دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > كتاب البيوع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 03:11 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب الربا والصرف

بَابُ الرِّبَا والصَّـرْفِ

عن عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ((الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا، إلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، والبُرُّ بِالبُرِّ رِبًا، إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ رِبًا، إلاَّ هَاءَ وَهَاءَ)).

وعن أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالَ: ((لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ)).
وفي لفظٍ: ((إِلاَّ يَدًا بِيَدٍ)).
وفي لفظٍ: ((إِلاَّ وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ)).


عن أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: جَاءَ بِلاَلٌ إلى النَّبِيِّ صلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ((مِن أَيْنَ هَذَا؟)) قَالَ بِلاَلٌ: كانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيءٌ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم عِنْدَ ذلِكَ: ((أَوَّهْ، أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا، لاَ تَفْعَلْ، ولَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أنْ تَشْتَرِيَ فَبِع التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ)).


عن أبِي المِنْهالِ قالَ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا عَن الصَّرْفِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنِّي، وَكِلاهُما يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بالْوَرِقِ دَيْنًا.

عن أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عَنِ الْفِضَّةِ بالْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا، وَنَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا، قَالَ: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فقالَ: يَدًا بِيَدٍ؟ فقالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ.


  #2  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 03:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الأول: تصحيح الرواية)

حديثُ أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ : (( لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ )) إلى آخِرِه وفي لفظِ (( إِلَّا وَزْناً بِوَزْنٍ )) .

ذكْرُ الوزنِ من أَفرادِ مسلِمٍ نَبَّهَ عليه عبدُ الحقِّ في ( جَمْعِه بينَ الصحيحين ) .


  #3  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُه : ((إلَّا هاء وهاء)) ممدودٌ مفتوحٌ ومعناه خُذْ
يُقالُ للرجُلِ وللمرأةِ : هائي .
قالَ الخطابيُّ : والعامَّةُ ترويهما ها وها مقصورَيْن .
قلت : هي لغةٌ حكاها السيرافيُّ وحَكَى فيه سبْعَ لغاتٍ .
قولُه : ((وَلَا تُشِفُّوا)).
هو بضمِّ التاءِ وكسْرِ الشينِ المُعجَمةِ وتشديدِ الفاءِ .
أي تُفَضِّلُوا والشِّفُّ بكسْرِ الشينِ الزيادةُ ويُطلَقُ أيضاً على النقصانِ فهو من الأضدادِ وسألَ ابنُ كَيسانَ ثَعلباً عن عَلامةِ الفرْقِ بينَهما فقالَ : نقولُ لهذا الدينارِ على هذا الدينارِ شِفٌّ أي زيادةٌ وهذا الدينارُ عن هذا الدينارِ شِفٌّ أي نُقصانٌ .
قولُه : أوهِ مكسورُ الهاءِ وربَّما قَلَبُوا الواوَ ألِفاً فقالوا: أاه من كذا .
وربَّما شدَّدُوا الواوَ وكسروها فقالوا : أوِّه وربما حذَفُوا الهاءَ فقالوا أو وبعضُهم يَفتَحُ الواوَ مع التشديدِ فيقولُ : أوَّه .
حكاه صاحبُ ( النهايةِ ) فحَصَلَ خَمْسُ لغاتٍ .


  #4  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 03:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بَابُ الرِّبَا وَالصَّرْفِ


الْحَدِيثُ الثَّامِنُ والستُّونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ عمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، والبُرُّ بِالبُرِّ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ)).

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (الوَرِق). بفتحِ الواوِ وكسرِ الراءِ هوَ الفِضَّةُ.
قَوْلُهُ: (هَاءَ وَهَاءَ). لغاتٌ أَشْهَرُهَا المَدُّ وفَتْحُ الهمزةِ فِيهِمَا، ومعناهُ التَّقَابُضُ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: تحريمُ بَيْعِ الذهبِ وعكسِهِ، إذا لم يَتَقَابَضَا في مجلسِ العقدِ، وَصِحَّتُهُ معَ التقابضِ.
الثَّانِيَةُ: تحريمُ بَيْعِ البُرِّ بالبُرِّ، والشعيرِ بالشعيرِ إذا لم يَتَقَابَضَا بمجلسِ العقدِ وصِحَّتُهُ معَ التقابضِ، ومجلسُ العقدِ هوَ مكانُ التَّبَايُعِ.


الْحَدِيثُ التَّاسِعُ والستُّونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقَ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ)).
وفي لفظٍ: ((إِلَّا يَدًا بِيَدٍ)).
وفي لفظٍ: ((إِلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ)).

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (لا تُشِفُّوا بَعْضَهَا على بعضٍ). بِضَمِّ التاءِ وكسرِ الشِّينِ وتشديدِ الفاءِ، أيْ: لا تُفَضِّلُوا بعضَهَا على بعضٍ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: النهيُ عنْ بيعِ الذهبِ بالذهبِ أو الفضَّةِ بالفضَّةِ، وفسادُ العقدِ إلَّا إذا تَمَاثَلَا بالوزنِ وَتَقَابَضَ المُتَعَاقِدَانِ بمجلسِ العقدِ.

الْحَدِيثُ السَّبْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: جَاءَ بِلَالٌ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مِنْ أَيْنَ هَذَا؟)) قَالَ بِلَالٌ: كانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيءٌ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ النَّبِيُّ عِنْدَ ذلِكَ: أَوْهِ، عَيْنُ الرِّبَا، عَيْنُ الرِّبَا، لَا تَفْعَلْ، ولَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أنْ تَشْتَرِيَ فَبِع التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ)).

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (بَرْنِيٍّ). نوعٌ منْ تمرِ المدينةِ الجَيِّدِ.
قَوْلُهُ: أَوْهِ أَوْهِ بِكَسْرِ الهاءِ: كلمةُ تَوَجُّعٍ أوْ تَفَجُّعٍ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: تحريمُ رِبَا الفضلِ في التَّمْرِ بأنْ يُبَاعَ بعضُهُ ببعضٍ مُتَفَاضِلًا.
الثَّانِيَةُ: اسْتُدِلَّ بالحديثِ على جَوَازِ بيعِ ما يُسَاوِي مَثَلًا مائةً حاضرةً بمائةٍ وعشرينَ مُؤَجَّلَةٍ، لا لِيَنْتَفِعَ بنفسِ السلعةِ بلْ لِيَبِيعَهَا وَيَنْتَفِعَ بِثَمَنِهَا، وهيَ (مسألةُ التَّرَزُّقِ).
الثَّالِثَةُ: إباحةُ التَّرَفُّهِ بالمَأْكَلِ والمَشْرَبِ وكلِّ الطَّيِّبَاتِ.


الْحَدِيثُ الْحَادِي والسَّبْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ أبِي المِنْهالِ قالَ: ((سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَن الصَّرْفِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنِّي، وَكِلاهُما يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بالْوَرِقِ دَيْنًا)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: النهيُ عنْ بيعِ الذهبِ بالفضَّةِ أو الفضَّةِ بالذهبِ وَهُمَا أوْ أَحَدُهُمَا غائبٌ عنْ مجلسِ العقدِ، وصِحَّتُه العقدُ معَ التقابضِ.


الْحَدِيثُ الثَّانِي والسَّبْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْفِضَّةِ بالْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا، وَنَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا، قَالَ: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فقالَ: يَدًا بِيَدٍ؟ فقالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: تحريمُ بَيْعِ الذهبِ بالذهبِ والفضَّةِ بالفضَّةِ مُتَفَاضِلَيْنِ، وَصِحَّتُهُ بشرطِ التَّمَاثُلِ والتَّقَابُضِ بمجلسِ العقدِ.
الثَّانِيَةُ: جوازُ بيعِ الذهبِ بالفضَّةِ وبالعكسِ، ولوْ تَفَاضَلَا؛ لكونِ كلٍّ مِنْهُمَا منْ جنسٍ، لكنْ بِشَرْطِ التَّقَابُضِ فِيهِمَا بمجلسِ العقدِ.


  #5  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 03:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بَابُ الرِّبَا والصَّرْفِ(75)

حُكْمُ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ والذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَبَالْعَكْسِ
الحَدِيثُ السَّبْعُونَ بعدَ الْمائَتَيْنِ
270- عن عُمَـرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِباً، إلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ رِباً، إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالبُرُّ بِالْبُرِّ رِباً، إلاَّ هَـاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِباً، إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ)).(76)

حُكْمُ رِبَا الْفَضْلِ في الإشْيَاءِ الْمُتَّحِدَةِ في الجِنْسِ
الحَدِيثُ الحَادِي والسَّبْعُونَ بعدَ الْمائَتَيْنِ
271- وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:((لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِباً بِنَاجِزٍ)).
وفي لفظٍ: ((إِلاَّ يَداً بِيَدٍ)).
وفي لفظٍ: ((إِلاَّ وَزْناً بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ)).(77)

حُكْمُ بَيْعِ الْعِيْنَةِ
الحَدِيثُ الثَّانِي والسَّبْعُونَ بعدَ الْمائَتَيْنِ
272- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ بِلاَلٌ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فقَالَ لهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((مِنْ أَيْنَ هَذَا؟)) قَالَ بِلاَلٌ: كانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيءٌ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِيَطْعَمَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذلِكَ: أَوَّهِ، عَيْنُ الرِّبَا، لاَ تَفْعَلْ، ولَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثمَّ اشْتَرِ بِهِ)).(78)

الحَدِيثُ الثَّالِثُ والسَّبْعُونَ بعدَ الْمائَتَيْنِ
273- عن أبي المِنْهالِ قَالَ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَن الصَّرْفِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنِّي، وَكِلاَهُمَا يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بالْوَرِقِ دَيْناً)).(79)

الحَدِيثُ الرَّابِعُ والسَّبْعُونَ بعدَ الْمائَتَيْنِ
274- عن أبي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْفِضَّةِ بالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا، وَنَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا، قَالَ: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَداً بِيَدٍ؟ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ.(80)




75- الرِّبَا في اللُّغَةِ: الزيادةُ، ومنهُ قولُهُ تَعَالَى: {فإِذَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } يعني: زادتْ [الحَجُّ: 5 ].
وفي الشَّرْعِ: الزِّيَادةُ في أشياءَ مخصوصةٍ. وهوَ محرمٌ بالكتابِ، والسُّنَّةِ، والإجماعِ، والقياسِ الصَّحِيحِ.

فَأَمَّا الكتابُ فمثلُ قولِهِ تَعَالَى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا } [البقرةِ: 257]

والسُّنَّةُ، في مثلِ الحديثِ، الذي لَعَنَ بهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [آكِلَ الرِّبَا ومُوكِلَهُ، وشَاهِدَهُ، وكَاتِبَهُ ] وهوَ مُتَّفَقٌ عليهِ.

وقد أَجْمَعَت الأُمَّةُ على تَحْرِيمِ الرِّبَا في الْجُمْلَةِ لِمَا اسْتَنَدَتْ عليهِ مِن النُّصُوصِ.

وتَحْرِيمُهُ مُقْتَضَى العدلِ والقياسِ؛ لأنَّ التَّعَامُلَ بهِ ظُلْمٌ أو ذريعةٌ إليهِ. والكونُ لا يقومُ إِلاَّ بالعدلِ، الذي أوجبهُ المَوْلَى على نَفْسِهِ، وألزمَ بهِ خَلْقَهُ، ومَضَارُّ الرَّبا ومفاسدُهُ لا تُحْصَى.
مِنْهَا: تَضَخُّمُ الْمَالِ بطريقٍ غيرِ مشروعةٍ؛ لأَنَّهُ تضخمٌ على حِسَابِ سَلْبِ مالِ الفَقِيرِ وضمِّهِ إلى كنوزِ الغنيِّ، وحسبُكَ بهذا داءً فَتَّاكاً في المجتمعاتِ، وسبباً في الخصوماتِ والعداواتِ، وهوَ أداةٌ هدَّامَةٌ للنشاطِ والعملِ الشَّرِيفِ، واستثمارِ الأرضِ، وإخراجِ طَيِّبَاتِهَا. وحدثَ لَدَيْنَا معاملاتٌ في البنوكِ، وصناديقِ البريدِ، تَجَاسَرُوا فيها على تَعَاطِي الرِّبَا، وسمَّوهُ بغيرِ اسْمِهِ.
وهذا مِصْدَاقٌ للحديثِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ: ((يَأْتِي على النَّاسِ زمانٌ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ, ويُسَمُّونَهَا بغيرِ اسْمِهَا )).
وبَسْطُ هذهِ ِ الْبُحُوثِ والرَّدِّ عَلَيْهَا، لهُ كتبٌ غيرُ هذَا.


أمَّا الصَّرْفُ: فَمَادَّتُهُ تدورُ على التَّقَلُّبِ والتَّغَيُّرِ في الأَشْيَاءِ:
قالَ في اللِّسَانِ: {الصَّرْفُ بيعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وبالعكسِ؛ لأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِهِ عَن جوهرٍ إِلَى جَوْهَرٍ } فهوَ بيعُ الأثمانِ بعضِهَا بِبَعْضٍ.


76- الغريبُ:
إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ: فِيهِمَا لغاتٌ، أَشْهَرُهَا الْمُدُّ وفتحُ الهمزةِ فيهمِا، ومعناهُ التَّقَابُضُ.


المَعْنَى الإِجْمَالِيُّ:
يُبَيِّنُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديثِ كيفيةَ البيعِ الصَّحِيحِ بينَ هذهِ ِ الأنواعِ، التي يجري فيهَا الرِّبَا، وهوَ أَنَّهُ مَنْ باعَ ذهباً بفضةٍ أو بالعكسِ، فلاَبُدَّ مِن الحلولِ والتَّقَابُضِ في مجلسِ العقدِ، و إِلاَّ لَمَا صَحَّ العقدُ؛ لأنَّ هذهِ ِ مُصَارَفَةٌ، يُشْتَرَطُ لدوامِ صِحَّتِهَا التَّقَابُضُ.

كمَا أنَّ مَن باعَ بُرّاً بِبُرٍّ، أو شعيراً بِشَعِيرٍ، فَلاَبُدَّ مِن التَّقَابُضِ بينهمَا، في مَجْلسِ العقدِ لِمَا بينَ هذهِ ِ الأنواعِ مِن علةِ الرِّبَا المفسدةِ للعقدِ، إذا حصلَ التَّفَرُّقُ قبلَ القبضِ.


مَا يُسْتَفَادُ مِن الحديثِ:
1- تحريمُ بيعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أو العكسِ، وفسادُهُ إذا لَمْ يَتَقَابَضِ المتبايعانِ قبلَ التَّفَرُّقِ مِن مَجْلِسِ العقدِ، وهذهِ ِهيَ المصارفَةُ.
2- تحريمُ بيعِ البُرِّ بالبُرِّ، أو الشَّعِيرِ بالشَّعِيرِ. وفَسَادُهُ، إذا لَمْ يَتَقَابَضِ الْمُتَبَايِعَانِ قبلَ التَّفَرُّقِ مِن مجلسِ العقدِ.
3- صِحَّةُ العقدِ إذا حصلَ القبضُ في المصارفةِ, أو بيعُ البُرِّ بالبرِّ، أو الشَّعيرِ بالشَّعيرِ في مجلسِ العَقْدِ.
4- يُرَادُ بمجلسِ العَقْدِ مَكَانُ التَّبَايُعِ، سَوَاءً أَكَانَا جَالِسَيْنِ، أَمْ مَاشِيَيْنِ، أَمْ رَاكِبَيْنِ، ويُرَادُ بالتَّفَرُّقِ مَا يُعَدُّ تَفَرُّقاً عُرْفاً، بينَ النَّاسِ


77- الْغَرِيبُ:
الْوَرِقُ: هوَ الْفِضَّةُ مَضْرُوبَةً أو غيرَ مضروبةٍ.
ولا تُشِفُّوا بَعْضَهَا على بَعْضٍ: بضمِّ أوَّلِهِ، وكسرِ الشِّينِ المعجمةِ، وتشديدِ الفاءِ، أيْ: لا تُفَضِّلُوا بعضَهَا على بعضٍ.
وهوَ رُبَاعيٌّ مِن ((أَشَفَّ)) و((الشِّفُّ)) بالكسرِ، الزِّيَادَةُ، ويُطْلَقُ على النَّقْصِ أيضاً، فهوَ مِن الأضْدَادِ.


المَعْنَى الإِجْمَالِيُّ:
في هذا الحديثِ الشَّرِيفِ يَنْهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرِّبَا بِنَوْعَيْهِ: الْفَضْلِ، والنَّسِيئَةِ.
فهوَ يَنْهَى عن بَيْعِ الذَّهَبِ بالذَّهَبِ، سواءً أَكَانَا مَضْرُوبَيْنِ أَمْ غيرَ مَضْرُوبَيْنِ، إِلاَّ إذا تَمَاثَلاَ وَزْناً بوزنٍ، وأَنْ يحصلَ التَّقَابُضُ فيهمَا، في مجلسِ العَقْدِ، إِذْ لاَ يجوزُ بيعُ أحدِهِمَا حَاضِراً، والآخرِ غَائِباً.
كَمَا نَهَى عن بيعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، سواءٌ أكانتْ مَضْرُوبَةً أَمْ غيرَ مَضْرُوبَةٍ، إِلاَّ أَنْ تكونَ مُتَمَاثِلَةً وزناً بوزنٍ، وأَنْ يَتَقَابَضَا بمجلسِ العَقْدِ.
فلا يجوزُ زيادةٌ أحَدِهِمَا عن الآخرِ، ولا التفرُّقُ قبلَ التَّقَابُضِ.


مَا يُسْتَفَادُ مِن الحديثِ:
1- النَّهْيُ عن بيعِ الذَّهَبِ بالذَّهَبِ، أو الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، سواءً أكانتْ مَضْرُوبَةً، أمْ غيرَ مَضْرُوبَةٍ، أمْ مُخْتَلِفَةً، مَا لَمْ تكنْ مُتَمَاثِلَةً بِمِعْيَارِهَا الشَّرْعِيِّ، وهوَ الوزنُ، ومَا لَمْ يَحْصُل التَّقَابُضُ مِن الطَّرَفَيْنِ، في مَجْلِسِ العَقْدِ.
2- النَّهْيُ عن ذَلِكَ يَقْتَضِي تَحْرَيمَهُ وفسادَ العَقْدِ.
3- التَّمَاثُلُ والتَّقَابُضُ بمجلسِ العَقْدِ، مشروطٌ بينَ جميعِ الأموالِ الرِّبَوِيَّةِ، ويأتِي بيانُ ما يَجْمَعُهَا إنْ شاءَ اللهُ.
4- قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ في رجلٍ يُدَايِنُ النَّاسَ، كلَّ مائةٍ بمائةٍ وأربعينَ، ويجعلُ سَلَفاً على حريرٍ: هذا هوَ عينُ الرِّبَا الذي أُنْزِلَ فيهِ القرآنُ، وذكرَ أَنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُمْ أو نَظِيرَهُ، أمَّا الزِّيَادَةُ فَلاَ يَسْتَحِقُّ شيئاً مِنْهَا. أمَّا ما قَبَضَهُ بِتَأوِيلٍ فَيُعْفَى عنهُ، وأَمَّا ما بَقِيَ في الذِّمَمِ فهوَ سَاقِطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا } [ البَقَرَةِ 278].


اختلافُ العلماءِ:
أجمعَ العلماءُ على تحريمِ التَّفَاضُلِ والنَّسَاءِ في جنسٍ واحدٍ مِن الأجناسِ، التي نَصَّ عليهَا حديثُ عُبَادَةَ بنِ الْصَّامِتِ قالَ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عن بَيْعِ الذَّهَبِ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، والْبُرِّ بِالْبُرِّ، والشَّعِيرِ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرِ بالتَّمْرِ، والْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْناً بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَو ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى )). رَوَاهُ مسلمٌ.
فهوَ نصٌّ في منعِ التَّفَاضُلِِ في الْجِنْسِ الواحدِ مِن هذهِ ِ الأعيانِ المَذْكُورَةِ.

وأَمَّا منعُ النَّسِيئَةِ، فَيُسْتَفَادُ مِن مثلِ حديثِ عمرَ بنِ الخَطَّابِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الذَّهَبُ بالذَّهَبِ رِباً، إِلاَّ هَاءَ هَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِباً، إِلاَّ هَاءَ هَاءَ، والتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِباً، إِلاَّ هَاءَ هَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِباً، إِلاَّ هَاءَ هَاءَ )).
وَيَجُوزُ بَيْعُ الْجِنْسِ الواحدِ مِن هذهِ ِ السِّتَّةِ باِلْجِنْسِ الآخَرِ نَسَاءً لِبَقِيَّةِ حديثِ عُبَادَةَ: ((فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأصنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ إذا كانَ يَداً بِيَدٍ )) وكلُّ هذا مُجْمَعٌ عليهِ عندَ الْعلماءِ، إِلاَّ في الشَّعِيرِ مع الْبُرِّ، فقدْ رَأَى بعضُهُمْ أَنَّهُمَا جنسٌ واحدٌ، والصَّحِيحُ أَنَّهُمَا جنسانِ.
وقد ذهَبَت الظَّاهريَّةُ إلى أنَّ الرِّبَا لا يَتَعَدَّى هذهِ ِ الأجناسَ السِّتَّةَ لِنَفْيِهِم القياسَ.
وأَمَّا جمهورُ العلماءِ فقد عَدَّوُا الحُكْمَ إلى غَيْرِهَا مِن الأشياءِ. واختلفُوا في الأشياءِ المُلْحَقَةِ تَبَعاً لاختلافِهِمْ في فَهْمِ العِلَّةِ المَانِعَةِ مِن التَّفَاضُلِ والنَّسَاءِ.
وقد اتَّفَقَ العلماءُ على أنَّ الْعِلَّةَ في الذَّهَبِ والْفِضَّةِ غيرُ الْعِلَّةِ في الأربعةِ الباقيةِ, وأنَّ لكلٍّ مِنْهُمَا عِلَّةً واحدةً. ثُمَّ اختلفُوا في الْعِلَّةِ.
فَالرِّوايةُ المشهورةُ عن الإِمَامِ أحمدَ، في الذَّهَبِ والْفِضَّةِ, كونُهُمَا مَوْزُونَيْ جِنْسٍ، وفي الأربعةِ البَاقِيَةِ، كونُهَا مَكِيلَةَ جِنْسٍ، فَيَلْحَقُ بِهِمَا مَا شَابَهَهُمَا فِي الْعِلَّةِ.
وبهذا القولِ قالَ النَّخَعِيُّ، والزُّهْرِيُّ، والثَّوْرِيُّ، وإِسْحَاقُ،والحنفيَّةُ. فَعَلَى هذا يجرِي الرِّبَا في كلِّ موزونٍ، أو مَكِيلِ بيعٍ بِجِنْسِهِ، سواءً أكانَ مَطْعُوماً، كالحُبُوبِ، والسُّكَّرِ، والأدهانِ. أمْ غيرَ مطعومٍ، كالحديدِ، والصُّفْرِ والنُّحَاسِ، والأُشْنَانِ ونحوِ ذَلِكَ. وغيرُ المكيلِ أو الموزونِ لا يجري فيهِ، وإنْ كانَ مطعوماً، كالفواكهِ المعدودةِ.
ويستدلونَ على ثبوتِِ هذا التَّعْلِيلِ عندَهُمْ، بِمَا رواهُ أحمدُ، عن ابنِ عمرَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لاَ تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ، وَلاَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ، وَلاَ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ )).
ومَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عن أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَا وُزِنَ مِثْلاً بِمِثْلٍ، نَوْعاً وَاحِداً. وَمَا كِيلَ، فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ، فَلاَ بَأسَ بِهِ )).فَاعْتَبَرَ، هُنَا، الْكَيْلَ، أَو الوزنَ في الْجِنْسِ الواحدِ، لتَحَقُّقِ الْعِلَّةِ.
وذهبَ الشَّافِعِيُّ إلى أنَّ الْعِلَّةَ الطَّعْمُ وَالْجِنْسُ، والْعِلَّةُ في الذَّهَبِ والْفِضَّةِ كَوْنُهُمَا ثَمَنَيْنَ للأشياءِ، فَيَخْتَصُّ الحُكْمُ بِهِمَا. والدَّلِيلُ على ذَلِكَ ما رواهُ مسلمٌ، عن مَعْمَرِ بنِ عبدِ اللهِ , أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((نَهَى عَن بيعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ، إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ )).
فقد علَّقَ الحُكْمَ باسمِ الطَّعَامِ، فدلَّ على الْعِلَّةِ واشْتِقَاقِهَا، ووافَقَ الإِمَامُ مالكٌ الشَّافِعِيَّ في النَّقْدَيْنِ، أَمَّا غيرُهُمَا، فالْعِلَّةُ عِنْدَهُ فيهِ تَرْجِعُ إلى الْجِنْسِ والادِّخَارِ، والاقْتِيَاتِ، وكذَلِكَ ما يُصْلِحُ الطَّعَامَ مِن التَّوَابِلِ. ويرونَ أنَّ الأصنافَ الأربعةَ المَذْكُورَةَ في الحديثِ جاءتْ للتَّنْبِيهِ على ما في مَعْنَاهَا، ويَجْمَعُهَا كُلَّهَا الاقتياتُ والادِّخارُ.
فالبُرُّ، والشَّعِيرُ، لأنواعِ الحُبُوبِ، والتَّمْرُ لأنواعِ الحلوياتِ، كالسُّكَّرِ والعسلِ، والمِلْحُ لأنواعِ التَّوَابِلِ.
وهناكَ روايةٌ أخرى عن الإِمَامِ أحمدَ هيَ مذهبُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ في القَدِيمِ، وقالَ بِهَا سعيدٌ بنُ الْمُسَيِّبِ. وهيَ أنَّ الْعِلَّةَ في الأربعةِ المذكورةِ في الحديثِ: الطَّعْمُ، والكَيْلُ أو الوزنُ فَلا يجرِي الرِّبَا في مطعومٍ لا يُكَالُ ولا يُوزَنُ، كالرُّمَّانِ والبَيْضِ، والبِطِّيخِ.
كَمَا لا يَجْرِي في مَكِيلٍ أو مَوْزُونٍ لا يُطْعَمُ. فلاَبُدَّ مِن اعتبارِ الأمرينِ؛ لأنَّ الكيلَ وحدَهُ، أو الوزنَ وحدَهُ، لا يَقْتَضِي وجوبَ الْمُمَاثَلَةِ، كَمَا أنَّ الطَّعْمَ وحدَهُ لاَ تَتَحَقَّقُ بهِ الْمُمَاثَلَةُ، لعدمِ المعيارِ الشَّرْعيِّ فيهِ، وإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ الْمُمَاثَلَةُ في المعيارِ الشَّرْعيِّ الذي هوَ الكيلُ والوزنُ.
وبهذا القولِ تجتمعُ الأحاديثُ الواردةُ في هذهِ ِ المسألةِ، ويُقَيَّدُ كلُّ حديثٍ مِنْهَا بالآخرِ.
وقد اختارَ هذا القولَ [صاحبُ الْمُغْنِي] والشارحُ
عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي عُمَرَ، وشيخُ الإسلامِ ((ابنُ تَيْمِيَّةَ )) رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى.


تَلْخِيصٌ:
قالَ في الْمُغْنِي: فالحاصلُ أَنَّ مَا اجتمعَ فيهِ الكيلُ والوزنُ والطَّعْمُ مِن جنسٍ واحدٍ، ففيهِ الرِّبَا، روايةً واحدةً كَالأرزِ، والدَّخَنِ والقُطْنِيَّاتِ، والدُّهْنِ. وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ وعلماءِ الأمصارِ في القديمِ والحديثِ. وما يُعْدَمُ فيهِ الكيلُ، والوزنُ والطَّعمُ، واختلفَ جِنْسُهُ، فَلاَ رِبَا فيهِ روايةً واحدةً. وهوَ قولُ أكثرِ العلماءِ، وذَلِكَ كالتِّينِ والنَّوَى. وما وُجِدَ فيهِ الطَّعْمُ وَحْدَهُ، أو الكيلُ والوزنُ مِن جنسٍ واحدٍ، ففيهِ روايتانِ.

واختلفَ أهلُ العلمِ فيهِ، والأَوْلَى - إنْ شاءَ اللهُ - حِلُّهُ، إِذْ ليسَ في تحريمِهِ دليلٌ موثوقٌ بهِ، ولا معنَى يقوِّي التمسكَ بهِ، وهيَ - مع ضَعْفِهَا - يُعَارِضُ بعضُهَا بعضاً. فوجبَ إخراجُهَا، أو الجمعُ بينهمَا، والرُّجُوعُ إلى أصلِ الحَلِّ، الذي يقتضيهِ الكتابُ، والسُّنَّةُ، والاعتبارُ.

78- الْغَرِيبُ:
بَرْنِيٍّ: مِنْ تَمْرِ المدينةِ الجَيِّدِ، وهوَ معروفٌ بهَا إلى الآنَ، بُسْرُهُ أَصْفَرُ، فيهِ طولٌ.
أَوَّهِ أوَّهِ: كلمةٌ يُؤْتَى بِهَا لِلتَّوَجُّعِ، أو التَّفَجُّعِ.

المَعْنَى الإِجْمَالِيُّ:
جاءَ بلالٌ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ جَيِّدٍ، فتعجبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن جَوْدَتِهِ، وقالَ: مِن أَيْنَ هَذَا؟ )).
قالَ بلالٌ: كانَ عندنَا تَمْرٌ، فَبِعْتُ الصَّاعَيْنِ مِن الرَّدِيءِ بِصَاعٍ مِن هذا الجَيِّدِ؛ ليكونَ مَطْعَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهُ.
فَعَظُمَ ذَلِكَ على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وتَأَوَّهَ؛ لأنَّ المعصيةَ عندهُ هي أعظمُ المصائبِ.
وقالَ ((عَمَلُكَ هَذَا، هُوَ عَيْنُ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ، فَلاَ تَفْعَلْ، ولَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ استبدالَ رَدِيءٍ، فَبِعِ الرَّدِيءَ بِدَارَهِمَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّرَاهِمِ تَمْراً جيداً. فَهَذِهِ طَرِيقٌ مُبَاحَةٌ تَعْمَلُهَا، لاجْتِنَابِ الْوُقُوعِ في المُحَرَّمِ )).


مَا يُسْتَفَادُ مِن الحديثِ:
1- تحريمُ رِبَا الْفَضْلِ بالتَّمْرِ، بِأَنْ يُبَاعَ بَعْضُهُ ببعضٍ، وأحدُهُمَا أكثرُ مِن الآخرِ.
2- استُدِلَّ بالحديثِ على جَوَازِ [مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ] وهيَ أَنْ يبيعَ سلعةً نسيئةً، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِن الْمُشْتَرِي بنقدٍ أقلَّ مِن ثَمَنِهَا الأوَّلِ، ويأتي الخِلاَفُ في ذَلِكَ وتحقيقُهُ إنْ شاءَ اللهُ تَعَالَى.
3- استُدِلَّ بالحديثِ على جوازِ [مَسْأَلَةِ التَّوَرُّقِ]،وهيَ أَنْ يَشْتَرِيَ ما يساوي مَائَةَ ريالٍ، بمائةٍ وعشرينَ مُؤَجَّلَةٍ، لا لينتفعَ بهِ، بل لِيَبِيعَهُ وينتفعَ بِثَمَنِهِ، ويأتِي تحقيقُ ذَلِكَ، إنْ شاءَ اللهُ تَعَالَى.
4- عِظَمُ المعصيةِ، وكيفَ بَلَغَتْ مِن نَفْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
5- لمْ يُذْكَرْ في الحديثِ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِرَدِّ البيعِ، والسُّكُوتُ عن الرَّدِّ، لا يَدُلُّ على عَدَمِهِ.
وقد وردَ في بعضِ الطُّرُقِ أَنَّهُ قالَ: [هَذَا الرِّبَا فَرُدَّهُ ] وقد قالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [البقرةِ: 279].
6- جوازُ التَّرَفُّهِ في الْمَأْكَلِ والْمَشْرَبِ، ما لمْ يَصِلْ إلى حدِّ التَّبْذِيرِ، والسَّرَفِ المَنْهِيِّ عنهُ، فقد قالَ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الإعْرَافِ: 32].
7- فيهِ بيانُ شيءٍ مِن أَدَبِ المُفْتِي، وهوَ أَنَّهُ إذا سُئِلَ عن مسألةٍ مُحَرَّمَةٍ، ونَهَى عنهَا المستفتِيَ، أَنْ يفتحَ أَمَامَهُ أبوابَ الطُّرقِ المُبَاحَةِ، التي تُغْنِيهِ عنهَا.

اختلافُ العلماءِ:
اختلفَ العلماءُ في حُكْمِ [مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ] التي تقدَّمَ شَرْحُهَا.
فذهبَ الأئمةُ الثَّلاثةُ، أبو حنيفةَ، ومالكٌ، وأحمدُ وأَتَبَاعُهُمْ إلى تحريمِها، وهوَ مَرْوِيٌّ عن ابنِ عَبَّاسٍ، وعائشةَ، والحسنِ، وابنِ سيرينَ، والشَّعْبِيِّ، والنَّخَعِيِّ، وهوَ مذهبُ الثَّوْرِيِّ، والأوزَاعِيِّ.
لِمَا رَوَى أحمدُ،وأبو داودَ، عن ابنِ عمرَ قالَ: سمعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُم الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ عَنْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إلى دِينِكُمْ )).وما رواهُ أحمدُ أيضاً [ أَنَّ أُمَّ ولدِ زيدِ بنِ أَرْقَمَ، أَخْبَرَت عَائِشَةَ أنَّهَا بَاعَتْ غُلاَماً مِن زَيْدٍ، بِثَمَانِمائَةٍِ إلى العطاءِ، ثُمَّ اشْتَرَتْهُ منهُ بستِّمائةِ درهمٍ، فقالتْ لها عائشةُ: بئسَ مَا شَرَيْتِ، وبئسَ ما اشْتَرَيْتِ، أَبْلِغِي زيدَ بنَ أرقمَ أَنَّهُ قد بَطَلَ جهادُهُ معَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ ].
والظَّاهرُ أنَّهَا لا تقولُ مِثلَ هذا باجتهادٍ مِنْهَا؛ لأنَّ هذا التَّغليظَ لا يكونُ إِلاَّ بتوقيفٍ مِن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأجازَ الشَّافِعِيُّ بيعَ الْعِينَةِ،أخذاً بِعُمُومِ ما رواهُ الْبُخَارِيُّ ومسلمٌ، عن أبي سعيدٍ، وأبي هُرَيْرَةَ, [ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعملَ رجلاً على خَيْبَرَ، فَجَاءَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ [طَيِّبٍ]، فقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هكذا؟
فقالَ: لاَ واللهِ، إنَّا لَنأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بالصَّاعَيْنِ، والصَّاعَيْنِ بالثَّلاثَةِ ].
فقالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((لا تَفْعَلْ، بِعِ الجَمْعَ [ التَّمْرَ الرَّدِيءَ] بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابتعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيباً)).
فعمومُ هذا الحديثِ يدلُّ على أَنَّهُ لاَ بأسَ أَنْ يكونَ الذي اشترَى منهُ التَّمْرَ الرَّدِيءَ بدراهِمِهِ، هوَ الذي باعَ عليهِ التَّمْرَ الطَّيِّبَ فَعَادَتْ دَرَاهِمُهُ إليهِ؛ لأَنَّهُ لمْ يَفْعَلْ.
وعندَ الُأُصُولِيِّينَ [أَنَّ تَرْكَ الاستفصالِ في مَقَامِ الاحتمالِ يُنَزَّلُ منزلةَ العمومِ في المقالِ ].
أمَّا [مَسْأَلَةُ التَّوَرُّقِ] التي مَعْنَاهَا، أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ نَسيئةً لغيرِ قَصْدِ الانتفاعِ بِهَا، وإِنَّمَا لِيَبِيعَهَا بِثَمَنِهَا،فالمشهورُ عندَ أصحابِنَا جَوَازُهَا.
وكانَ شَيْخُنَا ((عبدُ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ)) يُجِيزُهَا، ويرَى عُمَومَ هذا الحديثِ يَتَنَاوَلُهَا بِالْحِلِّ.
وقالَ في أحدِ كُتُبِهِ: {لأنَّ المُشْتَرِيَ لمْ يَبِعْهَا على البائعِ عليهِ، وعمومُ النُّصُوصِ تَدُلُّ على جوازِهَا، وكذَلِكَ المعنى لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ بينَ أَنْ يشترِيَهَا ليستعملَهَا في أكلٍ أو شُرْبٍ، أو استعمالٍ، أو يَشْتَرِيَهَا لينتفعَ بِثَمَنِهَا، وليسَ فيهَا تحَيُّلٌ على الرِّبَا بوجهٍ مِن الوجوهِ، مِن دعاءِ الحاجةِ إليهَا، وما دعتْ إليهَا الحاجةُ، وليسَ فيهِ محذورٌ شَرْعِيٌّ، لمْ يُحَرِّمْهُ الشَّارِعِ على العِبَادِ }.
والرِّوايةُ الثَّانيةُ عن الإِمَامِ أحمدَ التَّحْرِيمُ، ِواخْتَارَهَا شيخُ الإسلامِ ((ابنُ تَيْمِيَّةَ)).
وقالَ ابنُ الْقَيِّمِ: ((وكانَ شَيْخُنَا ـ ابنُ تَيْمِيَّةَ ـ رَحِمَهُ اللهُ يمنعُ مِن مسألةِ التَّوَرُّقِ، وسُئِلَ عنها مراراً، وأنا حاضرٌ، فلمْ يُرَخِّصْ فيها.
وقالَ: المعنى الذي لأجلِهِ حُرِّمَ الرِّبَا موجودٌ فيها بعينِهِ، معَ زيادةِ الكُلْفَةِ بالشِّرَاءِ والبيعِ والْخَسَارَةِ فيهَا }.

والمَانِعُونَ مِن {الْعِينَةِ} جَعَلُوهَا مِن بابِ الذَّرَائِعِ الْمُحَرَّمَةِ، وجعلُوا الحديثَ مِن بابِ الْمُطْلَقِ الذي يُقَيَّدُ بِصُورِ البيعِ الصَّحِيحِ، وليسَ مِن بابِ العامِّ، الذي يَشْمَلُ كلَّ صورةٍ للبيعِ، حَتَّى ولوْ كانتْ مع البائعِ.

وهكذا إطلاقاتُ الشَّارِعِ تَدُلُّ على ما أَذِنَ فيهِ وأباحَ.
فَإِنَّ قولَهُ: {بِعِ الجَمْعَ} مُطْلَقٌ، يقُيَّدُ بِالعقودِ الصَّحِيحةِ، وليسَ بعامٍّ ليدخلَ فيهِ الصُّورةُ التي تُعْقَدُ مع مشترِي {الجَمْعِ} في هذا الحديثِ.
وبهذا تَبَيَّنَ فسادُ قولِ الذينَ يحاولونَ الاستدلالَ على وجودِ الحيلِ في الشَّرْعِ؛ فإنَّ الشَّارِعَ لَمَّا نَهَاهُ عن معاملةٍ محرَّمَةٍ، فتحَ أمامَهُ البابَ إلى معاملةٍ غيرِهَا مُبَاحةٍ، لا عَلاقةَ بينهما بوجهٍ مِن الوجوهِ.
ومَن أرادَ بسطَ هذا، فعليهِ بـ ((إِعْلاَمِ الْمُوَقِّعِينَ)) لابنِ الْقَيِّمِ، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.

79- المَعْنَى الإِجْمَالِيُّ:
سألَ أبو الْمِنْهَالِ، الْبَرَاءَ بنَ عازبٍ، وزيدَ بنَ أرقمَ، عن حُكْمِ الصَّرْفِ، الذي هوَ بيعُ الأثمانِ بعضِهَا ببعضٍ.
فَمِنْ وَرِعِهِمَا رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، أَخَذَا يَتَدَافَعَانِ الفتوَى، ويحتقرُ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا نفسَهُ بجانبِ صاحبِهِ.
ولكنَّهُمَا اتَّفَقَا على حِفْظِهِمَا: أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ دَيْناً؛ لاجتماعِهِمَا في عِلَّةِ الرِّبَا، فحينئذٍ لاَبُدَّ فيهمَا مِن التَّقَابُضِ في مجلسِ العَقْدِ؛ و إِلاَّ لَمَا صَحَّ الصَّرْفُ، وصارَ رِباً بالنَّسِيئَةِ.

مَا يُسْتَفَادُ مِن الحديثِ:
1- النَّهْيُ عن بيعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ، أو الْفِضَّةِ بالذَّهَبِ، وهُمَا أو أَحَدُهُمَا غائبٌ، فَلاَبُدَّ مِن التَّقَابُضِ في مجلسِ العَقْدِ.
2- صِحَّةُ البيعِ مع التَّقَابُضِ في مجلسِ العَقْدِ؛ لأَنَّهُ صَرْفٌ 0
3- الْمُفْسِدُ للعقدِ إذا لَمْ يحصلْ تقابضٌ في المجلسِ، هوَ مَا اجتمعَ فيهِ النَّقْدَانِ،مِن عِلَّةِ الرِّبَا.
4- ما كانَ عليهِ السَّلَفُ رَضِيَ اللهُ عنهمْ مِن الورعِ، وتفضيلِ بعضِهمْ بعضاً.


80- المَعْنَى الإِجْمَالِيُّ:
لَمَّا كانَ بيعُ الذَّهَبِ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، مُتَفَاضِلاً رِباً، نَهَى عنهُ مَا لمْ يكونَا مُتَسَاوِيَيْنِ، وزناً بوزنٍ.
أمَّا بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ،أو الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ، ولَوْ كَانَا مُتَفَاضِلَيْنِ.
على أَنَّهُ لاَبُدَّ في صِحَّةِ ذَلِكَ مِن التَّقَابُضِ في مجلسِ العَقْدِ، و إِلاَّ كانَ رِبَا النَّسِيئَةِ المحرَّمِ؛ لأَنَّهُ لمَّا اختلفَ الجنسُ جازَ التَّفَاضُلُ، وبقيَ شرطُ التَّقَابُضِ، لعِلَّةِ الرِّبَا الجامعةِ بينَهُمَا.

مَا يُسْتَفَادُ مِن الحديثِ:
1- تحريمُ بيعِ الذَّهَبِ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، مُتَفَاضِلَيْنِ، لاجتماعِ الثَّمَنِ ِوالمُثَمَّنِ، في جنسٍ واحدٍ مِن الأجناسِ الرِّبَوِيَّةِ.
2- إباحةُ بيعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، والْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، بشرطَيْنَ:
الأوَّلُ: التَّمَاثُلُ بينهُمَا، فلا يزيدُ أحدُهُمَا على الآخرِ.
والثَّاني: التَّقَابُضُ في مجلسِ العَقدِ بينهُمَا.
وما يُقَالُ في الذَّهَبِ والْفِضَّةِ، يقالُ في جنسٍ واحدٍ مِن الأجناسِ الرِّبَوِيَّةِ، حينمَا يباعُ بعضُهُ ببعضٍ، كالبُرِّ بِالشَّعِيرِ.
3- جوازُ بيعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ، أو الْفِضَّةِ بالذَّهَبِ مُتَفَاضِلَيْنِ، لكونِ كلِّ واحدٍ مِنْهُمَا مِن جنسٍ غيرِ جنسِ الآخرِ.
وكذا يقالُ في كلِّ جنسٍ بِيعَ بغيرِ جنسِهِ مِن الأجناسِ الرِّبَوِيَّةِ، فَلاَ بأسَ مِن التَّفَاضُلِ بينهُمَا.
4- لاَ بُدَّ في بيعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ،أو الْفِضَّةِ بالذَّهَبِ، مِن التَّقَابُضِ بينهما في مجلسِ العَقْدِ.
فإنْ تفرَّقَا قبلَ القبضِ، بَطَلَ العَقْدُ، لاجتماعِهِمَا في الْعِلَّةِ الرِّبَوِيَّةِ.
وكذا كلُّ جنسينِ اتَّفَقَا في الْعِلَّةِ الرِّبَوِيَّةِ، وهيَ الكيْلُ، أو الوزنُ مع الطَّعْمِ، فلاَبُدَّ مِن التَّقَابُضِ بينهُمَا في مجلسِ العَقْدِ.
اختلافُ العلماءِ في {الإوْرَاقِ البَنْكِيَّةِ}:
في هذهِ ِ الأزمانِ الأخيرةِ، أخذَ النَّاسُ يَتَعَامَلُونَ بدلَ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ بالأوراقِ البنكيَّةِ {الإنْوَاطِ}.
فجعلُوا لكلِّ نقدٍ {فِئَةً} تقابلُهَا، تحملُ اسمَهَا وقيمتَهَا.
فَلِلْجُنَيْهِ فئةٌ، وللدِّينَارِ فئةٌ، وللرِّيَالِ فئةٌ، وللرُّوبِيَّةِ فئةٌ.
فاختلفَ النَّاسُ في حكمِهَا، وإليكَ الإشارةُ إلى أقوالِهِمْ، بطريقِ الإيجازِ والاختصارِ.

فَمِنْهُمْ: مَن يَرَى أنَّهَا مِن بيعِ السَّنَدَاتِ والدُّيُونِ والصُّكُوكِ، فَحَرَّمَ الْمُعَامَلاَتِ بهَا إطلاقاً.
و مِنْهُمْ: مَن يَرَى أنَّهَا عُرُوضٌ مِن عُرُوضِ التِّجَارةِ، فَلاَ يجرِي فيها الرِّبَا بِنَوْعَيْهِ.

وهذا القولُ بِتَسَاهُلِهِ مقابلٌ للقولِ الذي قبلَهُ بشدَّتِهِ 0
الثَّاني: يرَى جوازَ بيعِ بعضِهَا ببعضٍ، وبيعِهَا بأحدِ النَّقْدَيْنِ مُتَفَاضِلَةً ونسيئةً، وأَنَّهُ لاَ مانعَ مِن ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ لا يَجْرِي فيها الرِّبَا.
وهذانِ القولانِ في غايةِ الضَّعْفِ.
فأَمَّا الأوَّلُ: ففيهِ تشديدٌ، وحرجٌ وضيقٌ، وطَبْعُ دينِنَا السَّمَاحُ،واليُسْرُ، خُصُوصاً في الْعَادَاتِ والْمُعَامَلاَتِ.
والثَّانِي: فيهِ فتحٌ لبابِ شرٍّ كبيرٍ، وهوَ الرِّبَا بأنواعِهِ، معَ أَنَّهُ لا يَسْتَنِدُ إلى شيءٍ مِن تعليلٍ صحيحٍ.

و مِنْهُمْ: مَن يَرى أنَّ حُكْمَهَا، حكمُ النَّقْدَيْنِ، يجرِي فيهَا مَا يجرِي فيهمَا مِن الأحكامِ.
وهذا لهُ وجهٌ مِن الصحَّةِ،لقوَّةِ مأخذِهِ، ويَسْتَدِلُّونَ على ذَلِكَ بأنَّ البدلَ لهُ حكمُ المُبْدَلِ في كلِّ شيءٍ.

وأحسنُ الأقوالِ في ذَلِكَ وأَعْدَلُهَا وأَقْرَبُهَا للصَّوَابِ، هوَ أَنْ نجعلَ حكمَهَا حكمَ الفُلُوسِ.
فَنُجْرِي فيهَا رِبَا النَّسِيئَةِ، ولاَ نجرِي عليهَا رِبَا الْفَضْلِ.
فيجوزُ بيعُ بعضِهَا ببعضٍ، أو بأحدِ النَّقْدَيْنِ مُتَفَاضِلَةً، والمفاضلةُ هُنَا فيمَا تمثِّلُ مِن القِيمَةِ النَّقْدِيَّةِ، أمَّا المفاضلةُ في ذاتِهَا فأمرٌ لا يُتَصَوَّرُ، ولا يجوزُ ذَلِكَ نسيئةً.
وهذا قولٌ وَسَطٌ في الْمَوْضُوعِ، وفيهِ تَوْسِعَةٌ على النَّاسِ، الذين اضْطُرُّوا إلى التَّعَامُلِ بِهَا، كَمَا أنَّ فيهِ أيضاً سَدَّاً لبابِ رِبَا النَّسِيئَةِ، الذي هوَ أعظمُ أنواعِ الرِّبَا.

وبسطُ الموضوعِ يحتاجُ إلى بحثٍ مستقلٍّ؛ لأَنَّهُ حصلَ بِهَا مجادلاتٌ طويلةٌ.


ولشيخِنَا ((عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ ناصرٍ آلِ سَعْدِيٍّ ))رسالةٌ في هذا البحثِ، نُشِرَتْ في الصُّحُفِ،ونُشرتْ أيضاً وحدَهَا برسالةٍ مستقلةٍ، وهوَ يرجِّحُ القولَ الأخيرَ.


  #6  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 03:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

بابُ الرِّبا والصرفِ


276 - الحديثُ الأَوَّلُ: عن عمرَ بنِ الخطابِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الذَّهَبُ بالْوَرِقِ رِبًا، إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، والبُرُّ بالبُرِّ رِبًا، إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ رِبًا، إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ)).

الحديثُ يُدْخِلُ عَلَى وجوبِ الحلولِ، وتحريمِ النَّساءِ فِي بيعِ الذهبِ بالورِقِ، والبُرِّ بالبُرِّ، والشعيرِ بالشعيرِ، إِلاَّ هاءَ وهاءَ، واللفظةُ موضوعةٌ للتقابُضِ، وَهِيَ ممدودةٌ مفتوحةٌ، وَقَدْ أنشدَ بعضُ أهلِ اللغةِ فِي ذَلِكَ:
لما رأَتْ فِي قامتي انحناءَ = والمشيَ بعدَ قَعَسٍ أجْناءَ
أجْلَت وَكَانَ حبُّها إجلاءَ = وجعَلَت نصفَ غَبوقي ماءَ
تَمْزُجُ لي من بُغضِها السقاءَ = ثُمَّ تقولُ من بعِيدٍ هاءَ
دحرجةً إن شئتَ أَوْ إلقاءَ = ثُمَّ تَمَنَّى أن يكونَ داءَ
لاَ يجعلُ اللهُ لَهُ شفاءَ =

ثُمَّ اخْتَلَفَ العلماءُ بعدَ ذَلِكَ، فَالشَّافعيُّ يعتبرُ الحلولَ والتقابُضَ فِي المجلسِ، فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ لم يُعْتَبَرْ غيرُه، وَلاَ يَضُرُّ عندَه طولُ المجلسِ إِذَا وقعَ العقدُ حالاً،
وشدَّدَ مَالكٌ أكثرَ من هَذَا، ولم يُسَامِحْ بالطولِ فِي المجلسِ، وإن وقعَ القبضُ فِيهِ، وَهُوَ أقربُ إِلَى حقيقةِ اللفظِ فِيْهِ، والأَوَّلُ أدخلُ فِي المجازِ، وَهَذَا الشرطُ لاَ يختصُّ باتحادِ الجنسِ، بل إِذَا جمعَ المَبِيعَيْنِ علّةٌ واحدةٌ - كالنقديةِ فِي الذهبِ والفضةِ، والطُّعْمِ فِي الأشياءِ الأربعةِ، أَوْ غيرِه مِمَّا قيلَ بِهِ - اقْتَضَى ذَلِكَ تحريمَ النَّساءِ، وَقَدْ اشتملَ الحديثُ عَلَى الأمرينِ معًا، حَيْثُ مَنَعَ ذَلِكَ بَيْنَ الذهبِ بالوَرِقِ، وَبَيْنَ البُرِّ بالبُرِّ والشعيرِ بالشعيرِ، فإنَّ هذينِ فِي الجنسِ الواحدِ، والأَوَّلُ فِي جنسينِ جَمَعَتْهُمَا علَّةٌ واحدةٌ.


277 - الحديثُ الثَّانِي: عن أَبِي سعيدٍ الخدريِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ، إِلاَّ مِثْلاً بِمْثلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بالْوَرِقِ، إِلاَّ مِثْلاً بِمْثلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ))، وَفِي لفظٍ: ((إِلاَّ يَدًا بِيَدٍ)).
وَفِي لفظٍ: ((إِلاَّ وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمْثلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ)).

فِي الحديثِ أمرانِ: أحدُهما: تحريمُ التفاضلِ فِي الأموالِ الربويَّةِ عند اتحادِ الجنسِ، ونصفِه فِي الذهبِ بالذهبِ من قولِه: ((إِلاَّ مثلاً بمثلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بعضَها عَلَى بعضٍ)).
الثَّانِي: تحريمُ النَّساءِ من قولِه: ((وَلاَ تبيعُوا مِنْهَا غائبًا بناجزٍ))، وبقيةُ الأموالِ الربويةِ مَا كَانَ مِنْهَا منصوصًا عَلَيْهِ فِي غيرِ هَذَا الحديثِ، أُخِذَ فِيهِ بالنصِّ وَمَا لاَ قَاسَهُ القائسونَ.

وقولُه: ((إِلاَّ يدًا بيدٍ))، فِي الروايةِ الأخرى، يقتضي مَنْعَ النَّساءِ.
وقولُه: ((وزنًا بوزنٍ))، يقتضي اعتبارَ التساوي، وَيُوجِبُ أن يكونَ التساوي فِي هَذَا بالوزنِ لاَ بالكيلِ، والفقهاءُ قرَّرُوا أَنَّهُ يَجِبُ التماثلُ بمعيارِ الشرعِ، فَمَا كَانَ موزونًا فبالوزنِ، وَمَا كَانَ مكيلاً فبالكيلِ.


278 - الحديثُ الثالثُ: عن أَبِي سعيدٍ الخدريِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: ((جَاءَ بِلالٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَ بِلالٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمرٌ رَدِيءٌ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِيَطْعَمَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: أَوَّهْ، أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا، عَيْنُ الرِّبَا، لاَ تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِع التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ)).

هُوَ نصٌّ فِي تحريمِ ربا الفضلِ فِي التمرِ، وجمهورُ الأمَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ ابنُ عبّاسٍ يُخَالِفُ ربا الفضلِ، وكُلِّمَ فِي ذَلِكَ، فقيلَ: إِنَّهُ رجعَ عَنْهُ، وأخذَ قومٌ مِن الحديثِ تجويزَ الذرائعِ، مِن حَيْثُ قولُه: ((بِع التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ))، فَإِنَّهُ أجازَ بيعَه، والشراءَ عَلَى الإِطلاقِ، ولم يُفَصِّلْ بَيْنَ أن يبيعَه مِمَّنْ باعَه، أَوْ مِن غيرِه، وَلاَ بَيْنَ أن يَقْصِدَ التوصُّلَ إِلَى شراءِ الأكثرِ أَوْ لا.

والمانعُون مِن الذرائعِ يُجيبُون بأنَّه مُطْلَقٌ لاَ عامٌّ، فَيُحْمَلُ عَلَى بيعِه من غيرِ البائعِ، أَوْ عَلَى غيرِ الصورةِ التي يمنعُونها؛ فإنَّ المُطْلَقَ يُكْتَفَى فِي العملِ بِهِ بصورةٍ واحدةٍ، وَفِي هَذَا الجوابِ نظرٌ؛ لأنَّا نُفَرِّقُّ بَيْنَ العملِ بالمُطْلَقِ فعلاً، كَمَا إِذَا قَالَ لامرأتِه: إِذَا دخلَتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ، فَإِنَّهُ يصدُقُ بالدخولِ مرَّةً واحدةً، وَبَيْنَ العملِ بالمُطْلَقِ، حملاً عَلَى المُقَيَّدِ، فَإِنَّهُ يُخْرِجُ اللفظَ مِن الإِطلاقِ إِلَى التقييدِ.
وَفِيهِ دليلٌ عَلَى أن التفاضلَ فِي الصفاتِ لاَ اعتبارَ بِهِ فِي تجويزِ الزيادةِ.

قولُه: ((بِبَيْعٍ آخَرَ)) يَحْتَمِلُ أن يُرِيدَ بِهِ بِمَبِيعٍ آخرَ، وَيُرَادُ بِهِ التمرُ، ويَحْتَمِلُ أن يُرَادَ بيعٌ عَلَى صفةٍ أخرى، عَلَى معنى زيادةِ الباءِ، كأنَّه قَالَ: بِعْه بيعًا آخرَ، ويُقَوِّي الأَوَّلَ قولُه: ((ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ)).

279 - الحديثُ الرابعُ: عن أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ: ((سَأَلْتُ البَرَاءَ بنَ عَازِبٍ، وَزَيْدَ بنَ أَرْقَمَ، عن الصَّرْفِ؟ فَكلُّ وَاحدٍ يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنِّي، وَكِلاَهُمَا يَقُولُ: ((نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا)).

فِي الحديثِ دليلٌ عَلَى التواضعِ، والاعْتِرَاِف بحقوقِ الأكابرِ، وَهُوَ نصٌّ فِي تحريمِ رِبا النَّسيئةِ فِيما ذُكِرَ فِيْهِ - وَهُوَ الذهبُ بالوَرِقِ - لاجتماعِهما فِي عِلَّةٍ واحدةٍ، وَهِيَ النقديةُ، وَكَذَلِكَ الأجناسُ الأربعةُ – أعني: البُرَّ وَمَا ذُكِرَ مَعَه - باجتماعِها فِي عِلَّةٍ واحدةٍ أخرى، فَلاَ يُبَاعُ بعضُها ببعضٍ نسيئةً، والواجبُ فيما يُمْنَعُ فِيْهِ النَّساءِ أمرانِ: أحدُهما: التَّنَاجُزُ فِي البيعِ، أعني ألا يكونَ مُؤَجَّلاً. وَالثَّانِي: التقابُضُ فِي المجلسِ، وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ من قولِه: ((يَدًا بِيدٍ)).

280 - الحديثُ الخامسُ: عن أَبِي بَكْرةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا، وَنَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا، قَالَ: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَدًا بِيدٍ؟ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ)).
قولُه: ((نَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا)). يعني: بالنسبةِ إِلى التفاضُلِ والتساوي، لاَ بالنسبةِ إِلَى الحُلولِ والتأجيلِ، وَقَدْ ورَدَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا فِي حديثٍ آخرَ، حَيْثُ قيلَ: ((فَإِذَا اخْتَلَفَت الأجناسُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يدًا بيدٍ)).


  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 03:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

المتن :

وعن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء ، والفضة بالفضة ربا إلا هاء وهاء ، والبر بالبر إلا هاء وهاء ، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء ))
وعن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ، ولا تشبوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ، ولا تشبوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز )) وفي لفظ (( إلا يدا بيد )) ، وفي لفظ (( إلا وزنا بوزن )) (( مثلا بمثل سواء ًبسواء )) .
وعن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه قال : ( جاء بلال للنبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من أين هذا ؟ )) قال بلال : ( كان عندي تمر رديء ، فبعت منه صاعين بصاع ، ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : (( أوَّاه أوَّاه عين الربا ، عين الربا لا تفعل ، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ، ثم أشتر به ))

الشرح :
أما بعد ، فهذه الأحاديث الثلاثة من أصح الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتتعلق بالربا ،
والربا : بمعنى الزيادة ، ربا يربو إذا زاد ....................... ، وسمي الربا ربا لما فيه من الزيادة غالباً ، أو بالتوصل إليها ، فالزيادة مثل درهما بدرهمين ، وصاع بصاعين من جنس واحد ، صاع تمر بصاعين من تمر ، وصاع من بر بصاعين من بر ، فهذا فيه زيادة ، وقد تكون غير الزيادة لكنه يشير إلى الزيادة ، كأن يكون صاع بصاع من غير جنسه ، وهذا لا يجوز ...... ؛ لأن هذا وسيلة للربا ، ولا وجه للتأجيل ....... ، هذا يجر إلى الزيادة في مقابل النسيئة ، فسد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الباب ، ومنع هذا وهذا ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : (( الذهب بالذهب إلا هاء وهاء )) يعني يداً بيد ، يعني خذ وسلم ((والفضة بالفضة ربا إلا هاء وهاء ، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء ، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء )) يعني إلا يدا بيد فإذا باع مثلا سلعة أسورة أو خواتم من ذهب بدنانير ذهب فلابد من التساوي يدا بيد ، فإن كان ذهبا أسورة باعها بفضة ، فلا بأس لكن يداً بيد ، يتقابضان في الحال ، لا يتفرقان وبينهما شيء ، هذا معنى الحديث

، وهكذا حديث أبي سعيد ، (( لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض )) يعني لا تزيدوا بعضها على بعض ، أو لا تنقصوا بعضها على بعض ،
(( ولا تبيعوا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائبا بناجز )) فلابد من التقابض في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة ، وبيع أحدهما بالآخر ، فإن كان الذهب بالذهب فلابد من شرطين التماثل والتقابض ، وهكذا في الفضة شرطين التماثل والتقابض ، وهكذا البر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر، لابد من شرطين : أن يكونا متماثلين ، وأن يتقابضا ، أما إذا اختلفت الأجناس فلا بأس من التفاضل ، لكن يداً بيد ،
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بلال : أنه باع الصاع من التمر بصاعين من تمر بري ، قال : (( أوَّاه أوَّاه عين الربا ، عين الربا لا تفعل ، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ، ثم أشتر به )) أي لا يشتري بتمر طيب بأكثر من الرديء ، ولا من الذهب ولا من الفضة ن ولا من سائر الأنواع التي يدخلها الربا ، لا يشتري الرديء بشيء جيد ، لكن يبيع الرديء ثم يشتري بثمنه تمرا طيباً ، ولا يبيع الصاع بصاعين ، صاعين رديئة بصاعين تمر طيب ، أو صاعين بر طيب بصاعين بر رديء ، أو صاعين من الشعير طيب ، بصاعين من الشعير الرديء ، هذا لا يجوز ، إذ لابد من التماثل ، ولابد من القبض يدا بيد ، ولكن إذا اختلفت هذه الأصناف جاز التفاضل ، فتبيع صاعاً من التمر بصاعين من الشعير ولا بأس ، يدا بيد ، صاع من البر بصاعين من الشعير ، يدا بيد لا بأس يدا بيد ، مثقال من الذهب بمثقالين من الفضة لا بأس ، يدا بيد لا بأس دولار وريال سعودي يدا بيد ، لا بأس ، وجنيه أسترليني بدراهم سعودية يدا بيد ، وفي عملة خليجية يدا بيد لا بأس ، وفق الله الجميع ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

المتن :
بسم الله الرحمن الرحيم
قال المؤلف ، رحمه الله تعالى في :
باب الربا والصرف
وعن أبي المنهال ، قال سألت البراء بن عازب وزيد بن الأرقم ، رضي الله عنهما عن الصرف ، فكل واحد منهما يقول : هذا خير مني ، وكلاهما يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا .
وعن أبي بكر ، رضي الله عنه ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة ، والذهب بالذهب إلا سواء بسواء ، وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا ، ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا ، قال فسأله رجل فقال : يدا بيد ، فقال : هكذا سمعت .

الشرح :
تقدم حديث أبي سعيد ، يقول صلى الله عليه وسلم : (( لا تبيعوا منها غائبا بناجز )) أي لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا بمثلا بمثل ، (( ولا تشفوا بعضه على بعض ، ولا تبيعوا الفضة بالفضة إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ))
، وتقدم حديث بلال في شراء الصاع بصاعين من التمر ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له : ((عين الربا ، عين الربا لا تفعل ، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ، ثم أشتر به ))، وهكذا حديث زيد بن أرقم والبراء بن عازب ، لما سألهما أبو المنهال عن الصرف ، فكل واحد يقول : أسأل هذا فهو خير مني ، وهذا فيه تواضع الصحابة ، رضي الله عنهم وأرضاهم ، وتقديم بعضهم لبعض ، وأن كل واحد يفرح أن يقوم صاحبه بفتواه بدلا منه ، ولهذا قالوا جميعا أن الرسول نهى عن بيع الذهب بالورق دينا ، وهذا يدل على أنه لا يجوز بيع الذهب بالفضة دينا ، بل يدا بيد ، وهكذا في حديث أبي كر في بيع الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة إلا مثلا بمثل سواء بسواء ، وأذن لهم أن يشتروا الفضة بالذهب ، كيف شاءوا ، والفضة بالذهب كيف شاءوا ، لكن يدا بيد ، فإن أتحد الجنس ، فلابد من أمرين ، التماثل والتقابض ذهب بذهب ، فضة بفضة ، تمر بتمر بر ببر ، أرز بأرز ، شعير بشعير ، مثلاً بمثل ، لابد من التماثل ، لا يجوز أن تبيع درهم بدرهمين ، ولا دينارا بدينارين من الذهب ، لابد أن يكون مثلاً بمثل ، سواء بسواء ولابد من شرط ثاني وهو أن يكون يداً بيد، يعني لا يتفرقان حتى يتقابضا أما إذا اختلف الجنس فضة بذهب أو تمر ببر ، فهذا لا بأس فيه بالتفاضل لاختلاف الجنسين ، إذا باع صاعاً من التمر بصاعين من الشعير أو بصاعين من البر يدا بيد ، فلا بأس لأنما جنسان ، أربع مائة مثقال من الفضة بعشرة مثاقيل من الذهب يدا بيد فلا بأس ؛ لأن المعدن مختلف ، كذلك إذا باع صاعا من البر بصاعين من الشعير، أو بصاعين من الملح يدا بيد فلا بأس لاختلاف الجنس ، وهكذا أوراق العملة اليوم، تقوم مقام الذهب والفضة فإذا باع عملة بعملة يدا بيد فلا بأس ولو اختلفت ، دولار باعه بعشرة دراهم ، أو بأربعة دراهم يدا بيد لا بأس ؛ لأن العملة مختلفة مثل لو باع دنانير أردنية أو عراقية ، عشرة دنانير بخمسة دولارات أو بعشرين دولار ، لا بأس به يدا بيد ، لاختلاف الجنسين ، ؟أربعمائة من الدراهم السعودية بخمسين من الدولارات ،أو بعشرين من الدنانير العراقية يدا بيد فلا بأس ؛ لأنهما جنسان مختلفان ،
والقاعدة : أن التفاضل والاختلاف في الكثرة لكن يدا بيد ، فإذا كان الجنس واحدا فلابد من شرطين أن يتماثلا وأن يكون ذلك يدا بيد ، التقابض في المجلس

، وفق الله الجميع ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .


  #8  
قديم 13 محرم 1430هـ/9-01-2009م, 06:49 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله ربِّ العالمين , وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
باب الربا والصرْف

عن عمر بن الخطابرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذهب بالورِق ربا إلا هاء وهاء ، والبر بالبر إلا هاء وهاء , والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء)) .
وعن أبي سعيد الخدريرضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل , ولا تشفوا بعضها على بعض , ولا تبيعوا الورِق بالورِق إلا مثلا بمثل , ولا تشفوا بعضها على بعض , ولا تبيعوا منها غائبا بناجز)) . وفي لفظ: ((إلا يدًا بيد)) . وفي لفظ ((إلا وزنا بوزن , مثلا بمثل , سواء بسواء)) . والله أعلم .
الشيخ: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه .
هذا الباب يتعلق بالربا والصرف ، الربا لغة: الزيادة والنمو , ومنه قول الله تعالى: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} يعني نمت , ومنه تسمية المرتفع من الأرض الربوة [فآويناهما إلى ربوة]* الربوة هي المكان المرتفع الذي نبا عن غيره وربا عما سواه , وكذلك قوله تعالى:{كمثل جنة بربوة} أي بمكان مرتفع .
الربا في الشرع ، أو في الاصطلاح: هو زيادة في شيء مخصوص ، أي من المعاملات , وأصله أن أهل الجاهلية كانوا يتعاملون بالبيع والشراء ونحوه ، فإذا حلَّ الدين قالوا لصاحبه: إما أن تعطي، وإما أن تربي , الدين الذي عليك ألف فإما أن تسلمه لنا الآن ، وإلا تركناه وزدنا عليك فيه , نؤجله سنة أخرى ونصيره ألفا ومائتين مثلا , فإذا حلت الألف والمائتان جاء إليه في السنة بعدها , فقال: إما أن تعطي ، وإما أن تربي , فإذا لم يجد قال: أزيده ثلاث مائة ليصبح ألفا وخمسمائة ، فإذا حلَّت جاء إليه وقال: إما أن تعطي ، وإما أن تربي , فإذا لم يجد زاده مثلا أربعمائة ليصبح ألفا وتسعمائة ، وهكذا يزداد الدين في ذمة المدين ويترابى .
قال الله تعالى: اأيها الذين أمنوا لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة} أي أنه يتضاعف, يتضاعف شيئا فشيئا , في كل سنة يزيد عدده ، يزداد ذلك الربا الذي في الذمة , فلأجل ذلك حرمه الله ؛ وذلك لما فيه من الإضرار على أولئك المساكين الذين في ذمتهم ذلك المال وذلك الدين , فإنه يزاد عليهم وهم لم ينتفعوا ، لم ينتفعوا بشيء ، بل يتضاعف عليهم , قال الله تعالى: {وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله}أي: ليكثر في أموال الناس , يعطيه مثلا مائة ويقول: أكتبها عليك بمائة وعشرة , فإذا حلّت قال: هي عليك بمائة وعشرين ، أو بمائة وثلاثين ، ثم بمائة وخمسين ، وهكذا يربو في أموال الناس ، يزيد في أموال الناس شيئا فشيئا , هذا هو الأصل في الربا .
ثم ذكر العلماء أن الربا ينقسم إلى قسمين: ربا فضل وربا نسيئة .
وربا النسيئة: هو الذي كان مشهورا قبل الإسلام ، وهو مشتق من النسأ الذي هو التأخير , نسأ الشيء يعنيأخره ؛ وذلك لأنهم يقولون: ننسأ الدين , يعني نؤخره ونزيد في قدره ، أو نعطيك هذا الصاع مثلا ونجعله بصاعين مؤخرين , ننسؤهما , نعطيك هذه المائة ونجعلها بمائتين أو بمائة وخمسين إلى أجل , هذا ربا نسيئة ، صفة أو صورة ذلك أن يعطيه هذا المال ويجعله بزيادة , أن يقول: أعطيك ألفا وأكتبها عليك بألف ومائتين مؤجلة لمدة شهر أو شهرين ، أو سنة أو سنتين , هذا ربا , ربا النسيئة .
ويدخل في ذلك جميع الأموال التي يمكن أن تقرض , حتى لو أعطاك مثلاً كبشًا وقال: بكبشين مؤجلين فإن ذلك على الصحيح ربا , ربا نسيئة , أو أعطاك ثوبا وقال: أكتبه بثوبي ,ن فهو مثلما إذا أعطاك ألفا وكتبه بألفين , كل ذلك من ربا النسيئة ، وإذا زاده عند حلوله فإنه ربا الجاهلية ، إذا زاده عندما يحل .
كذلك ربا الفضل , جاءت الأحاديث بالمنع من ربا الفضل ، وأنه داخل في النهي ، النهي الذي أكده الله ؛ وذلك لأنالله تعالى عظم شأن الربا , قال الله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}.
وتوعد الله عليه بقوله تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} , وهذا وعيد للكفار دل على أنه من كبائر الذنوب ، وأنهم يدخلون النار ، إلا أن يتوب الله عليهم ، أو أن يتوبوا , ولأجل ذلك جعله النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات: ((اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا..)) إلى آخره , فجعل أكل الربا من السبع الموبقات؛ اعتمادا على هذه الآية , حيث توعد الله عليه بالنار , وأخبر النبيصلى الله عليه وسلم بلعن من تعاطاه أو أعان عليه فقال: ((لعن الله آكل الربا وموكله , وكاتبه وشاهديه)) يعني أنهم تعاونوا عليه .
فلا جرم ..مِن هذه الأدلة شدد العلماء فيه , واستدلوا بالأدلة التي تحذر منه وتحرض على الابتعاد عنه والتحفظ عن تعاطيه , ولعل السبب أن فيه ظلم للعباد وبالأخص الفقراء والمستضعفون , وسواء كان ربا الفضل أو ربا النسيئة الذي هو ربا الجاهلية , كل ذلك لا شكَّ أنه ظلم للفقراء وتكثير للديون عليهم وإضرار بهم , سيما في وقت الحاجة .
الأحاديث التي سمعنا تتعلق بنوع من أنواع الربا ، وهو ربا الفضل ، وتتعلق بالصرف وهو أحد قسمي الباب فإن الباب معقود للربا والصرف .
الصرف: هو بيع نقد بنقد ، والنقود تختلف , يعني في هذه الدولة نقدان أصليان: نقد من الذهب وهو الجنيه السعودي ، ونقد من الفضة وهو الريال السعودي أو ما يقوم مقامه من الأوراق النقدية ، والنقد الثالث الذي هو الفلوس ، أو القروش , هذا أيضا ملحق بالنقد الفضي ؛ وذلك لأنه بدل عنه أو قائم مقامه أو فرع عنه , فبيع نقد بنقد يسمى صرفا , فلا بد فيه من التقابض, أن يكون يدًا بيد , فإذا اشتريت جنيهًا بدراهم فلابد من التقابض , ولمّا كان الجنيه معمولا من الذهب كان جميع الذهب ربويا , العلة فيه هي العلة في الجنيه وفي الدينار , فلا يباع الذهب إلا يدا بيد , إذا بيع بفضة أو بنقد آخر .
وفي الحقيقة الكلام في مثل هذا قد يحتاج إلى إطالة ، والمهم لنا أن نعرف أنك مثلا إذا اشتريت ذهبا فإنك تشتريه يدا بيد , فإن بقي عليك شيء فإنك تأخذه على أنه ذهب لا على أنه دراهم , مثال ذلك إذا اشتريت أسورة من الذهب التي تجعل في اليدين أو قلائد التي في الرقبة أو أقراط التي في الأذن أو خواتيم التي في الأصابع ، أو ما اشبهها من الذهب المصوغ الذي قد أصبح حليا يتحلى به , اشتريته وقيمته مثلا عشرة آلاف , ووزنه مثلا.. وزنه مائتا جرام ، أو نقول مثلا: ثلاثمائة جرام , لم تجد معك إلا نصف الثمن , ماذا يُكتب في ذمتك ؟ البائع لا يقول: في ذمتك ألف ونصف ، أو ثلاثمائة ، بل يكتب في ذمتك مائة وخمسون جرام ، فإذا أتيت لتقضيه فإن وجدت الذهب قد رخص فإنك تشتريه عن جديد برخص ، وإن كان قد ارتفع وغلي فإنك تشتريه شراء جديدا , ولو كان في ذمتك ولو كان في بيتك فتقول: عندي لك مائة وخمسون جرام من الذهب , كم قيمتها الآن ؟ هذه قيمتها معي , فإذا قال: ارتفعت قيمتها عن الأمس ، أو انخفضت تجددون لها قيمة.
فهذا هو السلامة من بيعها بثمن مؤجل , وهذا معنى قوله: ((لا تبيعوا منها غائبا بناجز)) كما سمعتم فيالحديث ، ((لا تبيعوا غائبا بناجز)) يعني إذا كان الذهب غائبا وبعتموه بناجز ، أو الفضة غائبة وبعتموها بناجز كان ذلك ربا .
وأما إذا كان أحدهما في الذمة فإنه يجوز المحاسبة عنه والبيع عنه , ولهذا قال في حديث ابن عمر: كنا نبيع الإبل بالبقيع فنبيع بالدراهم ونأخذ الدنانير , ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم , فقال النبيصلى الله عليه وسلم: ((لا بأس ما لم تفترقا وبينكما شيء)) هذا صرف بعين وذمة فأصبح ذلك جائزًا .
وأما قوله: ((لاتشفوا بعضها على بعض)) قال ذلك في الذهب ، وكذلك في الفضة , أي لا تبيعوا منها كثيرًا بقليل, الإشفاف بمعنى الزيادة , ((لا تشفوا)) يعني لا تزيدوا , فلا تبيعوا مثلا حليًا قديما بحلي جديد أكثر قيمة , لا تقول مثلا: هذا حلي وزنه عشرين قيراط ، ولكنه مستعمل , بعني بدله خمسة عشر قيراط جديد , ما يجوز , لا بد أن يكون مثلا بمثل: عشرين بعشرين ، وإذا لم يوافق صاحب الذهب فإنك تبيعه المستعمل بدراهم ثم تشتري بالدراهم جديدا , فأما أن تقول: حلي بحلي أكثر منه أو أقل فهذا لا يجوز ، هذا معنى قوله: ((لا تشفوا بعضها على بعض)) هذا في الذهب .
وكذلك في الفضة . الفضة يصنع منها أيضا حلي , تصنع خواتيم من الفضة ، وتصنع أيضا خلاخل من الفضة ، وتصنع أيضا الأسورة: أسورة من الفضة ، ومع ذلك قد تباع بالفضة النقدية , بالريال النقدي الذي هو فضة ، أو ما يقوم مقامه من الأوراق النقدية , ومع ذلكلا يجوز أن يباع إلا مثلا بمثل أو بقيمته .
أما بيعه بالعروض فلا بأس ، لا بأس أن يباع بالعروض ، ولو غائبة , فلو مثلا اشتريت حلي, هذا الحلي الذي وزنه مثلا عشرون قيراطا اشتريته بخمسة أكياس رز جاز ولو كان الأرز غائبا ؛ لأنه ليس من جنسه .
أما الربويات الأخرى فقد ذكر العلماء ربا الفضل أنه ورد في ستة أشياء , ورد في الذهب والفضة , والبر والشعير والتمر والملح ، هكذا ورد في حديث عبادة , ومعناه أنك لا تبيع صاع بر بصاعين ، أو صاع تمر بصاعي تمر , ولو كان يدا بيد ؛ وذلك لأنه فيه ربا , الربا هو الزيادة ، فهذا صاع بصاعين , قد نهى عنه النبيصلى الله عليه وسلم , أرسل مرة بلالا يأتيه بتمر من تمر خيبر فجاءه بتمر جنيب , يعني جيد , وقال: إنا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة , نشتري صاعا جيد بصاعين رديء , فقال: هذا عين الرباإذا أردت ذلك، إذا أردت أن تشتري من الطيب فبع التمر الذي معك بدراهم ، التمر الرديء ، وبعد ذلك تشتري بالدراهم تمرا جيدا جنيبا ، وكذلك سائر أنواع الربويات: إذا كنت عندك مثلا بر رديء وتريد طيبا ، فبع الرديء بدراهم وتشتري بالدراهم جيدًا ، ويلحق به أيضا كل المكيلات ، فالأرز مثلا يختلف, قد يكون عندك أرز رديء وأنت بحاجة إلى رز جيد , فتبيع الرديء بدراهم وتشتري بالدراهم من الذي تريده ، ومثله التمر لا يجوز أن تبيع صاعا بصاعين ولا كيلو بكيلوين تمر .
ومثله الزبيب لا يجوز أن تبيع زبيبا كيلو بكيلوين , وهكذا مثلا المكيلات كلها الذرة ، والدخن والعدس ، والفول ، والبن ، والقرنفل والهيل وما أشبهها , لا يجوز أن يباع منها إلا مثل بمثل .
وإن كان الناس لا يتعاملون بذلك عادة , لكن ينهى عن ذلك , الإنسان مثلا قد يكون عنده كيس من الهيل رديء، وهناك أناس آخرون يريدونه ؛ لأنه أرخص فيقولون: أعطنا هذا الكيس بنصف كيس , يقال: لا , بعه بدراهم واشتر بالدراهم من الجيد الذي تريده ، وهكذا كل الموزونات , كل شيء يوزن يباع بالوزن قديما مثل اللحوم والحديد والصفر والقطن ، والموزونات الأخرى بأنواعها ، لا شك أن فيها علة الربا , فيقال: كل شيء يكال أصلا فإنه لا يباع إلا مثلا بمثل ، وكل شيء يباع وزنا فإنه لا يباع إلا مثلا بمثل ، وأما الذي لايكال ولا يوزن كالأقمشة فهذه لا بأس بها , يجوز أن تبيع ثوبا بثوبين ، وكذلك الذي يباع بالعدد كالخضار التي تباع بالعدد كالقرع مثلا والبطيخ , يجوز أن تبيع واحدة باثنتين أو بثلاث ؛ وذلك لأنه ليس بمكيل ولا بموزون ، ولأنه يتسامح فيه .
وورد مثل ذلك أيضا في بيع الحيوان , ورد أنه يجوز أن تبيع مثلا شاة بشاتين ؛ لأنها قد تتفاوت ولا يكون ذلك ربا. فالحاصل أن هذا العلة وهو كون الشيء يكال أو يوزن أصلا لا يجوز بيع جنسه بجنسه إلا يدا بيد , ومثلابمثل .
أما إذا بيع بغير جنسه فيشترط فيه التقابض لقوله صلى الله عليه وسلم:((فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد)) فإذا بعت تمرا بزبيب جاز التفاوت ولزم التقابض , فتقول مثلا: كيلو زبيب بثلاث كيلو تمر , لكن هاءوهاء، هاءوهاء: يعني خذ واعط , هاك وهات بلغة العامة ، يعني خذ وأعط , هذا معنى قوله:((هاءوهاء)) يعني حاضر بحاضر فلا يباع غائب بناجز ، وكذلك مثلا بر (برز) يجوز أن يباع صاع بصاعين ، وكذلك بر بشعير يجوز أن يباع صاع بصاعين ، ولكن لا بد أن يكون حالين حاضرين ((هاء وهاء)) أي خذ وأعط ؛ حتى لا يكون فيه ربا النسأ الذي هو التأخير, فنتفطن لهذا حتى لا نقع فيه ونحن لا نشعر .
ا هـ .


عمدة الأحكام
شريط (43) للشيخ: ابن جبرين
القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاء بلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر مرني , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من أين هذا)) ؟ قال بلال: كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ((أوه , عين الربا لا تفعل ، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به)) .
وعن أبي المنهال قال: قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهما عن الصرف فكل واحد منهما يقول: هذا خير مني ، وكلاهما يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورِق دينا .
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة ، والذهب بالذهب , إلا سواء بسواء , وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا ، ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا , قال: فسأله رجل فقال: ((يدا بيد)) , فقال: هكذا سمعت .
الشيخ: هذه الأحاديث تتعلق بالربا ، أي بربا الفضل ، وتتعلق بالصرف , أما الربا قد عرفنا أنه ينقسم إلى ربا فضل وربا نسيئة , وهذه الأحاديث تتعلق بربا الفضل .
الحديث الأول: القصة أن بلالا قبض تمرا من خيبر من نصيب المسلمين ، ولما قبضه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر جيد , فاستغرب هذا التمر , من أين ؟ وكأنهم يعرفون أن تمر خيبر الذي يقبض من أهلها أنه مجموع ومخلوط رديء وجيد ، ولكن استنكر هذا التمر الجيد فقال بلال: إني اشتريت صاعا بصاعين من هذا لأجل إطعامك من التمر الجيد , من التمر الطيب ، فعند ذلك قال: ((أوّه)) كلمة يعبر بها عن الإنكار ، أي أَنكر عليه ثم قال: ((عين الربا)) , هذا عين الربا , ويسمى ربا الفضل , أمره بعد ذلك أن يبيع التمر الرديء بدراهم ، ثم يشتري بالدراهم من التمر الطيب ؛ حتى يسلم من الربا , فكونه يأتي إلى بائع التمرالجيد ويقول: بعني صاع بصاعين , هذا ربا , لا يجوز التمر أن يباع بتمر إلا مثلا بمثل ولو اختلفت القيمة ، وهذا أيضا يدخل فيه جميع الربويات , فالبر بالبر لا تبيع صاعا بصاعين من البر ، ولا صاع رز بصاعين ولو كان أحدهما أغلى ثمنا , إذا كان عندك رز رديء وتريد رزا جيدا بعت من الرديء بالدراهم ثم تشتري ما تشاء ، وكذلك جميع المكيلات وجميع الموزونات , لا يباع جنس بجنسه إلا مثلا بمثل ، أو تبيع الرديء بدراهم وتشتري بالدراهم ما تريده من الجيد ، هكذا اتفقت هذه الأحاديث .
قد تقدم قوله عليه السلام: ((الذهب بالذهب مثلا بمثل , يدا بيد)) إلى آخره , وقوله: ((لا تبع الذهب بالذهب إلا هاء وهاء)) يعني خذ وأعط يدا بيد مثلا بمثل , وكذلك الفضة بالفضة لا تباع إلا مثلا بمثل يدا بيد ؛ وذلك لأن ..حتى لا يكون فيها تفاوت , فلذلك يشترطون في المثليات التماثل والتقابض وفي غيرها التقايض . ونكمله بعد الأذان .
نقول: إن هذا قد يكون قليلا , يعني بيع الجنس بجنسه متساويا أو متفاضلا ، ولكن الذي يقع الناس فيه كثيرا هو بيعه بغير جنسه من المكيلات , فلا بد فيه من التقابض وإن لم يكن هناك تساو ، فإذا إذا بيع مثلا لحم بلحم فلا بد من التقابض , لحم إبل بلحم غنم يجوز فيه التفاوت ، كرطل غنم برطلين من لحم الأبل يجوز ولكن لا بد أن يكون يدا بيد ، وكذلك المكيلات يجوز صاع بر بصاعين من الشعير ، أو بصاعين من الأرز ؛ وذلك لأنهما جنسان فيجوز صاع بر بصاعين شعير أو نحوه ، أو صاع رز مثلا بصاعين شعير ؛ وذلك لأنهما جنسان ، ولكن لا بد من التقابض قبل التفرق , لا بد أن يكون يدا بيد .
وكذلك بقية المكيلات المختلفة ، فمثلا قد تحتاج إلى زبيب وليس عندك دراهم فتشتري الزبيب بالتمر ، فتشترى مثلا إذا كان بالكيل صاع زبيب بصاعين من التمر ، أو بالوزن رطل زبيب برطلين من التمر , يجوز ذلك ولكن يدا بيد , لا بد من التقابض ، ويقال هكذا في سائر المبيعات التي هي من الأجناس .
وقد عرفنا أن الذي يدخل في الربا هو ما كان مكيلا أو موزونا ، وأما الأشياء لا توزن عادة ولا تكال فلا بأس بالتفاوت ، وقد ذكرنا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص , أمره النبي صلى الله عليه وسلم مرة أن يجهز جيشا غزو , عددهم مثلا ستمائة , وكانت الإبل التي عندهم قدر أربعمائة أو خمسمائة , ما تكفي هذا العدد هذا الجيش الغزو , لا تكفيهم فقال له: اشتر على إبل الصدقة , إبل الصدقة تأتي بعد نصف سنة أو بعد ثمانية أشهر , لم يجد بدا من أن يشتري من الناس , فصار يشتري البعير بالبعيرين من إبل الصدقة ، حتى اشترى ما جهز به بقية ذلك الجيش .
فدل على أنه يجوز أن يشتري البعير بالبعيرين ولو كان أحدهما غائبا , إبل الصدقة غائبة ، فعلى هذا يجوز أن تشتري شاة بشاتين , سواء كانت حاضرة أو غائبة , وفرسا بفرسين ، وكذلك في الأدوات: سيارة بسيارتين , وكذلك في الأكسية: ثوب بثوبين حاضر أو غائب , لا بأس بذلك كله ؛ لأنه ليس مما يدخل في الربا.
نأتي إلى القسم الثاني في الباب ، وهو الصرف , فإن الباب معقود لأمرين: الربا والصرف ، ولا شك أيضا أن الصرف يكون فيه ربا , تعرفون أن الصرف هو بيع نقد بنقد ، وأن بيع النقود بالنقود كثيرا ما يحصل بينها تفاوت , ولو كان مسماها واحدا , فإن الزمن القديم كانت العملات تصنع من الذهب والفضة , فكل شيء يصنع من الذهب اسمه دنانير دينار , وما صنع من الفضة يسمى درهم دراهم , وما صنع من النحاس يسمى فلس , جمعه فلوس , ودانق جمعه دوانق .
وكلها يتعامل بها , إلا أن بعضها أقل قيمة ، فالفلوس أقل قيمة من الدراهم التي.. الفلوس من النحاس ، والفضة التي منها الدراهم أقل قيمة من الدنانير التي هي ذهب , فعلى هذا كان صرفهم ، صرف هذا الأشياء بعضها ببعض ، فيأتي بالفلوس التي تصنع من النحاس ، ومثلها أيضا في هذا الأزمنة القروش التي تصنع من المعدن يأتي بها ، ويقول: اصرفها لي بدراهم من الفضة ، أو يأتي صاحب الفضة بالدراهم ويقول: أريد أن تصرفها لي بفلوس , معلوم التفاوت بينها , مثلا عشرين قرشا بريال , وأربعين فلسا مثلا بدرهم , وهكذا يجوز أربعين بواحد يجوز ؛ لأن هذا نوع وهذا نوع ، ولكن لا بد من التقابض , لا بد أن يكون يدا بيد . وكذلك الذهب مع الفضة ، الفضة عرفنا أنها دراهم ، والذهب دنانير , يأتي صاحب الدينار ويقول: اصرف لي هذ الدينار بدراهم فيقول: قيمته عشرة دنانير أو عشرين دينارا فيقال: لا بد من التقابض يدا بيد ، هذا صرف النقود بعضها ببعض .
نقول: في هذا الأزمنة حلَّت محلها هذه الأوراق , هذه الأوراق النقدية قامت مقام الفضة في جميع الدول إلا ما شاء الله ، ولما قامت مقامها أصبحت نقدا , معلوم أن الأوراق لا قيمة لها , ولولا أن الحكومات أكدت التعامل بها وجعلتها قائمة مقام الفضه لَمَا قُُبلت , وجعلت عندها رصيدا لها من الفضة أو من الذهب , فعلى هذا تأخذ حكم الفضة في كونها يتعامل بها كما يتعامل بالفضة ويدخلها من الصرف ما يدخل الفضة , فلا بدَّ إذا صرفت بالدراهم أوصرفت بالدنانير لا بد من التقابض مع وجود التفاوت ، ولو اتَّفقت الأسماء , فمثلا عندنا الريال السعودي ، والريال اليمني ، والريال القطري , الاسم واحد ولكن بينها تفاوت , يجوز التفاوت , يجوز صرف الريال السعودي بثلاثة أو بأربعة ريالات يمنية أو قطرية ، ولكن لا بد من التقابض , لا بد أن يكون يدا بيد , هذا معنى قوله: ((هاء وهاء)) أي: خذ وأعط , فلا بد من التقابض قبل التفرق .
وكذلك سائر العمْلات , ولو اختلفت الأسماء , يجوز فيها التفاوت ، ومع ذلك لا بد من التقابض , فعندنا مثلا الدولار الأمريكي ، والدينار الكويتي أو العراقي ، والجنيه المصري أو السوداني , والليرة السورية أو التركية , والروبيَّة الهندية أو نحوها , لا شك أن هذه عملات وأنها أوراق تتعرض للتلف , يأتي عليها التلف: تغرق بالماء ، وتحرق بالنار ، وتحملها الرياح وتفرقها ، ولكن لمَّا كانت عملات قائمة مقام الذهب والفضة جُعل لها قيمة , فأخذت مأخذ أصلها وهو الفضة , فلزم عند صرف بعضها ببعض التقابض قبل التفرُّق ، فإذا أردت صرف الريال السعودي بالليرة السورية مثلا فلا بد من التقابض , خذ وأعط , أو أردت صرف الجنية السعودي بالجنيه المصري فلا بد من التقابض مع وجود التفاوت ، ولو كان الاسم واحد التفاوت كثير ، ولو كان هذا جنيه وهذا جنيه , لا بد من التقابض قبل التفرق , خذ وأعط .
كذلك نقول في البيع , بعد أن فهمنا تحويل أو صرف العملات بعضها ببعض أنه لا بد فيه من التقابض – ذهب.. أو أجاز بعض المشايخ عند الحوالة الاكتفاء بالأسناد ، أو بما يسمى الشيكات , وجعلوا ذلك قائما مقام التقابض ؛ وذلك لأنه قد لا يتيسر , قد لا يتيسر وجود العملة الثانية التي يريد صرْفها ، فمثلا الحوالة: حوالة ريالات سعودية ألف ريال إلى بلاد أخرى كمصر أو سوريا قبْل أن يحولها ..قبل أن يرسلوها يحولوها من الريال إلى الليرة أو إلى جنيه , ما يسلموك نفس الجنيه المصري يقولون: ليس موجودا عندنا ، إنما هو موجود في فرعنا الذي في مصر أو في دمشق , يسلمون لك شيك .
فبعض المشايخ جعل هذا الشيك قائما مقام النقد , وجعله كافيا في القبض , وتسهلوا في ذلك ؛ وذلك للمشقة . وبعضهم يقول: إذا أردت الحوالة فاجعلها عندهم أمانة , إذا أردت أن تحوِّل خمسة آلاف ريال إلى مصر فليقبضوا منك الخمسة ويعطوك سندا بخمسة آلاف , عندنا لفلان خمسة آلاف يقبضها أو يقبض قيمتها في القاهرة ، يقبض قيمتها في القاهرة , جئت ..قيمتها في هذا اليوم مثلا خمسة الآلاف بثلاثة آلاف جنية مصري , ذهبت إلى فرعهم في مصر وقلت: عندكم لي خمسة آلاف ريال سعودي أعطوني بدلها جنيها مصري قبل خمسة أيام وقيمتها ثلاث آلاف وخمسمائة قالوا: الآن قيمتها نقصت , نقصت قيمتها فلا تساوي خمسة الآلالف إلا ثلاثة آلاف , ماذا تقبض منهم ؟ هل تقبض ثلاثة ونصف بسعرها عندما سلمت لهم الخمسة آلاف ؟ لا , ليس لك إلا سعرها في الوقت الحاضر الذي سلمت لك وهو ثلاثة آلاف . وكذلك لو ارتفعت , لو أعطيتهم خمسة آلاف وقيمتها في ذلك اليوم ثلاثة آلاف وذهبت إلى مصر ووجدت قيمتها أربعة آلاف- لك أربعة آلاف جنيه ، يعني لك قيمتها في وقت القبض .
وعلى هذا يسلم الواحد من الربا . إذا حولت دراهم إلى بلاد أخرى فيها الجنيه مثلا ، أو فيها الليرة ، أو نحو ذلك فحولها بالريالات السعودية ، ثم هناك يقبضونها بقيمتها ، لكن قد يقول أهل المصارف: لا يمكن أن نرسلها بدون مصلحة , نحن نريد المصلحة . نقول: لا شك أنكم تأخذون مصلحة , فإنهم يأخذون مصلحة حتى في البلد الواحد , أنت مثلا الآن معك جنيه سعودي أتيت به صاحبَ المصرف فقال: آخذه منك بخمسمائة , أخذت الخمسمائة , رجعت إليه بعد يوم وقلت بعني جنيه فقال: أبيعك بخمسمائة وخمسين ، صحيح إنه ما صرف عليك إلا ليربح , اشتراه منك بأربعمائة وخمسين ، وباعك أو باع غيرك بخمسمائة , وهكذا فأهل المصارف لا بد أنهم يربحوا , إن ربحوا هنا أو ربحوا هناك , والمصلحة لهم , فهذا يسلمون به من الربا في الصرف .
نأتي على البيع , بيْعُ الذهب مشتهر , أي الذهب المصوغ , معلوم أن الذهب المصوغ والفضة المصوغة لها قيمة تزيد على قيمتها عندما كانت تبراً , لا شكَّ أن الصياغة لها قيمة , فأنت مثلا إذا كان عندك قطع ذهب , سبائك ذهب , وجئت إلى الصائغ وأمرته بأن يصوغها لك حليا: قلائد أسورة خواتيم أقراط شيء مما يتحلى به , لا شك أنه لا يصرف ويصوغه لك إلا بمصلحة يقول: أُُُُُُُُُُجرتي على هذا مائة أو ألف , قيمته مثلا عشرين ألف يأخذ عليه مثلا ألف صياغة , الآن أنت تريد بيعه بذهب . نقول ..بعض العلماء يقول: يجوز بيعه بذهب زائد على وزنه , إذا كان وزنه مثلا ربع كيلو و(بتبيعه) بذهب مضروب جنيهات مثلا ، فيجوز أن تزيد فيه , تقول: هذا يستعمل وهذا ما يستعمل إلا نقود .
ولكن الصحيح أنه لا يباع إلا بمثله , وإذا أراد الفائدة فيبيعه بغير جنسه , يبيعه بفضة أو بأوراق نقدية ، أو نحو ذلك .
وهكذا أيضا كثيرا ما يحدث شراء الحليِّ بثمن مؤجل ، وهذا لا يجوز , الحليُّ من النقود , أصله نقود فلا يجوز بيعه إلا مثلا بمثل .. إلا يدا بيد , يجوز بيعه يدا بيد . لكن إذا لم يكن معك نقود , دخلت تشتري لك قلائد أو نحوها وجدت قيمتها ..وجدت وزنها مثلا مائة جرام وقيمتها عشرون ألفا نظرت وإذا معك عشرة آلاف أخذت القلائد مائة جرام وأعطيته عشرة آلاف ....
الوجـه الثانـي

أين العشرة الأخرى ؟ ليست معي , ماذا يكتب في ذمتك ؟ لا يكتب في ذمتك عشرة ، بل يكتب في ذمتك مائة جرام , مائة جرام من الذهب عيار كذا وكذا , سباكته كذا وكذا , أتيته بالقيمة بعد خمسة أيام وجدت خمسين جرام قيمتها اثنا عشر ألف , يطالبك باثنا عشر ألف ، أو قيمتها ثمانية آلاف لا يستحق عليك إلا ثمنها وقت الوفاء , اكتبها في ذمتك ذهب لا تكتبها دراهم ؛ حتى لا يكون بيع ذهب بفضة مع عدم التقابض وتكون في ذمتك ذهب , فبهذا يسلم المتبايعان من الوقوع في المخالفات .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الربا, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:25 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir