دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > البرامج الخاصة > البرامج الخاصة > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #51  
قديم 1 ربيع الثاني 1436هـ/21-01-2015م, 10:18 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي الكتابة عن الشيخ

وهي تختلف من شيخ إلى آخر؛ فبعضهم بطيء وبعضهم سريع، وبعضهم يلقي إلقاء وبعضهم يملي إملاء.
وللكتابة عن الشيخ أدب وشرط، فأما الأدب فهو استئذانه في الكتابة وأما الشرط فوجوب الإشارة إلى أنك كتبت ذلك عن شيخك سماعا من درسه، وهذا يسمى كتابة التقرير وذلك حتى لا يظن أن الشيخ قد أملى ذلك إملاء.

رد مع اقتباس
  #52  
قديم 2 ربيع الثاني 1436هـ/22-01-2015م, 01:14 AM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي التلقي عن المبتدع

أصل البدع اتباع الهوى وتقديمه على الشرع، وتسميتها بغير اسمها عقلا جناية، فالعقل الصريح (الخالي من الشهوات والشبهات) لا يمكن أن يعارض النقل الصحيح. وبعضهم كاصوفية يسمون هواهم وجدا وزوقا ويقدمونه على النقل. وأحرى بطالب العلم إن كان في سعة واختيار ألا يأخذ العلم من مبتدع، فإن ذلك يأتي بمفسدتين:

  1. اغترار صاحب البدعة بنفسه
  2. اغترار الناس بهذا المبتدع
وكان السلف يشتدون على المبتدعة فلا يصلون عليهم إذا ماتوا، وهذا قولا واحدا إذا كانت بدعتهم مكفرة، أما لو كانت غير مكفرة فينظر للمصلحة، وكان سهل بن عبد الله التستري يرى أنه لا يباح للمبتدع أن يأكل الميتة وإن اضطر لأنه باغ والله تعالى يقول"فمن اضطر غير باغ"، ولكن كلامه فيه نظر لأن معنى الآية غير مبتغ لأكل الميتة، وكانوا يرون طردهم من المجالس كما فعل الإمام مالك مع من جاء يسأل عن كيفية الاستواء.

أما في حال الدراسة النظامية وليس لطالب العلم أن يختار شيخه فيقال له خذ خيره ودع شره، وإذا تكلم ببدعته فناقشه بما يدحضها إن آتاك الله علما وإلا فارفعه لمن يقدر على مناقشته، ويجوز التحديث عن المبتدع عند الضرورة إذا كانت بدعته غير مكفرة مع بيان حاله.
  • البدعة هي التعبد إلى الله تعالى بغير ما شرع
  • العامي من العموم وليس من العمى
  • القدرية من المبتدعة يقولون لا قدر والأمر أنف فيما يخص أفعال العباد
  • هجر المبتدع يبنى على المصلحة والمفسدة
  • احذر مجادلة المبتدع بدون علم

رد مع اقتباس
  #53  
قديم 16 جمادى الأولى 1436هـ/6-03-2015م, 01:00 AM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي

الدرسُ الخامسُ: بيانُ معنَى دينِ الإسلامِ


لا دين بعد بعثته صلى الله عليه وسلم إلا دين الإسلام قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ[آل عمران: ١٩]. وقال تعالى:﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) [آل عمران: ٨٥].
والإسلامُ معناه: الإخلاصُ لله والخضوع لأوامرِه، أي هو عقيدةٌ وشَريعةٌ؛ والعقيدةُ لا تقوم إلا على العلمِ الصحيحِ، والشريعةُ أحكامٌ يَجِبُ امتثالُها، ويجمع ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: ٥].
وبهذا تَعْرِفُ أن المُشْرِكَ غيرُ مسلمٍ؛ لانخرام ركن الإخلاص، والمُسْتكبِرُ غيرُ مُسلمٍ؛ لانخرام ركن الانقياد.
قال اللهُ تعالى: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173)[النساء: ١٧٢–١٧٣].
فصل: والمسلمون يتفاضلون بتفاضلهم في ركني الإسلام؛ الإخلاص والانقياد، فهُم على مراتبِ الدين الثلاثةِ كَمَا فِي حديثِ جبريلَ الطويلِ، وهي:
1: مَرْتبةُ الإسلامِ.
2: مَرْتبةُ الإيمانِ.
3: مَرْتبةُ الإحسانِ.
وأفضلُ هذه المَراتبِ مَرْتبةُ الإحسانِ، ثم مَرْتبةُ الإيمانِ، ثم مَرْتبةُ الإسلامِ.
فكلُّ مُؤمِنٍ مُسلمٌ، وليسَ كلُّ مسلمٍ مُؤمِنًا.
وأركانُ الإسلامِ خمسةٌ كما في الصحيحين من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَر رضِي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ: شهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وحَجِّ البيتِ، وصَوْمِ رَمَضانَ)).
فصل: والمؤمنون يَتفاضلون في الإيمان أيضا؛ لأنَّ الإيمانَ تصديقٌ بالقَلْبِ، وقولٌ باللسانِ، وعَمَلٌ بالجوارحِ، يَزِيدُ ويَنْقُصُ، فكلما كانَ العبدُ أعْظَمَ تصديقًا وأحْسَنَ قَوْلاً وعَمَلاً كان إيمانُه أعظمَ.
وإذا فَعَل العبدُ المَعْصيةَ نقَصَ من إيمانِه؛ فإذا تابَ وأصْلَحَ تابَ اللهُ عليه.
واستكمالُ الإيمانِ وَصَفَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقولِه: ((مَن أحَبَّ للهِ، وأبْغَضَ للهِ، وأعْطَى للهِ، ومَنَعَ للهِ، فقَدِ اسْتَكْمَلَ الإيمانَ)). رواه أبو دَاوُدَ وغيرُه من حديثِ أبي أُمامة البَاهِلِيِّ رضِي الله عنه.
والحُبُّ للهِ أعمُّ من الحُبِّ في اللهِ، فهو يَشْمَلُ مَحَبَّةَ كلِّ ما يُحَبُّ لله جل وعلا من الأشخاصِ والأعمالِ والأقوالِ والأحوالِ والمقاصدِ والأخلاقِ والأَمْكِنَةِ والأزمنةِ وغيرِها.
وكذلك العطاءُ للهِ أعمُّ من أن يكونَ المرادُ به عطاءَ المالِ، بل هو شامِلٌ لكلِّ ما يُعْطَى من مالٍ وَجَاهٍ وعِلْمٍ وجُهْدٍ ووَقْتٍ، وكذلك المَنْعُ.

فصل: وأُصولُ الإيمانِ سِتَّةٌ، بَيَّنَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقولِه: ((الإيمانُ أن تُؤْمِنَ باللهِ وملائكتِه وكُتُبِه ورُسلِه واليَوْمِ الآخِرِ وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِه وشَرِّهِ)).
وهذه الأصولُ يَجِبُ على كلِّ مسلمٍ الإيمانُ بها، ومَن كَفَر بأصْلٍ منها فهو كافرٌ غيرُ مُسلمٍ.
والإيمانُ له شُعَبٌ تَتَفَرَّعُ عن هذه الأصولِ فعن أبي هُريرةَ رضِي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَن الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِن الإِيمَانِ)) رواه مسلم.
فشُعَبُ الإيمانِ هي خِصالُه وأجزاؤُه، ومنها قلبيٌّ وقوليٌّ وعمليٌّ، وقد مثَّل النبيُّ صلى الله عليه وسلم لكلِّ نوعٍ بمثالٍ: فقولُ (لا إلهَ إلا اللهُ) قولٌ باللسانِ، وإماطةُ الأذى عَمَلٌ، والحياءُ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ.
وقد يَجْمَعُ العَبْدُ شُعَبًا من الإيمانِ وشُعَبًا من النِّفاقِ فيَكونُ فيه بَعْضُ خِصالِ النِّفاقِ حتى يَدَعَها، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنافِقًا خَالِصًا، ومَن كانتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كانت فيه خَصْلَةٌ من النِّفاقِ حتى يَدَعَها؛ إذا اؤتُمِنَ خانَ، وإذا حدَّث كَذَب، وإذا عاهَدَ غَدَر، وإذا خاصَمَ فَجَرَ)). متفق عليه.

فصل: والإحسانُ بيَّنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقولِه: ((الإحسانُ أن تَعْبُدَ اللهَ كأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لم تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ)).
وقد خَلَقَنَا اللهُ تعالى للابتلاء والعبرة بإحسان العمل وليس بكثرته قال تعالى:﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ[الملك: ٢]، قال فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ: (﴿أَحْسَنُ عَمَلاً أي أخلصه وأصوبه)، فالعَمَلُ لا يَكونُ حَسَنًا حتى يَكُونَ خَالِصًا للهِ تعالى، وصَوَابًا على سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولهذا فمن نواقضِ الإحسانِ: الشِّرْكَ والبِدْعَةَ والغُلُوَّ والتفريطَ، فالمُشْرِكُ مُسِيءٌ غَيْرُ مُحْسِنٍ، وكذلك المُبْتَدِعُ والغَالي والمُفَرِّطُ.
والإحسانُ على دَرَجتينِ:
الإحسانُ الوَاجِبُ: وهو تحقيق شرطي الإحسان في الواجبات الشرعية بأداءها بإخلاص ومتابعة.
والإحسانُ المُسْتَحَبُّ: وهو أيضا
تحقيق شرطي الإحسان في المستحبات الشرعية بأداءها بإخلاص ومتابعة، وأيضا التَّوَرُّعُ عن المُشْتَبِهاتِ والمَكْرُوهاتِ؛ ولا يُكَلِّفُ نفسَه ما لا يُطِيقُ، ولا يُفَرِّطُ بتَرْكِ ما يَتَيَسَّرُ له.
والإحسانُ يَكونُ في كلِّ عِبادةٍ بحَسَبِها:
فإِحسانُ الوُضوءِ يَكونُ بإِسباغِه وتكميلِ فروضِه وآدابِه وعدمِ مُجاوَزَةِ الحَدِّ المَشْروعِ من الغَسَلاتِ.
وإحسانُ الصلاةِ يكونُ بإقامتِها وأدائِها في أوَّلِ وَقْتِها بخُشوعٍ وطُمأنينةٍ وحُضورِ قَلْبٍ، ويُصَلِّيها صَلاةَ مُوَدِّعٍ، فيُكَمِّلُ فُروضَها وسُنَنَها كأنه يَرَى اللهَ عز وجل.
وإحسانُ الزَّكَاةِ والصَّدقةِ أنْ يُؤدِّيَ ما يَتصدَّقُ به مُتقرِّبًا إلى اللهِ عز وجل يرجو رَحْمتَه ويَخْشَى عذابَه، لا يُريدُ مِمَّن أحْسَنَ إليه جَزاءً ولا شُكورًا، ولا يُتْبِعُ نفقتَه مَنًّا ولا أَذًى، ويَتحرَّى إخراجَ الطَّيِّبِ من المالِ، فلا يُخرِجُ رديئَهُ وما تَعافُه النَّفْسُ، ولا يَمْطُلُ بصدقتِه ولا يُعَسِّرُ على المُحتاجِ في أَخْذِها، ولا يَتعالَى عليه، ولا يُسَمِّعُ بنَفَقتِه ولا يُرائِي بها.
وتحصيل الإحسان غاية عزيزة ولكن من تحره وتضرع إلى الله تعالى يرجى له تحصيل الإحسان، قال أبو الدَّرْداءِ رضِي اللهُ عنه: (إِنَّمَا العِلْمُ بالتَّعلُّمِ والحِلْمُ بالتَّحلُّمِ، ومَن يَتَحَرَّ الخيرَ يُعْطَه، ومَن يَتَوقَّ الشَّرَّ يُوقَه).
و
الإحسانُ مكتوبٌ على كلِّ شيءٍ، ففي صَحيحِ مُسلمٍ من حديثِ شَدَّادِ بنِ أَوْسِ بنِ ثابتٍ رضِي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ اللهَ كتَبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ؛ فإذا قَتَلْتُم فأحسِنوا القِتْلةَ، وإذا ذَبَحْتُم فأَحْسِنوا الذِّبْحةَ، وَلْيُحِدَّ أحدُكُم شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبيحَتَهُ))، وهذا مِمَّا يُبيِّنُ أهَمِّيَّةَ الفِقْهِ في الدينِ، فبه يَعْرِفُ طالبُ الإحسانِ هَدْيَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سائرِ الأمورِ.
ولا يُدرِكُ العبدُ مَرْتبةَ الإحسانِ إلا بإعانةِ اللهِ وتَوْفيقِه، ولذلك شُرِعَ للعبدِ أن يَدْعُوَ دُبُرَ كلِّ صَلاةٍ: ((اللهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عِبادتِكَ)).

رد مع اقتباس
  #54  
قديم 16 جمادى الأولى 1436هـ/6-03-2015م, 11:05 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي

الدرس السادس: بَيانُ معنَى العِبادةِ


العِبادةُ هي: هي غاية الحب مع غاية الذل والانقياد، وكل ما يتقرب به إلى المعبود فهو عبادة، والعبادة اصطلاحا اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، والعبادةُ تكونُ بالقلبِ واللسانِ والجوارحِ، وقد أمر الله تعالى بإخلاص العبادة له وحده فقال تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ[الزمر: ١١]. وأمر باتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: ٧] وهذان هما شرطا العبادة؛ الإخلاص والمتابعة.
وغاية الخلق هي عبادة الله تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦].

وبهذا تَعْلَمُ أن ما يَقْدَحُ في عُبودِيَّةِ العبدِ لرَبِّه عز وجل على ثَلاثِ دَرَجاتٍ:
الأُولَى: الشِّرْكُ الأكبرُ، وهو صرف العبادة لغير الله تعالى، ومن فعل ذلك خرج من ملة الإسلام وحبط عمله وإن مات على ذلك فهو خالد مخلد في النار (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
الدرجةُ الثانيةُ: الشِّرْكُ الأَصْغَرُ، ومنه الحلف بغير الله وقول "ما شاء الله وشئت" والرياء، والرياء محبط للعمل مع الإثم، وقد جاء في الحديث القدسي: [أنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عن الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلاً أشْرَكَ معي فيه غيري تَرَكْتُه وشِرْكَه] رواه مسلمٌ من حديثِ أبي هُريرةَ رضِي الله عنه.
ومن الشِّرْكِ الأَصْغَرِ أن يَتعَلَّقَ قَلْبُ العَبْدِ بالدنيا حتى تكونَ أكْبَرَ هَمِّه ويُضَيِّعَ بسَبَبِها الواجباتِ ويَرْتَكِبَ المُحرَّماتِ، وقد قال النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ((تعِسَ عَبدُ الدِّينارِ وعَبْدُ الدِّرْهمِ وعبدُ الخَمِيصةِ إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وإنْ لم يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وانتكَسَ وإذا شِيكَ فلا انْتَقَشَ)). رواه البخاريُّ من حديثِ أبي هُريرةَ رضِي اللهُ عنه، وقد بَيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم الضابطَ في ذلكَ فقالَ: ((إنْ أُعْطِيَ منها رَضِيَ وإن لم يُعْطَ سَخِطَ)) ، وهذا من شأنِ المُنافِقِينَ، كما قال اللهُ تعالى فيهم: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [التوبة: ٥٨]، فرِضَاهُم لغَيْرِ اللهِ وسَخَطُهم لغيرِ اللهِ.
الدرجةُ الثالثةُ: فِعْلُ المعاصي، وذلك بارتكابِ بعضِ المُحرَّماتِ أو التفريطِ في بعضِ الواجباتِ، وكلما عَصَى العبدُ رَبَّه كان ذلك نَقْصًا في تَحْقيقِه العبوديةَ للهِ تعالى، وأفضل الناس عبادة أكثرهم استقامة على أمر الله تعالى
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)

ومدارُ عُبودِيَّةِ القَلْبِ على ثلاثةِ أمورٍ عظيمةٍ هي: المَحَبَّةُ، والخَوْفُ، والرَّجاءُ.
ويَجِبُ على العَبْدِ أن يُخْلِصَ هذه العباداتِ العظيمةَ للهِ تعالى:
فيُحِبَّ اللهَ تعالى أعظمَ مَحَبَّةٍ، ولا يُشْرِكَ معه في هذه المَحبَّةِ العظيمةِ أحدًا من خلقِه، كما قال اللهُ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة: ١٦٥].قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)
ويَخافَ من سَخَطِ اللهِ وعِقابِه، حتى يَنْزجِرَ عن فعلِ المعاصي من خَشْيةِ اللهِ تعالى.
ويَرْجوَ رحمةَ اللهِ ومَغْفرتَه وفَضْلَهُ وإحسانَهُ.
ومَن كان كذلكَ فإنه لا يَيْأسُ من رَوْحِ اللهِ، ولا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ، بل يَبْقَى جامِعًا بينَ الرَّجاءِ والخَوفِ كما أمَرَ اللهُ تعالى عبادَه بقولِه: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ[الأعراف: ٥٦].
فالدُّعاءُ هنا يَشْمَلُ دُعاءَ المَسْألةِ ودُعاءَ العِبادةِ.

رد مع اقتباس
  #55  
قديم 22 جمادى الأولى 1436هـ/12-03-2015م, 12:51 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي

الدرس السابع: بيانُ معنَى الكُفْرِ بالطاغوتِ

لا يصح التوحيد ولا يقبل إسلام إلا بالكفر بالطاغوت قال اللهُ تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:٢٥٦].
فالطاغوتُ هو: كل ذي طغيان يعبد من دون الله بأي نوع من أنواع العبادات (من دعاء أو استغاثة أو نذر أو ذبح أو تقديم حكمه على حكم الله) ويرضى بذلك إن كان له إرادة.
والطواغيتُ التي تُعْبَدُ من دُونِ اللهِ تعالى كثيرةٌ، وأشْهَرُ أصْنَافِ الطَّواغيتِ وأَكْثَرُها طُغْيانًا وصَدًّا عن سَبيلِ اللهِ ثلاثةٌ: الشيطانُ الرَّجيمُ، والأوثانُ التي تُعْبَدُ من دونِ اللهِ، ومَن يَحْكُمُ بغيرِ ما أنْزَلَ اللهُ، ومنها أيضا السحرة والكهان والعرافون.

الصِّنْفُ الأولُ: الشَّيْطانُ الرَّجيمُ وهو أصْلُ كلِّ شِرْكٍ وطُغْيانٍ.
كلُّ عِبادةٍ لغيرِ اللهِ تعالى فهي في حَقيقةِ الأمرِ عِبادةٌ للشَّيْطانِ؛ لأنه سَبَبُها والداعِي لها.
قال اللهُ تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس: ٦٠–٦١].
وقال تعالى: ﴿لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)[النساء: ١١٦–١٢١]
وقد جعَلَ اللهُ تعالى من عُقوبةِ المُعْرِضينَ عن ذِكْرِه تَسْلِيطَ الشَّياطِينِ عليهم، قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)[الزخرف: ٣٦–٣٩].
واجتنابُ هذا الطاغوتِ يَكونُ ب
1- الإيمانُ باللهِ 2 -والتَّوكُّلُ عليه، 3-والإخلاصُ 4- تَكْرَارُ الاستعاذةِ باللهِ منه، 5-والحَذَرِ من كَيْدِه، 6-وعَدَمِ اتباعِ خُطُواتِه،7- كثرةُ ذِكْرِ اللهِ، 8-والتَّعْويذات الشَّرعيَّة ومنها التسمية عند كل أمر وكظم التثاؤب ووضع اليد على الفم.
وتَوَلِّي الشَّيْطانِ يَكونُ ب1-اتِّباعِ خُطُواتِه 2-وتَصْديقِ وُعُودِه 3-واستشرافِ أَمَانِيِّه 4-وفِعْلِ ما يُزَيِّنُه من المعاصي، 5-والإعراضِ عن هُدَى اللهِ تعالى؛ فمَن فعَلَ ذلك فقد تَولَّى الشيطانَ.
وكذلك ما يَجِدُ به الشيطانُ على الإنسانِ مَدْخَلاً للتسلطِ عليه كالغَضَبِ الشديدِ، والفَرَحِ الشَّديدِ، والانْكِبابِ على الشَّهواتِ، والشُّذُوذِ عن الجماعةِ، والوَحْدةِ، ولا سِيَّما في السَّفَرِ، ونَقْلِ الحديثِ بينَ الناسِ، وخَلْوةِ الرجُلِ بالمرأةِ، والظنِّ السَّيِّئِ، وغِشْيانِ مَواضِعِ الرِّيَبِ.
وفي صَحيحِ مُسلمٍ من حديثِ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضِي اللهُ عنه أن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: ((إذا تَثَاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ ما اسْتَطَاعَ؛ فإنَّ الشَّيْطانَ يَدْخُلُ في فِيهِ)).
وفي رِوَايةٍ لأحْمَدَ وعبدِ الرَّزَّاقِ: ((إذا تَثَاوَبَ أحَدُكم فَلْيَضَعْ يَدَهُ على فِيهِ؛ فإنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مع التَّثَاوُبِ)).

الصِّنْفُ الثاني: الأوثانُ التي تُعْبَدُ من دونِ اللهِ عز وجل
وهذه الأوثان أنواعٌ: الأصنام والثماثيل - بعض الأشجار والأحجار التي تعظم - بعض التمائم الشركية التي تعظم - القبور والمشاهد
فمن الأوثان: الأصنامُ والتماثيلُ التي تُنْحَتُ على شَكْلِ صُوَرٍ؛ إما صُوَرِ رِجَالٍ أو حَيواناتٍ أو غيرِ ذلك؛ فمِن المُشْركِينَ مَن يَزْعُم أنها تَنْفَعُ وتَضُرُّ، ومنهم مَن يَزْعُم أنها تَشْفَعُ لمَن يَدْعُوها ويَتَقرَّبُ إليها بالذَّبْحِ والنَّذْرِ وسؤالِ الحَاجاتِ.
قال اللهُ تعالى: ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ[الصافات: ٩٥–٩٦].
وقال تعالى: ﴿ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) [الشعراء: ٦٩–٨٢].
ومن الأوثانِ: بعضُ الأشجارِ والأحجارِ المُعظَّمة التي يَعْتَقِدُ فيها بعضُ المُشْركينَ اعتقاداتٍ كُفْريَّةً، فيَعْتَقِدُونَ فيها النَّفْعَ والضُّرَّ وأنَّها تَشْفَعُ عندَ اللهِ عز وجل لمَن يَدْعُوها ويَتقَرَّبُ إليها.
ومن الأوثانِ: القُبورُ والمَشاهِدُ والأَضْرِحَةُ والمَقاماتُ التي تُعْبَدُ من دونِ اللهِ عز وجل، فيُطافُ حولَها تقرُّبًا لها، ويُذْبَحُ لها، وتُقَدَّمُ لها النُّذورُ والأموالُ، ويكونُ لبعضِها سَدَنَةٌ وخُدَّامٌ يَصُدُّونَ عن سبيلِ الله، ويأكلونَ أموالَ الناسِ بالباطلِ، ويُزَيِّنُونَ لهم سُؤالَ المَوْتَى قَضَاءَ الحاجاتِ ودَفْعَ البَلاءِ.
وقد قال النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ((اللهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ)) رواه مَالِكٌ.
بل نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن اتِّخاذِ القبورِ مَساجِدَ لئلا تَجُرَّ إلى عبادةِ المَقْبورينَ فيها، فعن جُنْدَبِ بنِ عبدِ اللهِ رضِي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ مَنْ كان قبلَكم كانوا يَتَّخِذُونَ قُبورَ أنبيائِهم وصَالحِيهم مَساجِدَ، ألا فلا تَتَّخِذوا القُبورَ مَسَاجِدَ، فإنِّي أنْهَاكُم عن ذلكَ)). رواه مُسلمٌ.
واتخاذ القبور مساجد هو أنْ 1-يُصَلَّى عَليها، أَو 2-يُصَلَّى إِلَيهَا، أو 3-يُبْنَى عَليهَا مَسجدٌ؛ فَمَن فَعَل واحدةً من هذِهِ الثَّلاثِ فقد وَقَع في المحذورِ.
ومن الأوثان: ما يَرْمُزُ للشركِ وعبادةِ غَيْرِ اللهِ عز وجل من الشِّعَاراتِ والتعاليقِ، ففي سُننِ التِّرْمذيِّ أن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم رَأَى في عُنقِ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ صَلِيبًا من ذَهَبٍ فقال له: ((يا عَدِيُّ، اطْرَحْ عنكَ هذا الوَثَنَ)).
وعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه أن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: ((يَجمعُ اللهُ الناسَ يومَ القيامةِ، فيقولُ: مَن كانَ يَعْبُدُ شيئًا فلْيَتبعه؛ فيَتبعُ مَن كانَ يَعبدُ الشَّمسَ الشَّمسَ، ويَتبعُ مَن كان يَعْبُدُ القَمَرَ القَمَرَ، ويَتبعُ مَن كانَ يَعْبُدُ الطَّواغِيتَ الطَّوَاغيتَ)). مُتَّفق عليه.
وهذا الاتباعُ يَكونُ إلى نارِ جَهَنَّم والعياذُ باللهِ، كما قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ [الأنبياء: ٩٨–١٠٠].
الحَصَبُ هو ما يُحْصَب به، أي يُحْذَفُ به.
وأمَّا مَن عُبِد من دونِ اللهِ وهو لا يَرْضَى بذلك، فليسَ بطاغوتٍ، وإنما اتَّخَذَه المشركون إلهًا وربًّا وطاغوتًا يَطْغُونَ بسَبَبِ اعتقادِهم فيه، وهو بَرِيءٌ من شِرْكِهم وطُغْيانِهم، قال اللهُ تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة: ٣١].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)[الأنبياء: ١٠١– ١٠٣].
وكذلك الأولياءُ الصالحونَ الذين عَبَدَهم بعضُ المُشْركينَ ظُلْمًا وزُورًا بَرِيئونَ من هذا الشِّرْكِ.
وأما مَن رضِي أن يُعْبَدَ من دونِ اللهِ تعالى أو دَعَا إلى عبادةِ نَفْسِه، فلا شَكَّ أنه من الطواغيتِ، كما قال فِرْعونُ لقومِه: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي[القصص: ٣٨].

الصِّنْفُ الثَّالِثُ: مَن يَحْكُمُ بغَيْرِ ما أنْزَلَ اللهُ
كلُّ مَن كانَ له سُلْطانٌ على الناسِ في بَلَدٍ من البُلْدانِ فأعْرَضَ عن تَحْكيمِ شَرْعِ اللهِ عزَّ وجلَّ فيهم، ووضَعَ لهم أحْكامًا يَحْكُم بها عليهم من تلقاءِ نفسِه؛ فيُحِلُّ لهم ما حَرَّم اللهُ، ويُحَرِّمُ عليهم ما أحلَّ اللهُ؛ فهو طاغوتٌ يُرِيدُ أن يُعْبَدَ من دونِ اللهِ عز وجل، وعبادتُه طاعتُه في تحليلِ الحرامِ وتحريمِ الحلالِ. وأيضا التحاكم في الأموال والأعراض والدماء لغير ما أنزل الله (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)
ودليلُ ذلك ما صَحَّ عن عَدِيِّ بن حاتمٍ الطائِيِّ رضِي الله عنه أنه سَمِعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ قولَ اللهِ تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ[التوبة: ٣١].
قال: فقلتُ: إنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهم.
قال: ((أليسَ يُحَرِّمونَ ما أحَلَّ اللهُ فتُحَرِّمُونَه، ويُحِلُّونَ ما حَرَّمَ اللهُ فتَسْتَحِلُّونَه ؟))
قلتُ: بَلَى
قال: ((فتلكَ عِبادتُهم)). رواه البخاريُّ في التاريخِ الكبيرِ، والتِّرمذِيُّ والطَّبَرانِيُّ، واللفْظُ له.
وقال حذيفةُ بنُ اليَمَانِ: (أمَا إنَّهم لم يُصَلُّوا لهم، ولكنَّهم كانوا ما أحلُّوا لهم من حَرامٍ اسْتحَلُّوه، وما حَرَّموا عليهم من الحَلالِ حَرَّموه؛ فتلك رُبوبيـَّتـُهم). رواه سعيدُ بنُ مَنصورٍ.
ومن الطواغيتِ: الكُهَّانُ والعَرَّافونُ والسَّحَرةُ الذين يَدَّعُون عِلْمَ الغَيْبِ ويَتحَاكَمُ إليهم الجَهَلةُ الضُّلالُ.
قال اللهُ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا[النساء: ٦٠].
ونهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن إتيانِ الكَهَنةِ والعَرَّافينَ والسَّحَرةِ، فعن أبي هُريرةَ رضِي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَن أتَى كاهنًا أو عَرَّافًا فصَدَّقَهُ بما يقولُ، فقد كَفَرَ بما أُنْزِلَ على مُحمَّدٍ)). رواه الإمامُ أحمدُ من حديثِ أبي هُريرةَ رضِي الله عنه.
وقال ابنُ مسعودٍ رضِي الله عنه: ((مَن أتى كاهِنًا أو سَاحِرًا فصَدَّقه بما يقولُ فقد كَفَرَ بما أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ)). رواه البَزَّارُ.
والإِعْرَاضُ عن حُكْمِ اللهِ والتَّحَاكُمِ إلى شَرْعِه، وطَلَبُ حُكْمِ الطَّواغيتِ هو من أعمالِ المُنافقين الذين ذَمَّهم اللهُ في كتابِه الكريمِ؛ فقال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)[النور: ٤٧–٥٢].

فصل: وكلُّ مَن اتَّبَعَ الطاغوتَ فإنما يَزِيدُه اتِّباعُه إيَّاه ضَلالاً وخَسارًا وظُلْمةً، وأما مَن كَفَر بالطاغوتِ وآمَن باللهِ واتَّبَعَ هُداه فإنَّ اللهَ تعالى يُخرِجُه من الظُّلماتِ إلى النورِ، ويهديهِ سُبلَ السلامِ، ويُدْخِلُه في رحمتِه وفَضْلِه، قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: ٢٥٧].

رد مع اقتباس
  #56  
قديم 22 جمادى الأولى 1436هـ/12-03-2015م, 02:57 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي

الدرس الثامن: التحذيرُ من الشِّركِ وبَيانُ أنواعِه

أمرنا الله تعالى بعبادته ونهانا أن نشرك به شيئا فقال اللهُ تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء: ٣٦].
الشرك أعظم الظلم قال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[لقمان: ١٣].
الشرك يحرم الجنة ويجعل المآل إلى النار قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة: ٧٢].
من مات مشركا لا يغفر الله له ومن مات على غير ذلك من الذنوب قد يغفر الله تعالى له قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء: ١١٦].
لماذا كان الشرك أعظم ذنب؟ عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضِي الله عنه قال: سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ؟ قال: ((أنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ)). متفق عليه.
والشِّرْكُ هو: عبادةُ غيرِ اللهِ تعالى، فمَن دعا معَ اللهِ أحَدًا – دُعاءَ مسألةٍ أو دُعاءَ عبادةٍ فهو مُشركٌ كافرٌ؛ قد جَعَلَ للهِ شَرِيكًا ونِدًّا في عبادتِه؛ واللهُ تعالى لا يَرْضَى أن يُشْرَكَ معَه أحَدٌ في عبادتِه، لا نَبِيٌّ مُرسَلٌ، ولا مَلَكٌ مُقرَّبٌ، ولا غيرُهما؛ فالعبادةُ حَقٌّ للهِ وحدَه، قال اللهُ تعالى:﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ[يوسف: ٤٠].
مَن دعا من دُونِ اللهِ نِدًّا فهو مُشرِكٌ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون: ١١٧].

عقاب المشرك في الدنيا: مَقْتُ اللهِ وسَخَطُه كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ[غافر: ١٠].
1- الضلالِ والشقاءِ، 2-والخوفِ والحَزَنِ، 3-الحَيْرَةِ والشكِّ، والاضطرابِ 4-والمعيشةِ الضَّنْكِ، وإنْ مُتِّعوا في الدنيا مَتاعًا قليلاً إلى أجلٍ فهو عليهم عذابٌ ووَبَالٌ، قال اللهُ تعالى: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ[آل عمران: ١٩٦–١٩٧].
وأما في الآخرةِ 1- تُنْزَعُ أرواحُهم نَزْعًا شديدًا يُعذَّبون به، 2-ويُعذَّبون بالفَزَعِ من هَوْلِ المُطّلََعِ، ورُؤْيَةِ ملائكةِ العذابِ، 3-ويُعذَّبُونَ في قُبورِهم عذابًا شديدًا، 4-ويُعذَّبونَ إذا بُعِثوا بأهوالِ يومِ القيامةِ وبالفَزَعِ الأكبرِ، 5-ويُعذَّبون بطُولِ المَوقِفِ ودُنُوِّ الشمسِ منهم في يومٍ كانَ مِقْدارُه خمسين ألفَ سنةٍ، 6-ويُعذَّبُون في العَرَصاتِ 7-ثم يَكُونُ مَصِيرُهم إلى نارِ جَهَنَّم خَالِدِينَ فيها أبَدًا، لا يُخَفَّفُ عنهم من عَذَابِها، وما هم منها بمُخْرَجِين.
قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)[البقرة: ١٦١–١٦٢].
ومِمَّا يدُلُّ على عَظيمِ خَطَرِ الشِّرْكِ ووُجوبِ الحَذَرِ منه، أنَّ مَن أشْرَكَ باللهِ من بعدِ إسلامِه حَبِطَ عَمَلُه وكانَ من الكافرين الخاسرين، كأنه لم يَعْمَلْ من قبلُ شيئًا، فاللهُ لا يَقْبَلُ من مُشركٍ عملاً.
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) [الزمر: ٦٥–٦٦].

والشِّرْكُ على قِسْمَينِ:
أحَدُهما: الشِّرْكُ الأَكْبَرُ: ويَكونُ في الرُّبوبِيَّةِ والأُلوهيَّةِ:
أما الشِّرْكُ الأكْبَرُ في الرُّبوبيَّةِ فهو: اعْتقادُ شَرِيكٍ للهِ تعالى في أفعالِه من الخَلْقِ والرَّزقِ والمُلْكِ والتَّدْبيرِ.
وأمَّا الشِّرْكُ الأَكْبَرُ في الألوهيَّةِ فهو: دُعاءُ غيرِ اللهِ تعالى دُعاءَ مسألةٍ أو دُعاءَ عِبادَةٍ
ويكونُ الشركُ الأكبرُ بالقلبِ والقولِ والعملِ.

فمِثالُ الشركِ الأكبرِ القَلْبِيِّ: اعتقادُ أنَّ للأوثانِ تَصَرُّفًا في الكَوْنِ، وأنها تَعْلَمُ الغَيْبَ، وتَنْفَعُ وتَضُرُّ، ومَحَبَّةُ الأوثانِ والتَّوكُّلُ عليها والاستعانةُ بها
ومثالُ الشِّرْكِ بالقَوْلِ: دُعاءُ الأوثانِ من دُونِ اللهِ، والأقوالُ الكُفْريَّةُ التي يَكونُ فيها تَعْظيمٌ للأوثانِ ومَدْحٌ لها، وافتراءُ الكَذِبِ على اللهِ كادعاء أن له ولد.
ومِثالُ الشركِ بعَمَلِ الجَوَارحِ: الذَّبْحُ لغَيْرِ اللهِ، والنَّذْرُ له، والسُّجودُ له.
والشِّرْكُ الأكبرُ مُخْرِجٌ عن مِلَّةِ الإسلامِ، ومَن ماتَ ولم يَتُبْ منه لم يَغْفِرِ اللهُ له، بل هو مُوجِبٌ لسَخَطِ اللهِ ومَقْتِه والخُلودِ في نارِ جَهنَّم، والعياذُ باللهِ.

والقِسْمُ الآخَرُ: الشِّرْكُ الأَصْغَرُ، وهو ما كانَ وَسِيلةً للشِّرْكِ الأَكْبَرِ وسُمِّيَ في النُّصوصِ شِرْكًا من غيرِ أن يَتَضَمَّنَ صَرْفًا للعِبَادَةِ لغَيْرِ اللهِ عز وجل.
ويَكُونُ بالقَلْبِ والقَوْلِ والعَمَلِ:

فمِثالُ الشِّرْكِ الأَصْغَرِ القَلْبِيِّ: اعتقادُ السَّبَبِيَّةِ فيما لم يَجْعَلْهُ اللهُ سَبَبًا شَرْعًا ولا قَدَرًا، كاعتقادِ نَفْعِ التمائمِ المُعَلَّقَةِ في دَفْعِ البلاءِ، والطِّيَرةِ.
ومثالُ الشِّرْكِ الأصغرِ العَمَلِيِّ: الرِّياءُ بتَحْسِينِ أداءِ الصلاةِ لطَلَبِ مَدْحِ الناسِ وإعجابِهم على عِبادتِه للهِ جل وعلا.
ومثالُ الشِّرْكِ الأَصْغَرِ القَوْلِيِّ: قولُ ما شاءَ اللهُ وشِئْتَ، والحَلِفُ بغَيرِ اللهِ، وقولُ: (مُطِرْنَا بنَوْءِ كذا وكذا).
والشِّرْكُ الأَصْغَرُ لا يُخْرِجُ من المِلَّةِ ولا يُوجِبُ الخُلودَ في النارِ، ولكنَّه ذَنْبٌ عظيمٌ يَجِبُ على مَن وَقَعَ فيه أن يَتُوبَ منه، فإنْ لم يَتُبْ فقد عَرَّض نَفْسَه لسَخَطِ اللهِ وأليمِ عِقابِه.

فصل: والشِّرْكُ منه جَلِيٌّ وخَفِيٌّ
فالشِّرْكُ الجَلِيُّ هو الشركُ البيِّنُ الظاهِرُ كدُعاءِ غَيْرِ اللهِ تعالى، والذَّبح للأوثانِ، وسَائِرِ أفعالِ الشِّرْكِ وأقوالِه الظَّاهرةِ.
والشِّرْكُ الخَفِيُّ منه أكبر وأصغر ؛ فالشرك الخفي الأكبر هو أعمال الشرك الأكبر الخفيّة ؛ كتعلّق القلب بغير الله تعلقاً أكبر بالالتجاء إلى غير الله والتوكل عليه واعتقاد النفع والضر فيه.
والشرك الخفي الأصغرُ مثاله ما يكون في القلب من نوع تعلّق بالدنيا حتى يؤثرها على بعض الأعمال الواجبة أو يرتكب لأجلها بعض المحرمات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم )) فسمَّى التعلق بالمال عبادة له.
ومن الشرك الخفي ما يكون فيه تَقْديمُ طَاعةِ غيرِ اللهِ على طاعةِ اللهِ من غيرِ قَصْدِ عِبادةِ غيرِ اللهِ أو تَعَلُّقِ القَلْبِ بغَيْرِه؛ وهذا أدقّ أنواع الشرك الخفي، ولا يكاد يسلم منه أحد.
عن مَعْقِلِ بن يَسَارٍ رضِي الله عنه قال: انْطَلَقْتُ مع أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضِي الله عنه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا أبا بكرٍ، لَلشِّرْكُ فيكم أخْفَى من دَبِيبِ النَّمْلِ)).
فقال أبو بَكْرٍ: وهل الشِّركُ إلا مَن جعَلَ معَ اللهِ إلهًا آخَرَ؟
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيدِه، للشِّرْكُ أخْفَى من دَبيبِ النَّمْلِ، ألا أَدُلُّكَ على شيءٍ إذا قُلْتَه ذهَبَ عنكَ قَلِيلُه وكَثِيرُه))
قال: ((قُلِ اللهُمَّ إني أَعوذُ بكَ أن أُشْرِكَ بكَ وأنا أعْلَمُ، وأسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا أعْلَمُ)). رواه البخاريُّ في الأدبِ المُفْرَدِ.

رد مع اقتباس
  #57  
قديم 28 جمادى الأولى 1436هـ/18-03-2015م, 11:23 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي

الدرس التاسع: التَّحْذِيرُ من النِّفاقِ (1/3)

النفاق هو مخالفة الظاهر للباطن، وهو نوعان نفاق أكبر مخرج من الملة؛ وهو إظهار الإسلام وإضمار الكفر، وهو على نوعين أيضا، من لم يسلم أصلا وأظهر الإسلام ليكيد للمسلمين ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ، ومن أسلم ثم ارتد بعد إسلامه ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا، وأما النفاق الأصغر فغير مخرج من الملة وهو أن يصاب العبد بصفة أو أكثر من صفات المنافقين وهي: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر، ولكن إذا اجتمعت في رجل كان منافقا خالصا كما في الحديث.
قال ابنُ كثيرٍ: (ومنهم مَن يَعْتريهِ الشكُّ، فتَارَةً يَمِيلُ إلى هؤلاءِ، وتَارَةً يَمِيلُ إلى أولئكَ ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا [البقرة: ٢٠]، الآية) ا.هـ.
والمنافقون هم ألدُّ الأعداءِ وأعْظَمُهم خَطَرًا، وقد قالَ اللهُ تعالى فيهم: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ [المنافقون: ٤].
والمنافقونَ من الصِّنْفِينِ مُتفاوِتونَ في نِفاقِهم فبَعْضُهم أعْظَمُ نِفاقًا وكُفْرًا من بَعْضٍ:
– فمنهم المَارِدُونَ على النِّفاقِ، وهم 1-شَدِيدُو العَداوةِ والكَيْدِ للإسلامِ والمسلمين، 2-يَترَبَّصونَ بالمسلمين الدَّوائِرَ، 3-يَسْعَوْنَ للفِتْنةِ بينَهم وتَوْهينِهم، 4-تَهْويلِ شَأْنِ الكُفَّارِ وتَمْكينِهم؛ فلذلك 1-يَبُثُّونَ الشائعاتِ والأكاذيبَ والأراجِيفَ، 2- يُثِيرونَ الشُّبُهاتِ، 3-يُزَيِّنونَ الشَّهواتِ، 4-يُشِيعونَ الفَوَاحِشَ، 5-يُؤْذُونَ المسلمين في أنفسِهم وأعراضِهم بطُرقٍ ماكرةٍ ومكائِدَ دَنِيئَةٍ، 6-يَسْعَوْنَ للتَّضْيِيقِ عليهم في أمورِ دِينِهم ودُنْياهم بما يَسْتَطِيعونَ. 7- ويُنَفِّرونَ من الدَّعْوةِ إلى اللهِ والجهادِ في سبيلِه والأمرِ بالمعروفِ والنَّهْيِ عن المُنْكَرِ، 8-يُسَمُّونَ ما يَقُومونَ به من الفَسادِ والإفسادِ إصلاحًا، 9-يَصِفُونَ المؤمنين بالسَّفَهِ والجَهْلِ وقِلَّةِ المَعْرفةِ، 10-يَنْفِرونَ من تَحْكِيمِ الشَّريعةِ، ويُرِيدُونَ أن يَتحاكَمُوا إلى الطاغوتِ، 11-يُبْغِضُونَ المُجاهِدِينَ في سبيلِ اللهِ ومَن يَنْصُرُ الإسلامَ والمسلمين 12-
إذا أصابَ المُؤمنين بَلاءٌ ومِحْنَةٌ سَرَّهم ذلك وفَرِحوا به، وشَمِتوا بالمُؤْمِنينَ، وإذا أصابَ المؤمنين خَيْرٌ ونَصْرٌ ورِفْعَةٌ ساءَهم ذلك 12- يَتَّخِذُونَ الكافرينَ أولياءَ مِن دُونِ المؤمنين ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا .
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((آيةُ الإيمانِ حُبُّ الأنصارِ، وآيةُ النِّفاقِ بُغْضُ الأنصارِ)) متفق عليه، فلأَجْلِ أنَّ الأنصارَ نَصَرُوا الدِّينَ كان بُغْضُ مَن أبْغَضَهم عَلامةً بَيِّنَةً على نفاقِه.
ويَجْمَعُ وَصْفَ أعمالِ المنافقينَ أنَّهم يَأْمُرونَ بالمُنْكَرِ ويَنْهَوْنَ عن المَعْروفِ ويَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُم
﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .
– ومن المُنافِقِينَ مَن هو مُتَرَدِّدٌ بينَ الإسلامِ والكُفْرِ، فتَارَةً يَعْمَلُ أعمالَ المسلمين ظاهِرًا وباطِنًا، وتَارَةً يَرْتَكِبُ ما يَخْرُجُ به من دينِ الإسلامِ، فهو مُتَذَبْذِبٌ مُتَرَدِّدٌ، وهؤلاء يُبَيِّنُ الابتلاءُ حالَهُم ويَكْشِفُ عَوَارَهم ونِفَاقَهُم، ويُعاقَبُون ب1-الطَّبْعِ على قُلوبِهم، و2-بالرِّيبةِ والشَّكِّ والتَّردُّدِ في أحوالِهم وأعمالِهم، وذلك لأنهم 1-عَرَفوا الحقَّ فلم يَتَّبِعوه، و2-وَعَظَهم اللهُ فلم يَسْتَجِيبُوا لمَوَاعِظِه ولم يَتَّبِعوا هُداه، 3-ولم يكن لَدَيْهم يَقِينٌ بصِدْقِ وَعْدِ اللهِ وَوَعْدِ رَسُولِه، و4-غَلَبَ على قُلوبِهم التَّعَامِي عن هُدَى اللهِ، وإيثارُ الحياةِ الدنيا، واتباعُ ما تَهْوَى الأَنْفُسُ. قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ[المنافقون: ٣].
وأهلُ هذا الصِّنْفِ من المنافقين يَقَعُونَ في أعمالٍ كُفْريَّةٍ مُخرِجةٍ عن المِلَّةِ؛ ك1-مُوالاةِ الكُفَّارِ في الفِتَنِ والشدائدِ، و2-الاستهزاءِ بالدِّينِ وسَبِّ اللهِ ورسولِه، و3-النُّفورِ من تَحْكيمِ الشريعةِ، و4-إرادةِ تَحْكيمِ الطَّاغوتِ، و5-التكذيبِ بوَعْدِ اللهِ.
والعبدُ قد يَكْفُرُ بكلمةٍ: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ[التوبة: ٧٤].
وهذا الأمرُ يَكْثُرُ وُقوعُه عندَ الفِتَنِ ولا سِيَّما في آخِرِ الزمانِ ((بَادِرُوا بالأعمالِ فِتَنًا كقِطَعِ الليلِ المُظْلمِ، يُصبِحُ الرَّجُلُ مُؤمِنًا ويُمْسِي كَافِرًا، ويُمْسِي مُؤْمِنًا ويُصْبِحُ كافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ من الدُّنْيَا)).
ولذلك اشْتَدَّ خَوْفُ الصحابةِ والتابعين من الوُقوعِ في شيءٍ من أعمالِ المُنافِقينَ.
قال البخاريُّ في صحيحِه: (قال ابنُ أبي مُلَيْكَةَ: أدْرَكْتُ ثَلاثِينَ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كلُّهم يَخافُ النِّفاقَ على نَفْسِه، ما منهم أَحَدٌ يَقولُ إنَّه على إيمانِ جِبْريلَ ومِيكائِيلَ.

رد مع اقتباس
  #58  
قديم 4 جمادى الآخرة 1436هـ/24-03-2015م, 11:03 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي

الدرس العاشر: التَّحذيرُ من النِّفاقِ (2/3)

وسبيلُ السلامةِ من النفاقِ هو اتِّباعُ هُدَى اللهِ جلَّ وعلا، كما قالَ اللهُ تعالى في المنافقين: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) [النساء: ٦٦–٧٠].
وبهذا تَعْلَمُ أن المنافقين إنما خَسِروا 1-رِضْوانَ اللهِ عزَّ وجلَّ وفَضْلَه ورحمتَه وثوابَه العظيمَ 2-ومُرافقةَ الأنبياءِ والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ والصالحين، ووَقَعُوا في شَرِّ أعمالِهم من 1-تكذيبِهم للهِ ورسولِه، 2-وسُوءِ ظَنِّهم باللهِ، 3-واتباعِهم لما يَسْخَطُه اللهُ، و4-كَرَاهِيَتِهم لِمَا يُحِبُّه ويَرْضاهُ، 5-وسَعْيِهم في مُحارَبةِ دينِ اللهِ بأقوالِهم وأعمالِهم، 6-وتَوَلِّيهم للكافرين من أهلِ الكتابِ والمُشركين، 7-ومُظاهرتِهم لهم على المسلمين، 8-وإيذائِهم للمؤمنين؛ فاسْتَحَقُّوا العذابَ الشديدَ على إِجْرَامِهِم.
قال اللهُ تعالى: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا[الفتح: ٦].
وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ[محمد: ٢٨].

وأعمالُ المنافقين على صِنْفينِ:
أعمالٌ كُفْريَّةٌ مَن وَقَعَ فيها فهو كَافِرٌ، خارجٌ من دينِ الإسلامِ.
وذلك مِثْلُ: تَكْذيبِ اللهِ ورسولِه، والبُغْضِ والسبِّ والاستهزاءِ باللهِ وآياته ورسولِهِ، وتَوَلِّي الكافرينَ ومُناصَرَتِهم على المسلمين.
فإن كان يُظْهِرُ الإسلامَ فهو مُنافِقٌ النِّفَاقَ الأَكْبَرَ. وهذا الصِّنْفُ يُسَمِّيهِ بعضُ أهلِ العلمِ النِّفاقَ الاعتقاديَّ، وذلك بسببِ انطواءِ القلبِ على الكفرِ، وليسَ مُرادُهم حَصْرَ أعمالِ النِّفاقِ الأَكْبَرِ في الأمورِ الاعتقاديَّةِ.

أعمالٌ وخِصالٌ ذَمِيمةٌ، وهي ليست مُكَفِّرةً لذاتِها إلا أنَّها لا تَجْتَمِعُ إلا في المُنافِقِ الخالِصِ، وهي التي بَيَّنَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقولِه: ((آيةُ المُنافِقِ ثلاثٌ إذا حدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤتُمِنَ خَانَ)). متفق عليه من حديثِ أبي هُريرةَ رضِي الله عنه.
وفي الصحيحين من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ رضِي اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنافِقًا خالصًا، ومَن كانت فيه خَلَّةٌ منهنَّ كانتْ فيه خَلَّةٌ من نفاقٍ حتى يَدَعَها: إذا حدَّثَ كَذَبَ، وإذا عاهَدَ غَدَرَ، وإذا وَعَدَ أخْلَفَ، وإذا خاصَمَ فَجَرَ)).
و(إذا) غيرُ الغائِيَّةِ (أي التي ليست للغاية، فالغائية مثل "إذا زلزلت الأرض زلزالها") تَدُلُّ على التَّكْرَارِ والكَثْرَةِ، وهذا يُخْرِجُ مَن يَقَعُ منه شيءٌ من ذلك على وَجْهِ القِلَّةِ والنُّدْرَةِ.

فصل: في مَن يَكونُ في قلبِه إيمانٌ ونِفاقٌ
أما النفاقُ الأكبرُ فإنه لا يَجتمِعُ مع الإيمانِ، لأن الكُفْرَ مُحْبِطٌ لجَميعِ العملِ، قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[المائدة: ٥].
وأما النفاقُ الأصغرُ الذي لا يُخرِجُ من المِلَّةِ فقد يكونُ في قَلْبِ المُسلمِ بَعْضُ خِصالِه كما دَلَّ عليه حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ المُتقَدِّمُ.
وفي صَحيحِ مُسلمٍ من حديثِ أَبي هُريرةَ رضِي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن ماتَ ولَم يَغْزُ، ولَمْ يُحدِّثْ نفسَهُ بالغَزْوِ ماتَ على شُعبةٍ مِنَ النفاقِ)) رواه مسلمٌ.
وقال حُذيفةُ بنُ اليَمَانِ رضِي الله عنه: (القُلوبُ أربعةٌ: قَلْبٌ مُصْفَحٌ (مائل) فذلك قَلْبُ المنافقِ، وقَلْبٌ أَغْلَفُ فذاك قلبُ الكافرِ، وقَلْبٌ أجْرَدُ كأنَّ فيه سِراجًا يُزهِرُ فذلك قَلْبُ المؤمنِ، وقَلْبٌ فيه نِفاقٌ وإيمانٌ؛ فمَثَلُه مَثَلُ قَرْحةٍ يَمُدُّها قَيْحٌ وَدَمٌ، ومَثَلُه مَثَلُ شَجَرةٍ يَسْقِيها ماءٌ خَبِيثٌ وطَيِّبٌ؛ فأيُّهما غَلَبَ عليها غَلَبَ). رواه ابن أبي شيبة في المصنَّفِ وفي كتابِ الإيمانِ وقد صَحَّحَهُ الألبانيُّ، وأُعِلَّ بالانقطاعِ، ومعناه صحيح.
وقال عَلِيُّ بنُ أبي طَالِبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ: (الإيمانُ يَبْدَأُ لُمْظَةً بيضاءَ في القلبِ، كُلَّما ازدادَ الإيمانُ ازدادت بَياضًا حتى يَبْيَضَّ القلبُ كلُّه، وإن النِّفاقَ يَبْدَأُ لُمْظَةً سوداءَ في القلبِ فكلما ازدادَ النفاقُ ازدادت حتى يَسْوَدَّ القلبُ كلُّه). رواه ابنُ أبي شَيْبةَ في كتابِ الإيمانِ، والبيهقيُّ في شُعب الإيمانِ. والُّلمْظَةُ هي كالنُّقْطةِ الصغيرةِ.

والمقصودُ أنَّ المسلمَ قد يكونُ لديهِ نِفاقٌ يَكْثُرُ ويَقِلُّ بحَسَبِ مَبْلَغِ إيمانِه؛ فمنهم مَن يَكونُ فيه شَوَائِبُ من نِفاقٍ فتَقَعُ منه بعض خصال انفاق أحيانًا، ومنهم مَن يَكْثُرُ منه الوقوعُ في هذه الأعمالِ مع قِلَّةِ ذِكْرِ اللهِ وكَثْرَةِ تَجاوُزِ حُدودِ اللهِ بانتهاكِ الحُرماتِ والتفريطِ في الوَاجباتِ والانكبابِ على الشهواتِ والاغترارِ بالشُّبهاتِ؛ فيكونُ في قلبِه نفاقٌ كثيرٌ وإيمانٌ قليلٌ، حتى إن من المسلمين مَن لا يَكادُ يُصلِّي إلا على عَجَلةٍ مع تأخيرِه للصلاةِ إلى وقتِ الكَراهةِ وإساءتِه في أدائِها، كما في صحيحِ مسلمٍ من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رضِي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تلكَ صلاةُ المنافقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشمسَ حتى إذا كانتْ بينَ قَرْنَي الشيطانِ قامَ فنَقَرَهَا أَربعًا لا يذكُرُ اللهَ فيها إِلا قليلاً)). رواه مسلمٌ، فهذا مِمَّن غَلَبَ على قَلْبِه النفاقُ حتى استحَقَّ أن يُسمَّى مُنافقًا، معَ وُجودِ إيمانٍ في قلبِه مَنَعَه من تَرْكِ الصلاةِ مُطْلقًا.

ويَكْثُرُ في أهلِ هذا الصِّنفِ الوُقوعُ في الرِّياءِ الأصغرِ والتسميعِ وما يُحْبِطُ بعضَ الأعمالِ كالمَنِّ والإيذاءِ في النَّفَقةِ، وطَلَبِ الدنيا بعَمَلِ الآخرةِ، وانتهاكِ الحُرُماتِ في الخَلَواتِ.
وأهلُ هذا الصِّنفِ على خَطَرٍ عَظِيمٍ أنْ يُؤدِّيَ بهم هذا التَّهاوُنُ إلى الانسلاخِ من دِينِ اللهِ عز وجل، ومَن ماتَ منهم على هذا النِّفاقِ معَ وُجودِ إيمانٍ في قلبِه؛ فإنَّه من أهلِ الكَبائرِ المُتَوعَّدِينَ بالعَذابِ الشديدِ، لكنه لا يَخْلُدُ في النارِ لبَقاءِ إسْلامِه، وقد صَحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: ((يَدْخُلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ، وأهلُ النَّارِ النَّارَ، ثم يقولُ اللهُ تعالى: أَخْرِجوا مَن كانَ في قلبِه مِثْقالُ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ من إيمانٍ؛ فيُخْرَجونَ منها قد اسْوَدُّوا؛ فيُلْقَونَ في نَهَرِ الحَياةِ؛ فيَنْبُتونَ كمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ في جانبِ السَّيْلِ، ألَمْ تَرَ أنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً؟)) رواه البخاريُّ من حديثِ أبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ رضِي الله عنه.

فصلٌ: في تَوْبَةِ المُنافِقِ
إذا تَابَ المُنافِقُ -النفاق الأكبر- قَبْلَ موتِه وأصْلَحَ عَمَلَهُ واعْتَصَمَ باللهِ وأخلَصَ دينَه للَّهِ عز وجل فتَوْبَتُه صحيحةٌ مَقْبولةٌ، قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)[النساء: ١٤٥– ١٤٧].
وكذلك المسلمُ الذي يكونُ فيه بعضُ خِصالِ النفاقِ إذا تابَ منها وترَكَ تلك الخَصْلَةَ تابَ اللهُ عليه، وبَرِئَ من النِّفَاقِ.

وفي هذه المَسْألةِ لُغْزٌ ظَرِيفٌ أَوْرَدَهُ حُذَيْفَةُ بنُ اليَمانِ رضِي الله عنه على طُلاَّبِ حَلْقَةِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضِي الله عنه؛ فإنه وَقَفَ عليهم وعبدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ حاضِرٌ فسلَّم عليهم ثم قالَ: (لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ على قَوْمٍ خَيْرٍ مِنْكُمْ!!) فتَبَسَّمَ عبدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ وعَرَفَ مُرادَهُ، وقال أصحابُه: سُبحانَ اللهِ؛ إنَّ اللهَ عز وجل يقولُ: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ[النساء: ١٤٥]!! ثم لَمَّا تَفرَّقَ المَجْلسُ قال حُذيفةُ للأسودِ بنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ وهو أحَدُ أصْحَابِ ابنِ مَسعودٍ: (لقد أُنزِلَ النفاقُ على قَوْمٍ كانوا خَيْرًا مِنْكم، ثم تَابوا فتابَ اللهُ عليهم). وفي روايةٍ فقالَ: (إنَّهم لَمَّا تَابوا كانوا خَيْرًا مِنْكم).
وهو يَقْصِدُ بَعْضَ المُنافقينَ على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، الذين تابوا وأصْلَحُوا وأحْسَنُوا إسلامَهم فكانوا بأجرِ الصُّحبةِ والجهادِ معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا مِمَّن جَاءَ بعدَهم مِن التَّابِعِينَ.
وهذه القِصَّةُ أَخْرَجَها البخاريُّ في صحيحِه.

فصلٌ: ويَجِبُ على المُؤْمنينَ أن يَعْمَلُوا بما يُنْجِيهِم مِن خِصالِ النِّفاقِ وأعمالِ المُنافقينَ، ومن ذلك 1-تَكْرَارُ التوبةِ والاستغفارِ، 2-ورعايةُ حُدودِ اللهِ، 3-وتعظيمُ أوامرِه، 4-والبراءةُ من الشِّركِ وأهلِه، 5-وإقامةُ الصلاةِ وإيتاءُ الزكاةِ، 6-والنَّصِيحةُ للهِ ولرسولِه ولكتابِه ولأئِمَّةِ المسلمينَ وعامَّتِهم. ومن ذلك: مَحبَّةُ الجهادِ في سبيلِ اللهِ، وتَحْديثُ النَّفْسِ بذلك، الأمرُ بالمعروفِ، والنَّهْيُ عن المُنْكَرِ، والتواصي بالحقِّ، والتواصي بالصبرِ، والتحاضُّ على طَعامِ المِسْكينِ والإنفاقُ في سبيلِ اللهِ إيمانًا واحْتسابًا.فمَن فعَلَ ذلك كان بَرِيئًا من النفاقِ.
وفي المُسندِ وغيرِه من حديثِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضِي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فهو مُؤْمِنٌ)).
فمَن وقَعَ في ذَنْبٍ وَسَاءَهُ الذَّنْبُ فهو عَلامةٌ على صِحَّةِ إيمانِه، وأَرْجَى أن يَتُوبَ ويَسْتَغْفِرَ ويَسْتَعْتِبَ، ومَن فَرِحَ بمَعْصيتِه وسَرَّتْهُ سَيِّئَتُهُ كانَ ذلك أمارةً على نفاقٍ في قلبِه.
وفي سُننِ التِّرمذيِّ من حديثِ أبي هُريرةَ رضِي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خَصْلَتَانِ لا تَجْتمعانِ في مُنافِقٍ: حُسْنُ سَمْتٍ، وفِقْهٌ في الدِّينِ». صَحَّحَه الألبانيُّ.

رد مع اقتباس
  #59  
قديم 6 جمادى الآخرة 1436هـ/26-03-2015م, 04:05 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي

الدرسُ الحاديَ عَشَرَ: التحذيرُ من النِّفاقِ (3/3)

عُقوبةُ المُنافِقِ
• فأمَّا في الدنيا فإنهم يُعاقَبُونَ ب1-الطَّبْعِ على قُلُوبِهم
قال اللهُ تعالى: ﴿فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ[المنافقون: ٣].
2-وحِرْمانِهم من الفِقْهِ والعِلْمِ والهُدَى،
قال تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)[البقرة:١٦١٨].
3-ويُعْقِبُهم اللهُ في قُلوبِهم شَكًّا ورِيبَةً لا تُفارِقُهُم أَبَدًا، (كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا)
﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[التوبة: ١١٠].
﴿إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ هذا استثناءٌ تَهكُّميٌّ، وهو من سُخْرِيَةِ اللهِ بهم جَزَاءً وِفاقًا على مَكْرِهم بالمؤمنين وسُخْرِيَتِهم بهم، وكَيْدِهم لهم ليُشَبِّهوا عليهم ويُضِلُّوهم عن سبيلِ الله، فكانَ من عُقوبتِهم أن ابْتُلوا بالرِّيبةِ التي لا تُفارِقُ قُلوبَهم أبدًا حتى يَلْقَوا اللهَ عز وجل. قال بعضُ المُفَسِّرِينَ: ﴿إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ هذا استثناءٌ تَهكُّميٌّ، وهو من سُخْرِيَةِ اللهِ بهم جَزَاءً وِفاقًا على مَكْرِهم بالمؤمنين وسُخْرِيَتِهم بهم، وكَيْدِهم لهم.
4-
يُعذَّبُونَ بأموالِهم وأولادِهم حتى تَزْهَقَ أنفُسُهم، كما قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ[التوبة: ٨٥].
5–وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ[النساء: ١٤٢]، وخَدْعُ اللهِ إيَّاهم من باب مجازاتهم بجنسِ أعمالِهم، فهم بهذه الأعمالِ إنما يَخْدَعُونَ أنفسَهم كما قال تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ[البقرة: ٩].
6–ما يَجْعَلُه اللهُ لهم مِن البَغْضَاءِ في قُلوبِ الناسِ مهما تَوَدَّدُوا إليهم؛ وذلك لأنَّهم طَلَبُوا رِضَا الناسِ بسَخَطِ اللهِ،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضى عليه الناس " رواه الترمذي .
7- والمُنافقون أصحابُ مَكْرٍ سَيِّئٍ وقد قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ[فاطر: ٤٣].
8- العُقوباتِ الخَاصَّةِ ببَعْضِ
الذنوبِ التي يكونُ جَزَاؤُها من جنسِ العملِ:
  • سخرية اللهُ منهم جَزَاءً وِفاقًا ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[التوبة: ٧٩].
  • مَن تَتَبَّعَ عَوْرةَ مُسلمٍ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرتَه،
  • ومَن ضَارَّ مُسلمًا ضَارَّه اللهُ،
  • ومَن شاقَّ مُسلِمًا شَقَّ اللهُ عليه،
  • ومَن خَذَلَ مُسلمًا خَذَلَه اللهُ،
  • ومَن شَدَّدَ على المسلمين شَدَّدَ اللهُ عليه.
• وأما في البَرْزخِ: 1- عذاب عام بنفاقهم فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضِي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ العبدَ إذا وُضِعَ في قَبْرِه وتَولَّى عنه أصحابُه، وإنه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعالِهم، أتاهُ مَلَكانِ فيُقْعدانِه فيَقولانِ: ما كُنْتَ تقولُ في الرَّجُلِ؟ لمُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، ... وأمَّا المُنافِقُ والكَافِرُ فيُقالُ له: ما كُنْتَ تَقولُ في هذا الرَّجُلِ؟ فيَقُولُ: لا أَدْرِي، كنتُ أَقولُ ما يَقولُ النَّاسُ.فيُقالُ: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، ويُضْرَبُ بمَطَارِقَ من حديدٍ ضَرْبةً فيَصِيحُ صَيْحةً يَسْمَعُها مَن يليهِ غيرَ الثَّقَلينِ)) مُتَّفقٌ عليه.
2- العُقوباتِ الخاصَّةِ في القبر على بعضِ الذنوبِ، كما صحَّ في السُّنةِ أنَّ الَّذي يَقْرَأ القُرْآنَ ويَرْفُضُهُ ويَنَامُ عن الصَّلاةِ المَكْتوبةِ، وكذلك الزُّناةُ وآكِلُو الرِّبا وأهلُ الغِيبَةِ والنَّميمةِ والكَذِبِ، ومانعو الزَّكاةِ والذين يُفْطِرونَ قبلَ تَحِلَّةِ فِطْرِهم.
• وأمَّا في الآخرةِ: منعهم من السجود مع المؤمنين (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون)
وفي الحسابِ تشهد عليه أعضاءه (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20))
وعلى الصِّراط طَفِئَ نورُ المنافقين وتَمَّ نورُ المُؤمِنِينَ، كما قال اللهُ تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)[الحديد: ٢–١٥]
وفي نارِ جَهَنَّم قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء: ١٤٥].
وهم بسَبَبِ كُفْرِهم الباطِنِ ومُوالاتِهم للكُفَّارِ جَمَعَهم اللهُ بالكافرينَ في نارِ جَهَنَّم كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا[النساء: ١٤٠].
وقال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ[التوبة: ٦٨].

رد مع اقتباس
  #60  
قديم 6 جمادى الآخرة 1436هـ/26-03-2015م, 09:54 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي

الدرسُ الثانِيَ عشَرَ: نَواقِضُ الإسلامِ

اعْلَمْ أنَّ مَن يَرْتَكِبْ ما يَنْقُضُ الشَّهادتينِ فهو خارجٌ عن دِينِ الإسلامِ كافرٌ باللهِ جل وعلا وبرسولِه، فمَنْ ينتَفِ عنه أحَدُ هذه الأمورِ: (1-إخلاصِ العبادةِ للهِ جل وعلا، 2-ومَحَبَّةِ اللهِ، 3-وتَعْظيمِه، 4-والانقيادِ له، 5-ومَحَبَّةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، 6-وتَصْديقِه 7-وطَاعتِه)؛ فقد انْتَفَى عنه إسْلامُه.
فإن كان هذا الانتفاء أصليًّا أي أنَّ العبدَ لم يقمْ بما تقتضيه الشهادتانِ في أصلِ أمرِهِ فهو كافرٌ أصليّ، فإن كان يُظْهِرُ الإسلامَ مع ذلكَ فهو منافقٌ. وأما من كان مسلماً ثم انْتَفَى عنه أحَدُ هذِهِ الأمورِ فهو كَافِرٌ مُرْتَدٌّ.
وتكونُ الرِّدَّةُ بكلِّ أَمْرٍ قَوْلِيٍّ أو عَمَلِيٍّ أو اعْتِقاديٍّ يَلْزَمُ منه انتفاءُ حقيقةِ شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ.

وصُوَرُ النَّواقضِ التي تُخْرِجُ من مِلَّةِ الإسلامِ كثيرةٌ غيرُ مَحْصورةٍ بعَدَدٍ، لكن لها أُصولٌ جامعةٌ هي:

الناقضُ الأولُ: الإلحادُ، وهو إنكارُ وُجودِ اللهِ تعالى.
ومِن صُوَرِه:
نِسْبةُ الخَلْقِ إلى الطَّبيعةِ.
اعْتِقادُ قِدَمِ العَالَمِ، وهو أنَّ من المَخْلوقاتِ ما لا أَوَّلَ له في الأَزَلِ.

الناقضُ الثاني: الشِّركُ الأكبرُ، وهو اتخاذُ ندٍّ للهِ جل وعلا، وهو على أنواعٍ:
النوعُ الأولُ: شِركُ العبادةِ، وهو صَرْفُ العبادةِ لغيرِ اللهِ جل وعلا؛ كالدُّعاءِ أو الذَّبحِ أو النَّذرِ أو الاستعانةِ أو الاستغاثةِ أو الاستعاذةِ أو غيرِها؛ ومن صُوَرِه:
1: ما يَفْعَلُه عُبَّادُ الأوثانِ والأنبياءِ والأولياءِ من دُعائِهم من دونِ اللهِ، وطَلَبِ الشفاعةِ منهم، وقَضاءِ الحوائجِ وجَلْبِ النفعِ وكَشْفِ الضُّرِّ.
2: ما يَفْعَلُه السَّحَرَةُ وبعضُ مَن يَأتيهِم من الذَّبحِ لغيرِ اللهِ عز وجل والاستغاثةِ بالشياطينِ.

• النوعُ الثاني:شِّركُ الرُّبوبيَّةِ، ومن صُوَرِه:
1: اعتقادُ بعضِ المُشركينَ في آلهتِهم ومُعَظَّمِيهِم أنَّ لهم تَصَرُّفًا في الكَوْنِ وأنهم يَعْلَمُونَ الغَيْبَ، ويُنَزِّلونَ الغَيْثَ، ويَمْلِكونَ الرِّزقَ، ويَشْفُونَ من الأمراضِ، ويَهَبُونَ الأولادَ والأزواجَ والأموالَ، ويَكْشِفُون الضُّرَّ، ويَرْفَعُونَ البَلاءَ، ويَقْضُونَ الحَوائِجَ، ويُجِيبونَ دُعاءَ مَن يَدْعُوهم.
2: اعتقادُ المَجوسِ أنَّ للكَوْنِ خَالِقَيْنِ: النُّورَ والظُّلْمَةَ.
3: اعتقادُ بعضِ غُلاةِ الصُّوفيَّةِ والشِّيعةِ أن بعضَ مُعَظَّميهِم يَعْلَمُونَ الغَيْبَ، وأن لهم تَصَرُّفًا في الكَوْنِ، وأنهم يُجِيبونَ الدُّعاءَ ويَقْضُونَ الحَوائِجَ.
ومن الشِّرْكِ في الرُّبوبيَّةِ: الحُكْمُ بغَيْرِ ما أنْزَلَ اللهُ، فمَن حَكَمَ بغَيْرِ ما أنْزَلَ اللهُ فهو طَاغوتٌ قد جَعَلَ نَفْسَهُ شَرِيكًا للهِ في حُكْمِه.

• النوعُ الثالِثُ:
شِرْكُ الطَّاعةِ؛ وهو اتِّباعُ المُعَظَّمينَ في تحليلِ الحرامِ وتَحْرِيمِ الحلالِ.

ومن صُوَرِه:
1: التحاكُمُ إلى الطَّواغيتِ لقولِ اللهِ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) [النساء: 60].
أما مَن كانَ في بلدٍ لا يُحْكَمُ فيه بما أَنْزَلَ اللهُ واحتاجَ إلى التَّحاكُمِ إلى بعضِ مَن يَظُنُّ فيه حِفْظَ الحَقِّ ورَفْعَ الظُّلْمِ؛ فلا يَكْفُرُ بذلك لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه لَمَّا أَذِنَ لهم بالهِجْرةِ الأُولَى إلى الحَبَشةِ: ((إنَّ بأرضِ الحَبَشةِ مَلِكًا لا يُظْلَمُ أحَدٌ عندَه، فالْحَقُوا ببلادِه حتى يَجْعَلَ اللهُ لكم فَرَجًا ومَخْرَجًا مِمَّا أنتم فيه)) رواهُ البَيْهقِيُّ من حديثِ أُمِّ سَلَمَةَ بإسنادٍ حَسَنٍ.
ولم يَكُنِ النَّجاشِي قد أسْلَمَ؛ ولو حَصَلَتْ عليهم مَظْلِمَةٌ واحْتاجُوا إلى التَّحاكُمِ إليه فيها لأَنْصَفَهُم، وهذا دليلٌ على جوازِ التَّحاكُمِ إلى مَن يُعْلَمُ أن مِن شأنِه تَحَرِّيَ العَدْلِ ورَفْعَ الظُّلْمِ كما يَحْصُلُ في بعضِ البُلدانِ.

2: طاعةُ عُلماءِ السُّوءِ والحُكَّامِ الطَّواغِيتِ في تَحليلِ الحرامِ البَيِّنِ حُكْمُه في الشريعةِ، وتَحْريمِ الحلالِ البَيِّنِ حُكْمُه في الشَّريعةِ.

الناقضُ الثالثُ: ادِّعاءُ بعضِ خَصائصِ اللهِ في رُبُوبِيَّتِه أو أُلُوهِيَّتِه أو أسمائِه وصِفاتِه.
ومن صُوَرِ ذلك:
1: دَعوةُ بعضِ الطواغيتِ إلى عِبادةِ أنفسِهم.
2: ادِّعاءُ عِلْمِ الغَيْبِ.
3: ادِّعاءُ القُدْرَةِ على إحياءِ المَوْتَى.

الناقضُ الرَّابِعُ: ادِّعاءُ النُّبُوَّةِ
دَعْوَى النُّبُوَّةِ كُفْرٌ بإجماعِ العُلماءِ.
ومِمَّا يَلْتَحِقُ به:
مَن يَدَّعِي مُضاهاةَ القرآنِ وأنه يَقْدِرُ عَلَى أنْ يُنْزِلَ مِثلَ ما أنزَلَ اللهُ على رُسُلِه، قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ[الأنعام: 93].

الناقضُ الخامسُ: تكذيبُ اللهِ عز وجل وتكذيبُ رسولِه صلى الله عليه وسلم،

ومن صُوَرِ هذا الناقضِ:
1: جَحْدُ ما هو مَعلومٌ من دِينِ الإسلامِ بالضَّرورةِ؛ كجَحْدِ وُجوبِ الصلاةِ أو الزكاةِ، وجَحْدِ تحريمِ الرِّبا أو الزِّنا أو أَكْلِ لحمِ الخِنْزيرِ.
2: إنكارُ شَيْءٍ من أسماءِ اللهِ تعالى وصفاتِه، بلا شُبْهةِ جَهْلٍ يُعْذَرُ بمِثْلِه ولا تَأْويلٍ.
3: إنكارُ شَيْءٍ من القرآنِ الكَريمِ.
4: ادِّعاءُ الاختلافِ والتَّناقُضِ والتحريفِ في القُرآنِ الكريمِ.
5: إنكارُ السُّنةِ النَّبويَّةِ.
6: إنكارُ البَعْثِ والجزاءِ.
7: عَدَمُ تكفيرِ مَن لا يَدِينُ بدِينِ الإسلامِ من اليَهودِ والنَّصارَى والمَجُوسِ والمَلاحِدَةِ والوَثَنِيِّينَ.
8: اعتقادُ أنَّ المَرْءَ يَسَعُه الخُروجُ عن شَريعةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كما وَسِعَ الخَضِرَ الخُروجُ عن شَرِيعَةِ مُوسَى عليه السلام.
9: استحلالُ المُحَرَّمِ المَعلومِ تَحْرِيمُه بالدليلِ الصحيحِ بلا شُبْهةٍ ولا تأويلٍ.
10: تَصْدِيقُ مَن يَدَّعِي النُّبوَّةَ.
11: دَعْوَى أن رِسالةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم للعَرَبِ خَاصَّةً.
12: دَعْوَى أن اللهَ تعالى يَرْضَى بأنْ يُدْعَى من دُونِه أَحَدٌ من الصالحينَ أو غَيْرِهم.
13: قَذْفُ أمِّ المؤمنينَ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها بما برَّأَها الله مِنْه، وقذفُ سائرِ أُمَّهاتِ المُؤمِنينَ كذلك.
لا يُحْكَمُ بكُفْرِ المُكَذِّبِ حتى تُقامَ عليه الحُجَّةُ في حالات 1-عدمِ العلمِ بالدليلِ أو 2-غِيابِه عنه أو 3-الشكِّ في ثُبوتِه أو 4-كانَ للمُكَذِّبِ تأويلٌ ، وأما تَكذيبِ ما عُلِمَ ثُبوتُه ومعناه، فهذا ناقضٌ بلا خلافٍ.

الناقضُ السادسُ: الشَّكُّ.
الشكُّ مُنافٍ للتصديقِ الواجبِ، فمَن شَكَّ في صِدْقِ خَبَرِ اللهِ عز وجل وخَبَرِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم فهو كَافِرٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ.
والتَّكْذِيبُ والشكُّ مُنافِيَانِ للتصديقِ الوَاجِبِ.

ومن صُوَرِ هذا الناقضِ:
1: الشَّكُّ في كُفرِ مَن لا يَدِينُ بدينِ الإسلامِ.
2: الشَّكُّ في أمرِ البَعْثِ بعدَ الموتِ.
3: الشَّكُّ في ثُبوتِ القُرآنِ الكريمِ وحِفْظِه من التَّحْرِيفِ والتَّبْديلِ.

الناقضُ السابعُ: بُغْضُ اللهِ ورسولِه، وبُغْضُ دينِ الإسلامِ
البُغْضُ مُنافٍ للمَحَبَّةِ الوَاجبةِ؛ فمَن أبْغَضَ اللهَ ورسولَه أو أبْغَضَ دِينَ الإسلامِ فهو كافرٌ خارجٌ من المِلَّةِ.
ومِمَّا يَلْتَحِقُ به:
1: سَبُّ اللهِ ورسولِه وسَبُّ دينِ الإسلامِ، وتَنَقُّصُ الذَّاتِ المُقَدَّسَةِ، وتَنَقُّصُ مَقامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
2: بُغْضُ الصحابةِ رضِي الله عنهم، وسَبُّهم على وَجْهِ العُمومِ وتَكْفِيرُهم بخِلافِ مَن سَبَّ طَائِفَةً منهم لشُبْهةٍ عَرَضَتْ له فإنه يَكونُ قد ارتكَبَ مُحَرَّمًا ولكن لا يُحْكَمُ بكُفرِه.
3: بُغْضُ أَئمَّةِ الدِّينِ ورُواةِ الأحاديثِ الصحيحةِ وحَمَلةِ الشَّريعةِ على وَجْهِ العُمومِ وتَكْذيبُهم.

الناقضُ الثامنُ: الاستهزاءُ باللهِ وآياتِه ورسولِه، وهو كُفْرٌ لمُنافاتِه المَحَبَّةَ الواجبةَ والتعظيمَ الواجبَ.
ومِمَّا يَلْتَحِقُ به:
1: امْتِهانُ المُصْحَفِ.
2: الاسْتِخفافُ بأيِّ شَعيرةٍ من شَعائرِ الإسلامِ.

الناقضُ التاسعُ: اتِّخَاذُ الكُفَّارِ أولياءَ من دونِ المؤمنينَ، وهو يشملُ أمرين:
1: محبتهم في دينهم وموافقتهم عليه والرضا به.
2: مناصرة الكفار على المسلمين.
ومن صُوَرِ هذا الناقض:
1: التَّجَسُّسُ على المسلمين لصالحِ الكُفَّارِ.
2: تَهْنِئَةُ الكُفَّارِ بأعيادِهم الوَثَنِيَّةِ والكُفْريَّةِ رِضًا بما يَصْنَعُونَ من الشِّركِ والكُفْرِ باللهِ عزَّ وجلَّ، وأمَّا من شارَكَهم لِيطْعَمَ مَعهم أو يَسْتَمْتِعَ اسْتِمْتَاعًا محرَّمًا بفِسْقِهِمْ وغِنَائِهِم، وقلبُهُ منكِرٌ لِكُفْرِهِم وَشِرْكِهِم ؛ فهو على شَفَا هَلَكَةٍ ويُخْشَى عَلَيْهِ إذَا حلَّت بهم عُقُوبةٌ أن تَشْمَلَهُ مَعَهُمْ.
3: بِناءُ مَعابِدَ يُعْبَدُ فيها غيرُ اللهِ جل وعلا، أو الإعانةُ عليها كبِناءِ الكنائسِ والأَدْيرةِ والبِيَعِ وبناءِ الأَضْرِحَةِ والمَشاهِدِ التي يُدْعَى فيها غيرُ اللهِ جل وعلا.
4: مُحاربةُ حَمَلةِ الشريعةِ من العُلماءِ والدُّعاةِ والتَّضْيِيقُ عليهم قَصْدًا للتَّضْييقِ على دَعوةِ الإسلامِ.
5: العَمَلُ على تَوْهِينِ المُسلمينَ وإضعافِهم، وتَمْكِينِ الكُفَّارِ من التَّسلُّطِ على المُسلمينَ.

الناقضُ العاشرُ: التَّولِّي والإِعراضُ.

مَن تَولَّى عن طَاعةِ اللهِ ورسولِه فهو غيرُ مُسلمٍ؛ لأنه غيرُ مُنقادٍ لدينِ اللهِ تعالى؛ فهو لا يَمْتَثِلُ الوَاجباتِ ولا يَمْتَنِعُ عن المُحرَّمَاتِ إلا ما وَافَقَ هَواهُ.
ومن صُوَرِ هذا النَّاقِضِ:
1: أنْ يَرَى أنَّ طَاعَةَ اللهِ تعالى وطَاعةَ رَسُولِه لا تَلْزَمُه، وأنه لا يَجِبُ عليه امتثالُ أمرِ اللهِ تعالى وأمْرِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم.
2: أنْ يُعْرِضَ عن أمرِ اللهِ وأَمْرِ رَسُولِه إعراضًا كُلِّيًّا فلا يَتَفَقَّهُ في الدينِ ولا يَسْأَلُ عَمَّا يَجِبُ عليه من طاعةِ اللهِ وطَاعةِ رَسُولِه، ولا يَمْتَثِلُ الوَاجِبَاتِ، ولا يَمْتَنِعُ عن المُحَرَّمَاتِ طَاعةً للَّهِ ورسولِه.
أما مَن كانَ مُلْتَزِمًا طَاعةَ اللهِ ورسولِه ويَمْتَثِلُ مِن ذلك ما يَبْقَى به مُسْلِمًا لكنَّه يَقَعُ في بعضِ المَعاصِي فهو غيرُ كافرٍ بتلك المَعاصِي.
ومِمَّا يَلْتَحِقُ بهذا الناقضِ: تَرْكُ الصلاةِ؛ فهي عَمُودُ الدِّينِ؛ وإذا تَرَكَها العَبْدُ تَرْكًا مُطْلَقًا فهو مُعْرِضٌ عن دِينِ اللهِ جل وعلا، قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: (مَن ضَيَّعَها فهو لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ).

فَصْلٌ: مَن وَقَعَ في أَحَدِ هذه النواقض بعدَ إسلامِه وهو عَاقِلٌ بَالِغٌ غَيْرُ مُكْرَهٍ ولا مَعْذُورٍ بشُبْهَةٍ فهو كافرٌ مُرْتَدٌّ، فإن ماتَ على ذلك فهو خالدٌ مُخلَّدٌ في نارِ جَهنَّمَ، قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[البقرة: 217]

فَصْلٌ:
والنَّوَاقِضُ على دَرَجَتَيْنِ:
الدرجةُ الأُولَى: الكُفْرُ البَوَاحُ، وهو الذي ليس فيه لَبْسٌ ولا اشتباهٌ ولا يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ له عُذْرٌ يُعْذَرُ به من جَهْلٍ أو تَأْوِيلٍ أو إِكْرَاهٍ.
كمَن يَنْتَسِبُ إلى غَيْرِ الإسلامِ أو يَعْبُدُ غيرَ اللهِ جل وعلا، ومَن يَسُبُّ اللهَ ورسولَه، ومَن يَسْتَهْزِئُ بالدِّينِ، ومَن يُنْكِرُ القُرْآنَ أو السُّنةَ أو يَجْحَدُ مَعْلومًا من الدِّينِ بالضَّرُورةِ معَ ظُهورِ حَالِه بعِلْمِ ذلك.
وأصحابُ هذهِ الدرجةِ يُحْكَمُ بكُفْرِهم وبأنهم من أهلِ النارِ إذا تَحَقَّقْنَا أنهم مَاتُوا على ذلك، قال اللهُ تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ[التوبة: 113].
الدرجةُ الثانيةُ: ما ليسَ بكُفْرٍ بَوَاحٍ، وهو على نَوْعينِ:
النوعُ الأولُ: ما يَحْتَمِلُ أن يكونَ لصَاحِبِه ما يُعْذَرُ به من إِكْراهٍ أو ذَهَابِ عَقْلٍ أو شُبْهَةٍ من تأويلٍ أو جَهْلٍ يُعْذَرُ به، فإنْ بَلَغَتْهُ الحُجَّةُ وأصَرَّ بعدَ ما تَبَيَّنَ له الحقُّ حُكِمَ بكُفْرِه، وإن بَقِيَتِ الشُّبْهَةُ لديهِ لم يُحْكَمْ بكُفْرِه.
وهذا ما منع الحكم بكفر بعضِ أصحابِ الفِرَقِ الضالَّةِ المُنْكِرةِ لبعضِ الأسماءِ والصِّفاتِ لشُبْهةِ التأويلِ، معَ الحُكْمِ عليهم بأنهم مُبْتدِعةٌ وفُسَّاقٌ. وفي هذا النوعِ يُحْكَمُ بأنَّ العَمَل كُفْرٌ، لكن لا يُكَفَّرُ المُعَيَّنُ حتى تَتَحَقَّقَ فيه الشروطُ وتَنْتَفِي المَوَانِعُ.

النوعُ الثاني: أنْ يَكونَ الناقضُ من النواقضِ المُخْتَلَفِ فيها، ويَقَعُ للناظِرِ في ذلك شيءٌ من اللبْسِ وعَدَمِ التَّرجيحِ.
وقد اختَلَفَ أهلُ العلمِ في بعضِ النواقضِ، ومنها:
1: تَرْكُ الصَّلاةِ تَهاوُنًا وكَسَلاً من غيرِ جَحْدٍ لوُجوبِها ولا استكبارٍ عن أدائِها.
والصَّحيحُ أنَّ مَن تَرَكَها مُطْلقًا فهو كافرٌ، ومَن كانَ يُصَلِّي أحيانًا ويَتْرُكُ الصَّلاةَ أحيانًا فهو فَاسِقٌ مُتَوَعَّدٌ بالعذابِ على ما فَــرَّطَ في الفرائضِ لكنْ لا يُحْكَمُ بكُفْرِه.
وهذا القولُ وَسَطٌ بينَ قَوْلينِ:
القولُ الأولُ: أنه يَكْفُرُ بتَرْكِ صَلاةٍ وَاحِدَةٍ.
والقَوْلُ الثاني: أنه لا يَكْفُرُ وإنْ تَرَكَهَا مُطْلَقًا.
2: السِّحْرُ، وقد اختلَفَ أهلُ العلمِ في كُفْرِ مَن تَعلَّمَ السِّحْرَ وعلَّمَه ومَن يَعْمَلُ السِّحْرَ، والصوابُ أنَّ السِّحْرَ لا يَتحَقَّقُ إلا بالكُفْرِ والشِّرْكِ الأكبرِ مِن الاستغاثةِ بالشياطينِ والتَّقرُّبِ لهم بالذبحِ والنذرِ، وامتهانِ ما أمَرَ اللهُ بتعظيمِه، ولا خِلافَ بينَ أهلِ العلمِ في كُفْرِ مَن يَفْعَلُ هذه الأفعالَ.
لكن من أهلِ العلمِ مَن يُسمِّي الحِيَلَ الخَفِيَّةَ والخدَعَ البَصَرِيَّةَ سِحْرًا، ومنهم مَن يَعُدُّ التَّحَيُّلَ بسَقْيِ بعضِ العقاقيرِ المُؤثِّرةِ على عقلِ الإنسانِ ونفسِه وإدراكِه سِحْرًا، ولأجلِ ذلك لا يُكَفِّرونَ الساحرَ مُطْلقًا حتى يَسْتفسِرونَ عن سِحْرِه، فإن كان سِحْرُه بالاستغاثةِ بالشياطينِ والتَّقرُّبِ إليهم حَكَموا بكُفْرِه، وإن كان سِحْرُه بغيرِ ذلك حَكَمُوا بتعزيرِه بما يَزْجُرُه عن ذلك ولم يُكَفِّرُوه.
3: تَرْكُ الزَّكاةِ والصِّيامِ والحَجِّ، وقد ذَهَبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى كُفْرِ مَن تَرَكَ شَيْئًا من هذه الفَرَائِضِ، وإنْ كانَ غيرَ جَاحِدٍ لوُجوبِها، والصوابُ أنه لا يُحْكَمُ بكُفْرِ تَارِكِها إلا إذا كانَ جَاحِدًا لوُجوبِها، فيُحْكَمُ بكُفْرِه حِينَئذٍ لكونِه مُكَذِّبًا للَّهِ ولرسولِه. وقد دَلَّت الأحاديثُ الصحيحةُ على أن تاركَ هذه الفرائضِ يُعَذَّبُ في الآخرةِ، ثم يُرَى سبيلُه إما إلى الجَنَّةِ وإما إلى النارِ، وهذا دليلٌ على عَدَمِ تَحَتُّمِ كُفْرِه.

فصلٌ: وبعضُ الأعمالِ المُخْرِجةِ من المِلَّةِ قد يَجْتَمِعُ فيها أكثرُ من ناقضٍ، فتكونُ كُفْرًا من أَكْثَرَ مِن وَجْهٍ.
مِثالُ ذلك: الذي يَحْكُمُ بغيرِ ما أنزَلَ اللهُ مُسْتَحِلاًّ ومُفَضِّلاً حُكْمَ الطَّواغيتِ على حُكْمِ اللهِ جل وعلا.
فهو كافرٌ مِن أَكْثرَ مِن وَجْهٍ:
كافرٌ بسببِ حُكمِه بغيرِ ما أنزلَ اللهُ وجَعْلِه نفسَه شَرِيكًا للهِ في حُكْمِه.
وكافرٌ بسببِ استحلالِه مُحرَّمًا مَعْلومَ التحريمِ بالضَّرورةِ من دِينِ الإسلامِ.
وكافرٌ بسببِ تَكْذيبِه للهِ ولرسولِه بتَفْضيلِه حُكْمَ الطاغوتِ على حُكْمِ اللهِ جل وعلا.

ومِمَّا يَنْبَغِي أن يُعْلَمَ أن بَعْضَ الكُفَّارِ والمُرْتَدِّينَ يَقَعُونَ في أنواعٍ من النَّواقضِ، فيَقَعُ بعضُهم في الشِّركِ الأكبرِ وتكذيبِ اللهِ ورسولِه وبُغْضِ دينِ الإسلامِ ومُوالاةِ الكُفَّارِ وغيرِها من النواقضِ، وكُلَّما كانَ العبدُ أكْثَرَ وُقوعًا في هذهِ النواقضِ كانَ أعْظَمَ كُفْرًا، وكانَ عذابُه على ذلك أشَدَّ، معَ كَوْنِهم مُشتركينَ في الخُروجِ من دِينِ الإسلامِ.


فصلٌ: والكُفْرُ كُفْرانِ؛ كُفْرٌ ظَاهِرٌ، وكُفْرٌ بَاطِنٌ:
فأما الكفر الظاهر؛ فهو ما يَظْهَر من أعمالِ العبدِ الكفريّةِ البيّنةِ؛ فيُحكَمُ بكفْرِه لِمَا ظَهَر منه.
وأمَّا الكفرُ الباطنُ فهو ما يَتعلَّقُ به حالُ العبدِ فيمَا بينَه وبينَ اللهِ؛ فقد يَكونُ كافرًا في الباطِنِ بارتكابِه ما يَنْقُضُ الإسلامَ، وهو فيما يَرَى الناسُ مُظْهِرٌ للإسلامِ؛ وحينَئذٍ يكونُ مُنافِقًا يُعامَلُ مُعاملةَ المسلمين في الظاهرِ، وهو في الآخرةِ معَ الكفارِ في نارِ جَهنَّم خالدًا فيها.
ومن الناسِ مَن يَرْتَكِبُ نَاقِضًا من النواقضِ فيما يَظْهَرُ للنَّاسِ ويَكونُ له ما يُعْذَرُ به من ذَهابِ عَقْلٍ أو جَهْلٍ يُعْذَرُ بمِثْلِه، أو يَكونُ حَدِيثَ عَهْدٍ بالإسلامِ فتَجْرِي على لسانِه بعضُ أقوالِ الكُفْرِ التي اعتادَها من غيرِ أنْ يَعْتَقِدَها؛ فرُبَّما حُكِمَ بكُفْرِه في الظاهرِ وهو في الباطِنِ له ما يُعْذَرُ به.

ويُبْعَثُ الإنسانُ يومَ القيامةِ على ما ماتَ عليه من إيمانٍ وكُفْرٍ.
والأَصْلُ في الحُكْمِ بالكُفْرِ أنه إلى أهلِ العلمِ وأُولِي الأَمْرِ، وقد يُخْرَجُ عن الأصلِ
لعَوَارِضَ تَقْتَضِيها الحاجةُ وتَعَلُّقِ العَمَلِ بذلك.

ومِمَّا يَنْبَغِي التَّحْذِيرُ منه التَّسَرُّعُ في تَكْفيرِ مَن لم يَتَبيَّنْ كُفْرُه؛ لقولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم: (( إِذَا قالَ الرَّجُلُ لأخيهِ: يَا كافرُ، فقَدْ باءَ بها أحدُهمَا، فإنْ كانَ كمَا قالَ، وإلاَّ رَجَعَتْ عليهِ )) مُتَّفقٌ عليه من حديثِ ابنِ عُمَرَ رضِي الله عنهما.
وعن أَبِي ذَرٍّ رضِي الله عنه أنَّه سَمِعَ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: (( مَنْ دَعَا رَجُلاً بالكُفْرِ، أو قالَ: عَدُوَّ اللهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلاَّ حَارَ عَلَيْهِ )). مُتَّفَقٌ عليه.
وهذا التحذيرُ هو فِيمَا يَجْرِي مَجْرَى السِّبابِ والتَّسَرُّعِ والحُكْمِ مِن غَيْرِ تَأَهُّلٍ، أما العَالِمُ المُجْتهِدُ إذا أخْطَأَ في حُكْمِه عندَ الاحتياجِ إليه وهو غَيْرُ مُفَرِّطٍ ولا مُتَّبِعٍ لِهَوى؛ فإنه مَأْجُورٌ على اجْتِهادِه وخَطَؤُه مَغْفُورٌ.

فَصْلٌ: وقدْ أجْمَعَ أهلُ العِلْمِ على وُجوبِ قَتْلِ المُرْتَدِّ لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ)) رواهُ البُخاريُّ من حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضِي الله عنهما.
ومَن مَاتَ مُرْتَدًّا فلا يُغَسَّلُ، ولا يُكَفَّنُ، ولا يُصَلَّى عليه، ولا يُدْفَنُ في مَقابِرِ المُسلمينَ، ولا يُوَرَّثُ مالُه، ولا يُدْعَى له بعدَ موتِه.
وأمَّا استتابتُه قبلَ قَتْلِه فهي من اجتهادِ الإمامِ، فإن كانَ يَرْجُو رُجوعَه للإسلامِ أو كانت لديه شُبْهَةٌ عارضةٌ ارْتَدَّ بسَبَبِها فله أن يُمْهِلَه ثلاثةَ أيَّامٍ ويَعْرِضَ عليه الرُّجوعَ للإسلامِ، فإنْ تَابَ وإلا قُتِلَ مُرْتَدًّا.
وإنْ رَأَى الإمامُ أنَّ التَّعْجِيلَ بقَتْلِه فيه مَصْلَحةٌ للمُسْلمِينَ عَجَّل بقَتْلِه ما لم يَتُبْ قَبْلَ القُدْرةِ عليه.

رد مع اقتباس
  #61  
قديم 9 جمادى الآخرة 1436هـ/29-03-2015م, 10:09 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي أدَبُ الزَّمَالةِ

قرين السوء من أخطر ما يعوق طالب العلم فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( مثل الجليس الصالح كحامل المسك) (ومثل الجليس السوء كنافخ الكير )
فعليك بإختيار الصديق الصالح الذي 1-يدلك على الخير 2-ويبينه لك 3-ويحثك عليه 4-ويبين لك الشر 5-ويحذرك منه , وإياك وجليس السوء , فإن المرء على دين خليله.
ولكن يجوز مصاحبة الفاسق طلبا لهدايته بشرط أن لا يقدح ذلك في عدالتك عند الناس.
وقوله: ( الدفع أسهل من الرفع ) هذه قاعدة فقهية ذكرها ابن رجب رحمه الله وفي معناها قول الأطباء : الوقاية أسهل من العلاج.

والصديق ثلاثة: صديق منفعة ينقطع عنك إذا انقطعت منفعته، وصديق لذة لا يعرفك إلا للهو والسمر فإن لم يجد ذلك انصرف عنك، وصديق فضيلة يدلك على ما يزين وينهاك عما يشين ويفتح لك أبواب الخير ويدلك عليه وإذا زللت نبهك على وجه لا يخدش كرامتك

رد مع اقتباس
  #62  
قديم 9 جمادى الآخرة 1436هـ/29-03-2015م, 11:01 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي كبر الهمة في العلم

المقصود بكبر الهمة أن تكون للعبد غاية ومهمة كبيرة وعظيمة في الطلب، ومن أهم المهمات: القيادة والإمامة للمسلمين في علمه، وأن يرى أنه واسطة بين الله عز وجل وبين العباد في تبليغ الشر، فإذا أدرك ذلك كان حريصا على اتباع ما جاء في الكتاب والسنة معرضاً عن آراء الناس إلا ما يستعان به من كلام العلماء على فهم نصوص الكتاب والسنة.

المقصود بالآمال من كلام المصنف رحمه الله تعالى : هي أن يتمنى الإنسان الشيء دون السعي في أسبابه وتنكب الطريق، وانظر إلى عتبان بن مالك طلب من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يأتي إلى بيته ليصلي في مكان يتخذه عتبان مصلى، فأعد لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم طعاما وأخبر الجيران بذلك فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما وصل البيت أخبره عتبان بما صنعه ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال أرني المكان الذي تريد أن أصلي فيه فأراه المكان وصلى قبل أن يأكل الطعام أو يجلس إلى القوم.
وشتان بين كبر الهمة الذي هو حلية ورثة الأنبياء وبين الكبر الذي هو بطر الحق وغمط الناس.

ومن علو الهمة أن لا تكون متشوفا لما في أيدي الناس ,ان لا تجعل لأحد عليك منة، ولذلك عند انعدام الماء يلزمك الفقهاء بشرائه للوضوء وجوبا ولا يلزموك بقبوله منة.

رد مع اقتباس
  #63  
قديم 11 جمادى الآخرة 1436هـ/31-03-2015م, 12:11 AM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي النهمة في الطلب

ينسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «قيمة كل امرئ ما يحسنه»، وقد قيل: ليس كلمة أحض على طلب العلم منها، فاحذر غلط القائل: ما ترك الأول للآخر. وصوابه: كم ترك الأول للآخر!
قيمة كل امرئ بقدر ما يحسنه كيفا وكما، «وقد قيل: ليس كلمة أحض على طلب العلم منها» وهذا القيل ليس بصحيح. أشد كلمة في الحض على طلب العلم قول الله تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (سورة الزمر: 90). وقوله تعالى : (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (سورة المجادلة: 11). وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» ، وقوله صلى الله عليه وسلم :«العلماء ورثة الأنبياء » .
وقوله :«ما ترك الأول للآخر» إما تكون «ما» نافية أو استفهامية فإن كانت «نافية» فالمعنى: ما ترك الأول للآخر شيئا. وإن كانت «استفهامية» فيكون المعنى: أي شيء ترك الأول للآخر؟
وكلا المعنيين يوجب أن يتثبط الإنسان عن العلم،
ولا شك أن المعنى الصواب: كم ترك الأول للآخر، وهذا يحملك على أن تبحث على كل ما قاله الأولون، ولا يمنعك من الزيادة على ما قال الأولون.
. فإن قيل: إن الشاعر الجاهلي يقول:
ما أرانا نقول إلا معارا ** أو معادا من قولنا مكرور
هذا ليس بصواب، إلا أن يقال أن الشاعر الجاهلي أراد أنه كل ما يقال من الكلمات والحروف فإنه إما معار أخذه من غيره، وإما معاد، لكن إذا كان البيت بهذا المعنى فقيمته رخيصة لأن هذا معلوم.
قوله :«فعليك بالاستكثار..» يحثك على أن تستكثر من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك العلم لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر من ميراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ثم اعلم أن ميراث النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون بالقرآن الكريم أو بالسنة النبوية. فإن كان بالقرآن الكريم، فقد كفيت إسناده والنظر فيه، لأن القرآن لا يحتاج إلى النظر بالسند لأنه متواتر أعظم التواتر.
أما إذا كان بالسنة النبوية فلا بد أن تنظر في السنة النبوية، أولا هل صحت نسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أم لم تصح؟ فإن كنت تستطيع أن تمحص ذلك بنفسك فهذا هو الأولى؟ وإلا:

إذا لم تستطع شيئا فدعه = وجاوزه إلى ما تستطيع




قوله :«ابذل الوسع» يعني الطاقة في التدقيق، وعدم الأخذ بظواهر النصوص بل لابد من معرفة العام والخاص ، والمطلق والمقيد ، والناسخ والمنسوخ ...إلخ.
يقول «مهما بلغت في العلم فتذكر: كم ترك الأول للآخر» هذا طيب، ولكن نقول: إن أحسن من ذلك مهما بلغت في العلم، فتذكر قول الله عز وجل : (وفوق كل ذي علم عليم) (سورة يوسف: 76). وقوله (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (سورة الإسراء: 85).
وفي ترجمة أحمد بن عبد الجليل من «تاريخ بغداد» للخطيب ذكر من قصيدة له:
لا يكون السري مثل الدني = لا ولا ذو الذكاء مثل الغبي
قيمة المرء كلما أحسن المرء = قضاء من الإمام علي

هذا سبق الكلام عليه. و«السري» يعني: الشريف عالي الهمة، مثل الوفي ونفي المماثلة ظاهر أيضا، لا يكون الإنسان الذكي مثل الإنسان الغبي ولا ذو العلم مثل الجاهل.

رد مع اقتباس
  #64  
قديم 11 جمادى الآخرة 1436هـ/31-03-2015م, 11:32 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي

«من لم يكنْ رُحْلَةً لن يكونَ رُحَلَة»: فمن لم يرحل في طلب العلم، فيبعد تأهله ليرحل إليه، لأن هؤلاء العلماء لديهم من التحريرات، والضبط، والنكات العلمية، والتجارب، ما يعز الوقوف عليه أو على نظائره في بطون الأسفار. قوله :«التجارب» الصواب فيها كسر الراء.
واحذر العقود عن هذا على مسلك المتصوفة البطالين، الذين يفضلون «علم الخرق» على «علم الورق». وقد قيل لبعضهم: ألا ترحل حتى تسمع من عبد الرزاق؟ فقال: ما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يسمع من الخلاق؟! وقال آخر:
إذا خاطبوني بعلم الورق = برزت عليهم بعلم الخرق

فاحذر هؤلاء، فإنهم لا للإسلام نصروا، ولا للكفر كسروا، بل فيهم من كان بأسا وبلاء على الإسلام.

الصوفية يدعون أن الله يخاطبهم ويوحي إليهم، وأنه يزورهم ويزورونه وهذا من خرافاتهم.
والعبارة الأخيرة مأخوذة من كلام شيخ الإسلام رحمه الله في المتكلمين قال في هؤلاء :«لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا» يعني أنهم ما نصروا الإسلام الذي جاء لذلك أن هؤلاء المتكلمين حرفوا النصوص عن ظاهرها وأولوها بما يزعمون أنه عقل، فتسلط عليهم الفلاسفة وقالوا لهم: إذا أبحتم لأنفسكم أن تأولوا في أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة، فاسمحوا لنا أن نأول في آيات المعاد وننكر المعاد رأسا ولا شك أن هذه حجة قوية لهؤلاء الفلاسفة على هؤلاء المتكلمين، إذ لا فرق.
بعض الصوفية يصل إلى حد الكفر والإلحاد بالله، حتى يعتقد أنه هو الرب كما يقول بعضهم «ما في الجبة إلا الله» يعني نفسه. ويقول: الرب عبد والعبد رب = يا ليت شعري من المكلف
لكن ينبغي أن يهاجم على أهل الكلام الذين عطلوا لله مما يجب له من صفات كمال بعقول واهية.
والعلماء رحمهم الله الذين تكلموا عن الرحلة لم يدركوا هذا الأثر، الأشرطة المسجلة تغني عن الرحلة، لكن الرحلة أكبر لأن الرحلة إلى العالم، يكتسب الإنسان من علمه وأدبه وأخلاقه، ثم يترك الرجل يتكلم ليس كما يعمله إياه في الشريط.

رد مع اقتباس
  #65  
قديم 12 جمادى الآخرة 1436هـ/1-04-2015م, 10:38 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي

ابذل الجهد في حفظ العلم (حفظ كتاب)، لأن تقييد العلم بالكتابة 1-أمان من الضياع، 2-وقصر لمسافة البحث عند الاحتياج، 3- حفظ لمسائل العلم التي تكون في غير مظانها، 4-سهولة البحث والتقصي عند كبر السن وضعف القوى.
لا تكتب على هامش كتابك كتابة تطمس الأصل لئلا يلتبس هذا بهذا، فإن لم يتيسر هذا، فلا ضير عليك أن تجعل ورقة بيضاء تلصقها بين الورقات وتشير إلى موضعها من الأصل وتكتب ما شئت، فاجعل لك (كناشا) أو (مذكرة) لتقييد الفوائد والفرائد والأبحاث المنثورة في غير مظانها، وإن استعملت غلاف الكتاب لتقييد ما فيه من ذلك، فحسن، ثم 1-تنقل ما يجمع لك بعد في مذكرة، 2-مرتبا له على الموضوعات، 3-مقيدا رأس المسألة، واسم الكتاب، ورقم الصفحة والمجلد، 4-ثم اكتب على ما قيدته :«نقل»، حتى لا يختلط بما لم ينقل، 5-كما تكتب :«بلغ صفحة كذا» فيما وصلت إليه من قراءة الكتاب.
وللعلماء مؤلفات عدة في هذا، منها :«بدائع الفوائد»، لابن القيم، و«خبايا الزوايا» للزركشي، ومنها: كتاب «الإغفال»، و«بقايا الخفايا»، وغيرها.
ومنها أيضا «صيد الخاطر» لابن الجوزي، لكن أحسن ما رأيت «بدائع الفوائد» لابن القيم تجد فيه من العقائد في التوحيد، في الفقه، في النحو، في البلاغة، في التفسير، في كل شيء.
لما قدم بن تيمية مصر اجتمع بأبي حيان المصري الشهير صاحب «البحر المحيط» في التفسير، وكان أبو حيان يثني عليه ثم تناظر معه في مسألة نحوية واحتج عليه أبو حيان بقول سيبويه في كتابه، فقال له شيخ الإسلام:«وهل سيبويه نبي النحو؟! لقد غلط في الكتاب في أكثر من 80 موضعا لا تعلمها أنت ولا هو». يقال: إن أبا حيان بعد ذلك أخذ عليه فأنشأ قصيدة يهجوه فيها.
قال الشعبي:«إذا سمعت شيئا، فاكتبه، ولو في الحائط». رواه خيثمة.
وهل الأولى أن ترتبها على الموضوعات أو أن ترتبها على ألف وباء؟ نرى أنه على ألف باء أحسن، وذلك لأن ترتيبها على الموضوعات تختلف فيه كتب العلماء، تجد مثلا: ترتيب الحنابلة يفترق عن الشافعية لاسيما في المعاملات، بل إن نفس المذهب الواحد يختلف ترتيبه. ترتيب المتقدمين منهم والمتأخرين.

رد مع اقتباس
  #66  
قديم 17 جمادى الآخرة 1436هـ/6-04-2015م, 12:20 AM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي حفظ الرعاية


ابذل الوسع في حفظ العلم(حفظ رعاية) بالعمل والاتباع، قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى:«يجب على طالب الحديث أن يخلص نيته في طلبه، ويكون قصده وجه الله سبحانه. وليحذر أن يجعله سبيلا إلى نيل الأعراض، وطريقا إلى أخذ الأعواض، فقد جاء الوعيد لمن ابتغى ذلك بعلمه.
«مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وعرف الجنة؛ ريحها، وما ذكره الخطيب البغدادي- رحمه الله- حق أن يخلص الإنسان النية في طلب العلم بأن ينوي1- امتثال أمر الله تعالى 2-والوصول إلى ثواب طلب العلم 3-وحماية الشريعة 4-والذب عنها 5-ورفع الجهل عن نفسه ورفع الجهل عن غيره، كل هذه تدل على الإخلاص، ولا يكون قصده نيل الأعراض كالجاه والرئاسة والمرتبة، أو طريقا إلى أحد الأعواض كالمرتبات لا يريد هذا.
وليتق المفاخرة والمباهاة به، وأن يكون قصده في طلب الحديث نيل الرئاسة، واتخاذ الأتباع، وعقد المجالس، فإن الآفة الداخلة على العلماء أكثرها من هذا الوجه.
«مَنْ طَلَبَ العِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ العُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» هذه نيات سيئة، وهي ستحصل لك مع النية الصالحة.
وليجعل حفظه للحديث حفظ رعاية لا حفظ رواية، فإن رواة العلوم كثير ورعاتها قليل، ورب حاضر كالغائب، وعالم كالجاهل، وحامل للحديث ليس معه منه شيء إذا كان في اطراحه لحكمة بمنزلة الذاهب عن معرفته وعلمه.
ومعنى «رعاية» أن يفقه الحديث ويعمل به ويبينه للناس، لأن مجرد الحفظ بدون فقه للمعنى ناقص جدا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :«رب مبلغ أوعى من سامع» .
الله سبحانه وتعالى بحكمته جعل الناس أصنافا، منهم راو فقط، يفقه قليلا لكنه في الحفظ قوي جدا، ومن الناس من أعطاه الله فهما وفقها لكنه ضعيف الحفظ، ومن الناس من يعطيه الله الأمرين: قوة الحفظ وقوة الفقه، لكن هذا نادر، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لما أتاه الله تعالى من العلم والحكمة مطر أصاب أرضا فصارت الأرض ثلاثة أقسام:
«إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْهُدَى، وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ، وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ»
وينبغي لطالب الحديث أن يتميز في عامة أموره عن طرائق العوام باستعمال آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمكنه، وتوظيف السنن على نفسه، فإن الله تعالى يقول :(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (سورة الأحزاب: 21). اهـ.
«ينبغي» أحيانا يراد بها الوجوب، لكن الشائع في استعمالها أنها للندب. وهذا في الأمور التعبدية ظاهر.
هل يشرع أن اتباع الإنسان
آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمور التي وقعت اتفاقا من غير قصد؟
كان ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه يتبع ذلك، حتى أنه يتحرى المكان الذي نزل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وبال فيه، فنزل ويبول. وإن لم يكن محتاجا للبول.
لكن خالفه أكثر الصحابة فيه ورأوا أن ما وقع اتفاقا فليس بمشروع اتباعه للإنسان. ولهذا لو قال قائل: أيسن لنا الآن ألا نقدم مكة في الحج إلا في اليوم الرابع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم في اليوم الرابع؟
الصحيح أنه لا يشرع لأنه وقع اتفاقا لا قصدا.
ما وقع عادة فهل يشرع لنا أن نتبعه فيه؟ مثلا: العمامة والرداء والإزار. نقول: نعم يشرع الاتباع
في جنس ما لبس وليس في عين ما لبس.
وعلى ذلك نقول: السنة لبس ما يعتاده الناس، ما لم يكن محرما.
قال أنس رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء- يعني القرع- في الطعام، فمازلت أتتبعها منذ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبعها.
الظاهر أن هذا الاتباع فيه أحرى من الاتباع فيما سبقه- وهو ما وقع اتفاقا- لأنه حين يتتبعها أنه يتتبعها قصدا لا اتفاقا، ولا شك أن هذا يوجب له محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع آثاره وحينئذ نقول: إذا تتبعت هذا فإنك على الخير، وقد يكون في الدباء منفعة طبية، تسهل وتلين وتكون قدما للطعام.
قوله «باستعمال آثار» هذه العبارة فيها شيء من الركاكة، ولو قال «باتباع آثار» كما عبر بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية قال: من أصول أهل السنة والجماعة اتباع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا». وهذا هو اللفظ المطابق للقرآن . (فاتبعوني يحببكم الله) (سورة آل عمران: 31). أما استعمال الآثار فقد يتوهم واحد أن استعمال ثيابه وعمامته وما أشبه ذلك. لكن إذا قلنا اتباع آثار كان ذلك أحسن وأوضح.
وقوله :«توظيف السنن على نفسه» يراد بذلك أن يطبق توظيفها، بمعنى تطبيق السنن على نفسه لأن الله يقول: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (سورة الأحزاب: 21).
ولو ذكر آخر الآية لكان أحسن ما هي (لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) (سورة الأحزاب: 21).

رد مع اقتباس
  #67  
قديم 17 جمادى الآخرة 1436هـ/6-04-2015م, 10:47 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي تَعَاهُدُ المحفوظاتِ

تَعاهَدْ عِلْمَك من وَقتٍ إلى آخَرَ ؛ فإنَّ عَدَمَ التعاهُدِ عُنوانُ الذهابِ للعِلْمِ مهما كان .
الشيخ:
الأولى أن يقال :«عدم التعاهد سبب الذهاب للعلم» لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : «تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها». فيدل ذلك على أن عدم التعاهد سبب للنسيان، وليس عنوان الذهاب للعلم، لأن عنوان الشيء يكون بعد الشيء. وسبب الشيء يكون قبل الشيء.
عن ابنِ عمرَ رَضِي اللهُ عنهما أنَّ رسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :(( إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعْقَلَةِ ، إن عاهدَ عليها أَمْسَكَها وإن أَطْلَقَها ذَهَبَتْ )). رواه الشيخانِ ، ومالِكٌ في ( الْمُوَطَّأِ ) .
قالَ الحافظُ ابنُ عبدِ البَرِّ رَحِمَه اللهُ : ( وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ مَن لم يَتَعَاهَدْ عِلْمَه ذَهَبَ عنه ، أيْ مَنْ كان ؛ لأنَّ عِلْمَهم كان ذلك الوَقْتَ القرآنَ لا غيرَ ، وإذا كان القرآنُ الْمُيَسَّرُ للذكْرِ يَذْهَبُ إن لم يُتَعَاهَدْ ؛ فما ظَنُّكَ بغيرِه من العلومِ المعهودةِ ؟! وخيرُ العلومِ ما ضُبِطَ أَصْلُه ، واسْتُذْكِرَ فَرْعُه ، وقادَ إلى اللهِ تعالى ودَلَّ على ما يَرضاهُ ) .
(خيرُ العلومِ ما ضُبِطَ أَصْلُه ، واسْتُذْكِرَ فَرْعُه ) يعني من فاتته الأصول فاته الوصول.
وقالَ بعضُهم ( كلُّ عِزٍّ لم يُؤَكَّدْ بعِلْمٍ فإلى ذُلٍّ مَصيرُه ) اهـ .
يعني غالبا ، وإلا فقد يكون الإنسان عزيزا بماله وإنفاقه ونفع الناس به فيبقى عزيزا إلى أن يموت ولكن في الغالب أن العز الذي لم يأكد بالعلم أنه يزول.

رد مع اقتباس
  #68  
قديم 18 جمادى الآخرة 1436هـ/7-04-2015م, 12:04 AM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي التفقه بتخريج الفروع على الأصول1

من وراء الفقه: التفقه، ومعتمله هو الذي يعلق الأحكام بمداركها الشرعية.
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه : أن رسول الله قال : «نضر الله امرؤ سمع مقالتي فحفظها، ووعاها، فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه».
«التفقه» يعني طلب الفقه، والفقه هنا ليس علم الفقه الذي هو استنباط الأحكام العملية من الأدلة، إنما هو إدراك أسرار الشريعة. ولهذا حذر ابن مسعود رضي الله عنه من ذلك فقال: «كيف لكم إذا كثر قراؤكم وقل فقهاؤكم».
الفقيه هو الذي يستطيع أن يرد الفروع الشاردة إلى الأصول الموجودة.
قال: «نضر الله.. » نضر بمعنى: حسنه، ومنه قوله تعالى : (وجوه يومئذ ناضرة) (سورة القيامة: 22)، فيجتمع لهم حسن الظاهر والباطن.
قال ابن خير.- رحمه الله تعالى- في فقه هذا الحديث :«وفيه بيان أن الفقه هو الاستنباط والاستدراك في معاني الكلام من طريق التفهم، وفي ضمنه بيان وجوب التفقه، والبحث على معاني الحديث، واستخراج المكنون من سره» أ هـ. وللشيخين، شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم الجوزية رحمهما الله تعالى، في ذلك القدح المعلي، ومن نظر في كتب هذين الإمامين، سلك به النظر فيها إلى التفقه طريقا مستقيما.
لا شك أن الفقه هو استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة. لكن لا ينبغي أن يقتصر على الحديث بل
يقال: «بالبحث عن معاني القرآن والحديث»، فدلالات القرآن أقوى لأنه لا يعتريه عيب النقل بالمعنى بخلاف السنة.
ومن أحسن من رأيت في استخراج الأحكام من الآيات شيخنا- رحمه الله- عبد الرحمن بن سعدي، وهذا هو طريق الصحابة، فما كانوا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلمونها، وما فيها من العلم والعمل.
ونضرب مثلا لهذا- أعني التفقه-، أن العلماء اتخذوا الحكم بأن أقل مدة الحمل ستة أشهر من قوله تعالى :(وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (سورة الأحقاف:15).
ومن قوله : (وفصاله في عامين) (سورة لقمان: 14). فإن ثلاثين شهرا، عامان وستة أشهر، فإذا كان حمله وفصاله (ثلاثون شهرا) وفي الآية الآخرى (في عامين) لزم أن يكون الحمل أقله ستة أشهر.
ومن مليح كلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- قوله في مجلس للتفقه: «أما بعد، فقد كنا في مجلس التفقه في الدين، والنظر في مدارك الأحكام المشروعة، تصويرا وتقريرا، وتأصيلا، وتفصيلا، فوقع الكلام في ... فأقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا مبني على أصل وفصلين..».
واعلم أرشدك الله أن بين يدي التفقه : (التفكر) (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) (سورة البقرة: 219). ، (قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون) (سورة الأنعام: 50).
وعليه، فإن «التفقه» أبعد مدى من (التفكر)، إذ هو حصيلته وإنتاجه، وإلا: (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) (سورة النساء: 78). لكن هذا التفقه محجوز بالبرهان، محجوز عن التشهي والهوى: (ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير) (سورة البقرة: 12).
إذا نقول : المراتب، أولا- العلم، ثم الفهم، ثم التفكير، ثم التفقه.
وتتفكر أيضا في أنواع الدلالة، وأنواع الدلالة ثلاثة:
دلالة المطابقة، ودلالة التضمن، ودلالة الالتزام.
فدلالة اللفظ على جميع معناه، دلالة مطابقة.
ودلالته على بعض معناه، دلالة تضمن.
ودلالته على لازم خارج، هذه دلالة التزام.
وهذا النوع الثالث من الدلالة هو الذي يختلف فيه الناس اختلافا عظيما، إذ قد يلتزم بعض الناس من الدليل ما لا يلزم، وقد يفوته ما يلزم.
ويذكر أن الشافعي رحمه الله نزل ضيفا على الإمام أحمد بن حنبل فقدم له العشاء فأكله كله ورد الصحفة خالية، فتعجب أهل أحمد كيف يأكل الطعام كله، والسنة أن الإنسان يأكل قليلا. ثم إن الإمام أحمد انصرف إلى أهله ونام الشافعي فلما كان في آخر الليل قام يتهجد ولم يطلب ماء يتوضأ به، أو أظنه أنه لم يقم يتهجد، ثم أذن الفجر فخرج إلى الصلاة ولم يطلب ماء للوضوء، هذه اثنتان.
فلما أصبح قال أهل الإمام أحمد له كيف تقول في الشافعي ما تقول، والرجل أكل الطعام ونام وقام ولم يتوضأ كيف إذا؟
قال :«آتيكم بالخبر ..» فسأله. قال: فأما الطعام فلا أجد أحل من طعام الإمام أحمد بن حنبل فأردت أن أملأ بطني منه، أما كوني لم أتهجد فلأن التفكير في العلم أفضل من التهجد، وأنا جعلت أتفكر في العلم واستنبط من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «يا أبا عمير ما فعل النغير» . كذا وكذا ما أدري قال: مائة، أو ألف. أما كوني لم أطلب ماء وأن خارج لصلاة الفجر، فلم أشأ أن أطلب ماء وأنا على وضوء. فذكر ذلك لأهله.
فهيا أيها الطالب! تحل بالنظر والتفكر، والفقه والتفقه، لعلك أن تتجاوز من مرحلة الفقيه إلى (فقيه النفس) كما يقول الفقهاء، وهو الذي يعلق الأحكام بمداركها الشرعية، أو (فقيه البدن) كما في اصطلاح المحدثين.
هناك فقه ثالث ظهر، وهو فقه الواقع ، والحقيقة أن انشغال الشباب بفقه الواقع صد لهم عن الفقه في دين الله، لأن القلب إذا امتلأ بشيء امتنع عن الآخر؛ فانشغال الإنسان بالفقه في الدين وتحقيق العبادة والدين والإخلاص خيرا له من البحث عن الواقع، والمهم أن فقه النفس، الذي هو صلاح القلب والعقيدة السليمة ومحبة الخير للمسلمين وما أشبه ذلك هذا ينبني عليه فقه البدن: معرفة هذا القول حلال أم حرام. هذا الفعل حلال أم حرام.

رد مع اقتباس
  #69  
قديم 19 جمادى الآخرة 1436هـ/8-04-2015م, 12:44 AM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي

فأجل النظر عند الواردات بتخريج الفروع على الأصول، وتمام العناية بالقواعد والضوابط. وأجمع للنظر في فرع ما بين تتبعه وإفراغه في قالب الشريعة العام من قواعدها وأصولها المطردة، كقواعد المصالح، ودفع الضرر والمشقة، وجلب التيسير، وسد باب الحيل، وسد الذرائع.
أصول الشريعة ثلاثة: الأدلة من القرآن والسنة والقواعد والضوابط المأخوذة من الكتاب والسنة.
والفرق بين القاعدة والضابط:
أن الضابط يكون لمسائل محصورة معينة (الضوابط نوعان: ما يتعلق به تحقق حكم شرعي من عدمه (مثل ضابط المطر الذي يجوز معه الصلاة في الرحال) ، الثاني: جملة تضبط أحكام عدد من المسائل في باب واحد (مثل ما يجوز في الفرض يجوز في النفل إلا ما استثناه الدليل) والقاعدة أصل يتفرع عليه أشياء كثيرة.
فالضابط أقل رتبة من القاعدة، كما يدل ذلك اللفظ، الضابط يضبط الأشياء ويجمعها في قالب واحد. والقاعدة أصل تفرع عنه الجزيئات.
قوله:«فأجل النظر عند الواردات بتخريج الفروع على الأصوال، وتمام العناية بالقواعد والضوابط» العبرة ليست بكثرة حفظ المسائل ولكن في القدرة على تخريج الفروع على الأصول.
قوله: «وأجمع للنظر في فرع ما بين تتبعه وإفراغه في قالب الشريعة العام...» وهذا أيضا مهم عند أهل الحديث فلو خالف الإنسان الثقة الثبت من هو أرجح منه، فإن حديثه هذا- وإن كان من حيث النظر إلى مجرد الطريق نحكم بعدم صحته لأنه شاذ. والشريعة إنما جاءت لجلب المصالح الدينية والدنيوية ولدرء المفاسد أو تقليلها، سواء كانت المفاسد دينية أو دنيوية، ولهذا تجد أن الله عز وجل يقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة شرعا وقدرا.
فهذه مسائل ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها، ولهذا قال الشيخ بكر رحمه الله ووفقه الله«وأصولها المطردة كقواعد المصالح».
بعض الأصوليين أتى بدليل خامس: هو المصالح المرسلة، فقال: الأدلة هي القرآن والسنة والإجماع والقياس الصحيح والمصالح المرسلة.
وهذا غلط لأن هذه المصالح إن كان الشرع قد شهد لها فهي داخلة في عموم الشرع: كتاب أو سنة قياس كان أو إجماع، وإن لم تكن فيها مصالح شرعية فهي باطلة فاسدة الاعتبار.
وقوله :«ودفع الضرر» قال الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) (سورة النساء: 29). وهذه الآية تعم قتل النفس مباشرة بأن ينتحر الإنسان أو فعل ما يكون سببا للهلاك، ولهذا استدل عمرو بن العاص رضي الله عنه بهذه الآية على التيمم خوفا من البرد، مع أن البرد قد لا يميت الإنسان، ولكن قد يكون سببا لموته، استدل بها، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وضحك.
هذا من القرآن.
ومن دفع المشقة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زحاما وهو في السفر، ورجلا قد ظلل عليه. فقال: ما هذا؟ قالوا: صائم. قال:«ليس من البر الصيام في السفر» . مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يصوم وهو مسافر، لكن إذا وصلت الحال من المشقة فإنه ليس من البر، وإذا انتفى أن يكون من البر، فهو إما من الإثم وإما أن يكون من لا لك ولا عليك.
شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس عطاش وقد شق عليهم الصيام، لكنهم ينظرون متى، فدعا بماء بعد صلاة العصر ووضعه على فخده الشريفة، وجعل الناس ينظرون إليه، فأخذه وشرب، والناس ينظرون. ثم قيل له إن بعض الناس قد صام. فقال: «أولئك العصاة، أولئك العصاة».
قوله :«وجلب التيسير» كل الإسلام تيسير، لكن باعتبار العموم. ومع ذلك إذا حصل للإنسان ما يقتضي التيسير وجد الباب مفتوحا: «صل قائما..». إذا هذا تيسير، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الدين يسر ولا يشاد الدين أحدا إلا غلبه».فاليسر الأقرب إلى مقاصد الشريعة.
جلب التيسير هو الموافق لروح الدين. من هنا نرى أنه إذا اختلف عالمان في رأي، ولم يتبين لنا الأرجح من قولهما لا من حيث الدليل، ولا من حيث الاستدلال، ولا من حيث المستدل، نتبع الأيسر، وليس الأشد لأنه أحوط، لأن الأحوط ما كان موافقا للشرع.
ثم قال :«وسد الحيل وسد الذرائع». إن هذه الأمة اتبعت سنن من كان قبلها في مسألة الحيل، وأشد الناس حيلا ومكرا هم اليهود، وهذه الأمة فيها من تشبه باليهود وتحايلوا على محارم الله.
والحيلة: أصلها حولة من حال يحول. هذا في اللغة، أما في الشرع والاصطلاح: هي التوصل إلى إسقاط واجب أو انتهاك محرم بما ظاهره الإباحة .
مثال ذلك: رجل سافر في نهار رمضان، قصده أن يفطر في رمضان وليس له قصد في السفر إلا أن يفطر. ظاهر فعله أنه حلال، لكن أراد بذلك إلى إسقاط واجب وهو الصوم.
«سد الذرائع» الذرائع جمع ذريعة، وهي الوسيلة. والفرق بينها وبين الحيلة: أن فاعل الحيلة قد قصد التحيل. وفاعل الذريعة لم يقصد، ولكن فعله يكون ذريعة إلى الشر والفساد.
مثال ذلك: بعض النساء اليوم صارت تلبس النقاب، تغطي وجهها بالنقاب، لكن هل إن المرأة بقيت على هذا. بمعنى أنها لم تخرق فيه لتسر وجهها إلا مقدار العين؟... لا. إذا يمنع النقاب لأنه ذريعة يتوصل به إلى شيء محرم؟
وهكذا هديت لرشدك أبدا، فإن هذا يسعفك في مواطن المضايق. وعليك بالتفقه كما أسلفت في نصوص الشرع، والتبصر فيما يحف أحوال التشريع، والتأمل في مقاصد الشريعة، فإن خلا فهمك من هذا، أو نبا سمعك، فإن وقتك ضائع، وإن اسم الجهل عليك لواقع. وهذه الخلة بالذات هي التي تعطيك التمييز الدقيق، والمعيار الصحيح، لمدى التحصيل والقدرة على التخريج:
فالفقيه هو من تعرض له النازلة لا نص فيها فيقتبس لها حكما.
والبلاغي ليس من يذكر لك أقسامها وتفريعاتها، لكنه من تسري بصيرته البلاغية في كتاب الله، مثلا، فيخرج من مكنون علومه وجوهها، وإن كتب أو خطب، نظم لك عقدها. وهكذا في العلوم كافة.

رد مع اقتباس
  #70  
قديم 20 جمادى الآخرة 1436هـ/9-04-2015م, 05:54 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي

لا تفزع إذا لم يفتح لك في علم من العلوم، فقد تعاصت بعض العلوم على بعض الأعلام المشاهير، ومنهم من صرح بذلك كما يعلم من تراجمهم، ومنهم: الأصمعي في علم العروض، والرهاوي المحدث في الخط، وابن الصلاح في المنطق، وأبو مسلم النحوي في علم التصريف، والسيوطي في الحساب، وأبو عبيدة، ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري، وأبو الحسن القطيعي، وأبو زكريا يحيي بن زياد الفراء، وأبو حامد الغزالي، خمستهم لم يفتح لهم بالنحو.
ما دمنا نطلب الفقه لا يضر ألا نعرف النحو. لكن لا شك إذا تكلم بكلام مطابق للغة العربية فإن كلامه يكون مقبولا محبوبا للنفس.
فإن عجزت عن فن فالجأ إلى الله عز وجل، فلا تقول عجزت، تعجز هذه المرة، لكن المرة الثانية يقرب لك الأمر.

فيا أيها الطالب! ضاعف الرغبة، وافزع إلى الله في الدعاء واللجوء إليه والانكسار بين يديه. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- كثيرا ما يقول في دعائه إذا استعصى عليه تفسير آية من كتاب الله تعالى:«اللهم يا معلم آدم وإبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني». فيجد الفتح في ذلك.
وهذا من باب التوسل بأفعال الله، والتوسل بأفعال الله جائز، لأن التوسل جائز وممنوع، وإن شئت فقل: مشروع وغير مشروع.
التوسل إلى الله بأسماءه وصفاته وأفعاله من المشروع، وكذلك التوسل إلى الله تعالى بذكر شكوى الحال وأنه مفتقر إليه، والتوسل إلى الله بالإيمان به، والتوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح، والتوسل إلى الله تعالى بدعاء من يرجي استجابة دعاءه.كل هذا مشروع.

رد مع اقتباس
  #71  
قديم 21 جمادى الآخرة 1436هـ/10-04-2015م, 12:30 AM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي الأمانةُ العلْمِيَّةُ

يَجِبُ على طالبِ العلْمِ ، فائِقُ التحَلِّي بالأمانةِ العِلْمِيَّةِ ، في الطلَبِ والتحَمُّلِ والعمَلِ والبلاغِ ، والأداءِ :
( فإنَّ فَلاحَ الأُمَّةِ في صَلاحِ أعمالِها ، وصلاحَ أعمالِها في صِحَّةِ عُلُومِها ، وصِحَّةَ عُلومِها في أن يكونَ رجالُها أُمناءَ فيما يَرْوُونَ أو يَصِفُونَ، فمَن تَحَدَّثَ في العِلْمِ بغيرِ أمانةٍ ؛ فقد مَسَّ العلْمَ بقُرحةٍ ووَضَعَ في سبيلِ فَلاحِ الأُمَّةِ حَجَرَ عَثْرَةٍ ) .
الشيخ:
هذا أيضا من أهم ما يكون في طالب العلم أن يكون أمينا في علمه، فيكون أمينا في نقله، وأمينا في وصفه. وكثير من الناس تنقصه هذه الأمانة، فتجده يصف وينقل من أقوال أهل العلم، بل ومن النصوص ما يوافق رأيه فيكون كالذي قال:
ما قال ربك ويل للأولى سكروا = بل قال ربك ويل للمصلينا، نعوذ بالله وحذف (الذين هم عن صلاتهم ساهون) ، وعدم الأمانة يوجب أن يكون الإنسان فاسقا لا يوثق له بخبر ولا يقبل له نقل لأنه مدلس.

القارئ:
لا تَخلُو الطوائفُ المنتمِيَةُ إلى العلومِ من أشخاصٍ لا يَطلبونَ العِلْمَ ليَتَحَلَّوْا بأَسْنَى فضِيلَةٍ ، أو ليَنْفَعُوا الناسَ بما عَرَفُوا من حِكمةٍ ، وأمثالُ هؤلاءِ لا تَجِدُ الأمانةُ في نفوسِهم مُسْتَقَرًّا ، فلا يَتَحَرَّجُون أن يَرْوُوا ما لم يَسْمَعُوا أو يَصِفُوا ما لم يَعْلَمُوا ، وهذا ما كان يَدْعُو جهابذةَ أهلِ العلْمِ إلى نَقْدِ الرجالِ .

الشيخ:
يقول: (لا تَخلُو الطوائفُ المنتمِيَةُ إلى العلومِ من أشخاصٍ لا يَطلبونَ العِلْمَ ليَتَحَلَّوْا بأَسْنَى فضِيلَةٍ ) لأن طلب العلم يؤدي إلى التحلي بأسنى فضيلة، أي: بأعلاها، (أو ليَنْفَعُوا الناسَ بما عَرَفُوا من حِكمةٍ) ، وإنما يطلبون العلم من أجل نصر آرائهم فتجده يبحث في بطون الكتب ليجد شيئا يقوي به رأيه، سواء كان خطأ أم صوابا، وهذا والعياذ بالله هو المراء والجدال المنهي عنه.

القارئ:
وتَمييزِ مَن يُسْرِفُ في القوْلِ مِمَّنْ يَصوغُه على قَدْرِ ما يَعْلَمُ ، حتى أَصْبَحَ طُلَّابُ العِلْمِ على بَصيرةٍ من قِيمةِ ما يَقرؤونَه ، فلا تَخْفى عليهم مَنْزِلَتُه ، من القطْعِ بصِدقِه أو كَذِبِه ، أو رُجحانِ أحدِهما على الآخَرِ ، أو احتمالِهما على سواءٍ ) اهـ .

رد مع اقتباس
  #72  
قديم 23 جمادى الآخرة 1436هـ/12-04-2015م, 10:18 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي الصدق


- الصدق:
صدق اللهجة: عنوان الوقار، وشرف النفس، ونقاء السريرة، وسمو الهمة، ورجحان العقل، ورسول المودة مع الخلق، وسعادة الجماعة، وصيانة الديانة، ولهذا كان فرض عين، فيا خيبة من فرط فيه، ومن فعل فقد مس نفسه وعلمه بأذى.
الصدق هنا قريب من مسألة الأمانة العلمية، وإذا كان الكذب ينجي، فإن الصدق أنجى وأنجى. لأن الكذب لا يدوم، ولو ظننت الصدق يضرك فاصبر، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا.
فلا تقل إن الله حرم هذا وهو لم يحرمه، ولا أوجب هذا وهو لم يوجبه، ولا قال فلان كذا وهو لم يقله. بل تجنب هذا كله.
وكان الإمام أحمد – رحمه الله – وغيره من الأئمة لا يصرحون بالتحريم إلا ما جاءت النصوص به، وإلا فإنك تجد الإمام أحمد يقول: أكره كذا، لا يعجبني ، لا تفعل . وما أشبه ذلك.
الصدق فرض عين، لا فرض كفاية.
استثنى بعض العلماء ما جاء عن طريق التورية، ولكن لا حاجة للاستثناء، لأن التورية صدق باعتبار ما في نفس القائل، كمثل قول إبراهيم عليه السلام للملك الجبار هذه أختي.
وهذا ليس بالكذب، وإن كان إبراهيم اعتذر عن الشفاعة بأنه كذب ثلاث كذبات، لكنه كذب من وجه وهو التلبيس على الظالم المعتدي، ولكنه صدق باعتبار ما في نفس القائل.
استثنى بعض العلماء أيضا ما جاء في الحديث أنه لا يجوز الكذب إلا في ثلاث: في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث المرأة لزوجها وحديث الرجل لزوجته.
ولكن بعض العلماء يقول: إن هذا محمول على التورية، وليس على الحقيقة، كذلك الإصلاح بين الناس ... لا تكذب، ولكن تأل. إذا قال لك فلان: يقول في كذا وكذا. تقول: لا لم يقل فيك شيئا.
كذلك حديث المرأة زوجها وحديث الرجل زوجته، يعني: على سبيل التورية لا التصريح وهذا القول ليس ببعيد.
وعند العامة يستثني كذبا أكثر من ذلك يقولون: الكذب الحرام ما كان فيه أكل للمال بالباطل، وأما ما سواه فهو كذب أبيض، ولكن هذا هو دين العامة وليس شريعة محمد صلى الله عليه وسلم
قال الأوزاعي- رحمه الله تعالي-:«تعلم الصدق قبل أن تتعلم العلم».
وقال وكيع- رحمه الله تعالى-:«هذه الصنعة لا يرتفع فيها إلا صادق».
فتعلم- رحمك الله- الصدق قبل أن تتعلم العلم، والصدق: إلقاء الكلام على وجه مطابق للواقع والاعتقاد، فالصدق من طريق واحد، أما نقيضه الكذب فضروب وألوان ومسالك وأودية، يجمعها ثلاثة:
1- كذب المتملق: وهو ما يخالف الواقع والاعتقاد، كمن يتملق لمن يعرفه فاسقا أو مبتدعا فيصفه بالاستقامة.
2- وكذب المنافق: وهو ما يخالف الاعتقاد ويطابق الواقع، كالمنافق ينطق بما يقوله أهل السنة والهداية.
3- وكذب الغبي: بما يخالف الواقع ويطابق الاعتقاد، كمن يعتقد صلاح صوفي مبتدع فيصفه بالولاية.
الصدق لا شك أنه سبيل واحد، والكذب سبل، وهكذا الهداية والضلالة.
الهداية سبيلها واحد، والضلالة سبل متفرقة. قال الله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) (سورة الأنعام:153). وأما قوله: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام)(سورة المائدة:16). فقد جمعها باعتبار تنوع الشرائع... صلاة، زكاة، صيام، حج، بر، صلة، صدقة- وما أشبه ذلك فجمعها باعتبار وتوحيدها باعتبار آخر.
أما الكذب فضروب وألوان متعددة، ويتعدد بتعدد أغراضه فهو يجمعها ثلاثة. يقول:
1- «كذب المتملق: وهو ما يخالف الواقع والاعتقاد، كمن يتملق لمن يعرفه فاسقا أو مبتدعا فيصفه بالاستقامة» وهذا من النفاق العلمي: إذا حدث كذب والعياذ بالله.
2- «كذب المنافق: وهو ما يخالف الاعتقاد ويطابق الواقع» ومنه قوله تعالي (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله). وكونه رسول الله مطابق للواقع. ما الدليل؟ قوله: (والله يعلم إنك لرسوله) . لكن شهادتهم هذه مخالفة لاعتقادهم، لأن الله قال: (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) (سورة المنافقون:1).
3- «كذب الغبي: بما يخالف الواقع ويطابق الاعتقاد». وهو أن يقول الشيء ما ليس فيه لغباءه، فيقول مثلا عن أهل الكلام أنهم أهل العلم والحكمة، أما أهل السنة فهم أغبياء يفوضون النصوص ولا يعرفون لها معنى.
نقول: هذا غبي، ولهذا عبر شيخ الإسلام- رحمه الله- في كتابه الفتوى الحموية، عبر بهذا الوصف فقال:«قال بعض الأغبياء: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم».
فهذا كاذب، فهل يعذر بكذبه؟ نقول: إذا فرط في البحث فلا يعذر وإن كان هذا منتهي علمه، فإنه يعذر لأنه جاهل. أما الأول فهو متملق، والثاني فهو منافق فلا عذر لهم في ذلك.
فالزم الجادة(الصدق)، فلا تضغط على عكد اللسان، ولا تضم شفتيك، ولا تفتح فاك ناطقا إلا على حروف تعبر عن إحساسك الصادق في الباطن، كالحب والبغض، أو إحساسك في الظاهر، كالذي تدركه الحواس الخمس: السمع، البصر، الشم، الذوق، اللمس. فالصادق لا يقول:«أحببتك» وهو مبغض، ولا يقول: «سمعت» وهو لم يسمع، وهكذا... واحذر أن تحوم حولك الظنون، فتخونك العزيمة في صدق اللهجة، فتسجل في قائمة الكذابين. وطريق الضمانة لهذا- إذا نازعتك نفسك بكلام غير صادق فيه: أن تقهرها بذكر منزلة الصدق وشرفه، ورذيلة الكذب ودركه، وأن الكاذب عن قريب ينكشف. واستعن بالله ولا تعجزن.
ولا تفتح لنفسك سابلة المعاريض في غير ما حصره الشرع. فيا طالب العلم! احذر أن تمرق من الصدق إلى المعاريض فالكذب، وأسوأ مرامي هذا المروق (الكذب في العلم)، لداء منافسة الأقران، وطيران السمعة في الآفاق.
بعض الناس يتسرع في الرقي ويوهم الناس به من أنه عنده علم واسع، وهذا لا شك أنه غلط عظيم، فهو مع جمعه1- الكذب، فيه 2-خيانة الناس و3-إيهامهم بخلاف الواقع. وفيه أيضا4- التغرير بالنفس.
ولهذا كان مما قاله عبد الله بن مسعود:«إن من العلم أن تقول لما لا تعلم لا أعلم».
وذكر بعضهم أن قول القائل:«لا أعلم» هي نصف العلم، ولكن في الواقع: العلم كله، ثم إن القول في مسائل الدين أخطر ما يكون لأنه قول على الله بلا علم، وقد قال الله عز وجل (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) (سورة الأعراف: 33).
ومن تطلع إلى سمعة فوق منزلته فليعلم أن في المرصاد رجالا يحملون بصائر نافذة، وأقلاما ناقدة، فيزنون السمعة بالأثر، فتتم تعريتك عن ثلاثة معان:
1- فقد الثقة في القلوب.
2- ذهاب علمك وانحسار القبول.
3- أن لا تصدق ولو صدقت.
وبالجملة، فمن يحترف زخرف القول، فهو أخو الساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى (1). والله أعلم.
هذا صحيح.. الإنسان إذا تطلع إلى السمعة فقط ونزل فوق منزلته فسرعان ما ينكشف،ثم إن النية في طلب العلم يجب فيها الإخلاص لله عز وجل، ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم :«أن من طلب علما وهو مما يبتغي به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة. وأن من طلب العلم ليماري به السفهاء أو ليجاري به العلماء فليتبوء مقعده من النار» . فالمسألة خطيرة، ولا سيما العلوم الشرعية. وذكر ثلاث مضار.

رد مع اقتباس
  #73  
قديم 25 جمادى الآخرة 1436هـ/14-04-2015م, 10:19 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي

جُنَّةُ العالِمِ ( لا أَدْرِي ) ويَهْتِكُ حِجابَه الاستنكافُ منها ، وقولُه: يُقالُ ..... وعليه ؛ فإن كان نِصْفُ العلْمِ ( لا أَدْرِي ) ؛ فنِصْفُ الجهْلِ ( يُقالُ ) و( أَظُنُّ ) .

الشيخ:
الإنسان يجب عليه إذا لم يعلم أن يقول: لا أعلم، وأما قوله :«نصف الجهل أظن أو يقال » هذا صحيح. بعض العوام تسأله هل هذا حرام أم حلال ؟ يقول أظنه حرام، أو يقال إنه حرام، فلا يجوز الاعتماد على فتوى العامي أبداً، لا تستفتي إلا إنسانا تثق في علمه وأمانته.

رد مع اقتباس
  #74  
قديم 25 جمادى الآخرة 1436هـ/14-04-2015م, 11:01 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي المحافَظَةُ على رأسِ مالِك

الوقت الوقت للتحصيل، فكن حلف عمل لا حلف بطالة بطر؛ وحلس معمل لا حلس تله وسمر، فالحفظ على الوقت، بالجد والاجتهاد، وملازمة الطلب، ومثافنة الأشياخ، والاشتغال بالعلم قراءة وإقراء، ومطالعة وتدبر وحفظا وبحثا، لا سيما في أوقات شرخ الشباب، ومقتبل العمر، ومعدن العافية، فاغتنم هذه الفرصة الغالية، لتنال رتب العلم العالية، فإنها «وقت جمع القلب، واجتماع الفكر»، لقلة الشواغل والصوارف عن التزامات الحياة والترؤس، ولخفة الظهر والعيال:
ولهذا قال عمر رضي الله عنه :«تفقهوا قبل أن تسودوا» وفي لفظ «تسودوا» لأن الإنسان إذا ساد كثرت المشاكل، وكثرت أفكاره وتفرقت وتمزقت عزائمه.
وليكن بحثك مركزا، بحيث لا تقطف من كل زهرة جزءا، اجعل بحثك مركزا الأهم فالأهم، حتى يكون لك ملكة تستطيع أن تخرج المسائل على القواعد والفروع على الأصول.
ما للمعيل وللعوالي إنما = يسعى إليهن الفريد الفارد
المعيل: كثير العيال. والعوالي: جمع عالية- يعني المنازل العالية فإذا كثرت العيال وكثرت المشاغل ألهتك لأن الإنسان بشر، والطاقة محدودة، فما دمت متفرغا فلتكن متفردا. ولا تظن أن المؤلف يريد بهذا إلا تطلب العيال والنكاح.
وإياك وتأمير التسويف على نفسك، فلا تسوف لنفسك بعد الفراغ من كذا، وبعد (التقاعد) من العمل هذا... وهكذا، بل البدار قبل أن يصدق عليك قول أبي الطحان القيني:
حنتني حانيات الدهر حتى = كأني خاتل أدنو لصيد
قصير الخطو يحسب من رآني = ولست مقيدا أني بقيد
خاتل أدنو لصيد: الرجل يكسر ظهره كأنه راكب يمشي ببطء على الأرض يخشى أن الطير يحس به فيطير، «ولست مقيدا أني بقيد»، لأن الله عز وجل قال في كتابه (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير) (سورة الروم:54)، وكما قال عن زكريا :(رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا) (سورة مريم:4). لا بد أن يتعب، لا بد أن يمل، فكون الإنسان ينتهز الفرصة هذا أمر لا بد منه.
وقال أسامة بن منقذ:

مع الثمانين عاث الضعف في جسدي = وساءني ضعف رجلي واضطراب يدي
إذا كتبت فخطي خط مضطرب = كخط مرتعش الكفيت مرتعد
فاعجب لضعف يدي عن حملها قلما = من بعد حمل القنا في لبة الأسد
فقل لمن يتمنى طول مدته = هذي عواقب طول العمر والمدد

فإن أعملت البدار، فهذا شاهد منك على أنك تحمل «كبر الهمة في العلم».
هذه كلها أبيات تدل على الحكمة، أن الإنسان مآله إلى هذا. يقول: «مع الثمانين عاث الضعف في جسدي» أي: انتشر وشاع.
لكن المؤمن- والحمد لله- ما دام عقله باقيا وقلبه ثابتا، فإن بلغ هذا المبلغ من العجز البدني، فالقلب حاضر يستطيع أن يشغل وقته بذكر الله عز وجل والتفكير في آياته.
اعلم أنك إذا اعتدت على تضييع الوقت، عجزت بعد ذلك عن الحرص عليه وعن الانتفاع به.
ولكن نقول إذا تعبت أو مللت استرح، حتى إن الإنسان الذي يصلي إذا أتاه النعاس مأمور أن يدع الصلاة وينام.
هناك فرقا بين العجز والكسل. الكسل ضعف في الإرادة، والعجز ضعف في البدن، وضعف البدن لا حيلة فيه. لكن الإرادة هي التي يستطيع الإنسان يعود نفسه على الهمة العالية كي يستغل.

رد مع اقتباس
  #75  
قديم 26 جمادى الآخرة 1436هـ/15-04-2015م, 10:46 PM
باسم صالح باسم صالح غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: القاهرة - مصر
المشاركات: 138
افتراضي إجمامُ النفْسِ

خُذْ من وَقْتِك سُويعاتٍ تُجِمُّ بها نفسَك في رِياضِ العِلْمِ من كُتُبِ المحاضراتِ ( الثقافةِ العامَّةِ ) ؛ فإنَّ القلوبَ يُرَوَّحُ عنها ساعةً فساعةً .
وفي المأثورِ عن أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنه قالَ : ( أَجِمُّوا هذه القلوبَ ، وابْتَغُوا لها طرائفَ الْحِكمةِ ، فإنها تَمَلُّ كما تَمَلُّ الأبدانُ ) .
وقالُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى في حِكْمَةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ في مُطْلَقِ الأوقاتِ :( بل في النهيِ عنه بعضَ الأوقاتِ مصالِحُ أُخَرُ من إِجمامِ النفوسِ بعضَ الأوقاتِ ، من ثِقَلِ العِبادةِ ؛ كما يُجَمُّ بالنوْمِ وغيرِه ، ولهذا قالَ مُعاذٌ : إني لأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي ، كما أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي ... )
وقالَ : ( بل قد قيلَ : إنَّ من جُملةِ حِكمةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ المطلَقِ في بعضِ الأوقاتِ : إجمامَ النفوسِ في وَقْتِ النهيِ لتَنْشَطَ للصلاةِ ؛ فإنها تَنْبَسِطُ إلى ما كانت مَمنوعةً منه ، وتَنْشَطُ للصلاةِ بعدَ الراحةِ . واللهُ أَعْلَمُ ) اهـ
الشيخ:
وهنا يجب أن نعلم أن إجمام النفس وإعطاءها شيئا من الراحة حتى تنشط في المستقبل وحتى تستريح بعض الراحة مما سبق أن هذا من الأمور الشرعية التي دل عليها قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (إن لنفسك عليك حقا ولربك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولزوجك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه). وهذا الحديث هو الميزان الحقيقي الذي تطمئن إليه النفس. والنفس إذا جعلتها دائما في جد لا بد أن تمل وتسأم، وأما ما قيل: إن من جملة حكمة النهي عن التطوع المطلق في بعض الأوقات. فهذا من جملة الحكمة، وليس هو الحكمة، بل الحكمة الحقيقية ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام: أن الشمس إذا طلعت فإنها تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار وكذلك إذا غربت يسجدون لها. فهم يسجدون لها استقبالا، ويسجدون لها وداعا.
أما وقت الزوال فإن الحكمة فيه: أنه الوقت التي تسجر فيه جهنم فيلحق النفس من التعب في الحر لا سيما في أيام الصيف ما ينهى أن يصلي الإنسان فيه. وليس هذا القيل الذي قيل معارضا للحديث لكنه من جملة الحكمة، والله أعلم.

القارئ:
ولهذا كانت العُطَلُ الأسبوعيَّةُ للطُّلَّابِ مُنتشِرَةً منذُ أَمَدٍ بعيدٍ ، وكان الأَغْلَبُ فيها يومَ الْجُمعةِ وعَصْرَ الخميسِ ، وعندَ بعضِهم يومَ الثلاثاءِ ويومَ الاثنينِ ، وفي عِيدَي الفطْرِ والأَضْحَى من يومٍ إلى ثلاثةِ أيَّامٍ وهكذا .

القارئ:
ونَجِدُ ذلك في كُتُبِ آدابِ التعليمِ ، وفي السِّيَرِ ، ومنه على سبيلِ الْمِثالِ : ( آدابُ المعَلِّمِينَ ) لسُحْنونٍ ( ص 104 ) ، ( والرسالةُ الْمُفَصَّلَةُ ) للقابسيِّ ، ( والشقائقُ النُّعْمانيَّةُ ) وعنه في : ( أَبْجَدِ العلومِ ) ، وكتابِ ( أَلَيْسَ الصبْحُ بقريبٍ ) للطاهرِ ابنِ عاشورٍ ، ( وفتاوَى رَشيد رِضَا ) و( مُعْجَمِ البِلدانِ ) و ( فتاوى شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ ) .

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مذاكرة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:26 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir