933- وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ)). رواهُ الأربعةُ، إلا النَّسائِيَّ، وصَحَّحَهُ الحاكِمُ:
وفي روايةٍ لابنِ عَدِيٍّ من وَجْهٍ ضَعِيفٍ: ((الطَّلاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالنكَاحُ)).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* دَرجَةُ الحَديثِ:
الحَدِيثُ حَسَنٌ.
أَخْرَجَهُ أبو دَاوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ وابنُ مَاجَهْ، والدَّارَقُطْنِيُّ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وأَقَرَّهُ صَاحِبُ الإِلْمَامِ، وابنُ خُزَيْمَةَ، كُلُّهم مِن طَرِيقِ عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابنِ مَاهَكَ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ... فذَكَرَهُ. قالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ في مَعْناهُ أَحَادِيثَ أُخَرَ.
قالَ الأَلْبَانِيُّ: والذي تَلَخَّصَ عندِي أنَّ الحديثَ حَسَنٌ بمَجموعِ طَريقِ أبي هُرَيْرَةَ التي حَسَّنَها التِّرْمِذِيُّ، وطَرِيقِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ المُرْسَلَةِ، وقَدْ يَزْدَادُ قُوَّةً بحديثِ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وآثَارِ الصَّحَابَةِ التي تَدُلُّ على أنَّ معنَى الحديثِ كانَ مَعْروفاً عندَهم، واللهُ أعْلَمُ.
* مُفْرداتُ الحديثِ:
- جِدٌّ: بكَسْرِ الجيمِ المُعْجمةِ، وتَشديدِ الدالِ المُهملَةِ، قالَ في (المِصباحِ): جَدَّ فِي كَلامِهِ: ضِدُّ هَزَلَ، ومنه قَوْلُه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وهَزْلُهُنَّ جِدٌّ)).
- هَزْلٌ: ضِدُّ الجِدِّ، فالهَزْلُ هو العَمَلُ يَتَغَلَّبُ فيهِ الهَزْلُ على الجِدِّ، قالَ في (المِصْبَاحِ): هَزَلَ في كَلامِه: مَزَحَ.
- العَتَاقُ: العِتْقُ لُغَةً: الخُلوصُ، وشَرْعاً: تَحْريرُ الرَّقَبةِ، وتَخْلِيصُها مِن الرِّقِّ.
934- وللحارِثِ بنِ أُسامَةَ، مِن حديثِ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنهُ رَفَعَهُ: ((لاَ يَجُوزُ اللَّعِبُ فِي ثَلاثٍ: الطَّلاقِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْعَتَاقِ، فَمَنْ قَالَهُنَّ، فَقَدْ وَجَبْنَ)). وسَنَدُه ضَعِيفٌ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* دَرجَةُ الحَديثِ:
الحَدِيثُ ضَعِيفٌ.
أخْرَجَهُ الحارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِه: حَدَّثَنا بِشْرُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ به.
قُلْتُ: وهذا إسنادٌ ضَعِيفٌ، وله عِلَّتانِ:
الأُولَى: الانقطاعُ بينَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ، وعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ؛ فإنَّه لَمْ يَثْبُتْ لعُبَيْدِ اللهِ سَمَاعٌ مِن الصَّحَابَةِ.
الثاني: ضَعْفُ عَبْدِ اللهِ بنِ لَهِيعَةَ، قالَ الحافِظُ: صَدُوقٌ خَلَّطَ بعدَ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ.
لَكِنْ ذَكَرَ ابنُ حَجَرٍ في (التلخيصِ الحَبيرِ) عِدَّةَ طُرُقٍ للحديثِ، وكُلُّها فيها ضَعْفٌ، لكِنْ تَتَقَوَّى ببعضِها، واللهُ أعْلَمُ، ورُوِيَ مَوْقُوفاً عن عُمَرَ وعَلِيٍّ نَحْوُه.
* مُفْرداتُ الحديثِ:
- وَجَبْنَ: لَزِمْنَ، وثَبَتْنَ، ونَفَذَ حُكْمُهُنَّ.
* مَا يُؤْخَذُ من الحَديثِ:
1- الحَدِيثَانِ يَدُلاَّنِ علَى نُفوذِ الأحكامِ المَذْكُورَةِ، وهي عَقْدُ النكاحِ، والطلاقُ، ورَجْعَةُ الزوجةِ إلى عِصْمَةِ النكاحِ، والعِتْقُ.
2- فهذهِ أحكامٌ سريعةُ النُّفُوذِ، قَوِيَّةُ السَّرَيانِ, مَتَى ما صَدَرَتْ مِمَّن يَمْلِكُها ويَمْلِكُ التصَرُّفَ فيها، فإنَّه لا رَجْعَةَ له فيها بعدَ إطلاقِها.
3- فمَن عَقَدَ على مُوليتِه، أو طَلَّقَ زوجتَه، أو أَعْتَقَ عَبْدَه، نَفَذَ ذلك من حِينِ تَلفُّظِهِ بذلك، سَواءٌ كانَ جَادًّا, أو هَازِلاً, أو لاعِباً، حَيْثُ إِنَّه لَيْسَ لهذهِ العُقودِ خِيارُ مَجْلِسٍ ولا خيارُ شَرْطٍ.
4- وكذا الرَّجْعَةُ تَحْصُلُ مِن حِينِ التَّلَفُّظِ بها، حَيْثُ لا يُشْتَرَطُ رِضَا الزوجةِ، ولا قَبُولُها لذلك.
5- حَدِيثَا البابِ مُخَصِّصانِ لعُمومِ حديثِ: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)).
6- فهذانِ الحَدِيثانِ يُنَبِّهانِ الإنسانَ بأَنْ لا يَمْزَحَ ولا يَهْزِلَ بمِثْلِ هذهِ الأحْكَامِ، كما يَفْعَلُه بعضُ النَّاسِ فِي مَجَالِسِهِم العَامَّةِ والخَاصَّةِ، بَلْ يَكُونُ الإنسانُ حَذِراً؛ لئلاَّ يَقَعَ فِيمَا يُوَرِّطُه مِن الأُمورِ.
7- الحِكْمَةُ ـ واللهُ أعْلَمُ ـ في سُرعةِ نُفوذِ وسَريانِ النِّكاحِ والرَّجْعَةِ والعِتْقِ، تَشَوُّفُ الشَّارِعِ إلى إِيقاعِها، فصَارَتْ نَافِذَةً سَارِيَةً مِن حِينِ إِطْلاقِها.
8- أَمَّا الطَّلاقُ فالحِكْمَةُ ـ واللهُ أعْلَمُ ـ أنَّه خَطِيرٌ جِدًّا، وأَنَّ تَكْرِيرَه مِمَّا يَجْعَلُ الزَّوْجَةَ مُطَلَّقَةً أَجْنَبِيَّةً، وأنَّ مُعاشَرَتَها ومُباشَرتَها مُحَرَّمَةٌ، وأنَّ غَالِبَ المُطَلِّقِينَ هم أصحابُ الانفعالاتِ النَّفْسِيَّةِ، ولَيْسُوا غَالِباً من المُستقِيمِينَ؛ فخَشْيَةً مِن أَنْ يُنْكِرَ نِيَّةَ الطلاقِ وقَصْدَه، ويَتَلاعَبَ بذلك، جُعِلَ نافذاً عليهِ، وسَارِيَ المفعولِ، ولو لَمْ يَنْوِ أو يَقْصِدِ الطلاقَ.
9- أَجْمَعَ العلماءُ على أنَّ مَن طَلَّقَ زوجتَه، طُلِّقَتْ عليهِ، سَواءٌ كانَ في طَلاقِه هَازِلاً أو جَادًّا، وأنَّه لا يَنْفَعُ أنْ يَقُولَ فيه: كُنْتُ لاعِباً، أو هَازِلاً.