بسم لله الرحمن الرحيم
المجموعة الأولى:
1: حرر القول في المسائل التالية:
أ. المراد بكتاب الله في قوله تعالى: {نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله..}.
هذه الآية الكريمة أتت في سياق مخاطبة الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن عظم ما بلغه اليهود من العناد وعدم الانقياد مع عظيم نعم الله تعالى عليهم، حيث قال مبينا لحالهم :
{ولمّا جاءهم رسول من عند اللّه مصدّق لما معهم نبذ فريق من الّذين أوتوا الكتاب كتاب اللّه وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون}.
(ولمّا جاءهم رسول من عند اللّه مصدّق لما معهم): أي ؛ لمّا بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم لليهود، موافقا لما أُخبروا به في التوراة ؛ ماذا كنت ردة فعلهم .
(نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله.).نبذ: أي أعرض فريق من الذين أوتوا الكتاب .
والمراد بالذين أوتوا الكتاب : هم اليهود أوتوا التوراة .
أما قوله تعالى :( كتاب الله وراء ظهورهم ) ،فالمراد بكتاب الله فيه قولان:
قيل : المراد به التوراة ، بحيث أن أهل التوراة أعرضوا عن ما جاءهم فيه من صفة محمد صلى الله عليه وسلم .
وقيل : القرآن : بحيث كذّبوا به.
ب. المراد بما تتلو الشياطين.
- الكلمة من الحق يلقونها إلى الكهنة و معها المائة من الباطل حتى صار ذلك علمهم، فجمعه سليمان ودفنه تحت كرسيه، فلما مات؛ قالت الشياطين: إن ذلك كان علم سليمان.
- السحر وتعليمه فجمعه سليمان عليه السلام .
- علم سليمان عليه السلام الذي كتبه آصف بن برخيا كاتب سليمان وخزّنه، فلما مات أخرجته الجن وكتبت بين كل سطرين سطرا من سحر ثم نسبت ذلك إلى سليمان عليه السلام.
- تواطؤ آصف مع الشياطين على كتابة سحر ونسبته إلى سليمان بعد موته.
- إن الجن كتبت ذلك بعد موت سليمان واختلقته ونسبته إليه.
- علم السحر والكهانة الذي اتخذه الجن والإنس حين زال ملك سليمان عنه ، فلما رجع سليمان إلى ملكه تتبع كتبهم في الآفاق ودفنها، فلما مات؛استخرجته بنو إسرائيل بإخبار من الشيطان ونسبوه إلى سليمان .
- المعازف واللعب وما يصد عن ذكر اللّه.
-وأضاف ابن أبي حاتم عن الحسن: أن المراد هو ثلث الشّعر، وثلث السّحر، وثلث الكهانة.
**************** **************** *****************
2: فصل القول في تفسير قول الله تعالى:
{وما يعلّمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر}.
(وما يعلّمان) الضمير عائد على هاروت وماروت .
و(يعلّمان) بمعنى: يعلمان ويشعران ،استدل ابن الأعرابي بقول كعب بن زهير:
تعلّم رسول الله أنّك مدركي ....... وأنّ وعيدا منك كالأخذ باليد
وحمل هذه الآية على أن الملكين إنما نزلا يعلمان الناس بالسحر وينهيان عنه، بينما قال الجمهور: بل أنّ التعليم على عرفه،(فلا تكفر)، قيل أي بتعلم السحر، وقيل باستعماله.
وقوله تعالى:( فتنة ) أي محنة واختبار كما قال موسى عليه السلام : {إن هي إلا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء} .
(إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر)
وحكى المهدوي أن قولهما هذا استهزاء، لأنهما إنما يقولانه لمن قد تحققا من ضلاله.ذكره ابن عطية .
-معنى الآية فيه أقوال :
1- أن الملكين كانا يعلمان الناس السحر ويأمران باجتنابه، وهذا القول أثبته الزجاج :
- ذكر ابن كثير عن ابن عبّاسٍ أنه قال:«فإذا أتاهما الآتي يريد السّحر نهياه أشدّ النّهي، وقالا له: إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر، وذلك أنّهما علما الخير والشّرّ والكفر والإيمان، فعرفا أنّ السّحر من الكفر».[قال:] «فإذا أبى عليهما أمراه أن يأتي مكان كذا وكذا، فإذا أتاه عاين الشّيطان فعلمه، فإذا تعلّم خرج منه النّور، فنظر إليه ساطعًا في السماء، فيقول: يا حسرتاه! يا ويله! ماذا أصنع؟».
- وروى ابن ابي حاتم قول الحسن البصريّ في تفسير هذه الآية: «نعم، أنزل الملكان بالسّحر، ليعلّما النّاس البلاء الذي أراد اللّه أن يبتلي به النّاس، فأخذ عليهما الميثاق أن لا يعلّما أحدًا حتّى يقولا: {إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر}» .
وقال قتادة: «كان أخذ عليهما ألّا يعلّما أحدًا حتّى يقولا {إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر}أي: بلاءٌ ابتلينا به {فلا تكفر}».
وقال [قتادة و] السّدّيّ: «إذا أتاهما إنسانٌ يريد السّحر، وعظاه، وقالا له: لا تكفر، إنّما نحن فتنةٌ. فإذا أبى قالا له: ائت هذا الرّماد، فبل عليه. فإذا بال عليه خرج منه نورٌ فسطع حتّى يدخل السّماء، وذلك الإيمان. وأقبل شيءٌ أسود كهيئة الدّخان حتّى يدخل في مسامعه وكلّ شيءٍ [منه]. وذلك غضب اللّه. فإذا أخبرهما بذلك علّماه السّحر، فذلك قول اللّه تعالى:{وما يعلّمان من أحدٍ حتّى يقولا إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر}الآية».
2-اختبار الله تعالى الناس بالملكين ، بحيث جعل المحنة في الكفر والإيمان أن يقبل القابل تعلم السحر، فيكون بتعلّمه كافراً, وبترك تعلمه مؤمناً؛ واستدلوا على ذلك : أن فرعون فزع في أمر موسى صلى الله عليه وسلم إلى السحر, فقال: {ائتوني بكل ساحر عليم}, وهذا ممكن أن يمتحن اللّه به كما امتحن بالنهر في قوله: {إنّ اللّه مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنه منّي إلّا من اغترف غرفة بيده}، وهذا القول أجازه الزجاج.
3- إن السحر ما أنزل على الملكين، ولا أمرا به، ولا أتى به سليمان عليه السلام, فقال قوم: {وما كفر سليمان ولكنّ الشّياطين كفروا يعلّمون النّاس السّحر وما أنزل على الملكين}.
فعليه يكون "ما" جحدا.
ويكون "هاروت" و"ماروت" من صفة الشياطين، على تأويل هؤلاء: كان الشياطين هاروت وماروت.
ويكون معنى قولهما {إنّما نحن فتنة فلا تكفر} كقول الغاوي والخليع: أنا في ضلال فلا ترد ما أنا فيه.
وعقّب الزجاج على هذه الأقوال ؛أنّ القولان
الأولان أشبه بالتأويل، لقربها عند كثير من أهل اللغة، أما القول الثالث له وجه، إلا أن الحديث وما جاء في قصة الملكين أشبه وأولى أن يؤخذ به.
**************** **************** *****************
3: أجب عما يلي:
أ: كيف تردّ على من زعم أن السحر إنما هو تخييل لا حقيقة له؟
أنكر المعتزلة وبعض العلماء وجود السحر ، ولم يكتفوا بذلك بل كفّروا من اعتقد بوجوده، أمّا أهل السنة والجماعة فاعتقادهم أن السحر إنما هو حقيقة ومؤثر بإذن الله تعالى ، ونرد على من أنكر ؛بما جاءنا في الكتاب والسنة .
- قال تعالى :{ ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم }
والشاهد هنا قوله تعالى : (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد )، إذ أن التفريق بين الزوجين أو الإضرار بأي شخص دليل على حقيقة أثر السحر.
- قصة المرأة مع عائشة رضي اللّه عنها؛ وما ذكرت تلك المرأة من إتيانها بابل وتعلمها السحر.
-سحر لبيد بن الأعصم النبي صلى الله عليه وسلم، فشفاه الله تعالى وأنقذه منه ، دليل على حقيقة السحر أيضا .
- في الحديث: «لم يتعوّذ المتعوّذون بمثلهما» وهما المعوذتان، وكذلك قراءة آية الكرسيّ فإنّها مطّردةٌ للشّيطان، فهما من أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر.
- أيضا السحر حقيقي لأنه يمكن تعلمه وله أنواع فصل فيها أهل العلم .
ب: ما الموقف الصحيح من الإسرائيليات التي يذكرها بعض المفسّرين في تفسير قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان..}
أشار ابن عطية رحمه الله تعالى إلى أن الأخبار في قصة هاروت وماروت تزيد وتنقص لكن كل هذه الأخبار لا يقطع بها.
أمّا ابن كثير رحمه الله تعالى فأشار إلى ان حاصل الأخبار في قصة هاروت وماروت يعود التفصيل فيها للإسرائيليات ، ونحن نلتزم بما ذكره القرآن في مجمل القصة ، إذ لم يُذكر فيها حديث صحيح مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم .
وقد مر معنا مسبقا حول كيفية التعامل مع المرويات من الإسرائيليات،بالتوقف بما لم يبينه القرآن والسنة حيث قال صلى الله عليه وسلم :"إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم .."
ج: ما سبب نزول قول الله تعالى: {ودّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردّونكم...} الآية.
في سبب نزول قوله تعالى :{ودّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردّونكم...} أقوال:
- الأول : أنّ حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر أتيا بيت المدارس، فأراد اليهود صرفهم عن دينهم، فثبتا عليه فنزلت الآية.
- الثاني: أنّ هذه الآية تابعة في المعنى لما قبلها في النهي عن متابعة أقوال اليهود في راعنا وغيره، وأنهم لا يودون أن ينزل خير، ويودون أن يردوا المؤمنين كفارا.
- الثالث: أنها نزلت في حييّ بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب ، حيث كانا من أشدّ اليهود حسدا للعرب ، بسبب اصطفاء الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من بينهم ؛ فاجتهدا في رد الناس عن الإسلام ، فنزلت الآية ، وهذا ما رواه سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس.
- الرابع: أنها نزلت في كعب بن الأشرف اليهودي حيث كان شاعرًا؛ يهجو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت الآية فيه ؛وقد ذكره عبد الرزاق و ابن أبي حاتم عن الزهري عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالك عن أبيه.
**************** **************** *****************
4: فسّر بإيجاز قول الله تعالى:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)}.
هذه الآية الكريمة أتت في سياق الحديث عن الذين يتعلمون السحر من الملكين ، فقال تعالى :"ولو أنهم " أي لو أنّ من يتعلمون السحر ليفرقوا به بين المرء وزوجه، " آمنوا" بربهم وصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل إليه ، " واتقوا" أي واجتبوا ما حرّمه ، لكان لهم من الله "لمثوبة من الله" أي ثوابا وأجرا ،كما قال تعالى: {وقال الّذين أوتوا العلم ويلكم ثواب اللّه خيرٌ لمن آمن وعمل صالحًا ولا يلقّاها إلا الصّابرون}.
"خير" لهم مما اكتسبوا من فعل السحر ، " لو كانوا يعلمون " فيه قولان أي
يحتمل نفي العلم عنهم.
وقيل لو كانوا يعلمون علما ينفع.
=مسألة فقهية :
حكم الساحر :
اختلف في حكم الساحر منهم من كفّره استدلال بقوله تعالى :( ولو أنهم آمنوا واتقوا) ،كما هو روايةٌ عن الإمام أحمد بن حنبلٍ وطائفة من السلف.
وقيل: بل لا يكفر، لما رواه الشافعي وأحمد رحمهما اللّه ،ولكن حده ضرب عنقه.
واستدلوا على ذلك ما كتبه عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، أن اقتلوا كل ساحرٍ وساحرةٍ.
وما صحّ أنّ حفصة أمّ المؤمنين سحرتها جاريةٌ لها، فأمرت بها فقتلت. وغير ذلك من الأدلة .
******************* *************************** ************************
هذا والله تعالى أعلم .