المبحثُ الثاني
في أقسامِ التشبيهِ(10)
يَنْقَسِمُ التشبيهُ باعتبارِ وجهِ الشبَهِ(11) إلى(12) تمثيلٍ وغيرِ تمثيلٍ، فالتمثيلُ(13)
ما كان وجهُه(1) مُنْتَزَعاً(2) من مُتَعَدِّدٍ(3)، كتشبيهِ الثريَّا بعُنقودِ العنبِ الْمُنَوَّرِ(4)، وغيرُ التمثيلِ ما ليس كذلك(5)، كتشبيهِ النَّجْمِ بالدِّرهمِ(6).
(ويَنقسمُ)(7) بهذا الاعتبارِ(8) أيضاً(9) إلى(10) مُفَصَّلٍ ومُجْمَلٍ.
(فالأوَّلُ)(11) ما ذُكِرَ فيه وجهُ الشبهِ(12)، نحوُ(13):
وثَغْرُه(1) فى صفاءٍ(2) ..... وأَدمُعِى(3) كاللآلِي(4)
(والثانى)(5) ما ليس كذلك(6)، نحوُ: النحوُ فى الكلامِ كالمِلْحِ فى الطعامِ(7)
(ويَنقسمُ)(8) باعتبارِ أداتِه(9) إلى(10) مؤكَّدٍ وهو ما حُذِفَتْ أداتُه(11)،
نحوُ: هو بحرٌ فى الْجُودِ(1). ومُرْسَلٍ(2)، وهو ما ليس كذلك(3)، نحو: هو كالبحرِ كَرَماً(4).
ومن المؤكَّدِ ما أُضِيفَ فيه المشبَّهُ به إلى المشبَّهِ(5)، نحوُ(6):
والريحُ تَعبَثُ بالغصونِ(7) و(8) قد جَرَى ..... ذَهَبُ الأصيلِ(9) على لُجَيْنِ الماءِ(10)
_______________________
(10) المبحثُ الثاني في أقسامِ التشبيهِ
(11) باعتبارِ وجْهِ الشَّبهِ وباعْتبارِ الأداةِ (يَنقسمُ التشبيهُ باعتبارِ وجهِ الشبَهِ) أي: باعتبارِ انتزاعِه من متعدِّدٍ أو عدمِ انتزاعِه منه.
(12) (إلى) قسمين؛
(13) (تمثيلٍ وغيرِ تمثيلٍ. فالتمثيلُ) أي: فالتشبيهُ الْمُسَمَّى تمثيلاً هو.
(1) (ما كان وجهُه) أي: وجهُ الشبَهِ فيه وصْفاً.
(2) (مُنْتَزَعاً) أي: مأخوذاً
(3) (من مُتَعَدِّدٍ) أي: أمرين, أو أمورٍ, والمرادُ بالمتعدِّدِ ما له تعدُّدٌ في الجملةِ, سواءٌ كان ذلك التعدُّدُ متعلِّقاً بأجزاءِ الشيءِ الواحدِ أو لا
(4) (كتشبيهِ الثُّرَيَّا بعُنقودِ العِنبِ الْمُنَوَّرِ) في قولِ أُحَيْحَةَ الْجَلاَّحِ:
وقد لاحَ في الصبْحِ الثريَّا كما تَرى ..... كعُنقودِ مُلاَّحِيَّةٍ حينَ نوَّرا
فالطرَفان وهما الثُّرَيَّا وعُنقودُ العِنبِ مُفرَدان, ووجهُ الشبَهِ الجامعُ بينَهما هيئةٌ منتزَعةٌ من أجزاءِ كلٍّ، ومن وصفِه ووصْفِ جزئِه أعنِي هيئةً حاصلةً من اجتماعِ أجرامٍ بيضٍ مستديرةٍ صغارِ المقاديرِ في كلٍّ.
(5) (وغيرُ التمثيلِ ما ليس كذلك) أي: ما لم يكنْ وجهُ الشبَهِ فيه منتزَعاً من متعدِّدٍ بأن كان مفرَداً.
(6) (كتشبيهِ النجمِ بالدرهمِ) فوجهُ الشبَهِ الاستدارةُ, وليس منتزَعا من متعدِّدٍ. هذا هو مذهبُ الجمهورِ، وذَهَبَ السكَّاكِيُّ إلى أنه يُشترَطُ في وجهِ الشبَهِ المنتزَعِ من متعدِّدٍ في التمثيلِ كونُه غيرَ متحقِّقٍ حِسًّا ولا عقْلاً، بل كان اعتباراً وهْمِيًّا فيَنحصِرُ عندَه في التشبيهِ الذي وجهُه مركَّبٌ اعتباريٌّ وهميُّ، كحِرمانِ الانتفاعِ بأبلغِ نافعٍ مع الكَدِّ والتعَبِ في استصحابِه في تشبيهِ مثلِ اليهودِ بمثلِ الْحِمارِ في قولِه تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ...} الآيةَ. فالتمثيلُ عندَ السَّكَّاكِيِّ أخَصُّ منه بتفسيرِ الجمهورِ وغيرُ التمثيلِ عندَه أعمُّ لصِدقِه بما لم يكنْ وجهُه منتزَعاً من متعدِّدٍ وبما كان منتزَعاً من متعدِّدٍ ولكن ليس وهميًّا ولا اعتباريًّا، بل كان وصفاً حقيقيًّا بأن كان حِسِّيًّا أو عقليًّا فبينَ المذهبين عمومٌ وخصوصٌ باعتبارِ الصدقِ.
(7) (ويَنقسمُ) التشبيهُ.
(8) (بهذا الاعتبارِ) أي: باعتبارِ ذكْرِ وجْهِ الشبَهِ وعدَمِ ذكْرِه.
(9) (أيضاً) أي: كما يَنقسمُ الانقسامَ السابقَ.
(10) (إلى) قسمين.
(11) (مفصَّلٌ ومجمَلٌ فالأوَّلُ) أي: التشبيهُ المفصَّلُ.
(12) (ما ذُكِرَ فيه وجهُ الشبَهِ) أعمُّ من أن يكونَ المذكورُ وجهَ الشبَهِ حقيقةً.
(13) (نحوُ) قولِ الشاعرِ:
(1) (وثَغْرُه) أي: أسنانُ ثَغْرِه أي: فَمِهِ مبتدأٌ
(2) (في صفاءٍ) وجهُ الشبَهِ.
(3) (وأَدمُعِي) معطوفٌ على ثغرِه أي: في صفاءٍ أيضاً.
(4) (كاللآلي) أي: كالجواهرِ الصافيةِ، فوجْهُ الشبَهِ وهو الصفاءُ مذكورٌ، ووصَفَ الدموعَ بالصفاءِ إشعاراً بكثرتِها لاقتضاءِ الكثرةِ تغسيلَ المنبَعِ وتنقيتَه من الأوساخِ التي تَمتزِجُ بالماءِ، ومن لازمِ ذلك صفاءُ الدمْعِ بخلافِ القليلِ فيَصِحُّ معه بقاءُ تَكدُّرِ المنبَعِ بالأوساخِ فلا يَصفُو، أو يكونَ المذكورُ ملزومَ وجهِ الشبَهِ فيُطلَقُ عليه أنه وجهُ الشبَهِ تَسامُحاً، وإن كان وجهُ الشبَهِ حقيقةً هو اللازمَ الذي لم يُذكَرْ، نحوُ قولِهم في الكلامِ الفصيحِ: هو كالعَسَلِ في الحلاوةِ، فإن الجامعَ لازمُها وهو ميلُ الطبْعِ واستحسانُه للكلامِ، لا نفسُ الحلاوةِ؛ لأنها من خواصِّ المطعوماتِ.
(5) (والثاني) أي: التشبيهُ المجمَلُ.
(6) (ما ليس كذلك) أي: ما لم يُذْكَرْ فيه وجهُ الشبَهِ بشيءٍ سُمِّيَ بذلك لإجمالِ وجهِه سواءٌ كان هذا الوجهُ الغيرُ المذكورِ ظاهراً يَفْهَمُه كلُّ مَن له مَدْخَلٌ في استعمالِ التشبيهِ، نحوُ: خالدٌ كالأسدِ، فإنَّ كلَّ أحدٍ يَفهمُ من هذا الكلامِ أنَّ وجهَ الشبَهِ هو الجراءةُ لكونِه أشهرَ أوصافِ الأسدِ و.
(7) نحوُ: (النحوُ في الكلامِ كالْمِلحِ في الطعامِ) أي: أنَّ الكلامَ لا تَحصُلُ منافعُه من الدَّلالةِ على المقاصدِ, إلا بمراعاةِ القواعدِ النحويَّةِ، كما أنَّ الطعامَ لا تَحصُلُ به التغذِيَةُ على وجهِ الكمالِ ما لم يصلُحْ بالْمِلْحِ، فوجهُ الشبَهِ هو صلاحُ كلٍّ من الكلامِ والطعامِ بإعمالِ كلٍّ من النحوِ والْمِلْحِ على الوجهِ اللائقِ وفسادُ كلٍّ منهما بإهمالِها، وهذا ظاهرٌ، أو خَفِيًّا لا يُدْرِكُه إلا الخواصُّ الذين أُعْطُوا ذِهْناً يُدْرِكون به الدقائقَ والأسرارَ كقولِ كعْبِ بنِ سعْدٍ الأشعَرِيِّ: هم كالحَلْقَةِ المُفْرَغَةِ لا يُدْرَى أين طَرَفاها، أي: أصولُهم وفروعُهم متناسِبَةٌ في الشرَفِ كما أنَّ الحلْقةَ الْمُفْرَغَةَ في قالَبٍ متناسِبةُ الأجزاءِ في الصورةِ، فوجْهُ الشبَهِ بينَهما التناسُبُ الكلِّيُّ الذي يَمتنِعُ منه التفاوتُ، وإن كان ذلك التناسبُ في المُشبَّهِ تناسُباً في معنى الشرَفِ وفي المُشبَّهِ به تناسُباً في صورةِ الأجزاءِ ولا يَخفَى أنَّ هذا الوجهَ في غايةِ الدِّقَّةِ لا يُدْرِكُه إلا الخواصُّ.
(8) (ويَنقسمُ) التشبيهُ.
(9) (باعتبارِ أداتِه) أي: حذفِها وذِكْرِها.
(10) (إلى) قسمين؛ مؤكَّدٌ.
(11) (وهو ما حُذِفتْ أداتُه) حذْفاً يُعتبَرُ معه تَناسِي التقديرِ، سواءٌ حُذِفَ وجهُ الشبَهِ أولم يُحذَفْ، فالأوَّلُ نحوُ: هو بحرٌ، ويُسَمَّى حينئذٍ تشبيهاً بليغاً. والثاني.
(1) نحوُ: (هو بحرٌ في الجُودِ) سُمِّيَ مؤكَّداً لتأكُّدِه بحذفِ الأداةِ حيث جُعِلَ المُشبَّهُ عينَ المُشبَّهِ به وصادِقاً عليه.
(2) (ومرسَلٍ) بالجرِّ.
(3) (وهو ما ليس كذلك) أي: ما لم تُحْذَفْ أداتُه بأن ذُكرَتْ.
(4) (نحوُ: هو كالبحرِ كَرَماً) أي: من جهةِ الكرَمِ سُمِّيَ مُرْسَلاً لإرسالِه من التوكيدِ.
(5) (ومن المؤكَّدِ ما أُضيفَ فيه المُشبَّهُ به إلى المُشبَّهِ) أي: بعدَ حذْفِ الأداةِ وتقديمِ المُشبَّهِ به على المُشبَّهِ بل هذا أوْكَدُ من غيرِه؛ لأنَّ الإضافةَ فيه تُجْعَلُ بيانيَّةً وهي تَقتَضِي الاتِّحادَ في المفهومِ والماصدَقَ معاً بخلافِ ما إذا لم تكنْ إضافةً كالمثالين السابقين فلا يُقْتَضَي الاتِّحادُ في الماصَدَقِ.
(6) (نحوُ) قولِ الشاعرِ:
(7) (والريحُ تَعبَثُ بالغُصونِ) أي: تُحرِّكُها تحريكاً كفعْلِ اللاعبِ العابثِ.
(8) (و) الحالُ.
(9) (قد جَرَى ذهَبُ الأصيلِ) أي: بَدَتْ الصُّفْرَةُ في الوقتِ المُسَمَّى بالأصيلِ, وهو من بعدِ العصرِ إلى الغروبِ.
(10) (على لُجَيْنِ الماءِ) أي: على الماءِ الذي هو كاللُّجَيْنِ, أي: الفضَّةِ في الصفاءِ والإشراقِ، وهذا تشبيهٌ مؤكَّدٌ يَجعلُ المُشبَّهَ عينَ المُشبَّهِ به بواسطةِ جعْلِ الإضافةِ بيانيَّةً.