دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب البيوع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 محرم 1430هـ/14-01-2009م, 09:39 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب بيع الأصول والثمار


وعن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: نَهَى رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنْ بَيْعِ الثِّمارِحتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُها، نَهَى البائعَ والْمُبتاعَ. مُتَّفَقٌ عليهِ. وفي روايَةٍ: وكانَ إذا سُئِلَ عنْ صَلَاحِها قالَ: ((حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهُ)).
وعنْ أَنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عنْ بيعِ الثِّمَار حتَّى تُزْهِيَ. وقيلَ: وما زَهْوُهَا؟ قالَ: ((تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ)). مُتَّفَقٌ عليهِ، واللفظُ للبخاريِّ.
وعنْ أَنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عنْ بيعِ العِنَبِ حتَّى يَسْوَدَّ، وعنْ بيعِ الْحَبِّ حتَّى يَشْتَدَّ. رواهُ الخمسةُ إلَّا النَّسائيَّ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ والحاكِمُ.
وعنْ جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟)). رواهُ مسلمٌ. وفي روايَةٍ لهُ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِوَضْعِ الجَوَائِحِ.
وعن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ الَّذِي بَاعَهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ)). مُتَّفَقٌ عليهِ.

  #2  
قديم 18 محرم 1430هـ/14-01-2009م, 03:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


3/802 - وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: وَكَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلاحِهَا، قَالَ: ((حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهَا)).
(وَعَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلاحِهَا، قَالَ: حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهَا): وَهِيَ الآفَةُ وَالْعَيْبُ.
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمُرَادِ بِبُدُوِّ الصَّلاحِ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ:
الأَوَّلُ: أَنَّهُ يَكْفِي بُدُوُّ الصَّلاحِ فِي جِنْسِ الثِّمَارِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الصَّلاحُ مُتَلاحِقاً، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي جِنْسِ تِلْكَ الثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لأَحْمَدَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الصَّلاحُ فِي تِلْكَ الشَّجَرَةِ الْمَبِيعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ.
وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: يَبْدُوَ، أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ تَكَامُلُهُ، فَيَكْفِي زَهْوُ بَعْضِ الثَّمَرَةِ وَبَعْضِ الشَّجَرِ مَعَ حُصُولِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الأَمَانُ مِن الْعَاهَةِ، وَقَدْ جَرَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ أَنْ لا تَطِيبَ الثِّمَارُ دَفْعَةً وَاحِدَةً؛ لِتَطُولَ مُدَّةِ التَّفَكُّهِ بِهَا وَالانْتِفَاعِ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِهَا، وَالإِجْمَاعُ قَائِمٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَصِحُّ بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ خُرُوجِهَا؛ لأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْدُومٌ، وَكَذَا بَعْدَ خُرُوجِهَا قَبْلَ نَفْعِهِ، إلاَّ أَنَّهُ رَوَى الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ أَجَازُوا بَيْعَ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلاحِ وَبَعْدَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَأَبْطَلُوهُ بِشَرْطِ الْبَقَاءِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ.
وَأَمَّا بَعْدَ صَلاحِهَا فَفِيهِ تَفَاصِيلُ، فَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ إجْمَاعاً، وَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ الْبَقَاءِ كَانَ بَيْعاً فَاسِداً إنْ جُهِلَت الْمُدَّةُ، فَإِنْ عُلِمَتْ صَحَّ عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ وَلا غَرَرَ.
وَقَالَ الْمُؤَيَّدُ: لا يَصِحُّ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، وَإِنْ أُطْلِقَ صَحَّ عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ إذْ ما تُرُدِّدَ بَيْنَ صِّحَّةٍ وَفَسَادٍ حُمِلَ عَلَى الصِّحَّةِ؛ إذْ هِيَ الظَّاهِرُ، إلاَّ أَنْ يَجْرِيَ عُرْفٌ بِبَقَائِهِ مُدَّةً مَجْهُولَةً فَسَدَ. وَأَفَادَ نَهْيُ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ؛ أَمَّا الْبَائِعُ فَلِئَلاَّ يَأْكُلَ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِئَلاَّ يَضِيعَ مَالُهُ.
وَالْعَاهَةُ: هِيَ الآفَةُ الَّتِي تُصِيبُ الثِّمَارَ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَاعُونَ الثِّمَارَ، فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ قَالَ الْمُبْتَاعُ: إنَّهُ أَصَابَ الثَّمَرَ الدَّمَانُ، وَهُوَ فَسَادُ الطَّلْعِ وَسَوَادُهُ، أَصَابَهُ+ مَرَضٌ، أَصَابَهُ قُشَامٌ، عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ: ((فَأَمَّا لا فَلا تَبْتَاعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُ الثَّمَرَةِ))، كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا؛ لِكَثْرَةِ خُصُومَاتِهِمْ. انْتَهَى.
وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: كَالْمَشُورَةِ، أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ لا لِلتَّحْرِيمِ، كَأَنَّهُ فَهِمَهُ مِن السِّيَاقِ، وَإِلاَّ فَأَصْلُهُ التَّحْرِيمُ، وَكَانَ زَيْدٌ لا يَبِيعُ ثِمَارَ أَرْضِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا، فَيَتَبَيَّنُ الأَصْفَرُ مِن الأَحْمَرِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً: ((إِذَا طَلَعَ النَّجْمُ صَبَاحاً رُفِعَتِ الْعَاهَةُ عَنْ كُلِّ بَلَدٍ))، وَالنَّجْمُ: الثُّرَيَّا، وَالْمُرَادُ: طُلُوعُهَا صَبَاحاً، وَهُوَ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الصَّيْفِ، وَذَلِكَ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ في بِلادِ الْحِجَازِ، وَابْتِدَاءِ نُضْجِ الثِّمَارِ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةً، وَطُلُوعُ الثُّرَيَّا عَلامَةٌ.
4/803 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ. قِيلَ: وَمَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: ((تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
(وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ. قِيلَ)، فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَفَادَ أَنَّ التَّفْسِيرَ مَرْفُوعٌ.
(وَمَا زَهْوُهَا؟): بِفَتْحِ الزَّايِ، (قَالَ: تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ).
يُقَالُ: أَزْهَى يُزْهِي؛ إذَا احْمَرَّ وَاصْفَرَّ، وَزَهَا النَّخْلُ يَزْهُو: إذَا ظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ. وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنَى الاحْمِرَارِ وَالاصْفِرَارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ يَزْهُو، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ يُزْهِي، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: هِيَ الصَّوَابُ، وَلا يُقَالُ فِي النَّخْلِ: يَزْهُو، إنَّمَا يُقَالُ: يُزْهِي لا غَيْرُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: زَهَا؛ إذَا طَالَ وَاكْتَمَلَ، وَأَزْهَى: إذَا احْمَرَّ وَاصْفَرَّ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: ((تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ)) لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ اللَّوْنَ الْخَالِصَ مِن الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ، إنَّمَا أَرَادَ حُمْرَةً أَوْ صُفْرَةً بِكُمُودَةٍ؛ فَلِذَلِكَ قَالَ: ((تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ)). قَالَ: وَلَوْ أَرَادَ اللَّوْنَ الْخَالِصَ لَقَالَ: تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ.
قَالَ ابْنُ التِّينِ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: ((تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ)) ظُهُورَ أَوَائِلِ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ قَبْلَ أَنْ تَنْضَجَ، قَالَ: وَإِنَّمَا يُقَالُ: تَفْعَالُّ فِي اللَّوْنِ الْمُتَغَيِّرِ إذَا كَانَ يَزُولُ ذَلِكَ. وَقِيلَ: لا فَرْقَ، إلاَّ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ: الْمُرَادِ بِهِ مَا ذُكِرَ؛ بِقَرِينَةِ الْحَدِيثِ الآتِي:

5/804 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلاَّ النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
وَهُوَ قَوْلُهُ: (وَعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ)، قِيَاسُ قَاعِدَتِهِ: وَعَنْهُ، (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلاَّ النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ).
والْمُرَادُ بِاسْوِدَادِ الْعِنَبِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ: بُدُوُّ صَلاحِهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ السُّنْبُلِ الْمُشْتَدِّ، وَأَمَّا مَذْهَبُنَا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ السُّنْبُلُ شَعِيراً أَوْ ذُرَةً أَوْ مِمَّا فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّا تُرَى حَبَّاتُهُ خَارِجَةً صَحَّ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ حِنْطَةً أَوْ نَحْوَهَا مِمَّا تُسْتَرُ حَبَّاتُهُ بِالْقُشُورِ الَّتِي تَزُولُ بالدِّيَاسِ، فَفِيهِ قَوْلانِ لِلشَّافِعِيِّ:
الْجَدِيدُ: أَنَّهُ لا يَصِحُّ، وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيْهِ. وَالْقَدِيمُ: أَنَّهُ يَصِحُّ. وَأَمَّا قَبْلَ الاشْتِدَادِ فَلا يَصِحُّ إلاَّ بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَإِذَا بَاعَ الزَّرْعَ قَبْلَ الاشْتِدَادِ مَعَ الأَرْضِ بِلا شَرْطٍ صَحَّ تَبَعاً لِلأَرْضِ، وَكَذَا الثِّمَارُ قَبْلَ الصَّلاحِ إذَا بِيعَ مَعَ الشَّجَرِ جَازَ بِلا شَرْطٍ تَبَعاً، وهَكَذَا حُكْمُ الْقَوْلِ فِي الأَرْضِ لا يَجُوزُ بَيْعُهَا دُونَ الزَّرْعِ إلاَّ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَكَذَا لا يَصِحُّ بَيْعُ الْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِهِ. وَفُرُوعُ الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ نَقَّحْتُ مَقَاصِدَهَا فِي (رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ) (وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ)، وَجَمَعْتُ فِيهَا جُمْلَةً مُسْتَكْثَرَةً، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

6/805 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَراً فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئاً، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ.
(وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَراً فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ): هِيَ الآفَةُ تُصِيبُ الزَّرْعَ، (فَلا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئاً، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ له: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ).
الْجَائِحَةُ: مُشْتَقَّةٌ مِن الْجَوْحِ، وَهُوَ الاسْتِئْصَالُ، وَمِنْهُ حَدِيثُ: إِنَّ أَبِي يَجْتَاحُ مَالِي.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثِّمَارَ الَّتِي عَلَى رُؤُوسِ الشَّجَرِ إذَا بَاعَهَا الْمَالِكُ وَأَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ أَنْ يَكُونَ تَلَفُهَا مِنْ مَالِ الْبَائِعِ، وَأَنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ شَيْئاً.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ فِيمَا بَاعَهُ بَيْعاً غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَأَنَّهُ وَقَعَ الْبَيْعُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاحِ؛ لأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ بُدُوِّهِ. وَيُحْتَمَلُ وُرُودُهُ؛ أَيْ: حَدِيثِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ، قَبْلَ النَّهْيِ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نَبْتَاعُ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُهَا، وَسَمِعَ خُصُومَةً، فَقَالَ: ((مَا هَذَا؟)) فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَأَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِهَا، إلاَّ أنَّهُ أَفَادَ مَعَ ذِكْرِ سَبَبِ النَّهْيِ تَارِيخَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ حَدِيثُ وَضْعِ الْجَوَائِحِ مُتَأَخِّراً، فَيُحْمَلُ حَدِيثُ وَضْعِ الْجَوَائِحِ عَلَى الْبَيْعِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاحِ.
وَقَد اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ، فَذَهَبَ الأَقَلُّ إلَى أَنَّ الْجَائِحَةَ إذَا أَصَابَت الثَّمَرَ جَمِيعَهُ أَنْ يُوضَعَ الثَّمَنُ جَمِيعُهُ، وَأَنَّ التَّلَفَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ؛ عَمَلاً بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ.
وَذَهَبَ الأَكْثَرُ إلَى أَنَّ التَّلَفَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، وَأَنَّهُ لا وَضْعَ لأَجْلِ الْجَائِحَةِ، إلاَّ نَدْباً، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَلَى الَّذِي أُصِيبَ فِي ثِمَارِهِ. وَسَيَأْتِي.
قَالُوا: وَوَجْهُ تَلَفِهِ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ التَّخْلِيَةَ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ، وَقَدْ سَلَّمَهُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِالتَّخْلِيَةِ فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: ((لا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئاً)) الْحَدِيثَ، دَالٌّ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَأَنَّهُ تَلَفٌ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِقَوْلِهِ: ((مَالَ أَخِيكَ))؛ إذْ يَدُلُّ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْهُ الثَّمَنَ؛ فَإنَّهُ مَالُ أَخِيهِ لا مَالُهُ.
وَحَدِيثُ التَّصَدُّقِ مَحْمُولٌ عَلَى الاسْتِحْبَابِ؛ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: ((لا يَحِلُّ لَكَ)). وَفَائِدَةُ الأَمْرِ بِالتَّصَدُّقِ الإِرْشَادُ إلَى الْوَفَاءِ بِغَرَضَيْنِ: جَبْرِ الْبَائِعِ، وَتَعْرِيضِ الْمُشْتَرِي لِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي آخَرِ الْحَدِيثِ لَمَّا طَلَبُوا الْوَفَاءَ: ((لَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ))، فَلَوْ كَانَ لازِماً لأَمَرَهُمْ بِالنَّظِرَةِ إلَى مَيْسَرَةٍ.

7/806 - وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ الَّذِي بَاعَهَا، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً): هُوَ اسْمُ جِنْسٍ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَالْجَمْعُ: نَخِيلٌ، (بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ)، وَالتَّأْبِيرُ: التَّشْقِيقُ وَالتَّلْقِيحُ، وَهُوَ شَقُّ طَلْعِ النَّخْلَةِ الأُنْثَى لِيُذَرَّ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ طَلْعِ النَّخْلَةِ الذَّكَرِ، (فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ الَّذِي بَاعَهَا إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَعْدَ التَّأْبِيرِ لِلْبَائِعِ، وَهَذَا مَنْطُوقُهُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا قَبْلَهُ لِلْمُشْتَرِي. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ؛ عَمَلاً بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَبَعْدَهُ، فَعَمِلَ بِالْمَنْطُوقِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِالْمَفْهُومِ؛ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ مِنْ عَدَمِ الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ.
وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْفَوَائِدَ الْمُسْتَتِرَةَ تُخَالِفُ الظَّاهِرَةَ فِي الْبَيْعِ؛ فَإِنَّ وَلَدَ الأَمَةِ الْمُنْفَصِلَ لا يَتْبَعُهَا، وَالْحَمْلَ يَتْبَعُهَا.
وَفِي قَوْلِهِ: ((إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ))، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ الشَّجَرَةَ بِثَمَرَتِهَا، كَانَت الثَّمَرَةُ لَهُ. وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي لا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ لا يُفْسِدُ الْبَيْعَ، فَيَخُصُّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعٍ. وَشَرْطُ هَذَا النَّصِّ فِي النَّخْلِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِن الأَشْجَارِ.

  #3  
قديم 18 محرم 1430هـ/14-01-2009م, 03:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


بابُ بيعِ الأُصولِ والثِّمارِ
مُقَدِّمَةٌ
الأُصولُ: جَمْعُ أَصْلٍ، وهو ما يَتَفَرَّعُ عنه غَيْرُه.
والمُرادُ هنا: الدُّورُ، والأَرْضُ، والدَّكَاكِينُ، والطَّوَاحِينُ، والمَعاصِرُ، ونَحْوُها، وكذلكَ الشَّجَرُ.
والثِّمَارُ: جَمْعُ ثَمَرَةٍ، ويُجْمَعُ على أثمارٍ، وهو حَمْلُ الشَّجَرِ، وهو أعَمُّ مِمَّا يُؤْكَلُ.

726- وعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُما قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عن بَيْعِ الثِّمارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، نَهَى البَائِعَ والمُبْتَاعَ. مُتَّفَقٌ عليهِ.
وفي رِوايةٍ: كانَ إذا سُئِلَ عن صَلاحِها، قالَ: ((حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهَا)).

مُفرداتُ الحديثِ:
-الثِّمارُ: بكَسْرِ الثاءِ المُثلَّثَةِ، جَمْعُ ثَمَرَةٍ بفتحِ الميمِ، وهو يَتناوَلُ ثِمَارَ النَّخِيلِ وغَيْرِه.
-حَتَّى يَبْدُوَ: بَدَا - بدُونِ هَمْزَةٍ - يَبْدُو بُدُوًّا: ظَهَرَ بعدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وأمَّا بَدَأْتُ الشَّيْءَ أو بالشَّيْءِ - بالهَمْزَةِ فيهما - فمعناهُ: ابْتَدَأْتُ بهِ وقَدَّمْتُهُ.
قالَ العَيْنِيُّ: ومِمَّا يَنْبَغِي أنْ يُنَبَّهَ عليهِ أنْ يَقَعَ في كثيرٍ من كُتُبِ المُحَدِّثِينَ وغيرِهم: " حَتَّى يَبْدُوا ". هكذا بالألفِ بعدَ الواوِ، وهو خَطَأٌ، والصوابُ حَذْفُها.
- عَاهَتُها: يُقالُ: عَاهَ المالُ يَعُوهُ عَوهاً: أصَابَتْهُ العَاهَةُ، وأصْلُ العَاهَةِ عَوْهَةٌ جَمْعُها عَاهاتٌ.
والعَاهَةُ: هي الآفَةُ التي تُصِيبُ الزَّرْعَ أو الثَّمَرَةَ فتُتْلِفُها، أو تُعِيبُها.

727- وعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ، قِيلَ: وَمَا زَهْوُهَا؟ قالَ: ((تَحْمَارُّ وتَصْفَارُّ)) مُتَّفَقٌ عليهِ، واللَّفْظُ للبُخارِيِّ.

مفرداتُ الحديثِ:
-تُزْهِيَ: من الرُّباعِيِّ، يُقالُ: أَزْهَى، ومعناهُ: بَدَأَ نُضْجُهُ بالاحمرارِ أو الاصفرارِ، ويُقالُ: زَهَا النَّخْلُ يَزْهُو: إذا طَالَ واكْتَمَلَ، وأَزْهَى من يُزْهِي: إِذَا احْمَرَّ أو اصْفَرَّ، وذلكَ عَلامَةُ الصلاحِ منها، ودَلِيلُ خَلاصِها من الآفةِ.
والزَّهْوُ: البُسْرُ إذا ظَهَرَتْ فيهِ الحُمْرَةُ أو الصُّفْرَةُ.
-تَحْمَارُّ وتَصْفَارُّ: بفتحِ التاءِ فيهما وسكونِ ثانيهما، آخرُهما راءٌ مُشدَّدةٌ.
قالَ الخَطَّابِيُّ: قَوْلُه: ((تَحْمَارَّ وتَصْفَارَّ)). لم يُرِدْ بذلك اللونَ الخالِصَ من الحُمْرةِ والصُّفْرةِ، وإِنَّما أرادَ بذلك حُمْرَةً أو صُفْرَةً بكُمُودَةٍ، والكُمُودَةُ تَغَيُّرُ اللَّوْنِ وذَهابُ صَفَائِهِ.
وقالَ ابْنُ التِّينِ: أرادَ ظُهورَ أَوَّلَ الحُمْرَةِ أو الصُّفْرَةِ عليها قَبْلَ أنْ تَنْضُجَ.
قالَ في ( الوسيطِ): الكُمْدَةُ، بضَمِّ فسُكونٍ: تَغَيُّرُ اللَّوْنِ وذَهابُ صَفائِهِ.

728- وعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ نَهَى عن بَيْعِ العِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وعَنْ بَيْعِ الحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ. رواهُ الخَمْسَةُ إلاَّ النَّسائِيَّ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ والحَاكِمُ.

دَرَجَةُ الحديثِ:
الحديثُ صَحِيحٌ.
صَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ، وقالَ في (التلخيصِ): رواهُ أحمدُ، وأبو دَاوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، وابنُ مَاجَهْ، وصَحَّحَهُ الحاكِمُ من حديثِ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عن حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، وقالَ التِّرْمِذِيُّ والبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بهِ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ عن حُمَيْدٍ. اهـ
ولكنَّ حَمَّاداً ثِقَةٌ، ولذا حَسَّنَ الحديثَ التِّرْمِذِيُّ، وقالَ الحاكِمُ والذَّهَبِيُّ: إِنَّه على شَرْطِ مُسْلِمٍ.

729-وعن جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُما قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَراً، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئاً، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بغَيْرِ حَقٍّ؟)) رواهُ مُسلِمٌ.
وفي روايةٍ له: أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أمَرَ بوَضْعِ الجَوائِحِ.
مفرداتُ الحديثِ:
-جَائِحَةٌ: يُقالُ: جَاحَتْهُمُ السَّنَةُ، تَجُوحُهم جَوْحاً وإِجَاحَةً.
فالجَائِحَةُ لُغَةً: هي الآفةُ التي تُسَبِّبُ المُصِيبةَ العظيمةَ في مالِ الرجُلِ، فتَجْتَاحُهُ كُلَّه؛ كالمَطَرِ الشديدِ، والبَرْدِ، والرِّيحِ والحَرِيقِ، والجَرادِ.
وشَرْعاً: ما أَذْهَبَ الثَّمَرَ أو بَعْضَه، من آفَةٍ سَماوِيَّةٍ أو أَرْضِيَّةٍ، لا صُنْعَ لآدَمِيٍّ فيها.
-بِمَ تَأْخُذُ: حَذَفَ الألفَ عندَ دُخولِ حَرْفِ الجَرِّ على ( ما ) الاستفهاميةِ، ولَمَّا كانَتْ ( ما ) الاستفهاميَّةُ مُتَضَمِّنَةً معنَى الهمزةِ، وللهمزةِ صَدْرُ الكلامِ، فيَنْبَغِي أنْ يُقَدَّرَ: " أَبِمَ يَأْخُذُ " والهَمْزَةُ للإنكارِ، ومِثْلُ ((بِمَ يَأْخُذُ))، ( فَبِمَ، وعَلامَ، وحَتَّامَ ) في حَذْفِ الألفِ عندَ دُخولِ حَرْفِ الجَرِّ على ( ما ) الاستفهامِيَّةِ.
-لو بِعْتَ... فَلا يَحِلُّ لَكَ: يَجُوزُ في ذلكَ إعرابانِ: أحدُهما: أنَّ " لَوْ " شَرْطِيَّةٌ، وَ((فَلاَ يَحِلُّ)) هو جوابُ الشَّرْطِ.
الثاني: أنَّ " لَوْ " بمعنَى " إِنْ".

مَا يُؤْخَذُ من هذهِ الأحاديثِ:
1-الأحاديثُ تَدُلُّ على النَّهْيِ عن بيعِ الثِّمارِ حَتَّى تُزْهِيَ، وزَهْوُها أنْ تَحْمَارَّ أو تَصْفَارَّ؛ فإِنَّهَا حِينَئذٍ تَبْدَأُ في النُّضْجِ ويَطِيبُ أكْلُها.
2-وتَنْهَى عن بيعِ العِنَبِ في شَجَرِه حتى يَسْوَدَّ، وإذا اسْوَدَّ بعضُ أنواعِه دَخَلَ النُّضْجُ، وطَابَ أكْلُه.
3-وتَنْهَى عن بيعِ الحَبِّ في سُنْبُلِه حتى يَشْتَدَّ، ويَحِينَ حَصَادُه والاستفادةُ منه.
4-حِكْمَةُ النَّهْيِ عن بَيْعِها قَبْلَ أنْ تَطِيبَ ويَبْدَأَ فيها النُّضْجُ، ثَلاثَةُ أُمورٍ:
الأَوَّلُ: أنَّها قبلَ النُّضْجِ لا مَنْفَعَةَ فيها، فبيعُها لا يعودُ على المُشترِي بفائدةٍ.
الثاني: إنَّ تَمامَ المِلْكِ بعدَ الشراءِ هو القَبْضُ، وقَبْضُ الثمارِ في شَجَرِه، والحَبِّ في زَرْعِه وسُنْبُلِه بالتخليةِ - قَبْضٌ نَاقِصٌ، وتُوقَفُ صِحَّةُ البيعِ على نُضْجِ الثمارِ، واشتدادُ الحَبِّ تقليلٌ لمُدَّةِ بَقاءِ الثَّمَرَةِ بعدَ بَيْعِها إلى زَمَنِ أخْذِها وحِيازَتِها.
الثالثُ: إِنَّ التَّمْرَ والزَّرْعَ إذا بَدَا فيهِ النُّضْجُ خَفَّتْ عنه العَاهاتُ والآفاتُ السَّماوِيَّةُ، فلُوحِظَ بيعُها في وَقْتٍ تَقِلُّ فيه إصابةُ الثَّمَرةِ بالجوائِحِ السماويةِ.
5-قالَ الفُقهاءُ: وصلاحُ بَعْضِ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ صَلاحٌ لجميعِ نَوْعِها الذي في البُستانِ إذا بِيعَ صَفْقَةً وَاحِدَةً.
ولا يَصِحُّ بيعُ الجِنْسِ الذي لم يَبْدُ صَلاحُه تَبَعاً للنَّوْعِ الذي بَدَا صَلاحُهُ، هذا هو المَشْهورُ من المَذْهَبِ.
والروايةُ الثانيةُ: يَكُونُ بُدُوُّ الصلاحِ في بَعْضِها صلاحاً للجِنْسِ كُلِّه، وهو اختيارُ كثيرٍ من أصحابِ الإِمامِ أحْمَدَ، وهو قَوْلُ مَالِكٍ والشافِعِيِّ.
6-وإنْ تَلِفَتِ الثَّمَرَةُ بآفةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وهو ما لا صُنْعَ لآدَمِيٍّ فيها؛ كالريحِ، والبَرْدِ، والحَرِّ، فضَمانُها على بائعِها؛ لأنَّ التخليةَ لَيْسَتْ قَبْضاً تَامًّا.
7-قالَ فُقهاءُ الحَنابِلَةِ واللفظُ للشيخِ مَنْصورِ البهوتيِّ: زَرْعُ البرِّ ونحوِه إذا تَلِفَ بجَائِحَةٍ فهو مِن ضَمَانِ مُشْتَرٍ، وليسَ كالثَّمَرَةِ.
لكنْ قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعْدِيُّ: الصحيحُ أنَّ الجَائِحَةَ مَوْضُوعَةٌ عن المُشترِي في جميعِ الثمارِ والحُبوبِ؛ لعُمومِ العِلَّةِ، وهو اختيارُ المَجْدِ وحفيدِه شيخِ الإسلامِ.
8-أمَّا إذا تَلِفَتِ الثَّمَرَةُ أو الزَّرْعُ بفِعْلِ آدَمِيٍّ؛ فإِنَّ المُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ بينَ فَسْخِ البيعِ وأخذِ الثَّمَنِ، وبينَ إِمْضاءِ البَيْعِ ومُطالبةِ مُتْلِفِهِ ببدلِه، واللَّهُ أعْلَمُ.
9-قولُه: " نَهَى البَائِعَ والمُبْتَاعَ ": نهَى البائِعَ لئلاَّ يَأْخُذَ مالَ المشتري بدُونِ مُقابَلَةِ شيءٍ، ونَهَى المُشْتَرِيَ عن هذهِ المُخاطَرَةِ والتغريرِ بمالِه.
10- المَنْعُ من بيعِ الثِّمارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِهَا، والزَّرْعِ قَبْلَ اشتدادِ حَبِّه، هو مَذْهَبُ جمهورِ العلماءِ مِن الصَّحابةِ والتابعِينَ، والأئمَّةِ المُتَّبِعِينَ؛ ذلك أنَّه لا يُؤْمَنُ من هلاكِ الثَّمَرَةِ والحَبِّ؛ لوُرودِ العاهةِ عليها معَ صِغَرِها وضَعْفِها، وإذا تَلِفَتْ لا يَبْقَى للمُشْترِي في مُقابَلَةِ ما دَفَعَ مِنَ الثَّمَنِ شَيْءٌ، وهذا مَعْنَى قَوْلِه: " نَهَى عن بَيْعِ النَّخِيلِ حَتَّى يَزْهُوَ، وعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ ويَأْمَنَ مِنَ العَاهَةِ " رَواهُ مُسْلِمٌ ( 1535 ).

730- وعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّه قالَ: ((مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ الَّذِي بَاعَهَا، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

مُفرداتُ الحديثِ:
-مَنِ ابتاعَ نَخْلاً: أيِ اشْتَرَى أصْلَ النَّخْلِ.
النَّخْلُ: اسْمُ جِنْسٍ يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، والجَمْعُ: نَخِيلٌ.
ويقولُ علماءُ الأحياءِ: النخلةُ شَجَرةٌ من الفصيلةِ النَّخلِيَّةِ، كثيرةٌ في بلادِ العَرَبِ، لا سِيَّما في العِرَاقِ.
-تُؤَبَّرَ: بضَمِّ التاءِ وفَتْحِ الواوِ المَهْموزةِ وتشديدِ الباءِ، آخرُهُ رَاءٌ.
يُقالُ: نَخْلَةٌ مُؤَبَّرَةٌ ومَأْبُورَةٌ، والاسْمُ منه الآبارُ، أمَّا التأبيرُ فهو التلقيحُ، وذلك بأنْ يُشَقَّ طَلْعُ النَّخْلَةِ، ليُوضَعَ فيها شَيْءٌ من طَلْعِ الفُحَّالِ؛ ذَكَرِ النَّخْلِ، وفي ذَكَرِ النَّخْلِ الذي يُلَقَّحُ بهِ لُغتانِ: الأكْثَرُ " فُحَّال، وِزَانَ تُفَّاحٍ، والجَمْعُ فَحَاحِيلُ، والثانيةُ: " فَحْلٌ " مثلُ غَيْرٍ، وجَمْعُه فُحولٌ، مثلُ فَلْسٍ وفُلُوسٍ.
-إلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ المُبْتَاعُ: أي المُشْتَرِي، ولفظُ " المُبْتَاعِ " وإنْ كانَ عَامًّا للبائعِ والمُشترِي إِلاَّ أنَّ الاستثناءَ يُخَصِّصُه للمُشْتَرِي، وأيضاً لَفْظُ الافتعالِ يَدُلُّ عليهِ.

ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1-مَنْطُوقُ الحديثِ أنَّ مَن باعَ نَخْلاً قدْ أُبِّرَ فثَمَرَتُه لبائِعِه.
2-ومَفْهومُ الحديثِ أنَّ مَن باعَ نَخْلاً لم يُؤَبِّرْهُ، فثَمَرُه لمُشترِيهِ.
3-إنِ اسْتَثْنَى البائعُ الثَّمرةَ التي لم تُؤَبَّرْ أو بَعْضَها، فهي له بشَرْطِه.
4- إنِ اشْتَرَطَ المشتري دُخولَ الثمرةِ المُؤبَّرَةِ بالعقدِ، فهي له بشَرْطِه.
5-إنْ كانَ بَعْضُ الثمرةِ مُؤَبَّراً وبعضُه لم يُؤَبَّرْ، فلكُلٍّ حُكْمُه؛ لأنَّ الحُكْمَ يَدُورُ معَ عِلَّتِه وُجوداً وعَدَماً، وهذا هو القولُ الراجِحُ.
6-صِحَّةُ اشْتِراطِ بَعْضِ الثمرةِ مَأْخُوذٌ مِن حَذْفِ المفعولِ بهِ مِن قَوْلِه: " إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ ". لأنَّه صَادِقٌ عليهِ كُلِّه وعلى بعضِه.
7-إنْ كَانَ بَعْضُ التأبيرِ في نَخْلةٍ واحدةٍ، فتَكُونُ كُلُّ ثَمَرَتِها للبائِعِ؛ لأنَّ بَاقِيَها تَبَعٌ لها.
8-أَلْحَقَ الفقهاءُ بالبيعِ جَمِيعَ العُقودِ الناقلةِ للمِلْكِ، من جَعْلِ النخلِ المُؤبَّرِ عِوَضَ صُلْحٍ، أو جُعْلاً، أو صَدَاقاً، أو عِوَضَ خُلْعٍ، أو جَعَلَهُ صَاحِبُه أُجْرَةَ أَجِيرٍ، أو وَهَبَهُ، أو غيرَ ذَلِكَ مِمَّا فيهِ نَقْلُ المِلْكِ.
9- دُخولُ الثَّمَرةِ في البيعِ إذا اشْتُرِيَتْ قبلَ التأبيرِ، أو اشترطَها المشتري وهي مُؤَبَّرَةٌ، يُعَدُّ بَيْعاً للثمرةِ قبلَ بُدُوِّ صَلاحِها، لكنْ رُخِّصَ فيه؛ لأنَّه تَابِعٌ لأصْلِه وليسَ مُسْتَقِلاًّ، والقاعدةُ: ( يَثْبُتُ تَبَعاً مَا لا يَثْبُتُ اسْتِقْلالاً )، وهذه الصُّورَةُ منها.
قالَ شيخُ الإسلامِ: بَيْعُ الزَّرْعِ بشَرْطِ التبقيةِ لا يَجُوزُ باتِّفاقِ العُلماءِ، وإنِ اشتراهُ بشَرْطِ القَطْعِ جازَ بالاتِّفاقِ.
وإنْ بَاعَهُ مُطْلقاً لَمْ يَجُزْ عندَ جماهيرِ العُلماءِ؛ فإنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ نَهَى عن بيعِ الحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ.
10-اعتبارُ الشُّروطِ في البيعِ التي يَشْتَرِطُها البائِعُ أو المشتري ونُفوذُها، فالمُسلِمُونَ على شُرُوطِهم، ومَقاطِعُ الحُقوقِ عندَ الشروطِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, بيع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:34 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir