قال:
(فَصْلٌ فِي أَدَاةِ التَّشْبِيهِ وَغَايَتِهِ وَأَقْسَامِهِ)
أَدَاتُهُ كَافٌ كَأَنَّ مِثْلُ = وَكُلُّ مَا ضَاهَاهُ ثُمَّ الأَصْلُ
إِيلاءُ مَا كَالْكَافِ مَا شُبِّهَ بِهْ = بِعَكْسِ مَا سِوَاهُ فَاعْلَمْ وَانْتَبِهْ
أقول: (أداة التشبيه الكاف وكأن ومثل) ونحوها مما يشتق من (المماثلة) كنحو و(مثل والأصل في الكاف وما أشبهها) كلفظ نحو (ومثل وشبه) أن يليه المشبه به لفظا نحو زيدا كأسد أو تقديرا نحو أو كصيب من السماء أي (كمثل) ذوي صيب وربما يليه غيره نحو واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه الآية ليس المراد (تشبيه) الدنيا بالماء بل (تشبيه) حالها في بهجتها وما يتعلق بها من الهلاك بحال النبات الحاصل من الماء يكون أخضر ثم ييبس فتطيره الرياح بخلاف عكس الكاف ونحوها نحو كأن فإنه يليها المشبه لا المشبه به نحو كأن زيدا أسد. قال:
وَغَايَةُ التَّشْبِيهِ كَشْفُ الْحَالِ = مِقْدَارٍ اوْ مَكَانٍ اوْ إِيصَالِ
تَزْيِينٍ اوْ تَشْوِيهٍ اهْتِمَامِ = تَنْوِيهٍ اسْتِظْرَافٍ اوْ إِيهَامِ
رُجْحَانُهُ فِي الْوَجْهِ بِالْمَقْلُوبِ = كَاللَّيْثُ مِثْلُ الْفَاسِقِ الْمَصْحُوبِ
أقول: (غاية التشبيه) أي فائدته أمور: منها (كشف حال المشبه) أي بيان أنه على أي وصف من الأوصاف (كتشبيه) ثوب بثوب في لونه إذا كان لونه مجهولا للمخاطب. ومنها بيان (مقدار حال المشبه) إذا كان السامع يعلمها إجمالا كما في تشبيه الثوب الأسود بالغراب في شدة السواد. ومنها بيان إمكان وجوده بأن يكون أمرا غريبا يمكن أن يخالف فيه ويدعى امتناعه فيستشهد له (بالتشبيه) كقوله:
فإن تفق الأنام ولأنت منهم = فإن المسك بعض دم الغزال
فإنه لما أدعى أن الممدوح فاق الناس حتى صار أصلا برأسه وجنسا بنفسه وكان هذا في الظاهر كالممتنع احتج لهذه الدعوى وبين إمكانها بأن (شبه) هذه الحالة بحالة (المسك) الذي هو من (الدماء) ثم إنه لا يعد من (الدماء) لما فيه من الأوصاف الشريفة التي لا توجد في (الدم) و(التشبيه) فيه ضمني لا تصريحي. ومنها إيصال (حال المشبه) أي تقريرها في نفس السامع وتقوية شأنه كما في (تشبيه) من لم يحصل من سعيه على طائل بمن يرقم على الماء. ومنها (تزيين المشبه) ليرغب فيه (كتشبيه) وجه أسود بمقلة الظبي. ومنها (تشويهه) أي تقبيحه ليرغب عنه (كتشبيه) وجه مجدور بسلحة جامدة وقد نقرتها الديكة. ومنها (الاهتمام بالمشبه) به كتشبيه الجائع وجها كالبدر في الإشراق والاستدارة بالرغيف ويسمى إظهار المطلوب. ومنها (التنويه بالمشبه) في إظهاره وشهرته كتشبيه رجل خامل الذكر برجل مشهور بين الناس. ومنها (استطراف المشبه) أي عده طريفا حديثا بديعا كما في تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب لإبراز المشبه في صورة الممتنع عادة. ومنها (إيهام رجحان المشبه) على المشبه به في وجه الشبه وذلك في التشبيه المقلوب كقوله
وبدا الصباح كأن غرته = وجه الخليفة حين يمتدح
ففيه (إيهام) أن (وجه) الخليفة أتم من الصباح في الوضوح والضياء ومنه مثال المتن وهو (الليث مثل الفاسق المصحوب) (فالفاسق الصاحب) مثل الأسد في عدم أمن غائلته وعوده على صاحبه بالضرر ففيه (إيهام) أن (الفاسق المصحوب أرجح من الليث في وجه الشبه). قال:
وَبِاعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ يَنْقَسِمْ = أَرْبَعَةً تَرْكِيباً إِفْرَاداً عُلِمْ
أقول: (ينقسم التشبيه باعتبار الطرفين إلى أربعة أقسام): الأول( تشبيه مفرد بمفرد) كتشبيه الخد بالورد. الثاني (تشبيه مفرد بمركب) كتشبيه الشقيق بأعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد.
الثالث (تشبيه مركب بمركب) بأن يكون في كل من الطرفين كيفية حاصلة من عدة أشياء قد تضامنت حتى عادت شيئا واحدا كما في قوله:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا = وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
الرابع (تشبيه مركب بمفرد) كما في تشبيه نهار مشمس قد شابه زهر الربا بليل مقمر فالمشبه مركب والمشبه به مفرد قال:
وَبِاعْتِبَارِ عَدَدٍ مَلْفُوفٍ اوْ = مَفْرُوقٍ اوْ تَسْوَيَةِ جَمْعٍ رَأَوْا
أقول: (ينقسم التشبيهباعتبار تعدد) طرفيه إلى (ملفوف) وهو أن يؤتى أولا (بالمشبهات) على طريق العطف أو غيره ثم بالمشبه بها كذلك كقوله في وصف العقاب بكثرة اصطياد الطيور: كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي شبه الطري من قلوب الطير بالعناب واليابس منها بالحشف البالي وإلى مفروق وهو أن يؤتي بمشبه ومشبه به ثم آخر وآخر كقوله: النشر مسك والوجوه دنا نير وأطراف الأكف عتم وإلى (تشبيه التسوية) وهو أن يتعدد المشبه به كقوله: صدغ الحبيب وحالي كلاهما كالليالي
وإلى (تشبيه الجمع) وهو أن يتعدد المشبه به دون المشبه كتشبيه الثغر باللؤلؤ المنضد أو البرد أو الأقاح في قوله: كأنما يبسم عن لؤلؤ منضد أو برد أو إقاح قال:
وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ تَمْثِيلٌ إِذَا = مِنْ مُتَعَدِّدٍ تَرَاهُ أُخِذَا
أقول: (ينقسم التشبيه باعتبار وجه الشبه) إلى (تمثيل) وهو ما كان وجه الشبه فيه وصفا منتزعا من (متعدد) كما في إني (أراك) تقدم رجلا وتؤخر أخرى فالمشبه هيئة منتزعة من أمور متعددة والمشبه به كذلك وإلى غير( تمثيل) وهو ما ليس (وجهه )كذلك نحو الصالح في هذا الزمان كالكبريت الأحمر. قال:
وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ أَيْضاً مُجْمَلُ = خَفِيٌّ اوْ جَلِيٌّ اوْ مُفَصَّلُ
أقول: (ينقسم التشبيه أيضا باعتبار الوجه) إلى (مجمل) وهو ما لم يذكر فيه وجه الشبه كالمثال المتقدم والوجه الغرة ومن الوجه ما هو خفي لا يفهمه إلا الخواص كقول بعضهم: هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها أي هم متناسبون في الشرف كما أن الحلقة متناسبة الأجزاء في الصورة ومنه ما هو ظاهر يفهمه كل أحد نحو زيد كالأسد وإلى (مفصل) وهو ما ذكر فيه وجه الشبه كقوله: وثغره في صفاء وأدمعي كاللآلي قال:
وَمِنْهُ بِاعْتِبَارِهِ أَيْضاً قَرِيبْ = وَهُوَ جَلِيُّ الْوَجْهِ عَكْسُهُ الْغَرِيبْ
لِكَثْرَةِ التَّفْصِيلِ أَوْ لِنُدْرَةِ = فِي الذِّهْنِ كَالتَّرْتِيبِ فِي كَنُهْيَةِ
أقول: (ينقسم التشبيه أيضا باعتبار وجهه) إلى (قريب) مبتذل وهو ما ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به من غير احتياج إلى تأمل كتشبيه الجرة الصغيرة بالكوز في المقدار والشكل وإلى غريب وهو ما لا ينتقل فيه إلا بعد الفكر كتشبيه الشمس بالمرآة في كف الأشل إما لكثرة التفصيل في الوجه كهذا المثال أو (ندور) حصول المشبه به في الذهن لكونه وهميا كأنياب الأغوال أو مركبا خياليا نحو:أعلام ياقوت نشر = ن على رماح من زبرجد أو مركبا عقليا نحو كمثل الحمار يحمل أسفارا والمراد (بالنهية) العقل أي كالمركب العقلي
في بعض النسخ (لكثرة التفصيل) بعد النسبة وهو بضم الباء معطوف بحذف العاطف وآل في النسبة عوض من المضاف إليه أي ومن أسباب الغرابة بعد نسبة المشبه به عن المشبه فيقل بذلك حضور الشبه به (في الذهن) حين حضور المشبه. قال:
وَبِاعْتِبَارِ آلَةٍ مُؤَكَّدُ = بِحَذْفِهَا وَمُرْسَلٌ إِذْ تُوجَدُ
وَمِنْهُ مَقْبُولٌ بِغَايَةٍ يَفِي = وَعَكْسُهُ الْمَرْدُودُ وَالتَّعَسُّفِ
وَأَبْلَغُ التَّشْبِيهِ مَا مِنْهُ حُذِفْ = وَجْهٌ وَآلَةٌ يَلِيهِ مَا عُرِفْ
أقول: (ينقسم التشبيه باعتبار أداته) إلى (مؤكد ومرسل) فالمؤكد ما (حذفت أداته) نحو زيد أسد و(المرسل) ما ذكرت فيه الأداة نحو زيد كالبدر وسمي مرسلا لإرساله عن التأكيد المتقضي بظاهره أن المشبه عين المشبه به ثم من التشبيه ما هو (مقبول) وهو الوافي بأي غرض من الأغراض المتقدمة وما هو (مردود وهو عكسه) أي الغير الوافي بذلك والبليغ من التشبيه ما (حذف) منه وجه الشبه وأداة التشبيه نحو زيد أسد أو مع (حذف المشبه) نحو أسد في مقام الإخبار عن زيد ويليه حذف أحدهما أي الوجه أو الأداة أي فقط أو مع حذف المشبه نحو زيد كالأسد ونحو كالأسد عند الإخبار عن زيد ونحو زيد أسد في الشجاعة ونحو أسد في الشجاعة عند الإخبار عن زيد ولا قوة لذكرهما معا مع ذكر المشبه أو بدونه نحو زيد كالأسد في الشجاعة ونحو كالأسد في الشجاعة خبرا عن زيد.