ص: ولا حكم قبل الشرع بل الأمر موقوف إلى وروده وحكمت المعتزلة العقل فإن لم يقض فثالثها لهم الوقف عن الحظر والإباحة.
ش: مذهب أئمتنا أنه لا حكم قبل ورود الشرع، وظاهر كلام المصنف انتفاء الحكم نفسه، وهو الذي حكاه القاضي أبو بكر في (مختصر التقريب) عن أهل الحق، وقاله الإمام في (البرهان) والغزالي، وقال النووي: إنه الصحيح عن أصحابنا.
وقيل: المراد عدم العلم بالحكم أي: إن لها حكماً قبل ورود الشرع، لكنا لا نعلمه، وقال البيضاوي، إنه مراد الأشعري بالوقف في هذه المسألة، لأن الحكم عنده قديم، فتفسير الوقف بعدم الحكم يلزم منه حدوث الحكم، وهو خلاف مذهبه، وقول المصنف: (بل الأمر موقوف إلى وروده) دفع به توهم ما قاله البيضاوي، وبين أن مرادهم بالوقف أن الأمر موقوف إلى ورود الشرع، وأن الحكم منتف قبل وروده، وذهبت المعتزلة إلى أن ما قضى فيه العقل بحسن أو قبح، اتبع فيه حكمه، وانقسم إلى الأحكام الخمسة، فما قضى بحسنه إن لم يرجح فعله على تركه، فهو المباح، وإن ترجح فإن ألحق الذم على تركه فهو الواجب، وإلا فهو المندوب، وما قضى بقبحه إن قضي بالذم على فعله فالحرام، وإلا فالمكروه، وإن لم يقض فيه بشيء ففيه ثلاثة مذاهب: أحدها: الحظر، والثاني: الإباحة، والثالث: الوقف.
قال ابن التلمساني: والقائلون بالحظر لا يريدون أنه باعتبار صفة في المحل، بل حظر احتياطي، كما يجب اجتناب المنكوحة إذا اختلطت بأجنبية، والقائلون بالوقف أرادوا وقف حيرة، هكذا حرر الآمدي وابن الحاجب موضع الخلاف، وأطلقه في (المحصول) وقال القرافي: إطلاقه الخلاف ينافي قواعدهم، إذ الحظر يقتضي تحريم إنقاذ الغريق، والإباحة تقتضي إباحة القتل، أما ما لم يطلع العقل على مفسدته أو مصلحته فيمكن أن يجيء فيه الخلاف، ثم رأيت كلام أبي الحسين، في (المعتمد) حكى عنهم الخلاف من غير تقييد، وهو أعلم بمذهبهم فرجعت إلى طريقة الإمام.