد بالعراق، وآخر بالشام يعني أبا الدرداء يحتاج إلى الذي بالعراق يعني نفسه، والذي بالشام والعراق يحتاجان إلى الذي بالمدينة يعني عليَّ بن أبي طالب، ولا يحتاج إلى واحد منهما).47

وكان عبد الله بن عمرو يقول: حدثونا عن العاقِلَين. فيقال له: من العاقلان؟ فيقول: (معاذ بن جبل، وأبو الدرداء).48

قال مسروق: (شامَمْتُ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدت علمهم انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت.
ثم شاممت - يعني الستة - فوجدت علمهم انتهى إلى: علي، وعبد الله) 49


وقال عامر الشعبي: (انتهى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ستة نفر عمر وعلي وعبد الله وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري) 50

وعن القاسم بن عبد الرحمن قال: (كان أبو الدرداء من الذين أوتوا العلم).51

وعن سعيد بن عبد العزيز قال: (كان العلماء بعد معاذ بن جبل: عبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وسلمان، وعبد الله بن سلام)52.



حكيم أمتي عويمر

وبعد هذه الرحلة الماتعة في سيرة هذا العلم المبارك يحسن بنا- للفائدة- أن نقف على بعض آثاره العلمية سواء مما قاله ابتداء أو مما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : إنَّ أقدرَ الناس على كلمة حكمة أبو الدرداء) .

وقال يزيد بن معاوية:
(كان من العلماء الحكماء الذين يشفون الداء)

وما روي عنه من المواعظ والوصايا كثير جداً، حيث كان رضي الله عنه من العلماء الحكماء، والعبّاد الزهّاد، كثير التفكر والاعتبار، وكان ينطق بالحكمة، ويعظ المواعظ البليغة، ويوصي الوصايا الجليلة، وقد ترك لنا رضي الله عنه إرثا مباركا من الحكم والمواعظ والقصص يحسن تأمله والاتعاظ به ونشره..

وقد نال هذا الإرث عناية التابعين فحفظوه ورووه عنه ومنهم من كان يكتبه.
ومن ذلك:

ما قدمه كنصح خاص:
حيث كتب إلى مسلمة بن مخلد وهو أمير بمصر:

(أما بعد فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله، وإذا أحبه الله حبَّبَه إلى خلقه، وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، وإذا أبغضه الله بغَّضه إلى خلقه)53)
ورد على حبيب بن مسلمة لما قال له: أوصني.
فقال: (عليك بكتاب الله)، ثلاث مرات.
فلما ولى دعاه قال: (اعبد الله كأنك تراه، واعدد لنفسك قبرا، واحذر دعوة المظلوم) 54
وعن أبي الزاهرية، أنَّ رجلاً أتى أبا الدرداء بابنه، فقال: يا أبا الدرداء! إنَّ ابني هذا قد جمع القرآن.
فقال: (اللهم غفراً، إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع). 55
عن حكيم بن جابر قال: كان أبو الدرداء مضطجعاً بين أصحابه وثوبه على وجهه، إذ مرّ بهم قسٌّ فأعجبهم سِمَنُه؛ فقالوا: اللهمَّ العنه، ما أعظمه!! وما أسمنه!!
فكشف الثوب عن وجهه؛ فقال: (من ذا الذي لعنتم آنفا؟)
فقالوا: قِسّا مرَّ بنا.
فقال: (لا تلعنوا أحداً؛ فإنه لا ينبغي للعان أن يكون عند الله يوم القيامة صديقاً). 56

وقوله في النصح العام:

(تأملون وتجمعون؛ فلا ما تأملون تدركون، ولا ما تجمعون تأكلون) 57

"يا أهل دمشق! اسمعوا قولَ أخٍ لكم ناصح، ما لي أراكم تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، وتؤمّلون ما لا تدركون، إنَّ من كان من قبلكم جمعوا كثيراً، وبنوا شديداً، وأمّلوا بعيداً؛ فأصبح ما جمعوا بورا، وما أمّلوا غرورا، وأصبحت مساكنهم قبوراً" 58
"ألا إنَّ عاداً ملأت ما بين عدن وعمان خيلا وركابا؛ فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين؟" 59
"لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت ما أكلتم طعاماً على شهوة أبداً، ولا شربتم شراباً على شهوة أبداً، ولا دخلتم بيتاً تستظلون فيه أبداً، ولبرزتم إلى الصُّعُدات تلزمون صدوركم وتبكون على أنفسكم".
ثم قال: "لوددت أني شجرة أعضد في كل عام، وأؤكل" 60
"اعمل لله كأنك تراه، واعدد نفسك مع الموتى، وإياك ودعوات المظلوم فإنهنَّ يصعدن إلى الله عز وجل كأنهن شرارات نار" 61

"لا يزال نفس أحدكم شابة في حبّ الشيء ولو التقت ترقوتاه من الكبر، إلا الذين امتحن الله قلوبهم للآخرة، وقليل ما هم" 62

"إني لآمركم بالأمر، وما أفعله، ولكني أرجو فيه الأجر، وإنَّ أبغض الناس إليَّ أن أظلمه الذي لا يستعين عليَّ إلا بالله" 63

"عن أبي إدريس الخولاني قال: سمعت أبا الدرداء يحلف: -وايم الله- ما سمعته يحلف قبلها [/color] ما عمل آدمي عملاً خيراً من مشي إلى صلاة، ومن خلق جائز، ومن صلاح ذات البين" 64
"حبُّك الشيءَ يُعْمِي ويُصِمّ" 65
"من يتفقَّد يَفْقِد، ومن لا يُعِدَّ الصبر لفواجع الأمور يعجز " 66


وذكر رضي الله عنه الدنيا فقال: "إنها ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما كان لله عز وجل، أو ما ابتغي به وجهه تعالى" 67
"بئس العون على الدين قلب نَخيب، وبطن رغيب، ونعظ شديد) 68
"لولا ثلاث لصلح الناس، لولا هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب كل ذي رأى برأيه". 69
"الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما كان من ذكر الله، أو آوى إلى ذكر الله". 70
"إن الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخلون الجنة وهم يضحكون " 71
"لولا ثلاث صلح الناس: شحٌّ مطاع، وهوى متبّع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه". 72

(معاتبة الأخ أهون من فقده، ومن لك بأخيك كله، أعطِ أخاك وهب له، ولا تطع فيه كاشحا فيكون مثله، غداً يأتيه الموت فيكفيك قِبَله، كيف تبكيه في الممات وفي الحياة تركت وصله) 73
(لو أنَّ رجلاً هرب من رزقه كهربه من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت) 74
(من يتبع نفسه ما يرى في الناس يطول حزنه ولا يشفي غيظه) 75


وما كان يضمنه في خطبه
حيث قال وهو على المنبر:
"إني لخائف يوم ينادي مناد فيقول: يا عويمر! فأقول: لبيك رب لبيك، فيقول: أما علمت؟ فأقول: نعم، فيقال: كيف عملت فيما علمت؟
فتأتي كل آية في كتاب الله زاجرة وآمرة تسألني فريضتها، فتشهد عليَّ الآمرةُ بأني لم أفعل، وتشهد علي الزاجرة بأني لم أنته أو أترك؛ فأعوذ بالله من قلب لا يخشع، ومن عمل لا ينفع، ومن صوت لا يسمع، وأعوذ بالله من دعاء لا يجاب 76


ومما روي عنه في التفسير رضي الله عنه
عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في
قول الله تبارك وتعالى: {كل يوم هو في شأن}
قال: (من شأنه أن يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين)77وزاد في رواية
(ويجيب داعيا)
عن أمّ الدّرداء، عن أبي الدّرداء رضي الله عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
في قول الله عزّ وجلّ: {وكان تحته كنزٌ لهما}
قال: (ذهبٌ وفضّةٌ) 78
عن علي بن عبد الله الأزدي، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
قال الله عز وجل {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله}
(فأما الذين سبقوا بالخيرات فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته فهم الذين يقولون {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور}
إلى قوله: {لغوب}. 79


عن خليد العصري، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضمّن الله عزَّ وجلَّ خلقَه أربعاً: الصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، والغسل من الجنابة، وهنَّ السرائر التي قال الله عز وجل: {يوم تبلى السرائر}.) 80

عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي الدرداء رضي الله عنه
في قوله تعالى: {ختامه مسك}
قال: "هو شرابٌ أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم، لو أنَّ رجلاً من أهل الدنيا أدخل يده فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها" 81


ونختم بخير ختام بمختارات مما رواه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقد كان رضي الله عنه يعظم أمر رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتورع عن الإخلال بلفظ الحديث وعباراته، ويحرص على روايته كما سمعه
روى عنه جماعة من أصحابه أنه كان إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتبعه بمقولات يبرئ بها ذمته كقوله: "اللهم إن لا هكذا فكشكله"، أو " هذا، أو نحو هذا أو شكله"، أو "هذا، أو نحوه، أو شبهه، أو شكله" أو " هكذا أو شكله"

عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من أعطي حظه من الرفق، أعطي حظه من الخير، ومن منع حظه من الرفق، منع حظه من الخير). وفي زيادة: وقال: (ما أثقل شيء في ميزان المؤمن؟، قال: (خلق حسن، إن الله يبغض الفاحش البذيء). 82

عن أمّ الدرداء، عن أبي الدرداء أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن) 83

عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟)، فقيل: ومن يطيق ذلك؟
قال: اقرأ: (قل هو الله أحد)84

عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن أبي الدرداء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
(من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال) 85

عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، قال: قال أبو الدرداء أين مسكنك؟
قال: قلت: قرية دون حمص.
قال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من ثلاثة نفر في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان).
فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية. 86

عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة، والصيام، والصدقة؟)
قالوا: بلى.
قال: (إصلاح ذات البين)
قال: (وفساد ذات البين هي الحالقة). 87
عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إنَّ لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه).88
عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) 89

عبد الرحمن بن جبير بن نفير، وشريح بن عبيد الحضرميان، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عزَّ وجلَّ:
(إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري).90

تأملات وفوائد
1. الأعمار لا تقاس بالأيام والساعات وإنما ببركة ما تحتويه من أعمال صالحة.
2. الإنجازات العظيمة، والأعمال الكثيرة لا تحتاج للأوقات الطويلة وإنما هي البركة والتوفيق.
3. بركة الأهل والإخوان والأصحاب الصالحين وعظم دورهم تجاه ذويهم، فقد أسلم أبو الدرداء بسبب أخيه من أمه عبد الله بن رواحه، وتلقى الكثير من التوجيهات من أخيه سلمان، ووصل لنا علمه ببركة زوجته وأصحابه.
4. رقة القلب والرحمة والتفكر لا تنافي الجهاد في سبيل الله والقتال لأجل إعلاء كلمته
5. أهمية التوازن في حياة المسلم وتقديم الأولويات، ولنا في هذه السيرة العطرة خير مثال فقد رأينا كيف تفرغ رضي الله عنه لطلب العلم وحفظ كتاب الله مع مشاركته في الجهاد وتصدره فيه ثم ما بذله من جهود في تعليم ما تعلم والعمل به وفي ضمن ذلك كله كانت له أسرة صالحة يرعاها ويعطيها من وقته وجهده رضي الله عنه وأرضاه.
6. لا نستهين بأهمية تسخير الإمكانات والموارد في سبيل نشر العلم وتعليمه إلا أن الأهم من ذلك صلاح النية وبذل الجهد والبركة التي تطرح مع حضورهما.
7. أهمية ابتكار الوسائل وتجديد الطرق واستحداث الأفكار التي تخدم العلم وطلابه
8. مشروعية الحصر وقياس المخرجات لغرض المقارنة والتحسينات
9. الجهد المبذول في تحسين عمليات التعليم مع الإخلاص وصلاح القصد يثمر آثارا مباركة ممتدة مع توفيق الله
10. الاطلاع على سير الصالحين وحياتهم حياة للقلب ونور في الدرب
11. لا تزال هذه السير العطرة المشتملة على أعلى درجات القدوات بحاجة لخدمة في التحرير والنشر بشتى الوسائل وقصورنا في هذا الباب عظيم والله المستعان



-------------------------------------------------------
1. رواه البيهقي في دلائل النبوة.
2. الحافظ ابن عساكر: (شهد اليرموك، وكان قاص أهله، وحضر حصار دمشق، ثم سكن حمص ثم انتقله عمر بن الخطاب إلى دمشق وولي بها القضاء، وكانت داره بدمشق بباب البريد، وهو الذي يعرف اليوم بدار العزي)
3. عن محمد بن كعب القرظي قال: (جمع القرآن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل وعبادة بن صامت وأبيّ بن كعب وأبو أيوب وأبو الدرداء)
5. رواه الطبراني في مسند الشاميين، وهو مرسل.
6. رواه أبو زرعة الدمشقي.
7. رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في العقوبات.
8. رواه البخاري.
9. رواه أحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، وهناد بن السري في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
10. قال أبو عبيد: (وهو أقصى هجر باليمن... والصواب: ببرك بالكسر، والغماد بضم الغين)
11. رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
12. تتمة: فقال عمر: (ابدأوا بحمص؛ فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة، منهم من يلقن فإذا رأيتم ذلك فوجهوا إليه طائفة من الناس؛ فإذا رضيتم منهم فليقم بها واحد، وليخرج واحد إلى دمشق، والآخر إلى فلسطين)، وقدموا حمص فكانوا بها حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة، وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين فمات بها، وأما أبو الدرداء فلم يزل بدمشق حتى مات.
13. رواه ابن سعد في الطبقات وهذا سياقه وهو أتمّ، ورواه البخاري في التاريخ الصغير باختصار فيه وزاد>
14. ذكره علم الدين السخاوي في "جمال القراء"، والذهبي في معرفة القراء الكبار.
15. المرجع السابق
16. رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق، ورجاله ثقات.
17. رواه البخاري في صحيحه، وأحمد في المسند والزهد، وأبو داوود في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، وسالم هو ابن أبي الجعد الأشجعي.
18. رواه البيهقي في شعب الإيمان، وأبو الزيات لم أعرفه.
19. رواه البيهقي في شعب الإيمان.
20. رواه أحمد في الزهد.
21. رواه أبو زرعة الدمشقي، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
22. رواه ابن سعد، وابن عساكر.
23. رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، وعلقه البخاري في صحيحه.
24. رواه ابن عساكر.
25. رواه البيهقي في شعب الإيمان.
26. رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال.
27. رواه ابن المبارك
28. رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب في كتاب الورع، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
29. رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب "المحتضرين.
30. رواه أحمد في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، وأبو نعيم في الحلية
31. رواه البخاري في التاريخ الأوسط، وابن عساكر.
32. رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
33. رواه يعقوب بن سفيان
34. رواه ابن عساكر
35. رواه ابن عساكر
36. عن أنس، قال: (آخى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، آخى بين سلمان وأبي الدرداء، وآخى بين عوف بن مالك وبين صعب بن جثامة). رواه أبو يعلى الموصلي.
37. رواه أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار.
38. رواه البخاري، والترمذي، وأبو يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان.
39. رواه مالك في الموطأ، ويحيى بن سعيد لم يدرك أبا الدرداء.
40. رواه أحمد في المسند
41. رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في شعب الإيمان.
42. رواه البيهقي في شعب الإيمان واللفظ له
43. قبض رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، وابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين، والبيهقي في شعب الإيمان.
44. وقال أبو زرعة الدمشقي: (رأيت أهل العلم ببلدنا يذكرون: أن بمقبرة دمشق من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلال بن رباح مولى أبي بكر، وسهل بن الحنظلية، وأبو الدرداء).
45. رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب المنامات، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
46. رواه أحمد، والترمذي، وأبو زرعة الدمشقي، والنسائي في السنن الكبرى.
47. رواه ابن عساكر.
48رواه ابن سعد، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وابن عساكر.
49. رواه أبو زرعة الدمشقي.
50. رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.
51. رواه سعيد بن منصور في سننه، وأحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه.
52. رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق، والطبراني في المعجم الكبير، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
53. رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، ووكيع في الزهد، وأحمد في الزهد، وهناد بن السري في الزهد، وأبو داوود في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
54. رواه أبو داوود في الزهد.
55. رواه أبو عبيد في فضائل القرآن.
56. رواه ابن المبارك في الزهد، وهناد بن السري في الزهد، وابن أبي الدنيا في "ذم اللعانين"، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
57. رواه ابن عساكر.
58. رواه ابن عساكر.
59. رواه أبو داوود في الزهد.
وروى ابن أبي الدنيا نحوه في كتاب "قصر الأمل" من طريق عمار بن محمد الثوري، عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء.
ورواه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش بنحوه.
60. رواه أبو داوود في الزهد.
61. رواه البيهقي في شعب الإيمان.
62. رواه ابن المبارك في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
63. رواه ابن أبي شيبة في المصنف، وأبو داود في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
64. رواه ابن المبارك في الزهد.
65. رواه أحمد في المسند، وابن أبي شيبة في المصنف، وعبد بن حميد في مصنفه، وأبو داوود في سننه، والطبراني في المعجم الأوسط، وغيرهم.
66. رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه.
67. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الزهد.
68. رواه أبو بكر الخرائطي في اعتلال القلوب، ورواه سعيد بن منصور في سننه عن إسماعيل ولم يذكر أبا مسلم الخولاني، والقلب النخيب هو الضعيف الجبان، والنعظ شهوة الجماع.
69. رواه أبو داوود في الزهد.
70. رواه أبو داوود في الزهد.
71. رواه ابن أبي شيبة.
72. رواه أحمد في الزهد.
73. رواه ابن عساكر.، ورواه أبو داوود في الزهد من طريق إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي الدرداء.
قال أبو داود: (بلغني عن الأصمعي: "من لك بأخيك كله": يراد لا بدَّ أن يكون فيه نقص ما تستنكر، وقال أبو قلابة: "أعياني أن أجد منكم رجلا كاملاً)
74. رواه البيهقي في شعب الإيمان.
75. رواه أبو داوود في الزهد.
76. رواه أبو داود في الزهد.
77. رواه ابن أبي عاصم في السنة، وابن أبي حاتم في تفسيره، وابن حبان في صحيحه، وأبو الشيخ في العظمة، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في شعب الإيمان، وعلّقه البخاري في صحيحه.
زاد ابن ابي عاصم: ( ويجيب داعيا) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط من طريق نعيم بن حماد عن الوزير بن صبيح به.
78. رواه الترمذي في جامعه، والبزار في مسنده، والطبراني في الأوسط والصغير، والحاكم في المستدرك، ويزيد بن يوسف ضعيف الحديث، وقد تركه بعضهم.
79. رواه الإمام أحمد في مسنده، وفيه انقطاع، وله طرق أخرى.
80. رواه البيهقي في شعب الإيمان.
81. رواه البيهقي في البعث والنشور.
82. رواه أحمد، وابن أبي شيبة، ورواه أبو جعفر ابن البختري، وزاد: وقال: ما أثقل شيء في ميزان المؤمن؟ قال: (خلق حسن، إن الله يبغض الفاحش البذيء).
83. رواه أحمد في المسند، وابن أبي شيبة في المصنف، وأبو داوود في سننه.
84. رواه أحمد في المسند.
85. رواه أحمد، ومسلم، وأبو داوود.
86. رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي في السنن الكبرى، والبيهقي في شعب الإيمان، وفي ألفاظ بعضهم: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة)
87. رواه أحمد في المسند، والبخاري في الأدب المفرد، وأبو داوود في سننه، والترمذي في جامعه، وهناد بن السري في الزهد.
88. رواه أحمد في المسند، والطبراني في مسند الشاميين، والبيهقي في شعب الإيمان.
89. رواه أحمد في المسند، والبيهقي في شعب الإيمان.، ورواه أحمد أيضاً وغيره من طريق ليث بن أبي سليم عن شهرب بن حوشب، عن أم الدرداء به. وروى نحوه ابن أبي شيبة والبيهقي في السنن الكبرى من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم بن عتيبة، عن بلال بن أبي الدرداء، عن أبيه، مرفوعاً.، فالحديث حسن بمجموع هذه الطرق.
90. رواه الطبراني في مسند الشاميين، والبيهقي في شعب الإيمان، ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن بن جبير وشريح بن عبيد لم يدركا أبا الدرداء، وبقية يدلّس تدليس التسوية.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 ربيع الأول 1445هـ/10-10-2023م, 11:16 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضحى الحقيل مشاهدة المشاركة
عقل وحكمة .... شجاعة وإقدام...رقة ورحمة.. زهد وورع
علم وعبادة... تربية وتعليم ... إبداع وإحكام
علم مبارك.. تعليم مبارك.. بيوت مباركة... كلها وأكثر اجتمعت في بطل قصتنا اليوم..

إنه الإسلام إذا هذب أصحابه..إنها البركة إذا حلت...إنه التوفيق إذا حصل..
إنه الصحابي الجليل..
أبو الدرداء، عويمرُ بن زيدِ بن قيسِ بن عيشةَ بنِ أميةَ بن مالكِ بنِ عامرةَ بن عديّ بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري.



قصة البداية
اجتهد عبد الله بن رواحه -وهو أخو أبي الدرداء لأمه- رضي الله عنهما، في ترغيبه في الإسلام، حتى وصل به الأمر إلى أن دخل هو ومحمد بن مسلمة بيته فسرقا صنمه الذي كان يعبده في الجاهلية؛ فرجع أبو الدرداء فجعل يجمع صنمه ذلك، ويقول: (ويحك! هلا امتنعت! ألا دفعت عن نفسك؟)
فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أحداً أو يدفع عن أحدٍ دفع عن نفسه ونفعها.
فقال أبو الدرداء: أعدّي لي في المغتسل ماء؛ فجعلت له ماء فاغتسل، وأخذ حلَّته فلبسها، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فنظر إليه ابن رواحة مقبلاً؛ فقال: (هذا أبو الدرداء ما أراه جاء إلا في طلبنا).
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، إنما جاء ليسلم؛ فإنَّ ربي عز وجل وعدني بأبي الدرداء أن يسلم)1.


في كل ميدان صولة
أسلم رضي الله عنه بعد بدر فحسن إسلامه...
وكان معطاء باذلا له في كل موطن خير سهم نافذ 2..
فإن ذكر الجهاد فهو "نعم الفارس" ... شهد الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم وشارك في فتوح الشام وقاد السرايا.
وإن ذكر الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والوعظ، والحث على عمل الخير.. ذكرنا أنه كان لا يدع فرصة إلا دعا فيها للخير، وذكر فيها ووعظ، ومن ذلك أنه كان يقص على الجند3 ..
وإن ذكرت العبادة فقد اجتهد فيها وأكثر على نفسه حتى أمره سلمان الفارسي بالاقتصاد، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، وأقرّ النبي صلى الله عليه وسلم سلمان على ذلك.
وإن ذكرت العناية بكتاب الله تعلما وتعليما.. فقد قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم وأقبل على القرآن حتى كان خامس خمسة من الأنصار جمعوا القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم، كما أنه كان من أكثر الصحابة تعليما للقرآن رضي الله عنه وأرضاه
وإن ذكر التعليم عموما فقد تصدى له لما استقرت الولاية للمسلمين على الشام فنزل حمص فعلم بها
وإن ذكر القضاء والإمارة فقد اختاره الخليفة الراشد عمر بن الخطاب قاضيا في دمشق ونائبا عن الأمير معاوية إذا غاب
وإن ذكر الزهد والورع فقد دلت أفعاله على إعراضه عما لا نفع فيه، وإقباله على عمل الآخرة، مع تواضع وخوف من النفاق.

وإن ذكر الثبات...
فقد بقي قاضياً، ومعلّماً للقرآن، وآمراً بالمعروف، وناهياً عن المنكر، ومجتهداً في العبادة، والنصح، والتعليم، حتى توفي رضي الله عنه وأرضاه، وقد نشر في الشام علماً غزيراً مباركاً.

شجاعة وإقدام
الجهاد في سبيل الله...القتال من أجل إعلاء كلمة التوحيد..
بذل النفس نصرة للدين...
أن يخرج المرء بنفسه وماله مستشعرا أنه قد لا يعود منها بشيء!!
أمور لا تتأتى إلا لمؤمن صادق قوي الإيمان..
قد تبدو ميسرة مقدور عليها لكن الواقع يصدق ويكذب..
ضرب لنا الصحابي الجليل أبو الدرداء في باب الجهاد أروع الأمثلة، وأبلى في الجهاد في سبيل الله بلاء حسنا مع النبي صلى الله عليه والخلفاء من بعده..
حتى استحق أن يمتدحه صلى الله عليه وسلم بقوله: "نعم الفارس عويمر"
شهد رضي الله عنه أحداً؛ وأبلى فيها بلاء حسناً
روى ابن عساكر في تاريخ دمشق: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يردَّ من على الجبل؛ فردّهم وحده!!
قال شريح بن عبيد: لما هزم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد كان أبو الدرداء يومئذ فيمن فاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس، فلما أظلهم المشركون من فوقهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم ليس لهم أن يعلونا) فثاب إليه يومئذ ناس؛ فانتدبوا وفيهم عويمر أبو الدرداء حتى إذا دحضوهم عن مكانهم الذي كانوا فيه، وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم الفارس عويمر) وقال: (حكيم أمتي عويمر)5
وشهد ما بعد أحد من المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم..
ثم جاهد في زمان أبي بكر وعمر وعثمان، فشهد فتح دمشق وحمص، وقاد بعض السرايا في فتوح الشام، وكان على رأس جيش في فتح دمشق، وغزا في البحر في أوّل خلافة عثمان، وكان ممن شهد فتح قبرص، وكان يرابط أحياناً ببيروت.

قلب حي متفكر..
قال جبير: "ورأيته يبكي، والسبي يفرق" 6
القوة والشجاعة التي تجلت من خلال هذه السيرة العطرة لم تؤثر على هذا الصحابي المؤمن رقيق القلب المتفكر حاضر الدمعة
لم يكتسب من سيفه الذي ظل مرفوعا حدة في الطبع
ولم تصبغ الدماء والأشلاء -التي طالما عاينها- قلبه بالجمود والجفاف
بقي أبو الدرداء مؤمنا رقيقا متفكرا متدبرا خاشعا
يرق قلبه في مواطن الرقة وتسيل أدمعه خوفا ومهابة ورحمة
قال جبير: "لما افتتح المسلمون قبرس، وفرّق بين أهلها، فقعد بعضهم يبكي إلى بعض، وبكى أبو الدرداء"، فقلت: "ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأذلّ الشرك وأهله؟
قال: "دعنا منك يا جبير! ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا تركوا أمره! بينا هم أمة قاهرة قادرة إذ تركوا أمر الله عز وجل فصاروا إلى ما ترى" 7

أبو الدرداء المعلم رضي الله عنه
نستلهم من سير هؤلاء الأكابر مفاتيح النجاح والأسباب التي ينال بها المعلم وسام التميز

بدءا من ثني الركب في مجالس العلماء، والحرص على تحصيل العلم في زمن مبكر، والإقبال عليه ونبذ كل ما يعوقه..

وقد كان لصحابينا الجليل قصب السبق في ذلك...

فقد أقبل بعد إسلامه على القرآن والعبادة، وفتح له فيهما حتى جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

عن أنس بن مالك، قال: "مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد" 8
وحدث أبو الدرداء عن تخليه عما يشغله عن العلم قائلا: (كنت تاجراً قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أردت أن أجمع بين التجارة والعبادة؛ فلم يجتمعا لي، فأقبلت على العبادة، وتركت التجارة) 9
وقال عن همته في طلب العلم:(لو أعيتني آية من كتاب الله عز وجل، فلم أجد أحداً يفتحها عليَّ إلا رجلاً ببِرْكِ الغُمَاد10 لرحلت إليه)11.

وامتدادا للتضحيات وتحمل المشاق في نقل العلم وتبليغه، واحتساب الأجر في مهنة لا يحقق السبق فيها طالب الدنيا، وإنما هي لمن كان قلبه معلق بما عند الله..

عن محمد بن كعب القرظي قال: (جمع القرآن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل وعبادة بن صامت وأبيّ بن كعب وأبو أيوب وأبو الدرداء، فلما كان زمن عمر بن الخطاب كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إنَّ أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم؛ فأعِنّي يا أميرَ المؤمنين برجالٍ يعلمونهم؛ فدعا عمرُ أولئك الخمسة فقال لهم: إنَّ إخوانكم من أهل الشام قد استعانوني بمن يعلّمهم القرآن ويفقههم في الدين؛ فأعينوني رحمكم الله بثلاثة منكم، إن أحببتم فاستهموا وإن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا؛ فقالوا: ما كنا لنتساهم؛ هذا شيخ كبير لأبي أيوب، وأمَّا هذا فسقيم لأبيّ بن كعب؛ فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء 12) 13.


وانتهاء بابتكار الطرق والأساليب لاستيعاب الأعداد المقبلة مع المحافظة على الجودة وضمان امتداد الأثر


قال سويد بن عبد العزيز التنوخي: (كان أبو الدرداء إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، ويجعل على كل عشرة منهم عريفاً، ويقف هو قائماً في المحراب يرمقهم ببصره، وبعضهم يقرأ على بعض، فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفهم، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء، فسأله عن ذلك)14.

وقال: (وكان ابن عامر عريفاً على عشرة، وكان كبيراً فيهم، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر، وقام مقامه مكانه، وقرأ عليه جمعيهم، فاتخذه أهل الشام إماماً، ورجعوا إلى قراءته15)

وعن أبي عبيد الله مُسْلِم بن مِشْكَم كاتبِ أبي الدرداء قال: قال لي أبو الدرداء: اعدد من يقرأ عندنا يعني في مجلسنا هذا: (فعددت ألفاً وستمائة ونيفاً؛ فكانوا يقرأون ويتسابقون عشرة عشرة، لكل عشرة منهم مقرئ)
(وكان أبو الدرداء قائما يستفتونه في حروف القرآن، يعني المقرئين فإذا أحكم الرجل من العشرة القراءة تحول إلى أبي الدرداء، وكان أبو الدرداء يبتدئ في كل غداة إذا انفتل من الصلاة؛ فيقرأ جزءا من القرآن، وأصحابه محدقون به يسمعون ألفاظه؛ فإذا فرغ من قراءته جلس كل رجل منهم في موضعه، وأخذ على العشرة الذين أضيفوا إليه، وكان ابنُ عامر مقدما فيهم 16)

مع ما يصحب ذلك من الغيرة على الدين والحرص على الإصلاح، والنصح في كل موضع، والحث على طلب العلم وإتقانه.

عن أم الدرداء قالت: دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: (والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنهم يصلون جميعا)17.
عن أبي الزيات القشيري قال: دخلنا على أبي الدرداء نعوده؛ فدخل علينا أعرابي؛ فقال: ما لأميركم؟! وأبو الدرداء يومئذ أمير.
قلنا: هو شاكٍ.
قال: والله ما اشتكيت قط!
أو قال: ما صدعت قط.
فقال أبو الدرداء: (أخرجوه عني ليمت بخطاياه، ما أحبّ أنَّ لي بكل وصبٍ وُصِبْتُه حمر النعم، وإنَّ وَصَبَ المؤمن يكفر خطاياه)18.
وقال رضي الله عنه: (تعلموا العلم قبل أن يفتقر إليكم، فإن أعبد الناس رجل عالم، إن احتيج إليه نفع بعلمه، وإن استغني عنه نفع نفسه بالعلم الذي جعله الله عنده، فما مال علمائكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون؟ فلو أن العالم أراد أن يزداد علماً لازداد وما نقص العلم شيئاً، ولو أراد الجاهل أن يتعلم لوجد العلم)19.

وقال: (العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير فيما سواهما)20.

نظرة.. في النصوص أعلاه تعلمنا أسرار تصدر المعلمين الأكفاء فنلحظ:

- المسابقة في تحصيل العلم وتعليمه..
- مفارقة الأوطان ومناطق الراحة في سبيل نشر العلم..
- الابتكار في طرق التعليم لاستيعاب الأعداد بأبسط الوسائل..
- الأثر المبارك الناتج عن هذا السبق:

ومن ذلك ابن عامر قارئ أهل الشام أحد القراء السبعة..
والعدد الكبير من الطلاب الذين رووا عنه القراءة والتفسير ومنهم
زوجته أمّ الدرداء الصغرى، وخليد بن سعد السلاماني، وراشد بن سعد الحبراني، وخالد بن معدان، وعبد الله بن عامر اليحصبي على خلاف فيه، وفضالة بن عبيد، وأبو إدريس الخولاني، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن قيس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ومحمد بن المنكدر، ومرثد بن سمي الخولاني، وجبير بن نفير، ومعدان بن أبي طلحة، وعبادة بن نسي الكندي، وصالح بن نبهان مولى التوأمة بنت أمية بن خلف، وحميد بن عقبة، وعطاء بن يسار المدني، وأبو صالح السمان، وخليد بن عبد الله العصري، وعبد الرحمن بن مسعود الفزاري.
وغيرهم

أبو الدرداء القاضي رضي الله عنه:
في أوائل إمارة معاوية رضي الله عنه على الشام تولى أبو الدرداء قضاء دمشق بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عن سعيد بن عبد العزيز قال: (عمر أمّر أبا الدرداء على القضاء يعني بدمشق، وكان القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب) 21
وعن يحيى بن سعيد قال: استُعمل أبو الدرداء على القضاء؛ فأصبح يهنئونه فقال: (أتهنئوني بالقضاء، وقد جعلت على رأس مهواة منزلتها أبعد من عدن أبين؟!! ولو علم الناس ما في القضاء لأخذوه بالدول رغبة عنه وكراهية له، ولو يعلم الناس ما في الأذان لأخذوه بالدول رغبة فيه وحرصا عليه)22.


أبو الدرداء.. الزاهد الورع
لم تشغله الدنيا ولم يكن جمع متاعها أكبر همه، وتمثل سيرة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم في التخقق منها والاقبال على الآخرة
عن أم الدرداء أنَّ أبا الدرداء كان يجيء بعد ما يصبح فيقول: (أعندكم غداء؟) فإن لم يجد قال: (فأنا إذا صائم)23.

قال أبو الدرداء: (بُعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا تاجر؛ فأردت أن يجتمع مع العبادة فلم يجتمعا؛ فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة، والذي نفس أبي الدرداء في يده ما أحبّ أنَّ لي اليوم حانوتاً على باب المسجد لا تخطئني فيه صلاة، أربح فيه كلَّ يوم أربعين ديناراً أتصدق في سبيل الله!
قيل له: لم يا أبا الدرداء؟!! وما تكره من ذاك؟!!
قال: (شدة الحساب)24

عن أم الدرداء قالت: قلت لأبي الدرداء: ألا تبتغي لأضيافك ما يبتغي الرجال لأضيافهم؟
فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أمامكم عقبة كؤوداً، لا يجاوزها المثقلون؛ فأحبّ أن أتخفف لتلك العقبة)25

عن أمّ الدرداء، قالت: قال لي أبو الدرداء: لا تسألي الناس شيئاً.
قالت: فقلت: فإن احتجت؟
قال: (فإن احتجت فتتبعي الحصادين فانظري ما سقط منهم فاخبطيه ثم اطحنيه ثم كليه، ولا تسألي الناس شيئاً).
عن أم الدرداء، قالت: (لقد رأيت أبا الدرداء ينفخ النار تحت قدرنا هذه حتى تسيل دموع عينيه)26.

ولم يجعل همه رضا السلطان والتزلف له
عن أمُّ الدرداء أنَّ أبا الدرداء أتى باب معاوية، فاستأذن فلم يؤذن له، فرجع إلى جلسائه، ثم عاد فلم يؤذن له، فقال: (من يغش سُدّة السلطان يقم ويقعد، ومن يجد باباً مغلقاً يجد إلى جانبه باباً فيحاً رحباً، إن دعا أجيب، وإن سأل أعطي).27

وكان رضي الله عنه شديد الورع والتحرز من الحقوق
عن معاوية بن قرة قال: كان لأبي الدرداء جمل يقال له دمون، فكان إذا أعاره قال: هو يحمل كذا وكذا، فلا تحملوا عليه إلا كذا وكذا؛ فلما كان عند انقضاء هلاكه، قال: (دمّون! لا تخاصمني عند ربي، فإني كنت لا أحملك إلا طاقتك)28.

قلبه معلق بالجنة يعمل لأجلها في صحته وتتمثل له في مرضه
عن معاوية بن قرة أن أبا الدرداء اشتكى؛ فدخل عليه أصحابه فقالوا: ما تشتكي؟
قال: (أشتكي ذنوبي)، قالوا: فما تشتهي؟، قال:(أشتهي الجنة)، قالوا: ألا ندعو لك طبيبا؟
قال: (هو الذي أضجعني)29.


الأسرة المباركة
تزوّج أبو الدرداء امرأتين كنيتا أمَّ الدرداء:

أم الدرداء الأولى:
خيرة بنت أبي حدرد الأسلمية رضي الله عنها، وهي أم الدرداء الكبرى وهي صحابية روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وأنجب منها أبو الدرداء: ابنته الدرداء، وابنيه: بلالاً، ويزيد. وتوفيت رضي الله عنها في حياته.
ابنته الدرداء:
خطب يزيد بن معاوية ابنته الدرداء، فرده وزوجها لصفوان بن عبد الله
فسار ذلك في الناس أن يزيد خطب إلى أبي الدرداء فردَّه، وخطب إليه رجلٌ من ضعفاء المسلمين فأنكحه.
فقال أبو الدرداء: (إني نظرت للدرداء، ما ظنكم بالدرداء إذا قامت على رأسها الخصيان، ونظرت إلى بيوت يلتمع فيها بصرها؟! أين دينها منها يومئذ؟!) 30 .

بلال بن أبي الدرداء:
كان قاضياً على دمشق في زمن يزيد بن معاوية وبقي على القضاء حتى زمن عبد الملك بن مروان.
أم الدرداء الثانية:
هُجيمة بنت حييّ الوصابية رحمها الله، والأوصاب بطن من حمير، وهي أمّ الدرداء الصغرى ت 81 ه
، وكانت فقيهة عالمة زاهدة، ذات حسن وبهاء، وجلالةِ قَدْرٍ، وحُرْمةٍ وافرة.
روت عن زوجها أبي الدرداء فأكثرت عنه، وروت عن عائشة، وأبي هريرة رضي الله عنهم.
وروى عنها: جبير بن نفير، وأبو قلابة الجرمي، ولقمان بن عامر الوصابي، ورجاء بن حيوة، ومولاها خليد، وصالح بن زيتون، وميمون بن مهران، وغيرهم كثير.
كانت رحمها الله يتيمة في حَجر أبي الدرداء، تختلف معه في ثوبين تصلي في صفوف الرجال، وتجلس في حِلَق القرّاء تعلَّم القرآن حتى قال لها أبو الدرداء يوماً: (الحقي بصفوف النساء)31.
قال لهاأبو الدرداء يوما: (إذا غضبتِ أرضيتُك، وإذا غضبتُ فأرضيني؛ فإنك إنْ لم تفعلي ذلك؛ فما أسرع ما نفترق)32.
تزوّجها أبو الدرداء رضي الله عنه وهي صغيرة، وكانت شديدة المحبة له، ولما مات لم تتزوّج بعده.
لما حضرته الوفاة قالت له: إنك خطبتني إلى أبويَّ في الدنيا؛ فأنكحوك وإني أخطبك إلى نفسك في الآخرة.
قال: (فإن أردت ذلك؛ فكنتُ أنا الأول فلا تتزوجي بعدي)
فمات أبو الدرداء، وكان لها جمالٌ وحُسْن؛ فخطبها معاوية؛ فقالت: ((لا والله لا أتزوّج زوجاً في الدنيا حتى أتزوّج أبا الدرداء إن شاء الله في الجنة))، فقال لها معاوية (عليك بالصيام).
عمّرت رحمها الله حتى أدركت خلافة عبد الملك بن مروان.
وكانت رحمها الله فقيهة.. فكانوا يجتمعون في بيتها يقرأ عليهم خليد بن سعد وكان رجلاً قارئاً
وكانت حكيمة ناصحة ...قالت يوما لإسماعيل بن عبيد الله: يا إسماعيل كيف نام رجلٌ تحت وسادته عشرة آلاف؟
قال قلت لها: بل كيف ينام إن لم يكن تحت رأسه عشرة آلاف؟
فقالت: (سبحان الله! ما أراك إلا ستبلى بالدنيا) 33، فابتلي بالدنيا
وكانت تقية نقية... قيل لها يوما: إنه قد نالَ منك رجلٌ عند عبد الملك قالت: (إن نُؤبن بما فينا؛ فطال ما زُكِّينا بما ليس فينا)34.
وكانت لها حُرْمة وجلالة عجيبة.. وكان عبد الملك بن مروان كثيراً ما يجلس إلى أمّ الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق وهو خليفة؛ فجلس إليها مرّةً من المرار؛ فقالت له: يا أمير المؤمنين بلغني أنك شربت الطلاء بعد العبادة والنسك! قال: إي والله يا أمَّ الدرداء، والدماء قد شربتها) 35

أخوة الصدق
آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي36 ؛ فكان في تآخيهما بركة ونفع لهما وللمسلمين.
عن أم الدرداء، قالت: قدم علينا سلمان؛ فقال: أين أخي؟
قلت: في المسجد.
فأتاه؛ فلما رآه اعتنقه 37.

زار سلمان أبا الدرداء يوما، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟
قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا.
فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال: كل؟
قال: فإني صائم.
قال: ما أنا بآكل حتى تأكل.
قال: فأكل؛ فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم.
قال: نم، فنام.
ثم ذهب يقوم فقال: نم.
فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن، فصليا؛ فقال له سلمان: (إنَّ لربّك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه).
فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق سلمان).38

وقال مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي: أن هلمَّ إلى الأرض المقدسة؛ فكتب إليه سلمان: (إنَّ الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدّس الإنسان عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيبا تداوي؛ فإن كنت تبرئ فنعمّا لك. وإن كنت متطبباً؛ فاحذر أن تقتل إنساناً فتدخل النار)
فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما، وقال: (ارجعا إليَّ أعيدا عليَّ قصّتكما، متطبب والله) 39



قصة النهاية
مات أبو الدرداء رضي الله عنه بعد مرض أصابه في آخر حياته.
وبقي رضي الله عنه – حتى وهو في أشد ساعات المرض- ناصحا واعظا متفكرا رقيق القلب، كما كان في حياته
يظهر ذلك جليا في مرويات أصحابه عن هذه الساعة التي فقدنا فيها هذا الصحابي الجليل بجسده وبقي لنا الكثير من علمه ومروياته ومواعظه وسيرته العطرة وسيرة أهله وتلاميذه وعلومهم
عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: صحبت أبا الدرداء أتعلّم منه، فلما حضره الموت قال: آذنِ الناس بموتي، فآذنت الناس بموته، فجئت وقد ملئ الدار وما سواه.
قال: فقلت: قد آذنتُ الناس بموتك، وقد مُلئ الدار، وما سواه.
قال: أخرجوني فأخرجناه.
قال: أجلسوني.
قال: فأجلسناه.
قال: يا أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين يتمّهما أعطاه الله ما سأل معجلاً أو مؤخراً).
وأضاف رضي الله عنه واعظا مذكرا رغم المرض
يا أيها الناس! إياكم والالتفات؛ فإنّه لا صلاة لملتفت؛ فإن غُلبتم في التطوّع، فلا تُغلبنّ في الفريضة). 40
(حافظوا على هاتين الصلاتين - يعني صلاة العشاء، والصبح -، ألا اسمعوا وبلغوا من خلفكم: لو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على مرافقكم وركبكم) 41.
لاحظ..
كيف كان جل وصيته في الصلاة..

ومع هذه السيرة العطرة، ومع هذا الجهاد في شتى المجالات، والتصدر في كل مواطن الفضل، وهذه المكانة الرفيعة التي يعجز عن التطلع للوصول إليها أشد الناس جلدا
كان لا يأمن على قلبه من النفاق!

عن جُبير بن نفير قال: دخلت على أبي الدرداء منزله بحمص؛ فإذا هو قائم يصلي في مسجده؛ فلما جلس يتشهد جعل يتعوّذ بالله من النفاق؛ فلما انصرف قلت له: غفر الله لك يا أبا الدرداء! ما أنت والنفاق ما شأنك وشأن النفاق؟!!
فقال: (اللهم غُفْراً -ثلاثاً- لا يأمن البلاء من يأمن البلاء، والله إنَّ الرجل ليفتن عن ساعة واحدة فيقلب عن دينه)42.

وظل خائفا وجلا لم يغتر بعمله حتى وافته المنية رضي الله عنه وأرضاه
عن أم الدرداء أنه أغمي على أبي الدرداء، فأفاق فإذا بلال ابنه عنده، فقال: (قم فاخرج عني)، ثم قال: (من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ من يعمل لمثل ساعتي هذه؟ {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون} أتيتم).
ثم أغمي عليه، فلبث لبثاً ثم يفيق؛ فيقول مثل ذلك، فلم يزل يرددها حتى 43.

كان موته رضي الله عنه بعد موت ابن مسعود رضي الله عنهما، واختلف في سنة وفاته فقيل31 ، وقيل 32 ، وقيل 33قبل مقتل عثمان رضي الله عنه بسنتين، وقيل في آخر خلافته قبل أن يقتل بقليل، ودفن رضي الله عنه بمقبرة دمشق44

رءاه بعد موته.. عوف بن مالك الأشجعي في المنام: رأيت في المنام كأني أتيت مرجاً أخضر فيه قبة من أدم، حولها غنم ربّض تجتر وتبعر العجوة؛ فقلت: لمن هذه؟
فقيل لي: لعبد الرحمن بن عوف؛ فانتظرته حتى خرج من القبة.
قال: (يا عوف بن مالك! هذا ما أعطى الله سبحانه بالقرآن؛ فلو أشرفت على هذه الثنية لرأيت ما لا ترى عينك، ولسمعت ما لم تسمع أذنك، ولا يخطر على قلبك، أعده الله عزّ وجل لأبي الدرداء لأنه كان يدفع الدنيا بالراحتين والنحر) 45.



مات رضي الله عنه بعد أن حقق في العلم مرتبة عالية شهد له ببلوغها الصحابة والتابعين


عن يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا.
قال: أجلسوني، فقال: (إنَّ العلمَ والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما - يقول ثلاث مرات - فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهودياً، ثم أسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه عاشر عشرة في الجنة46) .

وكان عبد الله بن مسعود يقول: علماء الناس ثلاثة: واحد بالعراق، وآخر بالشام يعني أبا الدرداء يحتاج إلى الذي بالعراق يعني نفسه، والذي بالشام والعراق يحتاجان إلى الذي بالمدينة يعني عليَّ بن أبي طالب، ولا يحتاج إلى واحد منهما).47

وكان عبد الله بن عمرو يقول: حدثونا عن العاقِلَين. فيقال له: من العاقلان؟ فيقول: (معاذ بن جبل، وأبو الدرداء).48

قال مسروق: (شامَمْتُ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدت علمهم انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت.
ثم شاممت - يعني الستة - فوجدت علمهم انتهى إلى: علي، وعبد الله) 49


وقال عامر الشعبي: (انتهى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ستة نفر عمر وعلي وعبد الله وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري) 50

وعن القاسم بن عبد الرحمن قال: (كان أبو الدرداء من الذين أوتوا العلم).51

وعن سعيد بن عبد العزيز قال: (كان العلماء بعد معاذ بن جبل: عبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وسلمان، وعبد الله بن سلام)52.



حكيم أمتي عويمر

وبعد هذه الرحلة الماتعة في سيرة هذا العلم المبارك يحسن بنا- للفائدة- أن نقف على بعض آثاره العلمية سواء مما قاله ابتداء أو مما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : إنَّ أقدرَ الناس على كلمة حكمة أبو الدرداء) .

وقال يزيد بن معاوية:
(كان من العلماء الحكماء الذين يشفون الداء)

وما روي عنه من المواعظ والوصايا كثير جداً، حيث كان رضي الله عنه من العلماء الحكماء، والعبّاد الزهّاد، كثير التفكر والاعتبار، وكان ينطق بالحكمة، ويعظ المواعظ البليغة، ويوصي الوصايا الجليلة، وقد ترك لنا رضي الله عنه إرثا مباركا من الحكم والمواعظ والقصص يحسن تأمله والاتعاظ به ونشره..

وقد نال هذا الإرث عناية التابعين فحفظوه ورووه عنه ومنهم من كان يكتبه.
ومن ذلك:

ما قدمه كنصح خاص:
حيث كتب إلى مسلمة بن مخلد وهو أمير بمصر:

(أما بعد فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله، وإذا أحبه الله حبَّبَه إلى خلقه، وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، وإذا أبغضه الله بغَّضه إلى خلقه)53)
ورد على حبيب بن مسلمة لما قال له: أوصني.
فقال: (عليك بكتاب الله)، ثلاث مرات.
فلما ولى دعاه قال: (اعبد الله كأنك تراه، واعدد لنفسك قبرا، واحذر دعوة المظلوم) 54
وعن أبي الزاهرية، أنَّ رجلاً أتى أبا الدرداء بابنه، فقال: يا أبا الدرداء! إنَّ ابني هذا قد جمع القرآن.
فقال: (اللهم غفراً، إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع). 55
عن حكيم بن جابر قال: كان أبو الدرداء مضطجعاً بين أصحابه وثوبه على وجهه، إذ مرّ بهم قسٌّ فأعجبهم سِمَنُه؛ فقالوا: اللهمَّ العنه، ما أعظمه!! وما أسمنه!!
فكشف الثوب عن وجهه؛ فقال: (من ذا الذي لعنتم آنفا؟)
فقالوا: قِسّا مرَّ بنا.
فقال: (لا تلعنوا أحداً؛ فإنه لا ينبغي للعان أن يكون عند الله يوم القيامة صديقاً). 56

وقوله في النصح العام:

(تأملون وتجمعون؛ فلا ما تأملون تدركون، ولا ما تجمعون تأكلون) 57

"يا أهل دمشق! اسمعوا قولَ أخٍ لكم ناصح، ما لي أراكم تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، وتؤمّلون ما لا تدركون، إنَّ من كان من قبلكم جمعوا كثيراً، وبنوا شديداً، وأمّلوا بعيداً؛ فأصبح ما جمعوا بورا، وما أمّلوا غرورا، وأصبحت مساكنهم قبوراً" 58
"ألا إنَّ عاداً ملأت ما بين عدن وعمان خيلا وركابا؛ فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين؟" 59
"لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت ما أكلتم طعاماً على شهوة أبداً، ولا شربتم شراباً على شهوة أبداً، ولا دخلتم بيتاً تستظلون فيه أبداً، ولبرزتم إلى الصُّعُدات تلزمون صدوركم وتبكون على أنفسكم".
ثم قال: "لوددت أني شجرة أعضد في كل عام، وأؤكل" 60
"اعمل لله كأنك تراه، واعدد نفسك مع الموتى، وإياك ودعوات المظلوم فإنهنَّ يصعدن إلى الله عز وجل كأنهن شرارات نار" 61

"لا يزال نفس أحدكم شابة في حبّ الشيء ولو التقت ترقوتاه من الكبر، إلا الذين امتحن الله قلوبهم للآخرة، وقليل ما هم" 62

"إني لآمركم بالأمر، وما أفعله، ولكني أرجو فيه الأجر، وإنَّ أبغض الناس إليَّ أن أظلمه الذي لا يستعين عليَّ إلا بالله" 63

"عن أبي إدريس الخولاني قال: سمعت أبا الدرداء يحلف: -وايم الله- ما سمعته يحلف قبلها [/color] ما عمل آدمي عملاً خيراً من مشي إلى صلاة، ومن خلق جائز، ومن صلاح ذات البين" 64
"حبُّك الشيءَ يُعْمِي ويُصِمّ" 65
"من يتفقَّد يَفْقِد، ومن لا يُعِدَّ الصبر لفواجع الأمور يعجز " 66


وذكر رضي الله عنه الدنيا فقال: "إنها ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما كان لله عز وجل، أو ما ابتغي به وجهه تعالى" 67
"بئس العون على الدين قلب نَخيب، وبطن رغيب، ونعظ شديد) 68
"لولا ثلاث لصلح الناس، لولا هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب كل ذي رأى برأيه". 69
"الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما كان من ذكر الله، أو آوى إلى ذكر الله". 70
"إن الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخلون الجنة وهم يضحكون " 71
"لولا ثلاث صلح الناس: شحٌّ مطاع، وهوى متبّع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه". 72

(معاتبة الأخ أهون من فقده، ومن لك بأخيك كله، أعطِ أخاك وهب له، ولا تطع فيه كاشحا فيكون مثله، غداً يأتيه الموت فيكفيك قِبَله، كيف تبكيه في الممات وفي الحياة تركت وصله) 73
(لو أنَّ رجلاً هرب من رزقه كهربه من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت) 74
(من يتبع نفسه ما يرى في الناس يطول حزنه ولا يشفي غيظه) 75


وما كان يضمنه في خطبه
حيث قال وهو على المنبر:
"إني لخائف يوم ينادي مناد فيقول: يا عويمر! فأقول: لبيك رب لبيك، فيقول: أما علمت؟ فأقول: نعم، فيقال: كيف عملت فيما علمت؟
فتأتي كل آية في كتاب الله زاجرة وآمرة تسألني فريضتها، فتشهد عليَّ الآمرةُ بأني لم أفعل، وتشهد علي الزاجرة بأني لم أنته أو أترك؛ فأعوذ بالله من قلب لا يخشع، ومن عمل لا ينفع، ومن صوت لا يسمع، وأعوذ بالله من دعاء لا يجاب 76


ومما روي عنه في التفسير رضي الله عنه
عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في
قول الله تبارك وتعالى: {كل يوم هو في شأن}
قال: (من شأنه أن يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين)77وزاد في رواية
(ويجيب داعيا)
عن أمّ الدّرداء، عن أبي الدّرداء رضي الله عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
في قول الله عزّ وجلّ: {وكان تحته كنزٌ لهما}
قال: (ذهبٌ وفضّةٌ) 78
عن علي بن عبد الله الأزدي، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
قال الله عز وجل {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله}
(فأما الذين سبقوا بالخيرات فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته فهم الذين يقولون {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور}
إلى قوله: {لغوب}. 79


عن خليد العصري، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضمّن الله عزَّ وجلَّ خلقَه أربعاً: الصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، والغسل من الجنابة، وهنَّ السرائر التي قال الله عز وجل: {يوم تبلى السرائر}.) 80

عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي الدرداء رضي الله عنه
في قوله تعالى: {ختامه مسك}
قال: "هو شرابٌ أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم، لو أنَّ رجلاً من أهل الدنيا أدخل يده فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها" 81


ونختم بخير ختام بمختارات مما رواه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقد كان رضي الله عنه يعظم أمر رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتورع عن الإخلال بلفظ الحديث وعباراته، ويحرص على روايته كما سمعه
روى عنه جماعة من أصحابه أنه كان إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتبعه بمقولات يبرئ بها ذمته كقوله: "اللهم إن لا هكذا فكشكله"، أو " هذا، أو نحو هذا أو شكله"، أو "هذا، أو نحوه، أو شبهه، أو شكله" أو " هكذا أو شكله"

عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من أعطي حظه من الرفق، أعطي حظه من الخير، ومن منع حظه من الرفق، منع حظه من الخير). وفي زيادة: وقال: (ما أثقل شيء في ميزان المؤمن؟، قال: (خلق حسن، إن الله يبغض الفاحش البذيء). 82

عن أمّ الدرداء، عن أبي الدرداء أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن) 83

عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟)، فقيل: ومن يطيق ذلك؟
قال: اقرأ: (قل هو الله أحد)84

عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن أبي الدرداء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
(من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال) 85

عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، قال: قال أبو الدرداء أين مسكنك؟
قال: قلت: قرية دون حمص.
قال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من ثلاثة نفر في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان).
فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية. 86

عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة، والصيام، والصدقة؟)
قالوا: بلى.
قال: (إصلاح ذات البين)
قال: (وفساد ذات البين هي الحالقة). 87
عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إنَّ لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه).88
عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) 89

عبد الرحمن بن جبير بن نفير، وشريح بن عبيد الحضرميان، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عزَّ وجلَّ:
(إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري).90

تأملات وفوائد
1. الأعمار لا تقاس بالأيام والساعات وإنما ببركة ما تحتويه من أعمال صالحة.
2. الإنجازات العظيمة، والأعمال الكثيرة لا تحتاج للأوقات الطويلة وإنما هي البركة والتوفيق.
3. بركة الأهل والإخوان والأصحاب الصالحين وعظم دورهم تجاه ذويهم، فقد أسلم أبو الدرداء بسبب أخيه من أمه عبد الله بن رواحه، وتلقى الكثير من التوجيهات من أخيه سلمان، ووصل لنا علمه ببركة زوجته وأصحابه.
4. رقة القلب والرحمة والتفكر لا تنافي الجهاد في سبيل الله والقتال لأجل إعلاء كلمته
5. أهمية التوازن في حياة المسلم وتقديم الأولويات، ولنا في هذه السيرة العطرة خير مثال فقد رأينا كيف تفرغ رضي الله عنه لطلب العلم وحفظ كتاب الله مع مشاركته في الجهاد وتصدره فيه ثم ما بذله من جهود في تعليم ما تعلم والعمل به وفي ضمن ذلك كله كانت له أسرة صالحة يرعاها ويعطيها من وقته وجهده رضي الله عنه وأرضاه.
6. لا نستهين بأهمية تسخير الإمكانات والموارد في سبيل نشر العلم وتعليمه إلا أن الأهم من ذلك صلاح النية وبذل الجهد والبركة التي تطرح مع حضورهما.
7. أهمية ابتكار الوسائل وتجديد الطرق واستحداث الأفكار التي تخدم العلم وطلابه
8. مشروعية الحصر وقياس المخرجات لغرض المقارنة والتحسينات
9. الجهد المبذول في تحسين عمليات التعليم مع الإخلاص وصلاح القصد يثمر آثارا مباركة ممتدة مع توفيق الله
10. الاطلاع على سير الصالحين وحياتهم حياة للقلب ونور في الدرب
11. لا تزال هذه السير العطرة المشتملة على أعلى درجات القدوات بحاجة لخدمة في التحرير والنشر بشتى الوسائل وقصورنا في هذا الباب عظيم والله المستعان



-------------------------------------------------------
1. رواه البيهقي في دلائل النبوة.
2. الحافظ ابن عساكر: (شهد اليرموك، وكان قاص أهله، وحضر حصار دمشق، ثم سكن حمص ثم انتقله عمر بن الخطاب إلى دمشق وولي بها القضاء، وكانت داره بدمشق بباب البريد، وهو الذي يعرف اليوم بدار العزي)
3. عن محمد بن كعب القرظي قال: (جمع القرآن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل وعبادة بن صامت وأبيّ بن كعب وأبو أيوب وأبو الدرداء)
5. رواه الطبراني في مسند الشاميين، وهو مرسل.
6. رواه أبو زرعة الدمشقي.
7. رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في العقوبات.
8. رواه البخاري.
9. رواه أحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، وهناد بن السري في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
10. قال أبو عبيد: (وهو أقصى هجر باليمن... والصواب: ببرك بالكسر، والغماد بضم الغين)
11. رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
12. تتمة: فقال عمر: (ابدأوا بحمص؛ فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة، منهم من يلقن فإذا رأيتم ذلك فوجهوا إليه طائفة من الناس؛ فإذا رضيتم منهم فليقم بها واحد، وليخرج واحد إلى دمشق، والآخر إلى فلسطين)، وقدموا حمص فكانوا بها حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة، وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين فمات بها، وأما أبو الدرداء فلم يزل بدمشق حتى مات.
13. رواه ابن سعد في الطبقات وهذا سياقه وهو أتمّ، ورواه البخاري في التاريخ الصغير باختصار فيه وزاد>
14. ذكره علم الدين السخاوي في "جمال القراء"، والذهبي في معرفة القراء الكبار.
15. المرجع السابق
16. رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق، ورجاله ثقات.
17. رواه البخاري في صحيحه، وأحمد في المسند والزهد، وأبو داوود في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، وسالم هو ابن أبي الجعد الأشجعي.
18. رواه البيهقي في شعب الإيمان، وأبو الزيات لم أعرفه.
19. رواه البيهقي في شعب الإيمان.
20. رواه أحمد في الزهد.
21. رواه أبو زرعة الدمشقي، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
22. رواه ابن سعد، وابن عساكر.
23. رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، وعلقه البخاري في صحيحه.
24. رواه ابن عساكر.
25. رواه البيهقي في شعب الإيمان.
26. رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال.
27. رواه ابن المبارك
28. رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب في كتاب الورع، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
29. رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب "المحتضرين.
30. رواه أحمد في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، وأبو نعيم في الحلية
31. رواه البخاري في التاريخ الأوسط، وابن عساكر.
32. رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
33. رواه يعقوب بن سفيان
34. رواه ابن عساكر
35. رواه ابن عساكر
36. عن أنس، قال: (آخى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، آخى بين سلمان وأبي الدرداء، وآخى بين عوف بن مالك وبين صعب بن جثامة). رواه أبو يعلى الموصلي.
37. رواه أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار.
38. رواه البخاري، والترمذي، وأبو يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان.
39. رواه مالك في الموطأ، ويحيى بن سعيد لم يدرك أبا الدرداء.
40. رواه أحمد في المسند
41. رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في شعب الإيمان.
42. رواه البيهقي في شعب الإيمان واللفظ له
43. قبض رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، وابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين، والبيهقي في شعب الإيمان.
44. وقال أبو زرعة الدمشقي: (رأيت أهل العلم ببلدنا يذكرون: أن بمقبرة دمشق من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلال بن رباح مولى أبي بكر، وسهل بن الحنظلية، وأبو الدرداء).
45. رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب المنامات، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
46. رواه أحمد، والترمذي، وأبو زرعة الدمشقي، والنسائي في السنن الكبرى.
47. رواه ابن عساكر.
48رواه ابن سعد، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وابن عساكر.
49. رواه أبو زرعة الدمشقي.
50. رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.
51. رواه سعيد بن منصور في سننه، وأحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه.
52. رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق، والطبراني في المعجم الكبير، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
53. رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، ووكيع في الزهد، وأحمد في الزهد، وهناد بن السري في الزهد، وأبو داوود في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
54. رواه أبو داوود في الزهد.
55. رواه أبو عبيد في فضائل القرآن.
56. رواه ابن المبارك في الزهد، وهناد بن السري في الزهد، وابن أبي الدنيا في "ذم اللعانين"، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
57. رواه ابن عساكر.
58. رواه ابن عساكر.
59. رواه أبو داوود في الزهد.
وروى ابن أبي الدنيا نحوه في كتاب "قصر الأمل" من طريق عمار بن محمد الثوري، عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء.
ورواه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش بنحوه.
60. رواه أبو داوود في الزهد.
61. رواه البيهقي في شعب الإيمان.
62. رواه ابن المبارك في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
63. رواه ابن أبي شيبة في المصنف، وأبو داود في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
64. رواه ابن المبارك في الزهد.
65. رواه أحمد في المسند، وابن أبي شيبة في المصنف، وعبد بن حميد في مصنفه، وأبو داوود في سننه، والطبراني في المعجم الأوسط، وغيرهم.
66. رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه.
67. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الزهد.
68. رواه أبو بكر الخرائطي في اعتلال القلوب، ورواه سعيد بن منصور في سننه عن إسماعيل ولم يذكر أبا مسلم الخولاني، والقلب النخيب هو الضعيف الجبان، والنعظ شهوة الجماع.
69. رواه أبو داوود في الزهد.
70. رواه أبو داوود في الزهد.
71. رواه ابن أبي شيبة.
72. رواه أحمد في الزهد.
73. رواه ابن عساكر.، ورواه أبو داوود في الزهد من طريق إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي الدرداء.
قال أبو داود: (بلغني عن الأصمعي: "من لك بأخيك كله": يراد لا بدَّ أن يكون فيه نقص ما تستنكر، وقال أبو قلابة: "أعياني أن أجد منكم رجلا كاملاً)
74. رواه البيهقي في شعب الإيمان.
75. رواه أبو داوود في الزهد.
76. رواه أبو داود في الزهد.
77. رواه ابن أبي عاصم في السنة، وابن أبي حاتم في تفسيره، وابن حبان في صحيحه، وأبو الشيخ في العظمة، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في شعب الإيمان، وعلّقه البخاري في صحيحه.
زاد ابن ابي عاصم: ( ويجيب داعيا) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط من طريق نعيم بن حماد عن الوزير بن صبيح به.
78. رواه الترمذي في جامعه، والبزار في مسنده، والطبراني في الأوسط والصغير، والحاكم في المستدرك، ويزيد بن يوسف ضعيف الحديث، وقد تركه بعضهم.
79. رواه الإمام أحمد في مسنده، وفيه انقطاع، وله طرق أخرى.
80. رواه البيهقي في شعب الإيمان.
81. رواه البيهقي في البعث والنشور.
82. رواه أحمد، وابن أبي شيبة، ورواه أبو جعفر ابن البختري، وزاد: وقال: ما أثقل شيء في ميزان المؤمن؟ قال: (خلق حسن، إن الله يبغض الفاحش البذيء).
83. رواه أحمد في المسند، وابن أبي شيبة في المصنف، وأبو داوود في سننه.
84. رواه أحمد في المسند.
85. رواه أحمد، ومسلم، وأبو داوود.
86. رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي في السنن الكبرى، والبيهقي في شعب الإيمان، وفي ألفاظ بعضهم: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة)
87. رواه أحمد في المسند، والبخاري في الأدب المفرد، وأبو داوود في سننه، والترمذي في جامعه، وهناد بن السري في الزهد.
88. رواه أحمد في المسند، والطبراني في مسند الشاميين، والبيهقي في شعب الإيمان.
89. رواه أحمد في المسند، والبيهقي في شعب الإيمان.، ورواه أحمد أيضاً وغيره من طريق ليث بن أبي سليم عن شهرب بن حوشب، عن أم الدرداء به. وروى نحوه ابن أبي شيبة والبيهقي في السنن الكبرى من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم بن عتيبة، عن بلال بن أبي الدرداء، عن أبيه، مرفوعاً.، فالحديث حسن بمجموع هذه الطرق.
90. رواه الطبراني في مسند الشاميين، والبيهقي في شعب الإيمان، ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن بن جبير وشريح بن عبيد لم يدركا أبا الدرداء، وبقية يدلّس تدليس التسوية.

التقويم: أ+
أحسنتِ، بارك الله فيك ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مذاكرة, مجلس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir