دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب النكاح

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #5  
قديم 23 ربيع الثاني 1432هـ/28-03-2011م, 03:44 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَصْلٌ
يَصِحُّ تَفْوِيضُ البُضْعِ بِأَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ المُجْبَرَةَ، أَوْ تَأْذَنَ امْرَأَةٌ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِلاَ مَهْرٍ،.........
قوله: «يصح تفويض البضع» ، هذا الفصل يسمونه فصل المُفوِّضة، والتفويض نوعان:
أولاً: تفويض البضع ـ أي: الفرج ـ وذلك بأن يزوج الرجل ابنته المجبرة، أو تأذن امرأة لوليها أن يزوجها بلا مهر، أي: بدون تسمية مهر، كأن الولي فوض إلى الزوج بضع هذه المرأة دون أن يذكر عوضه.
قوله: «بأن يزوج الرجل ابنته المجبرة» ، قوله: «المجبرة» ينبغي أن يُلاحظ أنه على القول الصحيح لا إجبار، لكن على المذهب تقدم أن الأب يجوز له أن يجبر البكر.
قوله: «أو تأذن امرأة لوليها أن يزوجها بلا مهر» فيصح العقد، ولكن لا بد أن تكون رشيدة، مثال ذلك: رجل قال لآخر: زوجني ابنتك وشاوَرَ البنت ورضيت، فقال: زوجتك ابنتي، فقال: قبلت، ولم يتكلموا عن المهر، فهذا يسمى تفويض البضع، وهذا يمكن أن يقع، والفائدة منه أن بعض الناس يمكن أن يستحي أن يقول للخاطب: كم تعطني من المهر؟ فإجلالاً له واحتراماً يزوجه، ولا يتكلم في المهر إطلاقاً، فيجب لها مهر المثل، ودليل ذلك قوله تعالى: {{لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}} [البقرة: 236] .
فأباح الله لنا أن لا نفرض لهن فريضة، وهذا هو تفويض البضع، فإذا حصل الدخول قبل أن يَفرض المهر فالواجب مهر المثل، وإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة، لقوله تعالى في هذه الآية: {{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}} [البقرة: 236] وسيأتينا أن القاضي هو الذي يتولى تقدير المتعة على حسب حال الزوج من غنى وفقر.
ثانياً: تفويض المهر، بأن يذكر المهر دون تعيين، فقال المؤلف:

وَتَفْوِيضُ المَهْرِ بِأَنْ يُزَوِّجَهَا عَلَى مَا يَشَاءُ أَحَدُهُمَا أَوْ أَجْنَبِيٌّ،.........
«وتفويض المهر بأن يزوجها على ما يشاء أحدهما أو أجنبي» مثاله: إنسان خطب من شخص ابنته، ورضي، فقال الخاطب كم تريد مهراً؟ قال: الذي تريد، أو قال الولي للخاطب: كم ستعطني من المهر؟ فقال: الذي تريده ابنتك، ففي الأول المهر مفوض للخاطب، وفي الثاني المهر مفوض للولي.
أو قال الولي: كم ستعطينا مهراً فإن جدها رجل شحيح، فقال الخاطب: الذي يريده جدها، فهنا المفوض إليه أجنبي؛ لأن المراد بالأجنبي هنا غير الولي، والجد لا ولاية له مع وجود الأب.
وما الذي يحمل الإنسان على أن يجعل المهر مفوضاً؟
الجواب: إما إكراماً للزوج، أو أن الزوج مشفق أن يتزوج من هذه القبيلة، ويقول: الذي تريدونه افرضوه.
والفرق بين تفويض البضع وتفويض المهر، أن تفويض البضع لا يذكر فيه المهر إطلاقاً، وتفويض المهر يذكر ولكن لا يعين، لا قدره ولا جنسه ولا نوعه.
في تفويض المهر إذا حصل الدخول يقول المؤلف:
«فلها مهر المثل بالعقد» فيكون ذاك التفويض لا فائدة له، فهذا الرجل دخل على الزوجة بتفويض المهر، فلما كان الصبح أتى بمهر المثل، فقال أولياء المرأة: أنت تقول المهر ما تريده الزوجة، والزوجة تريد بيتاً، وسيارة، وخادماً، فيقول: ما لها إلا مهر المثل، ولو كانت تريد هذه الأشياء لِمَ لمْ تشترطوها عند العقد؟!
ووجه كوننا نرجع لمهر المثل أن هذه التسمية غير صحيحة لرسوخها في الجهالة؛ لأننا إذا قلنا: ما تريده، فما الذي تريده قدراً، وجنساً، ونوعاً؟! فهو مبهم إبهاماً عظيماً، والمبهم إلى هذا الحد ليس بشيء، فنرجع إلى مهر المثل.

فَلَهَا مَهْرُ المِثْلِ بِالعَقْدِ، وَيَفْرِضُهُ الْحَاكِمُ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ تَرَاضَيَا قَبْلَهُ جَازَ،
وقوله: «فلها مهر المثل بالعقد» في كلا التفويضين، في مفوضة البضع لها مهر المثل بالدخول، ولها المتعةُ إذا طلقت قبل الدخول بنص القرآن، وفي مفوضة المهر لها مهر المثل إذا طلقت بعد الدخول؛ لأن القاعدة أنه إذا بطل المسمى فلها مهر المثل، وهنا مهر المثل باطل لعدم العلم به.
فإذا طلقها قبل الدخول فالمذهب قالوا: إن لها المتعة؛ لأن التسمية الفاسدة كعدمها؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل»[(188)] وإذا بطل لم يكن له أثر، وعلى هذا تكون التسمية كلا تسمية، فيلزمه المتعة لقوله تعالى: {{وَمَتِّعُوهُنَّ}} [البقرة: 236] .
والقول الثاني في المسألة: أن لها نصف مهر المثل؛ لأن المهر أشير إليه وفرضت الفريضة، ولكن ما عينت، والذي في القرآن: {{أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}} [البقرة: 236] وهنا فرضت، فقيل: بمهر، ولكن ما عُين.
وعند التأمل في التعليلين يظهر أن المذهب أقوى؛ لأنه مدعوم بالدليل، وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» ، وهذا باطل لفساد تسميته، والباطل شرعاً كالمعدوم حساً، وحينئذٍ نرجع إلى أنه لا تسمية، فيكون لها المتعة.
وقوله: «بالعقد» أي: بمجرد العقد، لا بالتفويض.
قوله: «ويفرضه الحاكم» أي: مهر المثل، والحاكم المراد به القاضي، واعلم أن بعض أهل العلم كره أن يقال للقاضي: الحاكم، لقوله تعالى: {{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}} [الأنعام: 57] وهذا القول ليس بصحيح، بل الصحيح أنه يجوز، وقد دل عليه القرآن، قال تعالى: {{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ}} [المائدة: 42] ، ومعلوم أنه إذا قيل: حكم فلان، فاسم الفاعل من حكم حاكم، ولا شك في جوازه، ولذلك الفقهاء يكادون يجمعون على التعبير بلفظ الحاكم.
وإنما جعلنا الفرض للحاكم؛ لئلا يقع النزاع بينهما، فيقول الزوج: مهر المثل ألف ريال، وهي تقول: مهر المثل ألفان.
قوله: «بقدره» أي: بقدر هذا المهر؛ لأنه إن زاد أجحف بالزوج، وإن نقص أجحف بالمرأة، ويراعى في ذلك حال الزوجة، والزوج لا عبرة به، فلو كانت هي غنية، حسيبة، متعلمة، ديِّنة، بكراً، والزوج فقير، فيفرض المهر على حسب حال الزوجة؛ لأنه عوض عن بضعها.
قوله: «وإن تراضيا قبله جاز» أي: إن اتفقا عليه بدون الرجوع إلى الحاكم فالحق لهما، أي: لا بأس، فلو قالا: لن نذهب إلى القاضي، ونتفق فيما بيننا، فقال الزوج: المهر ألف، وقالت هي: بل ألفان، وتوسط أناس وقالوا: ألف وخمسمائة، وما أشبه ذلك، فلا حرج؛ لأن الحق لا يعدوهما.

وَيَصِحُّ إِبْرَاؤُهَا مِنْ مَهْرِ المِثلِ قَبْلَ فَرْضِهِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا قَبْلَ الإِصَابَةِ وَالفَرْضِ وَرِثَهُ الآخَرُ، وَلَهَا مَهْرُ نِسَائِهَا،..........
قوله: «ويصح إبراؤها من مهر المثل قبل فرضه» [(189)].
قوله: «ومن مات منهما» أي: من الزوجين.
قوله: «قبل الإصابة» أي: الجماع، والخلوة ملحقة به.
قوله: «والفرض» أي: فرض مهر المثل.
قوله: «ورثه الآخر، ولها مهر نسائها» ، فلو فرضنا أن رجلاً عقد على امرأة مفوضة، سواء تفويض بضع، أو مهر، ثم مات، فهنا نسأل عن ثلاثة أشياء:
الأول: هل يجب لها مهر؟
الثاني: هل لها ميراث؟
الثالث: هل تجب عليها عدة؟
أما الميراث فإنها ترث من هذا الزوج بإجماع أهل العلم؛ لأنها زوجة، وقد قال الله تعالى: {{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ}} [النساء: 12] .
وأما العدة فكذلك تجب عليها لعموم قوله تعالى: {{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}} [البقرة: 234] .
وأما المهر فجمهور أهل العلم على وجوبه للزوجة، فتأخذه أولاً من التركة ثم تدلي بميراثها؛ لأنه مات عنها وثبتت لها أحكام الزوجات من العدة والميراث، فيجب أن يثبت لها المهر، فيجب له مهر نسائها؛ وقد ثبت في قصة بروع[(190)] بنت واشق ـ رضي الله عنها ـ أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قضى فيها بأن عليها العدة ولها مهر مثلها والميراث[(191)]، وقال الإمام الشافعي: لو ثبت الحديث لقلت به، والحديث قد ثبت، وإذا كان ثابتاً فيكون هو مذهب الشافعي أيضاً؛ لأنه علق القول به على ثبوته، فإذا وجد الشرط ثبت المشروط، والقياس يقتضي ذلك؛ لأن المرأة ستعتد له فتكون محبوسة له، وترث بالإجماع.

وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا المُتْعَةُ بِقَدْرِ يُسْرِ زَوْجِهَا وَعُسْرِهِ، وَيَسْتَقِرُّ مَهْرُ المِثْلِ بِالدُّخُولِ،.........
قوله: «وإن طلقها» الضمير يعود على المفوّضة، ويلحق بها مَنْ مهرها فاسد؛ لأنه سبق أنه إن بطل المسمى وجب لها مهر المثل.
قوله: «قبل الدخول» هذا فيه شيء من القصور في الواقع؛ لأنه تقدم لنا أن الخلوة، والنظر إلى فرجها، ومسها، وتقبيلها بشهوة يثبت المهر، ولو قال المؤلف: وإن طلقها قبل استقرار المهر، أو قبل وجود ما يستقر به المهر لكان أحسن وأشمل.
قوله: «فلها المتعة بقدر يسر زوجها وعسره» ، لقوله تعالى: {{لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ}} [البقرة: 236] ، فيجب أن يمتِّعها وجوباً، والله ـ تعالى ـ قدر المتعة بحسب حال الزوج، الموسع الغني، والمقتر الفقير المعسر.
قال الفقهاء: أعلاها خادم، يعني يشتري لها مملوكة تخدمها، وأدناها كسوة تستر عورتها في الصلاة، وهذا الذي ذكروه قد يكون موافقاً لواقعهم، لكن الله ـ سبحانه ـ في القرآن ما قدرها بهذا، ومعلوم أن هناك فرقاً عظيماً بين الخادم والكسوة التي تستر عورتها، فالخادم ربما يساوي أكثر من مهر المثل ثلاث مرات، أو أربعة، والكسوة في الصلاة ليست بشيء، وعلى كل حال فقوله تعالى: {{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}} تنبني في كل زمان ومكان على حسب ما يليق، يقال للغني: يفرض عليك شيء بقدرك، ويقال للفقير: يفرض عليك شيء بقدرك.
قوله: «ويستقر مهر المثل بالدخول» هذا ذِكرٌ لما يستقر به المهر، وتقدم أنه يستقر بالموت، وهنا ذكر الدخول وهو الجماع، وكذلك بالخلوة، والدليل قوله تعالى: {{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}} [البقرة: 237] ويستقر ـ أيضاً ـ بلمسها، وتقبيلها ولو بحضرة الناس، وبالنظر إلى فرجها، وقد تقدم عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ، عبارة جامعة: إذا استحل منها ما لا يحل إلا لزوجها فقد استقر المهر.

وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَهُ فَلاَ مُتْعَةَ، وَإِذَا افْتَرَقَا فِي الفَاسِدِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالخَلْوَةِ فَلاَ مَهْرَ، وَبَعْدَ أَحَدِهِمَا يَجِبُ الْمُسَمَّى، وَيَجِبُ مَهْرُ المِثْلِ لِمَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ........
قوله: «وإن طلقها» أي: إن طلقها الزوج، سواء كانت مفوضة أو غير مفوضة.
قوله: «بعده» الضمير يرجع إلى الدخول، ولو قال المؤلف: بعدما يقرر المهر، من دخول، أو خلوة، أو لمس، أو نظر لفرجها لكان أشمل.
قوله: «فلا متعة» لها؛ اكتفاء بالمهر، ولا حاجة للمتعة، ومع ذلك تستحب المتعة للمطلقة ولو بعد الدخول؛ لأنه ثبت المهر بالدخول، واستحبت المتعة بالطلاق، إذ إن الطلاق ـ ولا سيما إذا كانت المرأة راغبة في زوجها ـ فيه كسر لقلبها، وضيق لصدرها، فكان من الحكمة أن تجبر بمتعة، فالمذهب أن المتعة لا تجب إلا لمن طلقت قبل الدخول، ولم يفرض لها مهر، وأما المطلقة بعد الدخول فلا متعة لها؛ لأن لها مهراً، إما المسمى إن سُمِّي، وإما مهر المثل.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: تجب المتعة لكل مطلقة، حتى بعد الدخول، واستدل بقوله تعالى: {{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ *}} [البقرة] والمطلقات عام، وأكد الاستحقاق بقوله: {{حَقًّا}} أي: أحقه حقاً، وأكَدَّه بمؤكد ثانٍ وهو قوله: {{عَلَى الْمُتَّقِينَ}}، فدل هذا على أن القيام به من تقوى الله، وتقوى الله واجبة، وما قاله الشيخ ـ رحمه الله ـ قوي جداً فيما إذا طالت المدة، أما إذا طلقها في الحال فهنا نقول:
أولاً: أن تعلق المرأة بالرجل في المدة اليسيرة قليل جداً.
ثانياً: أن المهر حتى الآن لم يفارق يدها، فقد أُعطيته قريباً.
أما إذا طالت المدة سنة، أو سنتين، أو أشهراً، فهنا يتجه ما قاله شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ فيكون هذا القول وسطاً بين قولين، الاستحباب مطلقاً، والوجوب مطلقاً، وهذا هو الراجح.
والخلاصة: أن المهر يستقر بما يلي:
أولاً: الموت.
ثانياً: الدخول بها، أي: جماعها.
ثالثاً: أن يستحل منها ما لا يستحله إلا الزوج من التقبيل، واللمس، والنظر للفرج، وما أشبه ذلك.
رابعاً: الخلوة عن مميز ممن يطأ مثله بمثله، أي بامرأة يوطأ مثلها.
ويجب مهر المثل إذا كان المسمى فاسداً، أو لم يسمَّ لها مهر.
وتجب المتعة إذا طلقها قبل ما يتقرر به المهر، ولم يسمَّ لها مهر، أو سمى لها مهراً فاسداً.
ويجب نصف المهر إذا طلقها قبل ما يتقرر به المهر، وسمى لها صداقاً.
ويسقط إذا كانت الفرقة من قبلها قبل أن يتقرر المهر.
قوله: «وإذا افترقا في الفاسد قبل الدخول والخلوة فلا مهر» اعلم أن النكاح الفاسد غير الباطل، وهذا مما يختص به النكاح عند الحنابلة، فإنهم لا يفرقون بين الفاسد والباطل إلا في موضعين: أحدهما: هنا في باب النكاح، والثاني: في باب الحج، ففي باب الحج قالوا: إن الفاسد في الحج هو الذي جامع فيه قبل التحلل الأول، ويمضي فيه، والباطل هو الذي ارتد فيه، كحاج استهزأ بآيات الله فصار مرتداً، وبطل حجه.
والفاسد في النكاح ما اختلف العلماء في فساده، والباطل ما أجمعوا على فساده، كنكاح الأخت، كرجل تزوج امرأة، ثم تبين أنها أخته من الرضاع فالنكاح باطل؛ لأن العلماء مجمعون على فساده، ومثال الفاسد النكاح بلا ولي، أو بلا شهود، أو نكاح امرأة رضعت من أمه مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً.
وقوله: «وإذا افترقا في الفاسد» أي في النكاح الفاسد «قبل الدخول والخلوة» أي قبل تقرر المهر «فلا مهر» .
مثال ذلك: رجل تزوج امرأة بدون ولي، ثم قيل له: إن هذا النكاح ليس بصحيح، فطلقها قبل الدخول والخلوة، فلا شيء لها؛ لأن العقد الفاسد وجوده كعدمه لا أثر له.
وهل يلزم بالطلاق؟ نعم يلزم مراعاةً للخلاف؛ لأن بعض العلماء يرى أن النكاح بلا ولي صحيح، فقد يأتي رجل ليتزوجها وهو يرى صحة النكاح بلا ولي، فيقول: هذه إلى الآن في ذمة الزوج الأول، ولذلك يجبر الزوج على الطلاق، فإن أبى فإن القاضي يطلق عليه أو يفسخ.
قوله: «وبعد أحدهما» أي: الدخول أو الخلوة.
قوله: «يجب المسمى» أي المعين، أما بعد الدخول فقد يقال: إن كلام المؤلف صحيح فيجب المسمى، وبعض العلماء يقول: إنه لا يجب المسمى وإنما يجب مهر المثل؛ لأن العقد فاسد، وما ترتب عليه فاسد، فهذه امرأة وطئت بشبهة فلها مهر المثل، والمذهب أنه يجب لها المسمى؛ لأنهما اتفقا على استحلال هذا الفرج بهذا العوض المسمى فيجب، ولكن بعد الخلوة لماذا يجب لها المسمى؟ قالوا في التعليل: إلحاقاً للعقد الفاسد بالصحيح، ولكن هذا القياس غير صحيح؛ لأن من شرط القياس تساوي الأصل والفرع، فكيف نلحق الفاسد بالصحيح؟! ولذلك اختار الموفق وجماعة من الأصحاب أنه لا يجب لها شيء بالخلوة؛ لأن هذا عقد فاسد، لا أثر له، وهو كما لو خلا بامرأة لم يعقد عليها، وهذا القول هو الصحيح أن الخلوة في العقد الفاسد لا توجب شيئاً؛ لأنه لا يمكن إلحاق الفاسد بالصحيح.
قوله: «ويجب مهر المثل لمن وطئت بشبهة» فإذا وطئت امرأة بشبهة، سواء شبهة عقد أو شبهة اعتقاد، فلها مهر المثل؛ لأن الزوج جامعها معتقداً أن هذا الجماع حلال، فوجب مقتضاه وهو مهر المثل، وهذا في شبهة الاعتقاد واضح؛ لأنه ليس هناك عقد سمي فيه مهر، لكن في شبهة العقد إذا كان قد سمى لها مهراً، وجامعها على هذا الأساس، فظاهر كلام المؤلف أن لها مهر المثل؛ وتعليل ذلك أنه لما بطل أصل العقد، بطلت توابع العقد، وهو المهر، فتبطل التسمية، ويجب مهر المثل.
مثال هذا: رجل تزوج امرأة بعقد، ومهر مسمى، ثم تبين أنها أخته من الرضاع، فالشبهة هنا شبهة عقد؛ لأنه تزوجها وجامعها على أنها زوجته، يقول المؤلف: إن لها مهر المثل، ولكن في هذا نظراً؛ لأننا نقول: إنهما قد رضيا بهذا المسمى، وجامعها على أن هذا مهرها، وليس هناك ما يبطله.
فالصواب: أنه إذا كانت الشبهة شبهة عقد، وسمى لها صداقاً فلها صداقها المسمى، سواء كان مثل مهر المثل، أو أكثر، أو أقل.
أما الموطوءة بشبهة اعتقاد فيجب لها مهر المثل؛ لأنه ليس لها مهر مسمى؛ للإجماع، ولولا الإجماع لكان القياس يقتضي أن لا شيء لها؛ لأن هذا وطء بغير عقد، وهو معذور فيه، فكيف يجب عليه مهر المثل؟!
فإن كان أحد يقول: إنه لا شيء لها فهو أحق بالاتباع.

أَوْ زِناً كُرْهاً، وَلاَ يَجِبُ مَعَهُ أَرْشُ بَكَارَةٍ،............
قوله: «أو زنا كرها» أي أن الزاني ـ والعياذ بالله ـ أكره المرأة، فزنا بها فيجب عليه مهر المثل لهذه المزني بها؛ لأنه جامعها مجامعة الرجل لامرأته، هذا إذا كانت مكرهة، وأما إن كانت مطاوعة فليس لها شيء؛ لأنها رضيت بهذا الوطء، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مهر البغي خبيث» [(192)]، ولأنه وطء يعتقد كل من الفاعل والمفعول به أنه محرم، فلا يوجب شيئاً.
هذا ما قرره المؤلف منطوقاً ومفهوماً، فالمنطوق وجوب المهر لمن زُنِي بها كرهاً، والمفهوم عدم وجوب المهر لمن زني بها مطاوِعة.
والصحيح أنه لا مهر، لا في هذا، ولا في هذا؛ لأن الله ـ تعالى ـ أوجب في الزنا حداً معلوماً، فلا نزيد على ما أوجب الله، ولا يمكن أن نقيس هذا الجماع ـ الذي يعتقد المجامع أنه حرام ـ على الحلال؛ ولكن نقيم عليه الحد، فإن كان الرجل بكراً، أي: لم يتزوج من قبل، فحده مائة جلدة وتغريب عام، وإن كان قد تزوج من قبل وجامع زوجته، وتمت شروط الإحصان فإنه يرجم.
قوله: «ولا يجب معه أرش بكارة» أي: أنه إذا زنى بامرأة كرهاً، وهي بكر، وزالت البكارة، فعلى المذهب نوجب عليه مهر المثل، ومهر المثل يدخل فيه أرش البكارة؛ لأننا سنقدر المهر مهر بكرٍ، وحينئذٍ نكون قد أخذنا أرش البكارة فلا يمكن أن نكرر عليه الغرم.
وعلى القول الذي رجحنا ـ وهو أن المزني بها كرهاً أو طوعاً لا مهر لها ـ نقول: يجب عليه أرش البكارة، إذا كانت بكراً وزنى بها كرهاً؛ لأنه أتلف البكارة بسبب يتلفها عادة.
وأرش البكارة هو فرق ما بين مهرها ثيباً ومهرها بكراً، فإذا قلنا: إن مهرها ثيباً ألف ريال، ومهرها بكراً ألفان، فيكون الأرش ألف ريال.
في الوقت الحاضر ترقى الطب، وصار يمكن أن يجعل لها بكارة صناعية، بواسطة عملية جراحية، فإذا قال: أنا لا أعطيكم دراهم، بل نجري لها عملية ونعيد البكارة، فهل يُمَكَّن؟ الجواب: لا، فإذا قال: الأصل أن المثلي يضمن بمثله، فهو أذهب بكارة فيعيد لها بكارة أخرى؟
فنقول: هذا لا يكفي ولا يُطاع؛ لأنه مهما كان من ترقيع فلا يمكن أن يكون كالأصل، مع أننا نرى منع هذه العملية مطلقاً، لأنها تفتح باب الشر، فتكون كل امرأة تشتهي أن تزني زنت، وإذا زالت بكارتها أجرت العملية.

وَلِلمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا الحَالَّ، فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلاً، أَوْ حَلَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، أَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا تَبَرُّعاً فَلَيْسَ لَهَا مَنْعُها،.........
قوله: «وللمرأة منع نفسها حتى تقبض صداقها الحال» الصداق على قسمين: إما حال، وإما مؤجل، فالمؤجل ليس للمرأة طلبه ولا المطالبة به حتى يحل أجله، وليس لها أن تمنع نفسها من الزوج؛ لأن حقها لم يحل بعد، لكن إذا كان المهر حالًّا غير مؤجل، فإن لها أن تمنع نفسها حتى تقبضه.
مثال ذلك: رجل تزوج امرأة على صداق قدره عشرة آلاف ريال غير مؤجلة، فقالت له: أعطني المهر، فقال: انتظري، فلها أن تمنع نفسها، وتقول: لا أسلم نفسي إليك حتى تسلم المهر؛ وذلك أن المهر عوض عن المنفعة ويخشى أن سلمت نفسها واستوفى المنفعة أن يماطل بها ويلعب بها، فيُحرم منها حتى يسلم الصداق.
ومثال الصداق المؤجل: أن يتزوج رجل امرأة بمهر يحل بعد سنة، فليس لها أن تمنع نفسها قبل ذلك؛ لأن موجب العقد التسليم، والعقد قد اشتمل على تأجيل الصداق، وسكوت المرأة عن تسليم نفسها، فيكون تسليمها نفسها واجباً بالعقد، ويكون تسليم المهر واجباً بحلول أجله؛ لأنها رضيت بتأجيله، أما لو قالت: نعم أرضى بالتأجيل، ولكن لا تسليم إلا بعد القبض، فلها أن تمنع نفسها بناء على الشرط، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» [(193)]، أما بدون شرط فليس لها المنع.
وهذه المسألة تدلنا على صحة مسألة مرت في البيع، وهي حبس المبيع على ثمنه، مثل أن يقول البائع للمشتري: ما أسلمك السلعة حتى تسلمني الثمن، فالمذهب أنه ليس له حبسه على ثمنه مطلقاً، والقول الثاني: أن له حبسه على ثمنه، وهو أصح كما سبق.
قوله: «فإن كان مؤجلاً، أو حل قبل التسليم، أو سلمت نفسها تبرعاً فليس لها منعُها» هذه ثلاث مسائل:
الأولى: أن يكون الصداق مؤجلاً فليس لها منع نفسها؛ وقد سبق.
الثانية: إذا حل الصداق قبل التسليم، فليس لها منع نفسها ولو ماطل بذلك، مثل امرأة تزوجت من إنسان بعشرة آلاف مؤجلة إلى شهر شعبان من السنة القادمة، فجاء شهر شعبان ولم يدخل بها والصداق حل، فطلب منها أن تسلم نفسها فقالت: أعطني الصداق، فقال: الصداق مؤجل، فقالت: قد حل الأجل أعطنيه، يقولون هنا: لا تمنع نفسها؛ لأن الصداق وجب مؤجلاً، والتسليم غير مؤجل، فكان عليها أن تسلم نفسها من الأصل قبل حلول الأجل، فانسحب التسليم الواجب قبل حلول الأجل إلى ما بعد حلول الأجل.
والقول الثاني في المسألة: أن الحالَّ قبل التسليم كغير المؤجل، يعني إذا حل الأجل ولم تسلم نفسها وطلب التسليم فلها أن تمنع نفسها؛ لأنه صدق عليه الآن أنه حال، والضرر الذي يحصل لها فيما إذا سلمت نفسها في الحال يحصل لها الآن.
وقولهم: إنه كان مؤجلاً، وإنه كان يلزمها أن تسلم نفسها قبل حلول الأجل، فانسحب الوجوب إلى ما بعده، يجاب عنه بأن هذا صحيح، لكن الزوج لم يطالب بالتسليم إلا بعد أن صار المهر حالًّا، فلا فرق بين الصورتين، وهذا قول في المذهب أيضاً.
الثالثة: إذا سلمت نفسها تبرعاً في الحال؛ ثقة بالزوج على أنه سيسلم المهر، ثم ماطل به، فالمذهب ليس لها أن تمنع نفسها؛ لأنها رضيت بالتسليم بدون شرط، فلا يمكن أن ترجع، ولكن تطالبه، وتحبسه على ذلك.
والصحيح أن لها أن تمنع نفسها؛ لأن الرجل إذا ماطل لا نمكنه من استيفاء الحق كاملاً؛ لأنه لا يمكن أن نجعل جزاء الإحسان إساءة، ولا يمكن أن نخالف بين الزوجين فنعامل هذا بالعدل، وهذا بالظلم، فنقول: كما امتنع مما يجب عليه، فلها أن تمتنع.

فَإنْ أَعْسَرَ بِالمَهْرِ الحَالِّ فَلَهَا الفَسْخُ، وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَلاَ يَفْسَخُهُ إِلاَّ حَاكِمٌ.......
قوله: «فإن أعسر بالمهر الحال فلها الفسخ، ولو بعد الدخول» أي: إذا أعسر بالمهر الحال، سواء كان حالاً من الأصل، أو حل بعد التأجيل فلها الفسخ؛ لأنه لم يسلم لها العوض.
مثال ذلك: رجل تزوج بامرأة على عشرة آلاف حالة، ودخل عليها، فلما طالبته تبين أنه معسر لا شيء عنده، نقول: لها أن تفسخ عقد النكاح، وإذا فسخت بقي المهر في ذمته؛ لأنه استقر بالدخول، وكذلك على القول الراجح إن كان لم يستقر، فلها أن تطالبه بما يجب لها قبل الدخول؛ لأن الفراق هنا بسببه، وقد تقدم أن الفراق إذا كان لعيبه فالفرقة من قبله هو على الصحيح، والمذهب أنها من قبلها.
فإن قال قائل: لماذا لا تقولون: تمنع نفسها حتى يسلمها المهر؟
فالجواب: لأننا لا ندري متى يحصل الإيسار.
ولو أنه أعسر بالمهر، ولكنه لما رأى المرأة تريد أن تفسخ النكاح استقرض وأوفاها، فهل لها أن تفسخ؟
الجواب: لا؛ لأن حقها أتاها، فإذا قالت: أنا لا أريد زوجاً مديناً، قلنا: لا كرامة لك، فكل الأزواج عليهم ديون، فليس لها الفسخ.
وقوله: «فإن أعسر بالمهر» لو رضيت بذلك، وقالت: ما دام أنك معسر، فمتى أيسرت أعطني، ثم رجعت وطلبت أن يعطيها أو تفسخ، فإنه ليس لها ذلك؛ لأنها أسقطت حقها برضاها، ولو تزوجته عالمة بإعساره، والمهر لم يقبض فليس لها الفسخ؛ لأنها راضية بذلك.
قوله: «ولا يفسخه» أي: النكاح.
قوله: «إلا حاكم» لأنه فسخ مختلف فيه، وحكم الحاكم يرفع الخلاف، ويقطع النزاع.
ولكن سبق لنا أن شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ قال: لو قيل إن الفسخ يثبت بتراضيهما، وبفسخ الحاكم لكان له وجه، يعني إذا رضي الزوج والزوجة بالفسخ فلا حاجة للحاكم، فيكتب الزوج: إني فسخت نكاحي من هذه المرأة لإعساري بالمهر، ومطالبتها به، ويعطيها الورقة؛ حتى إذا أرادت أن تتزوج، يكون عندها وثيقة على الفسخ.
أما إن حصل النزاع بأن طالبت بالفسخ فأبى، فحينئذٍ نرجع للحاكم، وما قاله شيخ الإسلام هو الصحيح؛ لأنه إذا كان الطلاق أو الفسخ للعيب إذا تراضيا عليه لا يحتاج إلى الحاكم، فهذا كذلك، وإذا لم يتراضيا فلا بد من حكم القاضي.



[188] سبق تخريجه ص(164).
[189] لم يتعرض الشيخ ـ رحمه الله ـ لشرحها، قال في الروض المربع: لأنه حق لها، فهي مخيرة بين إبقائه وإسقاطه (6/398).
[190] قال في القاموس: بَرْوَع بالفتح كجَدْوَل، وهو عند المحدثين بالكسر.
[191] سبق تخريجه ص(266).
[192] أخرجه مسلم في البيوع/ باب تحريم ثمن الكلب (1568) (41) عن رافع بن خديج ـ رضي الله عنه ـ.
[193] سبق تخريجه ص(165).

 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مسائل, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:05 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir